أنقبض قلب السيدة "رقية" بعنف ، شعرت بشيٍ سئ سيحدث ، بجانبها "ملك" بملامحٍ مذعورة تحاول مواسيتها ، بينما "مريم" تقف مكتفة ساعديها أمام ص*رها تطالعهم بتململ غير عابئة بتلك السيدة الكبيرة التي على بدت وكأنها على مشارف الموت ، صرخت بها "ملك" لتأتي بكوب من الماء ، تصنعت "مريم" أنها لم تسمعها و هي تنظر لأظافرها باهتمامٍ زائف ، ركضت "ملك " بدلا عنها لتأتي بكوب ماء ، جلست تحت أقدام والدتها ثم أعتطها الكوب لترتشف ببطئٍ ، عادت تتنفس بشكلٍ طبيعي لتزفر "ملك" بإرتياح حقيقي و هي تقول مربتة على كتفيها :
- بجيتي كويسة يا اما ؟
أومأت السيدة رقية ببطئ و لكنها قالت بنبرة قلقة :
- أنا بخير يابنتي أطمني ، أنا بس جلبي مقبوض أجده و كأن في حاجة عفشة هتُحصل ..!!!
ربتت "ملك" على كتفيها في محاولة بائسة لتطمئنها ، لكن كيف تطمئنها و هي من الأساس توازيها إحساساً بالخوف ، نهضت "ملك" من جوار والدتها لتلتفت إلى "مريم" التي ترميهم بنظراتٍ ساخرة ، لتردف بوقاحة بالغة :
- خلصتوا التمثيلية البايخة ديه ؟
لم تستطيع "ملك" أن تتحمل ، رفعت كفها عالياً لتهوي به على صدغ "مريم" بقوة صارخة بها يجنون :
- أكتمي مش عايزة أسمعلك حس !!!
ألتف وجه "مريم" إلى الجهة الأخرى ، تلونت عيناها باللون الأحمر القاني ، شهقت السيدة "رقية" لتنتفض صارخة بـ "ملك" :
- مـلـك !!!!!!
أعتدلت "مريم" بوقفتها مطالعة "ملك" بنظراتٍ لو كانت تُقتل لكانت "ملك" جثة هامدة ، ولكنها شخصت أبصارها خلف "ملك" مطالعة"ظافر الذي ولج لداخل القصر ، أنزوت شفتيها بمكرٍ و في ثواني معدودة كانت تركض صوب "ظافر" الذي تجمد ما إن طالع وجهها الذي تلون باللون الأحمر ، أرتمت "مريم" بأحضانه متشبثه بخصره بقوة لتقول بصوتٍ باكي :
- ألحجني يا ظافر ، أختك ض*بتني يا ظافر !!!!
أنزوى ما بين حاجبيه و هو يطالع أخته بنظرة أخرستها ، كانت نظرته تطالبها بتفسيرٍ في الحال ، لم ترتعب من نظرته على ع** العادة ، همت بالحديث ولكن "مريم" قاطعتها حاظية بتلك الفرصة الذهبية لتتشبث بذراع زوجها بقوة و هي تردف ببكاءٍ زائف :
- انا معملتش حاچة يا ظافر ، الحاجة رقية تعبت فچأة و انا چريت چبتلها ماي "ماية" اختك رمتها من يدي و ض*بتني بالجلم !!!!!!!
أشتد فكه ، وجه نظرات نارية إلى "ملك" التي فغرت شفتيها بذهول ، لم تتوقع وقاحتها التي تزايدت عن حدها ، صكت أسنانها و هي تضيق عيناها ناظرة لها بإشمئزاز ، لم يبالي "ظافر" لهم بل ركض بأقصى سرعته إلى والدته التي يدى الإرهاق كاسياً وجهها ، ق*فص على ركبتيه ممسكاً بكفيها المجعدان ليقبل كليهما بحنانٍ جارف و هو يقول مربتاً على كفيها :
- أنتِ كويسة يا أمي ، تعالي نطلع على أكبر دكتور في مصر .
لانت نظراتها و هي تطالعها ولدها الأكبر ، لطالما أعتبرته بمثابة السند لها ، الدرع الحامي لها دائماً ، هي تحب "باسل" و "مازن" بالطبع و لكن هو له معزة خاصة بقلبها ، أمتد كفها الواهن لتربت على وجنتيه بحنان أموي غريزي و هي تردف بلطف :
- لاه يا جلب أمك ، أنا زينة مافييش حاچة ..
لم يريد أن يضغط عليها ، أومأ بإبتسامة باهتة ثم نهض مجدداً بطوله الفارع ، لم يتكبد عناء النظر إلى "ملك" أو "مريم" ، صعد على الدرج بخطواتٍ سريعة ، ذهب مباشرةً إلى غرفته ، تلك الغرفة التي لا يدخلها أحد على الإطلاق ، و من يتجرأ و يُعصي أمره ؟! ، حتى زوجته لم تلج لها منذ زواجهما ، ليس بها شئٍ مثير للأهتمام فقط فراش وثير يتوسط الغرفة مع شاشة تلفاز كبيرة ، و مرحاض واسع ملحق به ، ولكنها غرفة يجد بها نفسه ، يبتعد عن ضجة الحياة ويهرب لها .. أخرج مفتاح الغرفة بين العديد من المفاتيح المصحوبة لها ، دس المفتاح بالباب ثم دلف للغرفة ، أوصد الباب خلفه ثم توجه مباشرةً إلى الشرفة الملحقة بالغرفة ، ولج لها لينزع بذلته ، حرر أزرار قميصه و كأن شيٍ ما يطبق على أنفاسه ، حتى جلس عاري الص*ر ، استند بيداه على حافة الشرفة ، يطالع المنظر الذي أمامه بعينان فارغة ، عينان نُزعت منهما الحياة نزعاً ، شارد بالا شئ ، بزوجته التي للأنلم تنجب له ولدٍ يحمل أسمه ، يكمل نسل عائلة الهلالي ، ولكن كيف و زوجته عقيمة لا تنجب ، فعلوا كل شئ ، الكثير من العمليات الجراحية الباهظة و لكن لا فائدة ، دون عن ذلك والدته التي تحثه ان يتزوج من أخرى تنجب ولداً يكمل نسل العائلة و أسمها العريق ..
أخرج هاتفه من جيبه ، عبث بـ شاشته ثم وضعه على أذنه ، أنتظر قليلاً ليأتي صوت باسل من الطرف الأخر ، نفث "ظافر" دخان سيجارته والنيران تنبث من حدقتيه لا سيجارته ، ظهر صوته ببحته المميزة :
- أنتوا فين !!
- جايين يا ظافر ، جبت مازن والبنت وجاي .
• • • •
منذ ركوبها تلك السيارة و هي تشعر بشئ أشبه بحجرٍ كامن على ص*ره ، فقط تسند رأسها على النافذة تذرف الدموع بعدما أرغمها هذا ال "باسل" بالصعود بالسيارة ، رُغم صراخها بأن يتركها في سبيلها إلا أنه لم تنتصر عليه بالنهاية لينتهي بها المطاف جالسة بجانبه بينما هو يجلس خلص المقود و لتوه أنها مكالمه مع مجهولٍ -بالنسبة لها- ، و ما زاد الطين بلة إلا هذا الحقير الذي يجلس خلفهما ، تجنبت تماماً النظر إليه مثلما أخبرها "باسل" ، من الحماقه أن تصعد بسيارة بها رجلين إحداهم كاد أن يسلب منها أعز ما تملك ، و لكن هي تثق بعض الشئ في "باسل" .. و هذه أيضاً حماقة ..
بعد مرور أكثر من ساعتين ، صف "باسل" السيارة بموقف السيارات الخاص بهم والذي ضم الكثير من السيارات الفخمة ، ترجل "باسل" من السيارة مطلقاً زفيراً ، هو يعلم جيداً كيف يفكر "ظافر" ، يعلم ان "مازن" سيتلقى صفعة لم يرى لها مثيل من قبل ، نظر إلى "مازن" بإشمئزاز و هو يراه يترجل من السيارة بينما مقدمة رأسه محاوطة بشاش طبي ، كاد أن يهجم عليه و هو يراه يطلق صفيراً مدوياً ، ألتف حول السيارة ليفتح بابها مخرجاً "رهف" التي كانت ترتجف كالجرذ المبلل ، أقبض على رسغها البارد بقوة ليتجه بها نحو القصر ..
لم تستطيع "رهف" إخفاء دهشتها من ذلك القصر الفخم والمكون من أربع طوابق ، سارت خلف "باسل" و هي لا تستطيع مقاومة فضولها لرؤية القصر من الداخل ..
• • • •
رآهم عبر النافذة ، طالع "مازن" بنظرات متوعدة قاسية ، أرتدى قميصه الأ**د ثم شمر عن ساعديه ليخرج من الغرفة موصداً بابها بالمفتاح من الخارج ، و بخطوات رزينة هادئة كالهدوء الذي يسبق العاصفة ، لم يلاحظه "مازن" أبداً ، بينما والدته فور ما رأته بتلك الحالة ركضت نحوه لتحاوط وجهه المضمد و هي تقول بفزع غريزي :
- واه !! مين اللي عمل فيك أكده يابني أيه اللي حُصُل !!!!
طالع "مازن" والدته بإبتسامة باردة و هو يقول بلا مبالاة :
- مافيش حاجة انا بس آآآ ..
- كنت هغتصب بنت .. مش كدة ؟
قاطعه "ظافر" بنبرة باردة و هو يقف أمامه و والدته الحاجز بينهما ، شخّص "مازن" بصره على أخيه بهيبته المعهودة ، بلل شفتيه و هو لا يستطيع حتى أبتلاع ريقه ، وقف الحديث على طرف شفتيه وكأنه فقد النطق ، أعتدل بوقفته أمام أخيه و رسم -ببراعة- البراءة على وجهه علّ "ظافر" يرأف بحاله و هو يقول بنبرة خافته نسبياً :
- أبيه أنا مكنتش أقصد أنا ...
لم يستطيع حتى أن يُكمل عبارته ليجذبه "ظافر" من خصلاته بقوة مبعداً إياه عن والدته حتى لا يحتمي بها ، كان أن يقتلع خصلاته بيده حتى تأوه "مازن" بقوة و هو يحاول إبعاد كف أخيه عن خصلاته ، بينما ض*بت السيدة "رقية" على ص*رها بقوة على صغيرها الذي وقع بـ يد "ظافر" ، حاول أيضاً "باسل" التدخل و لكن منعه "ظافر" بإشارة من يده و نظرة كانت كفيلة بعودة "باسل" إلى محله ، أبتسمت "رهف" شبح أبتسامة و هي ترى من أراد أنتهاك حرمتها أصبح كالجرذ الذي وقع بالمصيدة ..!!
- من أمتى و أحفاد الهلالي بيتعرضوا لحُرمة يابن ال*** !!!
هتف "ظافر" بجملته التي تردت صداها في القصر بأكمله تلاها لكماتٍ وجهها إلى "مازن" على أماكن متفرقة من جسده ، أشتعل القصر بصراخ "ظافر" بأب*ع السباب و أستنجاد "مازن" و صراخه يكاد يخترق أذان المتابعين ب**ت ، فـ هُم يعلموا جيداً أن من يحاول التدخل سينفجر بهما "ظافر" ..
طُرِح "مازن" أرضاً و قوته تخور شئٍ فـ شئ ، لم يرحمه "ظافر" و لم يشفق عليه مقدار ذرة ، بل ظل يركله بقدمه بقوة حتى بصق "مازن" دماءٍ ..
حتى "رهف" أشففت عليه قليلاً و هي تراه يتلقى لكمات مفزعة في جميع أنحاء جسده ..
وقع قلب السيدة "رقية" أرضاً التي ظلت تنوح و تض*ب ص*رها على ما تراه من مشهد مُرهق لقلبها ، رؤية بِكرها يض*ب أخيه الأصغر كان بمثابة لكمة بقلبها ، و كأن من يُض*ب هي ليست ابنها !!
لم تعلم ما تفعل غير البكاء و بجانبها "باسل" محاولاً تهدئتها و هو يحاول إقناعها بأن تعود للغرفة ولكنها أبت صارخة بوجهه بقوة ، ولكن عندما رأت فلذة كبدها وجهه مغطى بالدماء بالكامل ركضت نحو أبنها الاكبر تض*به بقوة في ص*ره الذي يعلو و يهبط ، ظلت تض*بة بهستيرية و هي تصرخ به بقوة ، انخفضت ض*بات قلبها تدريجياً لتتهاوى بين يدي "ظافر" مغشياً عليها ..
عيناه حمراوتان بطريقة يُرثى لها ، الإرهاق بادياً على وجهه بوضوح ، يشعر بضيق في ص*ره و بعلقم في جوفه ، بمجرد التفكير بأنه أمه مستلقية على فراشٍ أبيض بسببه يجعله يود قتل نفسه ، والدته هي أغلى شخصٍ بحياته .. لا يستيطع الإستغناء عنها، لم يكن قلقاً على مازن _الراقد بجانب غرفة والدته_ بقدر قلقه على والدته ، بغضون ساعات تحولت حياتهم إلى جحيمٍ مُهلك ، راقب بعيناه "باسل" الذي يسند رأسه على كفيه بجانبه "رهف" يبدو عليها الذعر ،و زوجته التي للتو علِمت ما حدث و هي أيضاً يبدو عليها القلق ، مروراً بشقيقته التي تبكي بحرقة بين أحضان عمتها ، عيناها منتفخة و صوت بكائها يقطع نياط القلوب ، اقترب من مقعدها ليجلس جانبها .. وبهدوءٍ نزعها من أحضان عمتها ليُسند رأسها على ص*ره ، أجهشت "ملك" بالبكاء أكثر و تمسكت بقميص "ظافر" بقوة و هي تقول بحرقة :
- ماما يا ظافر .. أمي هتروح منا .
مسح على ظهرها بيدٍ وبالأخرى شدد على عناقها و هو يقول بنبرة حاول أن يجعلها جامدة مخفياً البراكين في قلبه :
- أهدي يا حبيبتي أمك هتجوم و ترجع أحسن من الأول .. أهدي .
ظلت تبكي بين أحضانه حتى غلبها النعاس ، عندما ثقلت رأسها على ص*ره علم أنها نامت ، أشار لـ "باسل" بعيناه ان يحملها من بين يديه و هو يقول : خدها يا باسل على البيت و خلي الخدامين ياخدوا بالهم منها ..
أومأ "باسل" ب**ت ولم ينبت ببنت شفة ليلتقط "ملك" من بين يدا أخيه، همَّ بالذهاب ليجد "رهف" تتشبث بذراعه قائلة بنبرة خائفة :
- ممكن أجي معاك .. أنا خايفة اقعد هنا لوحدي ..
أومأ ب**ت فـ هو أيضاً يشعر بالشفقة عليها، خرج من المشفى حاملاً اخته و "رهف" تمشي بجانبه من**ة برأسها و هي تفرك اصابعها بتوترٍ ، وضع "باسل" "ملك" في الأريكة الخلفية للسيارة ، ليستقل هو امام المقود و تعقبه "رهف بالمقعد جواره ، أنطلق "باسل" بالسيارة بوجهٍ مُبهم ..
• • • •