فتح عيناه بصعوبة وهو يشعر بذلك الآلم اللعين من آثار تلك الخمر التي احتساها الليلة الماضية فنهض بصعوبة وآخذ بعض أقراص المُسكن ليبتلعها دون مياة وتوجه للحمام مستعداً لروتينه اليومي المرير الذي بات لا يتحمله أكثر من ذي قبل.
تن*د وهو يجذب تلك المكابح اليدوية لسيارته التي صفها مثلما تعود أمام منزل عائلته ثم توجه للخارج ولأول مرة يشعر بعدم رغبته لإكمال الطريق للداخل، لا يدري لماذا هو متريث تلك المرة أكثر من المرات السابقة، لا يزال لديه ذلك الشعور الدفين الذي لم يفارقه بأنه غريب عن الجميع.
كاد أن يلتفت ويعود لسيارته ولكن كان زياد ينتظره منذ الصباح الباكر أمام بوابة المنزل التي يدلف منها دائماً ليستمع لصوته منادياً اياه
"بدر" صاح منادياً ليلتفت بدر الدين تجاه الصوت ليرى زياد الذي بدا كالطفل الصغير أمامه مشتتاً فعقد حاجباه ولم يجيبه ونظر إليه فقط دون كلام "أنا آسف" همس بها دون مقدمات أخرى ليحدق بدر في عيناه دون حديث ثم أماء له بالموافقة "خلاص بقا يا عم عيل وغلط، هتعمل راسك براسه يعني؟" صاح مازحاً ليهُز بدر الدين رأسه في إنكار من أفعال ذلك الصغير الذي لن يكبر أبداً "سماح بقا المرادي.. حقك عليا وهات ايدك ابوسها" جذب يد أخيه
"بس يا زياد بطل تفاهة" أخبره حانقاً
"ما هو لو مكنتش طويل كنت قولتلك هات راسك أبوسها، بس أعملك ايه أنت اللي فِرع زيادة عن اللزوم" أخبره مازحاً مجدداً ليزيد بدر الدين من عقدة حاجباه ليستمع لصوت شاهندة التي كانت تراقب كل شيء على مقربة منهما
"ما تفك بقا يا بدور، مهما هزرنا معاك كده مفيش ضحكة حلوة تحن بيها علينا"
"ما قولتلك يا شاهي بلاش بدور دي بتنرفزني" التفت نحوها غاضباً
"طيب خلاص ايه رأيك أقولك يا بدوري ولا بدبد" حاوطت عنقه في دلال ليستمع لقهقهة زياد بينما نظر لها في غضب
"يا باي!! عاملنلك قرود على الصبح.. أضحك بقا وفك التكشيرة دي" نظرت له بتوسل ليومأ لها بالموافقة وبدأت ملامحه تلين شيئاً فشيئاً وللحظة انضمت لهم هديل التي كانت تراقب كل شيء دون ملاحظة أحد
"وأنا بقا ملياش نصيب في الهزار ده ولا يعني عشان منفوخة كده مش هعرف احضنك واتدلع عليك" تحدثت في دلال متصنعة الحزن
"بصراحة بقيتي شبه البطيخة" أخبرها زياد أمام الجميع ليضحكوا سوياً بينما ابتسم بدر الدين ابتسامة هادئة لم تظهر أسنانه ولكن غضبت هديل من كلمات أخيها الصغير
"أنا بطيخة!! ماشي يا زياد، والله أولد بس وأفوقلك!" توعدته ثم عقدت ذراعيها لتتعالى ضحكات شاهندة وزياد بينما هز بدر الدين رأسه في إنكار مبتسماً
"طب يالا بقا عشان نوجا هتزعلنا لو أتأخرنا" صاح زياد للجميع ليتوجهوا سوياً للداخل ولم يرى أحد نجوى التي كانت تراقبهم من نافذة غرفتها وابتسمت عندما رأتهم هكذا
"ربنا ما يحرمكوا من بعض أبداً ويخليكوا لبعض.. نفسي دايماً أطمن عليكوا وأشوفكوا مبسوطين قبل ما أموت" لانت ابتسامتها بعد أن تحدثت لنفسها وتوجهت للأسفل حتى تتناول معهم الإفطار.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
أمسكت بصينية الطعام ودلفت على والدتها مثلما تعودت كل صباح لتجد يُسري زوج والدتها بالداخل فنظرت له بإبتسامة بريئة وتوجهت نحوه "لو كنت أعرف إنك هنا كنت عملتلك الفطار بنفسي بس فكرتك نزلت الشغل بدري" ناولته الصينية التي وضعت عليها الطعام
"صباح الخير.. يالا أفطر انت والقمر الجميلة دي على ما أحضر لنفسي أكل وأجي الحقكوا"
"شكراً يا نور.. صباح الخير" ابتسم لها تلك الإبتسامة الخبيثة التي لطالما أزعجتها ولكن لم ترى والدتها غير لطفه الدائم معها ولم تعلم شيئاً عن نواياه السيئة القذرة تجاه ابنتها أبداً.
"ايه يا يُسري ايه أخبار الشركة.. مبقتش تحكيلي حاجة خالص.." صاحت كوثر ويُسري يقترب منها واضعاً صينية الطعام أمامها وبدأ في تناوله وهو يبتسم لها
"ماتقلقيش يا حبيبتي كله ماشي تمام التمام والدنيا زي الفل واحتمال نفتح فرع تاني قريب كمان"
"بجد يا يُسري؟!" صاحت بلهفة سائلة
"طبعاً يا حبيبتي، وأنا من امتى كدبت عليكي؟!" نظر بعيناها العسليتان التي تشع فرحاً من سماعها تلك الأخبار
"الحمد لله يارب.. أحسن بردو عشان من السنة الجاية نوري تبتدي تنزل معاك.. هي كمان ابتدت تدريب في شركة كبيرة بتاعت أهل واحد زميلها بس أنا كان نفسي تكون في شركتنا أحسن عشان تكون براحتها ومحدش يضايقها"
"أكيد طبعاً.. تتخرج بس وأنا تحت أمرها" ابتسم يُسري لها لتلين ابتسامته بينما شرد بعيداً بعد استماعه لتلك الكلمات من كوثر وأخذ يحدث نفسه "وأنا بقا مش ناقص غير البنت المتدلعة دي تيجي تبوظلي كل حاجة زيادة عن ما هي بايظة خلقة.. أنا مش ناقص قرف!!" تمتم لنفسه بينما أفاقه صوت كوثر
"ايه يا حبيبي روحت فين؟!"
"ايه.. أبداً.. بس آآ بفكر في موضوع كده لو تم هيبقى فتحة خير علينا وهينقلنا نقلة تانية"
"ربنا يوفقك يا حبيبي"
"يالا بقا عشان متأخرش.. سلام يا حبيبتي" انحنى ليقبل رأسها بإقتضاب ومن ثم توجه ليغادر فالتقى بنورسين في طريقه التي أمسكت بصينية الطعام لها
"ايه ده أنت ماشي؟" تسائلت في براءة وهي التي كانت تظن أنهم سيتناولون الطعام سوياً، فبالرغم من عدم الراحة التي تشعر بها تجاهه إلا أنها لطالما أفتقدت ذلك الجو الأسري وخاصة حنان الأب الذي لم تعرفه يوماً.
"اه عشان ألحق الشغل وعندي اجتماع بدري يادوبك ناقص عليه نص ساعة" نظر لها يتفحص عيناها ونظراته الغريبة تلك التي لم تستطع هي تفسيرها يوما أبدًا
"ممم.. أوك.. باي" كادت أن تغادره لتجده أقترب منها وقبل جبينها وأطال القبلة حتى شعرت بالريبة من تصرفه وحاولت الإبتعاد عنه
"مع السلامة" أخبرها ثم توجه للخارج وهو يتمتم في نفسه "امتى بقا هنفذ للي في دماغي!!"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"بدر استنى" نادته شاهندة قبل أن يغادر ليلتفت لها بأعين متسائلة فحمحمت وهي تقترب منه "وحياة شاهي عندك وإن كنت بتحبني وبتعز أختك لا توافق إن نورسين ترجع" نظر لها بغضب وكز أسنانه في غيظ
"أنا قولت محدش يجيب سيرتها قدامـ.."
"علشان خاطري، إن كان ليا خاطر عندك.. البنت دي ممتازة والله وأنا محتجاها.. اديها فرصة تانية" قاطعته وهي تتوسله ليوصد عيناه في غضب حانقاً
"ماشي يا شاهندة عشان خاطرك.. بس ابعديها عني على قد ما تقدري" تحدث بين أسنانه الملتحمة لتقبله شاهندة على وجنه لزفر في حنق.
"ربنا ما يحرمني منك يارب.. كنت عارفة إن قلبك طيب ومش هاهون عليك"
"طيب.. متتأخريش عشان ملحقناش نعمل اجتماع امبارح.. الساعة عشرة بالدقيقة تكوني عندي في مكتبي"
"عيوني يا بدور"
"يوووه" صاح في غضب ليغادرها وضحكت هي في خفوت من غضبه ذلك وفوراً أمسكت بهاتفها لتحدث نورسين.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"ياما نفسي أشوفك يا نوري الدراع اليمين ليسري.. لسه كان بيقولي أنه قرب يفتح فرع تاني للشركة" همست كوثر إليها
"ايه ده بجد يا ماما؟" تعجبت في لهفة لتومأ لها والدتها
"تشتغلي في شركتنا أحسن ما تروحي للغريب"
"أكيد طبعاً يا كوكي بس هي الفكرة إن الشركة اللي أنا روحتها امبارح عالمية وعندهم فروع كتير.. وأنا نفسي أعرف الشركات دي بقت كده ازاي عشان أكبر شركتنا"
"ربنا يوفقك يا حبيبتي.." ابتسمت لها والدتها ليرن هاتف نورسين الذي وجدت أن رقم المتصل ليس مسجلاً بهاتفها
"آلو"
"يا صباح النور" أجابتها شاهندة من الطرف الآخر
"صباح الخير، مين معايا؟!" تعجبت نورسين
"أنا شاهندة، ألبسي وتعاليلي حالاً على الشركة عشان عندنا اجتماع الساعة عشرة وبدر ممكن زرابينه تطلع علينا لو أتأخرنا"
"ازي حضرتك.. لا أنا كنت قولت لزيـ.." توقفت من تلقاء نفسها عندما رآت والدتها تنظر لها بأعين متسائلة بينما لم تعطها شاهندة فرصة
"ولا قولتي ولا مقولتيش.. وبعدين ايه حضرتك دي، طول ما احنا سوا تقوليلي يا شاهي، والنبي يا نور ما توقعيني في مشاكل مع بدر ما صدقت فك شوية.. يالا مستنياكي.. باي" تحدثت لها مسرعة ثم أنهت المكالمة لتشعر نورسين أنها بموقف صعب للغاية
"خير يا حبيبتي مين؟!" صاحت كوثر في قلق
"دي..دي.. مديرتي في الشغل" ابتلعت وهي تجيب بتلعثم وكأنما ضاعت منها الكلمات
"ومالك كده مخطوفة؟!"
"ها.. لا مفيش.. بس عندنا اجتماع مهم ويادوب ألحق ألبس.. سلام يا كوكي" فرت نورسين مسرعة لغرفتها قبل أن تتواتر أسئلة والدتها خاصة أنها لم تخبرها ما حدث أمس وأخذت تستعد وهي بالكاد ترى ما ترتديه والأفكار لا تتوقف عن الإنفجار بعقلها..
مائة سؤال ومائة تخمين دوى بعقلها وهي لا تدري ما الذي ستفعله عندما تراه اليوم وكيف ستنظر له من الأساس، لا تعلم لماذا لم تخبر والدتها البارحة بما حدث وهي التي أوصتها بأن تغادر ما إن شعرت بعدم الراحة..
تذكرت تلك الأعين التي افترستها حية صباح أمس لتبتلع من تذكر تلك السوداوتان وهي تشعر بالتوتر يتآكلها داخلياً من مجرد فكرة الذهاب إلي الشركة مجدداً ورؤيته!! ماذا سيظن بها؟ أنها ليست لديها كرامة!
"أنا ليا بالكام شهر تدريب وبعدين مش هاشوف وشه تاني!!" تحدثت لنفسها وهي تمرر مرطب الشفاة الوردي ثم نثرت بعضاً من عطرها "كان لازم يعني شاهي تزنقني الزنقة ديه" تن*دت بينما جمعت أشياءها في حقيبة يدها وتوجهت على الفور للخارج.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"كويس إنك جيتي قبل معادك" صاحت شاهندة وهي تنظر بحاسوبها ما إن لاحظت وصول نورسين لمكتبها "يووه Sorry، صباح الخير الأول" ابتسمت نورسين لها بإقتضاب
"صباح النور"
"بصي يا نور ده هيكون مكتبك وأنا عموماً بحب الـ Assistant بتاعتي تكون معايا دايماً.. الـ Laptop اللي على المكتب ده بتاعك وخليت الـ IT department تظبطلك كل حاجة الـ Email و الـ Programs اللي هتحتاجي تشتغلي عليها وشوية تعريفات عن الشركة وآه.. أي حاجة تحتاجيها ممكن تطلبيها من الـ Administration department.. بالحق صحيح زياد حكالك حاجة عن شركتنا أو.."
"متقلقيش أنا قريت عنها كتير" قاطعتها نورسين عندما شعرت بتوترها الزائد وسرعتها في الحديث
"معلش ملحقناش نقعد سوا امبارح بس أنا كده هقولك بإختصار بسرعة احنا بنعمل ايه، الإدارة اللي أنا مسكاها يعني وهد*كي اختصار سريع لأن مقدمناش غير ساعة واحدة لغاية الإجتماع" تركت شاهندة حاسوبها ونظرت لنورسين ثم غمزت لها "لا لا بقا أنا مش هقدر على الحلاوة دي كلها، ايه الجمال ده بس.. محظوظة أنا عشان يبقى معايا أجمل وأحلى بنوتة في الشركة"
"ميرسي" توردت خجلاً وابتسمت لها
"تعالي اقعدي جنبي بدل شغل المكاتب ده أنا مبحبوش"
"أوك"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"كريم بقولك كان فيه خناقة امبارح والنهاردة الصبح زياد كان بيعتذر لبدر وشاهي هي اللي قالتله يعتذرله"
"يووه بقا يا هديل، وأنا مالي، أنتي عارفة إني مشغول في المشاريع الجديدة اللي أخوكي عمال يدخلها دي ومش فاضي أشوف مين بيعمل ايه"
"امال ايه لازمة إنك في الشركة وقاعد معاهم ليل نهار، أنا اللي اسمي في البيت بعرف دبة النملة"
"اه صح، واللي بيلف على المواقع واللي بيشوف البلاوي السودا اللي كل شوية بتحصل هيفضى للتفاهات دي"
"تصدق إني فعلاً مش هسألك على حاجة تانية.. خليك كده زي الطور في الساقية وأنت مش فاهم ايه اللي بيحصل حواليك.. هاولد بس وافوق لكل اللي أنت مش عارف تفوقله"
"طيب يا حبيبتي.. سيبيني بقا أفوق لساقيتي وروحي انتي اولدي سلام"
أنهى كريم المكالمة الغريبة التي تلقاها من هديل بينما هي كادت أن تهشم هاتفها بيدها، تود أن تعلم كل شيء، تريد أن تتحكم في كل شيء، دائماً تشعر وأن كريم غير مكترث لكل ما تخطط له على الإطلاق.
"ماشي يا كريم.. إن مكنتش أنت هتفوق لمستقبلي ومستقبل ولادي أنا هاعرف أفوقله كويس" تمتمت لنفسها ثم جلست لتفكر كيف تستعيد كل شيء مرة أخرى ثانيةً.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"تمام كده عرفتي هتعملي ايه؟!" صاحت شاهندة لتومأ لها نورسين بالموافقة
"متقلقيش.. كله تمام"
"معلش يا نور امبارح أنا عارفة أكيد بدر ضايقك و.."
"مضايقنيش ولا حاجة" قاطعتها "أنا اعتذرتله عشان فعلاً أسلوبي مكانش كويس ومن العصبية غلطت فيه غصب عني" قاطعتها بإبتسامة هادئة "على العموم حصل خير" نظرت لها شاهندة في تعجب ثم ضيقت عيناها
"أنتي بتتكلمي عن بدر الدين أخويا مش كده؟!" تسائلت وهي تنظر لتلك الزرقاوتان تتفحصهما
"ايوة يعني امال عن مين!" ابتسمت لها لتسمع تنهيدة شاهندة
"ماشي يا نور هانم.. نخلص الـ meeting واجي أشوف الموضوع ده، يالا بينا"
"يالا" جمعتا أشياءهما استعداداً للإجتماع ثم توجهتا للدور الأخير حيث يقع مكتب بدر وغرف الإجتماعات فتوجهت شاهندة لأحدى الأبواب وليس مكتب بدر الدين الذي ذهبت إليه بالأمس فتبعتها في صمت وما إن دخلت حتى آخذت تعرفها على كل من بالغرفة، من تكون مساعدة من ومنصب كلاً من كريم وحمزة زوجها.
"كريم الدمنهوري Head of operations وجوز أختي" قدمته لها ليبدأ هو بمصافحتها
"نورسين الـ Assistant بتاعتي الجديدة" لا تدري لماذا لم يروقها ذلك الرجل منذ الوهلة الأولى بالرغم من تلك الإبتسامة التي لا تفارقه
"حمزة أبو الفضل CFO وزوجي الحبيب" صاحت بمزاح ودلال ليضحك كل من بغرفة الإجتماعات فيما بينهم نورسين وصافحته
"ايه يا جماعة مش من حقي أحب جوزي ولا ايه" تعالت ضحكات الجميع بنفس اللحظة التي دلف بها بدر الدين الغرفة ليتعجل الجميع لمقاعدهم بينما استمرت نورسين في الإبتسام لتقع عيناه السوداوتان عليها ولم يستطع أن يحرك عيناه إلي أي أحد أخر.
تصلب مكانه وهو يحدق بتلك الإبتسامة التي لم يلاحظها يوم أمس.. ظل ينظر لها لتدرك عيناه ما يرى، جسدها الممشوق في ذلك الرداء النبيذي الذي أعطاها مظهراً رسمياً ولكن لا يعبث بأنوثتها بل الع** تماماً هو يبرز أنوثتها بطريقة لم يرها بإمرأة قط، ذلك اللون الذي امتزج مع بشرتها الحليبية أفقده عقله بثوان، كيف لذلك الرداء أن يحتضن منحنياتها بشكل يزعجه للغاية، كيف لم يلاحظ ذلك الخصر المرسوم منذ البارحة، كيف لم يرى ثديياها المثاليان وهما جليان كشمس الصباح، ظل ناظراً لها مُفكراً أنه لو كان يحلم بإمرأة لما وجدها بأحلامه بذلك الكمال الذي يراه الآن.
أقتربت بجانب شاهندة لتهمس بأذنها شيئاً ما فتمايل شعرها لينخفض معها لترفعه هي برقة متناهية تلقائية لتعبث بعقله أكثر، لماذا عليها أن تكون بمثل هذا الكمال وهي أصبحت أكثر ما يغضبه منذ الأمس؟
ابتلع وهو لا يزال يتفحصها عاقداً حاجباه، عقله بمكان آخر، لقد كان منذ يومان مع احدى النساء ولكن ما الذي يجذبه بتلك الفتاة، هو حقاً لا يعلم!
"بدر.. مش هنبتدي الاجتماع ولا ايه؟! هتفضل واقف كده كتير؟" صاحت شاهندة التي تعجبت لصمته طوال كل ذلك الوقت فحمحم بعد أن أدرك أنه لتوه فاق من شروده بتلك اللعينة ثم نظر لأخته
"لا كنت مستني تخلصوا ضحك الأول.." رد لها الصاع صاعين، فهو كما يظن نفسه لا يخطئ أبداً ولن يسمح لأحد بأن يتحدث عنه هكذا أمام الجميع حتى ولو كانت شاهندة نفسها. امتعضت ملامح نورسين من إجابته الجافة أما الباقين فنظروا لما أمامهم خوفاً من غضب بدر الدين!
"دلوقتي بقا نفسي أفهم ايه قصة الـ Materials (المواد) المتأخرة واللي مش موجودة في المخازن؟" توجه لشاهندة التي جلست بجانبها نورسين التي دونت شيئاً ما بالقلم الرصاص ثم حجبت خصلاتها خلف أذنها وعبثت بالقلم في شفتيها الكرزيتان ليصر بدر الدين أسنانه غاضباً من تأثير تلك الفتاة عليه وحاول التركيز في كلام شاهندة بكل ما أوتي من قدرة على التركيز.
"...... وبعدين أنا مبيتأخرش عندي حاجة وأنت فاهم وعارف شغلي كويس" توقفت شاهندة عن الكلام وقد لاحظت غضب بدر الدين وعدم تركيزه لتجده يحمحم ثم نظر أمامه
"التقارير الخاصة بالإستهلاك فين يا كريم؟" توجه لكريم الذي جلس أمام شاهندة على الطرف المقابل من الطاولة وهو يطلق نفساً شاعراً بالراحة أنه لا ينظر نحوها بعد الآن بعد أن حاول إخفاءه أنه لم يستمع لما قالته أخته.
"سهيلة هتوريهالنا حالاً" وصلت سهيلة مساعدة كريم الشخصية حاسوبها الخاص لتستعرض تلك التقارير والتحليلات التي سأل عنها بدر منذ قليل ليبدأ كريم في شرحها وما إن انتهى حتى اعتدل بدر الدين في جلسته
"يعني كل يوم الكميات دي ليه، ماسكين بلد بحالها" صاح بغضب لتبتلع نورسين في توتر من صوته
"يا بدر اد*ك شايف الـ.."
"كريم الكميات دي مش مظبوطة، استحالة يكون كل ده استهلاكنا في اليوم الواحد" قاطعه ليتوجه لشاهندة مرة أخرى "وأنتي ازاي سايباه يطلب كل ده من غير ما تبلغي؟" صاح بشاهندة لترتعب نورسين وعضت على شفتاها ليلاحظها بدر الدين الذي **ر ذلك القلم الممسك به دون أن يدري!
"يا بدر أنا.."
"ولا كلمة أسمعها تاني" ازداد غضبه بعد أن أدرك ما يحدث له من تأثير نورسين عليه
"وأنت يا حمزة.. ايه.. موقف ليه الموافقات المالية؟ عايز يبقى منظرنا زفت قدام الناس؟"
"بدر بعد اذنك أنا في الأول وفي الآخر ملتزم بميزانية، وقبل كده اشتكيت من كميات الاستهلاك الغير طبيعية حتى في المشاريع اللي المفروض انها ثابتة ومعروف كمياتها وكريم قالي ان كل التقارير صح على الـ system وانه مينفعش يسيب المخازن فاضية بس أنا فعلاً مش هاقدر أوفر السيولة دي كلها بالذات عندنا مشاريع جديدة محتاجة تجهيزات" انتهى حمزة ليوجه بدر الدين نظره لكريم
"فعلاً هي دي التقارير اللي بشوفها كل يوم، أنا كمان عندي طلبات مخازن مقدرش اقولها لأ" صدق كريم على كلام حمزة ليخلل شعره الفحمي في عصبية
"يعني نفترض شركة، احتياجها من يوم ما اتعاقدنا معاها X ونفس الربح اللي بيجلنا منها ثابت والشركة زي ما هي بنفس أعداد كل حاجة، ازاي فجأة يبقى احتياجها ضعفين الـ X؟" تحدث بعصبية زائدة بينما ساد الصمت لتقترب نورسين من شاهندة لتهمس لها شيئاً لينظر لها بدر نظرة قاتمة بمنتهى الغضب المستعر وهي التي جنت على نفسها، ستكون ملجئه الوحيد ليفرغ عليه كل ذلك الغضب
"جرى ايه يا هانم، مش شايفة أننا بنتكلم في كلام مهم، لو مش قد المسئولية والإلتزام تقدري تمشي، مش رحلة هي ولا فسحة، دي ملايين بتتصرف على الأرض، حاجة زي المصيبة اللي فيها دي لازم نكون مركزين عشان نعرف المشكلة فين.."
"يا بدر لو سمحت مـ.." قاطعته شاهندة ليقاطعها
"بعد اذنك متدخليش.. ما دام الإجتماع معايا أنا مش بسمح بالتهريج والهزار، مش في مدرسة احنا عشان شغل العيال بتاع المدارس ده يحصل، اللي عنده حاجة يضيفها واللي معندوش يقعد ساكت!" صرخ بكلماته ليحتقن وجه نورسين من تلك الإهانة التي كيلها لها دفعة واحدة ولكن لا، لن تسمح له تلك المرة بأن يٌفرض عليها هيمنته تلك خاصة أنها تعرف أن ما فكرت به قد يحتمل الصحة.
"حضرتك يا Mr بدر أنا مقدرة المسئولية وملتزمة وفاهمة كويس إن ده مش لعب عيال، بس في نفس الوقت مقدرش اتعدى مديرتي من غير ما استئذنها، وعموماً عندي حاجات أضيفها وحاجات مهمة" تريثت لثوان حتى جذبت انتباه الجميع بينما نظر لها كريم أكثرهم في دهشة خاصة عندما نهضت حتى تنظر ملياً للشاشة العملاقة التي أحتلت الغرفة، بينما عينا بدر الدين تتابعها كالنسر "ليه منقولش إن التقارير دي فيها حاجة غلط وتكون مشكلة من الـ System نفسه؟"
"منقولش" ضحك بدر الدين بخفوت ساخراً على كلماتها "اقعدي يا شاطرة مكانك واعرفي الشغل كويس الأول وأعرفي الـ System اللي احنا شاغلين بيه وبعدين ابقي تعالي اتكلمي" تعجب الجميع من تصرف بدر فهو عادة لا يتصرف هكذا بينما ألتفتت له نورسين رافعة احدى حاجبيها في تحدٍ
"الشركة شاغاله بأغلى ERP System في السوق، وعارفة انه المفروض معموله Upgrade لغاية أحدث نسخة منه واحدث إصدار، بس ايه رأي حضرتك لو جيبنا الـ IT Manager وسألناه على الـ Reports اللي قدامنا وطلبنا منه يطلعها من الـ System بنفسه، وياريت يعملها أكتر من مرة لو سمحت عشان نتأكد أنه مفيش خلل"
"وماله.." ابتسم متهكماً ليرسل مساعدته الشخصية في استدعاء مدير قسم الـ IT بينما لم تتحرك عينا بدر الدين من عليها وهو يشعر بكامل الثقة بأنها ستكون مخطئة أمام الجميع وينتظر فقط تلك اللحظة ليُسمعها ما لذ وطاب ويخرج عليها غضبه، فهي من بدأت بتحديه.
"ايه اللي أنتي عملتيه ده بس؟" همست لها شاهندة وهي تلعن حظها
"أكيد فيه غلط في الـ system" همست مجيبة وهي تتدعو بداخلها أن تكون على حق.
"سمير أنا عايز التقرير بتاع مخازن الموقع اللي قدامك ده من على الـ System direct، الاقيه 5 مرات مطبوع حالاً قدامي" آمره بهدوء وعيناه لازالتا مسلتطان على نورسين وابتسامة التهكم تتراقص على شفتاه وبدأ في التخيل كم سيكون صارماً وجافاً معها بعد أن تحدته بتلك الطريقة أمام الجميع، بينما تحاشته هي تماماً وهي تدعو من داخلها أن تكن على حق
"حاضر يا Mr بدر"
ترقب الجميع تلك الدقائق التي مرت على نورسين كالسنوات وشاهندة كذلك هي الأخرى بينما بدأ الباقون يتململون في مقاعدهم حتى آتى سمير واضعاً التقارير كما طلبها بدر ليطالعها في صمت ثم ازداد غضبه واشتدت ملامحه لينظر لسمير في منتهى العصبية
"أنت متخلف ولا غ*ي عشان كل تقرير الاقيه كميته زايدة، بتاخد مرتبك أصلاً ليه، لو مش قد الشغل نشوف غيرك" صرخ به ثم ألقى تلك التقارير بوجهه لتبتسم نورسين في انتصاروأطلقت زفيراً كانت تحبسه منذ الكثير بينما بدأ الجميع ينظرون إليها في دهشة بين حاقد وبين معجب بينما تاقبلت زرقاوتاها بتلك النظرة الكارهة منه فازدادت ابتسامتها بينما هو سحق أسنانه
"أنت بايت هنا في الشركة لغاية ما المشكلة دي تتحل.. سامع يا زفت أنت"
"سامع حضرتك.. بعد اذنك أروح أشتغل على المشكلة" أشار له بيده غاضباً وما إن وصد الباب خلفه حتى صب بدر الدين المتبقي من غضبه على كريم
"أنت Head of operations أنت؟! ده أنا أجيب عيل بقا بيعرف يسحب تقارير من الـ system وأشغله مكانك، أزاي مبتنزلش تشوف لمخازن بنفسك؟ ازاي ده يحصل رد عليا؟" صرخ به بمنتهى الغضب
"أنا... أنا.. بنزل وشوفت الـ.."
"أنت مش شايف شغلك يا بيه.. وأعتبروا كلكم ده انذار للكل، وأنتي يا شاهندة كان لازم تعرفي ان فيه مشكلة لما بتطلب منك كل الكميات دي" قاطعه ثم نظر لشاهندة
"أنا سألت كريم وهو قالـ.."
"بلا سألتي بلا زفت، كلكوا غلطانين، اتفضلوا دلوقتي الإجتماع خلص" قاطعها وصرخ في الجميع لتنهض شاهندة في غضب وتغادر على الفور بينما لحقها زوجها وفر كريم في لمح البصر هارباً، بينما فعلتا مساعدتيهما الشخصيتان تحاشياً لغضب بدر الدين الذي يعرفوه جيدا، بينما نورسين جمعت أشياءها ثم أشياء شاهندة وكادت أن تحملهما ليوقفها صوته
"ايه!! ساعة بتلمي الحاجة، اتفضلي برا"
"حضرتك كل واحد لم حاجته ومشي، أنا بلم لأتنين مش واحد، كمان مفيش واحدة اهتمت تقفل لشاشة وسابوا كل حاجة ومشيوا، وعموماً أنا عايزة امشي بسرعة أكتر ما أنت عايـ.."
"انجزي وامشي ومش عايز اسمع صوت" قاطعها غاضباً ثم وجه لها ظهره وهو يجوب الغرفة كالمجنون، فهو لا يُصدق أنها تحدته وجعلته مخطئ أمام الجميع.
كادت أن تغادر بينما لمحت مكالمة من زوج والدتها فأنهت المكالمة حتى تخرج وقررت أنها ستحدثه لاحقاً لتفاجأ أنه هاتفها أكثر من ثلاثون مرة لتندهش وشعرت بالقلق الشديد لتجده يتحدث مرة أخرى فلم تنتظر واجابته على الفور وهي تحمل الأوراق والملفات الخاصة بشاهندة
"آلو" لم تمر ثوان منذ أن أجابت حتى سقط كل ما بيديها محدثا جلبة لينظر لها بدر الدين غاضباً لذلك الصوت المزعج بينما صرخت هي "بتقول ايه!! ماما ماما.. أنت.. متـ.. استحالة.. ماما ما.." ودون مقدمات سقطت أرضاً مغشياً عليها.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
توجه نحوها مهرولاً وهو ينظر لجسدها الملقى أرضاً وأمسك بالهاتف ليعلم ما الذي حدث حتى تقع أرضاً فاقدة الوعي بهذه الطريقة قبل أي شيء آخر بالرغم من غضبه منها ومما فعلته معه منذ قليل ولكنه عليه أن يعرف ماذا هناك
"آلو.." تحدث ليجيبه صوت ذكوري
"آلو.. نورسين فين، لازم تيجي بسرعة" تريث برهة ثم تحدث مجدداً "وبعدين أنت مين؟!" تعجب يسري من ذلك الشخص الذي يجيبه بينما ابتلع بدر قبل أن يتحدث بأي شيء وفكر جيداً قبل أن يجيبه
"أنا زميلها.. خير فيه ايه؟"
"والدتها اتوفت.." أخبره يسري ليشعر بدر الدين بالشلل التام وهو لا يدري ما عليه فعله "هي فين؟ كانت بتكلمني حالاً"
أخذ يفكر سريعاً بمنتهى الحصافة، أيخبره أنه فقدت وعيها أم ماذا عليه أن يفعل، وتأخر في الرد حتى تعجب يُسري من ذلك الصمت الذي دام لعدة لحظات
"آلو.." صاح ليدرك بدر الدين أنه قد آخذ وقت أكثر من اللازم ولأول مرة يشعر بعدم إجادته للتصرف
"ايوة.. معاك.. هي بس من الصدمة مش مصدقة.."
"طيب بلغها أنها لازم تيجي دلوقتي حالاً" أنهى يسري المكالمة ليتعجب بدر الدين من تصرفه وكاد أن يغادر ليذهب لشاهندة ولكن ما أن وصل لباب غرفة الاجتماعات توقف من تلقاء نفسه وكأنما شعر بشيء يناديه ليعاود أدراجه ولكنه وجد نفسه يوصد الباب ثم توجه نحوها مرة ثانية.
أنخفض بمستوى جسده ليقترب منها وهي مغشي عليها ليرفع خصلاتها الحريرية التي سقطت على عينيها التي لم يرى مثيلاً لها من قبل ليجد نفسه يحدق أكثر بملامحها.
كم كانت رائعة الجمال.. وجهها بريء للغاية.. تفاصيل ملامحها تجبر على ألا يتوقف للنظر لها.. شفتاها تلك التي شابهت حبتي الفراولة أجبرته على أن يتلمسها بأنامله.. أخذ يتلمس شفتاها بسبابته ثم مررظهر كفه على وجها الناعم وهو يتطلعها ثم تن*د ليلاحظ جسدها الراقد أمامه ليحملها ثم وضعها على احدى الارائك ثم ذهب ليُحضر بعض المياة من على الطاولة لتساعده في افاقتها وجلس بجانبها مرة أخرى ليجد نفسه يتطلعها في صمت مجدداً ولا يريد أن يفيقها.
"ايه مالها نور؟ ايه اللي حصلها؟" لم يشعر بالوقت وهو ينظر لها ليُفاجأ بصوت شاهندة بجانبه ليدرك أنه جلس ينظر لملامحها أكثر من اللازم!
"والدتها اتوفت واغم عليها لما عرفت الخبر" تحدث بهدوء بينما ناول شاهندة المياة ونهض مبتعداً ليفسح لأخته مكان للجلوس بجانبها ثم أعطاهما ظهره
"يا نهار أبيض!! الكلام ده من امتى؟" صاحت شاهندة في دهشة
"بعد ما مشيتو على طول" اجابها بإقتضاب وهو يحاول أن يخفي مدى تلهفه للذهاب والجلوس بجانبها مرة أخرى لتشعر شاهندة بالخوف على نورسين وبدأت في أن تفيقها بنثر بعض قطرات المياة على وجهها ولكن لم تستجب لها.
"البنت مش عايزة تفوق خالص يا بدر" صاحت بعد عدة محاولات منها بأن تفيقها
"ايوة يعني اعمل ايه أنا؟" تسائل في حنق ليلتفت ناظراً لها
"معلش ساعدني، ممكن تشيلها بس لغاية عيادة الشركة"
"نعم؟!" نظر لها ساخراً "ما نكلم الدكتور ولا زياد بيه يجي يشيلها!"
"زياد مشي من شوية راح فرع مدينة نصر، والدكتور على ما نكلمه ويجيب كرسي هياخد كتير.. لاحظ إنها داخلة في ساعة بالمنظر ده، معلش يا بدر عشان خاطري" توسلت له ليتآفف ثم توجه نحوها ليحملها لتبدو كالعصفور بين ذراعيه القويتان.
توجهت هي وأخيها مع نورسين لتتعجب رنا سكرتيرة بدر الشخصية لتتابعهما بأعينها وهما دالفان للمصعد ففرت خلفهما وهي تصيح
"فيه حاجة محتاجينها أو أقدر أساعد فيها؟"
"شكراً يا رنا احنا رايحين للدكتور خلاص" اجابت شاهندة وهي بطريقها بينما صر بدر الدين أسنانه حانقاً عندما أدرك أنه قد تمت رؤيته في هذا الوضع ولولا شاهندة معه لم يكن ليفعلها.
دلفا المصعد وشاهندة تحاول أن تمرر أناملها على وجه نورسين وتتفقدها في عناية بينما شعوره بجسدها الملامس لجسده جعله غاضباً لدرجة كبيرة ولكن لا يدري لماذا.
"البنت جسمها كله ساقع" أخبرته ليزفر هو في ضيق
"ادينا اهو مودينها للدكتور وهو يتصرف بقا"
ترجلا من المصعد ليدلفا غرفة طبيبب الشركة الذي فوجأ ببدر الدين وأخته شاهندة وتلك الفتاة التي يحملها الذي تخلص بدر من حملها في ثوان وألقى جسدها على السرير بمنتهى السرعة
"براحة يا بدر مش كده" زجرته شاهندة لينظر لها في غضب ولكنه لم يغادر بالرغم من استطاعته فعلها ولكن شيء ما أجبره على الوقوف والإنتظار.
"هي ضغطها منخفض جداً وهعلقلها محاليل واديها حقنة بس لازم تروح المستشفى حالاً، واضح إنها في حالة صدمة شديدة لدرجة انها مش بتستجيب لأي مؤثرات خارجية" صاح الطبيب بعد أن فحصها وبنفس الوقت رن هاتف شاهندة التي اجابته وتوجهت لخارج الغرفة ليقع بدر في حيرة من آمره وهو يراقب الطبيب وهو يكمل عمله
"كلم الإسعاف طيب ويجوا ياخدوها" تحدث للطبيب بينما آتت شاهندة مجدداً بنفس اللحظة
"لا إسعاف ايه، احنا نوديها" تحدثت معقبة على كلماته
"أنتي بقا هتسيبي شغلك عشان خاطر البت دي.. ما تيجي الإسعاف تاخدها"
"معلش يا بدر.. وبعدين أنا لسه هقولك إن فيه خامات ناقصة لازم أتصرف واجيبها حالاً لأن كل إدارة المشتريات مش عارفة تتصرف والمورد اللي بنتعامل معاه عنده حالة وفاة، لو بس أنت ينفع توديها عشـ.."
"يا سلام!! وأنا مالي" صاح في غضب
"معلش عشان خاطري، تخيل لو كنت أنا مكانـ.."
"ماشي يا شاهندة، مبقاش ورايا أنا غير زفتة هانم دي!! قولتلك ابعديني عنها وأنتي مصممة بردو، بس ماشي لولا الموقف كان هيبقالي تصرف تاني" تحدث مقاطعاً اياها ثم توجه نحوها في قمة غضبه حاملاً اياها هي والحقيبة البلاستيكية للمغذي الذي وضعه الطبيب منذ ثوان.
"أنا بس هخلص وأحصلك وبعدين ما أنت ممكن تحطها على الكـ.."
"شاهندة اتقي شري وابعدي عني الساعادي" قاطعها مجدداً بمنتهى العصبية ثم أنصرف خارجاً في لمح البصر ليتوقف بالمرأب واضعاً اياها بالمقعد الخلفي للسيارة ثم توجه مسرعاً للمشفى.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
ظل محدقاً بها وهو لا يدري لماذا لا يغادر؟ عقله يصرخ به كي يتركها ويذهب، ولكن هناك شيئاً وكأنما كبله في مكانه. سحق أسنانه للمرة الآلف وهو لا يستطيع إشاحة نظره من عليها، خلل شعره لأكثر من مرة وهو يسأل نفسه للمرة المليون ما الذي يبقيه إلي الآن؟ لقد آتى بها، لقد أخبره الأطباء أنها لن تستيقظ إلا بعد ساعات بسبب تلك المهدئات القوية التي حقنت بها، لماذا ينتظر؟ لماذا لم يتحدث مجدداً لذلك الرجل الذي أخبرها بأن والدتها قد توفت؟ ولماذا أغلق هاتفه؟ لماذا يريد أن يكون وحده بجانبها دون إزعاج؟
ثقلت أنفاسه غضباً ليقرر أن يعود بدر الدين الخولي الذي يلمح نوايا الجميع منذ الوهلة التي تقع سودوتاه عليهم، هذه مجرد فتاة صغيرة طماعة، تبحث عن المال ليس إلا، لذلك استحوذت على عقل زياد، هي مجرد طفلة من عمر أخيه، ليس لديه أي مبرر آخر سوى ذلك!
قرر تركها وهو يعاود فتح هاتفه ليلقي عليها نظرة أخيرة ثم توقف للحظة ناظراً لهاتفها ثم لها مجدداً ولا يدري لماذا امتدت يداه أخذاً هاتفها مُغلقاً اياه ووضعه بجيب سترته الداخلي ثم ترجل أخذا خطوات واسعة كما هي عادته وذهب لصالة الإستقبال وترك مبلغاً من المال في حسابها أكثر من المصاريف المطالب بها وكاد أن يغادر ليلتقي بشاهندة وزياد على بوابة المشفى ليسحق أسنانه وتزايد غضبه
"عاملة ايه يا بدر؟ بقت أحسن؟" صاحت شاهندة في لهفة
"ادوها مهدئات وقالوا مش هتفوق دلوقتي"اجابها بإقتضاب وكاد أن يغادر لتوقفه شاهندة
"ايه انت هتسبنا وهتمشي؟"
"يعني اعمل ايه اكتر من كده، مش من بقيت اهلنا هي عشان افضل معاها"
"طيب معلش استنى بس معانا هنطمن عليها ونمشي على طول"
"يووه بقا!! خليكو انتو وانا ماشي" صاح بغضب لتقترب منه شاهندة هامسة له بالقرب من أذنه حتى لا يسمعهما زياد الذي انشغل فجأة بمكالمة هاتفية
"بدر أنا محتجاك لغاية ما حد من أهلها يجي، معلش بس لو حصل حاجة أنت هتعرف تتصرف غير زياد" تآفف بدر الدين الذي تحدث بين أسنانه المُطبقة
"انجزي يا شاهندة ومتخلنيش مستني كتير" أخبرها ليدلف للمشفى مرة ثانية باحثاً عن أقرب كافيتيريا ليتناول فنجاناً من القهوة وتركهما وغادر.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
وضع كوب القهوة أعلى سقف سيارته ثم خلع سترته وأراح ربطة عنقه وتوجه داخل سيارته ليخرج من الصندوق الجانبي علبة سجائره الذهبية وقداحة تشبهها ليستند على مؤخرة السيارة ويشعل السيجارة آخذاً منها نفساً عميقاً ثم غرق مُفكراً في كل ما حدث منذ البارحة.
لا يزال غاضباً حتى أنه لجأ لذلك النيكوتين الذي أقلع عنه منذ سنوات عديدة ولا يلجأ له إلا عند إنشغاله بالتفكير، كل ذلك بسبب تلك الفتاة، ولا يزال مصمماً على أن تلك الفتاة مجرد باحثة عن الثراء السريع ليس إلا، صمم أن يعرف عنها كل شيء ليرسل اسمها لأحد معارفه حتى يستطيع تبين كل شيء عنها.
فتح هاتفها مجدداً ثم تفقده ليرى أنه هاتف فتاة عادي ليس به شيء سوى عدة رسائل نصية عادية، وسجل مكالمات.. إذن لقد تحدث لها زياد وشاهندة ولكن لماذا؟! شعر أنه في منتهى الغباء ليظن أنه سيحصل من هاتفها على أية معلومات ولكنه كان مخطئاً.. مجدداً!.
زفر بغضب وهو لا يزال يتذكر كل مرة تحدثت له، كيف تحدته أمام الجميع واستطاعت أن تجعله مخطئ أمام الجميع مرة وأمام نفسه مرة أخرى، ثم تذكر كيف جلس بجانبها خائر القوى وكأنما تأسره وتجبره على ألا يبتعد عنها. لم يظن أن بإمكان إمرأة أن تلفت انتباهه بعد زوجته، ولكنه عرف جيداً كيف سيوقف هذا الهراء الذي وقع به لتوه!!
لم يلاحظ أنه قد فرغ من نصف علبة سجائره بأكملها وقد مر من الوقت ما يقارب الساعة فقرر أن يذهب ليتفقد أخته التي أخذت من الوقت أكثر من اللازم!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"ايه ده؟ امال فين زياد؟" صاح متسائلاً عندما وجدها وحدها بالغرفة
"معرفش بيقول راح كان عنده معاد مع أصحابه" اجابته ليبتسم متهكماً عند علمه بمغادرتها بكل تلك السهولة بينما رأى إنشغال شاهندة بهاتفها
"طيب حضرتك ناوية تمشي امتى عشان زهقت.. مش كفاية اليوم كله ضاع بسبب ست زفتة هانم؟" سألها ساخراً
"لسه محدش من أهلها يعرف إنها هنا، بحاول أوصل لحد من لـ HR يجيبلي رقم أهلها، أنا بس مش عارفة موبايلها راح فين، مشوفتوش صحيح يا بدر؟" نظرت له بأعينها ليبتلع وهو يحاول أن يبدو طبيعياً
"لأ متزفتش.. انجزي بقا يا شاهندة.. مش هنفضل هنا كتير.. أنا ورايا بلاوي" أخبرها في حنق
"يووه عليك يا بدر، بص امشي وأنا هافضل معاها لغاية ما أوصل لجوز مامتها، كده كده هي مالهاش اخوات وهو بس اللي عايش معاها.. أنا هتصرف!!"
"أنتي بردو مصممة!! خليكي بقا قاعدة جنبها وأنا ماشي يا شاهندة، ولو حصلك حاجة كلميني، أنتي مش هي" صاح ناظراً لنورسين على سرير المشفى بكراهية ثم غادر مسرعاً لتتن*د شاهندة
"أنا مش فاهمه هو كاره البنت كده ليه.." تمتمت ثم أخيراً حصلت على رقم منزل هاتفها الذي ما إن اتصلت به حتى أجاب عليها صوت ذكوري
"آلو.."
"آلو.."
"مين معايا؟" صاح يُسري لتجيبه شاهندة على الفور
"أنا شاهندة الخولي.. مديرة نورسين في الشغل.. البقاء لله وربنا يجعلها آخر الأحزان"
"ونعم بالله.."
"هو حضرتك جوز والدتها الله يرحمها؟"
"ايوة معاكي يُسري ، بس هي فين نورسين لغاية دلوقتي؟ ازاي متجيش؟ هي متعرفش إن والـ.."
"نور وقعت من الصدمة أغم عليها وهي دلوقتي في المستشفى ولسه مفاقتش.. أنا آسفة إني مبلغتكش غير دلوقتي لأني مكانش معايا رقم البيت ولا رقم حضرتك.."
"طيب هي في مستشفى ايه؟"
"مستشفى .... "
"تمام.. هخلص دفنة واروحلها"
"أنا هاستنى جنبها متقلقش"
"متشكر جداً.. سلام" انهى المكالمة لتتعجب شاهندة من طريقة ذلك الرجل الفظة والجامدة ليتمتم هو بخفوت بعد إنهاءه المكالمة
"كنت ناقص كمان!! هدفنها وابقا فوقتلك يا هانم، مبقاش فيه حاجة تمنعني عنك خلاص.. منجم الدهب بتاعك ماتت.. ده أنا همرمطك!" توعد لها وهو كل ما يريده أن يفرغ فقط من مراسم دفن كوثر زوجته ليذهب لها.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
في المساء بدأت في الإستفاقة بينما كانت بجانبها شاهندة التي تحدثت لها على الفور ما إن لاحظت حركة جفناها وامتعاض ملامحها
"نور أنتي كويسة؟" صاحت متفقدة اياها في لهفة لتفتح نورسين عيناها لتتساقط تلك الدمعات التي شابهت حبات اللؤلؤ من بحور عيناها الزرقاء الحزينة بينما شاهندة لا تدري ما الذي عليها فعله!
كيف ستقنع ذات العشرون ربيعاً بأن تتماسك وكل ما لديها من عائلة قد تركتها وذهبت؟!
عانقتها لتحاول مواساتها بينما لم تتفوه نورسين بشيء عدا الدموع التي تواترت من عيناها بلا إنقطاع أو تريث وحاولت تهدئتها ولكن دون جدوى.
"طب قوليلي انتي حاسة بإيه؟ فيه حاجة تعباكي؟ محتاجة حاجة اجيبهالك؟" سألتها في لين ولكن لم تجيبها ولم تتوقف عيناها عن ذرف الدموع "نور.. ممكن بس تردي عليا؟" نادتها بينما لم تحصل منها حتى على نظرة واحدة واكملت تحديقها بالفراغ وذرفت المزيد من دموعها..
شعرت شاهندة بالقلق فذهبت للخارج مسرعة لتبلغ الأطباء بإستفاقتها وعدم تحدثها ذلك الذي تعجبت له.
دلف الأطباء وانتظرتهم بالخارج لتستطيع معرفة حالتها وراعت ألا تتعرض لجرح مشاعرها بكلمات الأطباء أمامها.
"هي بقت كويسة؟ طمني يا دكتور" صاحت شاهندة بعد أن ترقبت حوالي عشر دقائق
"هي اكيد احسن من الحالة اللي جت فيها، ما زال ضغطها مش مظبوط ومنخفض جداً.. بس عندها حالة إنكار لكل اللي حصل ورافضة تستجيب لأي مؤثرات خارجية تماماً، الصدمة واضح انها كانت شديدة عليها.. ممكن تفضل كده فترة وممكن تتحسن.. مفيش حاجة مؤكدة"
"طب يا دكتور فيه حاجة نقدر نعملها عشان تساعدها؟" تسائلت شاهندة في حزن وهي لا تعلم ما الذي عليها أن تفعله
"هي محتاجة اهتمام زيادة، تعمل الحاجات اللي بتحبها، تقعد مع الناس القريبة منها، طبعاً متتعرضش لأي حاجة تضايقها او تعصبها؛ والموضوع كله نفسي ملناش ايد فيه وممكن نستعين بأخصائي نفسي يمكن يسرع شوية من حالة الصدمة"
"تمام. متشكرة جداً"
"العفو"
وقعت شاهندة في حيرة وهي لا تدري ماذا عليها أن تفعل، فبالرغم من شعورها بالألفة بجانب نور إلا إنها ليست تعرف عنها الكثير بعد، فتوجهت للداخل لتهاتف زياد ربما هو من يستطيع المساعدة.
لاحظتها بعيناها لتراها شاردة تماماً في الفراغ تتساقط دمعاتها وأصبح وجهها شاحب للغاية ليست كمثل أول مرة رآتها كانت فتاة شابة مفعمة بالحيوية.
أخذت تهاتف زياد لأكثر من مرة بينما لم يجيبها لتتعجب أين عساه ذهب ولماذا لا يجيب خاصةً وأنه يعلم حالة نورسين التي من المفترض أنه يشعر بشيء تجاهها..
"ماشي يا زفت.. أنا هوريك" تمتمت بداخلها وتركت هاتفها على احدى الطاولات بالغرفة ثم توجهت بالقرب من نورسين لتجلس جانبها.
"حبيبتي لازم تكوني قوية، لازم تخرجي من الحزن ده وتدعيلها.. أنا عارفة إنك بتحبيها وهي كمان بتحبك ولازم يوصلها دعائك وعمرها أكيد ما كانت هتتبسط لو شافتك كده" حاولت أن تخرجها من تلك الحالة بينما لم تحصل على ردة فعل تُذكر لتزم شفتاها في حيرة ثم آخذت تمرر يدها على كتف نورسين دون التحدث لها.
"أدخل" صاحت بعد أن سمعت طرقات على الباب
"مدام شاهندة؟!" صاح يسري لتومأ له ليمد يده ليصافحها "يُسري راتب، جوز المرحومة، كنت أتمنى نتقابل في ظروف أحسن من كده" صاح والحزن الذي زيفه برع به.
"البقية في حياتك.."
"حياتك الباقية ومتشكر جداً إنك فضلتي جنب نور"
"العفو على ايه دي زي اختي الصغيرة" ابتسمت بإقتضاب مرير ثم نظرت لها واشارت له للخارج فتبعها "نور حالتها صعبة ورافضة الكلام تماماً الصدمة كانت شديدة عليها والدكاترة حذروا من اي حاجة ممكن تضايقها او تثير اعصابها"
"اكيد.. هي والمرحومة كانوا قريبين جداً لبعض.." زيف حزنه مجدداً ثم أكمل "متقلقيش، نور دي بنتي وهاخد بالي منها، ومتشكر جداً ومش هاقدر اعطلك أكتر من كده، اكيد انتي معاها من الصبح"
"مفيش داعي للشكر.. ارجوك لو احتاجت حاجة كلمني"
"اكيد.. ومتشكر مرة تانية"
"العفو على ايه.. تصبح على خير وإن شاء الله هاعدي عليها بكرة.." أومأ لها يسري ثم توجهت هي لتُمسك بحقيبتها ثم عانقت نورسين دون أن تخبرها بأي شيء وغادرت موصدة الباب خلفها.
آخذت تُفكر في حالة نورسين وهي مليئة بالحزن لأجلها، كم أشفقت على حالتها وهي حقاً لا تدري ماذا عليها أن تفعل من أجلها!!
تن*دت ثم آخذت تبحث عن هاتفها لتحدث زوجها ولكنها لم تجده فتذكرت أنه لا زال بغرفة نورسين فأعادت أدراجها مرة أخرى حتى تحضره.
"لا بصيلي كده وفوقي للي هقولهولك كويس.. عياطك وزعلك ده مش هيفيد.. اسمعي كلامي أحسنلك وفوقي من الهبل اللي أنتي فيه ده، هتقومي تلبسي وتروحي معايا.. أمك اللي كانت مدلعاكي ماتت وأنا معنديش دلع، مش هاصرف عليكي زمان ودلوقتي كمان ومستشفيات وقرف، فوقي كده وأعرفي إن يُسري اللي عيشتي معاه زمان واحد ويُسري اللي بيكلمك ده دلوقتي واحد تاني خالص" صرخ بها لتتوقف عن البكاء ما إن سمعت صوته ونظرت له في حزن وملامح مصدومة
"هتمثلي عليا تاني؟! طيب ما تيجي بقا أفوقك.. تعالي أقولك أنا نفسي في ايه من زمان، تعالي أوريكي حلاوتك دي عاملة فيا ايه من زمان.." أقترب منها وكاد أن يٌقبل شفتاها وأمسك بثدييها في جرأة يتحسسهما وما أن شعرت بلمساته الشهوانية القذرة تشنج جسدها وأخذ يرتجف بقوة وآخذت في الصراخ الهستيري والبكاء
"يخربيتك هتفضحيني" صاح بها ثم كمم فمها ليجد الباب يُفتح بقوة مُحدثاً صوتاً خلفه فنظر ليجدها شاهندة واعتلت ملامحه الصدمة التامة وابتعد عن نورسين في ثوان.
"دكتور.. حد يلحقنا بدكتور بسرعة" صرخت بكل ما أوتيت من قوة بينما اندلعت ملامح الإرتباك على وجه يُسري ثم ساوى من خصلات شعره
"أنا.. أنا.."
"دكتور يا جماعة" صرخت مجدداً وجرت نحو هاتفها "أنت لو ممشتش من هنا حالاً هافضحك.. أنا سمعت كل كلمة قولتهالها.. ولو قربت منها تاني أنا مش هاسيبك في حالك.. أعتبره أول وآخر تحذير.. ولو مش عارف أنا ابقى مين وبنت مين أفتكر كويس اسم شاهندة الخولي وأسأل بنفسك.."
دخلت الممرضات بالغرفة مهرولات ليتبعهم احدى الأطباء وتوجه جميعهم نحو نورسين بينما أقتربت شاهندة من يُسري لتهمس له وملامح الغضب ت**و وجهها
"امشي اطلع برا حالا واياك تهوب هنا تاني" ابتلع من تهديدها وتوجه للخارج بينما هي أمسكت بهاتفها لتحدث زوجها بينما تابعت الطبيب بعينها الذي أعطى لنورسين حقنة مهدئة ورآتها تهدأ من حالة التشنج تلك.
"حمزة حبيبي أنت فين؟" صاحت دون أن تشعره بالقلق بالرغم من احتياجها الشديد له
"حبيبتي وحشتيني.. وبعدين ما أنتي عارفة إني في meeting مع صاحب مجموعة المستشفيات اللي قولتلك عليها، مش فاهم ليه قرر يعمله في اسكندرية، وبدر صمم اني أنا اللي اتناقش معاه في العرض المالي.. بس كويس أصلاً إن عرفت أرد، ده يا دوب لسه مستأذن عشان يرد على موبايله"
"وأنت كمان وحشتني.. تيجي بالسلامة يا حبيبي.. أنا بس حبيت اعرفك اني في المستشفى مع نورسين عشان تعبت شوية لما عرفت ان مامتها اتوفت واحتمال ارجع متأخر"
"طيب يا حبيبتي آلف سلامة عليها وياريت تكلمي حد من اخواتك يروحك أو السواق وأرجوكي يا شاهي متتأخريش لأني كده هافضل قلقان عليكي"
"لا متقلقش يا حبيبي.. أنا بس هطمن عليها وارجع على طول"
"طيب يا روحي.. لو فيه اي حاجة ابعتيلي رسالة وأنا هاكلمك على طول"
"متقلقش.."
"خدي بالك من نفسك.. سلام"
"سلام" أنهت المكالمة ثم توجهت للطبيب على الفور "دكتور هي كويسة"
"اديناها حقنة مهدئة وهتفضل نايمة للصبح.. هو فيه حد ضايقها ولا ده حصل كده فجأة"
"لا لا.." هزت رأسها وصاحت في توتر "للوحدها كده.. فجأة واحدة"
"طيب حاولوا تتعاملوا معاها براحة.. ممكن تتعرض لإنهيار، خدوا بالكم منها كويس"
"أكيد، متقلقش يا دكتور" أماء لها
"بعد اذنك" استئذن منها وهم أن يغادر لتلحقه
"دكتور لو سمحت" صاحت لتلحقه ليلتفت لها
"اتفضلي"
"هو.." حمحمت بعد أن واتتها تلك الفكرة "هو ينفع لو وفرنالها دكتور وممرضة ننقلها البيت؟؟" صاحت سائلة وكل ما تريده أن تحميها من زوج والدتها الذي قد يأتي مجدداً بأي وقت "اقصد يعني.. أحسن من جو المستشفيات"
"أكيد طبعاً مفيش مشكلة، بس لازم اللي وصلها المستشفى يوافق بنفسه ويمضي على تحمل مسئولية خروجها"
"أكيد مفهوم.. طب ينفع التصريح ده نعمله دلوقتي ولا لازم نستنى للصبح؟!"
"لأ عادي أنا سهران النهاردة وأنا هوافق على الخروج والتصريح وتقدر تروح، بس لازم عناية في البيت وتاخد أدوية بإنتظام وكمان لازم دكتور يشوفها كل ست ساعات"
"أكيد يا دكتور.. متشكرة جداً"
"بعد اذنك" تركها وذهب لتشعر هي بالقلق ودلفت غرفة نورسين ووصدتها عليهما خوفاً من أن يأتي يسري مرة ثانية ثم نظرت لنورسين وهي نائمة في مريول المشفى الباهت ورغماً عنها فرت دمعة من عيناها وهي تشعر بالحزن الشديد من أجلها وهي تتذكر كل كلمات زوج والدتها الحقير ولمساته لها بتلك الطريقة.
أمسكت بهاتفها وهي تبتلع ثم هاتفت أخيها وهي تشعر بالقلق من قرارها الذي أخذته لتوها وتعلم أن بدر الدين لن يتقبله بسهولة خاصةً وأنه يكرهها بشدة
"بدر.. تعالالي المستشفى.. محتجالك اوي" همست ليشعر هو بالقلق
"فيه ايه يا شاهندة؟ انتي كويسة؟"
"أنا تمام.. مش هاعرف أكلمك واشرحلك في الموبيل"
"طيب..ربع ساعة وأكون قدامك"
أنهت المكالمة وهي بداخلها تتمنى ألا يبالغ بدر الدين في غضبه ويوافق على قرارها..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .