داخل لوحة سجن تمارا وجيرميا
نظر إليها جيرميا بغيظ وحنق شديدين، فهو لا يزال متعلق بزوجته أوارا رغم كل عيوبها التي رآها فيها بعد الزواج، ولكنها ستظل حبه الأول والأخير، لم يعر جيرميا اهتماما لتمارا، واتجه ناحية أريكة قريبة منه ، فاتخذها فراشًا له.
اقتربت منه تمارا ونهرته قائلة : أعتقد أن فراش غرفتي يتسع لكلينا، قال لها بتحد سافر أغاظها كثيرا: كان هذا في الماضي، الآن فراشك يتسع فقط لك ولمولودك ثم أدار نفسه ونام على جانبه الأيمن حتى لا يرى ردة فعلها.
ولكنها عضت على شفتيها بغيظ حتى أدمتها، ثم أمسكت بوسادة ما كانت تزين أقرب كرسي لها، فألقتها تجاهه حتى اصطدمت برأس جيرميا من الخلف، فانتفض فزعا بحركة حادة ، ثم استدار ليأخذ الوسادة ثم وضعها تحت رأسه وقال لها بلهجة استفزتها أكثر: شكرا لك، ثم أغمض عينيه لينام.
كانت ملامح وجهه جامدة لا تشي بأى شيء كعادته، ولكن ما بداخل نفسه صخب وأفكار كثيرة أرقت ليلته ، ترى ماذا فعل ديمرا بجسده؟ أيتخلص منه؟ أم يعود به إلى زوجته أوارا ؟ كم يشتاق إليها، بدأ يتذكر ما مر معها من لحظات.
هى ليست سيئة لهذا الحد، كما صورتها لي تلك الخبيثة تمارا، هكذا حدث نفسه،تمتم بغضب : يا لعينة،ثم غاب وعيه ليحلم بأوارا زوجته.
على الجانب الآخر في غرفة تمارا كانت الحسرة رفيقها بالفراش، تحسست بطنها بحزن،ثم بدأت في البكاء كمؤنس لها في تلك الليلة الكئيبة ،لقد خسرت جيرميا حتى جسده لم تستطع امتلاكه، حدثت نفسها كثيرا في تلك الليلة، عاتبت نفسها بما فعلته بنفسها، لقد أعماها حبها لجيرميا، كانت تعتقد خطئا أن إغوائه سيجعله يحبها، ويفضلها على زوجته الحبيبة أوارا.
كانت تعتقد خطئا أن اهتمامها بكل تفاصيل حياته سيشفع لها عنده، ويحبها ويقبلها شريكة لحياته، ولكن اعتبرها مجرد نزوة ندم عليها للأبد، لقد خسرت كل شيء.
صارت سجينة حبها الأ**ق، سألت نفسها، لماذا أحببتيه يا تمارا؟ لماذا خنت نفسك معه؟ إنك حقا لحمقاء، ثم شردت في مستقبلها المظلم بضع لحظات، تذكرت جسدها، فراتسمت علامات القلق على ملامحها الرقيقة التي حولتها الحسر والندم إلى تجاعيد مبكرة، حولتها إلى كومة من الحسرة والندم.
انكمشت في فراشها تحاول بذلك احتضان نفسها بنفسها، ربتت على كتفها وهمست لنفسها، لا تقلقي ستكونين بخير، فالغد للجميع.
غابت عن الوعي ونامت لا تلقى بالا بما هو آت ، فليس بيدها شيء تفعله سوى انتظار مولودها، الذي تأمل أن يكون سندها بتلك الحياة، حياة ثنائية الأبعاد.
..............
في صباح اليوم التالي وفي خارج اللوحة، وفي منزل أوارا التي باتت ليلتها ترعى زوجها وابنتهما في محبة وإخلاص حتى غالبها النوم في الساعات الأخيرة من الليل قبل شروق شمس أونتاريا الوردية التي تبعث المحبة بأشعتها لكل شعوب عالم نورشا.
استيقظ جيرميا فاقدا للذاكرة حاول جاهدا تذكر أى شيء ولكن بلا جدوى،شعر بجوع مفاجيء بعد ما وصلت إليه رائحة ذلك الطعام الشهي التي تحضره زوجته أوارا بالمطبخ، تلك الرائحة أنعشت حواسه، فنهض بكل نشاط من فوق فراشه، متجهًا إلى المطبخ.
ساعدها في تجهيز المائدة، ابتسمت له وسألته: هل تذكرت شيئا؟ هز رأسه نفيا واجمًا، ربتت على كتف وقالت : لا تقلق، إنها مسألة وقت وستتذكر كل شيء.
تم تجهيز كل شيء جلسا سويا، ليتناولا طعام الافطار، انكب جيرميا يأكل من كل الأصناف، لقد نزف كثيرا لذا احتاج جسده تعويض ما خسره من دم.
لم ينتبه جيرميا لزوجته أوارا التي لم تشاركه الطعام بعد إلا بعد أن التهم نصف ما بداخل الأطباق، وأخيرا لاحظ عزوف أوارا عن الطعام والتي كانت تتأمله بسعادة.
تناول كوبا من العصير ثم قال لها بحرج: لماذا لا تتشاركين معي الطعام، ابتسمت بود ثم أخذت بعضًا من الطعام ووضعته بالقرب من فم زوجها ف*ناوله.
كرر فعلتها معها وبدأ يطعمها المرة تلو الأخرى بنفسه، ولكن ابنتهما مورا مورا قد استيقظت لتشاركهما الافطار، همت أوارا بالنهوض لتحضرها ولكن جيرميا أشار لها بأنه سيحضرها كما طلب منها استكمال طعامها.
كانت الصغيرة تبكي برقة ، تتحرك رجليها الصغيريتين ببطء وعشوائية، حملها بكفيه الكبيرين هدهدها برفق حتى هدأت وتبدل بكاؤها ابتسامًا، عاد بها إلى غرفة الطعام، وكانت تتثاءب برقة ، ذاب لها قلبه. قبَّلها عدة مرات ثم احتضنها قبل أن يعطيها برفق لزوجته أوارا، التي تلفقتها برفق وبسرعة ،احتضنتها ثم منحتها ترياق الحياه تمتصه برفق ليسكت جوعها.
تركهما جيرميا ينعمان بلحظات من السكينة، وذهب إلى المطبخ لمساعدة زوجته، انتبهت أوارا لفعله حيث كان يحمل الأطباق المتسخة إلى المطبخ، فتعجبت من ذلك، سألته باهتمام: ماذا تفعل يا جيرميا؟ أطل رأسه من باب المطبخ وقال لها: سأساعدك في تنظيف الأطباق، أطلقت ضحكة ساخرة وقالت: منذ متي وأنت تساعدني؟ منذ تزوجنا لم تساعدني في أى شيء، حتى عندما كنت مريضة، لم ترفق بي.
أطرق جيرميا رأسه خجلا من ماضيه المخزي مع زوجته، **ت هنيهة ثم رفع رأسه وقال: يبدو أن فقداني للذاكرة مفيد جدا.
انتهت الطفلة من طعامها وشبعت فأشاحت بوجهها عن مص*ر الطعام، فنهضت أوارا برفق، وتوجهت بضع خطوات نحو جيرميا وقالت له: اترك التنظيف لي ،أعطته ابنتهما برفق وقالت: اعتني بها، فهذا أفضل مساعدة منك.
أخذ طفلته برفق وهدهدها بحنان، ثم قبلها وقبل زوجته بعد ذلك، اتجهت أوارا إلى المطبخ في حين بدأ يلاعب طفلته، حاول أن يتذكر أغنية يسليها بها ولكنه لم يتذكر، لم ييأس وقام بتأليف أغنية لها. بدأت تتفاعل الطفلة مع تلك النغمات،حاولت تقليد أباها، فتمتمت بأصوات غير مفهومة، ضحك لها، كانت أوارا تسترق السمع، وتبتسم بين الحين والآخر.
في تلك الأثناء ذهب ديمرا إلى منزل تمارا لكي يأخذها إلى المعبد لتوثيق زواجهما، ولكن قبل أن يفعل ذلك، عليه أن يخبر الجميع بذلك، ووفقًا لعادات حى ناميرا، اتجه إلى كبير الحي ليعلن رغبته في استخدام الحق في التزوج من تمارا التي توفيت جدتها منذ مدة وصارت وحيدة ولا يجب أن تنتظر موسم التزواج القادم.
ووفقا لذلك الحق وافق كبير الحي الذي طلب من مساعده إخبار الجميع بذلك، وأنها صارت زوجة له، وسيتم توثيق ومباركة زواجهما قريبا.
توجه إلى منزل تمارا التي تفاجأت بقدوم جاراتها لتهنئتها على الزواج، لم تتذكر أى منهن، وقبل أن تتفوه بشي، كان ديمرا قد وصل عندها لينقذها من ذلك التيه الذي وقعت فيه منذ فترة ولا تعلم سببه.هنأت الجارات ديمرا أيضا ثم بعد ذلك انفض الجميع من حولهما، ابتسمت تمارا وقالت: سنذهب الآن ، لقد جهزت نفسي.
أمسك كتفيها برفق وقال لها: ما رأيك في العيش في حى مورا مورا الحي الذي أسكن فيه الآن؟
هزت كتفيها وقالت ضاحكة: أوافق بالتأكيد، فليس لدي أحد هنا أتذكره، ثم أردفت في مرح طفولي: سأعيش معك في أى مكان، ثم احتضنته فجأة، فخفق قلبه لما فعلت.
قال لها: جهزي حقائبك جميعا، وأنا سأذهب لذلك المنزل الذي استجأرته كي أحزم حقائبي أيضا وفي المغيب نرحل إلى منزلي في حى مورا مورا، نبيت ليلتنا هناك ثم نسافر إلى معبد هارتيا لتويق الزواج ومباركتنا.
ابتسمت تمارا ابتسامة طفولية وهزت رأسها بالموافقة، زين جبينها بقبلة حانية، ثم احتضنها بقوة، ابتعد عنها ثم اتجه إلى الباب وخرج. طارت تمارا من الفرحة ، اتجهت مسرعة لغرفتها لكي تجهز حقائبها، أفرغت دولابها من كل شيء وبدأت ترتب الأشياء بداخل حقائبها، سقط شيء ما وهى تفعل ذلك.
كانت صورة مرسومة لجيرميا، تعجبت كثيرا مما رأت ، ارتسمت الحيرة فوق وجهها وتمتمت: ماذا تفعل صورة ذلك الرجل الذي كان في منزلي أمس؟
قلبَّت الصورة بين كفيها لتتذكر أى شيء ولكن لا شيء، ألقتها جانبًا ثم عادت لتكمل تجهيز حقائبها،في ذلك الحين كان ديمرا قد وصل لمنزله المستأجر، أخرج تلك اللوحة التي سجن فيها جيرميا وتمارا أمس، كان المشهد في اللوحة متوقف على صورة جيرميا نائما على أريكة. ضحك ديمرا من ذلك المشهد، فأيقظت ضحكاته جيرميا الذي هب فزعًا من صدى ضحكات مجهولة المص*ر، تذكر جيرميا أنه مسجونًا بداخل لوحة، فرأى ديمرا يبدو عملاقًا خارج اللوحة.
كان عاقدا ذراعيه أمام ص*ره يبتسم له في تشفٍ.اغتاظ جيرميا كثيرا فقال له: أنت لن تفلت بفعلتك ، وعندما أتحرر من هنا سألقنك درسًا.
أمسك ديمرا اللوحة ورفعها إلى مستوى نظره، ابتسم بسخرية وقال لجيرميا: يا صديقي ، أنت حر بالفعل، فجسدك يعيش مع أوارا دون ذاكرة تدنسها ذكريات الخطيئة.
ضم جيرميا قبضته في غيظ كعادته كلما يشعر بالغضب الشديد ثم قال: ولكنك لم تمنح الفرصة لأوارا أن تختار، هز كتفيه بلامبلادة استفزت جيرميا أكثر، ابتسم بزاوية فمه ورفع حاجبا وقال: إن النساء يا صديقي لا يغفرن الخيانة أبدًا، وإذا علمت بخيانتك لها ستختار ما أنت فيه الآن.
لوح ديمرا له بسبابته قائلا: بالمناسبة لقد وجدت حلا لتمارا، لقد أعلنت زواجي منها أمام الجميع وفي نهاية اليوم سنسافر معا إل المعبد المقدس لنوثق زواجنا وتباركنا هارتيا، والطفل سأنسبه لي، سننتقل للعيش في حي مورا مورا، ولكن بعد أن تلد، سآخذها إلى مكان بعيد ثم نعود لنعيش حياة سعيدة للأبد.
لوح جيرميا بقبضته بغضب أمام وجه ديمرا الذي ظلت تلك الابتسامة المتشفية تعلو وجهه كنوع من التحدي لجيرميا السجين بسببه في تلك اللوحة.
كان ديمرا يبدو سيئا للغاية وخبيثا في عيني جيرميا،لقد وثق به وأدخله حياته يوما ما، لم يكن يدرك حينها أنه سيكون سبب خرابها، وحرمانه من زوجته الحبيبة أوارا وابنتهما. خرج جيرميا من منزل تمارا ليجد نفسه في طرقات خاوية على عروشها، لقد بدأ يتذكر تلك الروائح الذكية التي تخرج من البيوت تنبيء تشي بمحبة أهلها لبعضهم البعض.
كانت الحياة بداخل اللوحة كئيبة لا جديد تحت الشمس، كان يدحرج أصابع كفه الأيمن فوق جدران البيوت الخشبية، لتحتك أظافره القوية بها فتعزف لحنًا حزينًا.
في تلك الأثناء استيقظت تمارا متدثرة بالحزن والحسرة،بحثت عن جيرميا فلم تجد، فجزعت وخرجت لتبحث عنه، تفست الصعداء عندما وجدته متكئا على إحدى جدران البيوت الخاوية.
كان يوليها ظهره فربتت عليه ففزع وانتفض ، ثم أدار نفسه ليواجهها احتضنت وجهه بكفيها وقالت له: ألا زلت غاضبا؟ عقد ذراعيه فوق ص*ره ثم قال بسخرية: لقد وجد ديمرا حلًا لمولودك؟ لقد تزوجك وسينسب الطفل له.
انزعجت تمارا كثيرا مما سمعت وقالت : ماذا؟ سيتزوجني؟ ليس له الحق التصرف في جسدي، يجب أن نتحرر من تلك اللوحة اللعينة فورا.
هز رأسه نفيا ثم تركها، والغيظ يلتهم روحها،توقفت اللوحة في ذلك المشهد ، في ذلك الوقت يُدخل ديمرا اللوحة بداخل حقيبة جلدية ومعها أداة الكاميتو.
جهز حقائبه بسرعة، عاد إلى منزل تمارا التي وجدها تنظره بلهفة وقد نسيت تمامًا أمر صورة جيرميا التي وجدتها بين أشيائها، طرق بابها بمحبة فتعرفت طرقاته على الفور. فتحت بسرعة الباب، قابلته بابتسامة طفولية وقال بمرح: أنا جاهزة،بادلها الابتسام ثم حمل عنها حقائبها التي أشارت له بحملها عنها.
خرجا ثم استقلا عربة بجوادين اشتراها كي تعينهما على السفر، كان ينتوي أن يعيش بأطراف مملكة جوانا بعد توثيق زواجهما، حيث يعيشان في خيمة من الجلد، حتى ولادتها، لم يخبرها بذلك بعد.
فضل عدم البوح الآن، خيم الليل عليهما وهما في الطريق إلى معبد هارتيا،تخلل سفرهما الحديث عن حياة ديمرا السابقة، قص لها كيف كانت حياته ال**بثة قبل أن ينتقل للعيش في حي مورا مورا وحي ناميرا مؤخرا، حكى لها كيف تعرف على جيرميا،فتذكرت أمر الصورة فسألته عل الفور عنها.
أجابها باقتضاب: يبدو أنها وقعت مني عندما كنت أواسيك في وفاة جدتك لقد طلبت مني زوجة ذلك الرجل الذي كان معنا منذ أيام صورة له فرسمتها من صورة أكبر.
ارتسمت الدهشة فوق وجهها وقالت: أترسم الوجوه؟ ابتسم لها وقال: هواية قديمة لا أحترفها.
صفقت بمرح طفولي وقالت: حسنا فلترسمني، ضحك وقال: ولماذا أرسمك وقد وشم قلبي بك للأبد.
شعرت بالخجل فاحمر وجهها، فقد راقت لها غزله لها، انع** ضوء القمر الوردي على وجهها فزادت حمرة وجنتيها،وقبل أن ينطق أى منهما بكلمة، لاحت من بعيد أبراج المعبد المقدس، أشار لها، وقال: لقد وصلنا دقائق ونصل إلى المعبد.
يتبع >>