استغرق الأمر عدة بتوقيت عالم جورما ليخرج أول هجين ناجح نتاج تزاوج جومار مع نساء من عالم نورشا.
تلك التجربة المحرمة التي سعى إليها جومار في الخفاء ، من أجل الحصول على طفل يمتلك القدرات الخاصة بالعالمين ، كان مصرا أن يكون من نسله ، طرأت فكرة غريبة وهى أن يصنع جيشا من صلبه هجينا بين عالمه وعالم نورشا.
لذا بدأ يهتم بدراسة عالم نورشا وقدراتهم التي تميزهم عن غيرهم من العوالم الأخرى ، بالرغم من أنهم عالم بدائي إلا أنهم تميزوا بالحب لديهم أقوى عاطفة من الحب تجعلهم كيانا واحدا يزود عنهم وقت الشدة ، هؤلاء القوم لا يعرفون مشاعر أخرى غير الحب .
لا يحتاجون لسن قوانين أو تشريعات تنظم حياتهم ، فالحب هو الرباط المقدس الذي جمعهم ، تعرضوا لكثير من الغارات من الأمم الأخرى ولكنهم استطاعوا أن يخلقوا درعا قويا من عاطفة الحب منعت الغزاة من غزوهم.
إنه درع حقيقي ولكنه غير مرئي ، حيث تتشابك أيديهم فيما بينهم ويصطفون جميعا رجالا ونساء واطلافالا وشيوخا في دائرة كبيرة واسعة تحيط بمملكة جوانا، يفكرون جميعا في شىء واحد وهو الحب يتذكرون أحبائهم ، يتذكرون لحظات الحب التي عاش*ها معهم.
ينطلق الدرع ليغطي المملكة ؛ فتتقهقر أسلحة غزاتهم أمام هذا الدرع فيخرون سجدا لهم ، ولا يقدرون على حمل السلاح ضدهم.
ويصير هؤلاء الغزاة حلفاء لهم بعد ذلك ، استطاع سكان مملكة جوانا أن يملكوا قلوب باقي ممالك عالم نورشا بتلك الحيلة العجيبة ، وبذلك الدرع الفريد المعتمد كلية على عاطفة المحبة .
لذلك حاول جومار بكل الطرق أن يبذر بذور الشتات والفراق والكراهي فيما بينهم خاصة بين الرجل والمرأة ، فأصبحت الزيجات هشة معرضة للهلاك بأى هزة ريح ولو كانت ريح لينة.
كان يتسلل ليختار زوجاته من عالم نورشا ، واللاتي تسرب إليهن الكراهية لأزواجهن بسبب تلك ا****ة التي ألقاها أحد سحرته الخبثاء على سكان أونتاريا.
لم تجري مخططاته كما أراد ، فلاقى الكثير من المقاومة من ممالك عدة بعالمه ، وآخرها الأميرة ساري التي تحدته وساهمت في إبطال لعنته . كما أنه تعرض للخيانة من العالم الذي أشرف على ولادة ماجلان.
فبعد عدة أيام أخبره ذلك العالم بأن الهجين الأول قد توفى ولا يعلم السبب ، كان الشعور بالحزن لفقدان الهجين الأكثر سيطرة على جومار من غضبه لفقدانه. لم يعلم سبب تلك العاطفة التي كنها لذلك الوليد الجديد.
كانت ذرية جومار كلها إناث ؛ لذا أمر بقتلهن حيث اعتبر وجودهن على قيد الحياة عار له ولملكه ؛ ولذلك عندما رزق بالهجين الأول ، والذي كان ذكرا فرح جدًا لميلاده كما حزن جدًا لفقدانه.
كان ذلك العالِم يخشى كثيرا جومار الذي هدده بسبى بناته وامرأته إذا لم يتعاون معه ، كان ينتوي ذلك العالم الذي كان يدعى رونان المماطلة في تجاربه ولكن بعد ما زارته تلك الساحرة نورمي منذ أسبوع حيث طلبت منه مجاراة جومار فيما يريد وعندما يولد الهجين بصحة وعافية ستأتي لتأخذ الطفل لتضعه في مأمن عن جومار حتى يبلغ أشده ويعود لعالم جورما لكى يتصدى لوالده ويحرر العالمين من شروره.
شعر (ماجلان) بغصة تجتاح حلقه عندما علم أن جومار والده ، تسارعت أنفاسه وتوترت عضلات وجهه ، لاحظت أوسان تقلب وجهه فاحتضنته بسرعة لتخفف من وطأة الخبر المفجع على نفسه.
أطرقت الأميرة ساري رأسها أسفا على ما سيلاقيه ماجلان من صراعات نفسية وجسدية قاتلة للروح الأيام القادمة.
منذ لحظات لم يكن يعلم حقيقة والديه والآن عليه إنقاذ الجميع بمحاربة والده ، يا له من اختبار تشيب له رؤس الأطفال.
استقرت اللوحة على ذلك المشهد ، عندما احتضنت أوسان زوجها ماجلان ، في لقطة رومانسية ، لخصت فيها أوسان آيات المحبة الخالصة التي لأول مرة يشعر بها قلبها ، ذاك القلب الذي كان محكم الغلق ، ولم يملك رجل من قبل مفتاحه.
وفي تلك اللحظة أمسك جيرميا اللوحة ؛ ليفحص إطارها التالف ،أخذها إلى المكان المخصص لعمله ، ثم قام بالبحث عن الخشب الملائم لترميمها ، ولكن استوقفه شيئا ما ، عاد للوحة وتأملها مرة أخرى ، ارتسمت علامات الدهشة على وجهه ثم تمتم : عجبا إن هذا الشاب الذي بداخل اللوحة يشبه صديقي ماجلان كثيرا وهذه تشبه أوسان وهذه تشبه الكاهنة ساري .
حك ذقنه بسبابته واعتلت الحيرة ملامحه ، لم يجد تفسيرا لذلك ؛ فمط شفتيه وقال لنفسه : لا تشغل بالك إنها مجرد لوحة.
لم ينتبه سجناء اللوحة لحديث جيرميا لنفسه عنهم ، صفقت الكاهنة بكفيها وقالت بحماس : لا وقت للعواطف الآن ، علينا أن نلفت انتباه جيرميا وأوسان لنا ؛ فهم فقط يمكنهما رؤيتنا ، والتواصل معنا .
انتفضت أوسان فرحة وقالت : حقا !
رفعت الكاهنة ساري سبابتها ثم أردفت : فقط إذا كانت العاطفة بينكما وبينهما قوية قبل السجن في اللوحة ، حينها سينشأ رابط قوي بين عالمنا وعالمهما ،وبالتالي يمكننا التواصل معهما ومساعدتنا على التحرر من سجن اللوحة.
ارتسمت علامات الخيبة على وجه أوسان ولكن زوجها ماجلان كان أكثر تفاؤلا وثقة في صديقه جيرميا ، وقال : لن يخزلنا جيرميا.
تن*دت أوسان وقالت : أرجو ذلك .
*****
في عالم جورما
مملكة ماهيرا
قصر الملك جومار
عاد جومار لموطنه بالعالم الآخر وبمرافقة الأميرة ساري التي سجن وعيها بداخل اللوحة التي سجنت فيها ماجلان وأوسان منذ أيام . كانت هناك مفاجأة تنتظر جومار ، وهى تحالف بعض رجاله من مملكة ماهيرا مع مملكة شايا من أجل إزاحته عن ملكه.
ولكن كيف تم هذا التحالف ؟ فلنعد بالزمن لبضع ساعات بتوقيت عالم جورما وبعد أن أشيع هلاك جومار في إحدى غزواته .
في ذلك الوقت كان دومار وهو وزير جومار والذي كان يكن الحقد لجومار ومعترضًا على طريقته في إدارة المملكة ،وأنه بدأ يشعر بالملل من كثرة الغزوات ، والحياة القاسية التي فرضها جومار عليه وعلى رجال المملكة.
عندما غزا جومار ورجاله مملكة شايا منذ عام تقريبا بتوقيت عالم جورما، وعاشوا مع سكانها وشاهدوا كيف يتمتعون بالحياة ، تسرب إلى بعضهم شعور بالنفور من إدارة جومار وفكره.
كان سكان مملكة شايا على قدر كبير من الفطنة فلاحظوا انجذاب بعض رجال جومار لفتياتهن ،لذا قرروا أن يعرضوا بناتهن كزوجات لهم ، وكانت مهمة هؤلاء الزوجات إدخال الوهن لقلوب رجالهن من خلال الحب والغزل وإغرائهم بالحياة الرغدة المريحة التي لا تتطلب مشقة.
وبالفعل دخل الوهن قلوب بعض رجال جومار وعلى رأسهم دومار الوزير الذي حظيَ بعشرة زوجات من أجمل فتيات المملكة ، كان والد الأميرة ساري كبيرا بالسن عندما تم غزو مملكته من قبل جومار ورجاله .
ولكنه لم يتحمل رؤية ابنته الوحيدة ساري وهى تساق أسيرة إلى جومار ليتزوجها قسرا ، فمات قهرا عليها ، ولأنها كانت تحب والدها كثيرا فتحولت كل مشاعر الحب له إلى مشاعر كراهية وجهتها لجومار الذي كان سببا مباشرا في حرمانها من والدها الحبيب.
كان دومار يعلم أن جومار سيسافر لعالم نورشا وأنه يريد استرجاع الأميرة ساري وكان يعلم سر اللوحة وكل شىء فكان جومار يثق فيه جدا لذا أخبره بخطته.
انتهز دومار تلك الفرصة وكان يحتفظ بكتاب سري متخصص في التحكم بالزمن ، لم يخبر أحد بما فيه من علوم خطيرة ، لذا فكر أن ي**ع جومار وأن يساعده في الولوج إلى عالم نورشا ولكن عند العودة يخرب الزمن في الحد الفاصل بين العالمين في بوابة جالا.
وهذا ما حدث عندما توهج السوار في يد جومار عندما كان بالتلة نقلته الفجوة الزمنية التي نشأت بواسطة خلل ما إلى الماضي ولكن في عالم جورما عالمه وترافقه الأميرة ساري التي فقدت وعيها نتيجة التعب ،بعد صعودها التلة معه وقبل أن تنتقل زمنيا معه لعالمه في الماضي.
وهذا الماضي كانت فيه الممالك الثلاث ماهيرا وشايا وماندا تعيش في رغد وسلام ، كان فيه عدد الذكور مساويا لعدد الإناث ،وكان كل زوجين يكتفيان بطفل أو اثنين فقط ، كما أن وضع الذكور يتساوى مع وضع الإناث من حيث الأهمية.
عندما وصل جومار إلى عالمه كان يقف في منزله القديم المنحوت بالجبل وكان من المفترض أن يعود لقصره الموجود بمملكة شايا التي تركها منذ لحظات. شعر بالدهشة في بداية الأمر ولكن الارهاق والتعب جعلاه يقرر المكوث في منزله القديم لينال قسطا من الراحة.
كان جسد الأميرة ساري يتحرك باستسلام مع تحركات جومار ،فوعيها الأصلي محبوس باللوحة ، والآن بدأ وعى جديد يتكون بداخل جسدها.
وعى لم يحتك حتى الآن إلا مع جومار ، كان الوعي الوليد الاندهاش يسيطر عليه ،فأول ما لمست قدماها أرض مملكة ماهيرا بجبالها الشاهقة ، والبيوت المنحوتة بعناية ، تملكتها الرهبة ،أطلت من عيونها نظرات الإعجاب بشموخ تلك الجبال. في الوقت الذي كان وعي ساري الوليد يكتشف المكان بإعجاب وذهول شديدين.
كان جومار قد ألقى بنفسه فوق فراش من جلد تيراسيرا وهو حيوان ضخم شهير في المملكة ، أسبل جفنيه واستسلم لنوم عميق ، فهو لم يذق طعم النوم والراحة منذ ذلك الحدث الأليم الذي تعرض له منذ فترة ، وكان السبب في تحوله إلى الطاغية جومار.
تركت ساري جومار ينعم ببعض الراحة، في حين قامت هى بالتجول داخل ذلك البيت العجيب، كانت أرضيته ممهدة ذات ألوان متداخلة جذابة ، الجدران ينتشر فوقها نوع من الطحالب الخضراء المضيئة،عندما اقتربت منها ازداد توهجها ؛فجفلت ثم كررت فعلتها ،كأنها لعبة محببة لطفل قد اكتشفها لتوه.
انتهت من تلك اللعبة لتعود لتكتشف المكان من جديد ،أدارت رأسها لتبحث عن غرف أخرى ،فوجدت غرفة بابها خشبي ،فتحته بصعوبة كما أنه أص*ر صريرا مزعجا خشيت أن يستيقظ جومار بسببه ولكنه لم يصحو.
كانت الغرفة بها فراش ناعم رقيق ،جدرانها ذات ألوان زاهية خاصة تلك الطحالب المصيئة بأضواء زاهية كالأحمر والأصفر والوردي تضيء في تناغم وتتابع منتظم.
اقتربت منها ساري فازدادت توهجًا، وجدت ملابس تخص امرأة ما ، قربتها من أنفها فاشتمت رائحة عطر جميلة، استيقظ جومار فجأة ، بحث عن ساري حتى وجدها في غرفتها ، شعر بالغضب عندما رآها تمسك بذلك الفستان الذي كان معلقا على الحائط.
قال لها بغضب : ماذا تفعلين هنا؟ تفجأت بوجوده فجفلت وتراجعت بضع خطوات ثم سقط من يدها الفستان.
اهتزت نفسها فعيونه كانت كجمرتين من اللهب ، سألته : أين نحن ؟ ما هذا المكان؟
قبل أن يجيبها وصل إلى مسامعهما صوت ضحكات أنثوية يتبعها ضحكات ذكورية ، كان صدى تلك الضحكات يقترب تدريجيا منهما.
شعر جومار ب*عور غريب لم يفهمه ولكنه أمسك بيد ساري بقوة وجرها خارج الغرفة وخارج البيت قبل أن يقتربا ذلك الشاب والفتاة.
اختبأ جومار خلف صخرة بالقرب من باب منزله القديم ،اقتربت أصوات الضحكات جدا والتي سبقت حضورهما ، كانت الضحكات الأنثوية تزلزل ذكريات جومار الذي اعتلت الحيرة على ملامح وجهه. اجتاحه شعور غامض لم يفهمه فتلك الضحكات الأنثوية ليست غريبة عليه.
آثرت ساري ال**ت ووجهت حواسها، لتكتشف صاحبي تلك الضحكات، انطلقت شقة مكتومة منها عندما وقعت عيناها عليهما ، كانت الدهشة من نصيب جومار أيضا الذي عرف لتوه سبب حيرته فصاحبة تلك الضحكات زوجته في الماضي ، شعر بغصة في حلقه كيف نساها ، فهى حب عمره أما الذي زاده حيرة كيف هى على قيد الحياة؟ وكيف يكون هو أيضا الرجل الذي يمازحها ؟
تبادلت نظرات ساري بين جومار الذي اختطفها وبين ذلك الذي يشبهه تماما، ولكن من تلك التي تمازحه وتضحك معه،أجابها عن ذلك السؤال تلك الصورة المنع**ة لوجهها عن بركة ماء صغيرة كانت بجوارها خلف الصخرة.
فكانت هى ، ساري هى نفسها التي مع شبيه جومار ، زادت الحيرة لديها أيضا،لم ينتبه في باديء الأمر أن زوجته المتوفاة تشبه ساري كثيرا،لفتت ساري انتباهه لذلك ، فبادل نظراته بينها وبين زوجته المتوفاة والتي تقف صعيدة بجوار شبيه له.
هز رأسه وقال : لا لا يبدو أنني أحلم ، كيف يحدث هذا ؟ العجيب في الأمر أن شبيه جومار وزوجته لم ينتبها لوجودهما حتى الآن ، دخلا بيتهما . بدأت الشمس في المغيب.
بدأت لسعات من البرد تلطم وجه ساري التي بدأت ترتجف بشكل ملحوظ ،فهى لم تتكيف بعد مع تغير الطقس بين عالم نورشا الذي ينعم بالدفء دائما ،وعالم جورما الذي يتميز ببرودة الطقس أغلب الأوقات وخاصة في الليل.
لذا أسرع جومار بالبحث عن مكان يصلح للإيواء لهما حتى الصباح ثم يبحث فيما بعد عن سر تلك الألغاز.
بعد دقائق تمكن من الوصول لكهف صغير يبدو أنه مهجور،دخل جومار أولا ليستكشفه ،انتظرته ساري عدة دقائق ثم خرج ليقول لها بصوت صارم : هيا الكهف آمن.
رغم صرامة ملامحه وخشونته في معاملتها إلا أنها رأت فيه بعضا من الشهامة خاصة عندما كان يتقدمها ليكتشف الكهف أولا، ولكنها لم تفهم لم يعاملها بتلك القسوة والخشونة ماذ فعلت له؟ هذا ما دفعها لتتغلب عل رهبتها منه لتسأله عن سبب جفاء معاملته لها ؟ ومن تكون؟ ومن يكون؟
أنصت لها جومار والذي انتبه لأول مرة أنها الآن فاقدة الذاكرة ولا تعلم شىء عن ماضيها معه، إنها كرضيع صغير ولد لتوه، فشعر بالحرج منها لمعاملته الجافة لها.
لم يجد جومار جوابا مقنعا لأسئلتها ،فهى الآن فتاة جديدة تختلف عن تلك التي حبسها بداخل اللوحة مع أوسان وماجلان.
ولكنه لم يجد بُدًا من قول الحقيقة لها فأجاب: إنك زوجتي وقد تشاجرنا منذ أيام فغضبت وسافرت لمكان ما،بحثت عنك فوجدت فأعدتك إلي ، لذلك أنا غاضب منك، فقد شعرت بالقلق عليكِ.
يتبع ........