عضت الكاهنة ساري على شفتيها الحمراوتين بقوة حتى أدمتها، كانت حانقة جدا من هروبها ومن الحالة المزرية التي وصل إليها حال الجميع.
تركت غرفتها وذهبت حيث تمكث هارتيا المقدسة لتخبرها بما وصلت إليه أحوال الممالك التي خضعت قسرا لحكم مملكة ماهيرا.
كان المساف بين غرفة الكاهنة ساري وغرفة هارتيا طويلة سمحت لها بتذكر أول لقاء بينهما وكيف أصبحت هارتيا كما هى عليه الآن.
كان الطريق الواصل بين الغرفتين مُعَبَدٌ بحجارة ملساء وردية اللون زادها نور القمر الوردي بهاء ورونقا.
كانت الكاهنة ساري تتحرك برشاقة بردائها الفضي ، كانت تلك الهالة الخافتة التي تحيط بها تمنحها جلالا ووقارا لمن يراها.
تذكرت الكاهنة ساري أو الأميرة ذلك اليوم الذي بدأ بسبيها وانتهى برميها في وادي زولا بمملكة شايا، مما زاد من حنقها على ذلك المأنوف المغرور المتكبر جومار الذي أراد أن يتزوجها غصبا بعد أن سباها رجاله في غارة حدثت منذ أسبوع، كان الزمن داخل عالم جورما والذي جاءت منه يختلف تماما عن مملكة جوانا في عالم نورشا.
فالوقت يمر ببطء في مملكة شايا بينما كان يمر سريعا في مملكة جوانا فالعام في مملكة شايا يساوي مائة أعوام من أيام مملكة جوانا، وقد قضت الأميرة ساري الهاربة من جومار في مملكة جوانا مائة عام.
ولكن لنعد بالزمن للخلف عاما بتوقيت عالم جورما ، عندما رفضت ساري الخضوع لجومار؛ فحكم عليها بالهلاك في وادي زولا، ولكن كان للقدر رأى آخر لها، ولهاتريا آخر امرأة ماهيرية تم التضحية بها لتمردها هى الأخرى، ولكنها رميت بالوادي قبل مجيء الأميرة ساري بيوم.
لم تمت ولكنها مُسِخَتْ بطريقة ما مع جثث النساء والفتيات اللواتي تمت التضحية بهن سالفًا.
كانت أرواحهن تهيم حزنا وغضبا على أنفسهن، مازات أرواحهن تتذكر الظلم والقتل ومشاعر الخوف والألم والحسرة لم يتداركوها حتى بعد تحلل جثثهم.
في الآونة الأخيرة تمردت الكثير من النساء اللاتي تم سبيهن مؤخرا ، مما اضطر جومار قائد مملكة ماهيرا إلى التضحية بهن جميعا دفعة واحدة في وادي الهلاك زولا.
ما فعله جومار بهن ، صنعت بالوادي قوة سحرية من أرواح النساء الغاضبات الشاعرات بالألم العميق.
كان هؤلاء النسوة من عدة ممالك سحرية مختلفة وكانت بينهم امرأة ذات حيلة واسعة وكانت عارفة بأمور السحر تدعى نورمي ،أدركت أن هزيمة رجال مملكة ماهيرا في تذوق قلوبهم الحب.
فإذا أحبوا نسائهم لن يضحوا بهن حتى لو كانت جميع ذريتهم إناث ، فبالحب تلين أغلظ قلوب الرجال.
لذا صنعت وصفة سحرية كانت تريد أن تضعها في طعام جومار ورجاله، ولكنها غيرت خطتها وقررت أن تصنع مسخا من جثث النساء المضحى بهن مؤخرا وكانت هارتيا آخرهن ولازالت على قيد الحياة.
توجهت تلك الساحرة نورمي للوادي ،تلت بعضا من التعاويذ،فاستحضرت طيفا نقيا ،طاف بجثث النساء،لَمْلَمَ أشلائهن لتندمج بهارتيا التي تحولت إلى قلب كبير يخرج منه مجسات تستشعر الحب.
كانت نورمي تمتم بالتعاويذ، في الوقت الذي تمت فيه التضحية بالأميرة ساري، والتي كادت أن يُدق عنقها وتموت، لولا أن انتبهت لسقوطها الساحرة نورمي والتي أنقذتها بسرعة، حيث صنعت لها فقاعة كبيرة سميكة دخلت فيها ثم هبطت ببطء وبأمان على أرض الوادي؛ لتخرج منها الأميرة ساري بأمان.
كانت قطرات الدماء متخثرة فوق جبينها الغض إثر جرح تسبب فيه جومار عندما غضب من تمردها.
اقتربت منها الساحرة نورمي والتي كانت طويلة في عقدها الخامس،مليحة الملامح رغم انتشار التجاعيد بوجهها.
مسحت على جبينها فشفى جرحها على الفور ، وتبددت الدماء المتخثرة ، حدث ذلك وسط ذهولها ودهشتها.
فتحت الساحرة نافذة على عالم آخر ، وهو عالم مملكة جوانا التي يعيش فيها بشر عاديين.
كانت النافذة تعرض أرض أونتاريا أشارت إليها الساحرة نورمي موجهة حديثها للأميرة ساري فقالت لها: هناك ستعيشين باقي حياتك حيث لا خوف، ولا عنصرية، ثم **تت برهة، واستأنفت حديثها وقالت: ولا جومار.
ارتسمت ابتسامة امتنان من الأميرة ساري والتي انتبهت لوجود المسخ هارتيا على بعد خطوات منها، تأملته بحرص وحذر،تحركت إحدى المجسات ناحيتها،فانتفضت ورجعت بضع خطوات للخلف.
ربتت على كتفها الساحرة نورمي وقالت :لا تخشي شيئا إنها هارتيا آخر نساء الماهيريات، لذا قررت أن أُخَلِد ذكراها، بأن تتحول لقلب كبير يكشف عن الحب في قلوب الناس.
وكانت تلك المرة التي تعرفت فيها الأميرة ساري على هارتيا ،أشارت الساحرة لها بعبور النافذ المفتوحة ،وقبل أن تلج إليها همست لها نورمي بنبوءة ستنقذ فيها نساء عالمها من لعنة جومار ورفاقه وهزيمتهم على يد زوجان من عالم نورشا وبالأخص من أرض أونتاريا،زوجان كان الحب ثالثهما.
سرت رجفة بأوصال الأميرة ساري تنبيء عن حدث جلل سيحدث لها لتوه. حدث سيغير تاريخها وحياتها بل سيغير من عادات وتقاليد أمم بأكملها.
رفعت ساري ثوبها الممزق نتيجة ما مرت به مع رجال جومار، عبرت النافذة بقوة وت**يم بتغيير حالها وحال جميع النساء للأفضل.
أشارت الساحرة للقلب هارتيا بالتحرك تجاه النافذة وعبورها ففعلت ما طلبته منها.
أطلت الساحرة من النافذة لتطمئن عليهما، كان حال أرض أونتاريا في ذلك الزمن يختلف عن حالها الآن.كانت تنتشر حالات الانفصال بين الأزواج.
الشجار المنزلي هنا وهناك وفي كل مكان ، صباحًا ومساءً.النساء والرجال في جدال طويل لا ينتهي،مشاكل كثيرة تستيقظ عليها أرض أونتاريا كل يوم.
حتى ظهرت الأميرة ساري وهارتيا فجأة وسط حشد من أهل أونتاريا الذين كانوا عدة أسر تتقاتل فيما بينهم بسبب الزوجات .
كانت لهيئة الأميرة ساري هيبة وجلالا أجبر الجميع على الركوع لها، خاصة عندما لفت انتباههم وجود هارتيا بجوارها.
طبقا لنبوءة قديمة أنه سيزور أرض أونتاريا من سيحولها من أرض للنزاعات العائلية إلى أرض الحب يعيش في كنفها الأزواج في محبة وهناء.
فطنت ساري لما يحدث حولها فقامت بمجاراتهم والتحرك معهم حتى وصلوا إلى تلة متوسطة الارتفاع تحيط بها الأزهار المتنوعة .
كانت الأزهار المختلفة من أهم سمات أرض أونتاريا لا يخلو مكان إلا والأزهار تزينه وتعطره بأريجها الأخاذ.
كانت هناك بقايا معبد قديم جدا في تلك التلة فاتجهت ساري إليه وترافقها هارتيا،لتتخذ من هذا المكان نُزلًا لهما.
أسرع أهل أونتاريا باستكمال بناء المعبد ليليق بهما،انتشر خبر تحقق النبوءة بين شعب مملكة جوانا،تعلقت آمال الجميع أمام باب المعبد الجديد.
كانت الساحرة قد لقنت ساري منطق مملكة جوانا وعلمتها لغتهم حتى يسهل عليها التواصل معهم،أخبرتها بأهمية هارتيا لشعب المملكة،وأنها الأمل المنتظر منذ عصور لكي ترفع عنهم لعنة الشقاق وعدم الوفاق التي ظهرت بين الأزواج.
تلك ا****ة التي تسببت في تفرق المجتمع في مملكة جوانا وبالأخص أرض أونتاريا على مر سنوات طويلة.
لم يذق المجتمع فيها راحة البال، تأثر الاقتصاد كثيرا وباتت مملكة جوانا ضعيفة وهزيلة في كل المجالات.
كان الحب هو الرباط المقدس الذي جمع شمل قلوب المملكة ،ولكنه مع مرور الوقت تبدد ولم يعرف طريقا إليهم.
لم يدري أهل المملكة كيف بدأ الأمر ولكنهم أدركوا اهمية استقرار العلاقات الزوجية في المجتمع وتأثيرها على الاقتصاد بطريقة غير مباشرة.
حيث كان الرجال يهملون في أعمالهم بسبب كثرة الشجار والجدال مع زوجاتهن. وانصرفت النساء عن دورها بأن تكون زينة مملكة جوانا،فكانت زراعة الزهور والاهتمام بها من الأمور التي اهتمت بها نساء المملكة .
تلك الزهور التي كانت المص*ر الأساسي لانتعاش الحركة الاقتصادية في المملكة،كانت مص*ر رزق للكثيرين حيث تقوم عليها صناعات كثيرة.
كانت تصنع منها أفضل وأغلى العطور التي تص*ر للمالك الأخرى المجاورة والتي لا تنمو فيها الزهور بروائح مميزة وخلابة مثل التي تزرع في أرض أونتاريا.
حفلات الزواج كانت تقام في مملكة جوانا مرتين كل عام،حيث يأتي الأزواج ليقيموا حفلات زفافهم على أرض أونتاريا.استمر انتعاش المملكة لعصور طويلة حتى أصيبت بلعنة الشقاق التي أطلقها ساحر جومار عليهم في محاولة منه للتخلص من عاطفة الحب التي كانت تجعل قلوب رجال مملكة جوانا تميل إلى نسائهم باستمرار والدفاع عنهم باستماتة، اذا ما حاول جومار ورجاله الإغارة عليهم وسبى نسائهم.
لذا طلب من ساحره أن يلعنهم بلعنة الشقاق حتى يتم اسقاط رجال مملكة جوانا ويسهل السيطرة عل عالمهم.
كان جومار ذو طموح عظيم يرى نفسه الأعظم،عالم واحد لا يكفي أراد أن يمتد حكمه أيضا لعالم نورشا،ولكن انقلب السحر على الساحر وجاءت غريمته ساري لت**ر لعنته ،وتمنح أهل مملكة جوانا الفرصة للتخلص من لعنتهم من خلال هارتيا.
كان شعب مملكة جوانا يؤمنون كثيرا بالنبوءات وهذا ما جعلهم عصورا طويلة تحت رحمة تلك النبوءات التي يطلقها السحرة وقتما شاءوا للسيطرة على ملوكهم وشعوبهم.
كان هؤلاء السحرة مارقون من عالم تحت الأرض ،إما سحرة من مملكة شايا وهوعالم ساري أو من الممالك الأخرى خاصة مملكة ماهيرا لذا وجدوا من سكان الأرض وخاصة مملكة جوانا بيئة خصبة لممارسة سحرهم وهيمنتهم عليهم وبالتالي السيطر عليهم.
عاش أهل مملكة جوانا وبالأخص أونتاريا على أمل تحقق تلك النبوءة ،التي ظهرت لهم فجأة، حيث سمعوا صوت عذب لامرأة تغني بأنشودة تفيض بالحب،لتنتهي بنبوءة أن هناك فتاة ستزور أرض أونتاريا، ومعها مخلوق سحري يمكنه منع لعنة الشقاق من الوصول لقلوب الزوجين، بشرط ألا يختار الزوج زوجه، ولكن عليه أن يجعل هارتيا تختار له،ومن يتمرد على ذلك؛ فإن النفي لأرض نيجاتيفيا، سيكون مصيرا حتميا له باقي حياته.
لذلك كان الجميع يخضع لاختيار هارتيا من أجل حياة زوجية خالية من الشقاق،كانت عندما تضع مجساتها تستشعر كمية الحب والعاطفة بقلب المرشح للزواج سواء كان شابا أم فتا،ثم وتعطي الأرقام للكاهنة ساري التي تمليها على باقي الكهنة من أجل تسجيلها بحيث يكتب أما كل اسم كمية الحب لديه.
يتم التوفيق بعد ذلك فيما بين الأزواج ليصبح مجموع كمية الحب بين الزوجين كاملا.
ويتم إعلان النتائج في حفل كبير يعرف فيه كل زوج زوجه ويتم أغلانهما زوجان أمام الجميع.
ثم يتم إقامة حفلات زفاف جماعية في مناطق محددة تقام فيها الحفلات سنويا حيث لكل مقتطعة من مملكة جوانا منطقة خاصة لإقامة حفلات الزفاف يتجمع الجميع فيها للإحتفال.
كانت حفلات الزواج محفلا اقتصادية واجتماعيا حيث تنشط الحركة التجارية في المقاطعات التي تقام فيها حفلات الزواج.
عاشت الكاهنة ساري في مملكة جوانا طويلا ولكن بالنسبة للزمن في موطنها مملكة شايا لم تهرب سوى بضعة أشهر.
تعلمت ساري الكثير من فنون السحر في تلك الفترة لتحمي مملكة جوانا من لعنات سحرة جومار الذي حاول بكل قوة وبكل حيلة الولوج إلى مملكة جوانا مرة أخرى ولكن كانت الدروع السحرية التي أقامتها ساري أقوى بكثير منه ومن سحرته.
كان الفارق الزمني الكبير بين العالمين سببا في فشل جومار ، وسحرته بالولوج مرة أخرى لعالم جوانا،بعد أن كان سهلا قبل هروب الأميرة ساري إلى جوانا، والتي تمكنت من عمل دوامات زمنية بين الخط الفاصل بين العالمين.
الحب هو القوة الوحيدة القادرة على تحطيم جومار ورجاله،هكذا اعتقدت ساري، لذا كانت تبحث عن الزوجين الأكثر حبا ليساعدوها في هزيمة جومار وفكره الملوث عن القوة.
تحمست الكاهنة ساري كثيرا عندما وجدت زوجين الأكثر حبا وكانا بالطبع جيرميا وأوارا هكذا اعتقدت ولكن ما حدث بعد ذلك كان غريبا جدا وغير متوقع.