الفصل الحادي وأربعين

1006 Words
الحب .. كلمة وحيدة تقف دائما وأبدا وحيدة أمام العنف.. الحقد.. الاحتقان.. الحروب! تلك الحروب المشتعلة داخل النفس المتوترة بحثاً عن حنان ورأفة عاطفية وجسدية! عينيها في عالم أخر ويدها تتعرق بعد لقائها بماجد هذا الصباح, صدمتها وهي تستوعب وصوله لبئر اسرارها المعتم في صندوق خشبي ثقيل داخل روحه المشبعة بالخسارة! رهف الأنثى التي كبرت بمنزل لا يعرف العاطفة بل يعرف ان الحياة تدور بتروس قد تفتتك لأشلاء اذا وقفت لحظة ع**ها. تلك اللحظة الذي اتى بها رجل كما قال والدها لا يعيبه شيء.. رجل مطلق ولكن سعة الحال تغني.. والدها كان عند موقفه ورأيه يخبرها ببساطة ان تلك الزيجة سيكون نهايته عقد القران ولو صرخت رفضاً. والدتها كانت خيال لرجل فقط, ما يقوله الاب تؤمن عليه دون زيادة.. وجاء العريس, ومنت نفسها بالسقوط في شغف الهوى فكانت النهاية بئر الزواج! رسمت الأحلام حيث دهمة الحب وغيمته في قيس وليلى .. تمنت روميو و ان تكن جوليته .. ان يكن زوجها المجنون وهي ليلي.. كانت حالمة بامتياز.., ولكن زوجها كان تقليدي ورغم ذلك مالت له وباتت تكن له المشاعر ! وعندما اراد القدر ان يمنحها الابتسامة بطفل صغير توفى الزوج بحادث, توفى بعد أن اخبرها بحبه هو ايضا, كان زوج تقليدي يهوى الروتين ولكنها هامت به واحبته.. احبت دفئه ومراعاته لها, احبت قلقه عليها حين المرض.. عادت بذاكرتها لذلك اليوم بعد ان توفى بشهر عندما جاء أقربائه لزيارتها في منزل والدها! جلس ابن عمه الاكبر يهتف بنبرة خشنة , فظة وعينيه تمر عليها بطريقة أثارت بها النفور: -طيب يا رهف انا والعيلة جينا نبلغك حاجة مهمة.. **تت تبتلع ريقها وشعور عارم يلفها بالتوجس والقلق.. تنظر حولها في الغرفة تستنجد بوالدها الجالس ب**ت يراقب فقط.. -رهف جمال طلقك قبل مايموت.. الصدمة وبعدها ارتجاف .. جسد متشنج ورعشة تحتل اوصالها وترهب دواخلها.. تخرج كلماتها بتقطع: -انت بتقول ايه هو مين الي طلقني .. يجيبها بهدوء وبرود , يجيبها وهو يشعل لفافة تبغ يسحب انفاسها ويخرج أمام وجهها دخانها الكثيف ! -بصي يارهف جمال تجارة العيلة كانت في ايده واحنا مش هنستنى انك تجيب ولد ياخد كل حاجة.. ترتعش ويدها تلتف تلقائيا في وضع حماية على بروز بطنها الصغير.. تلمع عينيها بعبرات شفافة ول**نها يهمس : -انتم عاوزين مني ايه.. يبتسم وهو يستقم من مكانه يلقي نظرة لباقي الاقارب القادمين معه فيتبعوه وكأنهم في اتفاق ضمني غير معلن: -الي في بطنك ينزل وهنراضيكي بقرشين.. تستنجد بوالدها الجالس بلا ردة فعل وتعود لقريب زوجها الراحل متحدثة بنبرة مرتعشة: -انا مش هنزل الي في بطني.. وكانت الكلمة وبعدها كانت البداية.. بداية كانت اولى خطواتها طرق على باب منزل ابيها ونسوة بهيئة ضخمة يمسكون بها.. صراخها كان مكمم بقماشة والمها كان حد السماء ! عينيها ذرفت الدموع وقلبها تمزق صارخاً بوجع أزلي.. وجع كان يزيد بندوبه ناقشا الم لا يزول بكرم حاتمي. اللكمات تصوب نحو بطنها بضراوة , والشروخ ترسم بمدق حاد مسنون من نار على جسدها وقلبها.. على روحها .. على هويتها كأنثى.. تركوها تنزف جنين مات تركوها مع كلمة الطبيب الذي ما زالت تقتلها وتنحرها حتى اليوم: -مدام رهف مش عاوز اقول كلام سابق لأوانه بس احتمالية الحمل بعد كده صعبة! ولم تكتفي عائلته بذلك بل وبكل تسلط وقلب نزعت منه الرحمة وضمير مغيب كانت النهاية لها خلف اسوار السجن بتهمة بيع الهوى! وللخروج من ذلك تنازلت عن كل شيء عن بلاغها بأنهم الجناة لسقوطها , تنازلت عن طعنها بالتزوير في ورقة الطلاق! تنازلت فالروح ماتت في ثبات دائم يلوح بالفقد , مشبع بدماء جنينها الذي ذاب في نزفها وانتهى! رنين هاتفها جعلها تتحرك من مكانها ببطئ , قدمها لا تحمله, عقله غائب عن الوعي, قلبه صامت وروحها فاقدة للأمان.. -ايه ياحلوة ساعة على ماتردي .. كتمت شهقتها وهي تهمس بدموع غالبتها من قهر تغلغلها رغماً عنها : -انت عاوز مني ايه عاوز ايه.. ابوس ايدك سيبني في حالي.. تخاطب شيطان ولا تعرف , تخاطب روح ميته ولا تعرف.. قلبها برتج خوفاً وعزيمتها في المقاومة ورغبتها في الهروب تتعالى.. تستمع له وهو يصيح بقسوة ادمتها, وهي بالأساس تموت: -انت هتستهبلي .. ضحكة ساخرة تصل لمسامعها كصوت حرب اشتعلت فيها النيران والخوف.. -مالحلوة طلعت رد سجون ومش اي سجون لا.. يلتزم ال**ت يستمع لأنفاسها المتسارعة خوفاً, يلتمس قلقها, ورغبته تتعالى ومراحلها تتقدم.. يعاود الحديث بنبرة دونيه , نبرة خبيثة قتلتها: -انت ممسوكة في شقة يا رهوف.. وملفك في الاداب يشهد.. هنا وبكائها كان صريح , شهقاتها تصل له كطرب من نوع خاص , طرب امواج بحر ناعمة تلاطمت مع نسمة صيف.. طرب شيطان يرقص ويرتج فرحاً لسقوط البشر في الخطايا بلا تردد! -ارحمني , ابعد عني.. عاوز ايه وتبعد عني.. صوتها مخلوط بملح عبراتها المرسومة بعينيها المشتتة.. روحها تختنق ويراودها صوت الموت.. يراودها الخلاص من هذا العالم بالموت, جوابه اتاها بعد لحظات مقصودة ال**ت فيها .. -عاوزك..! واغلق , القى كلمته المتضمنة لطلبه واغلق , تركها على شاطئ هاجت امواجه بنار جحيم مستعر تنهش جسدها كما الروح../ هي رهف هنا تنسلخ منها, كل لحظات الماضي تهاجمها وتخبرها لا مفر.. الماضي يغل عنقها وهي هنا تختنق.. ترمق سكين موضوع اعلى منضدة صغيرة موضوعة جانبها تود الاقتراب منها .. تود ان تمسك بها, ان تصوبها نحو شريانها تبتره.. تراه ينزف دماً.. ترمق العالم كله من علياء النهاية وتصرخ به انا راحلة .. تمسك بالسكين, قلبها يحتله ضجيج وعقلها يدور في فراغ النهاية, خصلاتها مشعثه وعبراتها كما هي تهطل بسخاء مطر تساقط في ليلة شتوية سوداء.. تقف في تلك اللحظة عند صوت الحق وهو يتعالى.. ترمي السكين بعيدا .. تستغفر وتطلب السماح من رب العباد.. تمسك بالماء , تغمر به وجهها مرة بعد مرة تمحي كل اثر للحظتها السابقة.. كل هذا مع صوت الاذان , مع صوت الصلاة.. مع صوت الامام! طرق على باب منزلها جعلها تفتحه بحذر وحينها وجدت أمامها والدة موسى .. همست لها بذهول وهي تشير لها بالدخول: -ازي حضرتك, اتفضلي... تبتسم لها بطيبة وتلمح ملامحه الشاحبة ونظراتها الزائغة , هيئتها المنتهية.. تدخل لشقتها تردف بحنان: -موسى قالي انك محبتيش تيجي عندي للغدا وانك اتحرجت.. تهز رأسها حرجا وتلتزم ال**ت بينما تضيف والدة موسى بقلق: -انت كويسة يابنتي, احنا صحيح اتقابلنا مرتين بس لو عاوزة تحكي قوليلي.. تقترب منها , تمسك بيدها, تربت مرتين والثالثة لازمت قولها: -اعتبرني مامتك , موسى هيجي ياخدني كمان ساعة.. هذا الحنان الذي شعرت به منها فتت كل شيء بها, هذا الحب الصادق في نبرتها جعلها تبكي بلا انذار.. تسحبها لأحضانها , تربت على ظهرها وتحكي رهف القصة منذ البداية فهل تجد بين صفحات البشر مغفرة

Read on the App

Download by scanning the QR code to get countless free stories and daily updated books

Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD