نزعت ذراعها من يده وقالت بغضب: لقد وصف*ني لتوه بالمأزق الكريه، لقد صرت كريهة بالنسبة إليك الآن! تفعل بي هذا لأنك تعلم أنني صرت وحيدة بلا سند، وكنت أظن أنك سندي بعد وفاة جدتي.
تموجت ملامح وجهه بالحيرة والتردد : سندك بالطبع ، أنا فقط لم أكن مستعدا لتطور علاقتنا بهذه السرعة لهذا الوضع.
أمسك كتفيها بحنان وقال : إنه من الصعب أن أجد عملا جديد في مكان آخر، وهناك زوجتي وابنتي كيف أتركهما؟ زفر بضيق ثم قال: لقد تطورت الأمور سريعا وتعقدت.
أمهليني بعض من الوقت حتى أجد حلا لنا جميعا، احتضنته من خلف ظهره وقالت بلهجة حانية :أثق بك أنك لن تخذلني أبدا.
نهض والضيق يفترش قلبه بعد أن كان ص*ره رحبا بالحب، ولكن أي حب ؟ حبه لزوجته أوارا أم الحب الذي داهم قلبه بلا موعد؟
لم يعد إلى منزله ولكنه اتجه إلى أطراف الغابة ليقطع بعضا من جذوع الأشجار، كانت تلك طريقته لاقصاء التوتر والقلق من نفسه ، وعندما يكون مقبلا على اتخاذ قرار هام في حياته يلجأ إلى قطع الأشجار.
في الطريق إلى الغابة كانت الأفكار تزاحم عقله وصراع نفسي يمزق روحه،انتزعه من شروده صوت ديمرا صديقه الجديد ، ناداه ديمرا قائلا: هيه يا صديقي إلى أين تذهب؟
انتبهت أذني جيرميا لندائه فالتفت ناحية الصوت المألوف والذي سر جيدا لسماعه فقال: أهلا ديمرا ، ألم تعد لحيك مورا مورا بعد؟ مط ديمرا شفتيه وهز رأسه نفيا: لا، لقد عدلت عن تلك الفكرة وقررت أن أهب نفسي لمعبد هارتيا، وأحميه فلدى خبرة كبيرة في القتال اليدوي وبالسيوف.
استنكر جيرميا الأمر وقال: ولكن هناك في المعبد لا يسمحون بحمل الأسلحة،فمملكة جوانا تعتمد على درع المحبة لحماية شعبها.
عقد ديمرا ذراعيه أمام ص*ره المفتول وقال: لا يجب أن نعتمد على طاقة الحب فقط التي تغذي قلوبنا، فالحب يتغير وقلوب شعب جوانا ستتقلب للنقيض يوما ما، والدليل على ذلك نيجاتيفيا والجبال النائية التي عشت فيها، ليس النفي وحده عقوب رادعة.
فهناك من يعلم القوانين جيدا ورغم ذلك ينتهكها ويعصيها، تصبب العرق من جبين جيرميا وانتفض قلبه توترا،فهو قد صار من العاصيين الآن.
لاحظ ديمرا تقلب وجه صديقه بين القلق والخزي والخوف فسأله بارتياب: ما بك يا صديقي؟ أأصاب زوجتك أو ابنتك أي مكروه؟ أراك لا تبدو على ما يرام؟
ابتلع جيرميا ريقه بصعوبة حيث علقت غصة في حلقه كادت أن تخنقه تخلص منها بصعوبة ثم قال بصوت منتحب : لقد خنت زوجتي أوارا، لقد نكثت بعهدي مع هارتيا، يا ويلي ، ثم ن** رأس ودفنها بين كفيه المرتعشين.
هوى قلب ديمرا بين أضلعه ، فقد فطن لما يقصده صدسقه بحديثه ، عض بغيظ على شفتيه لحظة ثم تمتم قائلا : لقد أغوته تمارا، لقد خربت كل شيء، يا لها من حمقاء خبيثة.
لم تصل كلماته لجيرميا الذي بللت دموعه وجهه، رفع رأسه وقال: لقد توهج سوار تمارا بسببي، لم أستطع مقاومة حبها وضعفها.
**ت هنيهة تجلى على وجهه آيات الرعب عندما تذكر ال*قوبة ،ثم دفن وجهه بين كفيه مرة أخرى وازداد نحيبه.
ربت ديمرا على كتفه وقال: وماذا ستفعل يا صديقي؟ سينكشف سركما قريبا، هز جيرميا رأسه نفيا وقال : لا أعرف . ولكنها تقترح حلا وهو أن نهرب سويا إلى مملكة أخرى بعيدة، حتى نفلت من ال*قاب.
ارتسم الانزعاج فوق وجهه فأمسك كتفي جيرميا بغضب وقال له ناهرا: وزوجتك وابنتك أتتركهما وتهرب؟ إنك لأناني حقا.
أشاح جيرميا بوجهه وقال بيأس: تمارا لن ت**ت، ستحكي كل شيء وسيتم نفينا، وستعلم زوجتي وسيتم نفي إلى نيجاتفيا، ولكني سأخبرها أنني مضطر للسفر إلى مملكة أخرى أحضر مواد وأدوات جديدة تساعدني في تطوير عملي،لكي يزداد دخلي ،وأقسم وقتي بين تمارا وزوجتي أوارا ولن تعلم أوارا بما حدث. لاح شبه ابتسامة فوق وجهه لأول مرة منذ أن ارتكب تلك الفعلة الشنعاء.
برقت عينا جيرميا وهو يقول: لقد وجدت الحل، سأعود لتمارا وأعر ض عليها هذا الحل.
أطلق ديمرا ضحكة ساخرة وقال: وهل ستقبل تمارا أن تشاركها أوارا فيك؟ ارتسمت علامات التحدي فوق وجه جيرميا وقال بثقة : يجب أن تقبل.
تركه جيرميا ليعود إلى تمارا ليخبرها بهذا الحل الذي سيجعله يحتفظ بتمارا وأوارا في نفس الوقت دون أن يتعرض لل*قاب.
ولكن ديمرا كان له رأيا آخر، لذا قرر الذهاب إلى معبد هارتيا ليستعير لوحة نيجاتفيا وأداة الكاميتو.
..............
فوق التلة
تجهز ماجلان للتسلل لعالم جورما من أجل استعادة جسد الكاهنة ساري الذي خ*فه جومار، قبل أن يتحرر من اللوحة ،أخبرته ساري بالثغرة الزمنية التي غفلت عنها واستطاع جومار استغلالها في التسلل لعالم نورشا.
أخذ ماجلان اللوحة التي سجنت فيها ساري وكذلك أداة الكاميتو،وضعهما في حقيبة جلدية حملها خلف ظهره، رافقته زوجته أوسان إلى التلة ولكن لم تصعدها بسبب حملها.
ودعته وداعا حارا وكانت الدموع أبلغ تعبير عن حبها لماجلان الذي تطور تدريجيا منذ أن نفيا لنيجاتيفيا.
وصل لقمة التلة لوح لزوجته كثيرا والدموع تعمي عينيه ،لقد ذاق دفء الأسرة والحياة المستقرة، وها هو الآن مضطر لترك تلك الحياة الرائعة من أجل حماية عالم نورشا من طغيان جورما ومنع غزوه لعالم نورشا.
أغمض عينيه ركز فكره في أمر واحد وهو الإنجذاب لتلك الثغرة الزمنية، بعد لحظات اختفى عن الأعين، انقبض قلب أوسان عند اختفاء زوجها ، وازداد نحيبها، عادت إلى منزلها وحيدة.كانت تتحسس بطنها التي بدأت في الانتفاخ، كفكفت دموعها، ثم لاح شبح ابتسامة فوق شفتيها الحمراوتين،لتعلن عن رباطة جأشها وتمالك روحها أمام فراق زوجها ماجلان.
استقلت تلك العربة التي يقودها الجواد ،ثم أمرت السائق بالتوجه لمنزلها،ولكنه سلك طريق معبد هارتيا فسألته بخوف: لم تسلك هذا الطريق؟ أجابها : لقد طلب مني كهنة المعبد بالعودة بك للمعبد لرعايتك حتى تضعين مولودك. استسلمت لرغبة الكهنة، أسندت ظهرها وأغمضت عينيها لتنام قليلا. في تلك الأثناء وصل ماجلان إلى عالم جورما وقد تحولت هيئته بسبب ضوء الشمس الأزرق إلى هيئة سكان جورما.
وجد نفسه في مملكة شايا طافيا فوق مركب شراعي متوسط الطول، "العالم هنا مختلف حقا" قالها ماجلان بذهول فالإضاء الزرقاء الخافتة التي تص*رها شمس هذا العالم،يبعث في النفس شعورا بالقوة، تذكر أن هيئته ستتغير إذا ولج لعالم جورما فنظر لنفسه على صفحة الماء الراكد،ع**ت المياه رجلا نحيلا طويلا دقيق الملامح،يخرج من منطقة الخصر زوائد مفلطحة تحيط به.
كما لاحظ أنه حليق الشعر،وذو عيون كبيرة،جفل للحظات من هيئته العجيبة وتراجع للخلف عدة خطوات،تمالك نفسه ثم عاد ليشاهد نفسه من جديد.
مالت شمس هذا العالم العجيب للغروب،وتثاءبت لتعلن عن خلودها للراحة،فجأة سمع صوتا رقيقا يناديه،استغرق عدة دقائق حتى فهم ما يقوله المنادي.
كان يريد أن يوصله ماجلان لحى (مادا) ظنا منه أنه صاحب المركب، مد ماجلان يده ليصافح الراكب حتى يعرف شوارع وطرقات تلك المملكة والتي يعتقد أنها مملكة شايا بحسب وصف الكاهنة ساري لممالك عالمها.
في لحظات تمكن من التسلل لذاكرة ووعي هذا الطفل ليعرف طريق الوصول لحى مادا، كان الطفل قريب الشبه من هيئته الجديدة نفس لون الجلد ونفس العيون وكذلك تلك الزوائد المحيط بخصره والتي لايعلم فائدتها حتى الآن.
سبح المركب بتوجيه الأشرعة التي تحيط بصاري مركبه، كانت الريح لينة هادئة على غير عادتها، والقمر بدأ في الظهور كان كبيرا لأنه قريب من أرض هذا العالم، كان يرسل ضوءً أزرقا باهتًا الضباب السحاب الأبيض يلتف حوله فيضيء بنفس لونه.
كانت اللوحة المرسومة في السماء قد سحرت ماجلان كثيرا، حتى إنه لم ينتبه للطريق ،فاستمر في التجديف، وتحريك الشراع حتى ابتعد عن الحي؛ فصاح الطفل قائلا: هيه، إلى أين تذهب ؟ إنني أسكن هنا، لقد ابتعدت عن بيتي.
اعتذر ماجلان للطفل وعاد به حيث أشار ،كان حي مادا عبارة عن مراكب ذات شكل واحد وألوان متدرجة بين درجات الأزرق حيث يصعب التفرقة بينها وبين المياه.
سأل ماجلان الطفل : لماذا كل المراكب نفس اللون وبدرجات اللون الأزرق، استنكر الطفل سؤاله وقال له : من أى عالم جئت؟ بالطبع حتى لا نقع فريسة للأعداء من الممالك الأخرى، نلجأ إل التمويه والخداع.
اقترب المركب من ذلك الرصيف المصنوع من أعواد نبتة البارديس ذات السوق المجوفة المتينة، والتي صنعت منها المراكب أيضا التي تعتبر بيوت سكان مملكة شايا.
لمح الطفل والديه في آخر الرصيف يلوحان له،فبادلهما نفس التحية، ثم قام بنزع إحدى الزوائد المفلطحة من حول خصره ليضعها حول خصر ماجلان الذي ان*دش كثيرا لفعل ذلك الطفل.
سأله ماجلان : ماذا تفعل؟
الطفل: إنه أجرك. تمتم ماجلان في خفوت : يبدو أن تلك الزوائد هى العملة الرسمية في هذه المملكة.
نزل الطفل من المركب ليمشي بضع خطوات فوق الرصيف حتى وصل لوالديه فاحتضنته والدته ثم ذهبوا لمركبهم.
أنزل ماجلان المرساة ثم هبط من المركب؛ ليستكشف ذلك العالم الغامض المثير،تتبع خطوات تلك الأسرة التي انتظرت ذلك الطفل حتى وصل إلى ساحة طافية فوق المياه، كانت مصنوعة أيضا من ذلك النبات ذو السوق المجوفة.
يبدو أنه وقت العشاء فالجميع في تلك الساحة التي كانت على شكل دائرة كبيرة، كانت الطاولات مصنوعة من حبال مجدولة، مصنوعة من نبات تارا تارا الذي تمتاز سوقه بالليونة والمرونة والمتانة في نفس الوقت.
أما أرجل الطاولات مصنوعة من سوق نبات البارديس،اقترب ماجلان أكثر وأكثر ، كانت الطاولات مليئة بالأطعمة البحرية، أسماك عجيبة تزخر بها الطاولات، كان سكان الحى يخرجون من بيوتهم أوان تحمل الأطعمة التي جهزوها.
كان السكان يشبهون بعضهم البعض على ع** عامله حيث يختلف سكان مملك جوانا في الملامح ولون البشرة والشعر وغيرها من الصفات الجسدية.
لمحه الطفل الذي ركب معه منذ قليل فانطلق تجاهه ، وجد ماجلان نفسه محاطاً فجأة بأطفال هذا الحي، يتمايلون حوله ويضحكون، قام ماجلان ببعض الأفعال البهلوانية ليضحكهم.
ولكنهم جزعوا منه وهربوا فتلك الحركات لم يشاهدوها من قبل،انتبه الآباء للصغار فنهروهم، لأنهم ضايقوا ذلك الغريب الذي لم يتعرفوه في حيهم.
سأله أحد الآباء عن غرضه من زيارته إلى حيهم،لم يجد ماجلان ردا مقنعا سوى أن يقول له التجارة، لقد جاء من حى بعيد يدعى سامورا، لم يدري ماجلان من أين له بهذا الاسم الذي قفز لذهنه فجأة، اندهش الرجل وقال : إنك إذن من أطراف المملكة.
ابتسم الرجل مرحبا به ثم نادى على باقي السكان ليرحبوا بماجلان القدم من بعيد،جلس ماجلان في المكان المخصص للرجال.
لاحظ أن الساحة مقسمة لثلاث مناطق ، منطقة يجلس فيها الذكور، ومنطق للإناث والثالثة للأطفال. كان الحب والألفة يطوفان بالمكان، تذوق بعضا من الطعام الذي نال إعجابه ف*ناول المزيد منه حتى امتلأت معدته بذلك الطعام الشهي.
انتهت وجبة العشاء ا****عية، قامت كل فئة بتنظيف المنطقة الخاصة بها، كان ماجلان يراقبهم بإعجاب شديد، إنهم منظمون للغاية،ومتعاونون أيضا.
يعملون جميعًا في تناغم وخفة ورشاقة، وبسرعة فلم يتطلب أمر التنظيف سوى بضع لحظات.
بعد ذلك، أقاموا حفلا موسيقيا وراقصا ترحيبا بماجلان، كان مبهورا بتلك الموسيقى العزبة العجيبة، التي عزفوها من خرير الماء وأمواج المياه، أحضر الأطفال علبة مستطيلة الشكل بها سيقان مجوفة مختلفة الطول والقطر والسمك ،
يتبع>>>