نعود إلى حفل الزواج ا****عي الذي سيقام الليلة في حى ناميرا أحد أحياء أرض أونتاريا بمملكة جوانا ،وفي طرف الحى البعيد ننيت ساحة كبيرة ذات مدرجات رخامية رائعة مزدانة بنقوش تبعث على النفس بالأمل والاشراق والمحبة.
كانت المدرجات على هيئة قلب كبير في مركزه يوجد مقعدين مزيننان بريش الطيور البيضاء التي تذ*ح من أكل مأدبة حفل الزفاف.
كان المقعدين بعد أن يتم تزيينهما بريش الطيور الأبيض كطائرين كبيرين يجمعهما الحب.
صارت تلك العادة تقليدا هاما لحفلات الزواج،لذا اهتم مُربي الطيور بريشها والعناية به؛من أجل حفلات الزفاف.
بدأت الجموع تحتشد تدريجيا من الصباح الباكر ،امتلأت السماء بمختلف أنواع الطيور ،تحوم حول المدرجات خاصة العلوية حيث ينثر أهالي الأزواج الحبوب فوقها لتحتفل الطيور معهم.
وعرفانا وامتنانا لهم كانت الطيور تقوم بعروض في السماء تحية للأزواج الجدد.
العلاقة بين الطيور وسكان أونتاريا فريدة من نوعها،حيث تشعر أن الطيور تدرك ما يحدث على أرض أونتاريا لذا نجدها تشارك في الاحتفالات كل عام.
وفد التجار من كل أنحاء حى ناميرا من أجل عرض بضاعتهم والتي غالبا تكون هدايا يشتريها أهالي الأزواج وأصدقائهم لهم.
أبدع التجار في صناعة الهدايا التذكارية التي تهدى للأزواج في يوم عرسهم.
كانت اللوحة التي سجن فيها ماجلان وأوسان لا تزال في المعبد، مخبأة في ذلك الصندوق الذي وضعت فيه في آخر مر بيد الكاهنة ساري.
في صباح يوم الزفاف ا****عي اتجهت الكاهنة ساري إلى تلك الغرفة التي تضع فيها اللوحة التي سجنت فيها ماجلان وأوسان، أخرجتها برفق ثم علقتها فوق جدار يقا**ه نافذة صغيرة على شكل قلب مفرغ يدخل منها قدر يسير من ضوء شمس أونتاريا الدافيء.
بدأت أشعة الشمس ترسل ضوءها إلى اللوحة، فأنارت جزء منها، ومع تحرك الشمس تتحرك أشعتها لتعانق أخيرا وجه أوسان السابح في نوم عميق، انقبضت عضلات عينيها تفاعلا مع الإضاءة المفاجئة، وعندما تنبهت باقي حواسها وضعت يدها فوق عينيها تلقائيا ثم نهضت لترى ماذا يحدث، كان ماجلان قد استيقظ قبلها بقليل حيث شعر بتحرك اللوحة وشاهد الكاهنة ساري وهى تعلق اللوحة فوق ذلك الجدار.
رأى اشراق الشمس على اللوحة تدريجيا فاتجه ناحية الضوء الذي كان يغمر ركن اللوحة الأيسر، وجد فيه نباتات تصلح للأكل ،حصد ثمارها ثم عاد إلى حيث تنام زوجته أوسان.
نهضت أوسان بمجرد رؤيته وكانت تفرك عينيها بيدها حتى اعتادت على الضوء،ضحكت في مرح وقالت:انظر لقد أشرقت شمس أونتاريا بداخل اللوحة، إننا بطريقة ما متصلين ومتأثرين بالواقع خارجها.
ابتسم لها ثم أعطاها كل الثمار التي حصدها وقال لها بحب: ويبدو أن كل شىء كان في محيط وجودنا قبل أن تأسرنا اللوحة قد أسِر معنا أيضا ،وجدت تلك الثمار في الركن الأيسر من اللوحة ،انظري إنها من نباتات كانت منتشرة حولنا عندما قيدنا الحراس آخر مرة .
تناولت واحدة من الثمار ثم قربتها من أنفها فأخذت شهيقا عميقا معبأ برائحة تلك الثمرة المحببة لنفسها منذ الصغر،زفرته ببطء ثم قشرتها لتأكلها.
تناولت واحدة أخرى ثم ثالثة ورابعة، انتبهت أن زوجها لا يشاركها الفاكهة فشعرت بالخجل وتركت الثمار المتبقية ليأكلها وقالت لماجلان: إنه دورك تناول إفطارك.
ابتسم ثم بدأ في تناول الثمرات الباقية، انتهى منها وشعر بسعاد بالغة عندما علم أنه وزوجته بينهما قاسم مشترك وهو حب تلك الفاكهة المميزة.
عقدت أوسان ذراعيها وقالت بنفاذ صبر: وماذا نفعل اليوم؟ لقد مللت تلك الحياة ، اشتقت لصناع العطور .
حك زوجها ذقنه بسبابته وقال :حسنا فلنصنع العطور.
نظرت له بتحدي وسألته: وكيف أفعل ذلك ونحن مسجونون في تلك اللوحة؟
اقترب منها مقربا جبهته من جبهتها وقال بتحدي: لسنا وحدنا الذين سجنا هنا هناك الكثير من الأشياء سجنت معنا فلنبحث عنها ونصنع عالمنا الخاص.
تلونت وجنتيها بحمرة الخجل وبدا الارتباك واضحا في نبرة صوتها وقالت: حسنا فلنبحث عن سجناء آخرين مثلنا.
مد ذراعه لها لتتأبطه فاستجابت له وحمرة الخجل لا تفارق وجنتيها مما أ**ب وجهها إشراقا ورديا ذكرت ماجلان بقمر اونتاريا فقال لها: يبدو أن حرمة قمر أونتاريا قد سجنت أيضا بين وجنتيك يا عزيزتي.
شعرت بالخجل أكثر فاحمرت وجنتيها أكثر، فأدار وجهه عنها ثم أكملا بحثهما.كان قلب أوسان يخفق بقوة من فرط الإنفعال والعاطفة التي بدأت تجتاحه كموجة عاتية يضعف أمامها الجميع.
ولكن كلما اقترب جسد زوجها منها أكثر هدأت نفسها وموجة العاطفة الجياشة،توقف فجأة فانتبهت له وتوقفت بدورها ،قال لها بحماس:انظري إنها زهور مورا مورا أسرعت تجاهها ثم انحنت بظهرها لكى تستنشق عطرها الأخاذ لتتأكد أنها طبيعي وحقيقية مثلهما،كانت سيقان الزهور تصل لركبتيها ،وكانت بتلاتها ذات ألوان متداخلة ما بين الوردي والأحمر والأصفر مزيج عجيب متناسق من ثلاثة ألوان زاهية وكانت البتلات مخملية الملمس والرائحة تفوح منها حيث تنتشر غدد تفرز الرحيق منها على ع** باقي زهور المملكة التي يفوح رحيقها من مياسمها فقط،
كما كانت حجم البتلات كبيرة تساوى حجم اليد لذا كانت تلك الزهور الأكثر ملائمة لصناعة العطور والغريب أن الرحيق الذي تفرزه يعتمد على ألوان الزهرة نفسها فلكل لون رحيق خاص واللون الغالب هو الذي يغلب برحيقه،وقد لاحظت أوسان ذلك والمدهش في الأمر أنها كانت تمتلك ذاكرة قوية بما يخص رائحة الرحيق الذي تفرزه كل زهرة وكانت تميز الأزهار من رائحة رحيقها وليس بألوانها فقط.
كانت تلك الزهور مختبئة خلف شجرة كبيرة؛ لذا في بادىء الأمر، لم يلحظا وجودها أمس، ولكن عندما توغلا في اللوحة أكثر، وجدوا أشياءً أكثر سُجنت معهما.ارتسمت ملامح الخيبة على وجه أوسان مرة أخرى، فانتبه لها ماجلان وسألها: لِمَ هذا الوجوم ثانية؟
فأجابته بحسرة: وما فائدة الزهور الرائعة وأدوات ا*****ص عطرها غير موجودة.
تن*د ثم مط شفتيه وقال :حسنا فلنجرب شيئا ما،ثم أغمض عينيه وركز تفكيره في إيجاد أدوات ا*****ص العطور التي تحتاجها زوجته.
انطلقت شهقة مكتومة من حلق أوسان عندما بدأت أدوات ا*****ص العطور تتشكل أمامها بالتدريج حتى اكتملت كلها وصارت بين يديها ،انتفضت أوسان وكادت الدوات تسقط منها لولا استيقاظ ماجلان من غيبوبته المؤقت ليمسك بالأدوات قبل أن تن**ر.
وضع كل شيء على الأرض برفق،ثم ضحك وقال بحماس:لقد فلح الأمر إذن.كانت ملامح التعجب والدهشة ترفرف فوق وجهها المليح فقالت: إنك لساحر حقا، لماذا تتمتع بتلك الحيل وأنا لا يمكنني كذلك؟
هز رأسه بحيرة وقال: أخبرك بسر، إن تلك القدرة أمتلكها منذ الصغر، وقد حذرتني أمي كثيرا من إظهارها أو استخدامها،لا أعلم لماذا أمتلك تلك القدرة؟ ولا أعلم لماذا حذرتني أمي من استخدامها أمام أحد؟
ارتسم الوجوم على وجهها فلاحظه ماجلان الذي اقترب منها، ولكنها ابتعدت عنه والخوف يملؤها، نكَّس رأسه وقال بحزن: أعلم الآن سبب تحذير أمي من استخدامها، لقد خشيت من خوف الناس مني، وبالتالي ابتعادهم عني مثلما تفعلين الآن.
اقترب منها أكثر، وقال لها بلهجة حانية : اطمئني لن أوذيكي أبدا فأنا أحبـ.... وبتر جملته فجأة، عندما لمح ثعبان يقترب منها، وكاد أن يلدغها لولا أنه حال بينه وبينها، ولكنه أصيب بلدغة الثعبان بدلا منها، انطلقت صرخة ألم منه؛ فَفَرَّ الثعبان هاربًا، شعرت أوسان بالرعب، عندما بدأ التعب يزحف على جسد ماجلان، فسُم ذلك الثعبان سريع المفعول.
أجلسته أوسان بطريقة معينة حتى لا ينتقل السُم في دمه بسرعة لباقي جسمه ثم ربطت ما قبل الجُرح ، فتشت في فستانها عن علاج للدغات الثعابين ،والذي لا يفارقها أبدا، فهي كثير السفر، وكذلك تذهب للغابات كثيرا من أجل البحث عن الزهور الغريبة والنادرة؛ لذا فكان لديها أمصال لكل أنواع الثعابين،ولحسن حظ ماجلان أنه كان معها عندما سُجِنا في تلك اللوحة.
فكَّت حزامًا من الحرير كانت تلفه على خصرها، فظهر حزامًا جلديًّا عريضًا به العديد من القنينات بكل منها مصلا لعلاج لدغات الحشارت والثعابين وال*قارب.
أخرجت القنينات بعصبية واضحة، ففكرة أنها تفقده كانت مُدمَّرة نفسيا لها، بالرغم من أنها كانت تخشاه منذ دقائق، إلا أن مشاعرها تجاهه تغيرت تماما وشعرت بالخوف من فقدانه.
وجدت المصل المناسب أخيرًا اقتربت منه وقالت له: لا تقلق، المصل المضاد لتأثير لدغة الثعبان معي افتح فمك وتناوله الآن.
استسلم لها وفتح فمه فابتلعه، أعطته رشفة واحدة وكانت كافية لعلاجه ،أسندت رأسه على ص*رها،كانت تجفف حبات العرق التي تقطر من جبينه باستمرار،بدأت حرارته تنخفض،تمتمت وقالت: ألا يوجد شربة ماء ثم أدارت رأسها يمنة ويسارا ولكنها لم تجد شيئا،ولكن فجأة وجدت زجاجة ماء بدأت تتشكل بين يدها فابتسمت ثم فتحتها وقربتها من فمه ليرتشف منها .
شربت منها بعد ما شرب ماجلان منها، كانت باردة وشهية، بدأت أنفاسه تنتظم ثم خلد إلى النوم،كانت أوسان تستند بظهرها على تلك الشجرة التي تخبىء خلفها زهور مورا مورا فغلبها النعاس هى أيضا.
كانت الكاهنة ساري تشاهدهما عن كثب واهتمام ثم حدثت نفسها وقالت بدهشة :إنك ساحر من عالم جورما ! إنك من عالمي! ولكن لأى مملكة تابع؟ ومن والدتك الحقيقية؟ وكيف جئت إلى هنا ؟
يجب أن أذهب إلى حى ناميرا لأتقصى أمرك، ولكن يجب أن أنقلكما إلى منزل جيرميا وأوارا فأنا لن أطمئن عليكما إلا معهما، حسنا سأمنحهما لوحتكما هدية زواجهما.
أخذت اللوحة برفق ثم غطتها بقماش حريري أ**د يخفي ما تحته، ثم وضعتها في صندوق خاص، والذي كان يوجد بالعربة التي ستذهب بها إلى حيث يُقام حفل الزواج ا****عي، في حي ناميرا.
الجدير بالذكر أن ضوء شمس أونتاريا وقمرها كان يؤثر في هيئة شعوب عالم جورما؛ حيث لا يظهرون بهيئاتهم الحقيقية في ضوء عالم نورشا.
ولكنهم يتخذون هيئة سكان نورشا تلقائيًا بمجرد النفاذ لعالم جوانا والممالك المجاورة، لذا كان ماجلان يشبه أهل أونتاريا كثيرا، رغم أنه جاء من عالم عالم جورما، وهذا ما جعله يمتلك تلك القوة السحرية الذهنية النادرة جدا، والتي بسببها هربته والدته الحقيقية إلى عالم نورشا خاصة أرض أونتاريا.
كان هذا سر ماجلان الذي لم يعلمه أحد بل لم يعلمه هو، حتى الأميرة ساري لم تكن تعلم شيئا قبل سجنه في اللوحة، ولكنها فطنت لذلك السر بعد ما شاهدت قدرته على استحضار ما يفكر به من عالم آخر، لا ينفذ إليه إلا ساحر يأتي كل مائة عام من أهل عالم جورما.
لم يكن ماجلان يدرك مدى قوته السحرية فما يمكن أن يفعله يجعله مؤهلا لأن يكون سيد العالمين، عالمه وعالم نورشا.
راود ماجلان رؤية عجيبة رأى فيها نفسه يصارع وحشا بغيضا أ**د اللون، حاول ذلك الوحش بكل قوته سحبه لداخل دوامة شديدة السواد، كاد ماجلان أن تخور قواه ويستسلم لقوة جذبها ، ولكن صوت أنثوى قوي جاء في الوقت المناسب لينتزعه من شعور الاستسلام الذي كاد أن يسيطر عليه.
كان صوت أمه الحقيقية تناديه ظهرت في السماء عينان زرقاوتان تحيط بهما حمرة وردية كان صدى صوتها يهز السماء والتي تشبه كثيرا سماء عالم جورما.
قالت بصوت مدوي استيقظ يا فتى لقد بدأت الحرب لتوه وعليك أن تستعد ،اعلم أن قوة الحب التي بين أضلعك، وتنمو شيئا فشيئا هى القوة الأقوى من بين قواك التي ستكتشفها في الوقت المناسب.
لا تخذلني .. لا تخذل عالمك.. لا تخذل عالمها.
ترددت جملتها الأخيرة، وبدأت الصوت يخبو شيئا فشئيا، فاستيقظ فجأة عندما بدأت مشاهد ذلك الحلم العجيب تتبدد.
رافق استيقاظه المفاجىء شهقة عالية فزعت منها أوسان فاستيقظت بدورها فجأة.
كان الظلام حالكا، انتبه لذلك ماجلان الذي فكر في شعلة نار فتوهجت بجواره، كانت أوسان ترتجف من فرط الانفعال فسألته ماذا به؟
اعتدل في جلسته وقال بوجوم: مجرد حلم مزعج، لا تشغلي بالك ،عزيزتي.