عصرا كان وصل غسان المنزل يبحث بعينه عنها وعن البنات ولكنه وجد والدته تجلس على أحد المقاعد بغرفة المعيشة تشاهد إحدى البرامج على التلفاز..
بجلس بجانبها وهي تتناول قطعة من الحلوى.. تنظر له من , تكبح ضحكتها تعلم أنه يبحث عن فريدة..
يجلس بملل يهتف يعد لحظات :
-البنات فوق..
لم تنظر له ولكنها ركزت مع شاشة التلفاز تهتف بهدوء:
-فريدة خدت البنات وخرجوا
انتفض من مكانه بصدمة يهدر بعصبية:
-خرجت!.. وازاي تخرج من غير ماتقولي ..
هزت منى كتفها .. تردف :
-كلم السواق وهتعرف هما فين.. واهدى شوية ..
كلام والدته اثار غضبه أكثر, يتركها خلفه يسرع لهاتفه .. وهو يخرج من المنزل مرة أخرى..
في تلك اللحظة كانت سماح تجلس أمام التوأم هي وفريدة .. يتأملوهم بحذر .. تهمس فريدة بتوجس:
-سماح.. هما مالهم ساكتين ومبيتحركوش كده ليه من وقت الفطار..
عدلت عويناتها بتركيز .. تمسك بذقنها تهمس لفريدة وهي تتعمق بالنظر للبنات:
-البنات الاكل كبس على نفسهم..
اعادت الاخرى الهمس بتساؤل حائر:
-والحل ايه..
حكت صديقتها رأسها وهي تقول بجدية :
-يشربوا شاي..
لم تستطيع فريدة كبح ضحكتها فشاركتها بها سماح.. التي كانت تتطلق الكلمات من بين الضحك:
-والله منورة يا فريدة..
وقف الضحك بعد لحظات فتتساءل سماح:
-بتروحي بيت باباكي الله يرحمه..
زالت ابتسامتها وهي تهتف بنبرة باردة:
-لا مش عارفة احس فيه بالأمان بعد وفاة بابا..
تناولت الاخرى طبق من المقبلات تعطيه لها رادفة بمكر:
-وبيت غسان بقى لقيتي فيه الامان الي مفقود في بيت بابا..
انبتها فريدة باستنكار وعتاب :
-سماح..
امتعضت ملامحها وهي تلوح بيدها هاتفة:
-بلا سماح بلا كلام فاضي.. واجهي نفسك يا فريدة انت من جواك عاوزة تكملي.. عاوزة تبني معاه اسرة..
هبت من مكانها هاتفة باعتراض تواجهه بنفي لاكبر مخاوفها:
-انت بتقولي ايه.. لا .. انا.. انا..
كررتها( انا).. وتوقفت عن الاكمال ولكن سماح ضغطت عليها:
-فريدة واجهي نفسك غسان بقى بيمثلك جزء من الامان.. متنكريش ده.
تعترض الاخرى تفرغ حجة تلزمها وتقنع نفسها بها دائما:
- انا بقعد عشان البنات
هزت سماح كتفها ونظراتها الغير مصدقة تصل لفريدة خاصة عندما اكملت هي :
-اكدبي على نفسك كمان اكدبي..
حاولت الاعتراض مرة اخرى ولكن جرس الباب قاطعهم .. همت سماح سريعا تفتحه وهي تسرع بارتداء رداء الصلاة ..
لتجد أمامها رجل ملامحه مألوفة..
اجلى غسان صوته هاتفا بإحراج:
-مساء الخير يادكتورة سماح.. فريدة هنا..
كانت فريدة تستمع لصوته وهي تمسك بالبنات وتقف أمامه بنظرة متحدية.. تهتف وكأنها لم تفعل شيء:
-طيب سلام بقى ياسماح هبقى ازورك بعدين..
امسك غسان بالبنات ينوى النزول ولكن سماح امسكتها تهمس لها بعد ان ابتعد قليلاً:
-والله حلو لا وهيبة كده..
رفعت فريدة حاجبها فتكمل سماح:
-لو مش متجوزة كنت اتجوزته..
لكزتها فريدة وهي تكبح ابتسامتها .. تلتفت لغسان الذي كان من الواضح انه استمع لهمس صديقتها! بابتسامته التي يكبحها بصعوبة!
ركبت معه السيارة في هدوء تام.. هدوء جعله ينوى قطعه.. بل سيكمل حياته مع فريدة..
من حقه الحياة.
من حق نفسه المعذبة بعض الراحة..
من حقه ان ينعم بهدوء يفتقده..
ولكن ترى ما الذي يخبئه لهم القدر؟!
*****************************
في اسوء كوابيسها لن تتخيل أن تكن تلك النهاية لها..
في اسوء كوابيسها لم تعتقد ان تصل لتلك المرحلة سريعاً..
عبراتها لم ترحمها وهي تنظر لرضيعها.. تعانقه تستنشق رائحته .. تشعر انها على اعتاب النهاية!
ترجع لذكري الطبيبة وهي تقول لها:
-للاسف يامدام ميرال لازم العلاج فورا.. انت عندك كانسر في الثدي..
تتذكر وجعها وهي تتوسل الطبيبة حرفيا أن تعاود الكشف.. ترجوها ان يكن كل هذا كذبة..
تهتف بطريقة مثيرة للشفقة:
-انا هموت..
تنفي الطبيبة ولكنها تكمل:
-انا ابني لسا مكملش اربع شهور..
تخرج من الذكرى بغصة مرة تصيبها .. تشدد من عناق صغيرها تهتف بوجع:
-ياريتني موت قبل ما شوفك.. يارتني موت وانا باولدك..
يتعالى صوت بكائها وهي تتأمل ملامحه بوجع.. تمر عليها بجوع:
-انا بحبك اوي.. انت اغلى حاجة عندي..
تمسك بهاتفها تحاول السيطرة على حالها .. تتصل بوالده..
يأتيها صوته سريعا:
-ايوه ياميرال مروان كويس
تهز رأسها وكأنه يراها .. تطلب منه برجاء:
-لو سمحت يا يامن تعالى دلوقت حالاً..
سأل هو وقد اصابه القلق على صغير..
-فيه ايه يا ميرال الولد كويس..
استجمعت قوتها تسبغ الجمود بنبرتها ولو تموت لن يرى احد ضعفها وسقوطها..
-مروان بخير انا بس مسافرة شغل مهم .. ياريت بس تاخده الفترة دي..
وصلته ضحكته المتهكمة وهو يستقم من مكانه يهدر ببرود:
-انا قلت برده انت ملكيش في حوار الامومة ده.. ميرال هتفضل ميرال!
اغلق الخط.. وبقيت هي تبكي دون توقف.. تبكي عمرها الضائع في دهاليز عتمة اختارتها بيدها..
تبكي شر غلبها فباتت كما يقول يامن .. ميرال دون قلب.. لا تصلح للأمومة..
تضع يدها أعلى قلبها .. تكبت وجع يتمرد ..
تحاول ان تجد بعض الهدوء..
ولكن عبثاً فهنيئاً لها هذا الوجع وذاك الألم .. هنيئا لها القادم!
***************************
في جامعتها كانت تنهي محاضراتها تستعيد ثقتها الوليدة في هذا العالم الجديد.. اقتربت منها صديقتها الفرنسية قائلة بمرح:
-ما رايك لو ذهبنا اليوم ليلا الي احد الملاهي للرقص , هناك حفلة يقيمها البرتو..
نفت نيرة وخصلاتها تتمايل مع قدها الرشيق قائلة بينما تهم بالرحيل:
-لا يمكنني ليوني.. اسفة..
خرجت بعدها من باب المدرج لتصطدم بذلك المعيد الذي يقم بتدريسها هنا .. الفرنسي من اصول جزائرية..
مما جعله يطلق سبة ب**ئة باللغة الفرنسية ثم رفع نظره لها قائلا بحدة:
-عذرا انسة هل يمكنك ان تجمعي ما تناثر مني ..
قالها وهو يشير الي الارض.. لترفع هي نظراتها الساخطة اليه هادرة :
-هل جننت من تظن انت انها قد تجمع لك اوراقك..
كتف يده يتصلب امام كتفيه قائلا:
-انت.. بالطبع انت..
-انت المخطئ سيدي.. الا تري ام ان تلك العوينات تحتاج للتغيير..
تشنج هو عقب قولها فاقترب منها بعد ان قام بجمع ما تناثر منه من اوراق هاتفا امام وجهها:
-ربما يجب ان لا تتأخري مطلقا علي المحاضرات القادة.. انسة نيرة ابو العزم...
**************************
على مائدة العشاء ليلاً .. كانت عاصي تجلس بملامح شاحبة..
تتحاشى النظر لمريم .. تشعر انها عارية وسط الف عين وعين..
تنظر لناصر الجالس على قائمة المائدة .. يجافيها هو منذ أن اتى .. منذ أن فعلتها وأخبرت مريم باقتراحها المجنون..!
بينما الجدة تجلس بانتشاء لكل ما يحدث .. منتظرة موافقة مريم او عدمها.. بجميع الاحوال ستبحث هي عن فتاة تراها مناسبة لناصر.. ما دامت عاصي قبلت بدور الخانعة.
تختار هنا مريم أن تفجر مفاجأتها وهي تنهى طعامها.. ترتشف أخر ما تبقى من كوب العصير الخاص بها ,تهتف بنبرة هادئة لا تناسب البته ما تقول:
-لقد طلبت مني عاصي الزواج منك ناصر..
**ت يخيم على الجميع قبل أن تكمل هي سريعاً بلا مبالاة :
-ولأول مرة بحياتي ارى ذلك النوع من التضحية ..
تستقم من مكانها تقول كلمتها الاخيرة بخيلاء:
-لذا انا اوافق على الزواج منك ناصر..
تنظر لملامح عاصي المقتولة .. الشاحبة بغموض .. تكمل وهي ترحل عن المائدة بانتصار وصل للجميع:
-مبارك ناصر.. الان سأنام ربما غداً نحدد باقي التفاصيل..
رحلت عنهم وتركت لهم الصدمة والتي كانت من نصيب الجميع.. نيرة.. عاصي رغم ما فعلته!
والغريب الصدمة كانت من نصيب ناصر أيضاً.. لم يتخيل أن مريم قد توافق ..!
ولكن هو في تلك النقطة كان أكيد ان القادم لا يبشر بخير ابداً!
وبالأعلى كانت مريم تنظر لنفسها بالمرأة بتحدي ونظرة تخبرها جيداً.. انها تغيرت..
هنا ولدت مريم جديدة.. ولكن لا أحد يعرف هل الجديدة تنشد انتقام.. ام تنشد سلام!
الاقدار هنا تتشابك.. الجميع يتصارع.. البدايات غائمة والنهايات مبهمة..
والوجع يطال الجميع للنهاية..