7

1881 Words
كنت أعرف شقيقتيّ ( بولس ) معرفة جيدة . كانتا فتاتين جميلتين ذكيتين . أما ( كايبيريا ) فقد كان حديث العهد بالزواج ولهذا لم يتسنّ لي أن أتعرف على زوجته . لكنه تحدّث عنها مرارا في حضوري بطريقته الحماسية المثيرة, كان يصفها بالجمال النادر والذكاء المدهش والمهارة التي لا تضاهى, لهذا كنت شديد الرغبة في التعرّف عليها حقًا . *** لا ، في المرة التي كنت أريد فيها أن أقف وأن أنظر إلى شيء ما ، لم أستطع وهي هناك تلوح وترفرف وتتطوح داخل النافذة وخارجها كما لو كانت تقوم بتمرينات ، ولعلها كانت تقوم بتمرينات ، فما يدريني ، ولم تكن تهتم بي على الإطلاق . لم تكن تستمسك بما تسعى إليه وتصر عليه ، ذلك شيء آخر لم يكن يروق لي منها .التمرينات أسبوعًا ، ثمَّ الصلوات وقراءة الإنجيل في الأسبوع التالي ، ثمَّ العناية بالبساتين في الأسبوع الذي يليه ، والعزف على البيانو والغناء في الأسبوع الذي بعد ذلك . كان ذلك فظيعًا ، ثمَّ تنام بعد ذلك ، وتستريح ، دائمًا تتغير . على أن ذلك ما كان يهمني في شيء ، فقد كنت دائمًا في خارج البيت . ولكن دعني الآن أكمل ما كنت بسبيله عن ذلك اليوم الذي وقعت عليه لكي أبدأ به ، وإن كان أي يوم آخر قد يفي بالغرض ، فلنمض مع ذلك اليوم ، ولنخرج عن طريقي ، ولنمضِ إلى يوم آخر ، يكفي الآن ما قلنا عن أمي . وإذن فقد مضى كل شيء بخير لفترة من الوقت . ما من متاعب ، وما من طيور تنقض عليّ ، وما من شيء في طريقي إلا جواد أبيض على مسافة شاسعة البعد ، يتبعه ولد ، أو لعله كان رجلاً ضئيل الحجم أو امرأة ضامرة القوام . *** في الرابع عشر من الشهر؛ عندما كنت على متن السفينة ذلك اليوم ، أخبرني القبطان أن ( كايبيريا ) وصحبه قادمون لزيارة السفينة أيضاً, ولهذا انتظرت ساعة إضافية عمّا كنت نويت أن أقضيه هناك, على أمل أن أرى العروس الفاتنة؛ لكن القبطان أخبرني بعد قليل أنه تلقى خبراً يقول أن السيدة ( كايبيريا ) ليست على ما يرام ولذا فإنها لن تزور السفينة قبل موعد الرحلة المضروب . وحين كنت في طريقي من الفندق إلى المرفإ في اليوم التالي, التقيت القبطان ( مايكل ) الذي ابتدرني قائلا: -"إنه بسبب الظروف ( هذه العبارة السخيفة التي تطلق لأي سبب ) لن تبحر سفينة ( الاستقلال ) قبل يوم أو يومين, وإنه عندما يكون كل شيء جاهزاً للرحلة سنعلمك بذلك ." أدهشني هذا التأجيل, إذ إنَّ الريح كانت أكثر ما تكون ملاءمة للسفر . وحاولت دون جدوى أن أكتشف هذه الـ( الظروف غير المناسبة )! لم يكن أمامي سوى العودة إلى الفندق أكظم غيظي ببطء . وبالطبع لم يرسل القبطان كلمته المنتظرة قبل أسبوع كامل . وحالما تسلمتها توجّهت على الفور إلى السفينة . وجدتها تضج بالركاب, وكل ما على متنها في حالة الضوضاء والفوضى التي تسبق الإبحار . بعد عشر دقائق من وصولي أطلّ ( كايبيريا ) وآله- الأختان والعروس و . .الفنان؛ وبدا لي أن صديقي يجتاز إحدى نوبات خشية البشر . كنت قد اعتدت مثل هذه الحالات منه, لذا لم أعرها أيّ اهتمام . أما هو فلم يحاول أن يقدمني إلى زوجته, فاستدركت أخته ( ماريان ) الأمر, وكانت فتاة جميلة جداً شديدة النباهة, وعرّفتنا الواحد إلى الآخر بكلمات موجزة . بينما كانت السيدة ( كايبيريا ) تضع على وجهها قناعاً شديد السرية والإحكام, وعندما رفعت ذاك القناع لترد على تحيتي لم أتمالك من إبداء الدهشة, ولولا أن تجاربي علمتني أنه ليس من الحكمة التسليم بآراء صديقي في كل ما يتعلق بجمال النساء, لكان دهشتي فاقت كل حد . كنت على علم تام بأية حرارة يندفع صديقي في إغداق الأوصاف المثالية حين يكون الموضوع متعلِّقاً بالجمال . الحقيقة هي أنني رأيت السيدة ( كايبيريا ) امرأة عادية جداً, إن لم أقل قبيحة, أو على الأقل قريبة من البشاعة . لكنها كانت ترتدي ثياباً أنيقة جداً, ما جعلني أعتقد أنها قد أسرت قلب صديقي بجمال الفكر والروح . تفوّهت السيدة بعبارات قليلة جداً, بعد ذلك أسرعت إلى غرفتها صحبة *** ذلك هو الجواد الأبيض الوحيد كامل البياض الذي أتذكر أنني رأيته قط ، ما يسميه الألمان فيما أعتقد "شيميل" . كنت في صباي سريع الحافظة ، وتلقنت طائفة كبيرة من المعلومات الصعبة كلمة ظريفة عند من يتحدث الإنجليزية . كانت الشمس تنصبُّ منذ قليل على أمي ، وكان يبدو أن شريطًا أو خطًا أصهب نازلاً على جنبه ، ودار بذهني أنه ربما كان حزامًا حول بطنه ، وربما كان الجواد ذاهبًا إلى مكان ما يلجم ويوثق فيه بعربة أو ما يشبهها . لقد عبر طريقي على بعد شاسع ، ثمَّ اختفى وراء الخضرة فيما افترض . كل ما رأيت هو ظهور الجواد فجأة ، ثمَّ اختفاءه . كان أبيض مشرقًا ، والشمس عليه ، لم أكن قد رأيت قط مثل هذا الجواد ، وإن كنت قد سمعت به ، ولم أر قط جوادًا آخر يشبهه . ولابد أن أقول: إن الأبيض كان يؤتي عندي أثرًا قويًا ، كل الأشياء البيض: الملاءات كنتف القطبان ، والحيطان ، وهكذا حتى الأزهار ، والجبين الوضاء أقمارًا ، والجفون نجوم التصقت في وجه حسناء تغار من فتنتها الدنيا ، بل مجرد الأبيض ، فكرة البياض لا أكثر . ولكن دعني أكمل ما كنت بسبيله عن ذلك اليوم وأخلص منه . وإذن فقد مضى كل شيء بخير لفترة من الوقت ، لا شيء إلا العنف ثمَّ هذا الجواد الأبيض ، عندما استبدت بي فجأة ثورة وحشية عارمة من الغضب ، ثورة تعمى البصر حقًا . فلماذا هذه الغضبة المفاجئة ، لا أدري حقًا لماذا هذا الغضبات المفاجئة؟ لقد أحالت حياتي إلى شقاء وعناء وجحيم مقيم . *** الحقيقة هي أنني رأيت السيدة ( كايبيريا ) امرأة عادية جداً, إن لم أقل قبيحة, أو على الأقل قريبة من البشاعة . لكنها كانت ترتدي ثياباً أنيقة جداً, ما جعلني أعتقد أنها قد أسرت قلب صديقي بجمال الفكر والروح . تفوّهت السيدة بعبارات قليلة جداً, بعد ذلك أسرعت إلى غرفتها صحبة زوجها . عاد فضولي القديم الآن يضربني في الرأس من جديد, لم تكن تصحبهم خادمة؛ كان هذا جلياً أكيداً, فرحت أترقب الحقائب الإضافية . بعد قليل وصلت إلى الميناء عربة تحمل صندوقاً من خشب الصنوبر ذا شكل متوازي المستطيلات . وبدا لي أن هذا الصندوق هو الشيء الذي كنت أنتظره . . هو السرّ المنشود . بعد وصوله أقلعنا فوراً ولم يطل بنا الوقت حتى خضنا في عرض البحر . كان الصندوق الذي وصل كما قلت ذا شكل مستطيل . كان طوله حوالي ستة أقدام وعرضه قدمين وارتفاعه نصف قدم . راقبته باهتمام لأني أحببت أن أكون دقيقاً في استنتاجي . كان شكل الصندوق غير عادي, وحالما رأيته سرّني أنني أحكم على الأمور بصواب . كنت قد توصلت إلى نتيجة واضحة, كما أشرت سابقاً, وهي أن المتاع الإضافي لصديقي الفنان كان عبارة عن لوحات فنية, أو على الأقل لوحة فنية واحدة لأنني عرفت أنه كان قد تفاوض مع اليهودي ( نيكولينو ) كنت قد توصلت إلى نتيجة واضحة, كما أشرت سابقاً, وهي أن المتاع الإضافي لصديقي الفنان كان عبارة عن لوحات فنية, أو على الأقل لوحة فنية واحدة لأنني عرفت أنه كان قد تفاوض مع اليهودي ( نيكولينو ) لعدة أسابيع خلت . . والآن هذا هو الصندوق الذي لا شك أنه يحتوي على نسخة من ( العشاء الأخير ) للفنان العظيم دافنشي!! وكنت أعرف أن النسخة التي رسمها روبيني للعشاء الأخير في فلورنسا, هي ضمن مقتنيات ( نيكولينو ), لهذا اقتنعت بيني وبين نفسي أن الأمر لم يعد سراً . وكم ضحكت في سري عندما تأملت مقدار دقة ملاحظتي . كانت هي المرة الأولى التي عرفت فيها أن ( كايبيريا ) يخفي عليّ شيئاً من أسراره الفنية, لكنه على ما يبدو كان ينوي أن يقوم بلعبة من خلف ظهري ويُهرِّب اللوحة إلى نيويورك تحت سمعي وبصري دون أن أعرف عن الأمر شيئاً . ولهذا قررت أن أستدرجه إلى فتح الموضوع فورًا أو في أول فرصة تسنح في المستقبل القريب . على أنه بقي سر واحد لم يعد يخطر ببالي, وهو أن الصندوق لم يوضع في الغرفة الإضافية الفارغة وإنما وضع في غرفة ( كايبيريا ) حيث احتلّ أرضية الغرفة تقريباً بشكل ما يسبب إزعاجاً أكيداً للفنان وزوجته, خصوصاً أن الدهان الذي استعمل لكتابة العنوان كان ينشر رائحة مزعجة, لا بل رائحة أحسست أنها كريهة . لقد كتب على الغطاء بحروف كبيرة الكلمات التالية: ( السيدة أديليد كورتيس- ألباني نيويورك, بوساطة كايبيريا بولس, هذا الوجه إلى فوق, الرجاء نقله بعناية ) . *** أشياء كثيرة أخرى أشقتني أيضًا: التهاب الحلق مثلاً ، لم أعرف قط ما معنى أن يكون للمرء حلق ملتهب ، ولكن الغضبات كانت أسوأ منها ، كريح عاصفة تهب في فجأة . لا ، لا أستطيع أن أصف . لم يكن ذلك على أي شيء حال هو العنف يزداد سوءًا ، لا شأن لذلك به من قريب أو بعيد . في بعض الأيام كنت أحس نفسي عنيفًا طوال اليوم ولا تعتريني غضبة ما ، وأيام أخرى هادئة تمامًا فيها أحس وتعتريني أربع غضبات أو خمس . لا ، ما من تفسير لذلك ، ما من تفسير لشيء عندما يكون للمرء ذهن كالذي كان دائمًا لي ، دائمًا يقظ متربص بالحياة كريشة الفنان ، لعلني أعود إلى ذلك عندما أحس أقل وَهنا مما أنا الآن . وقد مرت بي أحيان كنت أحاول أن أتخفف مما بي بأن أخبط رأسي بشيء ما ، ولكنني أقلعت عن ذلك . *** كان أفضل ما وقعت عليه أن أروح أجري . ربما كان من الخير أن أذكر هنا أنني كنت بطيء السير جدًا . لم أكن أتسكع أو أتلكأ بأي شكل ، بل كنت أسير ببطء جدًا ، هذا كل شيء ، خطوات صغيرة قصيرة والقدمان بطيئان جدًا في الهواء . ومن ناحية أخرى فلابد أنني كنت من أسرع العدائين الذين شهدهم العالم ، لمسافة قصيرة ، خمس أو عشر ياردات ، في ثانية واحدة كنت هناك . لكنني لم أكن أستطيع أن أمضي بتلك السرعة ، لا لانقطاع النفس ، بل كان ذلك عقليًا ، كل شيء عقلي أضغاث أوهام يفضحه انفراط الموكب . أما السير السريع مثلاً فلم أكن بقادر عليه إلا قدرتي على الطيران . لا ، كان كل شيء عندي بطيئًا ، ثمَّ هذه الومضات ، أو الانبثاقات ، تفثأ الغلة ككنيسة تهدم جانب من السور المحيط بها وحفرت الشظايا عليها ، كان ذلك من الأشياء التي اعتدت أن أرددها ، مرارًا وتكرارًا ، بينما أنا في طريقي ، تفثأ الغلة . ولحسن الحظ مات أبي وأنا بعد صبي صغير ، وإلا لأصبحت أستاذًا في الجامعة ، كان قد وضع ذلك نصب عينيه وكنت قادرًا على الدرس والبحث أيضًا ، قدرة لا بأس بها ، لا تفكير ، وإنما على حافظة عظيمة . حدثته يومًا عن النظام الكوني عند ميلتون ، بعيدًا عاليًا في الجبل كنا يومها ، نستريح على صخرة هائلة منيفة على البحر ، قنابل تبتلعها الأرض على مضض ، وترك ذلك عنده أثرًا قويًا . الحب أيضًا ، كان غالبًا في تفكيري ، عندما كنت صبيًا ، وإن لم يشغل حيزًا كبيرًا بالمقارنة بغيري من الصبيان ، ووجدت أنه كان يؤرقني . *** لم أحب أحدًا قط فيما أعتقد وإلا لتذكرت ذلك . اللهم إلا في أحلامي ، وهي عندئذ ح*****ت ، ح*****ت الأحلام ، لا تشبه في شيء تلك التي تراها تسير في الريف ، ليس في استطاعتي أن أصفها ، مخلوقات رائعة الجمال كانت ، بيضاء في غالبها . ولعل ذلك كان مما يؤسف له على نحو ما ، فلعل امرأة طيبة كان بوسعها أن تصنع مني شيئًا مذكورًا ، بالقرب منى ، وفي هذه اللحظة ، كانت حاضرة إلى درجة إنني أستطيع لمسها ، تتطلع ناحيتي بعينيها الغائرتين ، اللامعتين ، نظراتها التي لا استطيع تجنبها ، تحاشيها ، نظراتها المتسائلة . فيما بعد ، سمعت صوتها ، مهمهما بكلمات مبهمة ، سمعت صوتها الخفيض ، الأجش ذا اللكنة الغريبة –
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD