حلقة - 6- تمارا

1944 Words
في تلك الأثناء كانت العربة التي تُقِل الكاهنة أوسان قد وصلت لتوه لقاعة الاحتفال بالزواج ا****عي، كانت التحضيرات على أشدها. توقفت العربة، كان يصاحبها ثلاث عربات مكتظة بالكهنة، والكاهنات وبالهدايا التي سيتم توزيعها على الأزواج، وبمجرد نزولهم من العربات توزعن فورا للاشراف على الحفل. استقبلهم الجميع بحبور، انحنى الجميع عندما شاهدوا الكاهنة الأولى لمعبد هارتيا  تخرج من عربتها ، أنيقة كعادتها ، متواضعة كما عهدوها ، أشارت لمساعدها لكي يحمل الصندوق عنها ، والذي كان يضم بداخله روحان سيكون لهما شأنًا عظيمًا عما قريب. شعر ماجلان وزوجته أوسان باضطراب في الأرض، ففطنا أن اللوحة تتحرك، تملكهما الزعر والحيرة ، ودار بخلديهما نفس السؤال في كل مرة تتحرك اللوحة ، ما مصيرهما الآن؟ ماذا سيحدث لهما؟ وماذا تخطط لهما الكاهنة ساري. في الوقت الذي كانت الحياة رائعة في أرض أونتاريا بعد ما اقترب موعد حفل الزفاف ا****عي وبعد ما حضرت الكاهنة ساري ، كان القائد جومار يستشيط غضبا ، لأنه لا يمكنه الوصول لها ، والزواج بها قسرا، ليثبت أن نفوذه واسع ، كانت ساري تلك الشوكة التي نغصت حياته ، وروعت نفسه ، ففكرة تمرد أميرة مثلها  ، ورفضها الزواج به ، جرحه نفسيا واعتبر ذلك إهانة عظيمة له ؛ لذا كان هدفه في تلك الفترة إيجاد طريقة للولوج إلى عالم نورشا ، خاصة أرض أونتاريا والزواج بها رغما عنها. استطاع أن يشاهدها من خلال نافذة سحرية شبيه بالتي تستخدمها لمراقبة ، ومعرفة كل شىء ، وعلم بقوة ماجلان السحرية وكيف دخل إلى تلك اللوحة لذا خطرت له فكرة غريبة جدا هو أن يحصل على ماجلان وكذلك ساري بض*بة واحدة ولكن كيف سيفعل ذلك ؟ سنعرف ولكن بعد ما نحتفل جميعا مع سكان حى ناميرا ، فلنمرح قليلا ولا نتعجل الأحداث المؤسفة التي تنتظر أبطالنا عما قريب. *********************** في منزل جيرميا كان جيرميا يتجهز لحفل زفافه ، أحاط به الأصدقاء والمعارف الذكور يرشون عليه بضعا من العطور الخاصة بحفل الزواج ، تلك العطور كانت تجهز من قبل كهنة معبد هارتيا ويشاع أنها السبب في زيادة الحب بين الزوجين ؛ لذا يوصي الكهنة برشها على الزوج قبل ذهابه إلى قاعة الحفل. في نفس الوقت كانت تلك الطقوس تمارس في منزل أوارا كانت الصديقات والجارات يقمن برشها ببعض العطور الخاصة بالزوجات، ضحكت أوارا وقالت بمرح: لست من تحتاج لتلك العطور فقد علمت أنه يعشقني بالأمس، تركتهن ثم انتقلت إلى مرآتها لتضفر شعرها بنفسها وتزينه ثم أكملت حديثها: لقد فاضت عيناه بحب دفين، وباحت شفتاه لي بسر هواه. تغامزت الفتيات ونظرن لبعضهن وانفجرن بالضحك، ولكن كانت هناك جارة لها تصغر أوارا بعامين، ترمقها بنظرة كلها غيرة؛ فكانت هي الأخرى ترجو الزواج بجيرميا، ولكنها لم تكن قد بلغت السن الذي يسمح لها بالزواج بعد. كانت ترجو أن ينتظر جيرميا عامين ويتقدم للزواج ، ولكنه تعجل الأمر وتقدم للزواج وقبلته هارتيا واختارت له من يحبها. بالرغم من أن احتمال أن يكون جيرميا قدرها إلا أنها شعرت بالحسرة أن هارتيا اختارت جيرميا زوجا لجارتها أوارا. ازدادت غيرتها كلما رأت أوارا تشرق أكثر وأكثر بفضل محبتها لجيرميا ومحبته له التي أفاضت بسرها لهن لتوه. لم تكن تدري أوارا أن ما أفشته من حب يجمعها بجيرميا قد أشعل نارا عظيمة بطفلة بدأت أولى خطواتها نحو النضج لأن تكون امرأة ويحق لها التقدم للزواج. كانت تمارا دائما تقلد أوارا في كل شىء فهى تراها نِدًا لها وتريد أن تفوقها في كل شىء. لاحظت تمارا اهتمام أوارا بجيرميا ،كانت تلاحظ  بريق عينيها الذي يلمع كلما رأته كل صباح وهو يخرج من منزله. بدأت هى الأخرى تهتم به ،وتتبع خطواته،  وتراقبه من بعد تحاول أن تعرف عنه الكثير ماذا يحب ؟ ماذا يفضل من الطعام؟ وهكذا،  كل شىء حاولت أن تعرفه عنه علمته، في حين كانت أوارا تكتفي برسم أحلامًا وردية في خيالها مع جيرميا، دون أن تهتم بمعرفة طبائعه، على ع** تمارا التي كانت أكثر ذكاءً منها في تلك النقطة. كانت الأجواء تفيض بالبهجة في كل البيوت التي تستعد للزواج ، بدأ العازفون يعزفون معزوفة الزواج الشهيرة في أونتاريا،يطوفون بكل الأركان والأنحاء. بدأت الترانيم تهز أرجاء أونتاريا كانت مهيبة تقشعر لها الأبدان ،بدا الجميع يرتل ترانيم الصلاة لهارتيا التي منحت قلوبهم الاستقرار والحب. ردد الجميع : هارتيا يا من منحتنا حب الحياة.... يا من بحكمتك كتب للحب البقاء هارتيا.... هارتيا... هارتيا... يا من منحتنا حب الحياة كنا نعيش في بغض وشتات .. والآن نحيا بكل محبة واستقرار هارتيا... هارتيا.... هارتيا... يا من بحكمتك كتب للحب البقاء كانت الطيور الملونة تقدم عرضا أثناء تلك التراتيل، وكلما ذُكر اسم هارتيا تجمعت الطيور على هيئة قلب هارتيا. في تلك الأثناء وفي الحد الفاصل بين عالم نورشا وعالم عالم جورما ،استطاع جومار تخطي تلك الدوامات السحرية التي صنعتها الأميرة ساري لتحمي عالم نورشا منه. ومن ثغرة سحرية لم تنتبه لها ساري ، تمكن من التسرب لعالم نورشا ، ولكن في هيئتهم بسبب اختلاف ضوء الشمس بين العالمين. شعر جومار ب*عور غريب عندما شاهد انعكاس صورته على مياه بحيرة صغيرة كانت موجودة عندما خرج من الحد الفاصل بين العالمين. كانت هيئته أصغر، وأقل حجمًا مما كان يبدو عليه في عالمه، اندهش كثيرا وبدأ يقلب كفيه أمام عينيه، وأمام البحيرة؛ فيراها في هيئتها الطبيعية ، ولكن انعكاسها كان شيئا آخر. التقط أنفاسه بسرعة وكانت دقات قلبه سريعة؛ فالمجهود الذي بذله من أجل التغلب على القوة السحرية التي استخدمتها ساري في تحصين الحد الفاصل بين العالمين ،قد أنهكته كثيرا. كان يبدو رجلا متوسط الطول ذو شعر ذهبي مجعد، عينان زرقاوتان، لحية كثة ذهبية اللون ، مفتول العضلات ، كانت هيئته في عالم نورشا على ع** هيئته الطبيعية في عالمه.  كان السكان مشغولون في التجهيزات لحفلات الزفاف ا****عي الموجودة في مقاطعات مملكة جوانا وخاصة أرض أونتاريا. استغرق جومار مسيرة نصف يوم حتى وصل إلى حيث تحتفل الكاهنة ساري مع سكان أرض أونتاريا خاصة في حي ناميرا، وصل في الوقت الذي بدأت فيه الاحتفالات ومباركة الكاهنة ساري للأزواج. كانت تجلس على عرش أنيق متواضع مصنوع من خشب جذوع الأشجار ومزين بالزهور الملونة. تحرك قلب جومار تجاه سارين التي كانت تبدو جميلة جدا في هيئة عالم نورشا، تمتم بإعجاب: حتى في هيئتك النورشية رائعة الجمال، إنك أجمل امرأة تزوجتها ،تذكر ما فعلته من هروب ومعاداة نظام حكمه، فاشتعل الغضب في قلبه. وقرر أن يعيدها قريبا إلى عالمهما الأصلي، بخ*فها بعد انتهاء حفل الزفاف ا****عي، أثناء انشغال الجميع بتهنئة الأزواج ومرافقة ذويهم لهم لمنازل الزوجية. بدأ الكاهنة ساري تتلو على كل زوجين تراتيل وعهود تلاها الأزواج خلفها، تسلل جومار لخيمتها التي أقاموها لترتاح فيها بعد انتهاء الحفل . بحث في كل أركان الخيمة من أجل الحصول على اللوحة والعودة بها إلى عامله واستخراج ماجلان منها ولكنه فكر في أمر خبيث جدا،عندما وجد الأدادة التي أدخلت الزوجين ماجلان وأوسان اللوحة بداخل الصندوق مع اللوحة التي سجنتهما. في تلك اللحظة دخلت ساري من أجل أخذ اللوحة لتعطيها هدية لأوارا وجيرميا، ولكنها صعقت عندما وجدت غرييبا في خيمتها يمسك بأدواتها، كان جومار سريع الحركة فقام بالضغط على الأداة فوجهها إليها. طبعت صورة مصغرة لها مقلوبة بداخل نفس اللوحة التي سجنت فيها ماجلان وأوسان منذ أيام. كانا بالقرب منها عندما وجدوها فجأة معهما بداخل اللوحة، كانت مقلوبة رأسا على عقب، ساعداها على الوقوف بطريقة معتدلة . ارتسمت الدهشة على وجهيهما عندما علما هوية المسجون الجديد وكانت المفاجأة ساري الكاهنة التي سجنتهما بيديها. كيف ذلك؟ ومن فعل بها هذا؟ قبل أن تجيب على سؤاليهما صرخت بحسرة شديدة عندما شاهدت نفسها تتأبط ذراع الغريب الذي تسبب في سجنها وكانت المفاجأة أنه كان عدوها جومار فقد ظهرت هيئته الحقيقة عندما دخلت اللوحة. دوت بداخل اللوحة تلك الصرخة المدوية وهى تقول: جوماااااااااار، جومااااااااااااااااار، لن تفلت بفعلتك ، سأخرج وأنتقم  للعالم منك. انطلقت من ساري أخافت العصافير والطيور التي سجنت مع أوسان وماجلان من قبل. كانت ساري جسد بلا وعى وهذا ما كان يحتاجه بالضبط لا إرادة لا جدال جسد يتحرك يلبي رغباته، ينصاع لأوامره. كانت الأميرة ساري ذات شعبية كبيرة في عالمها ، شجعت الكثير من النساء هناك ، بالتصدي والتمرد على جومار ورجاله ومحاربة فكره  ،ونظامه وعدم الزواج منهم. بتلك الحيلة سيخضع الجميع إليه مرة أخرى؛ فقائدتهن الآن صارت تطيعه وعادت معه بكل تفاهم ومحبة. الكثير منهن سيقتدي بها، ولن تتمرد النساء بعد ذلك، خرج جومار بمرافقة الكاهنة ساري حاملا معه تلك اللوحة التي سجن فيها (ساري وماجلان وأوسان) لتبدأ أحداث جديدة بداخلها. طلب جومار من ساري الرحيل والاستئذان من الكهنة؛ لتعود إلى المعبد لأمر هام، لم يشك فيها أحد، ولم يسألوها عن شىء؛ فهى لا تحكي أي شىء. ركبت العربة بمرافقة جومار الذي قادها بسرعة جنونية ليلحق تلك الثغرة السحرية التي لم تنتبه إليها ساري، والتي تفتح مرة كل عامين، ولكن تسبب ذلك في سقوط اللوحة من العربة دون أن يعلم بسقوطها. تدحرجت اللوحة بضعة أمتار حتى توقفت عندما اشتبكت في جذور شجرة خرجت من باطن الأرض. داخل اللوحة كان الوضع مريعا، حيث تفاجأ سجناء اللوحة باهتزازها بعنف؛ فسقطوا جميعا، ولولا سرعة بديهة ماجلان، والامساك بيد زوجته وساري بسرعة  ،و إيجاد أوتاد مغروسة في الأرض بخياله للإمساك بها، كان التحطم ودق أعناقهم مصيرا محتوما لهم. ولكن كتبت لهم النجاة داخل اللوحة وخارجها، فلولا حماقة جومار ما استطاعوا التخلص من قبضته. عندما توقفت اللوحة فجأة بين جذور تلك الشجرة، أفلتت يدى الكاهنة ساري من الوتد؛ فتدحرجت حتى اصطدمت رأسها بجذع الشجرة التي بداخل اللوحة؛ لتغيب عن الوعي فترة من الزمن. أما الزوجين فقد اعتادا ذلك، ولم تفلت يديهما، وكانت السلامة من نصيبهما، هرولت أوسان ناحية الكاهنة لتسعفها فور استقرار اللوحة. أما ماجلان فحاول أن يعرف أين توجد اللوحة الآن من خلال مشاهدة السماء بعد أن حل الليل وبدأ الهلال في الظهور، كان ماجلان يحفظ النجوم عن ظهر قلب، كان هناك عنقودا من النجوم مميزا في السماء تعرَّفه على الفور عرف أين توجد اللوحة الآن. تقع في الطريق بين المعبد وبين غابة حي ناميرا تلك الغابة التي شهدت أيام مراهقته منذ سنوات. تنفست أوسان الصعداء، عندما استفاقت الكاهنة ساري التي كانت بخير. كانت هناك غيمات تقترب من الغابة، تحمل عبئًا من المطر، كانت خطوات الغيمات ثقيلة ، فما تحمله من غيث جعلها تفيض به بسرعة البرق ، الذي أضاء الغابة فجأة ، ثم دوي صوت رخيم هزَّ أرجاء السماء ، ينبىء عن ليلة صاخبة يتخبط فيها كل شىء. انكمش السجناء الثلاثة فور سماع صوت الرعد فقد تكونت غيمات بداخل اللوحة مثلما يحدث خارجها، فزع الجميع، صاحت أوسان افعل شيئا يا ماجلان، أمسك بيدها وبيد الأميرة ساري بقوة ثم أغمض عينيه واستحضر قاربا يتسع لثلاثتهما. كان قاربا يشبه كثيرا تلك القوارب في العالم الذي جاءت منه ساري، التي ابتسمت وتمتمت: حقا إنك من عالمي.  شعرت ساري باطمئنان واكتشفت أن من الجيد ما حدث لها فلا تزال الأقدار تساندها، فالمنقذ الوحيد لكلا العالمين معه الآن ويمكنه ممارسة السحر، وهى فرصة ذهبية لتعليمه كيفية التحكم في قوته السحرية، وبالتالي تحريرهم من اللوحة. بدأت الأمطار تهطل في داخل اللوحة وخارجها، تكون نهرا صغيرا في الغابة خارج اللوحة حملها معه حيثما تحرك. كانت أمواج ذلك النهر الصغير تصعد وتهبط بسبب هطول الأمطار المتفاوت من منطقة لأخرى، ولكن في الطريق تحطم جزء من إطار اللوحة الخشبي بسبب صخرة اعترضت مسار اللوحة. التي سبحت بسرعة أكبر عندما لاقت منحدرا صغيرا جعلها تتحرك بسرعة، فشعر بها سجنائها، فهبط القارب الذي يحملهم بسرعة، وزاوية حادة كادت أن تقلبه، لولا تحَكُّم ماجلان في دفتيه بقوة فكُتِبَ لهم النجاة. وفي نهاية تلك الليلة استقرت اللوحة أخيرا بالقرب من باب إحدى البيوت النائية بين الحد الفاصل لحي ناميرا وحي مورا مورا. كان المشهد الذي توقفت فيه اللوحة عن الحركة، خروج السجناء من القارب والاتكاء بظهورهم عليه؛ لينالوا قسطا من الراحة حيث كان التعب والارهاق الحد الفاصل بين الحياة والموت في تلك اللحظة. في تلك الأثناء كان المتهور جومار قد وصل إلى حيث تلك الثغرة التي تسلل منها لعالم نورشا، لم يدرك بعد خسارته للوحة، أمر الجياد بالتوقف فجأة فكادت أن تنقلب العربة بهما. ولكن تمكن الجياد من المساعدة في إتزانها، فتش جومار عن اللوحة فلم يجدها، فتمتم بحنق: لقد فقدتها يبدو أنها سقطت من العربة وهى تتحرك بسرعة. قاطع نوبة غضبه توهج سوار عريض فضي اللون كان يرتديه، ليدله عن مكان تلك الثغرة وتوهجه معناه أن الثغرة تقترب من التلاشي مرة أخرى، فأمسك بيد ساري المغيبة عن الوعي ليحثها على السير معه بسرعة.  انطلقا الاثنان يقطعان تلك المسافة بين العربة، وبين تلك التلة الصغيرة التي ترتفع بضعة أمتار، تلك التي توجد فوقها الثغرة، صعدا التلة ثم مد جومار ساعده الذي به السوار المتوهج، لتنفتح كوة تتسع لهما ابتلعتهما على الفور. وهناك في العالم الآخر عالم عالم جورما كان ينتظر جومار مفاجأة لم تكن في الحسبان.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD