أرض أونتاريا
تمكن ديمرا من التسلل إلى معبد هارتيا، ليستعير لوحة وأداة كاميتو لكي يسجن تمارا وجيرميا فيها؛ لأنه اعتقد أنها الطريقة المثل للتخلص من تلك الفضيحة والمشكلة.
لن يتأذى أحد فأوارا لن تعلم بخيانة زوجها لها ولن تصدم في جارتها التي عاشت طفولتها معها، ستظل صورة جيرميا وتمارا مثالية أمام الجميع، يسجن وعيهما في اللوحة.
يتزوج تمارا بعد ذلك لينقذها من الفضيحة ويكبر الأطفال معا، هكذا وجده حلا رائعا، والان عليه التنفيذ، في صباح اليوم التالي، ذهب جيرميا إلى بيت تمارا بعد أن أخبر أوارا بزيارته لها من أجل إحضار لها بعض الطعام لأنها صارت وحيدة.
رحبت أوارا بذلك، كان القلق يعتصر كيانه،خشي كثيرا من رفض تمارا لفكرته بأن يتزوجها بعيدا عن هنا ويقتسم الوقت بينها وبين أوارا،تسلل ديمرا لمنزل تمارا قبل أن يحضر جيرميا الذي طرق الباب بحماس.
تثاءبت تمارا فكانت لا تزال نائمة، نهضت من فراشها ببطء وتكاسل ، سترت نفسها برداء طويل واسع،زادها جمالا،فتحت الباب والتثاؤب لا يفارقها،وجدت جيرميا أمامها يبتسم لها ابتسامة واسعة فتعجبت كثيرا،وفركت عيناها قبل أن تكون بصوت متحشرج: عجبا لك، ماذا حدث لذلك الوجه البائس ليتبدل بوجه بشوش؟
دفعها جيرميا ليدخلا ثم أغلق الباب خلفه باحكام، احتضنها بقوة وقال بلهفة : لدى حل يساعدنا في حل المشكلة دون أن نهرب ودون أن ننفى لمدينة نيجاتفيا.
نظرت له بريبة وقالت: كيف هذا؟ هز كتفيه بلامبالاة ثم لوح بيده اليمنى وقال: المر بسيط أخبر أوارا بأنني مضطر للسفر لأطراف المملكة حتى أشتري أدوات جديدة وأنتظر معك هناك حتى الوضع ثم أعود لأمكث معها شهر وأعود مرة أخرى لكِ.
تلون وجه تمارا إلى الغضب وقالت بحدة: ستتركني بمفردي في بلد غريب كل تلك المدة؟ أنا لا أقبل أن يشاركني فيك أحد، هنا خرج ديمرا من مخبأه ، قال بسخرية: كنت أعلم أنكِ لن توافقي على عرضه،لذا حضرت لك مفاجأة ، وقبل أن يدرك تمارا وجيرميا ما يحدث،قام بإخراج اللوحة والكاميتو.
وجهها لتمارا التي وجلت منها،ضغط ديمرا على زر جانبي بالكاميتو فانطلق منها بريق لامع يخ*ف الأبصار، ليسقط على جسد تمارا، وينع** منه لكي يدخل وعيها إلى اللوحة ويسجن إلى الأبد، كرر فعلته مع جيرميا الذي لم يدرك ما حدث له، ولتمارا إلا بعد الدخول للوحة.
ابتسم ديمرا بارتياح عندما رأى جسدي جيرميا وتمارا أمامه كخشبة تائهة فوق موج البحر المتلاطم،عيناهما زائغتان،ملامحهما جامدة،كأنهما تمثالين من حجر أ** لا يشي بأى شيء،ولكن ما كان يعتمل بداخلهما هو الحيرة.
فجأة ينتزع منك وعيك ،ذاكرتك ، ماضيك، ذكرياتك الحلوة والموحشة، كل شيء يميزك عن غيرك،باختصار تضيع منك نفسك، ويضيع منك أنت!
نظرت تمارا لجيرميا وديمرا بخوف، فهى لا تذكر أى شيء فجأة تجد نفسها محاطة برجلين لا تعرفهما،وجل قلبها فتراجعت، وكادت أن تهرب من الباب، ولكن ديمرا بادر بالإمساك بذراعها وقال لها: لا تخشي شيئا يا تمارا، التفتت تجاه الصوت ثم زاغت عيناها قليلا بينه وبين جيرميا.
رددت بصوت خافت مسموع: تمارا تمارا تمارا،هز ديمرا رأسه إيجابا وقال: نعم أنت تدعين تمارا، هذا اسمك وأنا خطيبك، ارتسمت الحيرة على وجهها المليح وقالت بدهشة: زوجي! لا أعرفك، لا أتذكر أى شيء.
احتضنها وقال بمحبة : لا يهم أن تتذكريني ولكني أتذكرك، ثم مرر يده عل شعرها الأحمر الناري برفق وقال بحنان صادق:يكفي أني أتذكرك،شعر بسهام الحب تخترق قلبه،لتعلن ميلاد أول شعلة حب في قلب ديمرا،وقد أشعلتها تمارا لتوه.
ابتسم لها حتى اطمئنت له وبادلته الابتسام،فالتفت إلى جيرميا الذي قال له بحماس: أما أنت لقد حان عودتك إلى زوجتك وابنتك.
رفع جيرميا حاجبيه دهشة وقال بصوت مرتعش: لي زوجة وابنة؟ ثم هز رأسه نفيا وأردف قائلا: ولكني لا أتذكرهما.
ربت ديمرا على ظهر صديقه وقال: لا يهم يا جيرميا ، لا يهم، إنهما في انتظاركما الآن.
حثه ديمرا على المضي قدما للخارج فانصاع جيرميا له،التفت ديمرا لتمارا وقال لها: سأوصله إلى منزله، ارتاحي الآن ، و*دا سأعود لكي نرتب أمور زواجنا.
ابتسمت له ولوحت لهما بيدها الرقيقة،اصطحب ديمرا صديقه إلى الغابة أولا، مرت ساعة حتى وصلا إليها سيرا على الأقدام، وفي غفلة من جيرميا، أمسك ديمرا بفرع شجرة سميك ، وقام بض*ب ديمرا على جبهته فسقط مغشيا عليه.
جره ديمرا مسافة لا بأس بها ثم حمله مدة ثم جره وهكذا تناوب بين الجر والحمل، حتى لاحت له عربة يقودها أحد الحطابين،الذي استوقفه ديمرا لكي يساعده في إيصال صديقه المغشي عليه إلى منزله.
نزل الرجل بسرعة ليساعده في ذلك،سأله الرجل عن جيرميا فأجابه: لقد انزلق وصدم رأسه فأغشي عليه في الحال.
شقت العربة طريقها بصعوبة في ذلك الطريق غير الممهد الذي يصل بين الغابة والأحياء المختلفة بأرض أونتاريا، وعند منعطف الطرق سأله الرجل أى حى سيسلك، فأجابه حي ناميرا.
في اللحظة التي أصيبت فيها رأس جيرميا خفق قلب زوجته أوارا بشدة، وشعرت بخوف مجهول المص*ر،روادتها الأفكار السيئة عن نفسها ولكنها أبت أن تفكر في شيء سيء قد حدث لزوجها.
بعد قليل وصلت العربة لحي ناميرا فطلب ديمرا من الرجل أن يوصله إلى المنزل رقم خمسة وعشرين، وصلت العربة للمنزل المنشود ثم نزل صاحب العربة ليساعد ديمرا في نقل المريض من العربة،صنع هذا جلبة وصلت لمسامع أوارا التي وضعت ابنتها في فراشها بسرعة؛لتخرج لتعرف ما سبب تلك الجلبة، فتحت الباب لتجد ديمرا ورجل ما ،يحملان جسدا يشبه جسد زوجها جيرميا.
هوى قلبها عندما اقتربا من الباب فوجدته زوجها؛ فانطلقت صرخة مكتومة مصحوبة باسم جيرميا.
تنحت جانبا بسرعة لكي تسمح لهما بالدخول، على أقرب أريكة وضعوه ممدا، لهث الرجل وديمرا كثيرا حيث كان جسد جيرميا ثقيلا.
أمسكت أوارا كتف ديمرا وقالت بصوت مرتعش : ماذا حدث لزوجي؟ مزق بكاؤها قلبه، ولكنه تمالك نفسه ليجيبها أنه بخير ، وأنه فقط قد صدم رأسه عند انزلق في الغابة ليقطع بعضا من جزوع الأشجار ليعمل أكثر من أجل ابنتكما.
ابتسم لها ثم قال لا تقلقي، إنه جرح بسيط، ساعديني لكي أضمده، استأذن الرجل منهما لكي يعود لطريقه.
دخلت المطبخ لكي تحضر له أدوات تضميد الجروح من معقم ودهان ورباط من الحرير المخصص لتلك الجروح.
عالج ديمرا صديقه بمهارة فائقة دُهشت لها أوارا التي سألته : من علمك هذا؟ إنك ماهر حقا في تضميد الجروح.
اعتدل في جلسته ليواجهها وقال: لقد عملت في صغري مساعدا لأحد الأطباء في حي بعيد بأطراف المملكة بعد ... بتر جملته ثم خفض رأسه حتى لا ترى دموعه التي اغرورقت بها عيناه حزنا على تذكره وفاة والديه ثم قال بصوت حزين،بعد أن توفي والدي ،لم أجد من يرعاني، أصبحت مشردا بعد ما استولى، **ت مرة أخرى لتتبدل ملامح وجهه ونبرة صوته إلى الغضب وقال بكل كراهية شديدة: بعد أن استولى ذلك الحقير شريك والدي على حصة أبي في تجارتهما بعد ما تسبب في مقتلهما.
شعرت أوارا بالشفقة تجاه ديمرا الذي أنهى علاج جرح زوجها لتوه، استفاق الزوج بعد أن استنشق بعضا من العطر نفاذ الرائحة، ص*رت عنه تأوهات مست نياط قلب زوجته بالكثير من الألم تلك أول مرة تشاهده يتألم، اقتربت منه لتحتضته برفق ،زينت رأسه بقبلة حانية بالقرب من الجرح علَّه يقل، أحس جيرميا بعاطفة ما تجاهها ،حاول أن يتذكر من تكون لكن ذاكرته لم تساعده فنظر إلى ديمرا الذي لم يتذكره أيضا، فظهرت الحيرة على وجهه، سأل بصوت يغلب عليه الاجهاد: من أنتما؟ ثم التفت بذعر واضح يمينا ويسارا ليردف قائلا: وأين أنا؟ استعد للنهوض من الفراش ولكن دوار شديد عصف برأسه حال دون ذلك.
عاد لفراشه مرة أخرى وسأل نفس الأسئلة السابقة، نظرت أوارا لديمرا تغلفها التساؤل والحيرة،فبادرها ديمرا قائلا: يبدو أن الصدمة كانت قوية أفقدته الذاكرة.
قالت بذعر : ماذا؟ أفقدته الذاكر ، يا ويلي، لقد ضاع زوجي، ضحك ديمرا بسخرية وقال: ضاع زوجك ! إنه بخير ، فقدان الذاكرة سيزول بمرور الوقت ، لا تقلقي.
ربت ديمرا على كتف جيرميا وقال له: صديقي العزيز، أنت هنا في أمان مع زوجتك، لا تقلق ولا تخجل اطلب منها ما تشاء وذاكرتك ستعود حتما في القريب العاجل.
ثم التفت إلى أوارا وقال لها مبتسما: عزيزتي ، سأذهب الآن لأرتب مع تمارا أمر زواجنا.
اعتلت الفرحة الممزوجة بالدهشة وجهها الجميل وقالت: حقا؟ ولكن ألن تنتظرا حتى يأتي موسم الزواج القادم؟ هل هذا مسموح الزواج في غير معاد التزواج؟ أليست هارتيا التي تختار الزيجات؟
ضحك ديمرا وقال : هناك قانون يستثني الفتيات اللاتي توفي عنهن ذويهن ولا يوجد من يرعاهن لهن الحق في الزواج في أى وقت.
عدل من هندامه ثم أكمل حديثه غدا سنذهب إلى المعبد لتباركنا هارتيا،ابتسمت أوارا ثم شكرته على إنقاذه لزوجها.
بدأت شمس أونتاريا الوردية في المغيب، وبدأ الليل يرسل ظلاله على أسطح البيوت والطرقات، عاد ديمرا إلى منزل تمارا ليخبرها بزيارتهما إلى المعبد لتوثيق زواجهما.
وصل منزلها وكان الليل قد أسدل ستائره وأرسل نوره الوردي على قلوب المحبين في حي ناميرا،أطرق ديمرا باب تمارا التي فتحته على الفور، كان القلق يسيطر عليها فنهرته قائلة: لماذا تأخرت؟ كدت أموت من الخوف بدونك.
ضحك وقال لها: أعدك أنني من الغد لن أتركك أبدا، اعتلت الحيرة وجهها فقال لها: غدا سنذهب سويا إلى المعبد المقدس لتباركنا هارتيا ونوثق الزواج.
تهللت أسارير تمارا بهذا الخبر رغم أنها لا تتذكر ديمرا حتى الآن ولكنها كأى أنثى تسعد كثيرا بأمر الزواج.
على ع** جيرميا الذي ذعر من أمر زواجه كأى ذكر يفزعه تحمل المسؤولية، مر الليل ثقيلا على جيرميا وتمارا المسجونين داخل اللوحة في تلك الليلة، غضب جيرميا المسجون جدا عندما أدرك أمر نفيه إلى مدينة نيجاتفيا بسبب صديقه ديمرا.
أما تمارا رغم أنها تشعر بالحسرة مما حدث إلا أن عزائها الوحيد هو اجتماعها بحبيبها جيرميا حتى لو كان ذلك داخل لوحة.
نظرت تمارا حولها وقالت بحماس: أتعلم يا جيرميا أن أفضل شيء حدث هو أن منزلي جاء معنا في اللوحة.
نظر حوله جيرميا ليلاحظ أنهما في نفس الغرفة التي كانا فيها قبل تلك الحادثة، قال بحنق: نفس الغرفة التي شهدت خطيئتنا، أغضبها جملته كثيرا حيث أشار لحبهما بالخطيئة.
عقدت ذراعيها بتحد وقالت: لا يهم، المهم أنك بجواري وجوار طفلنا الذي أحمله ثم مررت كفها فوق بطنها في سعادة.
حك ذقنه مفكرا ثم قال بجدية: ولكن ما مصير ذلك الطفل الذي سيولد؟ هل سينمو الطفل خارج اللوحة بلا وعى ، أم ماذا؟
هزت كتفيها بلامبالاة استفزته عندما قالت: سنعرف حتما عندما ألد ويكبر معنا،والآن عليك الاستسلام للأمر الواقع، نحن هنا في مدينة نيجاتفيا نعيش حياة بصورة ما، لا يهمني العالم، لقد اكتفيت بك، أنت عالمي، ويجب أن ترضى أن أكون عالمك، لا تهتم بما خارج عالمنا، زوجتك تعيش معك الآن بجسدك وأعيش معك بوعيك ، أعتقد إنها قسمة عادلة، فلترضى بتلك القسمة يا حبيبي.
يتبع>>>