وقفوا في ممر المشفى قبالة بعضهم ، "ظافر" يضع يده في جيب بنطاله الأ**د منتظراً منها أن تتحدث ، أخذت "ملاذ" مهمة البدأ بالحديث قائلة بنبرة آسفة :
- بدايةً أنا بعتذر على اللي حصل أخر مقابلة بينا ، أنا عارفة أني كنت غِلسة شوية بس أنا أتعصبت لما شوفت الزفت أمير دة ..
تخلى "ظافر" عن **ته قائلاً :
- ولا يهمك ..
رسمت أبتسامة على ثغرها و هي تقول بمرحٍ :
قولي بقا يا سيدي نبدأ الت**يم أمتى ؟
- الوقت اللي تعوزوه ..
أومأت "ملاذ" بإبتسامة لتعود إدراجها الغرفة ، دلفت للغرفة لتخبرهم بلزوم ذهابها الأن ، أعترضت "السيدة رقية" بقوة قائلة بنبرة لا تقبل النقاش :
- معقولة يا بتي ، يعني تبقي ضاربة مشوار لحديت الصعيد و تمشي أكده على طول ؟ لاء ميصحش دي مش عوايدنا ، متقول حاجة يا ظافر !!
ألتفت لها "ظافر" قائلاً :
- أقعدي يا أنسة ملاذ ، الدكتور هيكتب للحاجّة على خروج دلوقتي و روّحي معانا أتغدي و أنا تبقى أوصلك ..
رسمت "ملاذ" الخجل على وجهها قائلة بترددٍ زائف :
- بس آآ ..
- مافيش بس !!!
قاطعتها والدة "ظافر" بنبرة حادة ..
و كأنها تجلس على جمرٍ مشتعل ، تهدج ص*رها بعنف و عيناها تقطر حقداً ، تود أن تقفز عليها لتوسعها ض*باً ..
سارت الإجراءات سريعاً وخرجت والدة "ظافر" من المشفى ، أخبر "باسل" "ظافر" بأن يذهبوا بمفردهم و هو و "رهف" سيلحقا بهم بسيارته ، أومأ "ظافر" رغم أستغرابه أن "رهف" تلك لم تذهب لبيتها إلى الأن ..
جلست "السيدة رقية" بالأمام جوار "ظافر" بوجهٍ يظهر عليه الإعياء والحزن ، نظرت له "السيدة رقية" قائلة بترددٍ :
- ظافر .. كنا استنينا مازن عشان نطمن عليه آآآ
بتر عبارتها بنبرة حادة :
- أمي لو سمحتي متفتحيش الموضوع دة .. أعتبري أن مازن مـات !!!
ساد جو من االشحنات المذبذبة ، والدته بدت و كأنها فقدت النطق ، وقفت الكلمات على طرف شفتيها ، بينما كانت "ملاذ" تجلس بالأريكة الخلفية جوار "ملك الجالسة بالمنتصف وعلى يسارها "مريم" التي تفادت الجلوس بجانب تلك الفتاة ، قطبت "ملاذ" حاجبيها عندما حذرّت أن أخيه أيضاً بالمشفى ، ويجب أن تعلم لماذا و بأسرع وقت لديها ..
• • • •
أستقلت السيارة جواره و هي تفرك يديها ببعضهما بتوترٍ ملحوظ ، لا تصدق أنها ستتزوج شقيق م***بها ، ولكن ما يُطمئنها أن "باسل" ليس كأخيه أبداً ، هي بدون أسباب يطمئن قلبها عندما تكُن جواره ، انطلقت السيارة سريعاً مما جعل "رهف" تشعر وكأنهما يسابقا الرياح ، أنتفض قلبها من محله عندما قال "باسل" :
- أوصفيلي عنوان بيتك ..!!
ابتلعت شهقة كادت أن تص*ر من داخل جوفها و هي تقول بعينين متسعتين :
- لـيـه ؟!! أنت .. أنت هترجعني ليهم ؟!!
تابعت وقد بدأت عيناها بذرف الدموع و هي تقول بتوسلٍ :
- عشان خاطري بلاش ترجعني ليهم ، هبقى خدامة تحت رجليك بس بلاش ت..
بتر عبارتها و هو يقف بالسيارة بقوة حتى أنها أرتدت إلى الوراء ، ألتفت لها ليقبض على كفيها بحنو ظهر في نبرة صوته :
- أهدي .. مستحيل أرجعك ليهم .. و أوعي تاني مرة ترخصي نفسك كدة ، أنتِ مش خدامة يا رهف ، أنتِ غالية جداً عندي ..
لم تفلح كلماته إلا في زيادة بكاءها أكثر ، لأول مرة يعطف عليها شخص في حياتها بعد والدها ، منذ أن مات والدها اصبحت هي في تقف أمام الدنيا بمفردها ، تتلقي صفعة تليها الأخرى و تتوالى الصفعات على حياتها ، لم يواسيها شخص حتى و إن كانت كلمة ، نظرت "رهف إلى حدقتيه الحانية ، يتدفق من داخلهما دفئٍ يجعلها تتمنى لو أن تسكن بعيناه طيلة حياتها .. بعدما هدأت وصفت له عنوان بيتها في المنطقة التي تسكن بها ..
عندما وصلا أمام بيتها ، ترجل كلاً من "باسل" و "رهف" تلحقه ، جالت نظرات من المارّة من تلك السيارة الفخمة التي ولأول مرة تزور حيّهم الشعبي ، ألتهمتها النظرات الحاقدة و المنفرة ، أبتسمت بسُخرية محدثة نفسها :
- طبعاً مستنيه ايه لما تباتي يومين برا البيت و فالأخر تيجي ومعاكي واحد بعربية واو .. مستنيه ايه غير النظرات دي ..
صعدا كلاً منهما الدرج المتهالك ، تعالت ض*بات قلبها بتوجسٍ و هي لا تعلم ماذا ستقول لوالدتها ، و مجدداً سترى وجه زوج والدتها البغيض ، أشارت "رهف" إلى "باسل" على باب شقتها ، أنتصب "باسل" بجسده العريض .. بينما "رهف" تقف خلفه ينتفض جسدها بين الفينه والاخرى ، فتح زوج والدتها و الملقب بـ "بُرعي" ، أعتلت ملامحه ارتباك جليَّ و هو يطالع "باسل" الذي يفوقه طولاً و عُرضاً ، إزدرد ريقه قائلاً بتوجسٍ :
- خير يا بيه ؟!! انت مين ؟
ثم طالع "رهف" التي تقف خلفه بغضب عارم مسطرداً :
- ولا بنت الـ *** دي عملت حاجة ؟!!
قست ملامحه بطريقة مُرعبة ، أ**دت عيناه التي ترمقه بتوعدٍ لسبّ زوجته المستقبلية ، زجره في كتفه ليُزيحه من أمامه ، دلف للمنزل بعينان تجولتا في أنحاءه ، كان بسيط ومتواضع للغاية ، دلفت "رهف" وراءه و هي تنظر لزوج والدتها بق*ف تجلى على صفحات وجهها ، مضت نحوهم والدة "رهف" ، سيدة بدينة الجسد بعض الشئ تعشق زوجها الذي أستغل هذا العشق لينهب نقودها و ليتحرش بأبنتها ، و لأنه تثق به ثقة عمياء فدائماً عندما تخبرها أبنتها أنه يحاول التحرش بها لا تصدقها و في بعض الأحيان تصفعها بقوة لتكف عن الافتراء عليه -كما تظن هي- ..
نظرت السيدة "زهرة" (والدة رهف) إلى أبنتها بغضب و هي تصيح بها :
- كُنتِ فين بابت !!! بنتيمينا على ودانا وتدوري على حل شعرك !
لاذت "رهف" بال**ت ولم تعلّق ، بادر "باسل" قائلاً بنبرة تحذيرية رافعاً سبابته بوجهها :
- لولا أنك ست كبيرة كنت رديت عليكي .. بس عيلة الهلالي مبتض*بش نسوان !!
- عيلة الهلالي !!!
أردف بها "بُرغي" بنبرة مرتابة ، فـ هو قد سمع الكثير عنها و عن صيتها و ثراءها الفاحش ، أبتلع ريقه و هو يطالع "باسل" بتوجس قائلاً :
- و ابن سرحان الهلالي عايز مننا ايه ؟!!
ألتفت له "باسل" مجاوراً "رهف" ، قبض على يدها بتملكٍ و هو يقول :
- هتجوز رهف !!!
• • • •
صف "ظافر" سيارته في موقف السيارات الملحق بالقصر .. أسند والدته حتى تستطيع السير بينا ترجل كلاً من "ملاذ" و"مريم" و "ملك" ، دلفوا جميعهم إلى القصر لتنظر "ملاذ" إلى باحة القصر والحديقة التي زُينت بزهور أنواع مختلفة و ألوان مبهجة ، تغلغلت رائحة الزهور الذكية إلى روح "ملاذ" ، أستنشقتها "ملاذ" سامحة لها بالتعمق داخل جوارحها ، رأتهم جميعهم يدلفون إلى القصر يساندون السيدة "رقية" بينما وقفت هي بالحديقة تطالع الزهور من حولها ، لفت أنتباهها زهرة حمراء نبتت وسط الزهور البيضاء حولها ، بدت متميزة عن باقي من حولها ، سارت لها رغماً عنها تطالعها كم هي براقة و لامعة ، أمتدت أناملها الرقيقة لها لتتلمسها بلطف ، دائماً ما كان لونها المفضل هو الأحمر ، ترى به نفسُها و كأنه مرآة تنع** لها .. لم تلاحظ أبداً ذلك الذي يقف خلفها يضع كِلتا يداه في جيبه ، عيناه تكاد تثقب ظهرها بنظرات كالصقر ، و بدون مقدمات أردف بنبرة غامضة :
- عجبتك ؟!!
أنتفض جسدها بذعر مطلقة شهقة عنيفه لتفاجأه بصوته ، التفتت له في حدة صارخة بغضبٍ أهوج :
- في حد يخض حد كدة !!!
أحتدت عيناه عند صراخها بوجهه بتلك الطريقة ليهتف بنبرة حادة و نظرات صارمة محذرة :
- متعليش صوتك !!!
- أنا أعلي صوتي براحتي !!
قالت بعناد ولهجة باردة و هي تكتف ذراعيها أمام ص*رها مطالعة إياه بتهكمٍ أغضبه ..
وجّه لها نظرة غامضة ليتحرك من أمامها يطوي الأرض بقدميه بعينان مشتعلتان من الغضب ، دلف إلى القصر تاركاً باب القصر مفتوح ..
بينما الأخيرة أنعقد ما بين حاجبيها بغرابة .. لِمَ لم يصرخ بها ؟ لِمَ لم يعنفها ؟ أو لِمَ لما يقوم بطردها خارج قصره ؟ دارت تلم الأسئلة في عقلها و لكنها لم تجد أية إجابة لها ، دلفت إلى القصر بخطوات بطيئة ، شردت بذهنها و هي تسير داخل القصر عيناها تتجول على كل أنش به ، لم تجد نفسها إلا وهي تصتطدم بـ "ظافر" بقوة لترتد للخلف بألم و كأنها أصتدمت بحائط ضخم ليس بإنسان ، قطب "ظافر" حاجبيه بغضب صارخاً بها :
- مش تاخدي بالك أيه عميتي !!!!
تفاجأت من ردة فعله الغاضبة و صراخه بوجهها لتصرخ بوجهه هي أيضاً بعنفٍ :
- أنت بتزعق ليه انا مكنتش اقصد ..
- يعني أيه مكنتيش تقصدي أنتِ غ*يه مش تبصي قدامك !!!
ض*بت الأرض بقدميها بغضب صارخة به بإحتجاج :
- متقولش عليا غ*يه و متزعقش !!!
وقفت "ملك" خلفهم فارغة فاهها بصدمة و كأنها تشاهد طفلين يتشاجروا أمامها ، لم تستطيع كتم ضحكتها لتدوي بالقصر و هي تنحني من شدة الضحك ، ألتفتا لها يقولان معاً بغيظ :
- بتضحكي على ايه ؟
نظرا كلاهما لبعضهما البعض بغيظ لتستطرد "ملك" محاولة إيقاف ضحكاتها :
- عاملين زي العيال الصغيرة !!
- مـلـك !! حاسبي على كلامك ، هي اللي عيلة !!!
نظرت له "ملاذ" بشرارات تخرج من حدقتيها ليقول "ظافر" بجمودٍ إلى "ملك" :
- وصلي ضيف*نا لأوضة الضيوف .
أومأت "ملك" بأبتسامة مرحة لتأخذ "ملاذ" من يديها صاعدين الدرج ، تابع "ظافر" صعودهم بنظرة ثاقبة حتى أختفا كلتاهما عن ناظريه ..
• • • •
أوصلت "ملك" "ملاذ" إلى غرفة الضيوف جالبة لها منامية مريحة لتُقضي بها اليوم ، شكرتها "ملاذ" بلطفٍ زائف لتحاول أستدراجها مسطَّردة :
- قولي لي ياملك هو اخوكي مازن في المستشفى ، أصلي سمعت طنط مامتك بتقول انه محجوز في المستشفى ، خير حصله حاجة ؟
أرتبكت "ملك" لتفرك يداها تنظر إلى "ملاذ" التي قالت بحزن مصطنع :
- خلاص يا ملك لو مش عايزة تقولي خلاص براحتك ..
تراجعت "ملك" قائلة سريعاً :
- هحكيلك ..
أنتبهت لها "ملاذ بجميع جوارحها ، قصت لها "ملك" ما حدث مع اخيها الأصغر و العراك الذي صار بينهُ و بين "ظافر" ، ألتوى ثغر "ملاذ" بخبث استوطن صفحات وجهها و ملامحها لا تنتوي الخير أبداً !!
• • • •
بدت و أنها تقف على جمر مشتعل ، وجهها أصبح احمر من كثرة غضبها ، تشعر و كأن روحها تُسحب منها ، تعلم أن تلك الدخيلة ليست لطيفة او بريئة كمان تتصنع ، فـ هي لمحت نظرات خبيثة بعينها عندما تنظر إلى زوجها و ذلك ما جعلها تتمنى لو تقفز على عنقها ت**ره بيداها ، ألتفتت للباب الذي فُتح لترى "ظافر" يدلف للغرفة ، اتجهت له ومن دون سابق إنذار ارتمت بأحضانه بقلبٍ ملتاع ، تفاجأ "ظافر" من عناقها له بتلك الطريقة و لكنه رفع يده يربت على خصرها قائلاً بتساؤل :
- مالك يا مريم ؟ في حاجة ..
نفت برأسها و هي تشدد عناقها على خصره أكثر قائلة بنبرة خائفة :
- ظافر .. أنت مش هتسيبني صُح ؟
قطب حاجبيه بغرابة ليبعدها عن احضانه ، رأى وجهها الممتلئ بالدموع ليرفع حاجبيه بإندهاش أزداد أكثر ، فـ هو و لأول مرة يراها تبكي بتلك الطريقة ، أمتدت انامله الخشنة لتمسح دمعاتها من على وجهها قائلاً بلطف :
- ليه العياط دلوقتي ؟..
وكأن جملته كانت القشة التي قسمت ظهرت البعير لتنفجر في البكاء بقوة و هي تقول بتقطع أثر بكائها :
- أنت هتسيبني يا ظافر .. أنا متوكدة ، أنت عمرك مـ حبيتني و فوقه أنا مجبتلكش العيل اللي نفسك فيه .. يعني أكيد هتتچوز عليا ..
ربت على رأسها بحنان و هو يقول :
- أيه اللي جاب الأفكار دي لدماغك يا مريم ..
لم تخبره أن تلك الشكوك بدأت تحل على رأسها بسبب تلك الفتاة ، جذب رأسها إلى ص*ره عندما رأى **تها ، يمسح على ظهرها مشفقاً على حالها ، يعلم أنها تعشقه و لكنه لم يبادلها ذلك العشق يوماً ، ولكن بدلاً من ذلك العشق كان يعوضها حناناً و عطف ..
• • • •