1

2158 Words
حكايات في الظلام مقدمة في هذا اللقاء تتجسد كل الخيالات المرعبة . . الليلة نجتمع ونحكي . . كل واحد منا سيحكي قصة جديدة في حلقة رعب وسط ظلام دامس حيث اجتاح مدينتنا وباء رهيب . . وباء أجبرنا جميعا على المكوث في بيوتنا بجوار المدفأة وقصص الرعب الرهيبة! وكان معنا ضيوف من كل مكان في العالم فمن يحكي لنا أول قصة ؟ عند باب غرفة الملابس ، وقف الرئيس مرتدياً بزّته كاملة ما عدا الحذاء . جامداً مسمرا في مكانه . كانت الساعة تدور في السابعة صباحاً . قطع الثلج تتساقط خارج النوافذ ، فوقف يتأمله نحو ساعة من وراء الزجاج . وها هو يقف بجوربيه خلف الباب المؤدي إلى البهو ، محنياً قامته المديدة كأنما يركز سمعه عند نقطة معينة ، وقد ارتسم على محيٌاه قلق بالغ ، هو القلق ذاته الذي لم يفارقه منذ نحو ثلاثة أسابيع . كانت تتدلى من يده مرآه يد فاخرة ، فرنسية الطراز ، يجدر بنا أن نراها على نضد الزينة الخاص بامرأة لا في أي مكان آخر ، لا سيما أنه ما من امرأة يمكن أن تستعملها قي تلك الساعة المبكرة من أيام فبراير . * * * * * أخيراً ، أمسك مقبض الباب ، وفتحه بمقدار بوصات قليلة محاذراً ألا ينم عنه أي صرير ، ثم دس رأسه من الشق ورأى العظمة ملقاة على بساط البهو السميك . كانت عظمة مطبوخة ، ضلعاً علقت به كتل صغيرة من اللحم عليها ، وإن على نحو خفيف ، آثار أسنان بشرية في قضمات متداخلة اتخذت أشكالا هلالية . من ف*جة الباب نفسها تناهت إلى مسامعه الأصوات أيضاً . ظل حريصاً على ألا يص*ر أي صوت وهو يخرج المرآة قليلاً من الباب المشقوق . لبرهة لمح وجهه في المرآة فتأمله بنوع من عدم التصديق البارد – إنه وجه مقاتل جسور ، ذلك القائد الحصيف الذي لا يعرف الزلل في توقع أفعال البشر والسيطرة عليها ، والذي يجد نفسه الآن غارقاً في عجز طفل حائر . أمال المرآة قليلاً بعد حتى يتمكن من رؤية الرواق منع**اً فيها . عندئذ رأى رجلين يقتعدان البساط مثلما يتواجه شخصان على ضفتي نهر . لم يكن يعرف هذين الوجهين ، وإن عرف الوجه ، إذ أن صورته لم تفارقه نهاراً ، ولا فارقت أحلامه ليلاً منذ ثلاثة أسابيع . إنه ذلك الوجه المربع القاتم المفلطح بعض الشيء ، الوجه المنغولي ، المتجهم ، الغامض ، السري الذي لا يكشف شيئاً عن نوايا صاحبه . ولطالما رأي هذا الوجه حتى تخلى عن محاولة عد المرات أو تقدير العدد؛ حتى في هذه الأثناء وهو يرى الرجلين يجلسان القرفصاء في المرآة ، ويسمع خصوتيهما المكتومين ، فقد أحس ، ربما في برزخ ما بين النعاس والتعب ، أنه ينظر إلى وجه واحد فقط . * * * * * وفي ما عدا التفصيل الثانوي المتعلق بعدم ارتدائهما صديرياً وياقة ، كان كل منهما يعتمر قبعة من الفراء ويلبس معطفاً جديداً من الصوف ، لقد كانا متأنقين بالكامل حتى الخاصرة ، وإن كان الوقت ما يزال مبكراً بعض الشيء حتى يحل ضحى النهار . لكن من الخاصرة ولأسفل ، كانت ثيابها تنتهك كل حس بالذوق والأناقة . فنظرة واحدة إليهما تجعل المرء يظنهما خارجين للتو من إنجلترا على عهد بيكويك ، دعك من أن سرواليهما التحتيين الضيقين وفاتحي اللون لا ينتهيان بأحذية فيكتورية طويلة ، ولا بأي أحذية على الإطلاق ، بل بأقدام قاتمة حافية . ورأى على الأرض ، بجانب كل واحد منهما ، صرٌة من القماش الغامق لفت بعناية ، وزوجين جديدين من الأحذية ، وضع كل زوج منهما مقابل الثاني كأنما ينتعلهما جنديان من الأشباح . فجأة ، ومن غطاء سلة مصنوعة من لحاء البلوط الأبيض ، وموضوعة بجانب أحد الرجلين ، برز رأس د*ك مصارعة يشبه الأفعوان ، لمعت في المرآة الباهتة عينه الصفراء المدورة الهائجة . ومن هناك جاء الصوتان ، جذلين محتشمين ، هامسين : - " لم يفدك كثيراً وجود الد*ك معك هنا " . - " هذا صحيح . لكن من يعرف ؟ بالتأكيد ما كان في وسعي تركه في المنزل مع أولئك الهنود الأوغاد ال**الى . تعرف جيداً أنني كنت سأجده ، حين أرجع ، منتوف الريش بالكامل . لكن من المزعج أن أضطر لحمل هذا القفص ليل نهار " . - " لو أردت رأيي فإنني أجد هذه المسألة في غاية الإزعاج " . - " عدّاك العيب . أن نقبع هنا خارج هذا الباب طوال الليل بلا سلاح ولا أي شيء . افترض أن أشراراً أو سواهم حاولوا اقتحام الغرفة في أثناء الليل ، فلا أعرف عندئذ ماذا سنفعل . أعرف أنني لست راغباً في دخول الغرفة " . - " ومن يقبل شيئا كهذا ؟ إنها مسألة كرامة " . - " كرامة من ؟ كرامتك ؟ كرامتي ؟ كرامة فرانك ويديل ؟ " . - " كرامة الرجل الأبيض . أنت لا تفهم البيض . إنهم كالأطفال ، عليك التعامل معهم بحرص لأنك لا تعرف البتة ما ستكون خطوتهم التالية . وإذا كانت الأعراف تنص علي أن يقبع الضيوف هنا خارج باب هذا الرجل طوال الليل في البرد ، فعلينا فعل ذلك فحسب . إلى ذلك ، ألا تفضل المكوث هنا على أن تكون مع البقية هناك في الثلج في واحدة من تلك الخيمات الملعونة ؟ " . * * * * * - " معك حق . يا له من طقس . يا لها من بلاد . لا أقبل بها ولو وهبوها لي مجانا! " . - " بالطبع لن تقبل . لكن البيض هم هكذا : لا حسبان عندهم للذوق . لذا ، ومهما طال مكثنا هنا ، فإننا مضطران إلي التصرف مثلما يعتقد هؤلاء القوم أنه يجدر بالهنود الحمر أن يتصرفوا . لأننا لا نعرف ماذا يمكن أن نقول أو نفعل يثير حفيظتهم . فقد يشعرون بالإهانة أو الخوف . مثل اضطرارنا إلي التكلم بكلام البيض طوال الوقت . . . . " . سحب الرئيس المرآة إلي الداخل وأقفل الباب ببطء شديد . مجدداً وقف ساكناً جامداً في وسط الغرفة ، مطرق الرأس ، شاردا ، حائراً ، لكن صلباً متماسكا ، فليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها الصعوبات؛ أما منشأ حيرته فهو أنه لا يواجه عدواً في ميدان مفتوح ، بل يجد نفسه محاصراً في مكتبه رفيع المقام هذا ، يحاصره أولئك الذين يعتبرونه ، قانونياً على الأقل إن ليس بتفويض إلهي ، أباهم . شعر ، في ذلك الصمت الشتوي المطبق ، أنه يخترق الجدران ، ويتوحد مع المقر الرئاسي الجليل الساهر . غير مرئي ، شعر أنه يعيش حالاً من الرعب الذاهل من كل واحدة من مجموعات ضيوفه الجنوبيين – تلك المجموعة الصغيرة القابعة خارج بابه ، والأخرى الضخمة في ساحة القصر التي يشبه أفرادها الوجوه المحفورة في حجارة هذا المبنى الدائري الصلب الذي هو التجسيد الحي لكبرياء الأمة الشابة – في قبعاتهم الفرو الجديدة ومعاطفهم الصوف وملابسهم التحتية القطنية ، في سراويلهم المطوية بعناية تحت أذرعتهم ، وأحذيتهم الجديدة محمولة على الأيدي؛ قاتمون ، لا زمنيون ، محتشمون ، وساكنون ، تحت الوجوه المذهولة والبزات المليئة بالشارات الذهبية ، والسيوف والنجوم ، شارات الدبلوماسيين الأوروبيين . غمغم الرئيس في سره : " ا****ة . ا****ة . ا****ة " . * * * * * مشى في الغرفة وتوقف لكي يحمل زوجي حذائه من مكانهما قرب الكرسي ، ودنا من الباب المقابل . توقف ثانية وفتح الباب بخفة وحرص شديدين اعتاد عليهما خلال ثلاثة أسابيع خفية أن يقتحم أحد ضيوفه الباب ويقتله . لم يجد خلف الباب سوى زوجته تنام وادعة في سريرها . اجتاز الغرفة ، حاملاً الحذاء ، متوقفاً لكي يضع المرآة على نضد الزينة بين أشياء أخرى من المجموعة التي قدمتها الجمهورية الفرنسية الجديدة هدية لرئيس سابق ، ثم أنه تابع سيره على أطراف أصابعه ، حتى دلف إلى قاعة الانتظار ، حيث رفع رجل يلبس عباءة طويلة رأسه نحوه ثم نهض على قدميه ، وفي قدميه جوربان أيضاً . تبادلا النظرات برصانة . ثم سأل الرئيس الرجل بصوت خفيض : - " أكل شيء على ما يرام ؟ " . - " لا بأس ، هل . . . . . " . أخرج الرجل عباءة أخرى طويلة . قال الرئيس : " حسن . حسن " وطرح العباءة على كتفيه قبل أن يتحرك الآخر لمساعدته . - " والآن أعطني الــــــــــ . . . . " . هذه المرة استبقه الآخر ، وناوله القبعة التي اعتمرها الرئيس ثم أخفضا إلى وجهه . غادرا الغرفة على أطراف أصابعهما ، وفي يد كل منهما حذاؤه . كان السلم الخلفي بارداً ، فتكورت أصابع أرجلهما وهي تطأ درجاته ، وارتفع بخار أنفاسهما في دوائر حول رأسيهما . هبطا السلم بتؤدة وقعدا على الدرجة السفلى وانتعلا حذاءيهما . كان الثلج ما يزال يهطل في الخارج؛ وبدا أن ندف الثلج غير المرئية في السماء البيضاء ، وعلى الأرض المفروشة بالثلوج ، قد تجسدت بعنف مباغت عند بوابات الإسطبلات المعتمة . بدت كل جنبه في حديقة القصر أشبه ببالون أبيض يهبط بخفة وجمود فوق الأرض البيضاء ، وبين هذه الأركان تناثرت بنوع من الترتيب المنتظم نحو اثنتي عشرة كومة أشبه بالخيام ، ترتفع منها أعمدة الدخان نحو الثلج الذي لا رياح تعوقه ، كأنما الثلج نفسه يشتعل بهدوء . ألقى الرئيس عليها نظرة عجلى غضوب ، ثم قال لمرافقه " تقدم " فمشى هذا بخطوات سريعة ، مطرق الرأس ، مغطياً وجهه بعباءته ، ودخل إلى الإسطبل . انتهت الأيام التي كان الرئيس يخاطب الجندي بكلمة " تقدم " هذه ، لكن الرئيس كان قريباً منه إلى حد أن أنفاسنا شكلت سحابة معتمة واحدة . وانتهى اليوم الذي كانت غالباً ما تستعمل فيه كلمة " فرار " . لكنهما ما كادا يدخلان إلى الإسطبل حتى ظهرا ثانية ، وقد امتطى كل منهما جواده ، واجتازا المرجة ، مروراً بالخيام المغطاة بالثلوج ، إلى البوابات التي تفضي إلى تلك الجادة التي مازالت في طور الإنشاء ، والتي ستحتفل بفخر مستقبلاً بالصفوف المهيبة من شباب الأمة ، وسط إعجاب ودهشة العالم القديم وحسده ، أما في تلك اللحظة فقد كان يحتل البوابات متنبئون حقيقيون بالمستقبل . * * * * * " انتبه " ، قال الرجل الآخر ، وهو يرتد إلى الخلف . انتحيا جانباً- وغطى الرئيس وجهه بالعباءة ، مفسحاً في المجال لكي تمر المجموعة : أولئك الرجال غامقو البشرات مربوعو القامات ، بقبعاتهم الفرو ، ومعاطفهم الرسمية ، وأرجلهم الصلبة المغطاة من الفخذ حتى الركبة بجوارب من الصوف . اخترقت ثلاثة جياد الحشد وقد طُرحت على ظهورها ستة غزلان ميتة . أكمل الحشد طريقه دون أن يعيروا الرجلين التفاتة . تمتم الرئيس : " ا****ة . ا****ة . ا****ة " ؛ ثم بصوت عال أردف : " لقد كان صيدكم وافراً " . حانت نظرة خاطفة من أحد أفراد المجموعة نحوه ، وقال بصوت جذل وسريع : " وهو كذلك " . انطلق الجوادان مجدداً ، وقال الرجل الآخر : - " لم أر معهم أي أسلحة " قال الرئيس بتجهم : - " أجل ، يجب أن أنظر في هذا الأمر . " بثياب النوم وبلحية غير حليقة ، جلس الوزير إلى مائدة الإفطار محاطاً بأطباق لم يذق منها شيئاً ، بدا على محياه الامتعاض وهو يحملق في الصحيفة الموضوعة على الطبق الفارغ أمامه . أمام المدفأة وقف رجلان – أحدهما جندي من سلاح الفرسان لم يذب الثلج بعد عن عباءته ، جلس على مقعد خشبي طويل ، بينما الآخر ، الذي من الواضح أنه مساعد الوزير ، ظل واقفاً . هب الجندي منتصباً حين دخل الرئيس ومرافقه . قال له الرئيس : - " اجلس ، اجلس " . واتجه إلى المائدة وهو ينضو عنه العباءة التي أخذها منه المساعد . - " قدم لنا بعض الإفطار " ، قال الرئيس ، " لا نجرؤ على الذهاب إلى البيت " . ثم جلس . قدم لهم الوزير الطعام شخصياً . سأله الرئيس : - " ماذا هنالك الآن ؟ " قال الوزير : - " هل تسأل ؟ " . ثم حمل الصحيفة مجدداً وأخذ يحملق بها : - " من بنسلفانيا هذه المرة " . وهوى بالصحيفة فوق راحة يده ، " أولاً ماريلاند ، نيويورك ، والآن بنسلفانيا؛ من الواضح أن الشيء الوحيد الذي يستطيع إيقافهم هو أن يذوب الصقيع وتجري المياه ثانية في نهر بوتوميك " . صاح بحدة وانفعال ، " شكاوى ، شكاوى ، شكاوى : هذا مزارع قرب جيتسبرج . كان عبده الز**ي في الحظيرة يحلب البقرة على ضوء القنديل بعد هبوط الظلام ، حين - بلا شك ظن الز**ي أنهم مائتان ، ما دام المزارع قد قدرهما بعشرة أو أحد عشر - قفزوا فجأة من العتمة معتمرين القبعات ، وشاهرين الخناجر وهم عُراه من الخصر لأسفل . والنتيجة : تدمير الحظيرة وقتل البقرة واحتراق الشعير بنيران القنديل الذي تحطم؛ كما شوهد العبد يفر من المكان صوب الغابات ، حيث بالتأكيد قضى خوفاً أو التهمته الح*****ت المفترسة . التعويض المترتب على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية : للحظيرة والشعير مائة دولار ، للبقرة خمسة عشر دولاراً ، للعبد مائتا دولار . ويطلب الرجل أن يُدفع له التعويض بالذهب " . قال الرئيس وهو يأكل بسرعة : - " هكذا إذن ؟ أحسب أن الز**ي والبقرة اعتبرهم من الجنود المرتزقة " . قال الجندي : " أتساءل ما إذا ظنوا البقرة غزالاً " . قال الرئيس : " أجل ، هذه مسألة أخرى أود أن . . . " . قال الوزير : " ومن الذي لا يتوهمهم أي شيء على سطح الأرض أو في جوفها ؟ إن ساحل الأطلسي برمته ، إلى شمال نهر بوتوميك ، يحتشد بكائنات قبعات الفرو والمعاطف والجوارب الصوف ، إنهم يخيفون النسوة والأطفال ويشعلون الحظائر ويهرٌبون العبيد ويقتلون الغزلان . . . . " .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD