الفصل الثالث والثلاثون

2968 Words
في سيارة غسان كانت تحدث نفسها بهلوسات الماضي, ها هي عادت للوطن مرة أخرى, بين ربوعه فقدت هي ذاتها القديمة, ذاتها الوردية و الذائبة في الهوى للنخاع, نظراتها طافت بما يظهر لها من خلال زجاج نافذة السيارة, تتساءل أين يامن الان ؟ رغما عنها كأنثى تود ان تسأل عنه , تود أن ترى الندم يلجمه بالجحيم, تتمنى سماع أنه يحيا على أطلالها .. تن*دت وهي تلتفت لعاصي الشاردة بنظرها خارج النافذة و كأنها تبحث عن وجه ناصر بين المباني والطرق.. هتفت لها بنبرة مرحة: -حبيبتي عاصي .. همهمت لها بايجاب واهي ونظراتها تلمع باشتياق لزوجها , تتن*د هامسة : -نعم يا مريم, هل هناك شيء هام؟, معذرة كنت شاردة.. هزت مريم رأسها مبتسمه باطمئنان هاتفة بحب: -لا يا عزيزتي , فقط كنت أود أن اسألك عن شيء ما... تبتر الحديث ويدها تلوح للخارج مشيرة له هاتفة مرة أخرى بتتابع: -هل أعجبتك مصر؟ ما رأيك بها؟ ابتسمت عاصي بافتعال, باصطناع , فالقلب غارق للغاية بحب ناصر, ذهنها مغلوب في عشقه, ليتها تذهب له .. ليتها تعود له.. ليتها.. اغمضت عينيها ونظرها التفت بعيدا عن مريم مرة أخرى باحثة عن أي نقطة فراغ بعيدة تلتهي بها بعيدا عن نظرات مريم التي اخترقتها مباشرة, هتفت وهي تمسك نظارتها السوداء على عينيها التي أوشكت على البكاء والانهيار: -أجل مريم, أعجبتني, ناصر لطالما أخبرني عن جمالها.. هتف غسان في تلك اللحظة موجها حديثه لضيفة بنت عمه : -لقد أنرت مصر سيدتي, ستعجبك مصر للغاية, سأخذكم نرتاح بالمنزل وبعدها سأجعل هناك برنامج مخصص لكم .. اومأت له باحترام من لطفه معها , بينما هي بالداخل في قلبها لا تفكر بشيء سوى ناصر, ترى كيف هو الان؟ , هل يبحث عنها؟, هل هو غاضب أم عاشق؟.. بعد قليل كان قد وصل غسان لقصره برفقة مريم وعاصي.. التفت لمريم بعد لحظات **ت والذي كانت شاردة بباب القصر , هذا القصر الذي شهد سقوطها , هذا المكان الذي حمل بين يده موتها, فقدها لجنينها التي تاقت أن تحمله برحمها بعد عام و أكثر.. حزن هو لأجلها لا عنا أخيه يامن الذي تركها دون رحمة .. وذلك اليوم الذي كان فيه السقوط لها .. ذلك اليوم الذي اكتشفت به حقيقة نسبها, نسبها وعارها ربما.. الكذبة التي دمرتها , هذا المنزل خرجت منه مريم أبو العزم بينما هي دخلت منه مريم النجار , لتكتشف بالنهاية أنها مريم ابنة عائلة زوجها بل ابنة عمه... كان غسان و مريم شاردين بنفس الوقت في تلك الليلة الملطخة بدماء الخيانة ودماء جنينها الذي لم تلبث أن تفرح به.. كان غسان في غرفة مكتبه بالقصر يغلي غضباً بعدما أخبره أحد مساعديه الذي كلفه بمراقبة شقيقه وميرال بزواج أخيه يامن من ميرال..! ذلك الخبر الذي أجج نار غضبه .. نظراته كانت تكاد تحرق الجميع الان وحالاً! أمسك هاتفه وقام بالاتصال بيامن, وقبل أن يعطي يامن فرصة للرد هتف بحدة: -تيجي البيت حالا.. فاهم.. حالا.. ثم أغلق معه وقام بإلقاء هاتفه بعصبية شديدة ,يمسح علي خصلاته بغضب.. يكاد يشدها فينزعها من مكانها! متذكرا ذلك اليوم الذي جمعهم فيه والده..! ذلك اليوم الذي انكشفت فيه الحقائق! التي أثارت تعجبهم وشكلت لهم صدمة غير عادية! كان يجلس هو داخل غرفة المكتب بجانب يامن في مواجهة والدهم الذي أجلى صوته قائلا بنبرة مرتبكة مما أثار قلقهم فوالدهم دائماً وابداً لا يعرف التوتر والارتباك: -دلوقت في موضوع لازم نتكلم فيه لانه خلاص مبقاش ينفع يستخبي.. كانوا ينظرون له بتوجس وقلق يسيطر على خلاياهم ف**ت قليلاً قبل أن يكمل : -دلوقت عمكم الله يرحمه زمان كان حب بنت من اسكندرية.. كانت من عيلة عادية .. كان والدهم يسرد حكاية عشق عمه لفتاة من خارج طبقتهم كما أص*ر الجد حكمه..! يخبرهم بتلك القصة القديمة الأزلية بين الملك والخادمة في أسطورة ما ! يخبرهم عن عشق تلبث بعمهم وأبى الخروج من روحه وخلايا جسده! و لكن عندما قام عمه بإخبار والده برغبته في الزواج منها..! عمهم كان يريد النهاية المنطقية لتلك القصة الملحمية المغموسة بأصول الهوى خارج حدود المنطق ! ولكن والده أعطاه الرفض إلى النهاية.. ولم يفلح أحد في اقناعه..! اعطاه حقيقة واقعية كما يفعل الملك مع ولده الأمير الذي وقع بعشق خادمة في بلاطه الملكي! وبعد فترة من السرد , أطلق والدهم تنهيدة بعد أن أخبرهم بتلك الصدمات والحقائق الذي تعرفوا عليها لأول مرة, بينما تحدث غسان قائلاً بنبرة قلقة: -وبعدين عمي عمل ايه يابابا.. هز والدته كتفه ثم تحدث بنبرة متعبة .. منهكة بها بعض الحزن من تلك الذكرى التي من الواضح والجلي لهم أنها تؤثر بوالدهم : -اتجوزها.. سابنا واتجوزها.. بس مات بعد جوازهم بستة شهور.. وهي كانت حامل.. جات لجدكم بس طردها والنتيجة أنها ماتت بعد الولادة علي طول.. حثه يامن تلك المرة علي الاكمال هاتفا بترقب للقادم: -وبعدين ايه حصل..؟ مسح والدهم وجهه بكفه الايمن مكملاً يجاوب ولده يعرض واقع يعرفوه: -جدكم كان جبروت محى من كل السجلات اي ورقة تثبت ان عمكم اتجوز اصلا.. ولما اتولدت البنت وماتت امها جابها خالها لجدك الي طردهم .. تحدث غسان حينها بعصبية وغضب فكيف استطاع جدهم أن يتخلى عن دمهم وعرضهم .. شرفهم لقد كانت فتاة فكيف ؟ كيف استطاع ذلك اين نخوته وهو يفعلها ؟ أين دمائه الحارة الغيورة وهو يرمى قطعة منهم للطرقات بلا هوية ونسب ؟!: -وانت يا بابا ازاي تسيبهم يعملوا كده.. نبرته المتهمة اثارت الالم داخل والدهم , استقام من مكانه متحدثا بنبرة متأثرة بما سرده منذ قليل وكأن الماضي كان بالأمس: -مكنش في ايدي حاجة اعملها.. بس عملت الي اقدر عليه ! صرخ غسان ومعه يامن وبنبرة واحده خرج سؤالهم الملح: -وايه الي حضرتك عملته؟! هتف والدهم مبررا وربما بكلماته تلك يريح ضميره الذي عاد يؤنبه على نسيانه لهذا الأمر وتلك الفتاة إبنه أخيه: - روحت لخال البنت وساعدته بس خرجنا شهادة ميلاد للبنت باسم خالها .. وبعدين اديته مبلغ كبير ونصحتهم يغيروا سكنهم.. ساد ال**ت بعدها ليلتفت لهم والدهم قائلا بلهجة مسرعة قلقاً من أن يؤنبه أبنائه على فعلته وتخاذله وهو الذي لم ينحني ابداً: -المشكلة دلوقت ان خالها جاني من كام يوم وقالي ان لازم اخد مريم.. انا معرفش الاسباب انا بقالي خمسة وعشرين سنة ناسيها.. بس أنا خايف اموت ..! نظر لهم بتمعن ليكمل هاتفا بقرار لا رجعة فيها بل هو أمر واقع وسينفذ: -دلوقت لازم البنت تتجوزك يا يامن.. تشنج جسده غضبا واجفل حينها ليهب من مكانه صارخاً: -وانا ذنبي ايه في الموضوع وليه مش غسان.. **ت للحظة فيكمل سريعاً: - وليه اتجوز أصلا بنت عمنا ماتيجي تقعد معانا وخلاص أجاب والده حينها بتصبر على حالته : -انت عاوزنا نقلها بعد السنين دي ع فكرة انت بنتنا ودي عيلتك طب ازاي ؟! اعقلها يا يامن أدرك يامن مقصد والده فهدر رغم ذلك بغضب وتعنت: -أنا مش هتجوز حد مش ذنبي اشيل الماضي هب والده من مكانه صائحاً بعصبية من نبرته الصارخة: -اخوك واتجوز بره مصر.. ثم انت سنك مناسب لها.. وانتهينا.. جوازك منها منتهي وأص*ر والده الفرمان وتم الزواج ! وكانت حكاية جديدة لعذاب مريم بالهوى غير هذا العذاب الذي كانت تحيا به داخل عائلتها أو بمعنى أصح عائلة خالها! ************* خرج غسان من تلك الذكري البعيدة علي صوت يامن الماثل أمامه هاتفا بتعجب : -خير في ايه .. هب غسان من مكانه بعصبية ونظرات مستوحشة قائلا بحدة وهو يقترب منه: -خير..! هو فين الخير تعجب يامن من طريقته وأسلوبه فقال: - مالك ياغسان صاح الآخر بنبرة بها اشتعال وغضب يسأله بينما هو أكيد بالإجابة: -انت اتجوزت ميرال الغنام..! تجهمت ملامح يامن للحظة قبل أن يبتسم بسخرية قائلا وهو يجلس علي المقعد خلفه : -انت بتراقبني بقي.. خبط غسان يده أعلى المكتب بقوة هاتفاً بنبرة سوداء مترافقاً مع اقترابه من يامن: -انا بسأل سؤال وعاوز اجابة.. هز يامن رأسه بايجاب هاتفا ببرود وهو يشعل لفافة تبغ من جيبه : -اه اتجوزت ميرال , عندك مانع.. حاول غسان السيطرة على خلايا جسده المتحفزة للقتال مع شقيقه فسأله بنبرة جاهد أن تخرج هادئة: -ومريم..! هز يامن كتفيه ينفث الدخان وينظر له , يراقبه وهو يتلاشى فيهمس بلا مبالاة مفتعلة: -مالها مريم.. قالها وهو يخرج من جيبه لفافة تبغ آخرى يدخنها بعد الذي نفذت من شدة الغضب الذي كان يسيطر عليه بصعوبة بالغة وثباته الانفعالي يساعد وبشدة ! مما جعل أخيه يزداد غضبه وهو يراه يدخن لفافة تلو الأخرى ببرود تام, عندها اقترب منه هادرا بقوة وهو يمسكها من تلابيبه ينزعه من مكانه: -مالها ايه.. هي دي امانة ابوك.. هي دي.. أمانته.. ابعده يامن وابتعد عنه قائلا بلهجة غاضبة.. وهو يلقي بما في يده : -وانا مالي ذنبي ايه اتغصب علي الجواز من واحدة مش عاوزها.. مش طايقها..! كان الصراع في الحديث علي أخره.. انفعال من الطرفين, التراشق بالحديث كان على وشك الوصول ألي تبادل اللكمات والتخلي عن أي ثبات يذكر! وفي نفس اللحظة التي عادت فيها مريم برفقة فريدة بعد أن اخبرها الطبيب بتأكيد حملها وأن الجنين في بداية شهره الثاني..! التفتت مريم إلى فريدة هاتفة بفرحة تقفز من عينيها وكلها, كانت مريم ككل كتلة فرحة وبهجة , تشع أمل وسعادة : -انا فرحانة اوي يافريدة زمان يامن هيفرح.. انا مش مصدقة اخيرا هبقي ام. ابتسمت لها فريدة التي قالت بنبرة فرحة حنونة لأجلها تراقب فرحتها بسعادة: -مب**ك يامريم.. تستاهلي كل خير.. انا هطلع انا اشوف البنات لو انت لسا هتفضلي هنا.. اومأت لها مريم قائلة بابتسامة: -لا انا شوفت عربية يامن بره.. اكيد مع ابيه غسان في المكتب.. انا هروح اشوفه.. ابتسمت لها الأخرى داعية من داخلها أن تستمر تلك السعادة لتلك الرقيقة التي كانت دائما ترى الحزن ساكن بنظراتها , صعدت بعدها إلى الأعلى, لتذهب مريم باتجاه المكتب؛ تخبر زوجها.. بحملها فيشاركها الفرحة! بالداخل كان الغضب من الطرفين والتحفز على أشده فهدر يامن: -مش ذنبي ان عمك اتجوز واحدة جدك مش راضي عنها, مش ذنبي اشيل انا بنته عشان ابوك ضميره انبه قبل مايموت.. **ت قليلا ليكمل بنبرة صارخة أفزعت غسان: -انا مبحبش مريم..مبحبهاااش.. أقترب منه غسان هاتفاً بنبرة عالية: -امال بتحب ميرال.. أجابه سريعا ً: -لا.. زاد جنون غسان وهو يسأله : -امال اتجوزتها ليه.. انطق.. هز يامن كتفه ببرود قائلاً : -اتجوزتها عشان عجبتني.. وانتهينا انت مش وصي عليا.. ثم التفت إلى باب المكتب يفتحه في إشارة منه لانتهاء الحديث تاركاً خلفه اخيه الاكبر متعجبا غاضباً في أقصى مراحل العصبية والجنون من أخيه وفعلته... غضب يزداد ونيران تشتعل من اسلوبه وطريقته.. الهادئة وكأن شيء لم يكن! ولكن كل ذلك تحول إلى صدمة عندما قام يامن بفتح باب الغرفة ليجد مريم أمامه.. مما جعله يرتد للخلف بفزع وخوف حقيقي وهو يراها بملامح مرتعبة .. شاحبة.. مجهدة.. وهو يراها بصورة منتهية! خاصة عندما همست بنبرة تجاهد الثبات: -انا بنت عمكم ازاي..؟! ساد ال**ت قليلاً قبل أن يقترب منها يامن إلا إنها ابتعدت عنه هامسة بنبرة متعبة وكأنها على وشك أن تفقد وعيها,, على وشك السقوط والنهاية تلوح لها بيدها: -اتجوزت عليا ميرال مين.. ثم **تت قليلاً وهو تشير لنفسها بغير إدراك: -صاحبتي..! ميرال صاحبتي لم يجبها فقط نظراته كانت تطالعها بقلق من حالتها تلك ولكنها اقتربت منه قائلة بنبرة عالية شيء ما: -رد.. اتجوزت ميرال صاحبتي.. لم يجاوبها كان داخل بوتقة الصدمة ؛ولكن غسان اقترب منها قائلا بلهجة حانية وهو يمسك بيدها المرتجفة كما جسدها : -اهدي يامريم.. اهدي ياحبيتي.. هزت رأسها نفيا عدة مرات بجنون هستيري قبل أن تصرخ بهم وهي تخبط بكف يدها أعلى قلبها: -انا مين.. انا مين طيب ؟! تنهمر عبراتها ويزداد ألمها فتقترب من يامن تواجهه وتسيطر عليه بنظراتها المعذبة تعانقها فربما ما هي فيه الآن مزحة , تهمس وهو أمامه مباشرةً تسأله ترجو منه إجابة: طيب انا قصرت في ايه يا يامن عشان تتجوز عليا صاحبتي.. ثم انهارت أكثر وهي تسأل بوهن وجسدها يهتز ألما : -طب انا مين بنت عمكم ازاي؟! كانت الاسئلة تتكرر منها بطريقة هستيرية , طريقة نحرت غسان ويامن ! لم يتحدث أحد ولم يمتلك أي منهم القدرة على تهدئتها .. فأي تهدئة واحتواء مع تلك الصدمات والحقائق القاسية على شخصية رقيقة هشة كمريم! ليخرج منها أخيراً صرخة عالية تعبر بها عن كل شيء وكأنها لا تملك سوى تلك الصرخة قبل أن تفقد الوعي وينساب الدماء بين قدميها..! في مشهد تراجيدي بامتياز , مشهد يصلح لتلك المسرحية الحزينة التي كانت فيها مجرد بيدق يتم تحريكه دون أن تملك داخله القدرة على الاختيار! فيأتي هنا مشهد النهاية ولحن الخاتمة يتعالى يسطو على المكان لجنين تمنته.. ! ورجل أحبته..! وحياة أرادت الحصول عليها! ولكن عبثاً.! أسدل حينها الستار على سنواتها الماضية, انتهت الكذبة..! فحياتها بأكملها مبنية علي كذبة.. حتى نسبها خدعة! فقاعة من الوهم والزيف كانت تعيش داخلهم! وبين صراخ غسان بوالدته أن تتصل بالطبيب وذهول فريدة وعينيها الباكية.. كان يقف يامن يراقب بجمود فاقد القدرة أن يستوعب ما يحدث ,مستمعاً إلى كلمة فريدة الصارخة التي أصابته بوجع وكأنها صوبت نحوه سهماً مسوماً: -مريم حامل...! وانتهي حينها الحمل.. بل انتهي كل شيء..! ********************* التفت لها غسان وعيناها أخبرته أنها كانت شاردة معه في نفس النقطة, انها تذكرت نفس المشهد , أنها كانت تائهة بنفس اليوم, وكأن الذكريات لا ترحمنا ولن ترحمنا أبدا.. هتف غسان وهو يترجل من السيارة , بعد أن القى نظرة على عاصي الجالسة بشرود بمقعد السيارة الخلفي شاردة , بل لم تشعر أنهم قد وصلوا لجهتهم.. -يلا يا مريم مش هتنزلي.. نظرت له مريم بتيه غارقة في الذكريات التي لا ترحمها , تابع غسان الحديث وهو ينظر لها قائلا: -مريم أنت بخير .. هزت رأسها عدة مرات , تريد أن تخرج من ذلك اليوم الذي كان نهايتها.. التفتت لعاصي التي كانت تماثل حالتها قائلة بينما يدها تفتح باب السيارة وجسدها يخرج منه: -عاصي, عزيزتي لقد وصلنا هيا بنا.. اومأت لها عاصي تتابعها بالخطوات , هتف غسان وهي يقف بجانب مريم : -اوعي تحسي هنا بالغربة يا مريم ده بيتك انت , بيتك يا مريم , انت بنت عمنا.. رغما عنها تمرد ذكره على ل**نها فهتفت: -هو يامن عايش هنا, بيجي هنا.. تهب غسان من اجابتها ولكن حتى لو كان يحيا هنا , فهي لها الحق مثله , هي بنت عائلة ابو العزم مثله .. اجابها بالنهاية بمنطق قوة شخصيته كرب العائلة وكبيرها: -اه يا مريم هو عايش هنا .. جمدت نظراتها و كأنه تود الهرب والابتعاد , التراجع والسقوط, الهرب وانتهى.. هتف غسان سريعا , يسأله ذلك السؤال الذي يود معرفته, ويخشى اجابته منها: -انت بتحبي يامن لسا يا مريم.. رأٍسها كانت منخفضة ولكنها في تلك اللحظة عند ذلك السؤال لم تقدر على الخنوع, رفعت رأسها له بحدة هاتفة باجابة الرجوع فيها محال : -تصدق انا مبقتش اعرف بعني ايه حب أصلا يا ابيه.. ت**ت وعينيها تلتقط الحديقة الخارجية للمنزل , تلك الحديقة التي تمنت أن تحمل فيها أطفالها من يامن , أن تؤرجحهم فيها , أن يشاركهم يامن الضجيج واللعب.. ضحكت ساخرة من خيالها الوردي , يالها من ساذجة.. وتابعت بقسوة : -الحب كان يامن , كان نظرة رضا منه بالدنيا عندي, كانت لمسة من ايده الحياة والي فيها .. اجهشت بالبكاء غير قادرة على كبحه, غير قادرة على ال**ت.. تتابع بوجع : -الضحكة منه كانت بتنور حياتي, الحياة معاه كانت كل منايا يا ابيه.. تتن*د وأناملها ترتفع بقسوة تمسح عبراتها التي لطخت صفحات وجهها , تشد خصلات شعرها القصير تكمل وهي تنظر له بوجع خالص من عاشقة وقعت اسفل المقصلة وانتهت , ذ*حها الهوى.. -وتقلي لسا بحبه يا ابيه , سؤالك غلط اوي .. تشرد وهي تخبره بما يجب أن يسأله: -المفروض تسألني هو انت لسا عارفة يعني ايه حب يا أبيه , السؤال المفروض بالصيغة دي.. اوميء لها برأٍسه , وقلبه يخفق وجعا من اجلها ومن اجل وجعها.. -أنا اسف يا مريم, أسف.. أسف اني مقدرتش اعملك حاجة , اسف.. تبتسم له بمودة تخبره بنبرة ودودة للغاية : -كفاية اني بوجودك بحس اني ليا ضهر وسند .. هز رأسه فرحا بها , ثم بعدها دخلوا للقصر و داخله هو الف لعنة مطلوقة ليامن و أكثر.. بينما يا من في تلك اللحظة هناك بعيد مع ميرال الواقفة على شفا الموت , الملعونة بالخيانة , الخاسرة في لعبة الحياة التي نسيت فيها انها غير منصفة بالمرة.. وحقا هي غير منصفة..! دخلت مريم القصر وصعدت برفقة عاصي للغرف الخاصة بهم , بينما نظرات غسان عانقت الاعلى حيث غرفة زوجته فريدة , طروادة انتقامه, وطريدة قلبه, عشقه الذي لم يتركها يوما أبدا.. يهمس داخله بحب اشتعل لها دون أن يدري: -يا ترى نهايتي ايه معاك يا فريدة, و أمتى هنقدر نعيش حياة طبيعية سوا.. واجابة السؤال تأتيه من بعيد , عزيزي هل كانت النهاية صحيحة لتجد الراحة , -انا عارف اني ظلمتك عارف, سا محيني يا فريدة , يا رتني اقدر اقلك الحقيقة ياريت .. مسح وجهه براحة يده , ينشد راحة وعيناها ونظراتها تصوب على طيفها الذي لازم روحها في الفترة الاخيرة وكأن العالم تلخص بها هي..! ************************ المدار الذي ندور به هل خلق لنا هكذا عبثاً بطريق القدر ؟! أم نحن من نخلقه قصدا وعمدا مع توازي خطوط القدر؟! قلبها وعقلها.. جسدها يشترك وكل ماسبق يؤلمها.. يخبرها أنها على الحافة لجبل من وهم سيتساقط مع بزوغ حقيقته في شمس واقع مفقود من حياتها! تسير بالغرفة حافية القدمين بخطوات لاهية.. تنظر للجدران .. تتصورها جدران سجن خلق لها من حرية مبطنة .. زائفة.. تشعر انها تدور بمداره وتحيا بثنايا قصره وجسده.. تشعر أنها مفقودة في بحره العميق في سواد ليل حالك.. مهلك.. أغمضت عينيها وقلبها يضخ قلقاً.. قلبه يضج بصخب عالي .. تراهن أنه لن يفعلها .. هو لن يقترب من شقيقها.. تعيد خصلاتها السوداء خلف اذنها.. خرجت من غرفتها تجاه الحديقة.. تجلس بها ربما تنعم ببعض الهدوء.. ملامحها كانت جامدة.. بلا تعبير وعينيها خاوية.. زجاجية ؛ زجاج معتم.. قاتم.. اسود كليل تاهت فيه الملامح.. وماتت فيه الروح.. جلست على ارجوحة بإحدى جوانب الحديقة دون حركة.. سكون تركن له كما تركن روحها.. ارجعت رأسها للخلف .. تغمضها .. يتلاعب الهواء بخصلاتها.. يبعثرها.. يشتتها.. تتطاير كثورة هائجة بلا ترتيب.. ثم تركن بسكون أعلى وجهها، أعلى عينيها.. تبتسم بفتور وحالتها مشابهة لتلك الخصلات الناعمة.. تثور وتصرخ وفجأة تركن هكذا دون مقدمات.. شعرت بمن يحركها، شعرت به هو ورائحته تحفظها ببساطة، تكمل كما هي .. تغمض عينيها وتتلعثم داخلها المشاعر وترتبك! داخلها حطام ونور يتوازيان في مسار واحد.. مسار يضج بانفعالاتهم ويثور أحدهم على الآخر.. الحطام يود البقاء والاحتلال والنور يود فقط أن يبقى هكذا.. هتف و هو يؤرجحها بهدوء.. ونظراته مثبته أعلاها: _فريدة.. نطق بحروف اسمها وسكن.. لم تجيبه ولكنها همهمت منزعجة ربما من عدم اكماله الحديث: _امممم.. تشعر به رغم عدم رؤيتها لها.. تتخيله يرتبك.. يتوتر.. تتخيله يرفع يده، يمسح خصلاته، تتلعثم الكلمات بفمه.. يتأرجح كما يؤرجحها بين البقاء والهروب.. تخرج كلماته أخيرا بنبرة سريعة.. وكأنه يخشي التراجع وال**ت: _وحشتيني.. تصلب جسدها ورغم تلك الرغبة التي تنهشها وتجبرها على أن تلتفت له وتتمعن بملامحه .. كان هناك رغبة اخرى تجبرها بالبقاء كما هي ، مغمضة العين .. شاردة الذهن هكذا! جاء صوته وهو يعاود تحركيها بخفة: _مريم وصلت مصر باليل و معاها ضيفة.. وعازمهم النهارده ع العشا.. هزئت بابتسامتها التى ظهرت له وهي تلتفت لعينيه بالأعلى.. تردف بحدة يراها هو غير مبررة: _والمفروض اعمل ايه.. دار بخطواته يقف أمامها وهي تستريح كما هي.. يهدر بحدة.. وصوابه يتسرب منه ومن طريقتها _انا بقلك المفروض انتي مراتي.. ولازم تعرفي كل حاجة..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD