أرض أونتاريا

حلقة-14- خيانة عظمى

أقاموا حفلا موسيقيا وراقصا ترحيبا بماجلان، كان مبهورا بتلك الموسيقى العزبة العجيبة، التي عزفوها من خرير الماء وأمواج المياه، أحضر الأطفال علبة مستطيلة الشكل بها سيقان مجوفة مختلفة الطول والقطر والسمك ، متراصة داخل ذلك الصندوق الذي صُنع من أنصاف سيقان نبات البارديس،كانت تلك السيقان المجوفة يمتليء نصفها بالمياه،بحيث يوجد فراغ داخلي صغير وكانت تتحرك السيقان المجوفة الممتلئة بالمياه حركة دائرية يدويا.

كانت الموسيقى الصادرة عن تلك الآلة هادئة مريحة للنفس، والتي أسموها فالا فالا ،بعد عدة دقائق بدأ السكان في التثاؤب وكذلك ماجلان،فتوقف الأطفال عن العزف، ودخلت كل أسرة منزلها وهو مركب شراعي أنيق.

عرض أهل الصبي الذي أوصله ماجلان بمركبه ،أن يقضي ليلته معهم،فوافق حيث أن مركبه يبعد عنه والنعاس كاد أن يغلبه.

كان المركب مقسم لغرف صغيرة تتسع لفرد واحد ما عدا غرف الزوجين فى أكثرهم اتساعا.

كانت هناك غرفة فارغة علم أنها كانت لابنهم الأصغر ولكنه توفي منذ سنوات،دخل الغرفة وكان أثاثها يناسب الصغار، قضى ليلته مفكرا فيما هو مقبل عليه،كيف سيعثر على الكاهنة ساري؟

شعر ماجلان بالأرق؛ فتملل في فراشه الذي لم يتعود عليه بعد، كان ضوء القمر يتسلل من نافذة غرفته، فكشف ضوؤه محتويات الغرفة التي لم ينتبه لها في باديء الأمر.

لمح عدة كتب في رف علوي، نهض من فراشه ليأخذ تلك الكتب لعله يجد معلومات عن هذه المملكة وهذا المكان.

كانت الكتب مكتوب عليها اسم ما؛ فطن أنها كتب دراسية تخص الابن المتوفى، فتح أحد الكتب فكان يعرض صورا لكائنات تبدو أنها بحرية تعيش في المياه.

تعجب ماجلان من قدرته على قراءة وفهم ما يوجد بالكتاب الدراسي،علم أى الكائنات تصلح للأكل وأيها تستخدم للتداوي والعلاج، وأيها تستخدم جلودها وحرشيفها لصناعة الملابس.

وفي آخر الكتاب عرض صورا لكائنات خطيرة، وكيفية تفادي أخطارها،رغم أن أسلوب الحياة الظاهري بسيط، ويجعلك تظن أنهم بدائيون، إلا أن العلوم التي توصلوا إليها تنفي ذلك الظن بالتأكيد.

 كلما قرأ ماجلان كتابا زاد إعجابه بحضارة تلك المملكة ، فبرغم أن المملكة أغلبها مياه إلا أنهم استطاعوا تطويع كل الموارد الطبيعية المتاحة لخدمتهم، ولصنع حضارة عظيمة.

أخيرا اطمأنت نفس ماجلان وهاجم النعاس جفنيه بشراسة ليغلب قلقه وأرقه فنام نوما عميقا.

استيقظ الصباح بشروق الشمس الذي بعث في نفوس سكان مملكة شايا بالحماسة والنشاط. استيقظ ماجلان إثر طرقات خفيفة، سمح ماجلان للطارق بالدخول ،فكان ذلك الطفل الذي أوصله بقاربه، حثه على النهوض بسرعة لكي يتناول معهم طعام الفطور.

كانت طقوس الفطور لا تختلف كثيرا عن طقوس العشاء ولكن تختلف أصناف الأطعمة التي كانت أغلبها طحالب وأصداف بحرية مختلفة الأشكال والألوان.

كانت شهية أيضا، انتهت طقوس الفطور، عرض والد الطفل على ماجلان مرافقته ليعرفه على الأنشطة اليومية حتى يقرر أى المنتجات سيشتريها لتجارته.

سأله ماجلان عن العملة التي يقبلونها مقابل البضائع التي سيشتريها،ضحك الرجل وقال: لا نريد عملات بل نريد مقايضة منتجاتنا بنباتات وكائنات بحرية وصخور بحرية نادرة هنا ولكنها موجودة بكمية كبيرة في أطراف المملكة.

هز رأسه بالموافقة ثم قال: كما تشاءون ولكن هل سيسمح جومار بتلك المقايضة؟ اقترب منه الرجل وقال : بالطبع لن يسمح ، لذا سنلجأ للتحايل. ابتسم ماجلان وقال: دع التحايل لي، أرني أولا ما تبرعون في صناعته.

كان ماجلان محاربا بالفطرة، أراد أن يستغل التجارة ليتقرب أكثر من الممالك حتى يعرف نقاط ضعف وقوة كل مملكة.

وعندما تدق طبول الحرب للقضاء على جومار وجيشه ،وتحرير الممالك من حكمه المستبد، رافق ماجلان الرجل إل المكان المخصص لمزاولة الأنشطة الصناعية والتجارية.

.........

أطراف مملكة شايا

في تلك الأثناء أشاع دومار وزير جومار أنه مات خلال صيده لأحد وحوش البحر، وجثته تمزقت، لقد زيف دومار وفاة قائده جومار وخانه، ليعتلي عرش الممالك، بعد أن أغراه كبار قبائل مملكة شايا ومملكة ماندا بتزويجه فتياتهم له .

استغل زعماء القبائل نقطة ضعف دومار والكثير من رجاله تجاه الإناث،والحياة الرغدة التي حرموا منها بسبب قساوة بيئتهم التي يغلب عليها الجبال العاتية والوديان الضيقة.

حتى الآن لم تصل أنباء وفاة جومار بعد لباقي الممالك، لقد آثر قبائل الممالك التكتم على الأمر حتى يتم ترتيب أمور الحكم مع دومار ورجاله الذين يتفقون بقوتهم الجسدية والعسكرية عليهم، لذا مالوا إلى الطرق السياسية للتغلب عليهم.

............................

في الماضي

عالم جورما مملكة ماهيرا

بعد أن استسلم جومار وساري لتلك الغيبوبة ، تذكرا أحداثًا طُمست عمدا بسبب والد ساري.

كانت ساري الابنة المفضلة لوالدها ملك مملكة شايا،أحبها كثيرا ولكنها عندما بلغت سن الكمال والأ***ة ، تمردت على عادات مملكة شايا، أحبت رجلا من مملكة أخرى يختلف سكانها عنهم من حيث الشكل الظاهري.

كان أصل الثلاث ممالك واحد منذ الأزمان الغابرة، ولكن بسبب كارثة كونية أصابت أرضهم تغيرت الأجيال جيلا بعد جيل،لكي تتكيف القبائل مع الوضع الجديد، اتفقت القبائل بعد التزواج فيما بينهم لاختلاف البيئة في كل مملكة عن غيرها، فكل مملكة تكيفت أجساد سكانها حسب الظروف الطارئة الجديدة.

اقترح العلماء أن الأفضل لا يتم التزواج بين الممالك المختلفة حتى لا ينتج أفراد مش*هة لا يمكنها العيش في بيئات ذويها.

لذا ص*رت القوانين في الممالك بعدم السماح بالزواج فيما بينهم حفظًا لأنسالهم ولتأكيد صفاتهم على مر السنوات.

أحبت الأميرة المدللة ساري جومار كثيرا، لقد تعرفت عليه عندما جنح مركبها الشراعي الطائر الذي طوره لها أحد علماء المملكة، كانت ساري تحب السفر ، مغامرة تريد زيارة كل الممالك وكل العوالم،في يوم مشمس جميل بالنسب لها ومشؤوم بالنسبة لوالدها، جنح مركبها الجديد المطور بعد أن ارتفع عاليا ليعانق السحاب، تعطل الشراع بطريقة ما، ثم اصطدم بناصية أحد الجبال العالية، ليتحطم بعضا منه، كانت رشيقة كفاي لتنقذ نفسها بالإمساك بالنتوءات الحادة التي تبرز من ذلك الجبل، كان جومار حينها يراقب حيوان ما ليصبح طعام غدائه، عند سفح الجبل، استطاعت ساري إنقاذ نفسها وكذلك ذلك الحيوان الذي هرب فزعا عندما سقطت بجواره فجأة.

استشاط جومار غضبا عندما لمحها تلوح للحيوان الهارب وصدى ضحكاتها يرج المكان. اقتربت ساري من جومار وقد راق لها عضلاته المفتولة وقوته، كانت نحيفة رشيقة مقارنة بهيئته الخارجية.

عقد جومار ذراعيه أمام ص*ره بغضب واضح حادجا ساري بنظرات مشتعلة بالغيظ من فعلتها التي تسببت بضياع طعام غدائه.

قالت بلهجة ساخرة : يبدو أنك خسرت طعام غدائك لتوه، أبعدها من طريقه، كان يعلم أنها الأميرة ساري ،لذا لم يستطع معاتبتها ، تركها فحسب .

شعرت بالغيظ لتجاهله لها،فلحقت به دون أن تحدثه، رافقته فحسب، كانت تراقبه باهتمام بالغ، كأنها طفل صغير يريد أن يكتشف عمل كل شيء. كانت تتعلم كيف يقتفي أثر الح*****ت ،وكيف ينصب لها كمائن.

كان يرمقها بطرف عينيه دون أن تشعر، شعر بالسرور لملاحقتها له، اقتربت ساري من فخ ما وكادت أن تسقط في براثنه،لولا انتباه جومار لها ،فأنقذها قبل أن تتأذى منه.

أمسك يدها بسرعة وسحبها تجاه ص*ره، لتسكن بين أضلعه إلى الأبد، شعرت برجفة بقلبها ، عندما استنشقت عطره،أصابها العشق عندما وقعت أسيرة لنظراته الثاقبة التي كشفت عن روح رقيقة رغم قسوتها الظاهرية.

لأول مرة ينبض قلب جومار بالحب، وهو الذي تتنافس فتيات قبيلته من أجل الفوز بقلبه، ولكن كان الفشل حليفا لهن جميعا,حتى جاءت ساري وسرقت قلبه وحياته.

تاه في بحور عينيها الضيقتين على ع** نساء مملكته حيث تتميز عيونهن بالاتساع ، كانت هيئة نساء مملكته الخارجية أكثر قوة من نساء مملكة شايا.

الطبيعة الجبلية كانت السبب الرئيسي في فتول عضلاتهن، وكانت تلك الصفات منفرة لجومار، فالهيئة الجسدية الضعيفة للأميرة ساري جعلته يشعر بفحولته وقوته.

خاصة عندما كانت تتشبث بين الحين والآخر بذراعه، الذي اتخذته مُتَّكئًا يحول بينها وبين سقوطها، إثر تعثرها ببعض الصخور المتناثرة، والتي لم تعتد وجودها في بلادها، حيث الماء الوفير، والتنقل اليسير بين مكان وآخر.

أثناء السير انتبه جومار لصوت أحد الح*****ت التي سقطت فريسة لأحد فخاخه، أسرع الخطا إليه، وقبل أن يجهز عليه ويقتله بخنجره، أخرجت ساري أداة صغيرة ضغطت على زر جانبي منها لتطلق ضوءً أصفر اللون أودى بحياة الفريسة في الحال.

تعجب جومار من سرعة ذلك السلاح الذي قتل فريسته على الفور، شرحت له ساري ماهية ذلك السلاح، ثم أعطته واحدا آخر.

أخرج جومار الفريسة من براثن الفخ، ثم حملها فوق كتفه بحيث تتدلى رأس الفريسة أمام ص*ره.

اقترب جومار من كهفه الذي كان بسيطا في أثاثه، وهيئته الخارجية، على ع** باقي الكهوف والبيوت المنحوتة في الجبال، التي كانت تتمتع بذوق رفيع رغم قساوة البيئة المحيطة.

البساطة السمة المميزة في حياة جومار،لذا كان يعامل ساري دون تكلف، وهذا ما جذبها له، أعد لها غرفتها، ثم قال لها:أعلم أن الغرفة لا تليق بأميرة مثلك، ولكنها يمكن أن توفر لك بعضًا من الراحة حتى الصباح.

تركها لترتاح وعلى باب غرفتها التف ليقول لها: في الغد سأرافقك حتى تعودي إلى قصر أبيك بأمان.

قالت بلهجة مستنكرة: ومن أخبرك أنني أريد العودة،ثم اقتربت منه وأكملت حديثها قائلة بتحد واضح وعناد طفلة صغيرة: أريد أن أكتشف مملكة ماهيرا لقد قرأت عنها الكثير وأريد أن أرى كل شيء قرأت عنه على طبيعته.

زفر بضيق وقال لها : يبدو أن مملكة ماهيرا ستخوض حربا ضروس بسببك أيتها المشا**ة.

هزت كتفيها بلامبالاة وقالت: وكيف سيعلم أبي بوجودي هنا؟ فهم ما بين سطور حديثها، تركها وأغلق الباب خلفه.

كانت عواطفه تتصارع بداخل نفسه، ما بين محب بدأ تيار الحب يشق طريقه لقلبه، وبين خوفه وقلقه الشديد بسبب تهور الأميرة ببقائها في مملكة ماهيرا بصفة غير رسمية.

في تلك الأثناء كان ذلك المخترع الذي أتاح للأميرة ساري فرصة لتجربة وسيلة مواصلات جديدة دون أن يرافقها ، يقف مرتجف الأوصال أمام الملك والدها،نهره الملك الذي اتهمه بالخيانة والتواطؤ لاغتيال ابنته،توسل العالم كثيرا له وقال له: سيدي الملك العظيم، لم أكن أعلم أنك لم تسمح لها بتجربة اختراعي،لقد وثقت بها عندما طلبت مني تجربة المركب المطور.

قال الملك بعضب هادر: عذر أقبح من ذنب، وهل سأغامر بحياة ابنتي من أجل تجربة اختراعك السخيف هذا، إنها لازالت صغيرة يا أ**ق، كيف يمكنك أن تتركها تجربه بنفسها دون أن يرافقها أحد؟

امتقن وجه العالم بشدة وكادت الغصة التي تعتصر حلقه أن تخنقه، فهو لم يجد عذرا قويا يدافع به عن نفسه،ولكنه برقت عيناها عندما تذكر شيئا هاما قد غفله بسبب خوفه الشديد،فابتلع ريقه بصعوبة وقال بصوت مرتعش: ولكنها لم تكن لوحدها.

انتفض جسد الملك وقال: حقا ؟

بدأ الأطمئنان يتسرب لقلقب العالم وأنفاسه تهدأ وقال: حقا لقد غرست في جسدها دون أن تشعر رقاقة صغير يمكننا تتبعها من خلالها، ثم أخرج من جيب ردائه، لوحا عجيب الشكل لم ير الملك مثله من قبل مما جعل الدهشة ترتسم فوق ملامحه، اقترب العالم أكثر من الملك ليوضح له كيف يمكنه تحديد مكان ووجهة الأميرة.

كان الملك ينصت له باهتمام بالغ،وهو يوضح له بأنه غرس رقاقة في جسد ابنته دون أن تشعر وأخرى في المركب المطور.

أشار له بأن تلك النقطة الحمراء تشير لموقع المركب المطور والذي يدل موقعه على وجوده في الحدود المشتركة بين مملكة ماهيرا وشايا.

أما النقطة الزرقاء تشير لموقع الأميرة نفسها والذي يبتعد كثيرا عن موقع المركب المطور،وهذا معناه أن مكروها قد حدث لها وهذا ما توصل إليه الملك بعد ما شاهد ذلك اللوح المتصل بالرقاقتين.

انزعج الملك كثيرا من تلك الفكرة فأمسك تلابيب ذلك العالم الأ**ق وقال له بصوت غاضب: إذا حدث مكروه لابنتي سأجعلك تتوسل لأقتلك حتى تتخلص من عذابي المهين لك.

ابتلع العالم ريقه بصعوبة وقد ألجم تهديد ووعيد الملك ل**نه، أكمل الملك حديثه قائلا: سنذهب معا إلى الحدود لنبحث عن ابنتي.

ارتعدت أوصال العالم أكثر عندما نادى الملك حراسه وأمرهم بأن يكبلوه ويضعوه في المركب الملكي ، كما أمر وزيره بتجهيز حراسة مشددة لحراسة العالم.

في غضون دقائق تحقق للملك ما أراد، استقل المركب الملكي يرافقه العالِم الأ**ق في نفس المركب؛ ليتابع معه مكان الأميرة من خلال جهازه.

استغرقت الرحلة يوما كاملا حيث كانت الأمواج تعوق تقدمهم؛لأنها تتحرك ضد التيار.

لاحت حدود مملكة ماهيرا المتاخمة لحدود مملكة شايا للحراس،فاستعدوا لرسو مراكبهم بالقرب من الشاطيء .

يتبع>>>