هناك شيء غامض بالحياة, شيء يتركنا بلا هوية وان امتلكنا الجذور, شيء يرسخ بنا معني الفقد والتيه بينما الواقع احيانا يفرض دنيا مبتهجة برداء وردي اللون وخيوطه فضية.. بيضاء.. ذهبية..
خيوط لامعة تطفئ في حين وتشتعل بضيائها في حين آخر..
ياخذها العقل بثنايا الماضي بطفولتها المشتته؛ مراهقتها المنتهكة..هل تنسى ا****بها؟ انتهاكها وقتلها على يد الاقرب!
حتى قابلته.. قابلت غسان، عربي وسيم يشبه والدها الراحل، كل مابه كان يسحرها، لوهله اعتقدت أنها واقعة بغرامه إلا أنها لم تعشقه؟ وهو كان يبحث فيها عن عشق وكأنه متعطش لقصة حب يحيا داخلها فكانت هي المناسبة له...
كانت تجلس في إحدى المقاهي تنتظر قهوتها السوداء من وافطارها الخفيف قبل أن تبدأ يومها بالعمل..
المكان كان يعج بالناس وهو كان يدخل بهيبته التي بالفعل تشعل بها فتيل الاعجاب..
وجدته ينظر تجاهها ، يتأملها مقتربا منها بهدوء هاتفا بينما يده ترتفع لوجهه تنزع عنه عويناته السوداء:
_هل يضايقك أن اجلس على طاولتك سيدتي؟
كانت مبهورة بنظرته، ملامحه كانت عربية يشبه ملامح والدها.. هتفت مبتسمة وهي تشير له أن يجلس على المقعد المقابل لها على طاولتها:
_بالطبع تفضل؛ لا يضايقني بالتأكيد..
جلس جوارها وهو مبتسم وفضولها جعلها تسأله متمنية أن يكون من جذور وهوية عربية
_انت عربي..
نظر لها بحاجب مرفوع متعجبا من سؤالها فسارعت هي تجيبه باعتذار:
_اسفة على تطفلي ، فقط انت تشبه ملامح والدي الشرقية..
هز رأسه وابتسامته محافظا عليها بثبات، هتف وهو يسترخي على مقعده المواجه لها؛ يبيح لنفسه فرصة تأملها؛ شابة بخصلات صفراء وبشرة قمحية ، كانت جميلة.. خلابة.. مبهرة .. بعد لحظات تأمل دامت في **ت تام كان الخجل قد تسرب لخلايا وجهها الجميل..
هتفت له و هي ترجع خصلاتها خلف أذنها ونظراتها تنحني بعيدا عنه قائلة ويدها تمسك بقدح القهوة الخاص بها ترتشف منه جرعة كبيرة:
_هل اخطأت بسؤالي؟ أو ازعجتك..
ابتسم باتساع وهو يهز نفيا براسه قائلا:
_لا أبدا انا مصري..
وكانه خ*ف روحها بهدوء تام، مصري كوالدها سارعت تهتف بفرحة كادت تخترق عينيها من شدتها:
_انا كنت متبنيه من عيلة مصرية برده..
ضحك لتلك الصدفة وكأن تلك الأنثى لها مغانطيس يجذبها له، اردف بينما النادل يضع كوب قهوته مضيفا لها الحليب، يرتشف منه مهمهما بتلذذ وعيناه لا تترك هيئتها بل تعانقها :
_بتتكلمي عربي.
يتمنى اجابتها أن تكون تأكيد ، لا يعلم ما الذي جذبه لها لا يعلم..
انحنت براسها للحظة تفكر هل يجوز لها أن تنعم بلحظات حرية؟ أن تحظي بلحظات عشق مثلا ، ورغم تورطها في ماضي وحاضر يسحق بها المستقبل ، و كاي أنثى من حقها الحياة انتصرت لذلك ببساطة وهي تخبره بعد أن رفعت نظراتها له :
_بعرف اتكلم عربي ايوه..
مد يده بغرض السلام و أن يعرفها بنفسه هاتفا:
_اسمي غسان.. غسان ابو العزم..
نظرات عينيها تعلقت بيده الممدوة من أجل السلام عليها وداخلها صراع هل تمد يدها ام لا؟
رفرفت اهدابها وهي تتخذ قرارها بالنهاية، تمنحه يدها ، تاركة المنطق بأعماق مخفية:
_ريتا... اسمي ريتا كاظم..
اومى لها برأسها وداخله كما داخلها شعور أن حياتهم القادمة ستتقابل معه..
بعد هذا اللقاء الذي تحدثت فيه عن ماضيها وحاضرها اخبرته دون التطرف لحياتها المشتته؛ وهو اخبرها عن عمله وحياته في مصر، اخبرها عن عائلته، كانت تلك المرة الأولى التي كان ينفتح بها مع انثى .. وكانت البداية..
*********************
لقائهم الثاني كان بإحدى الحدائق العامة، كانت السماء ملبدة بالغيوم وديسمبر لا يتركها أبدا.. هي تكره الشتاء والرعد والثلج.. في ذلك اليوم كانت ترتدي ملابس ثقيلة بينما هو كان يرتدي ملابس رسمية انيقة؛ ما أن شاهدها حتى لوح لها بيده عاليا هاتفا:
_كيف حالك ريتا ؟، اشتقت لك..
و الاشتياق منه كان شيء اخر ، شيء اختلط بدفء مفقود من حياتها ، وهمسها خرج منها رغما عنها:
_وانا أيضا اشتقت لك..
يومها امسك بيدها عندما شعر بارتعادها الخفيف من برودة الجو، كانت تسير معه واقدامهم تاركة علامتها على الثلج..
هتف وهو يري محل صغير يبيع المشروبات الساخنه بينما هو يلتفت لها :
_ ايه رايك نشرب حاجة دافية..
اومأت له توافقه الرأى؛ تمنحه ابتسامة، تترك له دفة القرار بإرادتها، فللمرة الأولى هي تحظي بمثل هذا الأمان..
*********************
ولن تنسى هي ذلك اليوم الذي طلب فيه الزواج منها ، دعاها للعشاء وارسل لها فستان اسود كهدية، وقام بالذهاب لها بمنزلها، خرجت له مؤتلقة بفستانها الذي تناغم مع بشرتها؛ اقتربت منه بخطوات مترددة، بينما هو يراقبها مسحورا بها ..
مد يده بغرض أن يمسك بيدها ، يخبرها بعينيه.. بنظراته.. قبل فمه..:
_انت اليوم جميلة وللغاية..
خجلت منه وهي تتلاشى النظر لعينيه، تتلاشى حب تخيلت أنه يولد هنا كما تخيل هو أيضا؛ فلا هي أحبته بل هي فقط في طور يحتاج الأمان.. وهو يحتاج لتجربة جديدة..
طلت بعينيها متأملة بدلته السوداء كلون فستانها.. كان رائعا، وسيما يخ*ف النظر ويأثر مشاعر الاعجاب دفعة واحدة.. هتفت وهي تتقدم معه تجاه سيارته على الطراز الحديث:
_و انت أيضا ..
همس لها بتساؤل يقصد به زيادة احراجها، متمنيا أن يرى خجلها اكبر، فكم هي شهية بحمرة خدها:
_و أنا ايضا ماذا يا ريتا..
حمحمت بينما تقف أمام باب السيارة تود الهرب والدخول له ، فهذا الرجل يربكها و يشعل بها شيء ما.. حاولت الدخول و لكنه لم يمنحها ذلك ، بل حاوطها بجسده الصلب بينما هي محاصرة بينه وبين السيارة.. تخفض بصرها وهو يستحثها أكثر بالعربية:
_ريتا جاوبيني، و أنا كمان ايه؟
همهمت تحت وطأة حصاره؛ أغلقت عينيها و خفقات قلبها لا تهدأ؛ فللمرة الأولى تشعر أنها حية ، أنها تتنفس..
أجلت صوتها من الخجل هاتفة له بخفوت:
_وسيم ، انت وسيم..
لم بدري هو سوى وهو يقبلها ، يلتهم شفتيها؛ وهي .. هي كانت مستسلمة له..
ابتعد عنها و ادخلها السيارة وعقله بنصف وعي.. يشعر أنه يريد الزواج منها الان..
ولكن كيف؟
وصل للمطعم في تلك الليلة متأبطة ذراعه و خفقاتها تض*ب خافقها بقوة و كأنها الطير داخلها:
_المطعم جميل..
كان المطعم يطل على بحر .. طلته هادئة، جميلة، ساحرة؛ والوانه الداخليه بيضاء مختلطة بالأبيض.. راحة نفسية اجتاحتها بينما هي متعبة..
في ذلك اليوم لم يتمكن من طلب الزواج كان مبهورا بها؛ نسى معها كل شيء كما نسيت هي من تكون..
في اليوم التالي كانت اللقاءات بينهما كانت أشبه بشتاء سرق دفئه من حرارة شمس الصيف ، و تلك الحرارة المنبثقة من مشاعرهم تجاه بعض كانت شيء آخر... هي تشعر أنها تحتاج إليه و هو يعتقد أنه ربما وقع في العشق..
التفتت له بينما يجل**ن على مقعد خشبي بالحديقة بينما هو يشرب الكاكاو بيد و يده الأخرى تعانق يدها، أنامله تتشابك معانقة أناملها..
و هي كانت هنا تاركة حالها لهذا الحب، كانت تاركة روحها المعذبة أن تنعم بالحياة التي لم تطأها من قبل..
هتف لها و هو يبتلع ما ارتشفه ويده تتلاعب بيدها ؛ يلتفت لها ، يعانق يدها أكثر ويصاحب ذلك بعناق العين..:
_هل يمكنني مصارحتك بشيء ريتا؟
همهمت بلذة من شدة استمتاعها بشرابها الدافيء:
__ممكن نتكلم عربي عادي ياغسان ، وطبعا مش هزعل..
اوميء لها باسما؛ وبسمته تلك هنا في تلك اللحظة كانت صادقة نابعة من قلبه، تابع وهو يلتفت لها بجسده تاركا من بين يده كوب الكاكاو،
ثم مد يده مرة اخرى يمسك بكوبها الكرتوني يضعه بعيدا عنها أيضا؛ ص*ره يعلوا ويهبط؛ يستجمع شجاعته من أجلها.. يلفظ طلبها الذي بات يرهقه:
_تتجوزيني ياريتا...
شهقة ص*رت عن فمها لم تفلح هي في كبحها؛ ارتعاشة يد لذيذة سارت من يدها ليده ، عيناها كانت متفاجأة؛ الصدمة جمدت أطرافها؛ عرض زواج.. حلمها يتحقق، فكل ما تريده هي في هذه الحياة هو الزواج وتكوين أسرة..
كانت عيناه تائقة لردها ؛ وهي كانت في دوامة من أن تكشف أسرارها..
وفي تلك اللحظة الناعمة قفزت أمامها لحظة.. تلك اللحظة التي قتلتها يوما.. هنا عند طلب الزواج عادت لذلك اليوم الذي فقدت به روحها..
أرجعتها إلىx ذلك اليوم الذي فقدت فيه أعز ما قد تملكه فتاة..
الشيء الذي حافظت عليه بكل قوتها وسط هذا الوسط الذي تحيا به..!!
وبالنهاية قدمتها والدتها بكل سهولة للمدعو الياس ..
دخلت الي غرفتها شاردة ؛ وما أن دخلتها انفجرت بالبكاء دون ان تستطيع ان تكتم شهقاتها..
وكأن ما حدث كان بالأمس, والامس دائما يحمل مرارة في جوفها..
ذكري دائما تجلب لها الهم ..!
استلقت على سريرها .. تستريح ولكنها رغما عنها عادت إلى ذلك اليوم اللعين.. ذلك اليوم حيث ذكرىx ميلادها العشرين..
منذ سبعة أعوام…
في منزلها كانت تقام حفل ولأول مرة من والدتها بمناسبة عيد ميلادها.. دائما كانوا متباعدين , ألا أنها فاجأتها بذلك..!
كانت تقف تنظر للمدعوين بابتسامة شابة حالمة.. بريئة عندما اقتربت منها والدتها وبرفقتها رجل أربعيني وسيم ..هاتفة بتعريف:
-اعرفك الي ابنتي سيد الياس..
ثم التفتت إلى ابنتها قائلةx بابتسامة خبيثة لم تلاحظها:
-وهذا سيد الياس ابنتي.. صديق قديم لوالدك..!
اقترب حينها الياس هاتفا بنبرة رقيقة.. جعلت ريتا تتقبله خاصة بعد أنx اخبرتها والدتها أنه صديق لوالدها الراحل..
فهتفx وهو يقترب منها ممسكا بيدها .. يطبع قبلة رقيقة على ظهرها:
-كبرتِ ريتا.. كبرتِ يا صغيرة…!
ثم ابتعد قليلا يتأملها قائلا:
-هل يمكنني الرقص مع اميرة الحفل اليوم..
هزت رأسها بإيجاب.. وتشجيع من والدتها .. لتكن حينها ترقص بين يديه.. تلف وتدور..!! والحقيقة هي إلى الآن تدور..
انتهى الحفل وغادر الجميع.. ولم يبقى سواها.. الياس ووالدتها التي أعطتها كوب من عصير البرتقال التي اعتادت علي شرابه ليلا قبل النوم..
وليتها لم تشرب .. ليتها رفضت ؛ فتلك كانت النهاية.. نهاية روحها .. وبداية روح آخرىx مش*هة..!
فبعد أن شربت العصير فقدت الإحساس بمن حولها.. كانت بعالم اخر..!!
وفي الصباح استيقظت على أشعة الشمس , لتجد حالها عارية تمام.. وجسد ما يحاوطها.. وبقعة دماء أسفلها تخبرها بالحقيقة والواقع..
لقد انتهت ! قصة قصيرة حزينة..وحزنها سيطول إلى النهاية!!
هبت من مكانها صارخة بهلع.. مما جعل الراقد بجانبها يستيقظ هاتفا بخبث وهو يتأمل هلعها ورعبها بإنتشاء :.
-اوووه ما بك عزيزتي.. هل تشعرين بالألم..
نظرت له بأعين دامعة هاتفة ببكاء ووجع:
-اريد امي.. ابتعد…
ارجع رأسه الى الخلف ضاحكًا بصخب وهو يقول بنبرة متقطعة:
-اممم... والدتك.. لقد تركت لنا المنزل بالأمس..
جحظت عينيها .. تشنج جسدها بل توقف عقلها عن التفكير ؛هي الآن قابعة خارج حدود أي منطق تعرفه ؛ تتأمل ذلك الذئب الذي يفترسها وكأنها ممتلكاته ..
ارتدت إلى الخلف بصدمةx وأي صدمة هي هنا تموت أو تتمنى الموت .. نظراتها له كانت ترجو منه إجابة أخرى ولكن سرابًا أن يحدث …!!
وهو كأي صائد كان سعيدًا .. منتشيًا بحقارته ؛ فاستقام من نومته على سرير طفولتها ومراهقتها الماثلة داخلها..x سريرها الذي تم عليه انتهاك برائتها دون أي رحمة ؛ همست داخلها ومراهقتها هي لم تتعدى تلك المرحلة بعد يا إلهىx هي مازالت صغيرة على كل ذلك ..x
كانت تنظر إلى تلك البقعة الحمراء التى لونت وبانت أعلى الشرشف تساقطت حينها عبراتها دون هوادة ؛أما هو كان يقف ب**ل عاريا.. بلا خجلx وأي خجل هنا من م***ب شيطان ..؛ كان يتأمل انهيارها باستمتاع سادي مميت يتابع نظراتها أين تتركز فعلم أن ذلك نتيجة رؤيتها لتلك البراءة البالية بنظره ؛ اقترب منها ثم امسك وجهها بخشونة وعندها علمت وضعه مما جعلها تشيح بوجهها ..تبعد نظراتها ؛فيزداد الوقوع والغرق !
همست بصعوبة وتقطع :
-انت ….كاذب ..
إلا أنه ص*رت منه ضحكة عالية عقب جملتها مستمتعًا بانهيارهاx فصاح بنبرة خبيثة:
-لا صغيرتي العذراء.. لقد تركت لنا المنزل امس.. و…
**ت قليلاx ثم انحنى بالقربx من اذنها هامسا.بحقارة. :
-وايضا .. اممم.. لقد قبضت ثمن تلك الليلة ..
ثم استقام مرة آخرى قائلا بابتسامة ونظرات سوداء عتمة:
_ما رأيك.. بتلك المفاجأة..
ابتعدتx عنه وهي تشعر بالاشمئزاز؛تشعر أنها في بئر موحل عمقه يوازي قذارته وظلامهx ثم ذهبت بعدها إلى حمام غرفتها تفرغ ما يوجد بمعدتها من هول ما سمعته منه..ودموعها توازيها في الانهيار...لا تتوقف ولن تتوقف..
و هو بحقارته وقف خلفها يراقب ذلك السقوط باستمتاع مريض يهتف بجنون حقيقي وهوس مفقود الأمل:
-صغيرتي انت لي الليلة .. وإن أردت شيء سيكون لي.. لذا لا مناص لك مني..!!!!
وتلك كانت حقيقة آخرى سطرت في حياتها!!!..
الحقيقة هنا لم تغفل عنها ولكنها في دفيء غسان لا يمكنها التراجع.. ربما يتفهمها فيما بعد ، ربما يعشقها، وربما تكون لها صدارة بعشقه..
لم تشعر بنفسها الا وهي تنطق كالمغيبة:
_موافقة اتجوزك يا غسان؛ موافقة..
وليتها اخبرته حقيقة ماحدث لها ، ليتها قالت له الماضي فربما كان هناك غفران لها؛ فكيف تخبره أنها اغتصبت في مراهقتها، كانت خائفة من خسارته؛ تموت من تيه يلحقها لو فقدته فمعه هي وجدت العشق..
في يوم زفافهم كانت الطامة الكبرى عندما علم هو بما حدث من قبل ؛ لم تخبره با****بها بل جعلته يعتقد أنها فقدت ذلك بإرادتها..
وهنا كان قد ان**ر شيء ما اصلاحه محض خيال..!
خرجت من الذكريات على بناتها التوأم.. تن*دت بارتياح، لقد زال كل ذلك الآن..
وبناتها كان الشيء الذي نفى الغموض وتبت الجذور, واهداها تذكرة للحياة الملونة..
تتأملهم بحنان لا تخطئه عين الناظر لهم , تتأملهم كعاصي طرد من الجنة فيتسلل لها ربما يحظى بوهج جمالها..
خديجة الأم الهاربة من قانون الغابة الذي قذفها داخل دهاليزه بسطوة قسوة مفروضة .. إما أن تصبح فردا منهم والا الموت!
مرت أمام عينيها لحظات الوجع والان**ار, لحظات السقوط والنهاية, لحظات الحزن بلا فرح..
ولحظات كانت هي فيها محاربة تستل سيفها المسنون تقاتل به اشباحها السوداء المتشحة برداء قهر أسود..
همهمة من ابنتها وعد أجفلتها بعد أن شردت وهي تمشط خصلاتها .. هزت رأسها تنفض الشرود والشتات .. تكمل ما تفعله بعد أن البستهم بيدها..
منذ ليلة الأمس وهي تتشبث بهم وكأنها لو أغمضت عينيها سيختفون..
تنظر لها بعينيها تملئ قلبها وجسدها صورتهم , تطبع ملامحهم داخل شرايينها بألوان لا يمكن محوها ولو بعد ألف عام..
انتهت مما تفعله .. لملمت أل**بهم الذي أحضرها يوسف بل وأصر اللعب معهم كطفل متحفز لتجربة كل لعبة, تلمع عينيه مع كل علبة يفتحها , تثار ملامحه بسعادة توازيهم يتعامل وكأنها غير موجودة !
امسكت بيدهم ثم خرجت من الغرفة .. تهبط للأٍسفل وهو بيدها ..
يراها هو وهي مقبلة عليه ومعها توأمه , يبتسم وهو يقترب يردف حاملا علا بيده .. وأنامله تتلاعب بخصلاتها ..
علا شبيهة خديجة , صورة مصغرة بخلاف وعد صورة من أبيها!
-انت برده رافضة المربية تساعدك..
حملت هي الأخرى عهد وهي مبتسمة فتجاوبه دون النظر اليه:
-لا , انا مش محتاجة حد معايا , انا معاهم كفاية..
حنانها يقتله وقلبه يؤلمه , يود لو يملك قدرة تحمله على السفر عبر الزمن فيجدها هو قبل الجميع, ي**قها في هذا الحين, يمنع عنها وجع مقروء مع كل نظرة..
كلمة..
همسة..
ضحكة..
مع كل صباح يشرق بشمس ربيع وسماء متوهجة..
فتأتي الذكريات كمارد يغيم الشمس فتذبل وتتوارى خلف سحابة كثيفة ملبدة بغيوم طغيان وفقد لف عالمه **ور عالي يصعب هدمه .
تخرج والدته في تلك اللحظة من غرفة الطعام هاتفة :
-يوسف دنيا عازمانا النهارده على العشا..
ثم التفتت لخديجة توليها اهتمام حقيقي:
-وانت كمان معزومة ياخديجة..
تركتهم والدته بعد أن أخبرتهم أنها لا تستطيع الخروج متعللة بأنها تشعر بالإنهاك وتود الراحة والنوم..
بعد دقائق كان يجلس يوسف وبجانبه خديجة بينما التوأم بالخلف مثبتين برباط الأمان..
كانت تسير في سكون الحي القاطنين به.. وزخات المطر تتساقط قطرة .. قطرة..
تريح رأسها على زجاج النافذة المجاور لها , تشرد بالسيارات والشجر, تستمتع بقطرات المطر المنسابة على الزجاج المتكئة عليه ينساب أمام عينيها .. ترفع أناملها تتابع وتلاحق القطرات المنسابة حتي تختفي..
-خديجة ممكن اسأل سؤال..
اهتز جسدها من صوته الذي فاجئها , تلتفت اليه قائلة بنبرة هادئة وهي تلقي نظرة على التوأم الملتهين بفيديو خاص بالأطفال..
-اسأل يا يوسف..
بتابع الطريق والقيادة ونظراته تتوزع بينه وبينها..:
-انت ممكن ترجعي لغسان..
ترمقه بحيرة مدمجة ببعض التعجب فيكمل هو مبررا لسؤاله:
-قصدي في امل لرجوعكم..
ساد ال**ت بالسيارة عدا صوت ضحكات صغيرة خافته من بناتها بالخلف , ضحكات تخرجها من قوقعة حزن تريد الخلاص منه:
أجابته وعينيها معلقة بالطريق :
-امل في الرجوع..
تنفي برأسها أو تستنكر وهو لا يعرف ما تقصده ..
-تداهمه بنبرة شاردة.. وكلمات اغنية تمر بسيارة توازيهم..( ولما تتلاقى الوشوش مرتين
ما بيتلاقوش يوم اللقا التاني)
-عارف لما تبقى مستني تشوف حد .. تبقي مستني اشارة.. علامة..
تشرد والكلمات تتردد بأذنيها بصوت خافت متباعد..( عمر الوشوش ما بتبقى بعد السنين
نفس الوشوش دي بتبقى شيء تاني)
تكمل وهي تتلاعب بطرف حجابها تبرمه حول أصبعها .. تشده .. تجذبه:
-بس اول متقابل الحد ده متلاقيش علامة, متلاقيش ولا أي اشارة..
ترفع كتفيها لأعلى وهي تلتفت بجسدها تبتسم لملامح أطفالها.. تضم ثغرها .. ثم تنف*ج شفتيها بالحديث:
-اول ماقابلت غسان قعدت ادور جوايا على أي حاجة.. أي صورة تجمعني بيه جوا عقلي..
تلمس قلبها .. تنكمش يدها فوق موضعه.. :
-كنت مستنية اشوف القلب الي دق اول مرة ممكن يدق تاني..
ضحكة خافته تطلقها وهي ترفع حاجبها ملتفته له وهو يقود بتركيز:
-قلبي مدقش ولا لقيت ذكريات.. ملقيتش غير حاجة واحدة بس..
باغتها سريعا يتساءل عن هذا الشيء:
-ايه هي الحاجة دي..
ارتدت برأسها للخلف ويدها ترسم على الزجاج قلب من أثر المطر ..وهمسها يصله كوصلة ايقاع ملهمة:
-عهد وعلا!
نطقتهم وهي على يقين أنهم خلاص المها من الوحدة والشتات في دروبها..
نطقت حروفهم بل**نها وقلبها مع كل حرف يرتج.. ينبض.. يهتز.. تضعهم بيده ملحمة عشقها ..
عشق لا خلاص منه ولا رغبه بالهرب بعيداً عنه..
-خديجة..
خرج اسمها منه دون أن يشعر.. تلتفت له تهمس بخفوت لمسه بدفئ:
-نعم..
واجابته خرجت كاسمها دون أن يشعر, دون أن يدرك تحت وطأة عينيها الخضراء المموجة بزرقة تقتله في كل موجة بهياج رياح عبراتها..
عينيها التي هبت رياحها وهاج شاطئها بحنان دافئ ..
يخرج صوته بحشرجة متأثرة بها:
-انت حلوة اوي!
تصلب جسدها ليس مما قاله بل من طريقته فيما يقول..
اعترافه أنها حلوة أخجلها ولكن طريقته بنطق الاعتراف صدمها!
تقضب ملامحها فجأة وهي تتباعد بجلستها , تلتصق بالنافذة ويبقى بعدها صوت المطر وهمسات الصغار..
أما هو كرجل فغرق ربما في لجة مبادئ العشق وربما دون أن يشعر بعثره الشغف بقربها..
قلبه ينبض وعقله يثور .. يوبخه, يعاتبه على رغبة تقتله أن يزأر بها يطالب بها..
يطالب بالزواج منها!
ولكنه نسيٌ أنها أنثى بات العشق عندها توأم وكان الشغف لها حركتهم.. ورغبتها باتت محصورة ببهجة ابتسامتهم..
فهل يقدر أن يجهر بتفاصيل عشق في بدايته.. أن تصدح خلجاته بتأثيرها عليه..
أم سيحرر كل ما سبق خارج نطاقه والأمل أمامه يقع اسفل خانة المستحيل!
يتبع