الفصل الأول

7264 Words
مطلع شهر يونيو عام 1999... صف سيارته مثلما تعود كل صباح ووصد عيناه لثوان متذكراً العديد من الذكريات التي جمعتهما معاً ثم ابتسم بمرارة عندما تذكر ضحاكاتها وأسلوبها المرح في الحديث ثم تحولت ملامحه للإنزعاج عندما تذكر ما حدث لها فأطفأ محرك سيارته على عجل وهو يحاول جاهداً أن ينفض تلك الذكريات من مخيلته وهرول لداخل ذلك البيت الضخم وحاول التصرف طبيعياً حتى لا يبادر أحد ويؤلمه مجدداً ما إن رآه حزيناً. "صباح الخير" تحدث لوالدته بنبرته المقتضبة الجادة التي تبدو خالية من المشاعر تماماً "صباح الخير يا حبيبي" تحدثت والدته بإبتسامة لطيفة فأقترب منها مقبلاً جبينها "هتفضل كده سايبني ومصمم تعيش لوحدك بردو؟ أنا مش عارفة ايه لازمتها تيجي كل يوم الصبح تفطر معانا وتطلع على الشركة.. ما تخليك هنا وخلاص" "أمي أرجوكي.. سبيني براحتي" "ما أنا سايباك براحتك يا بدر بقالي سنين.. امتى بقا هتريحني.. لا عايز يا ابنى تكون جنبنا ولا تعيش حياتك زي أي راجل وتتجـ.." "تاني؟! مفيش فايدة في الموضوع ده؟" صاح بدر الدين حانقاً بهدوء مقاطعاً اياها كاتماً غضبه بكل ما لديه من قدرة تحكم بالنفس "تاني وتالت ورابع.. حرام عليك نفسك تفضل عايش كده وحداني، حتى فرحتي بولاد ابني البكري حرمتني منها، هتفضل كده لغاية امتى" "أنا الموضوع ده مش عايز كلام فيه تاني، و اعتبري اني هفضل كده لغاية ما أموت!! ارتاحي بقا" صاح بصوته الرخيم "يا حبيبي بص حتى لإخواتك البنات، كل واحدة متجوزة وقاعدة معايا هي وجوزها وأنت قلقني عليك ببعدك ده" "بردو مش هنخلص، كل يوم نفس الموضوع لما اتخانقت.. ارحميني أرجوكي" أخبرها بملل وحنقة "فيه ايه يا جماعة صوتكوا عالي كده ليه" "أنا زهقت" "عاجبك كده يا شاهي؟! عاجبك اللي أخوكي بيعمله ده؟" "فيه ايه بس يا ماما؟" تسائلت شاهندة بحسن نية "فيه إنها مصممة تفكرني بكل حاجة، مصممة على موضوع الجواز تاني، مصممة إني آجي أعيش هنا في البيت.. أريحكوا خالص ومتشوفنيش؟ يكون أحسنلكم كلكم" "شوفتي يا شاهي؟ عاجبك كلامه ده" "معلش يا ماما حقك عليا أنا" حاولت تهدئة والدتها "تعالى يا بدر نروح نجيب حمزة يفطر معانا" أمسكت بذراعه ليسير معها متآففاً بينما هزت نجوى رأسها في إنكار على ما يفعلاه. "خليكي كده مقوياه عليا وأنا كل اللي نفسي فيه إني أشوفه مبسوط وعايش حياة طبيعية" ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "مش هنخلص بقا من قرف أخوكي ده كل يوم على الصبح" تحدث صوت ذكوري بإنزعاج لما سمعه لتوه "معلش يا كريم.. ما أنت عارف أكيد ماما فاتحته في الموضوع بتاع جوازه ده" أجابته زوجته بينما ناولته سترته "أنا مش فاهم تفكيره، الدنيا خلاص وقفت بعد الست هانم ما ماتت؟ ما يتجوز وخلاص ويريحنا من الخناق بتاع كل يوم الصبح" "كان بيحبها أوي وأنت عارف كده كويس.. وبعدين يعني لو جرالي حاجة هتتجوز بعدي بسهولة؟" أحاطت عنقه في دلال ليقبل يدها بإبتسامة مقتضبة "حبيبتي انتي بسبع أرواح.. متخافيش مش هيجرالك حاجة" أنزل يدها بخفة ثم توجه ليقف أمام المرآة "كده بردو؟ دي كلمة تقولهالي.. ده أنا حتى على وش ولادة" "ما أحنا من يوم ما اتجوزنا وأنتي على وش ولادة.. كان جرالك ايه يعني؟" ابتسم متهكماً وهو يُكمل ارتداء ملابسه "بقا فيه واحدة في الزمن اللي احنا فيه ده تجيب خمس أطفال؟" صاح ساخراً لتعبس هديل لكلامه "وفيها ايه يعني.. صحيح النعمة تقيلة.. بص كده على شاهندة وحمزة بقالهم سنين مش عارفين يجيبوا طفل واحد، وبعدين بكرة ولادي دول اللي هيشيلوا كل حاجة معاك.. اد*ك شايف بدر مش عايز يتجوز بعد مراته ما ماتت، وشاهندة مبتخلفش، وزياد لعبي ومش بتاع التزام.. بكرة كل اللي شايلينه يبقا بتاعنا وولادنا هيساعدوك" "مش ممكن تفكيرك اللي بتفكريه ده.. متعرفيش بكرة هيحصل ايه" هز رأسه ساخراً "خليك أنت بس ورا تفكيري وأنت ت**ب" صاحت بإنتصار "طيب يالا يا حبيبتي عشان نلحق طقوس الفطار من الأول" أخبرها متهكماً ليتوجها سوياً للخارج. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "يا بدر ما هي بردو نفسها تفرح بيك وماما كبرت ومبقتش زي الأول" "ربنا يديها الصحة وطولة العمر.. بس هو مش بالعافية وانتي عارفة ان مستحيل حد يجبرني على حاجة" "ابقا قولها حاضر ولا طيب ولا سايسها شوية.. مش لازم كل شوية خناقات" "ما أنا ياما عملت كده.. وهي مبتبطلش تفاتحني في الموضوع ده، وشوية والاقيها تقولي سلم على بنت طنط.. وروح وصل فلانة وشغل الخاطبة ده أنا زهقت من كل اللي بتعمله؛ انا مش صغير ولا مراهق للكلام الفارغ ده" سكتت شاهندة وهي تنظر بشفقة لأخيها ولا تدري ماذا عليها أن تقول، لطالما تحدثت معه بذلك الأمر ولم تحصل منه على أي أمل في أن يغير وضعه هذا "طب روق ومتزعلش.. تعالى بس نفطر سوا وكلها نص ساعة وهنمشي.. أنا هحاول أكلمها وأخليها تبطل كلامها ده" "بتاخديني على قد عقلي.. ماشي يا شاهي" "ما خلاص بقا" ابتسمت له ثم قبلت وجنه "روق كده بس يا حبيبي دلوقتي.. وليك عليا نتعشى سوا أنا وأنت وحمزة برا النهاردة ويبقا خلصتك من خناقة بليل.. ها ايه رأيك بقا في أختك؟" "حايليني أوي.." "اضحك بقا يا رخم" "ماشي.. يالا بينا" ابتسم لها هاززاً رأسه بإنكار ليتوجها سوياً للجميع. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "يا صباح الفل يا ست الكل، ايه الجمال ده بس كله" صاح حمزة ثم قبّل يد نجوى "صباح الخير يا حبيبي" ابتسمت له ثم توجه لمقعده بجانب شاهندة "شايف بيعاملها ازاي" همست هديل لزوجها كريم بصوت يكاد لا يسمع ليبتسم لها الآخر ابتسامة لم تلامس عيناه وشرع الجميع في تناول الطعام "هو زياد راجع امتى؟" تسائل بدر الدين لتجيبه والدته "راجع الأسبوع الجاي، ده لسه مكلمني امبارح" "مينفعش الدلع ده.. لازم يجي وينزل معانا الشغل، هيعتمد امتى ده على نفسه أنا مش عارف" صاح في صرامة "وفيها ايه.. ماهو نجح السنادي ومـ.." "يا أمي أنتي عارفة انه بقاله سنتين في سنة تالتة.. يعني نجاحه جي متأخر.. لازم يتشد عليه وكفاية دلع فيه" "سيبوه براحته" تحدثت هديل "الشغل مش هايروح في حتة.. بكرة هايتعلم" حاولت أن تثني أفكارهم لأنها لا تريد لأي أحد التدخل بطمحوها الذي خططت له "كلام بدر صح" صاحت شاهندة "لازم زياد يبتدي يعرف كل حاجة يا دودو وكفاياه بقا دلع لغاية كده، أنا مش فاهمة بس طالع لمين كده، وعموماً كلمني بردو امبارح واتفق معايا انه هيجي الشركة وهيبتدي ينزل طول الاجازة كلها" "وأنت يا كريم شايف ايه؟!" تحدث  بدر الدين لتتلاقى أعينهما وهو بالحقيقة لا يريد أن يستمع لرأيه ولكن لطالما شعر بالإنزعاج منه لا يدري لماذا! "والله أنا مش عايز أتدخل يا جماعة بس هانت، ناقصله سنة وكده كده هينزل معانا وهيعرف كل حاجة.. الموضوع مسألة وقت" هز بدر رأسه متهكماً بينما لم يعجب ذلك كريم وأكمل تناول طعامه دون أن ينظر له حتى لا يظهر إنزعاجه "طب يالا بقا يا جماعة عشان منتأخرش" صاح حمزة ليغير الموضوع لأن يعرف بدر الدين جيداً "روحوا أنتو أنا مش قادرة أتحرك.. الحمل تاعبني خالص" "حبيبتي ربنا يقومك بالسلامة.. معلش هانت كلها شهرين" صاحت والدتها "والله يا ماما تعبانة جداً وطول الليل امبارح مش عارفة أنام" "معلش يا دودو.. هو كده الحمل في السابع بيبقا متعب شوية، هانت وإن شاء الله آخر شهرين يعدوا وتقوميلنا بالسلامة" صاحت شاهندة بإبتسامة "ده متعب جدا يا شاهي.. لما بردو تجربي غير الكلام" صاحت بدلال وتصنع لتبتسم شاهندة في مرارة "طيب يا جماعة.. اشوفكم بليل.. باي" توجهت للخارج مسرعة ليلاحظ بدر الدين تأثر شاهندة ولحقها بعد أن نظر لهديل في لوم وغضب جم ولحقهم حمزة في صمت هو الآخر "مكانش ليه لزوم الكلام ده يا هديل" "الله يا مامي.. أنا عملت ايه طيب.. مكنتش أقصد حاجة" تصنعت البراءة "لازم لما تيجي تعتذريلها" "ماشي يا مامي.. معلش بعد اذنك هريح في اوضتي شوية" صاحت بإقتضاب وغادرت مسرعة لتتمتم في خفوت حانقة "عاملالي بس فيها فاهمة كل حاجة وكلامها لازم يتسمع.. حشرية!!" ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "يا صباح الخير يا احلى كوكي في الدنيا كلها" صاحت نور وهي تدلف غرفة والدتها حاملة صينية الإفطار "بردو تعبتي نفسك؟ أنا كده هتعود على الدلع ده كل يوم بقا ولا ايه" أخبرتها والدتها بإبتسامة حنونة "وفيها ايه يعني ما انتي شايلاني أيام الدراسة، وبعدين اتعودي، كل يوم هاصحى واحضر لكوكي حبيبتي الفطار وبعدين هانزل اروح الشغل" وضعت الصينية أمامها وشرعت في تناول الطعام "شغل!!" صاحت والدتها بدهشة "وانتي يا بنتي ناقصك ايه عشان تشتغلي، الخير كتير، انتي ناقصك حاجة يا نوري يا حبيبتي ومخبية عليا؟" "يا ماما دايماً خيرك مكفيني وزيادة، الفكرة ان زياد زميلي اللي شوفتيه معايا كذا مرة أهله عندهم شركات خدمات كبيرة واهي فرصة اتدرب شهور الاجازة عشان بردو ابقى اخدت على جو الشغل واخدت خبرة التدريب" "طيب يا حبيبتي، أنا بس مش عايزاكي تتبهدلي لكن إذا ده كان كويس لمستقبلك أنا معنديش مشكلة، بس يا نوري لازم تاخدي بالك من نفسك وإذا حسيتي ان الموضوع لعب وهزار متكمليش تدريب ومتخليش حد يحملك جمايل.. أنا فاهمة إن زياد زميلك بس بردو خدي بالك كويس انتي بتعملي ايه" حدثتها والدتها ناصحة اياها بخوف أم فطري "متقلقيش يا كوكي، وأنا بردو لو حسيت إن الموضوع مالوش لازمة مش هاكمل.. أوعدك يا حبيبتي" "ربنا يوقفلك يا بنتي ولاد الحلال ويارب اطمن عليكي دايماً وأشوفك في احسن حال.. وبعدين أنتي هتعملي ايه في شركة الخدمات دي وأنتي أصلاً بتدرسي إدارة أعمال؟" تعجبت والدتها "أنا هحكيلك يا كوكي وهافهمك شغلهم" ابتسمت لها نورسين ثم عانقتها وأكملا تناول فطورهما ولم تلاحظ أياً منهما من يسترق السمع ولم يعجبه ما يسمعه. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "مش كفاية بقا يا بدر؟!" تسائلت شاهندة في ارهاق وملل وهي تدلك مؤخرة عنقها "يا حبيبتي انتي اللي تاعبة نفسك وأنا قولتلك روحي من بدري" "برضو؟! يعني مش هاتتعشى معانا؟" صاحت في حزن "معلش سبيني براحتي" "ماشي يا سيدي وأنا هاخترع لماما حجة واقولها عندنا عقود بتتجدد وبتتراجع!! عد الجمايل" ابتسم بدرالدين لها ابتسامة لم تقابل عيناه وهو يهُز رأسه في انكار وبعدها خلل شعره الفحمي وأكمل مطالعة ما أمامه متظاهراً بالإنشغال بينما لمت أخته حاجيتها استعداداً للمغادرة "أشوفك بكرة بقا واعمل حسابك انك هتقضي الويك اند معانا.. باي" "سلام يا حبيبتي" أطلق شهيقاً وهو لا يزال بعد كل تلك السنوات يحاول أن يتعامل مع فرط اهتمام عائلته به ولكن لم يجد حلاً بعد. وما إن غادرت شاهندة وتركته حتى خلع بدر الدين ربطة عنقه بعد أن طوى اياها بعناية ثم تناول الهاتف ليجري مكالمة هاتفية وما إن انتهى منها حتى نهض ليرتب أشياءه وجمعها استعداداً للمغادرة ولكنه فكر أولاً بأن يحتسي كأساً قبل الشروع في تلك الليلة التي خطط لها منذ اسابيع فهو يريد أن يفعل ذلك الشيء الذي لطالما أزاح الكثير من الضغوط عن رأسه وألهمه بعض السلام النفسي حتى يُكمل ذلك الروتين الذي لازمه منذ سنوات! ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ توجه زياد خارج ذلك البار بعد أن شعر بالملل وتوجه لأحدى كبائن الهاتف خارجا من ذلك الملهى الليلي ثم اجرى اتصالا هاتفيًا بعد أن وضع بعض العملات بجهاز الهاتف "آلو" اجبه صوت نسائي بنبرة هادئة "نور.. وحشتيني" "وانت أكتر يا زيزو.. أخبار أمريكا على حسك ايه؟" تسائلت متحدثة له في هاتف منزلها "أنا زهقت أصلاً وهانت أنا راجع السبت وهننزل الشركة سوا يوم لحد" "ومين سمعك، أنا نفسي أنت أو مريم تكونوا معايا بس الندالة بقا واخدة حدها معاكوا، كل واحد سافر وسابني" "هي راجعة امتى صحيح؟" "لا دي بترجع آخر الأجازة.. ما أنا قولتلك أنها دايماً بتقضي كل اجازة مع اهلها في إسكندرية" "اه صح أنا نسيت.." لاحظ زياد احدى الفتيات ترتدي ثوباً قصيراً عارياً تتوجه لتدلف الملهى الليلي بإبتسامة جلجل صداها امتلئت بالعهر والدلال المزيف ولكن كان جسدها مثيراً للغاية كما أن خصرها المتمايل بتلك الطريقة عبث بعقله كثيراً فلم يكترث سوى لتخيلاته بقضاء الليلة معها "زياد أنت معايا؟!" صاحت نورسين من الطرف الآخر "ايه؟! معاكي!!.." اجابها بعد أن فاق من شروده ولكنه لم يتوقف عن النظر لتلك الفتاة حتى غابت عن عينيه "معلش يا نور هكلمك تاني، باي" أنهى المكالمة ثم توجه ليلحق بالفتاة بإبتسامته التي لطالما سحرت الفتيات، فهي آخر ليلة له هنا ولا يريد أن يضيعها من يده دون الاستمتاع قليلاً. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ شعر بالنشاط والحيوية مجدداً بعد أن أنهى اجازته الأسبوعية بتلك الطريقة، يعلم أن هذا سيوقعه بالعديد من المشكلات مع عائلته ولكن سيتصنع اللامبالاة مرة أخرى وسيمر الجدال كواحد من تلك الجدلات العديدة معهم. خرج من حمامه ملتفاً بمنشفة قصيرة وتوجه ليرتدي ملابسه حتى يبدأ نفس الروتين الذي أصبح دوامة لا نهائية بالنسبة له. نظر في ساعته ثم توجه للخارج مستقلاً سيارته وهو يحاول أن يستجمع تلك لشخصية التي يواجه بها الجميع، الجدية، الصرامة، عدم الإكتراث وأخيراً العديد والعديد من المبررات اللانهائية لعائلته حتى يتركوه وشأنه. "صباح الخير" صاح دالفاً لغرفة الطعام لتقابله والدته بنظرة مليئة باللوم "أنت كنت فين جمعة وسبت؟ عارف قلقتني عليك ازاي؟" "معلش يا أمي كنت بفصل يومين..  حضرتك عارفة إن قرار إننا نوسع الشركة والمشاريع الجديدة واخدة كل وقتي.. معلش، الاجازة الجاية هكون معاكوا" "كل مرة بتقول كدة وفي الآخر بتفضل بردو لوحدك" صاحت ليتن*د بدر الدين في آسى ثم أوصد عينيه ليحاول السيطرة على غضبه "هتفضل لحد امتى كـ.." "بدر!! وحشتني يا كبير" تكلم زياد ليقاطع حديثهما ثم توجه نحوه ليعانقه "حمد الله على السلامة! أخيراً رجعت ونويت تنزل الشركة" "شوف هابهرك!! هاخد الموظف المثالي.." "اما نشوف!" "بس سيبك أنت السفرية دي كانت محتجاك.. شوية بنات إنما ايه!!" "أنت يا ولد!! ازاي تتكلم كده قدامي وقدام أخوك الكبير؟!" صاحت والدته زاجرة ايه "معلش يا نوجا.. سيبيني أعبر عن اللي جوايا" هز بدر الدين رأسه في انكار "صباح الخير" صاحت شاهندة بإبتسامتها مثلما تفعل كل صباح وتبعها حمزة زوجها "حمد الله على السلامة يا زيزو.. مصحتنيش ليه لما جيت امبارح" "قولت اسيبك نايمة وبلاش اقلقك" عانقها ثم عانق زوجها وبعدها توجه للمائدة "يالا بقا لحسن ميت من الجوع والنهاردة أول يوم شغل ليا ولزم أتغذى كويس، ولا عايزين البنات اللي عندنا يقولوا عليا مش حلو؟" ضحكت شاهندة ولم يعجب بدر الدين ما يفعله زياد كالعادة "اتكلم كويس يا زياد ده مش اسلوب" تدخلت والدته بنبرة محذرة "آسف يا نوجا.." "خلاص هتيجي معانا النهاردة؟" "طبعاً.. أنا وعدتك" "حمد الله على سلامتك يا زياد.. هتروح فين كده؟" صاحت هديل التي انضمت لهم "هبدأ شغل النهاردة.." "يالا Good luck" أخبرته بإبتسامة مقتضبة فهي بالأساس لا تريد له الإندماج بالعمل "صباح الخير يا جماعة" تحدث كريم ثم شرع الجميع في تناول الطعام ولم يغادر صباحهم تلك الأحاديث الجانبية وخطط نجوى والدتهم للعشاء اليوم وبالكاد تحمل بدر الدين كل هذا "يالا أنا يادوبك ألحق أقوم علشان هعدي على بنت زميلتي هتيجي تتدرب النهاردة وهي متعرفش طريق الشركة كويس" صاح زياد وهو يجفف فمه باحدى محارم المائدة "زميلتك دي ايه دي كمان!!" صاح بدر الدين حانقا "معلش آسفة يا بدر هو قالي وأنا نسيت أقولك.. عموماً هي هتكون في الإدارة عندي متقلقش" حاولت شاهندة إنقاذ الموقف خوفاً من أن يبدأ غضب بدر الدين باكراً "طب أنا هاسبقكم" اخبر الجميع بإقتضاب بعد عدم إقتناعه بحجة شاهندة الواهية ولم يعجبه تصرف زياد وعدم الرجوع إليه في أي قرار ثم غادر للخارج. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "خدي بالك من نفسك وتطمنيني عليكي أول ما توصلي وتكلميني كل شوية وتعرفيني الناس معاكي أخبارها ايه وبيعاملوكي كويس ولا لأ" "حاضر يا كوكي، دي المرة المليون اللي بتقوليلي نفس الكلام على فكرة" صاحت على عجلة من امرها حتى لا تتأخر بيومها الأول "يا حبيبتي مش خايفة عليكي؟ مش لازم اطمن على بنتي الوحيدة بردو؟" تعجبت والدتها في حزن فزفرت نورسين في سأم "حقك عليا.. هكلمك كل لما الاقي فرصة.. وهاد*كي رقم المكتب أول ما أعرفه.. أنا بس مش عايزة أتأخر أول يوم" توجهت نحوها وعانقتها وقبلتها "يالا سلام" "ربنا معاكي يا حبيبتي" ابتسمت لها والدتها "معاكي مفاتيح عربيتك وفلوسك وموبايلك؟" "ايوة يا حبيبتي متقلقيش.. باي يا كوكي عشان متأخرش" توجهت نورسين للخارج ولازالت أمها تتابعها "مع السلامة يا حبيبتي وخدي بالك من نفسك ومتتأخريش وأنتي راجعة ومتنسيش تسوقي على مهلك الدنيا مش هتطيـ.." بالكاد اختفى صوت والدتها بعد أن غُلق باب المصعد لتتنفس نورسين أنفاس عميقة وهي بداخلها تشعر بالتوتر من يومها الأول. توجهت للمرأب لتنطلق بسيارتها البيضاء الصغيرة مسرعة حتى لا تتأخر وبنفس الوقت تتفقد ملامحها وشعرها بالمرآة كلما سمحت الفرصة ورن هاتفها فتفقدته لتجده زياد "ايه يا زيزو فينك.." "أنا جايلك اهو في الطريق" "لا جايلي ايه أنا قربت أوصل أصلاً" "هو احنا مش كنا متفقين إني هعدي عليكي؟" تعجب زياد متحدثاً لها "لا ملوش لزوم وأنا أصلاً معايا العربية ومكنتش عايزة أتأخر في أول يوم" "طيب بقيتي فين دلوقتي؟" سألها حانقاً وهو الذي كان يظن أنهما سيقضيا بعض الوقت سوياً قبل الذهاب للشركة "خلاص هركن أهو" "لا أنتي تدخلي الجراج على طول وفهميهم إنك بتشتغلي معايا وأنا قولتلك اركني في الجراج" "طيب أوكي، مع إني كنت لقيت ركنة خلاص" "اسمعي بس اللي بقولك عليه وأنا مسافة السكة وهاكون عندك.. أطلعي على شاهندة على طول" "حاضر.. باي" "باي" أنهى المكالمة وهو منزعج من تصرفها بينما هي توجهت للمرأب مثلما أخبرها ولكنها توقفت عند البوابة لتضع هاتفها على الكرسي بجانبها ولم تلاحظ أن هناك سيارة مسرعة خلفها وفجأة شعرت بإرتطام سيارتها بسيارة أخرى. توجهت خارج السيارة على الفور لتلاحظ سيارة أخرى عملاقة غلفها السواد تماماً قد ارتطمت بمؤخرة سيارتها وقد حطمت مصابيح سيارتها وبعضاً من هيكل السيارة الخلفي. "ايه الغباء ده؟ فيه حد يدخل الجراج بالسرعة دي!!" صاحت في ارتباك ليتوجه بدر الدين خارج سيارته منزعجاً من كلماتها "أنتي ايه الأسلوب اللي بتتكلمي بيه ده، وبعدين حد يوقف كده في مدخل الجراج؟!" تحدث بهدوء لها لتنظر له في غضب ثم خلعت نظارتها الشمسية لتقع عيناه على أجمل زرقاوتان رآها بحياته "أنا كنت بشيل الموبـ.." صمتت من تلقاء نفسها ثم عقدت حاجبيها "وبعدين أنت اللي غلطان!!" صاحت به وصر هو أسنانه في غضب "أنتي في إدارة ايه؟!" تحدث كاتما غضبه ولم تفترق أسنانه بينما لاحظت هي مدى عجرفته الشديدة "مالكش دعوة، وبعدين أنا هاعمل إيه في العربية دي دلوقتي؟" ابتسم بإقتضاب ثم وضع يداه بجيوبه ولأول مرة تلاحظ كم هو طويلاً للغاية بالرغم من أنها تعتبر طويلة بين النساء كما أزعجها ذلك الشموخ العجيب به. "لآخر مرة هسألك أنتي في إدارة ايه؟!" سألها بهدوء مجدداً "مالكش دعوة واتفضل اتصرفلي في العربية، ولا هو تبهدل للناس عربياتهم وتسيبهم" "تمام، حركي العربية عشان أدخل الجراج" تعجبت من أسلوبه الغريب وكأنه ليس هو من أفسد سيارتها منذ قليل لترفع حاجباها في دهشة "مش هاتحرك من هنا غير لما تجيب حد يصلحها" وقفت عاقدة ذراعيها أمامه وبمنتهى العناد الطفولي أصرت على موقفها ليومأ هو لها ثم توجه نحو سيارتها دالفاً اياها "ايه ده أنت بتعمل ايه؟" صاحت سائلة وهي تتابعه بينما هو ادار محرك سيارتها دالفاً للمرأب ليزداد غضبها ثم هرولت خلفه ولكن لم تلحقه وبينما هي تسير في نفس الإتجاه الذي ذهب به وجدته عائداً  "أنت ازاي تسوق عربيتي من غير ما تستأذن؟!" صرخت به وهي في قمة غضبها ولكنه لم يجيبها "هات المفتاح لو سمحت!!" حدثته وملامحها تعتريها مشاعر مضطربة بينما لم يعيرها أي اهتمام وتوجه لسيارته وهي بالكاد تلاحق خطواته وهي ترتدي ذلك الكعب الذي أعاق من خطواتها "أنت مش سامعني وأنا بكلمك؟!" صرخت به ومجدداً لم يلق لها بالاً وكأنها شفافة كالهواء. توجه دالفاً سيارته بينما هي تمنت لو هشمت رأسه بطريقته المتعجرفة تلك ومظهره المزعج للغاية ولكنها لن تستسلم!! وقفت أمام سيارته حتى لا يستطيع المرور فسيكون عليه الإرتطام بها ولم تتوقع أنه قد يفعلها ولكنها وجدته يتوجه نحوها بسرعة وكأنها ليست موجودة على الإطلاق. لم تصدق ما أوشك على فعله، يبدو وكأنه لن يتراجع عن الإتجاه نحوها، هو يمزح، بالطبع يمزح، لربما يريد إخافتها لا أكثر، لن تتحرك، لن تسمح له بأن يفعلها، ستجبره على التوقف رغماً عن أنفه المتعجرف ولكنها لم تعلم من هو بدر الدين الخولي بعد! ظلت واقفة مكانها وهو يتجه نحوها مسرعاً ولم يتوقف بينما هي ازدادت وتيرة تنفسها وقلقها بل ولأول مرة تشعر بالخوف الشديد مثل الآن وبالفعل بات هناك أقل من متراً واحداً بينها وبين سيارته وكاد أن يرتطم بها ولكنها في لمح البصر صرخت لتجد من يزيح جسدها عن الطريق. "نور انتي كويسة؟!" صاح زياد في لهفة الذي تعجب منذ قليل لماذا السيارات متجمعة أمام المرأب في هذا الشكل ولا تتحرك أياً منها "أنتي ايه اللي كان موقفك كده؟!" صاح زياد مرة أخرى بها ولكنها من الصدمة التي تعرضت لها للتو لم تجيبه وظلت صامته بينما أخذت السيارات في التتابع متوالية دخل المرأب وازداد قلق زياد "نورسين ردي عليا ايه اللي حصل عشان توقفي كده؟!"  "مش .. عارفـة.. واحد كان هنا وخبطني.." بالكاد نطقت بعض الحروف ولكن قاطعهما بدرالدين "قولتيلي بقا في إدارة ايه؟!" صاح بدر الدين صارراً أسنانه "أهو هو ده الغ*ي اللي خبطلي العربية.. وكان ناوي كمان يخبطني بالعربية لولا أنت لحقتني" أخبرته في اندهاش مصحوب بالمفاجأة ثم عاد لها انفعالها مرة أخرى بينما تفقده زياد ليجده بدر الدين أخيه ولن ينكر أنه شعر بالقلق مما أطلقته عليه فهو لن يتهاون معها بالتأكيد! "أنتي قولتي ايه دلوقتي؟!" تحدث بمنتهى الهدوء عاقداً كلتا يداه لقبضتان " خلاص يا بدر معلش هي مكانتش تعرف أنـ..." "اسكت خالص يا زياد وخليك برا الموضوع ده" قاطعه خالعاً نظارته الشمسية لينظر لزياد بغضب ثم سلط نظرته الثاقبة عليها "معلش يا بدر ديه نورسين زميلتي اللـ.." "مش قولتلك تسكت؟!" قاطعه هذه المرة دون أن ينظر له وظل ناظراً لنورسين التي ابتلعت وجلاً من مظهره الذي طغى عليه غضبه الآن ولم يستطع السيطرة على نفسه نهائياً "لآخر مرة هسألك انتي إدارة ايه؟!" "أنا.. أنا.." تلعثمت قليلا من تأثيره المُهيب عليها وتلك الهالة التي قد تُصيب أيا من كان بالإرتباك ولكنها استجمعت شجاعتها لتُكمل "أنت اللي خبطني وبعدين.. أنا.. أنا معرفش أنا إدارة ايه" أكملت حديثها بصعوبة بعد أن سيطر التوتر عليها "طيب! تستاهلي بقا اللي هيجرالك" ابتسم بإقتضاب مستفزاً اياها ثم ارتدى نظارته مرة أخرى وتركهما متوجهاً للمصعد وكأن شيئاً لم يكن. "زياد مين بدر ده اللي فاكر نفسه ملك الكون؟!" سألته في انزعاج لتراه يبتلع قبل أن يجيب. "ده بدر الدين الخولي.. أخويا الكبير.. والكل هنا بيعامله إنه هو الوحيد صاحب الشركة!" اجابها لينفرغ فمها مما سمعته وغرقت في صمتها دون أن تدري ماذا تفعل. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "يعني اللي شوفته ده كان..؟؟!" توقفت عن الكلام من تلقاء نفسها ليهُز زياد رأسه بموافقة على ما فهمه من ملامح الصدمة الواضحة على وجهها عند إدراكها بمن يكون ذلك الرجل الذي تشاجرت معه للتو "بس برضو هو.. هو يعني.. محدش بيسوق بالسرعة دي وهو داخل جراج.. هو غلط!!" "خلاص يا نور وأنا هاخلي شاهندة تكلمه والموضوع هيعدي على خير" "بس هو غلطان!" صاحت بإنفعال طفولي بملامحها البريئة "محدش يقدر يطلع بدر أخويا غلطان أبداً!" "طب هتشوف!! أنا بقى هاوريه.. أنا هاثبتله إنه غلطان وهاتكلم معاه" أخبرته بتحفز وإصرار ببراءة وطفولية وقررت داخلها بأن تذهب وتطيح بكتلة الكبرياء والشموخ تلك التي رآتها منذ قليل بالرغم من التوتر والإرتباك الذي اندلع بسائر حواسها عندما رآته "يا ستي ده بدر.. متحطيهوش في دماغك عشان محدش هيقدر عليه" "طب أنا هاوريك!!" "ممم.. Good luck with that! بس اوعي لا تزعلي أنتي" "هو فاكر نفسه ايه يعني" زفرت بحنق مما أدى لنفخ وجنتيها في طفولة "سيبك منه، هنقضي اليوم كله كلام عن بدر ولا ايه.. وعلى فكرة شكلك زي القمر النهاردة.. غير ما بتبقي في الجامعة خالص" ابتسمت له بإقتضاب لمجاملته ثم تذكرت أنه ذلك المتعجرف معه مفاتيح سيارتها ولا تملك أياً من أشياءها كما تذكرت أن عليها مهاتفة والدتها وإلا ستشعر بقلق عليها لا نهائي. "أنا عايزة مفاتيحي اللي معاه، هو مكتبه فين؟!" رمقته بزرقاويتين متسعتين في استفسار "لا انسي انك تيجي جنبه النهاردة ويُستحسن طول ما انتي بتدربي هنا متجيش جنبه، كفاية انك قولتي عليه غ*ي وسمعها بودانه، حاولي تتحاشيه على قد ما تقدري" "أنا مش فاهمة يعني بدر ده ايه، ملك الكون وأنا مش واخدة بالي؟!" "هو شخصيته غريبة.. أحسنلنا نفتكره ملك الكون ونبعد عن طريقه" نفخت وجنتاها في براءة وهي تشعر بالغيظ من كل ما حدث "سيبك منه وتعالي يالا نطلع زمان شاهي جت وهي هتحل كل حاجة، وخديها نصيحة مني لو عايزة تتقي شر بدر صاحبي شاهي، هي الوحيدة اللي بتقدر عليه، وكمان هتتدربي في الإدارة اللي ماسكاها وكده كده هي لذيذة وطيبة اوي وهتحبيها، انسي بقا اللي حصل ويالا بلاش زعل في اول يوم" ابتسم لها تلك الإبتسامة الساحرة التي تؤثر على جميع الفتيات عدا هي! "يالا بينا" ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "خلاص بقا يا بدر اعتبرها عيلة وغلطت، دي من دور أخوك الصغير" تحدثت له شاهندة بينما لم يعيرها هو اي اهتمام يُذكر وتظاهر بالإنشغال أمام حاسوبه بينما بداخله يحترق غيظاً من تلك الفتاة "طب حقك عليا أنا واديني المفتاح عشان فعلاً كل حاجتها في العربية ومحتاجاها" "تيجي تعتذر على اللي عملته وأنا اديها المفاتيح" أخبرها بعد أن نظر لها نظرته تلك التي لا تحتمل النقاش وقد عرفتها شاهندة جيداً "أنت مكبر المواضيع كده ليه، كان ايه يعني اللي حصل لكل ده" زفرت في سأم لينظر لها بإنتصار "هو ده اللي عندي! وسيبيني بقا عشان محتاج أخلص اللي ورايا، مبقاش ورانا حاجة من الصبح غير عيلة صغيرة جاية تتدرب وهتقرفنا بقا!" "يا ساتر عليك يا بدر لما بتعند!" "روحي على شغلك.. ومتنسيش النهاردة فيه اجتماع أنا وأنتي وكريم وحمزة عشان فيه لخبطة كده مش عجباني!" أخبرها وهو يوجهها دافعاً اياها نحو الباب وما إن أغلقه حتى هز رأسه في إنكار "زفتة اللي قفلتلي اليوم دي!" توجهت شاهندة لمكتبها ثم عادت وملامح وجهها لا تدل على الخير أبداً لتلاحظها نورسين وكذلك لاحظها زياد الذي أدرك أنها لم تنتصر بحربها التي خاضتها للتو مع اخيه "مداكيش المفاتيح؟!" سألتها نورسين لتومأ لها بالإنكار "عايزك تعتذريله" أخبرتها في قلة حيلة "مكتبه فين يا شاهي لو سمحتي؟!" سألتها في تحفز عاقدة ذراعيها "آخر دور" اجابتها ليصيح زياد مندهشاً "أنتي فعلاً هتعتذريله؟!" "اعتذرله.. مش عارفة.. أنا هاتكلم معاه وخلاص علشان اخد المفاتيح" أجابته بتلعثم وتوجهت للخارج على الفور "مجنونة!!" صاح زياد "أنا مش عارفة هو مكبر المواضيع كده ليه وهو موضوع تافه وصغير" "أنا لولا إن بدر أخويا كنت **رتله عضمه على اللي بيعمله معاها ده" "لا والله!! ده ايه بقا ده إن شاء الله؟! بتحبها وبتغير عليها ولا ايه؟!" اندهشت متعجبة لتجد زياد يحك مؤخرة رأسه تلقائياً وابتسم لها "بصي يا شاهي، مش حب، بس حاسس إن دي الوحيدة اللي أقدر أتجوزها وأنا مطمن" "جواز!!!" صاحت في إندهاش رافعة حاجبيها "عارف إني لازم أخلص الجامعة الأول بس.." "بس ايه، اللي يشوفك دلوقتي ميشوفكش الصبح وأنت بتتكلم على البنات" قاطعته شاهندة "اعقل يا زياد وأعرف كويس أنت عايز ايه بالظبط وأوعى تظلم بنات الناس معاك" تن*د زياد ناظراً لها في حيرة "أنا عايزها.." "أنت فاتحتها في حاجة؟!" "لأ!" "طيب اهدى كده واعقل وشوف هي كمان عايزة ايه ومتستعجلش على حاجة" "اما نشوف" أخبرها باقتضاب شارداً بينما هي توجهت لتجلس على مكتبها وتبدأ في العمل. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ازدردت وهي لا تدري ما الذي يؤخرها عن أن تطرق باب مكتبه وتدخل حتى تتحدث معه وتحصل على مفتاح سيارتها منه، أخذت نفساً عميقاً ثم طرقت الباب ولم تنتظر رداً وولجت مكتبه وهي تتشبث بكل ذرة ثقة بداخلها. لم تصدق تلك الفخامة التي يصرخ بها مكتبه الذي يبدو عصرياً لغاية، هي بالأصل لم تتوقف عن الإندهاش بمستوى الشركة ككل ولكن مكتبه كان شيئاً آخر. حائطان بأكملهما زجاج، يرى مكتبه ذلك المنظر الخلاب الذي يتوسطه بحيرة صناعية وحولها مساحات خضراء شاسعة، حائط بأكمله خلف مقعده امتلئ بكتب شتى لا تظن أنه أنهاها قراءة، بينما خشب الأرض الرمادي وذلك الأثاث الأ**د العصري المطعم بالإ**سوارات الفضية كان غاية في الأناقة. نست ما آتت من أجله وهي تطلع تفاصيل مكتبه الضخم وزرقاوتاها تجوبان المكان بأكمله ولم يخرجها من شرودها غير صوته الذي آتى لتشعر وكأنما صعقة أصابتها "لا كله هيوقف لغاية ما اجتماع بليل ده يخلص، بكرة هبقى اشوف، طيب سلام!" ابتلعت مجدداً ما إن أدركت أنه ينهي مكالمته وعليها أن تفاتحه بالحديث "لو سمحت عايزة مفاتيحي" تحدثت إليه وهي تحاول ألا تنظر له مباشرة فهي لم تنسى تلك النظرة الغريبة الثاقبة التي تخللت روحها صباح اليوم ولكنه لم يجيبها وتظاهر بالإنشغال لتذهب هي بالقرب من مكتبه ووقفت أمامه "لو سمحت المفاتيح!" همست بنبرة مرتبكة لتجده يرفع رأسه وينظر لها بتلك العينان الثاقبتان لتبتلع مجدداً في توتر ثم أخفضت رأسها ناظرة للأرض "لما تتكلمي معايا تتكلمي بأدب!" أخبرها بهدوء لترفع هي حاجباها في إندهاش ثم نظرت له مباشرة "لا مسمحلكش لوسمحت.. أنا بتكلم بأدب دايما، لو سمحت المفاتيح بعد اذنك" ارتفع صوتها دون شعورها بتلقائية تامة "نبرة صوتك توطى وأنتي بتكلميني بدل ما أعلمك الأدب من أول وجديد" تحدث بهدوء مرة أخرى لتنفعل هي من تلك الكلمات الموجهة إليها "لا لو سمحت!! أنا مغلطتش فيك من الصبح وأنـ.." "كدابة!" قاطعها بصوته الرخيم لتتسع تلك الزرقاوتان التي لم يرى مثلهما بحياته من قبل وظل محدقاً بعينيها بنظرته التي يعلم أنها تبعث الخوف في نفوس من أمامه لتتوسع مقلتيها وحلقا حاجباها في دهشة "أنت ازاي تقولي كده وفاكر نفسـ.." "الصبح قولتي ايه؟!" في لمح البصر توجه نحوها مقاطعاً اياها لتجده هي واقفاً أمامها مُجبراً رأسها على النظر للأعلى لفارق الطول بينهما "قولت إنك غلطت، لأنك فعلاً غلطان" صاحت بإنفعال لا تعلم من أين واتتها الجرأة على ما تفعل "وايه كمان؟" ظل ناظراً لها واقترب منها خطوة لتغضب هي منه ولكنها بنفس الوقت شعرت بالتوتر "أنك.. كنت بتسوق بسرعة وغلطان وهتتصرفلي في العربية" تحدثت في غضب مصحوب بالإرتباك ليقترب منها أكثر "ولما كنتي بتكلمي زياد قولتيله ايه عليا؟"أقترب هو منها ثانية لتشعر هي بتوترها يزداد وازدادت وتيرة أنفاسها "قولتله إنك خبطني" اجابته بتلقائية بينما لاحظت أقترابه منها مجدداً لتبدأ هي في أخذ خطوات للخلف "انتي قولتي ايه بالحرف؟.. عيدي تاني عشان عايز أسمعك كويس" ظل يقترب منها بينما هي حاولت التذكر وبمنتهى التلقائية تذكرت واجابته "قولتله إنك الغ*ي اللي خبطتني وده فعلا لأنك غـ.." توقفت من تلقاء نفسها وازدردت ريقها في توتر وخوف من ملامحه عندما تأكدت الآن أنها أخطأت بحقه ولكن عيناه الثاقبتان لم يجعلا الأمر عليها هيناً، وكأنما هناك شيئاً بنظرته تلك تتغلغل بداخلها مسببة عاصفة ضارية فابتعدت للخلف عله يتوقف وأعادت نظرها للأرض ولكن هذا ليس ما خطط له هو، يريد أن يكتشف ما بتلك الزرقاوتان العجيبتان. "اعتذري حالاً!" آمرها بين أسنانه المتلاحمة "أنت غلطت!" همست هي في وجل من ملامحه ليتوجه هو نحوها أكثر لتستمر في أخذ خطوات للخلف حتى شعرت بإرتطام ظهرها بإحدى الحوائط الزجاجية وكادت أن تسقط لتجده بتلقائية يمسك بخصرها خشية من أن تسقط وهنا تلاقت أعينهما وكأنما توقف الزمن للحظات، لم يرى مثل تلك الأعين، كم كره تلك الخصلة التي سقطت لتعكر صفو استمتاعه بالنظر لتلك الزرقة وتخفيها خلفها، ولكنها هي سرعان ما لاحظت ذلك الوضع الغريب الذي جمعها معه وفي ثوانٍ استعادت توازنها حتى جذبت يده بعيداً عن جسدها "اعتذري!!" آمرها بصوته الرخيم الخافت لتومأ له بالإنكار "لأ أنت اللي كنت سايق بسرعة وخبـ.." "مش هكررها تاني" نظر لها نظرة محذرة مقاطعاً اياها وهو لا يزال يسيطر على أعصابه "لأ مش هعتذر أنا معملتش حاجة وأنت كمان غلطت وهتجيب المفاتيح وابعد عنـ.." "اعتذري!!" صاح بها صارخا والغضب يتطاير من عينيه بعد أن أمسك بكلا ذراعيها بقوة لتتلاحق أنفاسها في توتر وهي لأول مرة تواجه مثل هذه الشخصية. "أنا آسفة" صاحت مسرعة وتمنت لو تتخلص من منظره المهيب هذا أمامها بأي طريقة حتى لو بالإعتذار له. ابتسم نصف ابتسامة ونظر لها بإنتصار بعدما حقق مبتغاه ولكن هناك شيئاً بها أجبره على أن يكون قريباً منها فلم يبتعد واكتفى بإرخاء قبضتاه قليلاً بينما هي نظرت للأرض لتتحاشى تلك العينان الثاقبتان. "اياكي تنسي أنا مين وممكن أعمل فيكي ايه، بدر الدين الخولي تتعاملي معاه بأدب وتاخدي بالك كويس بتتكلمي معاه ازاي!! أنتي عيلة صغيرة جاية تتدرب شهرين وهتمشي اخر الاجازة، فاكرة نفسك هتغلطيني في مكتبي وشركتي اللي أنتي جاية تتدربي فيهم، نصيحتي ليكي إنك تمشي على الصراط المستقيم وأحسنلك متشوفيش قلبتي عشان هيكون يوم أ**د على دماغك يوم ما تفكري توقفي قدامي، أنا ممكن أنسفك في ثواني!! فاهمة ولا أعيد تاني؟!" عاد لهدوءه مرة أخرى بينما هي تعجبت لكل ما أخبرها به فهي لم تكن تتوقع كل تلك الكلمات اللاذعة منه "لا وعلى ايه، مش عايزة تدريب ولا حاجة و.. ويعني شركتك ومكتبك وكل ده اشبع بيهم، وأنت.. أنت كمان تتعامل معايا بأدب، ملكش أي حق تلمسني كده بعد اذنك، حاسب لو سمحت.." صاحت به في انفعال بينما تلعثمت مرة أخرى ولكن هنا نظرت له ولم تفترق زرقاوتاها عن عيناه السودواتان المزعجتان ودفعته بعيداً بكلتا يداها ولكنه لم يتحرك ولو مقدار أنملة "أشبع بيهم!!" رفع احدى حاجباه مكررا كلماتها "لو سمحت ابعد عني وهات مفاتيحي وأنا هامشي من هنا ومش هاتشوفني تاني أبداً" تحدثت في وهن وقلة حيلة بعد أن فكرت بأن ذلك هو الحل الوحيد حتى تتخلص من وجودها معه. "فاكراني عيل هتضحكي عليه زي زياد، مش كده؟!" نظر لها تلك النظرة الثاقبة مجددا لتشعر وكأن الموت أهون لها من أن تتحمل النظر لذلك الرجل أمامها، هي فقط تريد أن تتخلص من ذلك الوضع وتلك النظرات الغريبة "فاكرة أنك زي ما دخلتي في دماغ زياد حركاتك هتخيل عليا أنا كمان، ده بعدك!" عقدت هي حاجبيها لما يقوله "ابعد عني واديني المفاتيح" أخبرته بأنفاس متوترة "اياكي أشوفك بتهوبي بس جنب الشركة تاني، وزياد ده أحسنلك تنسيه خالص وتشيليه من دماغك" جذبها من احدى ذراعيها ليجبرها على السير وتوجه خارج مكتبه لتلاحظ سكرتيرته الشخصية ذلك وعيناها صرخت بالدهشة ولكن لن تتجرأ على التدخل في الأمر وأكتفت بمتابعتهما بعينيها. "لو سمحت سبني، أنت ايـ..." "اخرسي خالص واياكي اسمع حسك" آمرها مقاطعاً اياها لتتعجب هي مما يفعله معها ودلف معها للمصعد الذي ضغط به على الزر المؤدي للمرأب ثم دفعها لترتطم بأحدى جدران المصعد الداخلية وهي لا تدري ما الذي حدث لكل ذلك وكيف له أن يعاملها بتلك الطريقة وندمت أشد الندم أنها آتت هنا، ولكن كلماته تلك لا تستطيع نسيانها بسهولة ولن تدع الفرصة دون أن ترد عليه. توقف المصعد ليجذبها مجدداً بقسوة وتوجه نحو سيارتها التي قادها بنفسه صباح اليوم ثم ألقى بمفتاح سيارتها أرضاً أمامها لتتعجب لسبب كل ذلك "اياكي أعرف إنك جيتي هنا تاني" صاح محذراً لتلتقط هي المفتاح من على الأرض ثم واجهته بكل ما أمتلكت من شجاعة "لعلمك أنا أصلاً مش هاطيق أهوب ناحية الشركة دي، ويكون في علمك أخوك فضل سنة يتحايل عليا عشان آجي أتدرب هنـ.." "أخرسي.." قاطعها ولم يكترث لبراءة عينيها التي احتجبت خلف غيمة من الدموع "حركاتك دي مش هاتدخل عليا.. غوري في داهية من هنا واياكي أشوف وشك تاني" ترقرقت زرقاوتاها بالدموع لتنساب على كلا وجنتاها دون تريث "أنت شخصية مش كويسة وإنسان قليل الذوق وقليل الأدب علشان تعاملني كده!! وأنا مبعملش حركات، وأشبع بشركتك كلها، وابقا أسأل أخوك بنفسك، ده يعني لو كنت تعرف حاجة عنه" ألقت بتلك الكلمات التي لا تعلم من أين آتت ودلفت بسيارتها وتوجهت مسرعة للخارج. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ خلل شعره الفحمي وهو يتذكر تلك الزرقاوتان وكأنه لا يزال يلمح تلك الزرقة الجلية حوله بكل مكان، تلك المقلتان المليئتان بالدموع، تلك اللحظة التي انسلتت دموعها لترسم شلالات على كلتا وجنتاها، يعرف جيدا أنه لم يشعر بالشفقة من قبل على احد ولكن هناك شيئاً ما بداخله يخبره أنه كان قاسياً معها بلا داع! ابتلع وهو يتذكر وصفها له بتلك الصفات ليعقد حاجباه منزعجاً فلم يخبره أحد بهذا من قبل، ولكن آتت هي في دقائق قليلة لتتجرأ وتفعلها دون خوف أو تردد. ولكن هذا هو بدر الدين، لا يزال دائما وأبدا بداخله ذلك الجزء الذي لن يتوانى عن حماية عائلته، أخيه الصغير الذي ولابد أنها تتحكم بعقله، لربما سحرته بجمالها الذي لن ينكره ولكن لن يتركه ليقع فريسة سهلة لينفذ لها كل ما تتمناه، كما أن شاهندة كانت ولازالت أطيب إمرأة على وجه الأرض وبالطبع لن يتركها لتقع في مكيدة بنت صغيرة لم يتعدى عمرها عشرون عاماً. قاطع أفكاره تلك الجلبة التي حدثت عندما رأى كلاً من شاهندة وزياد أمامه فنظر لكل منهما بعيناه الثاقبتان وعلم جيداً أنهما آتيا بسبب تلك اللعينة الذي ظن أنه تخلص منها لتوه. "نورسين فين؟ من ساعتين كانت المفروض معاك، راحت فين يا بدر؟" سألته شاهندة في تحفز وهي لتوها علمت من سكرتيرته الشخصية كيف غادرت مكتبه. "معرفش! اسألوها.." تصنع عدم المعرفة ليغضب زياد وابتسمت شاهندة في سخرية "كل الشركة شافتك وانت نازل معاها الجراج، قولتلها ايه عشان تمشي يا بدر؟" نظرت له بأعين متسائلة "كلموها أسألوها.." اجابها ببرود ليزداد غضب زياد "مبتردش وبعدين موبايلها اتقفل، أنت أكيد زعلتها؛ قولتلها ايه؟" سأله في انفعال ليرفع بدر حاجباه مندهشاً من ردة فعل أخيه ثم أراح جسده في كرسيه واجاب بمنتهى البرود حتى يرى ما هي دوافع زياد تجاه تلك الفتاة "تغور في ستين داهية ويجي عشرة بدالها" "مينفعش كده يا بدر وهي معملتلكش حاجة وكان ده ممكن يحصل مع أي حد غيرها، أكيد أنت قولتلها حاجة خليتها تمشي" تحدث زياد  له بعصبية ليرفع بدر الدين احدى حاجباه "وأنت محموق عليها أوي كده ليه؟ عيلة صغيرة زي دي متعصب علشانها ليه كده؟" ابتسم نصف ابتسامة لم تلامس عينه وتحدث بتعجرف متسائلاً "لو سمحت متقولش عليها كده، وآه اتحمق عشانها و.." "محدش يجيب سيرتها قدامي تاني ومش هتعتب باب الشركة برجليها" قاطع أخيه بصوته الرخيم دون أن ينفعل مثله وأعاد نظره لحاسوبه "بس أنا محتجاها" تحدثت شاهندة ليرفع نظره لها بنظرة فهمتها جيداً "أنا مش بتحداك يا بدر ولا بعاندك، بس البنت شاطرة، هتعرف تتعامل مع كل الموردين، وجايبة امتياز التلت سنين اللي فاتت، وأنت عارف إن الـ Assistant بتاعتي مشيت ومحتجاها معايا" "لا بقا، ده أنتو زودتوها أوي، أنا مش عايز أسمع سيرتها تاني، وأنا قولت انها مش هتهوب هنا تاني يعني مش هتهوب هنا وابقوا وروني مين هي**رلي كلمة" صرخ بهما بعد أن شعر وكأنهما يتحدياه "وأنا بقول انها هتكمل تدريبها هنا، هي مش شركتك لوحدك" هنا تدخل زياد لينظر له بدر الدين في تحدي بينما نظرت له شاهندة في صدمة "زياد.. عيب اللي أنـ.." "لا مش عيب" قاطع زياد أخته التي كانت تحاول أن تزجره "العيب إن بدر الدين باشا متحكم في حياتنا، متحكم في كل حاجة بنعملها، بيعمل كل اللي على مزاجه وكأننا كلنا عيال صغيرين، الشركة دي بتاعتنا زي ما هي بتاعته.. وإذا كان زي ما بيقول انه عايزني انزل واعرف الشغل يبقى ليه بيتصرف معايا اني عيل، لأ ده مش معايا بس، مع الكل.. وأنا بقولك يا بدر لو نورسين مرجعتش أنا مش هعتب أنا كمان الشركة دي برجلي أبداً" صاح منفعلاً ولم يدرك إلي من يتحدث وانصدمت شاهندة من كلامه الذي ألقاه بوجه بدر الدين وكاد أن يغادرولكن أوقفه صوت أخيه الرخيم "وأنت ليه عاملها خاطر أوي كده؟ تهمك في ايه؟ فيه ايه ما بينكم؟!" "ايوة عاملها خاطر، وتهمني أوي لأنها في يوم من الأيام هتكون مراتي!" اجابه بإصرار وتحدي بينما أوصدت شاهندة عيناها في خوف مما سيحدث لاحقاً بين كلاً من أخواتها "لا والله وكبرت ورايح تجيبلنا واحدة لا نعرف أصلها ولا فصلها وعشان ضحكت عليك بكلمتين صدقتها وعاملها قيمة أوي.. لما تبقا راجل وتعرف تتحمل مسئولية وتعرف تحكم على نوايا الناس ابقا تعالى قول دي هتبقا مراتي" "راجل غصب عنك.. وهو يعني مافيش راجل غيرك، أنت زمان في نفس سني بين يوم وليلة أتجوزت اللي اخترتها ومحدش وقف قدامك، أنت ايه.. هتفضل تتحكم فينا لغاية امتى؟ مفيش كبير غيرك خلاص؟ تعمل كل اللي على مزاجك إنما احنا لأ؟! ولا هو يعني عشان ابونا مات هتبيع وتشتري فينا.. يا أخي أنا قرفت من وجودك في حياتنا، ياريتني ما كان ليا أخ زيك، كان يوم أ**د يوم ما دخلت بيتنا، كفايـ.." قاطعه بدر الدين بصفعة قوية انتهى معها كلامه بينما صُعقت شاهندة لما حدث لتحاول التدخل وكادت أن تتحدث ليشير لها بدر الدين بسبابته محذراً اياها "امشي اطلع برا وحصلها، مش عايز أشوف وشك تاني" آمره بمنتهى الهدوء لينظر له تلك النظرة الثاقبة وهو يرى وجه أخيه الصغير محتقناً بالدماء وأسنانه كادت أن تتهشم من كثرة صره لها. "هحصلها، ومش هتشوف وش حد فينا تاني، ومن دلوقتي أنت مالكش أخ اسمه زياد ولا أنا ليا أخ اسمه بدر الدين!" ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ سمع طرقات على باب مكتبه لتدخل شاهندة وهي تنظر له على حذر وبنفس الوقت فاضت عيناها شفقة عليه وهو لا يكره أكثر من تلك النظرة بحياته فأشاح بنظره عنها بعيداً. "بدر أنت لسه مـ.." "لو سمحتي يا شاهندة سبيني لوحدي" أخبرها دون أن ينظر لها لتبتلع هي "ما أنا سايباك بقالي كتير، وأنت عارف إن اللي حصل ده كان غصب عن زياد، ده عيل صغير و.." "عيل صغير وغلط وعمره ما هيبقا راجل أبداً بعمايله دي" قاطعها ولا يزال محتفظًا بهدوءه "أنت بردو كنت ممكن تفهمه وجهة نظرك في البنت بهدوء" "أفهمه ايه يا شاهي، ده خلاص كبر، أنا مكنتش زيه وأنا في السن ده، ناوي يعقل امتى!" "بس ارجع وأقولك انت اتسرعت في حكمك على البنت، على فكرة إنسانة طيبة وكويسة وشاطرة وبنت ناس و.." "أنا مش فارق معايا الزفتة دي.. أنا فارق معايا أخويا اللي مضحوك عليه.. عيلة صغيرة فرحانة بإنها هتتجوز زياد الخولي وطمعانة فيه وكان شكلها باين عليه اوي انها جاية تتمحك فيه" قاطعها مُصرا على وجهة نظره بنورسين "تتجوزه ازاي بس وهو حتى مقلهاش حاجة ولا فاتحها في الموضوع، لسه بـ.." "وهي اللي زي دي محتاجة يقولها ولا يفاتحها؟ ده شغل بنات مش تمام وعرفت تلعب عليه كويس اوي، ولعلمك يا شاهندة أنا متأكد بنسبة مليون في المية إنه نزل الشركة الأجازة دي عشان خاطرها هي وبس" "طيب وفيها ايه لو هي انسانة كويسة وبتشجعه يكون انسان احسن!" "بتشجعه!!" ابتسم متهكماً مكرراً لما قالته "البنت دي بتلعب على تقيل وطمعانة فيه وبكرة تشوفي.. وعموماً أنا مش هاتكلم في الموضوع ده تاني" "أنا عارفة إنك مضايق وإن الكلام اللي قاله زياد كان مـ.." نظر لها نظرة مُحذرة لولا أنه أخيها الذي تعرفه لكانت ارتجفت خوفً من ملامحه "اياكي تكرري كلمة واحدة.. ولو سمحتي سيبيني يا شاهي دلوقتي" أعطاها ظهره ثم أخبرها بتلك الكلمات لتلمس شبحاً من الحزن بنبرته لتتوجه نحوه ثم قبلت كتفه في ود أخوي "هسيبك عشان تهدى.. بس عارف إني هافضل قلقانة عليك.. حاول تكلمني لما تكون أحسن.. تصبح على خير يا بدر" أخبرته ثم غادرت لأنها تعلم جيداً لن يكون في صالح أحد أن يقترب منه الآن ولطالما كان هذا طبعه يهدأ وحده دائماً. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "نور أنتي فين؟ قافلة موبايلك ليه؟ أنا كنت هموت من القلق عليكي!" تحدث زياد بلهفة "متقلقش أنا كويسة.. بس بعد اذنك يا زياد أنا مش هكمل التدريب" "بدر قالك ايه؟" سألها بعد برهة من الصمت وهو يمتلئ غضباً من اخيه ليحصل هو الآخر على صمتها لدرجة أنه ظن أنها أنهت المكالمة "نور أنتي معايا؟" صاح سائلاً لتجيبه "أنا معاك.. وبدر مقاليش حاجة واداني المفتاح ومشيت، وأنا غلطت فيه بصراحة.. عموماً حصل خير بس معلش انا قراري اني مش هاكمل" كانت تلك هي الكلمات التي ظنت أنها ستنهي الموضوع تماماً "نور!! أنتي بتخبي عليا اللي قالهولك بدر؟!" "زياد أنت عارف احنا أصحاب ازاي ولا يمكن أخبي عليك حاجة، بس معلش أنا حسيت إني قلبي أتقبض من ساعة ما دخلت الشركة دي، ويا سيدي أنا زي الفل أهو، وعلى فكرة موبايلي كان مقفول عشان فصل شحن، متقلقش كله تمام!" حاولت أن تطوي تلك اللحظات التي مرت عليها مع ذلك الرجل الغريب وشرعت في تناسيها بالفعل ووجدت أن هذه هي أول خطوة نحو ما تريده. "طب لو احنا أصحاب وبقولك عشان خاطري تيجي معايا بكرة، هترفضيلي طلبي؟!" سألها بنبرة متوسلة ليسمع تن*دها من الطرف الآخر "ربنا يسهل، ومعلش هاقفل معاك دلوقتي لأني طالعة البيت.. باي" ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "كان ينفع اللي أنت قولتهوله ده؟ مهماً كان ده أخوك الكبير، مكنش ينفع تكلمه بالطريقة دي، نسيت ده مين؟ نسيت وقف جنبنا ازاي بعد ما بابا ما مات ولولاه كانت كل حاجة هتتهد؟ نسيت يا زياد أنك طول عمرك بتبصله على إنه باباك مش أخوك الكبير وبس؟" صاحت شاهندة في انفعال "يا شاهي أنا منستش بس بردو بدر بيزودها أوي! وأنا مكنتش متوقع أنه يعمل كده مع نور" تن*د في حزن "أنت لازم تعتذرله بكرة، وأياً كان اللي ممكن يحصل ما بينكم مينفعش تقول لبدر بالذات كده" "خلاص هعتذرله، بس أنتي كمان ساعديني وحاولي تقنعيه إن نور ترجع، مينفعش أطلع عيل قدامها!" "أنت كلمتها؟" ضيقت عيناها وهي تنظر له "ايوة كلمتها والغريب أنها مصممة أن بدر معملش حاجة وأنه اداها المفتاح عادي وسابها تمشي" تعجبت شاهندة لما تسمعه "مممم.. طب سبلي بدر وأنا هتصرف.. بس أهم حاجة تعتذرله الصبح أول ما يجي" "خلاص أتفقنا" تعجبت هديل من ذلك الحديث بين كلاً من شاهندة وزياد ومن نور تلك وما الذي حدث؟ وماذا كانت تقصد شاهندة بتلك الكلمات عن بدر؟ ولماذا يجب على زياد أن يعتذر له؟ أخرجت هاتفها لتتصل بسكرتيرتها الشخصية التي تنقل لها كل ما يحدث ولكنها لم تجب لتبتسم في خبث وتحدث نفسها "يا خبر دلوقتي بفلوس بكرة يبقا ببلاش!" توجهت لتغادر وهي مصممة بداخلها على أن تعرف كل ما حدث اليوم. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ تلاحقت أنفاسه بعد أن هشم كل ما وقعت عليه عيناه بغرفته، وقف ليلتقط أنفاسه ليلاحظ تلك الإبتسامة بالصورة المعلقة أمامه على الحائط لينظر للصورة وامتلئت عيناه بالدموع المكتومة التي تأبى أن تفر منها ليتحدث للصورة بصوته المتحشرج "وحشتيني أوي، كان نفسي تبقي معايا النهاردة، كان نفسي أفتح الباب وأجري عليكي أحكيلك كل اللي حصل، لسه كل حاجة زي ما هي، لسه محدش قابلني زي ما أنا، لغاية أمتى هفضل كده، أنا فكرت كتير أبعد عنهم بس مبقدرش، ليه كل الناس بتفهم خوفي عليهم غلط إلا انتي، ليه سيبتيني يومها ومشيتي؟ مكنتيش يعني عارفة إني من غيرك مش هاقدر أعيش؟!" سحق أسنانه وهو يبتلع في آلم ثم وصد عيناه يعتصرهما وهو يُفكر في أحداث اليوم بأكمله وأكثر ما آلمه هو كلمات زياد له. توجه لمكتبه حيث البار الخاص به وسكب كأساً ليتجرعه مسرعاً ثم أمسك بالكوب وأخذ يضغط عليها بقبضته حتى تهشمت وأختلطت شظايا الزجاج بدماءه وآخذ يسترجع العديد من الذكريات المؤلمة مراراً وتكراراً. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ للمرة الآلف تقلبت في فراشها وهي تعيد كل ما حدث اليوم، تذكرت كل ما فعله، هيئته التي أزعجتها، ربما وترتها، أهذا لأنها لم ترى رجل مثله من قبل؟ لماذا يبدو مُخيفًا هكذا؟ وكيف لها أن تعود لتلك الشركة وتخسر كرامتها بعد كل ما فعله بها؟ لماذا كل ذلك الكره والتحكم من ذلك الرجل؟ لا يشبه أخيه المرح في أي شيء وكأنهما ليسا بأخوة على الإطلاق، تذكرت كيف كانت كلماته بغيضة لا تطاق وكأنه يكرهها بسبب شيء ما، لا تعرف ما الذي قصده بأنها قد خدعت زياد، وصدت عيناها لتحاول النوم ونفض كل تلك الأفكار بعيدا عن عقلها ولكنها رآت تلك السوداوتان تحدقا بها ففتحت عيناها على الفور وكذلك الضوء بجانب سريرها وهي تتعجب لماذا تتذكر نظراته الآن لتتن*د في سأم وهي لا تعلم ما قرارها بعد لتحاول مجدداً ترك كل هذا للصباح بينما كل ما أرادته فقط هو الحصول على قسط من الراحة.. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ #يُتبع . . .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD