تقف عاصي بجسد متخشب, تحرر يدها من مريم.. تشهق وتكتم الشهقة , تصرخ:
-انت لن تحضري الخطبة..
هزت رأسها وهي تميل بها يمينا ويساراً, ترسم البرود تكمل اللعبة:
-لا , تلك اللعبة كانت انتقام..
رددت ب**ة :
-انتقام..
تهز رأٍسها إيجاباً , تمسك بيدها مرة أخرى , تسير معها بخطوات هادئة:
-اجل انتقام منكم ولكم..
ت**ت وعينيها تشرد بذكريات ضعفها الذي يصهرها بالنفور..
تخرج منها كلمات حادة:
-العذاب لا أن تصلي قاع الجحيم عاصي.., بل العذاب هو تلك النار التي نشبت داخل قلبك عزيزتي..
تلمس موضع قلبها, ونظرات أنثى لأنثى, نظرات تتأرجح بين القوة والضعف..
نظرات مضطربة..
واهية..
مروعة في قلب كل منهن .. تهتف مريم مرة أخيرة:
-انا لست الأنثى التي تتشارك مع أخرى عاصي والا كنت قبلت بزوجي الذي كان قطعة مني..
تهدأ وتمنع نفسها من الانجراف.. تعاود الحديث وعبراتها تقتلها, قلبها ينبض..
عقلها يتمرد :
-يامن كان قطعة من روحي.. كان قلبي
قالت كلمتها الأخيرة وهي تضغط بقوة على قلبها, تضغط بعنف , تؤلم نفسها رغم ان اثار الوجع ..الفقد .. الخيانة قائم بروحها:
-يامن كان كنجمة ساطعة , تومض بسمائي , نجمة تزرع بي الطمع أن امتلكها , ترسل لي شعور الاقتراب من الهدف! الاقتراب من امتلاكها..
تمسح وجهها براحة يدها , تغمض عينيها لثواني ثم تفتحها ببطيء, تكمل بثبات ونظرات تستوحش وهيئته تطاردها :
-ولكن ..
تهز كتفيها ..تعاود الحديث:
-تلك النجمة لم تكن سوى حجر معتم ..قاسي.. قاتم.. مجرد حجر لا حياة فيه ولا أمل منه..
سردت حديثها بسلاسة لم تخلق داخلها لحكايتها المفقودة من الحب..
سردت وشردت برجل احتلها..
دمغها..
امتلكها , ذلك الرجل الذي كانت ترهبه بجوارحها.. تنتظر منه عشق تمنته وعبثاً كان الحصول عليه!
أغمضت عينيها وهي تثني الصور والمشاهد , تعلم أن الرجوع لمصر هو بداية لصندوق أ**د أغلقته دون الخلاص مما فيه..
يغمرها الاختناق .. تشعر بتلاشي الهواء, وكأن فضاء العالم لا يسعها هي أو أوجاعها التي خلقت داخلها ندبة ربما لا سبيل للخلاص منها!
**********************
يقف أمام المرأة وعيناه تتوزع بين الحيرة والشرود ... شتات يحتله ويقاومه, قلبه يضج بانفعال يبتر به كل شعور!
يتساءل داخله.. هل تتألم هي مثله؟
هل تشعر بتمزقه ونزفه؟ هل تلمس مثله وجع صارخ يفور بجسده؟!
يغمض عينيه يستحضر هيئتها بالفترة السابقة وهي تذبل..
وهو يتجبر..
هي تموت..
وهو يتجبر..
هي تنزوي وتختفي..
وهو يتجبر..
بل هو يرسم التجبر .. الجمود.. البرود.. القسوة فربما هي تثور..
تصرخ..
تحارب!
هتف صديقه الجالس على المقعد خلفه بنبرة عاتبة يتغلغل الغضب بحروفها ويموج ا****ن بمرارتها:
-وان كنت لا تقدر الابتعاد عن عاصي لما كل هذا..
ينظر ناصر لانعكاسه دون الالتفات له بشرود, يرفع حاجبه ولا يجد جواب..
يضع يده أسفل ذقنه وهو يتكئ على مرفقه بانحناءة جسده للأمام..
بينما اليد الاخرى تحمل قداحته .. يتلاعب بها يشعلها مرة..
يطفئها مرة!
يقابل عين صديقه المفقود في رحلة حيرة تمزقه بلا رحمة:
-تراجع عن تلك الخطبة حتى لو كنت لا تنوي الاستمرار..
مع ذكر الخطبة يتذكرها وهي تتحداه بقوة منطق يحيا داخلها..
منطق لوثه العشق والهوى, يتذكر تلك الانثى الفائرة بحيرة بنظراتها المصوبة **هام مشتعلة بنار قادمة من سعير ماضي مخلوق داخلها بندوب حرق لم يشفى بعد!
يزفر بعمق ويعاود الضغط بسؤال يحمل اللوم :
-هانت عاصي.. هان عشقها..
يبتر الحديث وهو يستقم من مكانه , يضيف, ويزيد الضغط أكثر :
-انت تؤذيها ناصر تؤذيها..
التفت الاخر له بنظرات معذبة .. نظرات تخوض صراع مع حياة لا أمل فيها..
يستحضر صورتها أمامه وهي تهتف بحبه مع كل صباح ومع كل نفس تأخذه من الحياة..
يتذكرها تبتعد عنه, يتذكرها تغضب منه..
يهتف وهو يشير لقلبه بوجع, يغرز أنامله بجسده في جدة مؤلمة:
-عاصي لا تهون..
يحني كتفيه والانهاك يحتله دون مقاومة .. يزفر وكأنه يجاهد شيء ما:
-عاصي جزء من هذا القلب..
قالها وهو يشير لقلبه ثم أكمل وهو يشير لباقي جسده:
جزء من هذا الجسد..
يلمس ص*ره وملامحه تنهي القصة بعذابه القائم:
-عاصي هي الروح.. هل يمكنك أن تحيا دون روحك..
هتف الاخر بنبرة صارخة وهو يواجه صديقه:
-اذا لما , كيف هانت؟ , هل تلك..
ي**ت يداري انفعال من نوع أخر فيكمل :
-مريم تلك أثرت عليك ..
ابتسامة ساخرة ناوشت فم ٍالاخر وهو يجلس على المقعد بإنهاك في تلك الغرفة الذي اعتزل فيها الجميع حتى هي..
يهتف بنبرة فاضت عاطفة .. نبرة غمست بعشق يستحيل تلاشيه ولا خلاص منه:
-هل تعرف من هي عاصي..
تشرد عيناه بابتسامة وبريق انثى ساكنه بنظراته لا تفارقه.. انثى تخللت لقلبه وعقله وكله , تختبئ بين ثناياه بخبث مرض لا يمكن الخلاص منه سوى بالموت..
-عاصي هي عمري الحلو, عهدي الابدي..
يتن*د امام نظرات عا** المتعاطفة .. المتأثرة بطريقة حديثه..
-عاصي.. هي أملي وألمي, هي صبري على الحياة وصفائي بها...
يضحك بوجع ويده تلوح في الهواء :
-هي يأسي ! هي كل شيء..
ساد **ت طويل وعين كل منهم تذهب لوجهتها..
أحدهم رجل غرق بالحب وتاب في العشق دون انذار.. دون رجعة..
واحدهم تاه في حالة الاخر وتمنى لو يملك قطعة من هذا الشعور النافذ للروح بألم يجبرك على التحمل من اجل ان تجد احدهم بالنهاية!
اقتحمت في تلك اللحظة جدة ناصر الغرفة بأعين جاحظة..
جسدها يهتز بارتعاش , نبرتها تلتهب بتوتر حقيقي..
تقترب من حفيدها بخطوات مهتزة تكاد تترنح من رخوة أقدامها:
-مريم غير موجودة بالمنزل , مريم هربت !
انعقد حاجب الرجلين بدهشة واستنكار بينما هي تضيف :
-غرفتها فارغة.. هاتفها مغلق ..
حاول ناصر تهدئتها وهو يقترب منها بينما هي لا تقوى على الثبات وهي تنهار بتعب على المقعد.. تحني جسدها وهي تكمل :
-لقد قمت بدعوة الجميع ممن أعرفهم, الجميع يعلم أن خطبتك لمريم اليوم..
تهز رأٍسها وهو تهتز بجسدها للأمام والخلف :
-تلك فضيحة لي.. الجميع الان سيتحدث عن العروس الهاربة!
يلمسها بحذر واحتواء , يردف بنبرة هادئة:
-اهدئي جدتي أرجوك!
لم تهدأ وهو تزيد من الحديث بقساوة تشع بها للحظة:
-بالتأكيد عاصي زوجتك المصون من حرضها.. هي ايضاً غير موجودة بالمنزل..
ارتد هو في تلك اللحظة للخلف بصدمة وقدمه تسارع الخطوات , يخرج من الغرفة باتجاه غرفتهم .. خطواته منهكة بالسرعة وقلبه منهك بنبضه الصارخ..
وصل للغرفة.. فتحها على مصرعيها, يتخيلها هنا تجلس تنتظره كما كانت دائماً..
يتذكرها وخصلاتها الناعمة تموج كرمال ناعمة حول بحر نقي هادئ في صورة خلابة...
يدخل الغرفة يدور فيها بجنون .. خزانة ملابسها فارغه.. وهي ..
هي رحلت!
الكلمة قتلته .. يهوى بقدمه على سريرها يلمسه بشغف , يحاول أن يجدها رغم استحالة الأمر..
تغيم عينيه بوجع وقلبه يصرخ بألآم تحكمت به!
يهز رأسه بيأس يتوه بشتات روحه ..
ولكن..
صوت هاتفه برسالة جعله يخرج من حالته بتلهف .. عسى ان الرسالة منها, يخرج هاتفه.. يلمس شاشته بارتباك وتلهف ..
والصدمة لم تكن عاصي بل مقطع فيديو صغير والمرسل كان مريم!
وعاصي هنا جاءت بصورتها المتألقة ووجهها الصبوح وملامحها الجميلة..
يتذكر هنا جمال عينيها التي تزوجت دائما وابدا بعشقه.. جسدها الذي لطالما اشتعل بشرارة من لمسة منه.. لطالما ذابت بين يديه وطالما احبته وعشقته..
هتف لنفسه بوجع ويده تلمس قلبه الموجوع لها:
_كيف وصلنا هنا ولما..؟
احترق جفنيه بوجع وهو يتذكر يوم زوجهم عندما كانت ترقص بين يديه خجلا يوم حفل زفافهم ، كانت تدور بين يديه بقلب يرتجف فيهمس لها وهو يزيد من احتوائها اكثر ، يخفض من ارتعاشها..
_اهدئي حبيتي، اهدئي..
زاد ارتعاشها وهو يزيد من عناقها، يدسها داخل جسده و يود أن يدخلها بجسده فيمتزج بها..
قبلها بغته على مرأى الجميع؛ فتشنج جسدها بين يديه هاتفة بخجل:
_ما هذا؟ ما الذي فعلته؟ إلا تخجل ناصر..
هز راسه هاتفا وهو يتلاعب بأنامله ببشرة وجهها:
_سأفعل ماهو أكثر عندما نصعد لغرف*نا.. ساكن أكثر من سعيد وانا اكتم شهقاتك تلك بقبلاتي؛ أحبك يا امرأة..
لم تتحمل همسه الذي اشعلها واخجلها وسحبها عاليا لتحلق في سماء الحب المزين بحروفه ..
خبأت وجهها بين طيات ص*ره؛ تلمس بين طياته الدفيء والحب.. تهمس مقابلة اعترافة بالحب بما يماثله:
_وأنا أيضا احبك..
انتهى الحفل وكأن هو أكثر من متلهف لحملها والصعود بها لأعلى.. متلهف لامتلاكها وتقبلها بحرية؛ متلهف لحبها وعشقها..
كان يحملها ويدها تحاوط رقبته وعينيها تتهرب من عيناه تدسها وتخفيها بين طيات عنقه... قلبها كان يهدر بعنف بين جنباتها..
تقدم بها بخطوات بطيئة نحو السرير ونظرات عينيه بها ت**يم غير عادي على الامتلاك..
همس وهو يهبط بها على السرير الذي هبط بهم أسفل ثقلهم..
_اخيرا عاصي.. اخيرا حبيتي.. انا وانت يضمنا مكان واحد.. لا اتخيل وأكنني في حلم..
ام تجيبه همسه المشحون بعاطفته ولكنها لمست يده تود تقلبيلها وتلك القبلة قبل ان تهبط منها له كان هو يحاوطها بجسده رغم طيات قماش فستناها الذي حال بينهم ولكنها عانقته.. جسدها كان يتشنج بينما هو يقتنص منها قبلة.. قبلة طويلة لم يفصلها سوى وهو يبتعد عنها قبل أن يعود لها يتابع القبلات..
يخرج منها اعتراض واهي ولكنه كبحه بفمه..
بجسده.. بقلبه.. بخفقاته..
يده تابعت طريقها تنتزع عنها ببطيء فستانها ، يتخلص منه وفمه لا يبارحها من القبلات..
التهمها دون ان يتركها تتحرك بين يده
همست له من هول عاطفته التي احاطتها..
_ترفق بي..
والرفق لديه مفقود.. لا يجده ولا يراه ولا يعرفه ولا يريده..
نفى براسه ولكنه هتف بقوة:
_اخبريني بحبك .، اهتفي بالحب لي بالعشق لي
اختضنته بجسدها كما قلبها وهتفت بلا رجعة:
_احبك .. اعشقك..
وكأنها أشعلت به شيء ما الخلاص منه صعب..فامتزج بها وكأن بها الصعود للسعادة..
خرج من ليلة زفافة على واقع خطبته اليوم من اخرى؛ كيف له أن يفعلها؟ لا هو لا يستطيع؟ فقط هو يريد أن يريها نتيجة ما ناشدت به..
التفت يفتح الفيديو فتحه سريعاً يستمع لها بجسد متشنج .. بينما ملامحها تهتف بابتسامة منتصرة!
(ناصر..
كيف حالك عزيزي؟ اتمنى ان تكن بخير؟!
يراها تتوقف عن الحديث وهي تطلي أظافرها بملل.. تنفث بها الهواء ثم تعاود الحديث بنبرة ثابته:
(أعلم انك الان تتساءل أين انا ؟
تضحك باستمتاع بينما تكمل وهي تنظر لأناملها بتأمل:
(وربما تتساءل أين عاصي؟..
تهز رأٍسها .. تشير لنفسها بخيلاء وهو ترفع كتفها بلا مبالاة ووجهها يُغمر بابتسامة عريضة:
(لا تقلق , عاصي معي , وهذا الفيديو أرسله لك بعد ان وصلت مطار القاهرة
يرتد هو للخلف بعنقه من الصدمة.. يتشنج جسده , يلتفت حوله فيجد صديقه يراقبه بحذر بينما صوتها يكمل ثرثرته:
(ربما تسأل لما هربت اليس كذلك؟
تهز رأٍسها وتكمل بحيرة مصطنعة..
(انا اعلم انك لم تكن لتفعلها وتكمل الزواج بي.. ولكن ناصر أنا لست لعبه, كيف سولت لك نفسك أن تتلاعب بي وبزوجتك هكذا, من انت ؟ من تحسب نفسك؟!
تنفعل بملاحها ونبرتها تحتد ,يراقبها أحدهم بانهيار وشيك والاخر بانبهار واقع لا محالة
(كيف تؤذي زوجتك بتلك الطريقة ولو طلبت هي ان تفعلها الف مرة ومرة ؟ يجب عليك في كل مرة ترفض الف والف ومليون! لكنك بالنهاية رجل داخله تعنت تلتزم به في حقبة شرقية!
تسكن قليلاً .. تفرقع بأصبعها فجأة وتضيف أخيرا
(عاصي معي .. ستعمل هنا بمصر.. ستتغير.. ستترك لها مساحة اما ان تكمل معك او تقرر الانفصال!
اضافت جملتها الاخيرة بابتسامة متسعة .. تحولت لضحكة صاخبة..
(وبالنسبة لجدتك أعتقد ان ما سيحدث الليلة سيكن شيء مثالي لفضيحة صغيرة لها بالأوساط المخملية التي أوجعت رؤوسنا بها.. سلام أراك على خير اخي ناصر)
الكلمة الاخيرة خرجت بتهكم و.. انتهى المقطع!
وانتهت الصدمة رغم أثرها الذي ربما لن يزول!
خرج صوت عا** متأثراً وعينيه تلمع بإعجاب لا يملك اخفائه أبداً, بينما قلبه ينسج تفاصيل دون أن يشعر..:
-يا لها من أنثى نارية لا يمكن الخلاص من اثرها!
في مطار القاهرة الدولي كانت تخرج برفقة عاصي مبتسمة باتساع وشعور النصر يتراقص بعينيها ..
تسألها عاصي بتلعثم :
-اذا كنت تنوين المساعدة لما..
لم تكمل السؤال تبتره مريم تكمل وهي توقف عن السير:
-لما تلك الكلمات والاهانات المبطنة اليس كذلك؟
هزت رأٍسها ايجابا فتكمل بهدوء وهي تعاود السير تجر امامها حقيبتها :
-ما فعلته وما قلته كل ذلك كان جزء من حقيقة ب*عة تنتظرك عزيزتي.. هل كنتي ترسمين السعادة استيقظي يا عزيزتي لا مكان لك بعد ان يجد طفل من أخرى..
تنظر لعينيها بتركيز وتشرد في حقيقة المرأة عندما تعشق ف*نسى المنطق و الواقع.. ثم تعود بانتباه :
-لو تزوج ناصر كان سيلتهي بعروسه الجديد ولو كنت انت العشق والمراد.. ولو كنت انت النبض الذي يحي به الفؤاد
تسير بضع خطوات متمهلة والبرود جليد يكتسح روحها. فتضيف بجمود:
-ربما سيأتي لك ليلا من اجل ليلة وردية مشبعة بعبق عشق يتهالك وتتهالك معه كرامتك.. لقاء يتبعه لقاء سيستنزف قلبك ومشاعرك؛ لقاء يضعك بأكثر الاماكن وضاعة.. ستكرهين نفسك وحالك..
تنظر لها تتأملها وملامحها تتحول للوجع من تخيل كلمات تطلقها فماذا عن واقع:
-ستأتي زوجته تخبره بحملها.. وحينها ستتملكه السعادة.. مع بعض شعور ذنب يخلق تجاهك وهو يتعذر زيارتك يوماً بعد يوم.. عن وصالك وزيارتك.. سيتركك تنزوى.. تلعقين جراحك وحيدة بين جدران العشق الاسود البارد..
تصل للخارج أخيراً وهي ترى من بعيد هيئة غسان المبتسمة لها, ويده يرفعها للأعلى ملوحاً لها ..
تغمرها سعادة بوجوده , يبهجها أن تجده ينتظرها بتلك الطريقة..
تضيف أخيراً قبل ان تصل له:
-وعند أول طفل ستتلاشى من قلبه.. سينفرك عقله, وببعدها ستختفى للنهاية عاصي! ستذوبين مع الايام ..
وهنا كانت نهاية حديثها بينما غسان يهتف بإشراق :
-نورت مصر يا مريم.. نورت مصر يا بنت عمي.. وحشاني..
هزت راسها بسعادة هاتفة بصخب نابع من قلبها الذي ضج فرحة بالوطن
_وانت كمان يا ابيه ؛ فريدة عاملة ايه وانت عامل ايه..طمني على البنات..
ضحك بخفوت فرحا بعودتها لأحضان الوطن مرة اخرى قائلا وهو يتأملها:
_كلنا بخير يا مريم.. وكلنا مستنيك هناك في البيت يلا ياحببتي..
ثم التفت لعاصي.. لقد تعرف عليها من اول مرة؛ هي زوجة ناصر ابو العزم، بن عم والده..
هتف و هو يمد يده يسلم عليها :
_مرحبا بك في مصر مدام عاصي..
اومأت له بابتسامة شاحبة تحاكي شحوب روحها من الداخل..
تجيبه بخفوت ونظراتها من عينيها مشتته:
_أنا بخير سيد غسان كيف حالك انت؟ وكيف حال زوجتك ؟ وابنائك؟
هز راسه وهو يشير لهم بالمشي مكملا بهدوء وهو في حيرة غير عادية.. فكيف عاصي تجتمع مع مريم ...ورغم حيرته منح عاصي الابتسامة قائلا:
_هم بخير الحمد لله.. اشكرك على السؤال..
**ت وهو يسير برفقتهم خارج المطار ، ثم التفت لمريم ابنه عمه متسائلا بحيرة :
_عاوز افهم فيه ايه فهميني.. عاصي معاك ليه..
واجابتها كانت واحدة دون زيادة:
_بنقذها يا ابيه لو انت مش عاوز تستضيفنا في القصر قول.. و انا اروح شقتي
هز راسه بعصبيه كابحا نبرته الغاضبه التي كانت تهدد بالخروج من فمه:
_ايه الي بتقوليه ده انجننت لا طبعا يا مريم..
تن*د وهو يحمل الحقائب بحقيبة السيارة هاتفا لمريم وهو يركب من أجل القيادة:
_ده بيتك زي ماهو بيتي، انت بنت عمنا وليك فيه زينا؛ أنا بس بسألك عشان انا محتار من الي بيحصل يابنت عمي ..
لم تجادله فقط اكتفت هاتفة..:
_ ربنا ميخرمنيش منك يا ابيه..
كان يود أن يسألها عن نيرة أخته الصغيرة التي نبذها بعيدا عنه ولكنه لم يقدر على ذلك؛ ولكن مريم شعرت به وهي تهتف له بينما عيناها تعانق مصر من جديد
_نيرة بخير لة عاوز تسأل عنها يا أبيه متقلقش عليها..
هز راسه متحاشيا النظر لها وقلبه يود تفاصيل أكثر عن اخته ولكنه فقط اكتفى بتساؤل مقتضب :
_هي عاملة ايه في دراستها؛ مبسوطة في فرنسا؛ اصحابها مين..
ضحكت مريم بخفوت قبل أن تعاود الإجابة بمرح:
_بتتعلم متقلقش عليها بنات ابو العزم بيقعوا بس الوقعة مبت**رهمش..متقلقش
اوميء لها وارتكز بعينيه على الطريق بينما هي تكبح سؤال آخر عن يامن!!
واجابتها كانت ابتسامة سعيدة حقيقة لم تحظى بها هي منذ زمن, تشعر هي الان بالراحة وهي تنقذ عاصي من مصير قاتم ينتظرها اسفل مقصل العشق بمسمى تنازل يتخفى بالتضحية.. وهي تحاول أن تنتشلها من واقع موحل لأي أنثى..
هنا مريم تركض وتركض في صحراء نحو سماء احلامها وأمالها ولا يعركلها شيء!
ولكن اسمه هنا بتر الابتسامة .. هنا قلب يصرخ, هنا قلب يناضل للحب..
وهنا عقل كفر بالعشق ودروبه!
فمن هي !
هل هي تلك الأنثى التي نجت من مقصلة جزت قلبها فأدمته حتي مات ودفن في قاع سطوة خيانة للابد!
أم هي تلك الأنثى التي حملت أحلامها الوردية في صندوق ماسي مشع. صندوق يظهر ما فيه بأضواء أمل لا غبار عليه ولا يلمسه عكر!
وبين تلك الانثى وتلك.. كانت هي تمزق بل هي تقف على الحافة أما العودة وإما السقوط وفي الحالتين هي ترحب!
***************