_فريدة لما لا تتحدثي معي.. هل أمثل الهواء لك؟ كنا نتحدث منذ قليل..
نفخت فريدة ويدها تمسك بالباذنجان عاملة على تفريغه من أجل الحشو..
_اذهبي بعيدًا ما ينقصني أن أتحدث مع عفريته مرة أخرى
صرخت بها وهي تنقر الأرض بقدمها
_جنية انا جنية لا عفريته..
لوت فمها وهي تمسك بالسكين ملوحة به أمامها متابعة بتهكم:
_اخبرتك الف مرة لا فرق بالنسبة لي
تلاعبت بخصلاتها الحمراء المشعثة بينما أناملها تمر على فستانها الأحمر هامسة بنبرة ظهرت لفريدة مضحكة:
_جنية أرق.. انطقيها..ج..ن...ي..ة..
ت**ت ملتفته لها تتابعها باعادة:
_هيا.. ج.. ن..ي..ة..
وفريدة في موعد انهيار الهدوء وثورة الهرمونات التي تشن حربها كل شهر بزوبعة..
_ع..ف..ر..ي..ت..ه.. عفريته...
دخل زوجها في تلك اللحظة بنظرة مشتاق فيتفاجأ بزوجته المتحدثة لثمرة الباذنجان فينتابه الشك مقتربا منه :
_مع من تتحدثين حبيتي؟
تص*ر له نظرة هوجاء منذرة بحرب هرموناتها المعروفة .. يتأملها وتلك النظرة يعرفها منذ عشرة أعوام... فيتابع مرة أخرى متسائلا بقلق:
_هل بك شيء ما؟
والإجابة تطلقها كرصاص يلاحقه نظرة قاتمة وسكينها يلوح بيدها بينما حديث الجنية الصباحي آثار بها الكثير:
_اذا كنت منحتني بعض الإهتمام لكنت علمت ولكن ماذا أقول..
ت**ت لتكمل هي بينما الجنية تكمل بدلا بصوت ساخر
_الاهتمام لا يطلب ياغسان ..
تلتفت لها هامسة تحت أنظار زوجها :
_ا**تي هذا زوجي انا لا انت..
تلتفت لزوجها المفتوح فاهه من حالو زوجته..متابعة:
_الاهتمام لا يطلب يا غسان .. اخرج من مطبخي لا اطيق احد الآن..
خرج غسان مسرعًا بينما الجنية تهتف لها بثرثرة نساء :
_انا اشك بزوجك يا فريدة .. هل تعتقدي ابتسام التي تعمل معه وتحضر له بعض شطائر الجبن بالخيار هي السبب.. هل تحاول سلب زوجك..؟
ولكن رغم كل شيء فريدة تثق في غسان أحيانا تشك به ولكنها في نفس الوقت تثق به .. هكذا المرأة مختلقة التناقضات ..
************************
الفطير المشلتت كما يطلق عليه صعب للغاية, الأمر مرهق وطاقتها كامرأة باتت تنفذ منها سريعًا ..
تدور بمطبخها حول طاولة تتوسطه بينما يدها تعمل على عمل الفطير وضبطه, العرق يتساقط منها , أنفاسها متهدجة للغاية ..
هتفت الجنية من خلفها بنبرة تمسها الشفقة:
-دعيني أساعدك يا فريدة..
أجابتها دون أن تلتفت لها وهي منهمكة في العمل:
-لا دخل لك بي الأن , سأكررها لك أنا لا أحب أن يساعدني أحد بعملي..
حاولت الجنية الإعتراض إلا أن الأخرى قاطعتها بصوت أقرب للصراخ:
-ابتعدي عني عفاريت الدنيا تقفز أمامي الآن..
تخصرت الجنية تلوي فمها وعينيها تتسع بحدة في مواجهتها ونبرتها تغاير النعومة :
-عار عليك يا فريدة وهل يجرؤ عفريت واحد أن يقفز أمامك.. و أنا هنا ..
لم تلتفت لها , لا تنتبه, لا ترى أمامها سوى تقريع حماتها المتعارف عليه..
ستأتي وتذم في الفطير التي تعبت في صنعه, ولن تتناول منه وسينتهي الأمر سريعًا بنوبة بكاء لها تهاجمها ما أن ينام كل من في منزل ككل مرة.
دخل زوجها في تلك اللحظة هاتفًا لها بصوت خفيض بينما هي تضع الفطير بالفرن :
-هل انتهى الفطير يا فريدة لقد أتت أمي..
التفتت له بابتسامة مقتضبة وكلها متوترة من تلك الزيارة , تشعر أن تلك المرة تختلف وتحمل لها السوء..
لم تمهلها حماتها الفرصة للإجابة والتشتت بل اقتحمت المطبخ فجأة هاتفة بنبرة عالية حادة :
-ماذا يا فريدة إلى الآن لم ينتهى الفطير..
الجمتها الصدمة بينما حماتها تزيد بحاجب مرفوع ونبرة ساخرة من كل شيء ومن كل جهد.. ونظراتها مغموسة في النفور من كل شيء حولها:
-وما هذا المنظر, المطبخ يعج بالفوضى , لا شيء مرتب لا شيء إطلاقًا..
الوجع ينحر فريدة من الداخل بينما ملامحها تجاهد الحفاظ على الابتسام, هي تريد الراحة فقط بعض السلام , ألا تستحق!؛ تبتلع الكلمات داخل جوفها بحسرة.. كما تفعل دائمًا..
تدخل غسان بينما والدته تذهب لقطعة الجبن التي أخرجته فريدة منذ قليل من الجرة الخاصة بال(مش), تتذوقه بملامح يغلفها استنكار وولدها يردف بنبرة خفيضة:
-أمي بالله عليك ..
يستجديها ال**ت..
التنحي بعيدًا عن حياته..
يستجديها راحة يحصل عليها بشق الأنفس في دائرة الحياة.. فالحياة كالطاحونة المسننة بحدة تشتعل ببريقها فرحًا في التهام البشر داخلها..
الحياة مرهقة للغاية..
-لا أعلم لمَ تحيا تلك الحياة, زوجة مهملة انظر إلى الشقة والاتربة , انظر إلى مظهرها , وهذا الجبن التي صدعتنا به أنه خلطة سرية..
تبتر الحديث مكملة ملامح النفور وكأنها تتذوق العلقم..
-المذاق مق*ف للغاية , وهي فقط تتباهي والدتي من صنعته , انا معي سر الخلطة..
عند ذكر والدتها لم تملك ال**ت ولا ال**ود, حماتها تريد الرقص على أنقاض منزلها فمرحبًا..
-لا تذكري والدتي أبدًا بتلك الطريقة..
خرج منها الحديث بجمود بينما الأم تستغل كل ما يدور..
هي تكره فريدة, تكرهها ولا تريدها , ولدها صار بمكانة افضل يليق به زوجة اخرى..
-تعدلين على طريقة حديثي ..
تلتفت لولدها مكملة بحدة :
-ستطلقها وتتزوج ممن اخترتها لك!
صرخ بحدة اربكتها للحظة ولكنها لم تظهر ذلك:
-أمي..
أراد أن يكمل الحديث بينما رائحة احتراق الفطير تقطع كل شيء..
التفتت فريدة للفطير التي بذلت فيه جهد كبير , تتأمله وهو أمامها محترق , وكأنها هي محترقة مع ذكر الزواج بأخرى وطلاقها..
تكاد تدمع عيناها و**ت عشرة أعوام يهددها بالصراخ بل والإمساك بمطرقة فينهال المعبد على من فيه..
-أرأيت حتى الفطير لم تستطيع الالتفات له..
ولدها في تلك اللحظة مصعوق من والدته للغاية, علم الآن سبب زيارتها..
القى نظرة على فريدة وهي تنظر للفطير وبقلب متألم لأجلها هتف بوالدته:
-غادري الآن أماه..
الجنية في تلك اللحظة شاهدة على كل شيء تهتف لفريدة بشر مطلق:
-اعطني فقط الأمر وأقتلها الآن..
لم تجيبها فريدة .. شاردة أمامها في حين أن حماتها رحلت بالفعل..
دخل غسان المطبخ بملامح باهته , اقترب منها قليلًا في محاولة للحديث لم يجد لها منفذ:
-فريدة لا تغضبي.. أنت تعرفين..
يده كانت تربت على ظهرها بحنان ولكنها التفتت له بحدة صارخة بصوت لم يلمحه منها من قبل:
-والدتك تخطط لزواجك بأخرى..
تلتقط أنفاسها بحدة بينما جسدها كله يلتفت له :
-تتزوج علي انا..
تضحك بسخرية والجنية في تلك الحظة تدرك أن مكانها الجرة خارج تلك المواجهة :
- غسان متى كنت تنوي إخباري..
اقترب منها , يحاول أن يحتويها, أن يطمئنها ولكنها ابتعدت عنه :
-لم أقبل بذلك , ولن أٌقبل..
بكت رغمًا عنها, بكت وعبراتها تلك المرة لا تختبئ , بكت وكل ما مر بها منذ عشرة أعوام يواجها ..
يطاردها..
يقتلها..
تهتف من شرود ذكريات تهيم بها رغمًا عنها:
-ومع الإلحاح ستقبل , لا يوجد رجل منيع يا زوجي العزيز..
-لا لن أقبل , أبدًا , رغم تباعدك في السنوات الأخيرة ولكنني لا أقبل..
صرخت به تحرر نفسها منه, تعانق بصره , تحتله, تبحث عن نفسها ولا تجدها, تبحث عن صورتها القديمة ولا تراها.., تبحث وتبحث ولا إجابة..
-تباعدي..
تنطقها ويدها اليمني تطرق ص*رها بحدة وعنف, تكررها بيأس , بألم, بنفاذ طاقة:
-تباعدي أنا ..
تكمل البكاء والجنية في تلك اللحظة تتحرر من جرتها وتخرج لها تلمسها, تمنحها هدوء, تحاول أن تستوعب منها أي حزن ..
وفريدة هنا خارج نطاق الاحتواء, هي ككل أنثى مستنفذة , ضائعة, مجروحة, متألمة, منقسمة لنصفين وأكثر..
-هل سألتني يومًا ما , ما بك يا فريدة؟!, هل منحتني يومًا اعتذرا عن حديث والدتك المجحف بحقي؟ , هل بحثت عني ياغسان ؟
همس بتشتت:
-أبحث عنك..
هزت رأسها والعين لا تفارق العين بل هي مكملة:
-أجل تبحث عن فريدة الأنثى المشرقة التي تزوجتها.. هل سألتني يوما ماذا أريد؟
-أنت لم تشكي يومًا , لم تطلبي شيء, ظننتك بخير..
صرخت بها وصوتها يعلوا أكثر , صوتها يملأ أرجاء الشقة:
-لم أشكي لأنني كنت أرعاك, لم أ تحدث حتى لا أثقل عليك, لم أبكي حتى لا أِشغلك بي, لم أتذمر حتى لا أحملك فوق طاقتك يا غسان ..
تمرده كرجل وهي تخرجه في هيئة شيطان ومذنب القصة يفوز , كلماتها أشعرته بالعجز وربما أكثر:
-لا تخرجيني بصورة المذنب يا فريدة , انت بعيدة عني منذ كثير ورغم ذلك رفضت الزواج بأخرى.
صفقت بيدها صارخة :
-يا فرحتي, ربما يجب أن ارقص , وأشكر الله على ما فعلته..
انتهت من حديثها وال**ت بعدها دام لدقائق, قطعه هو بنبرة هادئة:
-فريدة ما رأيك لو ننام الان و*دا نكمل حديثنا..
اتسعت عينيها بصدمة , ورده لا يعجبها , رده تراه تجاهل رغم أنه لا يتجاهل..
-نام أنت مع ابنائك يا سيد غسان , أنا راحلة..
قالت كلمتها الاخيرة بطريقة درامية والحقيقة أن الجنية لم تملك القدرة على عدم التدخل وهي تمليها الحديث وفريدة تطيعها لأول مرة , اقترب منها ليهدئها فكلمة راحلةصدمته :
-اهدئي حبيبتي راحلة إلى أين؟
ابتعدت عنه عدة خطوات قبل أن تلتفت له بنظرة ت**يم تقول له ما تمليه عليه عفريتتها:
-سأذهب لمنزل والدي , وابنائك ها هم عندك , سأحصل على اجازتي على مدى العشر سنوات الماضية ..
ت**ت ونظرتها جامدة خالية من خلط المشاعر مكملة حديث لم تكن تلفظه لو انها وحدها:
-سأغيب عشرة أيام وبعدها سأعود يا غسان , وإذا اعترضت..
تبتر الحديث بضحكة متهكمة :
-اذهب إذا وتزوج من العروس الجديدة ومعك ابنائك..
لم تمهله الاستيعاب , فقط هرولت للخارج ملتقطة حقيبة صغيرة حملت بها بعض الملابس وبعدها رحلت ومع انغلاق الباب كان قد استوعب أنه ربما خسرها..
**************************
في منزل والدتها بعد عراك مع الاتربة والغبار وخيوط العنكبوت كان الأمر يشبه المعركة ، معركة لسنوات عمرها التي مرت من جوارها دون أن تملك القدرة على رؤية الجمال بها، معركة زوجها الذي ربما اقتربت من خسارته، معركة مع نفسها هي .. وسؤال يداهمها مع كل ركن تقم بتنظيفه أين الخطأ؟
الشقة باتت صالحة للاستخدام استرخت متعبة على سريرها وهي صغيرة تتأمل الغرفة التي غابت عنها منذ سنوات, تلتفت للجنية التي لازمتها تلك الليلة, تعتدل بجلستها قائلة:
-لا أعلم كيف طاوعتك تلك المرة وتركت ابنائي, لقد اشتقت لهم منذ الان..
جلست الاخرى بالقرب منها قائلة بترقب واقتراح أشرق بتفكيرها:
-ما رأيك لو تواصلتِ مع صديقات والدتك.. ربما نجد لديهم النصيحة، والدتك كانت تلجأ لهم..
عقدت حاجبيها بحيرة هامسة باستفسار:
-من؟
ترفع يدها لأعلى بطريقة مسرحية :
-الكبيرة والرائقة..
*************************
الكبيرة والرائقة هم أصدقاء والدتها من زمن طويل, اتصلت بهم من اجل اللقاء , تلتمس بالحديث معهم ربما روح والدتها..
هي انثى مشتتة , تائهة, ولا تجد من يخبرها بالخطوة الصحيحة , من يساعدها وينتشلها من غرقها..
عندما تواصلت معهم كانت الكبيرة هي من أجابتها , الكبيرة مرحة, ودودة للغاية وسريعة في أن تجعلك تألفها وتحبها..
طبيعتها تخرج بلا قيد ، وقد توبخك كابنتها..
الرائقة هادئة صغيرة في السن عن الأخرى تحتوي بهدوء، تستمع بصبر؛ ولا تختلف في مرحها عن الكبيرة..ودودة .. وصبورة..
أخبرتهم أنها تريد رؤيتهم فاقترحت أن يأتوا هم لمقابلتها بمنزل والدتها..وكانت منهم الموافقة..
*****************************
امرأتان جميلتان, عندما أتوا للمرة الأولى وهي تفتح الباب لهما لاحظت ابتسامتهما المشرقة, نظراتهما الدافئة, شعرت أن هناك داخلهم حياة ع**ها.. !
هتفت الكبيرة بعد أن وضعت أمامهم الغذاء :
-طعامك يشبه والدتك..
تبتر الحديث مكملة بمرح:
-هل تشبينها أيضًا في كونها لا تحب أن تتلقى يد العون في أعمال المنزل..
لم تكد أن تجبيها بينما الجنية تصرخ:
-أجل يا كبيرة أجل...
همست هي لها بصوت خفيض حتى لا يلاحظوا:
-ا**تي , لا أريد سماعك ..
تدخلت الرائقة مضيفة بضحك لا يتوقف:
-لا تقولي أيضًا أن هناك جنية حولنا..
لم تمنحهم الاجابة ولكنها أيقنت أنهما بالفعل الأقرب لوالدتها..
بعد الغذاء جلسن في شرفة المنزل يترشفن الشاي المنكه بالنعناع قبل أن تسأل الكبيرة :
-احكي يا ابنة عنايات , لما انت هنا بعيدًا عن زوجك وابنائك؟
السؤال كان بداية الانفجار , سردت لهم كل شيء, سردت القصة والحكاية, غامت بفرح في ذكرى ما, وحزن بأخرى , عبراتها كانت تشق وجنتها , وأناملها تمحيها بسرعة..
انتهت من السرد بينما الرائقة تهتف باستفهام مباشر :
-والدة زوجك تخطط لزواجه مرة أخرى ..
هزت فريدة رأسها فتكمل الاخرى بنبرة تعانق الاستنكار:
-وانت من شدة ذكائك أتيت إلى هنا، تركتي زوجك وأبنائك وأتيت هنا..
لهجتها سربت لخلاياها مشاعر الندم, الكبيرة لم ترحمها وهي تكمل:
-بدلًا من أن تحلى مشاكلك مع زوجك , تجلسي معه , تتفاهمين معه أتيت هنا هاربة..
شعرت أن حوارهم معها تقريع , صرخت تدافع عن حالها:
-تعبت, انا تعبت حقًا..
تبكي ومن بين البكاء والانهيار خرج صوتها بهمس:
-لما لم يشعر بي, وبما أريده.. ؟ , لما لم يبحث عني عن تلك الانثى التي تزوجها؟
هتفت الرائقة ببساطة .. تهز كتفيها لأعلى وهي تكمل الشاي باسترخاء:
-لأن الرجال لا يفهمون يا فريدة, صعوبة الحياة وضغوطاتها حصرتهم بدائرة ملتهبة لا ترحم..
تبتر الحديث.. تنم شفتيها.. تكمل بفتور:
_الرجال يريدون وينشدون القول المباشر التلميح لاينفع معهم..
أكملت الكبيرة مستلمة الدفة من صديقتها وهي تهديها ابتسامة حانية :
-الرجال يجب أن تخبريهم مباشرة عزيزتي.. تذهبي له تقفي أمامه وتصرخي بطلبك وحزنك..
لا تفهمهم تحاول أن تستوعب ما يقال , تنظر لهم بترقب لقول المزيد والكبيرة تضيف:
-اخبريني متى كانت أخرة مرة جلست مع زوجك تتحدثون عن حياتكم , ذكرياتكم, متى اخر مرة شكوت له بما يؤلمك ..
هتفت بحقيقة لا تعرف سواها:
-ولا مرة ..
قاطعت الرائقة بتعجب:
-لما؟
احنت رأسها وخصلاتها الغجرية تدلى على ملامحها الشبيه بوالدتها :
-احبه.. كنت اضحي فلا اخبره بأشياء تزيد من ثقله..
تلاحقها بهجوم لا يرحم:
_وهل خلقك الله لتعذبي نفسك الحياة مشاركة يافريدة، أنت تحملين عنه وهو بالمثل..
تكمل الرائقة بعدها مباشرة:
_اذا كنت تحبيه فيجب أن تذهبي لمنزلك وتبقي على أرض المعركة يافريدة..
سألت وهي مشتتة , حائرة، تشعر أنها كانت مغيبة:
-ولما يجب أن يكن هناك حرب ومعركة.. لما ليست الامور بسيطة
فتجيبها الكبيرة ببساطة شديدة , بكلمة واحدة تختزل داخلها الحقائق:
-لأنها الحياة يا فريدة..
ت**ت وتتابع لها:
-الحياة خلطة سحرية يا فريدة, الرجل والمرأة ومعهم الحياة, أحيانا تُغلف الخلطة بالحياة التي تخنق الطرفين , واحيانا الرجل من ينتصر فيبقى صورة ذكورية واحيانا المرأة تنتصرفتكنالصورة نسوية..
..
تبتر الحديث متذوقة قطعة حلوى , تص*ر همهمة من لذتها متابعة بعدها :
-المرأة في تلك الخلطة هي الطرف الأقوى لو أرادت الفوز, المرأة الأذكى والأفضل.. المرأة الذكية هي من توازن المعادلة فلا تترك الحياة تغلبهم ولا نفسها ولا زوجها..
تمسك الرائقة بيدها , تربت أعلاها برفق مكملة بدلًا عن صديقتها:
-بيدك انت يا فريدة أن تقلبي المعادلة وأول الخطوات هو الوقوف على أرض المعركة.. إياك أن تغادري منزلك مرة أخرى..
تدخلت الجنية الشاهدة على اللقاء وهي تهز جسدها هاتفة بمرح:
-ارقصي له يا فوفو..
وتلك المرة فريدة ضحكت ولم تعترض..
****************
الأيام التالية لهذا اليوم كانت تلتقي بصديقات والدتها , تخرج معهم, تفهم منهم ما لا تفهمه بالحياة, عرفت منهم سر ذلك البريق النافذ من نظراتهم , انهم يتقنون الخلطة..
لا تنسى صوت الكبيرة وهي تغلق معها المكالمة ا****عية على تطبيق الماسنجر:
-ارقصي يا فريدة في كل وقت , واتقني الخلطة..
بينما ضيف الرائقة بمرح:
-اسعدي نفسك , لأنها تستحق, اخبري زوجك بكل ما قد يزعجك, اعرفي منه أيضًا ما يزعجه..
تطلق تنهيده والكبيرة تضيف الختام:
-اخلقي حياة...
*****************************
اليوم هو التاسع وهو في إجازة من عمله, مسؤولية المنزل كبيرة , الاهتمام بثلاثة أولاد ذكور في عمر صغير, مرهق وللغاية..
والدته اغلق معها كل السبل بل واخبرها صراحة أنه هو سيأتي لزيارتها لا تأتي هي له..
شقيقته أيضًا سافرت بالخارج بعد تعب ابنتها الكبرى نفسيًا وعندما ارادت والدته أن تعترض, اخبرتها صريحة:
-طوال عمري استمع لك أمي والنتيجة كما ترين منزلي كاد أن ينتهي وماهو شقيقي الأصغر على شفاالنهاية, رجاء أماه هذا يكفي..اتركينا بسلام..
تن*د وهو عائد من الخارج وذكرى هذا اليوم لايفارقه ، شقيقته كانت قاسية ووالدته اصابتها الصدمة ورغم ذلك تلح في زواجه مرة أخرى!
اقترب من العقار القاطن به داعيًا من الله أن يكن أبنائه بخير..
دخل المنزل بلهفه فقابلته رائحة طعام لا تقاوم, هل أتت والدته لتساعده؟
خياله لا يرى فريدة في المعادلة..، لقد حظرته من كل الارقام ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو رغم كل شيء أدرك أنها تحتاج مساحة..
الأيام الماضية راجع فيها ماكان منه على مدار عشرة اعوام والذكريات تجلده.. تواجهه.. تصرخ به .. أجل أنت الظالم في القصة..
كاد ينادي باسم والدته ولكنه تجمد مكانه وهو يرى أمامه زوجته فريدة..
كما هي لم تختلف عم آخر مرة ولكن مهلًا هناك فرق؛ هناك بريق.. هناك حياة..
الآن فقط ادرك أنها كانت تحيا معه بلا حياة!
-فريدة..
همسها باشتياق , اقترب منها بحذر , معيدًا الهمس بلوعة وجسده يود اقتناص العناق:
-فريدة..
وتلك المرة ابتسمت, ما يراه الآن انثى مشرقة وللغاية .. اقترب أكثر لمسها بيده وابتسامته فتحت أمامه باب الأمل:
-لقد عدت إلينا..
هزت رأسها بالإيجاب, فجذبها لعناقه ولم يفلتها لدقيقة وأكثر , أبعدها عنه وشفتيه تلمسها برقة , بهدوء , ببساطة:
-اشتقت إليك..
_وانا أيضا
هتف بأمل ويده تمر على ملامحهابشوق تعجبت منه (هل يحبها لتلك الدرجة):
-لن تذهبي مرة أخرى , أنا احبك كثيرًا..المنزل دونك خاوي لا حياة فيه..
امسكت يده , عانقتها ونظرتها دافئة والندم يقتلها أنها اضاعت فرصها في الاعوام السابقة بأن تحيا معه سر الخلطة!:
-لا , لن أذهب أين أذهب وأنا احبك..
وبعيدًا من إحدى الزوايا كانت الجنية تراقب بامتعاض, رادفة بتذمر:
-تحبيه يا معتوهة, اخبرتها أن ترقص لا تخبره أنها تحبه..
*****************************
ليلًا بعد جلسة طويلة, جلسة كانت الأولى بينهم , كل فرد منهم أخرج ما بداخله للأخر, التفاهم النسبي الذي وصلوا له سويًا كان مرضي وأكثر..
كان مسترخيًا على السرير وأنامله تعبث بالهاتف بدون اهتمام.., بينما صوت خلخال زوجته الجديد يشق سكون الغرفة, وجدها أمامه بهيئة مغوية للغاية, تمنحه ابتسامة , خصلاتها نار تلتهم ملامحها الناعمة .. رمى هاتفه وقفز من مكانه يقف أمامها.. يدور حولها.. يتأملها بشغف:
-هل سقط القمر بغرف*نا ..
تخصرت هاتفة بشر مضحك:
-وهل اليوم فقط أنا قمر؟ ..
شاهد تغير مزاجها فسارع لها يرضيها وهي تتقن الدلال بحدود كما أخبرتها الكبيرة والرائقة ..
-أنا اراك جميلة دائمًا حبيبتي ..
منحته ابتسامة وهي تلتفت له متحدثة بزهو تسرب لها من صدقه في كونه يراهاجميلة دائمًا:
-سأرقص لك , ما رأيك..؟
هتفت الجنية من المطبخ بغيظ:
-وهل يطول بن شفيقة أن ترقصي له ..
وكانت الرقصة والكلمات تتحرك مع خصرها..
قاسي قاسي وجرح احساسي
راح اسيبه ياقسي وهبكي عينيه
ناسي ناسي حبي واخلاصي
راح اسيبه يقاسي مش هابكي عليه
جاى تاني ليه هو فاكر قلبي ايه
مش هاروح له مش هاسامحه مش هاحن اليه
جاني شاكي جاني حاكي
جاني باكي بدموع عينيه
وانا مالي طب وانا مالي
هو انا كنت باصعب عليه
سقاني غرامه كواني بناره
وارجع له تاني ليه..
قطع هو الأغنية والصبر نفذ منه يلف ذراعها حولها يحاوطها؛ ولو طال أن يحتويها داخله لفعل, جاذبًا إياها لعناقه هاتفًا بعبث:
-بئسًا لذلك القاسي , وا****ة على من قد يجرح احساسك..
وكعادتها في تخريب الأجواء :
-لا تدعي على نفسك يا رجل..
لم يتذمر ولكنه ضحك وهي ايضًا..
***************************
مرت الأيام وحياتها تستقر أكثر, الصراحة والنقاش بينها وبين غسان جعلها افضل, علاقتها توطدت للغاية بصديقات والدتها, بل هم الاقرب لها الان..
اتكأت برأسها للخلف تفكر لما لم تعد تظهر الجنية لها, لما اختفت, لقد اشتاقت لها كثيرًا..
و السؤال الأهم هل الجنية خرجت من الجرة حقًا؟
هل الجنية حقيقية؟
أم أنها مجرد صوت أخر للأنثى , صوت ساخر أحيانا, صوت يواجهنا بالحقائق..
هل الجنية حقيقة؟ أم أنها روح خلقتها فريدة من كثرة الضغط ...؟!
وبين هذا وذاك كانت فريدة التي باتت تتقن الخلطة..
الحب, الخيال, الحياة..
ربما هي فكت لغز حياتها ولكن تظل المرأة أكبر الألغاز ..
المرأة لغز محير..!
أم هي خلطة عجيبة من الحب ..الحياة والخيال...!
ما هي المرأة؟!!
يتبع..