1
الفصل الأول
❈ - ❈ - ❈
( خيانة )
❈ - ❈ - ❈
تحدث كريم ونظر لدينا نظرة مليئة بالحب تعرفها شيرين تماما
"إلي متى؟ أربع سنوات من الخوف، لا أستطيع أن أتحدث إليك أو أن أراك غير في أضيق الحدود، لقد أرهقني الانتظار ومللت وضع الخائفة هذا"
تحدثت دينا بحرقة ثم عقدت ذراعيها والدموع تكاد تنفجر من عيناها
"أرجوكي حبيبتي لا تبكي، لم يتبقى إلا القليل من الوقت" زفر محاولا ارضائها واقناعها، مد يده ليتلمس وجهها بلطف وأكمل "إنكي تعلمين تماماً أنا منتظر أن أوقع عقداً مع شركة كبيرة ولها سمعتها فهي من كبرى شركات الإنتاج، أنا منتظر هذه الفرصة منذ زمن بعد العديد من المحاولات والإجتماعات، لم يتبقى غير القليل من الوقت، ووعد مني يا حلوتي بعد توقيعي لل*قد سنعلن خطوبتنا أمام العالم أجمع"
"كريم!!! أحقاً ما تقوله ؟"
صاحت بدهشة لتتوقف دموعها ونظرت له في لهفة وهي لا تصدق ما سمعته لتوها
"بالطبع، هل كذبت عليكي من قبل؟! فقط انتظري حتى يتم كل شيء كما خططت له"
أجابها بنظرات مليئة بالحب وابتسم لها
فرحت دينا وطوقت كريم بذراعيها، وكادت أن تنفجر من السعادة بسبب ما أخبرها به فقد انتظرت الكثير حتى تستطيع أن تعيش حياتها في الضوء بعيد عن الخوف والاختباء والإنتظار والتحدث لذلك الرجل الذي يعشقه قلبها في حرية دون خشية من أن يلاحظهما أحد.
غابا بعناق حميم ولم يشعر احداً منهما بتلك التي تمزق قلبها لرؤيتهما ويكاد يجن عقلها لما سمعته، كانت شيرين في احدى الأروقة ذاهبة للبحث عن كريم لإخباره عن موافقة واحدة من أكبر شركات الإنتاج لتوقيع عقد معه بعد محاولات كثيرة لإقناعهم بالعمل معه واختياره ليكون من أهم الممثلين لديهم الفترة القادمة.
لم تقو شيرين على استيعاب ما سمعت وقدماها بالكاد تحملتاها، لم تعلم ماذا تفعل، لم تصدق أن كريم الرجل الذي أحبته طوال حياتها هو من قال لتوه تلك الكلمات لفتاة أخرى....هو من قال تلك الكلمات..
"لا هذا ليس الرجل الذي أحبه!"
انتحبت في قهر وهي لا زالت تحت تأثير الصدمة
"أهذا ما استحقه منك حبيبي بعد سبعة سنوات أهذه مكآفئتي لما مر علينا معاً؟ تخونني يا كريم!"
أجهشت بالبكاء وهي تتمنى لو ماتت لكان أهون لها مما عرفته للتو
"أكنت مجرد دمية لك لتحقيق أحلامك ونجاحاتك؟ كل ما أعنيه لك هو وسيلة!"
صاح عقلها وفكرت شيرين بصدمة وهي تكاد أن تفقد وعيها والدموع تجري بلا توقف على وجنتيها وبالطبع لا تستطيع مواجهته، اختبئت حتى رأتهم يفترقون وبعد أن اطمئنت أن الرواق قد أصبح خالياً جففت عسليتيها وحاولت التماسك ثم غادرت الاستوديو الخاص بالتصوير سريعاً، وأغلقت هاتفها وقررت الانطلاق بسيارتها لا تعلم أين تتجه.
" لمن أذهب الآن؟ هل علي التحدث له لأسئله عن خيانته لي؟"
تحدثت بصدمة شديدة
"إلي أين أذهب للإختباء والهروب منه؟ هذا ما عهدت أن أفعل منذ سنوات، فهو يعلم عني كل شيء، لا أستطيع أن أقرر شيء بدونه"
تحدثت شيرين لنفسها بعد أن صفت سيارتها لتحاول أن تجد مكاناً لا علم لكريم به.
بعد مرور أكثر من نصف ساعة من التفكير في كل ما سمعته ومحاولاتها للسيطرة على نفسها والتماسك قد تذكرت أهمية ال*قد بالنسبة لكريم فهو لم يشغل باله طوال الفترة الماضيه غير توقيع هذا ال*قد وقررت أنه لا يستحق مجهودها وما بذلته من أجله
"الوو.. يوسف" تحدثت بهاتفها
"شيرين، كيف حالك؟" آتاها صوت يوسف مجيباً من الطرف الآخر
"بخير.. أريد أن أخبرك شيئا... ممم" تريثت قليلاً وهي لا تدري كيف عليها محادثته بهذا الأمر
"تحدثي.. ماذا هناك؟ لقد قلقت من هذه المقدمة!! شيرين أأنتي بخير ؟" سألها بقلق لنبرتها التي لاحظ تغيرها فهذه ليست صديقته التي يعهدها
"نعم، نعم أنا بخير.."
سكتت لبرهة وهي تحاول أن تبدو طبيعية فيوسف من أعز أصدقائها وقد يكتشف من نبرتها أن هناك شيئا ما وهذا الأمر لم تستعد لمواجهته بعد!
"كل ما في الأمر أن كريم قد وقع لشركة أخرى اليوم عقداً أفضل أنا اعتذ...."
"أنتي تمزحي معي، أليس كذلك ؟!"
قاطعها يوسف متفاجئاً بما يسمع وهو لا يصدق أن كل ما عمل عليه طوال الأشهر الماضية ينتهي الآن هكذا بما أخبرته به شيرين
"للأسف ما سمعته كان صحيحاً"
حاولت أن تبدو وكأنها طبيعية وليس بصوتها شيئاً مختلف "أنت تعلم أنني يستحيل أن أكره الخير لكريم أو أن آراه بمكان أفضل"
بالطبع ادعت ما تقول وهي تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تتماسك دون أن يظهر عليها شيئاً ما
"ا****ة!!" قاطعها صارخاً بصوت يملؤه الغضب
"أنا أعلم جيداً أن كريم هذا لا يأتي من خلفه إلا المصائب"
"أنا آسفة، أرجوك تقبل اعتذاري"
"هيا يا شيرين، عليَّ أن أنهي المكالمة معك للإتصال بالشركة لآرى كيف سأخرج من هذا المأزق معهم.."
حدثها غاضباً وقد انهى المكالمة سريعاً.
أعادت شيرين غلق هاتفها وبعد أن تمالكت بعض من أعصابها اخذت نفس عميق ورفعت شعرها الأ**د الفاحم وجلست بسيارتها لترى أين ستذهب وبعد القليل من الوقت تذكرت أن والدتها كانت تملك شقة بالأسكندرية ولكنها لم تذهب هناك منذ سنوات كثيرة ولا تعلم حتى أين ذهب مفتاح الشقة. ولكن كان هذا هو الحل الوحيد أمامها، فكريم لا يعرف عنوانها أو مكانها ولم يسبق أن اخبرته عنها من قبل.
❈ - ❈ - ❈
❈ - ❈ - ❈
توجهت لمنزلها لأخذ متعلقاتها أو بمعنى آخر أكثر ما تستطيع أن تأخذه معها لأنها تعلم أنها لم تذهب للشقة منذ زمن، تذكرت سلسلة بها العديد والعديد من المفاتيح وكل ما تتمناه أن يكون مفتاح الشقة بها، وضعتها في حقيبة يدها، وحاولت بأقصى سرعة الذهاب قبل أن يلاحظ غيابها ويقرر البحث عنها.
لم تطل كثيراً وحملت ما تستطيع من حقائب ووضعتها بسيارتها ومن حسن حظها ان الوقت متأخراً لم يرها أحد من جيرانها.
انطلقت بسيارتها ولم تكف عن البكاء طوال الطريق وبالكاد رآت أمامها ولولا تدخل القدر لتعرضت لحادث لفقدانها القدرة على التركيز. عقلها ما زال يسترجع صورة كريم وتطويقه لدينا بذراعيه ولم تستطيع أن ترى شيئاً غير خيانته الب*عة لها.
"لما؟ لما فعلت هذا؟ إنني أتنفس لك، مخلصة لك، وقتي وحياتي ونجاحي ومجهودي كرسته لأجلك فقط، وقفت أمام كل من عارض علاقتنا منذ أن درسنا معاً بالجامعة فقط لأثبت أن ما بيننا حقيقي، منذ أن توفى أبي وأمي وأنا حياتي توقفت عليك، حتى أعز أصدقائي أعطي لهم أقل القليل من وقتي وأدعك تأخذ وقتي بأكمله منذ استيقاظي حتى نومي، لماذا هذا حبيبي؟ هل استحق هذا منك؟ كل ما أردت أن آراك ناجح وسعيد، أردت أن نسير معاّ جنباّ لنخطوا سوياً نحو نجاحات في عملنا معا وفي حياتنا! أردت أن أراك سعيداً من كل قلبي!! يا للسخرية! كل شيء كان لك ولأجلك، يجب أن أقول الآن لعملك وحياتك وشهرتك... "
بكت مجدداً وهي تتذكر ما مرت به معه ولم يلهها عن بكائها إلا محاولة بحثها عن عنوان الشقة ومحاولة تذكرها أين تقع لأنها لم تذهب لها منذ أن بلغت الخامسة عشر فهي بالكاد تتذكرها. وبعد عدة محاولات منها قد تذكرت اسم حارس ال*قار وتمنت أن تكون صحيحة فليس لديها حل آخر ماذا كان اسمه؟؟!!
"مممم.. ممدوح .. اظن هذا" تحدثت لنفسها وهي تحاول تذكر اسم الحارس
صفت سيارتها وتوجهت لل*قارعلى حذرأن تسقط بسبب الأمطار الغزيرة وكل ما تأمله أن يكون العنوان صحيحاً، طرقت باب احدى العمارات وصاحت ربما يستيقظ أحد ويسمعها
"ممدوح... ممدوح..." كررت منادية كثيراً لكنها لم تحصل على إجابة اخذت في الطرق كذلك اكثر من مرة ولكن بلا جدوى
"يا إلهي ماذا سأفعل الآن وأين سأذهب في مثل هذا الوقت؟"
انتظرت قليلاً ونظرت في ساعة يدها لتجد الساعة قاربت الثالثة فجراً... وبعد أن اشتد المطر قررت الرجوع لسيارتها وهمت أن تذهب ولكن أوقفها ما وجدت. رجل عليه آثار النوم يفتح لها باب ال*قار.
نظرت محاولة تذكرملامح ممدوح حارس ال*قار ولكن بلا فائدة، وبعد ثواني تأكدت تماماً أنه ليس هو حيث بعد اتضاح ملامحه وجدته رجل قمحي البشرة يرتدي قميصاً وسروال في الأربعين من عمره وحارس ال*قار ممدوح على ما تتذكره قد يبلغ الآن أكثر من ستون عاماً.
"اا... عذراً.. ممدوح" حمحمت ثم نادت الرجل بقلق وتردد بصوت منخفض بالكاد سمعها الرجل..
"عفواً يا آنسة.. أنا رجب.. هل تقصدين ممدوح حارس عقار رقم 12" أخبرها الرجل وهو يتفحصها بعيناه
"مممم... نعم غالباً" قالت بصوت متردد مليء بالخوف ولكنها اكملت "اعتذر.. لم آتي إلي هنا منذ وفاة والداي"
حاولت استعطاف الرجل بصوت مليء بالحزن.
"البقاء لله يا آنسة.. ممدوح غالباً نائم الآن.."
نظر يتفحصها وادرك انها ربما لم تأتي هنا من قبل ولكن بعد ثواني أن رأى حالها ومحاولة احتمائها من المطر
"انظري يا آنسة هنا عقار رقم 10 وانا سآتي معكي لإستدعاء ابنه محمد"
توجهت معه على خوف ولكنه الوحيد الذي يمكن أن يساعدها وفكرت كثيراً ماذا ستفعل إذا لم يتذكرها ممدوح ولم يكن معه مفتاح الشقة.
"محمد... افتح الباب أنا رجب.... محمد..." اخذ ينادي وبعد عدة محاولات من استدعائه سمعا صوتاً.
"ماذا هناك يا رجب؟ لما توقظني الآن في مثل هذا الوقت" صاح محمد من مدخل ال*قار وكان شاب في العشرينات طويل القامة وملامحه طيبة وبمجرد تركيزه لاحظ أن بجانبه تقف امرأة متوسطة الطول ولكن لم يتعرف عليها.
"لقد وجدت الآنسة تبحث عن والدك، لذا قررت المساعدة" نظر له بتآفف ثم أشار إلي شيرين لتنتبه له وقد فهمت ما يقصده
"شكراً لك رجب..."
اخذت بعض ورقات النقود من حقيبتها واعطتهم لرجب واكملت موجهة حديثها لمحمد "ممحمد أنا شيرين ابنة أستاذ عصام خليل ومدام سمية هل تتذكرني؟!"
سألته وهي تتمنى أن يتذكرها
"استاذ عصام" قال محاولاً التذكر ثم أكمل
"اه نعم، تذكرت الآن، استاذ عصام صاحب الشقة بالطابق السادس، منذ زمن لم يأتي أحد ولم يسأل أحد عن الشقة ولم يدفع أحد مبالغ مستحقة و..."
"محمد.." قاطعته وهي ليست بمزاج يسمح لها بسماع المزيد عن المصروفات المتأخرة
"عفواً والدي ووالدتي قد توفيا، لا تقلق سأدفع لك كل شيء" أخبرته عله يساعدها
"هذا محزن، البقاء لله آنستي"
"هذا كان منذ سنين،... " تذكرت عائلتها لثواني لتشعر بالحزن ولكنها أكملت
"أنا فقط أريد من يساعدني بحمل حقائبي وفتح الشقة" نظرت لحقائبها ثم إلي محمد عبسليتاها التي تطالبه بالمساعدة
"أليس لد*كي مفتاحاً؟!" نظر لها بتعجب واستغراب وارتاب منها
"لأ معي ولكن معي الكثير من المفاتيح... مممم.. أنا معي بطاقتي حتى تتأكد إنني شيرين عصام خليل.."
على الفور أخرجت بطاقتها واعطتها له لينظر بها وبعد ان تفحصها لثواني بتمعن
"حسناً تفضلي .. هيا يا رجب اذهب لمساعدة الآنسة علي أن أوقظ أبي وآتي بالمفتاح.."
وبعد حوالي ساعة من محاولة تذكرعم ممدوح لها ولأبويها وقصت عليه كيف توفت أسرتها اثر تعرضهم لحادث واضطرارها لسماعها لحكاياته عن طيبة والدها ووالدتها مع اسرة عم ممدوح ومساعدة ابنه محمد لحمل حقائبها والقليل من تنظيف الشقة لما تحمله من غبار وأتربة، بالكاد استطاعت تغيرثيابها واحتمت بذراعيها حول جسدها على سرير والديها واستعادت ما سمعته من كريم ومشهد احتضانه لدينا وانهمرت دموعها مرة أخرى..
❈ - ❈ - ❈
❈ - ❈ - ❈
بعد مرور ثلاثة أيام لم تتوقف عن استرجاع ذكريات عديدة بينها وبين حبيبها، أو بمعنى آخر الخائن كريم، وانهمار دموعها بين الحين والآخر لم تفكر أن تتحدث مع أحد أو أن تخبر أحد أين هي. شعرت بالوحدة والضياع وتمّلك منها تفكير أنها لن تسطيع مواجهته، لن تستطيع مواجهة العالم، احساسها بفشلها مع اكثر شخص احبته سيطر عليها وخيانته لها قد هشمت روحها.
فكرت بمكالمتها مع يوسف وهذا اعطاها القدرة قليلاً للتنفس والتوقف عن البكاء لفترة
"هذا أقل القليل حتى لا يعلم أنني مجرد دمية في يده"
فكرت للحظة واخذت نفس عميق ولكن لم تمهلها افكارها الكثير من الوقت حتى عادها الخوف مرة أخرى..
"من الممكن أن يتعرف على مكاني!! ممكن أن يأتي إلي هنا؟! ماذا سأفعل حينها!! يا إلهي ساعدني" انفجرت الاسئلة في رأسها ولكنها لم تقدر على إيجاد حل آخر سوى مكوثها بتلك الشقة.
هل عليها أن تختبأ هنا للأبد؟ ماذا ستفعل دون وجود عمل لديها؟ كيف ستواجهه بعد علمها بخيانته لها؟ مر الكثير من الوقت وهي جالسة تُفكر بجميع الإحتمالات حتى سمعت من يطرق الباب...
"من الطارق؟؟!" ارتعشت نبرتها وشعرت شيرين بفزع ودقاب قلبها تكاد أن يسمعها العالم أجمع
"هيا افتحي الباب"
آتى من خلف الباب صوت انثوي تعرفه شيرين جيداً ليُطمئنها ولكن جاء مليء بالغضب لتتنفس هي في توتر من مواجهتها ثم فتحت الباب
"إذا لم تعطيني سبباً قوياً لفعلتك هذه سأقطع صداقتي بك حالاً"
عقدت ذراعيها ونبرتها متحفزة لعراك ولكنها لانت قليلاً بعد امعان النظر إلي شيرين وهي متأكدة أن صديقتها ليست بخير مما يبدو على ملامحها من انهيار
"ما بك عزيزتي؟!" احتضنت حبيبة شيرين وهي تحاول معرفة ما حدث خاصة وأن عيناها المنتفختان من آثار البكاء أخافتها.
"لقد خانني يا حبيبة.. كريم خانني.." أجهشت بالبكاء في حضن صديقتها وهي لا تعلم ماذا تفعل.
"أنظر إلي وأخبرني أنها كاذبة!! أنظر إلي عيني وأخبرني الحقيقة!! هيا أكد لي أن هذا لم يحدث!!!.." صاح في صديقه وابن عمه مصدوماً مشدوهاً محاولاً تكذيب ما سمعه من الأنباء منذ قليل
❈ - ❈ - ❈
( إغتصاب )
❈ - ❈ - ❈
"ا****ة عليك يا مراد!! إنك تعرفني أكثر من نفسي، بعد هذه السنين ستصدق عاهـ ـرة مثلها؟"
رد صوت رخيم أجش مجيباً اياه ببروداً كالثلج كأن ما سمعه ليس له تأثير عليه.
"هل اغتصبتها حقاً؟؟" تفوه سائلاً بلهفة واقفاً أمامه وحدق في عيناه الرمادية الباردة وتريث مراد لبرهة حتى يعطيه الفرصة ليجيب
"لا!!" جاءت إجابته بمنتهى البرود وكأن الأمر بسيط ولا يؤثر به نهائياً
"كيف تكون مثل جبل الجليد هكذا؟! ألم يؤثر بك ما سمعته للتو؟ ألا ترى أن مستقبلك قد تدمر بهذه الإدعاءات!! ا****ة عليك أيها البغيض.."
صاح به مراد غاضباً
تبسم آدم ابتسامة لا يعرفها إلا مراد، مليئة بعدم الاكتراث والشر، التف بعيداً وأعطاه ظهره ثم غادره ليتبعه مراد مهرولاً خلفه إلي الخارج لينظر ماذا سيفعل فهو كالعادة غير متوقع ولا يعرف بماذا قد يفكر وماذا ستكون رد فعله.
تبعه للحديقة الفارهة محاولاً اللحاق بخطوات هذا البارد المجرد من المشاعر تماماً ليكمل آدم طريقه في حديقة منزله المنمقة بعناية، عشب مجذوذ يخطو عليه، شجر مشذب فارع يحاوط الحديقة كأنه سور اضافي يمنع انظار الجميع ولا يسمح باختلاس النظر إلي قصره البهو، أكمل إلي ممر يسع لشخصين بالمرور ثم بعدها خلع رداء استحمام اسود كالفحم وقفز في المياه.
"أحقاً ما تفعله؟ أتسبح الآن أيها البغيض" لحقه مراد صارخاً به
"ماذا تريدني أن أفعل؟" جاوبه مخللاً يديه في شعره الأ**د غير مكترثاً لكلام مراد وحدق به ببرود من المسبح
"اكترث قليلاً.. أخبرني ماذا حدث.. ماذا فعلت لها حتى تدعي مثل هذه الإدعاءات للصحافة .." أخبره مراد بنفاذ صبر
تبسم آدم ثانية بإستفزاز وعاد ليسبح مجدداً لدقيقتان بطول المسبح كله ثم اتكأ بذراعيه الرجوليتين المنحوتتين كإله روماني على أحد حواف المسبح ثم قفز بالمياة ليقف خارج المسبح مخللاً خصلات شعره المبلله الذي يصل إلي أعلى رقبته العريضة وملامحه يعتريها البرود، توجه ليرتدي رداءه مرة أخرى وجلس ممداً جسده الطويل بجانب مراد الجالس مدهوشاً من تصرفاته وأغمض عيناه ثم تحدث
"ارادت الزواج وتركتها" أخبره بهدوء
"ببساطة هكذا؟ أهذا هو السبب الذي جعلها تُصرح أنك أغتصبتها؟!"
"ربما.."
"ا****ة عليك أيها البغيض، آدم أنا لست في مزاج يسمح لبرودك هذا، إما أن تتكلم معي بإكتراث ووعي لهذه المصيبة وإلا سوف أغادر بلا رجعة"
"حسناً" زفر آدم قليلاً واعتدل في جلسته ناظراً لمراد
"إنك صديقي الوحيد والوحيد المتبقي من عائلتي وبمثابة أخي الكبير.. إنك تعلم جيداً أنني لا أغصب إمرأة على شيء... ثم فرضاً أني اردت أغتصاب أحد صدقني ستصطف النساء لإختياري منهم" قال بزهو وغرور
"يا إلهي آدم تكلم بعقلانية أرجوك" صاح بحنق
"إنك تعلم جيداً أنني لا أريدها وأن هذا الزواج المزعوم كان بترتيب بين أبي ووالدها ولم يكن لي الاختيار حيث أنها كانت وصية أبي الوحيدة"
سكت قليلاً ثم أكمل محدقاً في عينيه
"مراد!! لقد حاولت كثيراً ولم أشعر بأي شيء تجاهها.. صدقني حاولت ولا يمكنني الاحتمال أكثر، حتى أنها عرضت نفسها علي أكثر من مرة ولكن لم أشعر بشيء.. في النهاية أخبرتها أننا لا نستطيع أن نكمل معاً"
"لا تقلق سنتصرف، وسنجد حلاً لتلك الإدعاءات.. هيا إلي منزلك ستوبخني ليلى على عدم رجوعك حتى الآن"
تن*د آدم متحدثاً ليرى مراد أمامه يمسح على وجهه بيداه الاثنان وليس لديه علم بما يقول ثم ربت آدم على قدمه
"لست متأكداً بأنها ستدعني أطأ بقدمي المنزل" قال ساخراً مفكراً بما قد تفعله زوجته
"اراك لاحقاً" تبسم آدم باقتضاب ثم تركه مغادراً لمنزله بالداخل.
❈ - ❈ - ❈
❈ - ❈ - ❈
"هذا الحقير!!!" صاحت حبيبة بغضب
"لماذا لم تأتِ إلي؟ ألست بصديقتك؟ بم كنتي تفكرين أيتها الغ*ية؟ ستمكثين هنا إلي الأبد مثلاً فستجدي كل شيء يحل تلقائياً"
"لا أعلم يا حبيبة.. ولكنني لم أستطع مواجهة أحد"سكتت قليلاً ثم صاحت سائلة في دهشة
"على كل حال كيف علمتي بمكاني؟"
"تلقيت من الحقير اتصالاً من يومين يسألني عن مكانك واستغربت لهذا ثم...."
"هل أخبرتيه أين أنا؟؟" قاطعتها بفزع موسعة عيناها في خوف
"لا تقلقي" ابتسمت في فخر
"أنا أعلم جيداً أنه يعرف عنك كل شيء إلي أين تذهبين، وماذا تأكلين، ومن تقابلين، وما تفعـــ..."
"ثم ماذا حدث؟" قاطعتها مجددا لأنها لا تريد أن تتذكر ما تعلمه جيداً وتحفظه عن ظهر قلب.
"انتظرتك أيتها الغ*ية حتى تتحدثين لي ثم فكرت جيداً إلي أين ستذهبين وما المكان الوحيد الذي لم يعرفه ذلك الحقير، لا تنسي أن والدتانا ابتاعا هذه الشقق منذ أن كنا أطفال حتى نمرح هنا سوياً.. يا إلهي.. لقد اشتقت لوالدتك "
تن*دت مبتسمة نصف ابتسامة ثم واصلت حديثها
" ثم بعدها أدركت أنك لن تذهبي إلي شاليهك الآخر لأنه يعلم به لذا أعتقدت أنك هنا ثم جئت على الفور"
"لقد أخبرت يوسف أن يلغي الإتفاق مع شركة الإنتاج"
أخذت شيرين نفس عميق ثم نظرت لها قليلاً وهي تزفره في هدوء وتفقدتها بعسليتاها
"أحقاً؟!" صاحت بدهشة وابتسامة فخورة
"هذه فتاتي... أخبريني متى كان موعد توقيع ال*قد؟"
''اليوم في الحادية عشر صباحاً" أجابتها بوهن فهي لا تصدق أنها قد أضاعت بلحظه ما عملت عليه لسنوات
"هذا هو لقد وجدته"
غمغمت حبيبة بعد أن ضيقت عيناها قليلاً ثم قامت تبحث عن جهاز التحكم عن بعد حتى وجدته ضغطت زراً لمشاهدة الأخبار
"...هذا كان ادعاء الممثل الصاعد كريم لطفي تجاه مديرة أعماله السابقة شيرين عصام، ومعنا مكالمة مسجلة لأحد الممثلات الشابات دينا عبد العظيم التي تقوم حالياً بتمثيل فلماً جديداً معه، فهي تعتبر آخر من رأتها كذلك..
- لا أدري كانت آخر مرة رأيتها منذ ثلاث أيام بموقع التصوير وكل شيء بدا طبيعياً وفجأة اختفت بعد أن حاول كريم البحث وسؤال طاقم العمل الموجود بموقع التصوير عنهاو اتصالاته اذا رأيناها ولكن أخبرته بما رأيته، كانت مغادرة بدون اخبار أحد.
- هل تصدقين اداعاء كريم لطفي بسرقة أمواله واختفاء مديرة أعماله السابقة؟
- لا أعلم عن هذا، ولكن ممكن جداً أن يتعرض أحد الممثلين لخداع أحد المديرين فدائماً ما نقع فريسة للكثير وعموماً....."
أغلقت حبيبة التلفاز فوراً بعدما أجهشت شيرين بالبكاء خوفاً من أن تسوء حالتها بالإستماع لتلك الأفعى.. هي حقاً لا زالت لا تستطيع أن تصدق ما فعله هذا الحقير مع صديقتها الوحيدة
"لقد دمرني هل تصدقين؟!" صاحت بين نحيبها لتهرول حبيبة معانقة اياها
"هذا الو*د الحقير" رددت حبيبة بعصبية
"ماذا سأفعل الآن، لا يكفيه أن خانني بل ش*ه سمعتي ولن أستطيع العمل مجدداً، أيقول أنني سرقته؟!! هذا الو*د هو من يملك حسابات البنوك بإسمه وحتى مدخراتي ولا يترك لي إلا القليل بحجة أنه يريد أن يسعدني وسيأتي لي بنجوم السماء وهذا الهراء"
تعالى بكائها وهي تشعر بالحزن الشديد خاصةً عندما مرت تلك الذكريات التي جمعتهما سوياً وكيف كان يتصرف معها عندما يتعلق الأمر بالأموال
"يا إلهي ماذا سأفعل أنا؟"
"شيرين عزيزتي، انتي متفوقة ولقد صنعتي هذا الحقير بفضل مجهودك وعملك، ستعملين مرة أخرى وستنجحين مع أي شخص كان"
أخبرتها صديقتها وهي تتمنى أن تنجح في تهدئتها
"حبيبة أنتي لا تعرفين شيء، تص**ح كهذا سيدمر مستقبلي المهني لسنين، وأنا لن أستطيع العيش هكذا، أنا بالكاد معي ما سيكفيني لقليل من الشهور ثم بعدها ماذا سيحدث؟"
"لا تقلقي سأتحدث إلي يوسف وسو...."
"لا، لا تتحدثي إليه كيف أنني وضعته سابقاً في موقف صعب ولا أريد أن أضعه في مأزق آخر بسببي" قاطعتها مسرعة
"يوسف صديقنا منذ زمن يا شيرين وأنتي تعلمين أنكِ مثل أخته وسيقبل خاصة بعد ما فعله كريم"
"كريم .. كريم.. كريم.. لقد كرهت هذا الإسم كثيراً لا أريد أن استمع إليه ثانيةً " توسلتها بعسليتاها الدامعتان ثم تريثت قليلاً لتُفكر ونظرت لها بجدية وخوف بآن واحد "ماذا سأفعل الآن؟، هل هذه تعتبر قضية يا حبيبة؟"
"لا تقلقي ودعي هذا الأمر علي.. لا تنسي أنني أعمل في واحد من أكبر مكاتب المحاماة في البلد.. فقط أعطيني توكيلاً وأنا سأواجه هذا الحقير وسأطيح به للهاوية.. ولكن أهم شيء الآن أن تركزي على مستقبلك وألا تدعي هذا الو*د يحبطك بأفعاله القذرة"
"مستقبل" تحدثت شيرين بسخرية
"مستقبل ماذا؟ وأي مستقبل هذا؟! لقد دمرني بفعلته.." همست بحسرة شديدة
"لا تضعفي وأريه قدراتك، ستجدين الأفضل منه ولد*ك خبرة لا يستهان بها" تن*دت شيرين ونظرت لها وليس لديها أي قدرة على الكلام فلا تعلم ماذا تقول! هي حتى قد فقدت الثقة بنفسها بعدما فعله بها!
"هيا سأتحدث إلي يوسف قليلاً وسوف أخبرك بما سيحدث" أخبرتها حبيبة حتى تشجعها وتحاول أن تطمئنها بإبتسامة مقتضبة لتهز هي رأسها في موافقة وكأنها تستطيع الاختيار فهي ليس لديها أي حلول أخرى خاصةً أن كريم بما وجهه لها علناً أغلب معارفه سيقفون بصفه.
بعد تحدث حبيبة إلي يوسف أخبرت شيرين أنه يحتاج بعض الوقت ليجد لها فرصة أخرى، كما **مت أن تمكث معها في بيتها حيث أنها لا تستطيع تركها هنا وحدها دون أي أحد بجانبها. وبالطبع لم تدع لها فرصة للإ ختيار وحزمت حقائبها وغادرتا للرجوع لمنزل حبيبة.
"صباح الخير"
نادى مراد ولكن لم يجد إجابة وأكتفى آدم بأن أومأ له دون النظر مباشرةً لعينيه ثم لم يُصدق مراد أنه يُمسك بيده زجاجة فودكا نصفها ممتلئ
"أيها البغيض!! أليس الوقت مبكراً قليلاً لما تفعله هذا؟" صاح به بسئم مما يفعله
"اتركني أو الزم ال**ت" رد ببرود كعادته وصوته بالكاد يُسمع وكانت نبرته خالية تماماً من أية مشاعر تذكر
"آدم! أنا لا استطيع المكوث معك ليس أمامي وقت، يجب علي حضور اجتماع هام في الشركة اليوم بما إنك رفضت حضوره ووكلتني مكانك"
"لذا؟؟!!.." سأله بدون النظر إليه وبدت نبرته جامدة
"هيا أفعل شيئا لن تجلس هكذا، التمثيل وقد قررت فجأة أن تأخذ قسطاً من الراحة منه وشركة عمي لم تذهب لها منذ شهر.. ماذا ستفعل الآن يا آدم؟ ما خطتك للأيام القادمة؟"
"لا شيء"
"يا إلهي أعطني القدرة لإحتمال جبل الجليد هذا" تمتم مستنجداً ثم أكمل بخوف "آدم أنا أريد التحدث إليك بخصوص أمر ما"
"تكلم" زفر بملل ورفع الزجاجة ليتجرع منها مرة أخرى
"الليلة سأخبرك بكل التفاصيل" رد بتردد
"الآن أو أبداً" أخبره آمراً بعد أن نظر له وقد فهم أن هناك مصيبة تقع وراء تردد مراد هذا.
"كم أكره ردك المقتضب هذا" أخبره بإنفعال ثم عقد حاجبيه وحاول أن يآخذ العديد من الأنفاس وازداد ارتباك
"سأترك العمل لد*ك" آتت نبرته خائفة أكثر منها متوترة لينظر له آدم نظرة ثاقبة مليئة بالغضب وعقد حاجبيه في استفسار
"آدم اسمعني أنا لم أنوي هذا الآن ولكن منذ مدة قبل أن تأتي هذه الإدعاءات و... ممم... أنت تعلم ليلى وموقفها من عملي معك و.. و.. أتعلم؟ أنا لن أترك الشركة وسأعمل بها وأركز عليها وسأكون بجانبك وسأجد لك بديل ممتاز و..."
"يكفي.." قاطعه ببرود وكأن شيئاً لم يكن وعاد لزجاجة الفودكا مرة أخرى ليتجرع منها
"أرجوك لا تشعرني بالندم أكثر.." همهم بحزن
"حسناً فلتفعل ما تريد" أخبره بإقتضاب لاذع
"عموماً بعد غد سيرسل لي أحد معارفي السير الذاتية الخاصة لإختيار مدير أعمال جيد، لا تقلق، لن أدع مكاني إلا وكل شيء على أكمل وجه"
أومأ آدم ببرود وتركه صاعداً غرفته وبيده زجاجة الفودكا ولم يعلم مراد ماذا يفعل؟! هو بالطبع لا يريد أن يتركه ولكن بعد تقدم سنه ومشاجراته التي لا تنتهي مع زوجته لم تترك له حلاً آخر، كما يعلم جيداً أنه إذا ذهب وراء آدم لن يحل حديثه معه شيئاً، فتوجه لحضور الاجتماع وهو يتمنى أن تمر هذه الأيام على خير..
❈ - ❈ - ❈❈ - ❈ - ❈
بعد رجوع كل من شيرين وحبيبة إلى منزلها وإستقبال والدة حبيبة لها والأسئلة التي لا تنتهي من "أأنتي بخير يا ابنتي؟ أتحتاجين شيئاً؟ لما أنتي حزينة كذا؟" ولكن حبيبة تداركت الموقف وأخبرتها أنهما تريدان الراحة قليلاً من السفر.
في صباح اليوم التالي أيقظت حبيبة شيرين، فهي بالكاد غفت لساعتين فالنوم بالنسبة لها أصبح من المستحيلات هذه الأيام، أخبرتها حبيبة أن يوسف منتظر بالخارج حتى يتناولوا الإفطار معاً ويتحدثوا عن عمل لشيرين
"فقط سأستحم سريعاً وسألحق بكِ" قالت بصوت مبحوح وتركت سريرها.
"حسناً"
بعد قليل توجهت إلي حديقة الفيلا الخاصة بوالدي حبيبة حتى تندهش وتغضب مما سمعته من حديث يدور بين كلاً من حبيبة ويوسف وصاحت بهما بمنتهى الغضب
"من؟! آدم رأفت؟ يستحيل أن أعمل معه.. ألم تسمعوا عن سمعته؟! لولا وجودنا في بلد شرقي وامتثالنا للعادات والتقاليد لأصبح آدم ممثل إباحي! ألم تعلموا عن ادعاءات الا****ب والتحرش التي وجهت له مؤخرا؟ أرجوكم لا تخبروني أنني على العمل معه بعد ما عُرض علي العمل مع الكثير من الممثلين المعروفين بنجحاتهم، أنا لن اتقهقهر لهذا المستوى أبدا، لن أعمل معه حتى ولو كانت هذه هي الفرصة الأخيرة أمامي!! "
أخبرتهما بحزم وت**يم غاضبة وهي رافضة تماماً ما سمعته.
❈ - ❈ - ❈❈ - ❈ - ❈
يُتبع..