قطعت الجياد الطريق بسرعة خاطفة، وجدا نفسيهما على بضع أقدام من البوابة الرئيسية للمعبد المقدس، كان يحرسها حارسان قويَّان، تقدم أحدهما بضع خطوات تجاه العربة، كان ديمرا يقودها بنفسه فنزل عنها، سأله الحارس عن سبب مجيئه، فأجابه ديمرا قائلا: جئت كي أوثق زواجي من تمارا فتاة توفي عنها جميع أهلها وقد أعلنت زواجنا في حيها فباركنا الجميع، ونريد أن نوثق زواجنا ومباركتنا من قبل هارتيا.
مد الحارس يده وقال: هل لد*ك وثيقة تثبت ذلك؟ هز ديمرا رأسه إيجابا ثم أخرج تلك الوثيق التي منحها له كبير حى ناميرا قبل رحيله.
ابتسم الحارس له، ثم أشار إلى الحارس الآخر كي يفتح البوابة لتمر العربة، استقل ديمرا العربة ثم قادها إلى داخل المعبد، كان محاطًا بأسوار عالية مزينة بأشكال مختلفة من القلوب، ومنقوش على الجدران أيضا عهود الحب التي يكتبها الزوجان بعد توثيق زواجهما في المعبد بعد حفل الزواج ا****عي كل عام.
استوقف ديمرا العربة ونزل منها، طلب من تمارا النزول ثم اتجها إلى أحد الجدران الخالية من النقوش، أمسك الأداة التي يتم النقش بها والتي كانت متدلية من عامود إنارة.
أمسك ديمرا تلك الأداة ثم خط بعض العبارات، لم تعي تمارا شيئا مما يفعله فآثرت ال**ت حتى يوضح لها ما يفعله بعد انتهائه كعادته.
كتب " ما زال النبض يكفي لحبك " ثم وقع تحتها المحب المخلص ديمرا، قرأ لها ديمرا ما كتب فابتسمت وقالت له: بنيت لك قصرا في قلبي فاسكنه إلى الأبد.
احتضنها ديمرا بقوة، أمسك يدها ليحثها على التحرك تجاه المعبد نفسه، كان مهيبا كأنه قلعة للحب، استقبلها أحد الكهنة بترحاب ، أخبره ديمرا بسبب مجيئهما، وفر الكاهن لهما غرفة يبيتان فيها حتى الصباح لتبدأ مراسم التوثيق والمباركة.
كان السوار الذي ترتديه تمارا مخبأ جيدا تحت قفازها، كان يبدو متوهجًا،لاحظته فسألته عنه: أجابها: يجب عليك ارتداء القفاز حتى يتم توثيق الزواج، ولا تسأليني لماذا؟ فيما بعد سأفسر لك ذلك. ابتسمت له باطمئنان وثقة وقالت: حسنا، ارتدت قفازها مرة أخرى ثم تثاءبت معلنة بذلك احتياجها للنوم، فتمددت على الفراش ثم تلحفت بالغطاء المخصص للنوم.
آثر ديمرا النوم فوق تلك الأريكة المجاورة للفراش الذي تنام عليه، أسبل قلبه حتى الصباح على محبته لتمارا النائمة بكل براءة ، لا تتذكر أى شيء عن ماضيها الساذج.
وهذا ما أعجبه كثيرا ، إنها الآن بين يديه يمكنه تشكيلها كما يشاء، لقد شعر بالراحة حيث أنقذ الحياة الزوجية بين جيرميا وأورا من خلال ما فعله.
أخبرها ديمرا قبل رحيله أنه سيعود بعد عدة أشهر، حيث يريد أن يزور عدة أماكن مع تمارا قبل أن يعودا ويستقرا مرة أخرى في حى مورا مورا.
فضل ديمرا أن يأخذ اللوحة التي سجن فيها جيرميا وتمارا من قبل معه، لم يأمن عليها في أى مكان سواه. أشرقت شمس الصباح لتلقي بأشعتها الوردية فوق جدران معبد هارتيا العالية، والتي ألقت بظلالها على أرضية وطرقات المعبد المتداخلة، تسللت بعضًا من أشعة شمس ذلك اليوم إلى تلك الغرفة التي قضيا فيها ديمرا وزوجته تمارا ليلتهما أمس.
تثاءبت تمارا قليلا قبل أن تداعب أشعة الشمس المتسللة من خلف النافذة لتوقظها ، فتحت عيناها بتثاقل ثم أتبعها تثاؤب أيقظ زوجها، نهض ديمرا ببطء.
نهضت هى الأخرى بتثاقل، كان القفاز قد فارق يدها أثناء نومها، توهج أكثر، شعرت بحركة غريبة بداخل بطنها، تحسست بطنها بقلق قرأه ديمرا في عينيها على الفور ،فاقترب منها؛ ليبحث عن القفاز ثم ساعدها في ارتداؤه، تحسس بطنها ثم همس لها: لا تقلقي ،إنك حبلى ، وستضعين قريبا مولودنا الأول.
رفعت حاجبيها دهشة وقالت: حبلى! هدأ قلقها بقبلة حانية فوق جبهتها ثم قال: نعم ، حبلى ولكن لا أريد أن يعلم أحد هنا بذلك حتى نوثق الزواج من قبل الكهنة، وبعدها نسافر بعيدا حتى تلدين ونعود إلى حي مورا مورا. قطع حديثهما طرقات على باب الغرفة من إحدى الكاهنات، فتح لها الباب بسرعة ، رحب بها ورحبت بهما، طلبت منهما ارتداء تلك الملابس الخاصة بمراسم الزواج في المعبد.
خرجت الكاهنة لتسمح لهما بارتداء الملابس، بعد قليل خرجا من الغرفة وهما في أبهى صورة ، كانت الملابس تلائم جسديهما، ومن حسن حظ تمارا أن ردائها بأكمام طويلة غطت سوارها.
كان ديمرا يرتدي رداء أزرق اللون **ماء أونتاريا في حين كانت تمارا رداؤها مصطبغ بالوردي فكانت كشمس أونتاريا تضيء سمائها بإشراقها الوردي.
كانت سهام الحب قد توغلت في قلب ديمرا الذي بدأ يرى تمارا بأعين المحبين، تغاضى عن ماضيها، وها هو يبدأ معها من جديد كل شيء، جلس الزوجين أمام صوعمة هارتيا التي أطلت بذراعين طويلان رفيعان في نهايتهما مجسات الحب، جفلت تمارا منها وخافت وكادت أن تهرب من المكان لولا أن ديمرا أمسك يدها بسرعة ثم همس بسرعة في أذنها: لا تقلقي.
اقتربت المجسات من ذراع ديمرا لكي تفرغ جرعة من الحب في عروقه، ثم اتجهت المجسات ناحية تمارا التي لا تزال خائفة منها، أغمضت تمارا عينيها ،سمحت للذراع الطويلة أن تقترب منها، حتى وصلت المجسات إلى ذراعها وحقنته بجرعة من الحب.
انتهت المراسم بسلام، عرض كبير الكهنة عليهما المكوث الليلة في المعبد، ولكن ديمرا قال له: سنسافر اليوم،ثم شكره على عرضه، كانت العربة بالخارج ، ركبت تمارا في خلف العربة مع الأمتعة في حين قاد ديمرا العربة.
فتحت الأبواب لتخرج العربة، تحكت الجياد بسرعة متوسطة، كانت حوائط المعبد تبتعد تدريجيا حتى بهت أثرها، سارت الجياد مسيرة نصف يوم حتى وصلت لأطراف مملكة جوانا،كان هناك طبيب عجوز كان ديمرا قد عمل مساعدا له في صباه، عاد إليه ليعيش معه فترة حمل تمارا،وحتى يساعده في رعايتها.
كان ديمرا يثق فيه كثيرا،حتى أنه حكى له كل شيء عن تمارا، فبعد أن وصل عنده ، حكى له حمل تمارا وأنه لا يعرف كيف يعتني بها وخاصة أنها صارت وحيدة، رحب الطبيب بهما،ولكنه لم يجرؤ على إخباره بأمر نيجاتيفيا وسجنه لها فيها.
مرت الأيام سريعا على تمارا وديمرا تحت رعاية الطبيب العجوز، كان يشعر بالغرابة تجاه تمارا التي يبدو عليها أنها كالطفلة الصغيرة التي ترى الأشياء لأول، تعجب من سلوكها كثيرا، والأعجب أنها لا تدرك معنى حبلى حتى الآن.شكَّ الطبيب بأمرها كثيرا، فقرر أن يتحدث مع ديمرا في ذلك الأمر، ودار الحديث التالي:
عزيزي ديمرا، تعلم أنني لم يكن لي ولد غيرك، فصارحني بأمر زوجتك.ارتسم القلق على وجه ديمرا فقال: ما بال زوجتي؟ إنها بخير
ربت الطبيب فوق كتفه ليشجعه على البوح بسر زوجته ثم قال: هناك سر ما يخصها فهى ليست كمثل النساء، أمور كثيرة لا تعرفها، إنها كالطفلة الصغيرة التي لا تتعدى خبرتها ثلاث سنوات. أخذ ديمرا نفسا عميقا ثم أخرجه ببطء كأنه يريد أن يتخلص من قلقه بتلك الطريقة، أطرق رأسه ثم قال بصوت مختنق: لا أعلم ماذا أقول؟ إنها قصة طويلة جدا ومعقدة. أمسك الطبيب ذقن ديمرا ورفعه لألعلى ليواجه عينيه ثم قال له: قل كل شيء ولا تخفي شيئا ولو صغيرا يا بني.
اتكأ ديمرا بظهره على عمود خشبي يتوسط ساحة منزل الطبيب، حكى له كيف تعرف على تمارا وجيرميا وأوارا، كيف صار صديقا لجيرميا وما حدث لأوسان وماجلان والكاهنة ساري، حك له كيف كانت تمارا قبل أن يسجنها، وأنها كادت أن تخرب العلاقة بين جيرميا وأوارا، فكر في إنقاذ الجميع، بحبس وعي جيرميا وتمارا في لوحة يدعونها نيجاتفيا.كما حكى له أن ما تحمله تمارا ليس من نطفته، وأنه أعلن زواجهما حتى ينسب المولود له، حتى يجنبها و**ة العار التي ستلحق بها طوال العمر إذا ما علم الجميع بأمرها مع جيرميا المتزوج.
ارتسم الوجوم والذهول والانزعاج على وجه الطبيب، هز رأسه وقال: الآن فهمت، لماذا هى كالأطفال، في تلك اللحظة وصل إلى مسامعهما صرخات أنثوية تص*ر من الغرفة التي كانت تنام فيها تمارا.هرع ديمرا إليها ، في حين أسرع الطبيب ليحضر أدواته فمن الممكن أن ميعاد وضعها قد حان.
كانت بطن تمارا منتفخة وحالها يخبر بأن الوضع قد حان، تألمت كثيرا والعجيب أن وعي تمارا المحبوس شعر بنفس ما يشعر به جسد تمارا، هرع وعى جيرميا أيضا لنجدتها، لا يعرف كيف يتصرف في هذا الأمر العجيب.
لا يعرف كيف يتصرف؟ كيف يساعد في تخفيف آلامها، لعن ديمرا ألف مرة ولعن نفسه آلاف المرات، ماذا لو لم يضعف أمام تمارا؟ شعر أنه سجين اللوحة وسجين عجزه وسجين الندم، كأنهم ظلمات ثلاث سيعيش فيها أبد الدهر.شعر الطبيب بالارتباك كثيرا فتلك أول مرة يساعد في وضع امرأة بضع منها حبيس لوحة! يا له من أمر محير، حاول بكل الطرق الطبية مساعدتها ولكن شيئا ما يحول دون وضعها.
خطر بباله فكرة ما، ماذا لو تمكن بعضها من العودة مرة أخرى لجسد تمارا؟ أسرع يخبر ديمرا بالأمر، وأخبره أنه يجبأن يعود بعض تمارا المحبوس إلى جسدها، لعل ذلك هو سبب تثر وضعها.تردد ديمرا لحظة ولكن صرخات تمارا أجبرته على إحضار اللوحة وأداة الكاميتو وقام بإخراج بعض تمارا المحبوس بنفس الطريقة التي أدخلها بها اللوحة.كان بعض جيرميا المحبوس بداخل اللوحة مع تمارا يحتضنها كى يخفف من آلامها، ولكن فجأة اختفت تمارا من بين ذراعيه.
صرخ بقوة تمارا ، أخذ يبحث عنها في كل مكان، ولكنه سمع صوت ديمرا يناديه من خارج اللوحة، لا تقلق يا جيرميا لقد حان وضع تمارا وأخبرني الطبيب أنه يجب أن يعود ما بداخل اللوحة حتى تضع بسلام، تن*د جيرميا بارتياح، ولكنه تذكر أنه لا يزال محبوسا فقال بغضب: وبالنسبة لي؟ هل يجب أن أكون حبلى لكي تحررني أم ماذا؟ أليس لي الحق في رؤية مولودي؟
كان الذهول ضيفا على وجه الطبيب بحق، لقد شاهد ديمرا يكلم شخصا ما بداخل اللوحة ولكن اللوحة كانت صامتة، ديمرا وحده يمكنه رؤية جيرميا وتبادل الحديث معه، فقط من يهتم لأمر من بداخل نيجاتيفيا يمكنهم التواصل مع سجنائها.
أكمل ديمرا حديثه قائلا: للأسف لقد سافرت بعيدا وجسدك هناك في حى ناميرا مع زوجتك، عندما نعود سأعيدك ولكن لا تقص على زوجتك أى شيء، أما تمارا فقد أخذت جرعة حب وسيتحول حبها لك إلى وينتهي الأمر، سأله جيرميا بجدية: والمولود ؟ إنه ابني .