تضحك بصخب وهي ترفع يدها تلمس شعرها.. تجذب خصلة فتقع وتسقط بسهولة! وهي لا تكترث بالمرة رغم الحسرة التي تتشبع بها خلاياها ببطيء مميت !
تردف وهي تريح رأسها على كتفه في رسالة أنها تنتهي ولا تريد سوى الراحة:
-التبرير فات اوانه يايامن.. انا بحكي وافضفض !
تبتر الحديث في دوران الفقد التي تحيا به بل تسقط في قاعه, ذلك الفقد الذي يلوح لها ويقترب خطوة .. خطوة!
تكمل وهي تلتفت في مواجهته .. تتأمل ملامحه :
-انا مش عاوزة غير اني اترمي على الكتف ده..
قالتها وهي تربت على كتفه الذي كانت منذ دقيقة أو اقل تتخذه عنوان..
-عاوزة اترمي هنا وانت تطبطب .. عاوزاك تسمعني..
تشهق ورغبة البكاء تنتصر وتقف مختالة أمامه , تعريها من كل جمود وتظهر **رتها أكثر :
-انا عاوزة مروان يا يا من..
يهز رأسه وهو يستقم من جانبها قائلا:
-حاضر ثواني هجيبه من اوضته..
تهز رأسها ايجابا وتهتف قبل أن يغادر:
-ابعت المربية بيه, عاوة ابقى معاه لوحدنا..
يطالعها باستفهام وقلبه يتأثر على حالته المنتهية في نظره.. فتبادر تمحي كل تعجب:
-اصله هيوحشني اوي..!
يؤلمه المعني وإن لم يظهر ذلك ولكن يؤلمه!
خرج يعطي أوامره للمربية وبعدها يسير بخطواته حيث حديقة المنزل يجلس بها, والذكريات تتضارب بين أنثى عشقها, وأنثى أحبته ونصبته سيدا على قلبها وجسدها بدون مقابل..
وأنثى كانت الوجه الأخر منه!
ولكن من أحبها انتصرت فيعود لذكرى زواجه الأول..
هناك في جامعته حيث صاحبة الخصلات الشقراء تسير برقتها .. تقترب دون الشعور بأحد..!
تلك التي رفرفت بنظراتها فأصابت قلبه بسهمها المسموم وهو كان أكثر من مرحب..
كانت تجلس معه بعد انتهاء المحاضرات تتلاعب بيدها في توتر..
تهتف بابتسامة خجولة:
-انت عاوز ايه ..
يقترب أكثر .. يده تمتد تلامس أناملها برفق وهو يعطيها ابتسامته.. في وله:
-بحبك يا شهر زاد..
تتفاجئ هي وترتعش يدها بين يده, ترتد للخلف بتصلب , تجاوبه ويدها الأخرى تمتد لخصلاتها ترجعها خلف أذنها , تردف بتقطع :
-وبعدين ..عاوزة امشي!
تحاول الرحيل وهو يرفض القرار , يجلسها مرة أخرى , يتشبث بأناملها باحتواء حنون .. يهمس وهمسه شغف:
-بحبك تتجوزيني!
اتسعت عينيها من جرأته فهتفت سريعاً:
-تعرف عني ايه عشان نتجوز ..!
يرفع كتفيه وهو يتحدث محافظاً على يدها بين يده دون تحرر وكأنه يخبرها أنه قيدها لا خلاص ولا تحرر..
يخبرها أنه استعمار لا يرضى سوى بالأرض كاملة وإلا فالحرب!
-عارف انك عايشة في شقة لوحدك , عارف انك ملكيش حد..
يكمل وهو يلمس قلبه:
-بس انا هبقى كل حد ليك ياشهر زد, انا هبقى كل حاجة ليك..
وشهر زاد هنا تضعف.. تسقط.. تهوى.. تعطيه موافقة بهزة رأٍس لا رجعة فيها ..
يحدث بعدها الزواج دون أن يخبر والده .. وهي ترضى ..
علم هو وعرف جيداً أنها تحتاج لسند, هي تحتاج لعائلة..
ووالده لن يرضى !
يض*ب بكل شيء عرض الحائط و تزوجها وسيضع الجميع أمام الأمر الواقع!
يتذكرها تتهمه بالوقاحة وهي تتلعثم, يتذكرها والكلمات تتخبط في فمها حين تخجل.. فتشهق .. فتبتعد بعد واهي.. وهي تتعثر في خطواتها ..
شهرزاد كانت كلوحة تسرق البهجة الملونة في حياته فتتلون هي بها ثم تمنحها له بسعادة وابتسامة يرتجف قلبه لذكرها!
وجودها كان السحر والحياة.. الواقع والهوى.. القلب والجسد!
حتى قلبه هذا كان لها وفيا, لم يقرب النساء ونفر منهم.. وبعد خيانتها كان يعتقد انها نهايته!
الذكريات كانت تتصارع داخله وتلك الذكريات السوداء تنحر الوردية بمقصلتها ف*نتصر وتخرج بشاعة روح ولدت داخله حينما خسر!
رنين هاتفه اخرجه من حالته عندما وجدها رانيا..
تلك الأنثى التي لا يفهمها بل هي لغز وهو ..
هو عاشق للألغاز وحل طلاسمها ورموزها!
يأتيه صوتها ببرود شديد:
-في أوراق محتاجة تتمضي يافندم, وحضرتك مجيتش الشركة..
يبتسم بعبث وهو يدور بعينيه حوله وكأنه بمغامرة:
-معلش أصل لسا كاتب كتابي..
يهديها **ت وهو يتوقف عن الإكمال ويبتسم ولا يعلم لما يشعر أن هذا الخبر سيسبب لها صدمة!
يسمع ابتلاعها لريقها وربما أو يتوهم لا يعرف أنها تتنفس بحدة!
يأتيه ردها الجامد :
-طيب حضرتك هتمضي الورق ازاي..
يغمض عين ويغلق الأخرى كذئب وهو يقول لها بتروي مخيف:
-تعاليلي البيت..
خرجت منها شهقة وصلته وزادت من استمتاعه فيكمل بتأني غير مبالي بصدمتها:
-مالك يا رانيا خايفة ليه انا في البيت هنا في مراتي وابني وناس شغالة..
يتوقف قائلا بنبرة متلكئة وعينيه يغمضها في استمتاع:
-خايفة..
تبادر سريعا وقد فهمت لعبته, بل تخبره بطريقة ملتوية أنها هنا تتلاعب كما هو! :
-الخوف احساس بطلت احسه..
يرفع حاجبه الأيسر تعجبا وإعجاباً بالرد يرد على ذلك بخفوت مثير لرهبة أصابتها:
-تعجبيني انا برده مبحبش الي بيخاف.. هستناك.. عاوز اشوف بنفسي مش بتخافي ولا لا..
يثير بها خوف من قادم مع هذا الرجل التي لا تعلم من أين لها بالنصر معه!
اغلق معها شاردا حوله حتي تذكر مريم..
مريم لعنته بذنب وتملك لا يعرف متي يزول, مريم الضد له..
تلك التي كان هواها كون الحب ظرف قدري للسعادة..
بينما هو كان كالفلاسفة يثيره بتحفظ وربما يراه سخرية وانتهى!
******************************
بداخلها حرب ولو ادعت انها بخير , بداخلها هناك في القلب .. الجسد .. الروح ..
تحترق ويلاتها ..
هناك بداخلها ضجيج ينثر بها شتات سقطة كانت فيها بلا إرادة وقرار!
طريقها كان محموم بشهوة امتازت ببشاعة سعارها, طريقها كان من حروف السقوط أسفل القاع حيث كل دنئ ..
حيث كل خاطي.
حيث كل قاتل!
تلمس قلبها ونبضه يرتفع.. نبضها يزداد بسرعة أو ربما تتخيل!
احلامها الملتحفة بالسواد واليأس مازالت تهاجمها ليلاً , تهاجمها في فجر أشرق بشمسه وأظلمت هي بصحوتها تصاحبها صرخة مكبوتة..
ترتجف وتتشنج ويهتز جسدها لذكرى تلوث يدها بالدماء..
ذكرى كونها قاتلة!
هذا الشيطان كان يقترب بابتسامة مختلة , يختلجها باقترابه رعب.. رهبة.. خوف ونفور, يكتنفها مرارة من شهوة يريدها أن تلبيها من أجل جرعة جديدة من الم**رات!
تستمع له وهو يلوح بيده هاتفاً بشراسة:
-وصل لك أهلك ريتا, وصل أهلك يا عصفورة!
تضيق نظراتها ولا يصلها المعنى , بينما أنفاسها شبه لاهثه .. تشعر باختناق لعين يكبل عنقها وينحره , يتصبب العرق من جسدها وهي ترتعش .. تهتز.. توشك على السقوط حيث هنا الحافة وخلفها النيران !
-وصلوا بل ويريدون تحريرك مني..
يتخلص من قميصه أمامها وهي تنكمش وظهرها يلامس الحائط وتسليته بنهاية وشيكة تقترب منه..
-لا تقلقي سأنالك مرة أخيرة وبعدها ..
يبتر الحديث وجنون عينيه يخبرها أنه يرد جز عنقها.. يريد تمزيقها حية..
ترتعد أكثر وهو يرفع سلاحه الناري يسلطه على رأسها من مسافته القريبة.. يطالعها بجنون:
-لن يصل لك أحد, ستنالين الموت على يدي..
تخرج صرختها أخيرا محملة بحزن والف صفحة من الوجع تسطر على حياتها:
-لما.. لما , بما اذيتك!
يهز رأٍسه .. يغمض عينيه بانتشاء, يستنشق هواء الغرفة المختنقة بلا رياح!
-هكذا, هكذا اكرهك أنت ملكي !
تصرخ بكل قوتها حيث يهرب الخوف ويندثر الرعب وتموت الرهبة.. ويزيد الوجع بجسدها يشطرها بسيوف مسمومة ..:
-انت مجنون, مجنون ..مختل أنت مختل الياس..
ت**ت وتكررها بصراخ أعلى :
-مجنون..
تنطقها دون توقف بل تعيدها وتكررها غير عابئة أو مدركة ليده التي امتدت تضغط على زناد سلاحه..
وحينها وقف الجنون من ل**نها وسالت الدماء من ساقها الأيسر, حلت هنا صرخة تشق **ت مدينة ملوثة غارقة بالخطايا والذنوب كما هي غارقة ..
تغمض عينيها وهو يتجرأ بيده , يعبث بأزرار بلوزتها وضحكته تلازمه كظله ..
ولكنها تبتعد قدر استطاعتها, تتحرر رغم استحالة الأمر, يتشتت هو وسيارات الشرطة بصوتها يصدح بالمكان, فتمتد يدها في جنون وتحرر لا تعلم من أين لها بهم وهي تمسك بسلاحه الذي يتركه متوتراً , مبتعداً عنها وهو يراقب ما يحدث من النافذة , تقرر وتصارع شتات روحها التي تراها مدنسة..
تنظر لظهره وهي تمسك بالسلاح بأنامل مرتعشة, ارتعاش كان يزول مع كل ذكرى..
يلتفت لها فيرتد بعنقه وهو يراها تمسك بسلاحه وملامحها تائهة منها!
-اعطني السلاح ريتا, اعطني!
ترتفع نظراتها له وكأن صوته يأتيها من مكان بعيد , بل هنا صوت واحد يسيطر على الأمر بالكامل:
-اقتليه.. مزقيه.. اقتليه..
ترفع يدها اليسرى تخبط على أذنها عدة مرات بعنف ..
والأصوات تتزايد:
-اقتليه.. اقتيله.. اقتليييه
ومع أخر صوت صارخ خرجت صرختها مع نقر الشرطة على الباب وهي تضغط على الزناد طلقة.. طلقتين.. ثلاثة.. أربعة !
وانتهى الرصاص من السلاح..
تنظر له وهو يسقط , بل هو سقط منذ الطلقة الأولى!
تبتسم وهي تنظر للشرطة التي اقتحمت المكان, تهز رأسها ملوحة بالسلاح وكأنها خارجة من ساحة حرب قتلت فيها العدو!
تبتسم وهي ترى كابوسها مسجى في دمائه , تتذكر ا****بها..
انتهاكها مرة تلو الأخرى.. احبارها على الادمان..
تظهر صورة بناتها فتهدأ الضحكة وتندثر لابتسامة!
-خديجة..
صوته أخرجها من ذكرياتها التي جلبت الوجع والدموع, تطبق شهقة خافته وهي تلتفت له , تتلاقى النظرات بين قلقة وشاردة تتدعي أنها بخير..
يجلس بالمقعد المجاور لها قائلا باهتمام:
-بتعيطي ليه..
لا تجيبه فيكمل هو بحس فكاهي:
-بتحبي النكد صح..
تعقد جبينها وهي تتأمله بحيرة فيكمل وهو يتصنع الأسف:
-هي الست ست تعشق النكد والعياط حتي لو تربية بره مصر.. سبحان الله جينات يا خديجة..
تضحك وروحه تجلب لها راحة , تمنحها هدوء تحتاجه نفسها المنهكة..
تردف وهي تتوقف عن البكاء ويدها تمتد لكوب العصير التي كانت ترتشف منه منذ دقائق:
-متعرفش تتكلم جد يا يوسف..
يهز رأسه وملامحه نافرة بزيف .. يعدل من رابطة عنقه بزهو .. ينحني برأٍسه , يرفرف بأهدابه , متصنعا الزهو:
-لا يا بنتي الجد ده في الشغل بس , اومال ايه انا مليش حل..
تضحك وتسحره الضحكة, يكتشف كم هي جميلة بل هي خلابة..
تدخل والدته وبرفقتها بنت عمه التي قدمت في زيارة غير مفهومة بالنسبة إليه.. بل ربما مفهومة وهي يتجاهل..
-ايه يا يوسف رجعت امتي يابني..
ينقر أعلى المنضدة وهو يختطف كأس العصير الخاص بخديجة من بين أناملها , يرتشفه مرة واحده قائلا بعدها وهو يطلق همهمة تدل على تلذذه:
-من ربعاية كده..
تقترب منه ابنة عمه تجلس هي أيضاً على إحدى المقاعد بأريحية تامة .. تتأمل خديجة بل هي تقيمها بنظرات متفحصة..
تهتف بابتسامة هادئة:
-ازيك يا خديجة حمد الله على السلامة.. زي القمر..
تهز الأخرى رأسها هامسة:
-شكرا على المجاملة الجميلة دي..
يتدخل يوسف في الحوار وهو الآن أكيد من سبب الزيارة..
-منورة يا دنيا..
يلتفت لخديجة قائلا بتعريف:
-دنيا بنت عمي واختي في الرضاعة..
تنكزه دنيا وهي تتأمل الجالسة بابتسامتها مشرقة :
-وهبقى حماة اي واحدة تتجوزها..
يسعل فترفع يدها تربت على ظهره بقوة قائلة:
-لا اهدى كده ..
يبتعد عنها رادفا وهو يستقم من مكانه :
-ما تروحي لعيالك يا دنيا بدل مانتي مقيمة هنا كده!
تتجاهله بابتسامة عريضة , فيوجه حديثه لخديجة:
-قومي البسي عندنا مشوار مهم..
يقع قلبها ونبضه يعلوا , وهي تسأل بنظراتها عن شيء ما.. دون حديث, فيجيبها سريعاً بنظراته! في حوار صامت..
ستذهب الآن لرؤية صغارها!
بعد نصف ساعة كانت تسير سيارته وهي تجاوره فيها.. شاردة بنظراتها..
تسمعه وهو يتحدث بهدوء ونظراته على الطريق دون النظر لها:
-تعرفي ان غسان ابو بناتك فرحان انك رجعت..
تبتسم وترتجف , تجيبه بارتعاش بابتسامة صادقة:
-غسان راجل استثنائي, متناقض بس راجل.. احلى حاجة عملتها لبناتي انه ابوهم
يلوي فمه , يرمقها بطرف عينيه , متعجباً من طريقة حديثها عنه..
بل هو متعجباً من كونها لم تحاول أن تحصل على توأمها بالقوة كونها تحمل الجنسية الامريكية والمصرية ..
يتعجب بل ويثار اعجابه وهي تتحدث عن طليقها بتلك الطريقة!
-تعرفي انك غريبة ..
تبادر سريعا متسائلة:
-ليه !
يهز كتفه وهو يتابع الطريق , يزم شفتيه قائلاً:
-يعني بتتكلمي عن طليقك بطريقة حلوة ..
تضحك ولا تعرف سبب الغرابة في ذلك :
-وايه الغريب في ده يا يوسف..
يشاركها الضحكة وهو يكمل ويبدي أسبابه:
-عارفة دنيا لما تكون زعلانة شوية من جوزها وتيجي هنا.. تلاقيها فتحت وصلة ..
تعقد حاجبيها فيعاود الحديث بطريقة دراميه مضحكة:
-وصلة انه منه لله , انه راجل أناني, وانه كان يوم مطلعتش فيه شمس لما فكرت تتجوزه..
بانتهاء حديثه تعالت ضحكتهم سوياً في صورة سعيدة بينما هي تقول بعد فترة صغيرة من الضحك:
-ولا تنسوا الفضل بينكم.. سارة عملتني كده..! والدين بيقول كده
لا يعلق بل يزداد اعجابه بها ولكنه يضيف:
-هو برده انسان محترم وكان مبسوط انك لقيتي عيلتك, وكان سعيد انك هترجعتي لبناتك..
تبتسم وصورة غسان تظهر امامها :
-متوقعتش منه غير الرد ده , غسان مختلف..
نبرتها محملة باحترام لوالد بناتها وهو يناله تأفف يخرج من شفتيه :
-على فكرة كل الناس مختلفة بقى ..
كانوا قد وصلوا أخيراً إلى هذا المنزل الذي مكثت به عام , وأكثر , هذا المنزل الذي حمل بأركانه ذكريات سعيدة مع توأمها..
تتلاشى ابتسامتها فجأة, وعيناها تتطوف بالبوابة الحديدية تفتشان عن مجهول!
قلبها يرتجف حائراً , خوف يعتريها ويتغلغل لقلبها وكل ما فيها متعب!
فجأة تشعر بتثاقل وبرودة أطرافها, تزفر باحتراق ..
تهدر بها ثوابت من حقها تلك الخطوة!
ويهدر بها صوت أن نحر أحلامها هنا عند تلك البوابة..
يتابعها هو باختناق لحالتها التي تواجه صراع مشتعل , يظهر على صفحات وجهها, يشفق ويتأثر ..!
يهمس بالقرب منها يتابع تشبثها بمقعدها داخل السيارة:
-مش هتنزلي..
تلتفت له وهي مشتتة , تقف عبراتها بلا قدرة علة التحرر أو الرجوع..
تهمس وهي تتصلب ككل:
-خايفة.. خايفة اوي.. خايفة البنات يرفضوني..
تعتريه دهشة لحالتها ولكنه يكمل بهدوء , يبثها بعض الاطمئنان المفقود منها كما أوصاه عثمان:
-هندخل وهنشوف.. بس الي انا متأكد منه ان حنانك هيقلب الميزان.. حتي لو رفضوا..
تتجاهل نصف حديثه وتلتقط كلمته الأخيرة مكررة :
-هيرفضوني..
يغمض عينيه مكملاً :
-لو رفضوا مرة هنرجع ميت مرة, حنانك مش هيخليهم يرفضوكي, على كلامك مكملوش تلات سنين!
يسود ال**ت داخل سيارته ولكنها تبتر كل ذلك بصرخة:
-عاوزرة اكلم سارة!
يمتثل لما تقول .. يمسك بهاتفه .. يض*ب رقم عثمان ..
يأتيه صوته بعد فترة قصيرة:
-كيف خالك يوسف؟ هل خديجة بخير؟!
يجيبه يوسف وهو ينظر لخديجة المنكمشة على حالها .. وجسدها يرتعش:
-بخير, ولكن خديجة تريد التحدث مع سارة..
يأتيه صوتها فيعطيها هاتفه المحمول .. يستمع لها وهي تقول بارتعاش:
-يوسف ممكن تنزل من العربية..
يحترم خصوصيتها ويمتثل لطلبها, تعاود هي الحديث مع سارة:
-سارة أنا احتاجك.. احتاجك..
يأتيها صوت سارة وصورتها ترتسم أمامها :
-ماذا هناك خديجة؟ انت بخير اليس كذلك..
تهز رأسها نفياً وكأنها تراها.. تهمس بشهقة باكية.. مختنقة:
-انا بين وبين بناتي الآن خطوات قليلة, وثواني معدودة.. ولكن انا خائفة.. انا مشتتة..
ت**ت وهي تلتقط أنفاسها مكملة:
-انا اريد العودة لكم.. انا خائفة..
كلماتها كانت كفتاة صغيرة ضائعة , وسارة تعلم أي ضياع تحيا به..
-وماذا عن صغارك, ألا يحتاجون لكِ..
تشحب ملامحها وهي تتابع ما داخل البوابة باشتياق .. رغم ذعرها من كل ما يحدث!
-لقد زارني ف الكابوس, بل أنا قتلته بكابوسي , أنا لطخت يدي بدمائه..
تتعثر بالبكاء بلا توقف, تضع يدها أعلى ثغرها وجسدها يهتز..
تهمس بوجع:
-انا خائفة.
يأتيها رد سارة كبلسم , كثلج هطل على النيران:
-تخافين ومعك الله ! لا تخافي خديجة ابنتنا لا تخاف!
ت**ت وتهديها مساحة استيعاب وتكمل بعدها بحزم:
-ابنتي قوية, ستحصل على بناتها وتعلمهم دينهم كما فعلت معها.. اليس كذلك..
تهتف خديجة وهي تهدأ رويداً .. رويداً..
-اجل انا قوية, انا قوية سارة..
-هذه هي ابنتنا..
تغلق مع سارة .. تستعيد ثباتها.. تذكر الله مرة تلو الأخرى..
تخرج من السيارة .. تقف أمام يوسف قائلة:
-يلا ندخل يا يوسف .. بناتي وحشوني!
**********************************
الرفض هو ما كان منها بعد أن عرض عليها شقيقها عرض الزواج من قاسم..
رفضته وهي لا تبالي كونه مميز ورجل على حق, رفضته وهي تعلم بذلك أنها قد تخسر رجل رائع مثله..
أجل رائع فمنذ أن رفضته وهو يعاملها وكأن شيئاً لم يكن..
يبتسم كلما وقع نظره عليها, يحيها بهزة رأس وعينيه يكتنفها حنان نابع منها وفيها!
تشعر انها لم تتوب بعد هناك العديد من اللعنات والخطايا في حق غيرها يجب التخلص منها, تشعر أنها مازالت في طور موسى ولعنته, تشعر أنها لا تقوى على بدأ حياة جديدة مع شخص كقاسم وقلبها به رتوش غيره كو**ة تركت ندبتها دون زوال..
تتأفف ولم تلحق اليوم شروق الشمس كعادتها منذ عودتها للمنزل , ذلك الشروق الذي تسجد فيه للخالق تشكي همها وتبثه ما يؤلمها..
طريق الندم مازالت هي عالقة فيها كعلكة لزجة تسعى للخلاص ولا فائدة..
تلمس قلبها وهي تكاد تبكي تتساءل متى الراحة!
طرق على باب غرفتها تلاه دخوله بهيئته المهيبة ..
تتابعه وهو يقترب ثم يجلس بالقرب منها على مقعد ملاصق لمكتبها.. يزفر وهو يرخي رابطة عنقه ويده تنقر أعلى يد المقعد الجالس عليه..:
-في حد في حياتك ..
سؤال مباشر.. صريح لم تتوقع الحصول عليها منها.
لم تنبس بحرف بينما هو يطوقها ببصره بل يشملها كلها في محاولة منه لمعرفة حقيقة لا يعرف لما يصر عليها..
هو رجل مستقيم بطريقته .. ربما تقليدي لا يستهويه قصص الحب والهوى ولا يؤمن بتلك النظرية المنصوبة من حب النظرة..
ولكنها تزعزعه وتثير فيه شيء مختلف.., يزفر باختناق من حالته تلك ثم يستقيم من مكانه وهو يركن بكلتا مرفقيه على حافة المكتب , يعلم أن حالته جنون .. جنون لم يعتاد عليه ولم تطئ قدمه به..
-يمسح وجهه براحة يده ويعاود النظر لها وهي تتابع بأعين متسعه , هي الأخرى تتعجب مما هو فيه..:
-انا اسف لو بتدخل , بس انا تعودت اواجه, اقطع عرق واسيح دم زي مابيقولوا..
تهز رأسها .. تحاول استيعاب ما يلفظه من حروف ..
يجلس مرة أخرى وهو يتابع:
-لو مفيش حد في حياتك هستنى , انا عارف انك خارجة من تجربة طلاق.. واكيد لتجربة دي مش سهلة على اي بنت..
تهز رأٍسها بابتسامة ساخرة لم يلاحظها, ماذا لو عرف الباقي..
هل تخبره أنها ليست تلك الملاك الذي يظنه..
هل تخبره بها كونها كانت في ما مضى لعوب!
هل تخبره بخطيئتها وسقطتها وذلتها , عن ذلك الطفل الذي لفظته من رحمها جبراً لأن والده رفضه كونه أتى بالحرام!
تغمض عينيها وهي تحجب عنه ذلك الصراع الدائر بها, تتمالك حالها وهي تتابع.. بهزة طفيفة بها مسحة ألم:
-لا مفيش حد في حياتي ..
ت**ت ويدها تتلاعب بازارا حاسوبها بشرود ثم تتابع الحديث بمنطق أعجبه:
-بس لسا جوايا ماضي مخلصش فيه رتوش , فيه بقايا وجع
تبتسم وهي ترفع نظرها له فتتعجب من نظرته المهتمة ..:
-بص ياقاسم انا معنديش اعتراض عليك , بس انت متستحقش اتجوزك وانا جوايا كل ده..
يود ل**نه أن يتمرد فيخبرها أنه يقبل وعلى استعداد للمداواة ولكن ملامحه بقيت على حالتها في **ت , تتطرق هي بتساؤل :
-انت تقدر تتجوزني كده...
ينفي سريعا برأسه فتصيبها خيبة ولكنه قطع السكون وهو يستقيم من جلسته يشرف عليها بطوله , يخبرها بطريقة مبطنه أأنه يستحيل التخلص منه, لقد وقع بطريقة ما بها ولا يهمه معرفة الطريقة:
-انا اقدر اتجوزك كده بس لو عندك استعداد تنسى..
يلتقط أنفاسه مكملا:
-تتخطي, تتابعي من غير ما تبصي وراكي يانورا..
يبتعد ينوي المغادرة ويطلق قبلها كلمته الأخيرة:
-لما تبقى مستعدة هعرف ووقتها هتقدم تاني!
---يرحل عنها وهي خلفه تتابع ببصرها دون أن ترف عينيها, تود أن تعرف ما يدور داخله وكيف تقبل كل ما قالته هكذا ببساطة..
تغمض عينيها للحظة وهي تستل هاتفها دون وعي تطلب أثير..
يأتيها صوتها تهتف بنزق ومزاج داكن تعرف سببه:
-ايوه يانورا عاملة ايه..
تجاوب وهي تلف حول نفسها بالغرفة حتى استقرت عند النافذة فتجده وهو يصعد لسيارته ويرحل , تركز عليه حتى يختفي طيفه :
-قاسم كان هنا .. وسألني لو في حد في حياتي..
تبادر أُثير سريعا:
-وبعدين قلتي ايه..
تضحك بصوت عالي وعبراتها تتمرد .. ترفع أناملها تمسحه تردف بوجع:
-كنت عاوزة احكيله كل حاجة عني ..
تشعر بأُثير تهب من مكانها وصرخة تص*ر منها عبر الهاتف :
-انت اتجننتي تحكيله ايه ..