الفصل الثالث

5976 Words
"على جثتي، أنا مش هوافق على الكلام ده أبداً" صاح بدر الدين في منتهى الغضب لتزم شاهندة شفتيها ثم اقتربت منه بأعين متوسلة "اللي أنا سمعته من جوز مامتها مكنش سهل يا بدر، ده كان عايز يمضيها على أنها تتنازله على كل حاجة ورثتها وتخيل وهي في الظروف دي مفرقتش معاه، وكان كمان جايب حبر وهيخليها تبصم وهيزور كل حاجة، أنت لو أختك مكانها، لو أنا مكانها، هترضى ليها تعيش مع واحد زي ده" "كفاية بقا لو أختي مكانها، احنا مش مكانها، واحنا مش عيلتها، تروح لأي حد تاني.. استحالة تيجي تعيش معانا" صرخ في غضب شديد "تعرف.. زياد حكالي انها متعرفش أهل باباها ومامتها وحدانية ملهاش اخوات ومن يوم ما اتجوزت يسري ده وأهل جوزها قاطعوها، يعني دلوقتي نورسين ملهاش حد" "مش مشكلتي ولا مشكلتك، كفاية اوي اننا وقفنا جنبها كل ده، عملنا اكتر من الواجب، تروح تغور في اي حتة بعيد عننا" صمم على موقفه لتزدرد شاهندة في صمت ثم جلست على احدى المقاعد وبدأت الدموع تحتبس في عيناها  "لا مشكلتي يا بدر، مشكلتي ان حياتي فاضية، ولولا وجود حمزة وشغلي كنت اتجننت، مشكلتي إن ربنا حرمني من الخلفة، من ان حياتي تكون مليانة أولاد اديلهم حنان وحب واربيهم وآخد بالي منهم، لولا وجودكم جنبي كان زماني موت نفسي.. أنا من ساعـ.." "شاهندة" قاطعها متن*داً ثم توجه بالقرب منها ولانت نبرته "احنا كلنا جنبك ومش هنسيبك وولاد هديل مالين علينـ.." "ولاد هديل بكرة يكبروا وأنا بالنسبالهم هكون خالتهم وبس، زياد بكرة يشوف حياته، ماما ربنا يديها الصحة وطولة العمر بس مش هتعيش قد اللي عاشته، وأنت!! أنت إنسان غريب وقافل على نفسك وراضي بوحدتك، إنما أنا؛ أنا نفسي يكون جنبي حد تاني، كتير بحس حياتي فاضية، اه صحيح موجودين جنبي بس بمجرد ما حمزة يتشغل ولا يسافرله يومين ببقا حتجنن، يوم ما ماما بتتشغل ولا بتسافر لحد من قرايبها ببقا حاسة إني لوحدي، وهديل أنت عارفها كويس.." قاطعته ودموعها تنهمر رغماً عنها  "تعرف يا بدر إني فكرت كتير الفترة اللي فاتت اتبنى بنت أو ولد؟! قولت يمكن حياتي تتغير شوية" بدأت في النحيب ليشعر بدر الدين بآلام أخته ثم أكملت  "فيها ايه لما أعتبر نورسين أختي الصغيرة وزي بنتي؟ فيها ايه لما أقف جنب بنت زيها على الأقل كام شهر ولا كام سنة لغاية ما أطمن عليها؟ هي مش نور دلوقتي يتيمة الأب والأم؟ بنت زي دي مش محتاجة رعاية وحد يوقف جنبها.. أنا فضلت أتخيل لو جوز مامتها كان عمل اللي كان عايز يعمله يا عالم كان مستقبلها هتغير ازاي، كان ممكن يبهدلها ويعمل فيها بلاوي، أنا زي ما يكون ربنا باعتني في الوقت المناسب عشان أعرف اللي بيحصل.." تريثت وهي تزيح دموعها بعيداً عن عيناها ثم نظرت لبدر الذي لم يستطع أن يتفوه بحرف  "أرجوك وافق.. وافق إنها تيجي تعيش معايا وجنبي في البيت.. أنا هتكفل بكل حاجة تخصها.. هساعدها تخرج من اللي هي فيه وتكمل تعليمها، حرام بنت زي دي وبالمستوى اللي عاشت فيه طول حياتها وبنت شاطرة زيها تتدمر وفجأة متلاقيش حد جنبها، عشان خاطري إن كنت بتحبني وافق" توسلت له ليوصد عيناه في غضب وصر أسنانه في عصبية  "اعملي اللي أنتي عايزاه.. بس خدي بالك إنها هتعيش في نفس البيت مع شاب عايز يتجوزها وسنهم همّ الاتنين صغير.. " بالكاد تحدث بين أسنانه المتلاحمة غضباً "متقلقش يا حبيبي، وبعدين احنا في بيت طويل عريض، ماما وهديل وجوزي وجوزها وأنت والناس اللي بتساعدنا، يعني مش هيفضلوا لوحدهم أبداً.. وأنا هاخد بالي منها كويس" "وتفتكري ماما وهديل هيوافقوا بسهولة؟" "سيبك من هديل ما دام أنت وافقت وماما طبعا أنت فاهم هتتعاطف معاها ازاي، أنت بالذات عارف إنها مرت بحاجة شبه كده و..." "أرجوكي متفكرنيش.. بلاش يا شاهندة" نهاها قاطعاً ناظراً لها في لوم امتزج بغضبه لتتدارك ما قاربت من قوله "أنا آسفة يا بدر والله ما أقصد" صاحت في حزن وهي تتلمس ذراعه في ود أخوي "أنا رايح أخلص الإجراءات.." أخبرها بإقتضاب ثم غادر في ثوان وملامحه يعتريها الآلم  "ياربي بقا.. أنا مكنتش أقصد حاجة.. ربنا يستر وميضايقش مني!" تمتمت لنفسها ثم توجهت داخل غرفة نورسين لتجمع ملابسها التي آتت بها وبدأت في الاستعداد للمغادرة. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ فتحت عيناها وهي تشعر بآلم يهشم رأسها لتتعجب من ذلك المكان الذي تواجدت به الذي كان مختلف عن المشفى أمس وشعرت بالخوف الشديد ما أن تذكرت كل شيء حدث معها.. بنفس الوقت لمحت شاهندة على أريكة أمام السرير ليزداد تعجبها وودت لو أن تتحدث وتناديها لتستفسر عن ذلك المكان التي هي به ولكن وكأن الكلمات لا تريد الخروج من حلقها وكأنما عُقد لسانها أو شُل تماماً عن الحركة. تذكرت موت والدتها وما فعله معها يُسري الذي صدمتها حقيقته الشنعاء لتتهاوى دموعها في صمت ولم تستطع التحرك ولم يدل على الحياة بها سوى حركات جفنيها البطيئة ودموعها التي تتساقط دون توقف. لا تعلم متى دلفت تلك الممرضة التي يبدو وكأنها تفحصها وتتفقد ذلك الشيء الموضوع بيدها، ألهذا الحد هي مريضة؟؟ أستفسر عقلها وهي لا تتوقف عن البكاء بينما لاحظت شاهندة تتوقف بالقرب منها وتحدث الممرضة  "طمنيني هي كويسة؟" "بقت أحسن يا مدام بس لسه موضوع الضغط زي ما هو، منخفض جداً وضربات قلبها ضعيفة.. لازم تبتدي تاكل وتتغذى كويس، مش كفاية المحلول والفيتامينات.. وكده كده الدكتور جاي كمان ساعة وهيطمنا أكتر.." "متشكرة.." "العفو.. بعد اذنك" غادرت الممرضة لتتن*د شاهندة ثم جلست بالقرب من نورسين التي لازالت على نفس حالتها ولربما تشعر بأنها أسوأ خاصةً بعد ما حدث لها ليلة أمس. "عارفة بقا انا مش هينفع الـ Assistant بتاعتي الشاطرة واحلى واحدة في الشركة تبعد عني كتير وتسبني بالذات بعد ما لحقتيني قدام بدر وكنتي سبب اننا نعرف إن فيه غلط في الـ System، اوعي تفتكري إني هفرط فيكي بسهولة.. وبعدين أنا استحالة اسيبك بقا خلاص على كده قفلت، فأنا قررت إنك هتفضلي معايا هنا في البيت طول اليوم ومعايا في الشغل كمان.. ويكون في علمك هتخلصي جامعة بسرعة بسرعة عشان تيجي تلحقيني بقا في الشغل.." نظرت لها بعد أن حاولت بكل ما استطاعت أن تحدثها بنبرة مازحة ومتفائلة بينما لم يتغير تعبير وجهها فشعرت شاهندة بالآسى تجاهها فاقتربت منها لتجلس وتعانق رأسها لص*رها وقررت أن تحاول مرة ثانية وهي تربت على شعرها "أنا متأكدة إنك سامعاني وفهماني، عايزاكي تركزي معايا وتفكري في كلامي كويس، تعرفي يا نورسين أنا عندي واحد وتلاتين سنة، أنا وحمزة حبينا بعض من أيام الجامعة، واتجوزنا أول ما اتخرجنا على طول، وبعد سنتين أتأكدت إني استحالة أكون أم، مفيش أي حلول نفعت معايا.. أفتكرت إن دي نهاية الدنيا وإن لازم اسيب حمزة عشان مش ذنبه يتحرم من الأطفال وفي نفس الوقت بابا مات.. كنت متدمرة ساعتها واللي بهدل الدننيا خالص إن الشركة بتاعتنا وقعت وكان شغلنا كله هيضيع وشبه هنفلس، كان لازم ساعتها أفوق وسط كل ده وأتحمل المسئولية مع ماما وبدر.. أنا باحكيلك كل ده عشان تعرفي إن مش كل حاجة وحشة بتحصلنا نسيبها تأثر علينا، بالع**، بتخلينا أقوى، وهو ده اللي أنا محتجاه منك، محتجاكي تفوقي، مش بقولك إن كل اللي حصلك كان سهل، لأ أنا حاسة اوي بيكي وعارفة إن الموضوع صعب، بس لازم تقومي تاني وتبقي اقوى، لازم تعلمي جوز مامتك الأدب، لازم يشوفك ناجحة في حياتك.. واوعي تخافي لأني هفضل جنبك، يسري مش هيقدر يلمس شعرة منك.. محدش هيقدر يقربلك طول ما أنا في ضهرك.. خدي كل الوقت اللي هتحتاجيه، اسكتي وعيطي وصرخي، بس مستنياكي تقومي تاني عشان تكوني اقوى وتعرفي توقفي على رجليكي كويس.. اعتبريني أختك الكبيرة.. مامتك الصغيرة.. صاحبتك حتى بس اللي عايزاكي تتأكدي منه إني مش هاسيبك لوحدك أبداً" قبلت رأسها لتشعر بتنهيدتها لتلين شفتاها في شبح ابتسامة فلربما فهمت كل ما أخبرتها بها واستعابته جيداً. ستعطيها كل الوقت الذي تريده، ستقف بجانبها مهما كان، لن تدعها أبداً لحالة اليأس تلك لتتغلب عليها وهي في مقتبل حياتها وستكون بجانبها طوال حياتها حتى لو احتاج الأمر لهذا.. فالشفقة التي تشعر بها عليها فاقت كل الحدود بقلب شاهندة الذي امتلئ بالطيبة منذ صغرها.. فكما قبلت بدر الدين في حياتها مرة بالسابق ستقبل تلك الصغيرة مرة أخرى!! ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "مين البنت دي يا شاهي؟ وايه اللي حصل وازاي تجبيها البيت من غير ما تفهميني اللي حصل؟" تسائلت والدتها مستفسرة ولكن دون إنفعال أو عصبية  "هحكيلك يا ماما كل حاجة بس حاولي تراعي أنا عملت كده ليه.." أخذت تقص عليها كل شيء حدث منذ أن قابلت نورسين بالشركة إلي ما حدث معها وأضطرت إلي أن تحضرها معها للمنزل حتى تحميها من يُسري ومما قد يفعله معها.. لم تخفي عنها الحقيقة مثلما فعلت مع بدر الدين، تأكدت أن والدتها ستسطيع فهمها ومراعاة هذا على ع** بدر الدين فربما قد تزداد ريبته تجاه نورسين إذا أخبرته بحقيقة ما حدث من زوج والدة نورسين وربما لن يتقبلها أبداً. "يا عيني يا شاهي.. كل ده وكنتي لوحدك؟ طب ليه مكلمتنيش كنت قدرت أتصرف؟" زفرت والدتها في آسى  "وكمان يا ماما الأكبر إني غصب عني وأنا بحاول أقنع بدر امبارح فكرته دخل بيتنا ازاي وعاملتيه ازاي! أنا خايفة يكون زعلان مني" هزت يدها في ارتباك ثم غلفت فمها في حُزن "يا نهار أبيض، كده بردو؟ إزاي متخديش بالك.." "غصب عني يا ماما" "عموماً متقلقيش، بدر دماغه كبيرة وهو بيحبك اوي وانتي اقرب واحدة ليه في اخواته، الموضوع هيعدي متقلقيش.. بس إيه حكاية زياد ونور؟" "مش عارفة.. أنا متأكدة بنسبة كبيرة إن زياد مش عارف هو عايز ايه ولا بيعمل ايه، ده حتى امبارح سابها في المستشفى وراح لصحابه.. لسه طايش زي ما هو" "ممممم.. بردو زياد عشان صغير ومتدلع ممكن يكون مجرد إعجاب إنما مش لدرجة الجواز" "أنا كمان حاسة كده، ولو على الإعجاب أنا شخصياً أعجبت بيها.. دي زي القمر مش ممكن بجد فيه كده" "لا ده أنا أقوم أشوف بقا بنفسي" "اه يا ماما لازم تبتدي تتعرف على اللي في البيت ونحاول نخرجها من mood الزعل ده شوية" "يا حبيبتي لسه بردو صُغيرة على كل ده.. بتفكرني بهديل لما صابر مات" أماءت شاهندة بالموافقة وشردت للحظة  "بس بردو هديل شخصية ونور حاجة تانية" "طب يالا بينا نقوم نشوفها.." "يالا" ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "صباح الخير يا أمي" تحدث بدر الدين بعد انتظاره لأن تحضر والدته وشاهندة مثلما تعود كل صباح بأن يأتي ويتناول الإفطار مع عائلته "صباح النور يا حبيبي.." اجابته والدته "صباح النور يا بدر" وكذلك فعلت شاهندة "فينكو.. ملقتش غير كريم وهديل" تعجب فيه هدوء "معلش كنا بنطمن على نور" اجابته شاهندة بينما نظرا هديل وكريم لبعضهما البعض في استغراب  "نور مين؟" صاحت هديل بينما سحق بدر الدين أسنانه غاضباً أما كريم فهو خمن من هي، تمنى أنها هي نفس الفتاة التي قابلها البارحة، فهو منذ اجتماع أمس يحاول جاهداً أن يجد الطريقة ليبدأ معها بالكلام ولكن لم يجدها بالشركة أمس، فقرر الصمت حتى يتبين كل ما حدث لها. "دي زميلة زياد والـ Assistant بتاعتي اللي جاية تدريب.. مامتها اتوفت امبارح وجاتلها حالة صدمة.. وهي وحيدة فمحبتش اسيبها لوحدها.." اجابتها شاهندة وهي تحاول أن تختصر قدر لإمكان "وكنتو بتطمنو عليها في المستشفى كده الصبح بدري؟" عقدت هديل حاجباها في تعجب "لا لأ.. دي فوق في الأوضة اللي كانت فاضية جنب اوضتي أنا وحمزة.. حالتها صعبة اوي ومكانش ينفع اسيبها لوحدها" "يا سلام يا شاهي.. وهي عشان صعبانة عليكي تدخليها بيتنا بالسهولة دي؟" تركت هديل الطعام لتنظر لأختها بغضب وتحفز  "خلاص يا هديل.. سيبي شاهي براحتها.. وعموماً البيت لسه بيتي وأنا معنديش مانع" "بس يا مامي" "قولت خلاص!!" صاحت والدتها بلهجة قاطعة لا تقبل النقاش لتغضب هديل وتنهض مغادرة بينم زمت شاهندة شفتاها في ملل فهي تعرف كيف هي أختها. "حمزة فين؟!" سأل بدر لتجيبه أخته  "لسه نايم، هيروح الشغل بس متأخر شوية.. أنت عارف إنه رجع بعد الفجر من اجتماع اسكندرية وجه نام على طول"  "اه صح أنا نسيت.. وزياد؟" سأل مجدداً لتجيبه نجوى هذه المرة "رجع متأخر ولسه نايم" تفقد ساعته ثم أماء ونهض من على المائدة "هو ده اللي هيبقى راجل وهيتدرب معانا.. متبقوش بس تزعلوا من عصبيتي عليه.. أنا ماشي.." "بس يا بـ.." "هتيجي يا شاهندة ولا عشان زفتة هانم ناوية على اجازة؟" قاطعها قبل أن تعطيه اعذار واهية  "أنا هشتغل من البيت وأنت عارف اني مبعملهاش غير للشديد القوي" اماء في تهكم ثم غادر دون حديث لتنظر شاهندة لوالدتها نظرات حزينة وتتن*د هي الأخرى بآسى، أما عن كريم فأكمل طعامه بمنتهى التلقائية وهو يُفكر ما الذي جعل شاهندة تأتي بها للمنزل، لابد وأن هناك شيئاً ما تخبأه. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ كتمت نحيبها وهي لا تُصدق كل ما عانته طوال تلك الأيام المنصرمة.. وكأن موت والدتها كان هو الشيء الوحيد الذي كشف حقيقة زوجها.. وكأنها كانت لا تعرف أن بموت والدتها ستن**ر بتلك الطريقة.. لم تكن تتخيل بيوم ما أن والدتها ستتركها في ثوان دون أي مقدمات. بالرغم من تلك الرعاية الشديدة التي تتلقاها من شاهندة ونجوى وكل وسائل الراحة التي تتوفر لها بهذا المنزل إلا أنها لا تعرف إلي أين تذهب بعد أن تكون بخير؟ تأكدت أنها لن تستطيع العودة لمنزلها! لم تعرف يوماً ما معنى الأمان إلا أسفل سقف ذلك المنزل الذي منذ سنواتها الأولى قد عاشت به، كل ذكرياتها تملكها هناك، لا تعرف أي وصف للأمان غير ذاك المنزل.. لا تستطيع إدراك أن كل حياتها أنتهت للتو، كلما تتذكر كلماته التي بدت كتهديد واضح لها تدخل في نوبة بكاء مجدداً لمجرد أنها لن تستطيع العودة لذلك المنزل مرة أخرى. "حرام عليك أنت ليه بتعمل فيا كده" تمتمت داخل نفسها وشردت في ضعف وحزن. بعد فترة من استرجاع كل أحداث تلك الأيام تعجبت بينها وبين نفسها لماذا لا تجد الإهتمام الذي توقعته من زياد؟ كان يأتى يومياً بالبداية ليطمئن على حالتها ربما لدقيقتان أو ثلاثة ثم يغادر، أما آخر ثلاثة أيام فهي لم تراه أبداً!! سألت أيضاً نفسها أين هي مريم صديقتها وهل يا تُرى عرفت أن والدتها توفت؟! وقعت في حيرة من أمرها بينما في نفس اللحظة دخلت عليها شاهندة وهي تحدث جلبة وكالعادة بإبتسامتها الواسعة المفعمة بالحيوية توجهت نحوها وأمسكت بيدها لتنظر لها نورسين في تعجب لتتحدث شاهندة  "يالا يا نور اجازتك خلصت.. كفاية عليا اسبوعين بشتغل من غيرك.. ويكون في علمك احنا نازلين حالاً عشان نعمل Shopping ولازم اخد رأيك، وعلى فكرة بقا أنا أشطر مديرة مشتريات في الدنيا.. يعني مبقبلش الرفض أبداً!! يالا عشان نلبس وننزل وأوعدك إنه هيبقا من أحلى الأيام في حياتك!"  جذبت يدها لتنهض معها رغماً عنها وملامحها ليست مستاءة خاصةً وأنها بدأت في التحسن قليلاً، أحيانا تبتسم بخفة لشاهندة ونجوى ولكنها لا تستطيع الحديث بعد. توجهتا سوياً لأحدى المحلات التجارية الشهيرة بعد أن أعارتها شاهندة احدى ملابسها لترتديها وقضتا اليوم بأكمله تجوبان بين المحلات التجارية العالمية ذائعة الصيت ولم تشتري شاهندة الكثير لنفسها بل كل تركيزها كان على نورسين ولم تتوقف عن المزاح معها وإطراءها بالكلمات كلما ارتدت ما يناسبها.  تناولا الغداء سوياً بأحدى المطاعم ولم تتوقف شاهندة عن التحدث بالكثير والكثير من الأمور عن زوجها وعملها وعائلتها وأخذت تقص عليها العديد من الطرفات التي تحدث لها لتجد نفسها تبتسم رغماً عنها بل وبدأت في أن تشير لها بعض الإشارات البسيطة ولم تضغط عليها شاهندة في أن تتحدث لها بل بالع** تصرفت وكأنما ليس بها شيئاً على الإطلاق.  عادتا للمنزل وقد أخبرت شاهندة احدى العاملين أن يحمل الحقائب الكثيرة من السيارة لغرفة نورسين ولغرفتها ثم توجهتا للأعلى فوراً حين لم تجدا أي أحد بالمنزل سوى العاملين به فقط.  دلفت غرفتها ولا زالت شاهندة بجانبها لتقع عينا كلتاهما على بدر الدين الذي كان يجوب غرفة نورسين كالأسد الهائج بعرينه وما إن تقابلت زرقاوتاها بسواد عيناه المخيفتان حتى أخفضت رأسها متحاشية النظر إليه.. "طبعاً.. حضرتك مش في البيت، وموبايلك أكلمك عليه مليون مرة مبترديش قولت اكيد مع زفتة هانم!!" رفعت نورسين نظرها له وهي تعلم جيداً أنه يقصدها بينما نظرت له أخته في دهشة "أنا آسفة يا بدر.. أكيد مسمعتش غصب عني"  "أكيد، ماهو من ساعة ما البتاعة ديه ما دخلت حياتنا وأنتي مبقتيش شايفة غيرها.. حتى شغلك مبقتيش مركزة فيه" صرخ في غضب بينما شعرت نورسين بأنها على مشارف البكاء ونظرت للأرض "لو سمحت.. مسمحلكش يا بدر تقولي إني مقصرة أبداً!! انا بقالي خمس ساعات برا!! خمس ساعات بس.. خمس ساعات من سنين كتيرة كنت صاحية نايمة في الشغل، ايه بقا المستعجل اوي ومش عارف تجيبه غير مني؟!"  "افتحي الـ Email بتاعك وانتي تعرفي.. عشان مش بدر الدين اللي يت**ف قدام عميل جديد بسبب إن مديرة المشتريات عندي مش فاضية!!" صرخ بها بينما عقدت حاجباها وغادرت لتتفحص حاسوبها. وجد نفسه واقفاً معها بنفس الغرفة.. ينظر لها.. يحاول أن يبحث عن تلك الزرقة التي شابهت المحيط ويبحر فيهما إلي الأبد، ولكن غضبه أعماه.. غضبه من أخته وغضبه تجاه نفسه بسبب تلهفه ذلك على تلك الفتاة الصغيرة..  كره كم تحكمت في زياد وبعده شاهندة ثم والدته وبالنهاية يأتي هو ليظل الأسبوعان الماضيان بأكملهما لا يفكر غير بسواها ويحاول معرفة كل شيء عنها. "وأنتي" صاح بغضب مقترباً منها قابضاً على كلتا ذراعيها لتوجل هي منه وتنظر له من المفاجأة ليعتريها الخوف من تلك النظرة الثاقبة بعيناه  "اوعي تكوني فاكرة ان شوية التمثيل اللي دخلو على أمي وأختي وزياد دخلوا عليا.. ولا جو الدراما اللي انتي عاملاه ده أنا مصدقه.. أنا لولا شاهندة كنت رميتك تاني مطرح ما جيتي.. ومتفتكريش إني قابل ده.. بكرة كل خططك القذرة واللعبة اللي بتلعبيها هتبان للكل.. صبرك عليا بس وأنا هوريكي وهكشفك قدامهم" صرخ بوجهها لتنهمر دموعها وهو يحدثها بتلك الطريقة الفظة بينما لم تدري لماذا يفعل كل ذلك  "ايوة ايوة مثلي ونزلي الدمعتين عشان يشوفوكي وانتي بتعيطي وتصعبي عليهم اوي.. إنما أنا لأ، أنا فاهمك وفاهم كل اللي بتعمليه كويس.. وفي يوم من الأيام هرجعك تاني لجوز أمك اللي أخدتيه حجة عشان تدخلي بيتنا.. بس مش هتمشي من هنا إلا وكل اللي واقفين جنبك دول كارهينك ومش طايقين يبصوا في وشك" صرخ بها مجدداً لتتحول دموعها لنحيب وشهقات متتالية  "لا غلبانة اوي وصعبتي عليا.. بس اوعي تفتكري إن بدر الدين الخولي بيضحك عليه من عيلة صغيرة لا راحت ولا جت.. ويكون في علمك العيشة اللي انتي عيشاها دي قريب هتختفي.. متتعوديش يا شاطرة على حاجة مش بتاعتك كلها يومين وهترجعيله تاني وتغوري في ستين داهيـ.." "حرام عليك أنت بتعمل فيا كده ليه؟ أنا عملتلك ايه عشان تعمل فيا كل ده؟!" صرخت بوجهه بين بكائها لتستمع شاهندة لصوتهما وتتعجب أنها بالنهاية وأخيراً نطقت و دلفت لتباعد بينهما وهي في قمة غضبها وبنفس الوقت مندهشة أن نورسين استطاعت التحدث. "ايه يا بدر حرام عليك اللي بتعمله.. البنت تعبانة مش كده"  "ايوة ايوة.. واضح انها عرفت تضحك عليكي.. إنما اهي زي القردة وبتتكلم! عرفتي انكم كلكم مضحوك عليكو؟ بكرة تعرفي إني صح.." "لو سمحت يا بدر سيبنا لوحدنا شوية، وأنا رديت على اللي أنت عايزه في الـ email" "بعد ايه؟! بعد ما خليتي شكلي زفت قدام الناس بسبب الزفتة دي؟!" "قولتلك يا بدر اخرج وسبنا دلوقتي!" صرخت بوجهه وهي لا تعلم لماذا يتحفز ويغضب كلما كان بجانب نورسين بهذا الشكل المبالغ فيه لتسمع طرقات على الباب بنفس الوقت ليتضح أنها احد العاملين بالمنزل "خير يا زينب فيه ايه؟!" صاحت بإنفعال  "واحد تحت عايز حضرتك وبيقول إن اسمه يُسري راتب!" صُدمت شاهندة عندما سمعت اسمه بينما انكمشت نورسين خلفها في رعب تام ليصيح بدر الدين بلكنة متهكمة "اهو.. اتفضلي، بيتنا خلاص بقا مفتوح لكل من هب ودب.." ازدردت شاهندة وتوترت للغاية وهي لا تدري كيف ستواجهه وما الذي ستخبره به خاصةً وأنها أخفت الحقيقة عن بدر الدين، وهل سيساعدها في الوقوف أمامه أم سيتركها وحدها لتواجهه؟! ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "نور.. خليكي هنا ومتتحركيش!!" آمرتها خوفاً عليها من رؤية يُسري الآن فقد يحدث مالا يُحمد عقباه.. تن*دت بعد أن اتخذت قرارها بأنها ستفعل كل ما بوسعها حتى تتخلص من ذلك الرجل.. ارتدت وجه الشجاعة خاصتها ثم توجهت للأسفل دون حتى أن تطالب بدر الدين بأن يذهب معها لينظر بدر لنورسين في سخرية بينما قتلتها هي تلك النظرات التي لطالما شعرت بعدها وكأنما روحها أُختُرقت وأقترب منها بينما هي نظرت للأرضية حتى لا تحدق أكثر بعيناه مطأطأة رأسها "خليكي هنا ومتتحركيش" همس بصوته الرخيم متهكماً مُكرراً كلمات شاهندة "بس بكرة هرميكي عنده بإيديا وارجعك مكان ما جيتي بنفسي" همس لها لتتجمع الدموع بعيناها دون أن تقابله بهما ولكنه كره تلك الدموع التي تستطيع ذرفها بسهولة وتخدع بها الجميع. توجه خارج الغرفة ليتبع أخته بعدما رمقها بنظرات الحقد والكره، أكانت كراهية؟ أم انزعاج لملامحها الخائفة وبكائها الذي شعر منذ الوهلة لأولى أنها كلما بكت أمامه تصاعدت وتيرة ضربات قلبه.. تريث للحظة حتى يعاود انضباطه وهو ممتلئ غضباً وتسائل بنفسه لماذا يحدث له ذلك كلما رآها؟! ولكنه ذكر نفسه سريعا بأنها نطقت بمنتهى السهولة ما إن تحدث لها بالطريقة الصالحة للتحدث مع النساء اللاتي شابهنها! "نور مش هتخرج برا البيت ده.. مش هتروح معاك في حتة.. بعد اللي شوفته منك في المستشفى استحالة اخليك تقرب منها!" صاحت شاهندة بنبرة قاطعة ورافضة تماماً بينما سمعها بدر الدين الذي دلف لتوه وأصبح قادراً على رؤيتهما. "نور دي بنتي وأنا اللي مربيها.. يعني ايه بتمنعيني تكون معـ.." "متقولش بنتك.. واتفضل امشي اطلع برا" قاطعته بإنفعال  "وأنا هبلغ عنكو وهرفع قضية وهقول إنكوا خاطفينها.. وبكرة تشوفي أنا هاعمل فيكوا ايه، هو إجبار ولا إيه؟" صاح هو الآخر بإنفعال مهدداً ليبتسم بدر الدين متهكماً ثم توجه نحوه ووقف أمامه بطوله الفارع وظل يتفحصه بعيناه الثاقبتان بينما شاهندة كاد قلبها أن يتوقف من كثرة الخوف.. تمنت ألا يحدث شيئاً يجعله يكتشف الحقيقة. "أنت تحترم نفسك، وأنت بتتكلم جوا البيت ده تتكلم بإحترام ولغاية دلوقتي أنا سايبك ومش عايز اطردك برا، وأعرف كويس إنك حتى لو رفعت قضية مش هتاخد مننا لا حق ولا باطل.." حدثه بهدوء نافى غضبه العارم الذي تملكه منذ دقيقتان ولا يدري هل تدخل من أجل أخته أم من أجل نورسين! "يا سلام!! ايه الإإفترا ده.. ليه تحرموني من بنتي، بأي حق تاخدوها مني" صاح وهو يزيف كل حرف نطق به "وأنت بقا واللي عملته معاها كان ايه؟ مكنش افترا.." نظر له بدر الدين يتفحصه وهو يرى حقيقة ذلك الرجل واستطاع أن يتبين كذبه بسهولة، بينما شاهندة شعرت بالرعب وهو كاد أن يقترب من معرفة الحقيقة "أنتو فهمتوا غلط.. أنا مكنتش بعملها حاجة.. أنا بس كنت بحاول أخـ.." "أطلع برا بيتي حالاً واياك تهوب من نور أو حد من ولادي" هنا دلفت نجوى بمنتهى التحفز "انصحك تبعد عن عيلة الخولي ونور.. واوعى تهوب من هنا مرة تانية.. زينب.. اندهي الحرس" تنفست شاهندة الصعداء بعد تدخل نجوى فهي الوحيدة من عرفت حقيقة الأمر. "فاكرين نفسكو ايه.. أنا مش هاسكت على كل ده.. وهاعرف ازاي اخد نور منكم.. بكرة تشوفوا" صاح بينما توقف حارسان خلفه وكادا أن يُمسكوا به بينما صاح "سيبوني أنا هاخرج لوحدي زي ما جيت.. ويكون في علمكم هنتقابل تاني وساعتها هاعرف اخد نور منكم ازاي.." "خدوه" صاح بدر الدين وهو واقفاً بشموخ واضعاً يداه بجيبي بنطاله بغرور وما ان غادر حتى توجه لشاهندة "عاجبك؟ جيلنا واحد منعرفش هو مين وبيهددنا في بيتنا وكله بسبب زفتة هانم.. يارب تكوني مبسوطة" كادت أخته أن تجيبه ولكن تدخلت نجوى "بدر لو سمحت.. متكلمهاش بالطريقة دي قدامي.. شاهندة مغلطتش لما حبت تساعد بنت صغيرة، أنا فاهمة وعارفة إنك خايف علينا من اي ناس غريبة.. لكن كده الموضوع زاد عن حده معاك.. ومالكش دعوة بالموضوع ده خالص طول ما أنا عايشة ولسه فيا الروح أنا مسئولة عن البنت دي" أخبرته بحزم لينظر لها بدر الدين بآلم امتزج بغضبه  "أنا مش فاهم.. مش فاهم عملتلكوا ايه كلكوا عشان تدافعوا عنها اوي كده.. اعملوا اللي تعملوه وأنا غلطان" توجه للخارج مغادراً لتهرول شاهندة خلفه لتلحقه  "بدر استنى.. أنا مكنـ.." "ابعدي عني الساعادي" صاح مقاطعاً اياها وهو بطريقه لتعاود هي ادراجها للداخل بينما أقتربت منها نجوى ونظرت لها ابنتها نظرة امتنان  "متخافيش.. محدش هيعرف حاجة عن اللي حصل في المستشفى.. وطول ما أنا جنبكم محدش هيقدر يأذيكم" عانقتها في حب بينما احتمت شاهندة بذلك الحضن الدافئ ولكن لم تلحظ أياً منهما كريم الذي استمع لكل شيء وابتسم بخبث دفين "كنت حاسس بردو إن فيه حاجة!! بكرة هاعرف كل حاجة.." همس بخفوت متمتماً ثم وضع يداه بجيباه ومشى يدندن بشيء ما. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "أنا أمي تكلمني كده عشان الزفتة دي؟!" صاح متحدثاً لنفسه "ماشي، أنا هوريكي" صاح ثم بعث برسالة نصية لأحد ما وأخذ يقود كالمجنون تماماً عائداً لمنزله. ترك سيارته بالباحة الأمامية ثم توجه دالفاً منزله بمنتهى الغضب وهو يخلع سترته ملقياً اياها أرضاً وخلع ربطة عنقه واضعاً اياها بجيب بنطاله الخلفي وتوجه لمكتبه.. أشعل حاسوبه وهو يعيد كل ما توصل له من معلومات على بريده الإلكتروني عن تلك الفتاة وعائلتها.. مستواها المعيشي ليس مثل عائلته ولكنه لا يستطيع أن يقول أنها فقيرة، بينما تلك الشركة التي يملكها يُسري تبدو وكأنها ستُفلس حتماً، فوضعها المادي ليس بجيد نهائياً!! إذن لماذا آتت من اللا شيء لتدخل حياتهم هكذا فجأة. اخرج احدى سجائره مدخناً اياها وتوجه لبار مكتبه ليسكب بعضاً من الويسكي بكأسه وتجرعه مرة واحدة ولم يتوقف عن التفكير في تلك المحتالة الصغيرة التي تحدثت فجأة هكذا أمامه بمنتهى السهولة وكأنها لم تكن مريضة تحت تأثير صدمة شديدة ليتمتم لنفسه  "هاعرف انتي وراكي ايه بالظبط.. ويوم ما توقعي تحت ايدي مش هارحمك" ابتسم متهكماً توجه لغرفته ومنها إلي ذلك الباب السري الذي لا يعلمه غيره ليهبط درجاً في الظلام الدامس ذلك ثم أشعل الأضواء الخافتة ليرى تلك الع***ة التي أرسل لها برسالة منذ ساعة.  نظر لجسدها العاري وجلستها وانتظارها له المليء بالخضوع ليبتسم وازداد سواد عيناه ثم تحدث بهدوء "كويس إنك متأخرتيش وإلا أنتي عارفة كان هيحصلك له" توسعت ابتسامته ثم توجه نحوها جاذباً اياه من شعرها لتنهض أمامه  "مدي ايدك" آمرها لتفعل فأخرج ربطة عنقه ليقيد يداها ودفعها حتى سقطت أرضاً وبدأ في خلع حزامه الجلدي ثم ثناه على يداه لتبدأ انفاسه في التثاقل وازداد لمعان سودواتاه في ظلام حتى بدا مُرعبا للغاية. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "أنا خايفة.. خايفة أوي يا شاهي.." همست وهي تبكي لتعانقها شاهندة  "متخافيش.. مش هيقدر يهوب ناحيتك" فرقا عناقهما لتنظر لها شاهندة مضيقة عيناها "ايه بقا! كان لازم خناقة مع بدر عشان اسمع صوتك الحلو ده تاني"  "أنا مش عارفة ازاي ده حصل" اجابت في ثوان وهي تتذكر ما حدث لها معه منذ قليل "زي ما يكون لساني نطق لوحده من غيرما اتحكم فيه" ابتلعت ثم عضت على شفتاها "هو ليه دايماً بيكرهني؟ ليه دايماً فاهمني غلط؟!"  "سيبك من بدر، ده مقتنع دايماً بنظرية المؤامرة.. متحطيهوش في دماغك.. بس هو والله طيب جداً" ابتسمت نورسين بإقتضاب على كلمات شاهندة  "اوي.. بالذات وهو عامل فيها ملك الكون!!" صاحت نورسين وبرقت زرقاواتها وهزت رأسها في تهكم لتضحك شاهندة على ملامح وجهها ولم تستطع التوقف عن الضحك "ملك الـ إيه؟" تحدثت بين ضحكاتها "يالهوي لو سمعك بتقولي عليه كده.." ظلت تضحك لتنفجر فجأة نورسين بالكلام "مش طبيعي أبداً بوقفته وبصاته دي.. إنتي في إدارة ايه!! اأنا مش بسمح بالتهريج والهزار.. مش في مدرسة احنا.." نهضت لتقف مثله ثم ضيقت عيناها لتبدو مثل عيناه المخيفتان تلك وصاحت وهي تحاول تقليد نبرته الذكورية لتستمر شاهندة في الضحك  "يخرب عقلك.. ده أنتي طلعتي مسخرة" هدأت ضحكاتها وهي تنظر لها في ود بينما نظرت لها نورسين بتلك الأبحر المتسائلة بعيناها  "هو ليه دايماً كده جامد ومبيضحكش ولا يهزر" "يااه دي قصص طويلة اوي بقا هاحكيلك بس تعالي الأول ناكل حاجة لحسن أنا واقعة من الجوع"  "أوك.."  توجهتا سوياً للمطبخ الذي وجدته نورسين عملاقاً للغاية، وبدا وكأنه احدى مطابخ مسابقات الطهي العالمية من كثرة تلك الأدوات المتواجدة به، بينما ذوق تلك المسطحات والجزيرة الضخمة به والأخشاب التي صنع منها كبائنه كان رفيعاً للغاية. "ها بقا نفسك تاكلي ايه؟؟ أنا نفسي مش رايحة لغدا النهاردة اللي عملته زينب وعايزة آكل حاجة تانية.. ولعلمك أنا نيلة أساساً ومش بعرف أطبخ بس هحاول عشان خاطرك"  أخبرتها شاهندة وهي تتفحص محتوى الثلاجة الضخمة "تاكلي اومليت وجبنة شيدر؟" التفتت لها بأعين متسائلة لتضحك نورسين  "لا بقا موضوع الطبخ ده سيبهولي.. وريني كده فيه ايه" نظرت لها شاهندة في دهشة وأفسحت لها المجال لتبدأ نورسين بالتحرك بحرية وتفقد محتويات المُبرد والثلاجة "بيكاتا فراخ بالمشروم والكريمة ورز بني!!" نظرت لشاهندة في تحفز  "لا ده أنتي الشيف نورسين واحنا مش واخدين بالنا بقا" "ده أنا بعملها تحفة.. يالا بس ساعديني عشان مش عارفة مكان الحاجة طلعيلي الرز وقوليلي التوابل فين والحلل والطاسات وكده؟" أخبرتها بينما أمسكت بالمشروم بيدها وأخرجت الدجاج من المبرد وآخذتا تعدان الطعام سوياً بإشراف من نورسين وهما تضحكان وتتسامران سوياً "ايه ده؟!" صاحت نجوى لتلتفتا كلتاهما على صوتها "بتعملوا ايه؟!" تصنعت الجدية  "حضرتك أنا كنت بـ.." "لا متحاوليش.. كده انتي هتبوظيلي كل حاجة" قاطعتها في صرامة لتتوتر نورسين وهي تنظر لها بإحراج وكادت شاهندة أن تتحدث بينما سبقتها والدتها "الريحة حلوة اوي وهتخننوني بقا!! عاملين بزيادة؟" لمعت عينا نجوى وتوجهت نحوهما ليضحكن ثلاثتهما سوياً وآخذت ترص الأطباق معهما وأخرجت بعض العصير لتضعه على المائدة  "الله.. ايه الريحة الحلوة دي على بليل كده" انضم لهن حمزة الذي آتى بسبب تلك الرائحة الشهية "أنا كده مش هعرف أركز ولا أخلص شغل غير لما آكل من اللي بتعملوه ده"  "حماتك بتحبك يا حبيبي" صاحت شاهندة  "بتموت فيه" أضافت نجوى بينما بدأت نورسين في توزيع الطعام في الأطباق وساعدهن حمزة بسكب العصير في الكؤوس وجلسوا معاً ليتناولوا الطعام. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ازاح حبات العرق التي تدلت على عيناه ثم خلل شعره الفحمي وترك حزامه ليقع أرضاً بجانب حذاءه وهو ينظر لجسد تلك المرأة بعد أن أطلق العنان لكل ما بداخله من كبت عميق ينع** راسماً تلك اللوحة البديعة كما رآها ثم خلع قميصه ملقياً اياه أرضاً بجانبها وابتسم بتشفي وانتصار ثم تركها وصعد لغرفته مرة أخرى ومنها لحمام الغرفة الملحق بها. خرج ليرتدي ملابس غير رسمية فاختار قميصاً قطنياً رمادي اللون وبنطال جينز كحلي اللون وحذاء ضخماً أ**د من احدى ارقى بيوت الأزياء العالمية وقتها وارتدى ملابسه ثم نثر عطره بمزاج مغايراً تماماً لمزاجه صباح اليوم وتناول مفاتيح احدى سياراته الرياضية وتوجه لمنزل عائلته. ظل يفكر بهدوء طوال الطريق كيف سيكشف مخطط تلك الفتاة الصغيرة التي تظن أنها ستستطيع أن تخدعه مثلما تفعل مع الجميع ولكن لا.. ليس معه هو.. ليس هو ذلك الرجل الذي ينخدع بتلك الدمعات الزائفة، بل هو من يصنع الدمعات الحقيقية. ليس هو ذلك المراهق الذي قد تستحوذ على عقله فتاة لمجرد جمالها، بل هو من يحول ملامح الجميلات وإنحناءتهن لفوضى عارمة. لم يكن يوماً ذلك الرجل الذي يُفرض عليه شيئاً لتأتي تلك الصغيرة وتُفرض عليه وجودها بحياته وحياة عائلته بأكملها. سيريها من هو حقاً.. إذا كانت لا تزال مصممة على لعبتها السخيفة تلك، حسناً، فليلهو معها قليلاً ولكن ليس بمثل تلك الطريقة التي دخلت بها لحياتهم جميعاً  "أنا هوريكي أنا غ*ي بقا ازاي" تمتم عندما تذكر ما قالته عند أول يوم رآها وهو يصف سيارته خارج منزل عائلته ثم توجه للداخل ليجد زينب بالبهو  "همَّ فين يا زينب؟" "مدام هديل نايمة، وأستاذ كريم لسه مرجعش وأستاذ زياد لسه برا والباقي كله في المطبخ" عقد حاجباه في تعجب فهو لم يأتي يوماً ما ليجد عائلته بأكملها في المطبخ "حضرتك محتاج حاجة" اماء لها بالإنكاء لتومأ له هي في احترام بينما توجه حيث الجميع. "بدر.. وبليل.. عندنا لأ أنا بحلم" صاحت نجوى بإبتسامة ليتسلل لأنفه رائحة الطعام الشهية وتذكر أنه لم يتناول سوى الإفطار "ابن حلال.. تعالى الحقلك حبة احسن الأكل قرب يخلص" صاحت شاهندة بينما نهضت لتعد له صحناً ثم ناولته اياه ليجلس معهم وهو يتحاشى النظر لنورسين  "شوف الدلع.. خليكي كده دلعي فيه" تحدثت نجوي وهي تتناول الطعام  "مش أخويا حبيبي" صاحت شاهندة بإبتسامة ثم نظرت له ليبادلها بشبح ابتسامة ارتسمت على شفتاه وبدأ في تذوق الطعام الذي لم يتذوق مثله بحياته من قبل "تسلم ايدك.. الأكل حلو اوي" أخبرها بدر الدين لتتعجب نورسين لإستطاعته أن يتفوه بكلمة جيدة دون غضب أو تفكيراً بمؤامرة ما!!  ظل الجميع يتناولون الطعام ولم تتوقف الأحاديث الجانبية والضحكات بين شاهندة ونورسين ونجوى ليحاول بدر الدين تحاشيها تماماً بالرغم من تحرقه ليعرف ما الذي تتحدثن به. "ياااه.. تسلم ايدك يا نور.. تعمليلنا أكل كل يوم بقا وسيبكوا من زينب خالص" تحدث حمزة ثم أكمل "خلاص مش قادر اتنفس من كتر الأكل" أخبر الجميع بينما نهض ليضع صحنه بغسالة الأطباق بعد أن فرغ محتوياته ليتوقف بدر الدين عن مضغ الطعام وترك شوكته وابتلع ما في فمه مُحدثا جلبة في عنقه بتحرك تفاحة آدم بها ثم نهض ليغادر. "ايه يا بدر.. مش هاتكمل؟!" صاحت شاهندة وهو الذي لم يجلس سوى لدقيقتان فوجه ظهره مغادراً  "لا مش جعان" صاح مجيباً اياها بطريقه للخارج. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "كريم الدمنهوري" مد يده ليصافحه وهو واقفاً على باب شقة كوثر والدة نورسين التي وصل لعنوانها بعد البحث بسجلات موظفين الشركة  "أنت تعرفني؟!" تعجب يسري ولم يبادله المصافحة  "هتعرفني حالاً.. أنا أكون جوز أخت شاهندة الخولي" ابتسم له في خبث وظل منتظراً مصافحته ودعوته للدخول "متقلقش أنا جي أساعدك إنك ترجع نور تاني وتكون معاك" صافحه يُسري بإقتضاب بينما دعاه للداخل  "اتفضل" ولج كريم المنزل لتجوب عيناه هنا وهناك بتفاصيله التي دلت على رُقي ذوق محتوياته  "أنا عارف إنهم رافضين إنها ترجع ليك.. بس لازم تحكيلي ايه اللي حصل عشان أقدر أساعدك.. أنا برضو أب وعارف يعني ايه أب يتحرم من بنته، لكن شاهندة وبدر عمرهم ما هيحسوا بالإحساس ده.." حاول أن يتظاهر بمساعدته اياه ولكن بالحقيقة هو أراد أن يعرف ما الذي حدث بالمشفى "بدر مين؟" تسائل يُسري "بدر الدين الخولي.. أخو شاهندة، اللي أنت قابلته النهاردة" اماء له يُسري في تفهم "ايه بقا اللي حصل عشان شاهندة تصمم انها متسيبش نور ترجع معاك؟" تسائل وهو ينظر له مضيقاً عيناه  "منها لله فهمت كل حاجة غلط.. كنت قاعد جنبها على سرير المستشفى و..." ظل يُحيك يُسري كذبة جديدة من نوعها وكم انهارت نورسين عندما ذكر والدتها أمامها، وحاول اقناعه أن كل ما اراده فقط هو احتضانها كابنته بينما تفهمت شاهندة الوضع بطريقة خاطئة تماماً. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "الوقت اخدنا وادينا اهو مش هنلحق ننام ومش هنعرف نصحى للشغل بكرة" أخبرتها شاهندة  "طيب خلاص.. تصبحي على خير" تحدثت نورسين "وانتي من أهله" قبلت جبينها ثم تركت غرفتها وتوجهت لخاصتها. توجهت نورسين للشرفة لتستمتع بنسمة الهواء تلك في بداية أشهر الصيف الذي لطالما كرهته وتن*دت وهي تُفكر بكل ما حدث لها مؤخراً. لولا وجود شاهندة بجانبها وعدم تركها اياها لما كانت لتتحسن أبداً، بل كانت لترى يُسري على حقيقته البشعة الذي هو عليها. لبرهة تذكرت عدم وجود زياد الذي تعجبت له، ولكنها نفضت هذا الفكر من رأسها، فلماذا عليها أن تتعجب؟ هو دائماً ما يظهر فجأة ويختفي بالأيام فجأة، ولكن نوعاً ما هو السبب في إنقاذها من شر ذلك الكريه الذي أدعى حب والدتها وحبها كأبنته وهو بعيداً كل البعد عن هذا الإدعاء. تذكرت أيضاً معاملة بدر الدين الجافة لها، كلماته واتهامه الدائم لها، لماذا عليه أن يظن دائماً أنها تخدع الجميع؟!! تعجبت لطريقته الجامدة الخالية من الحياة وكأنه آلة للعمل والغضب ليس إلا، كما أنها تذكرت أنها سألت شاهندة لماذا هو كذلك دائماً ولكن لم يكملا حديثهما!! "بس اتجنن لما عرف إن أنا اللي عملت الأكل" تمتمت مبتسمة ورفعت احدى حاجباها لتتذكر كيف بدا الليلة فتن*دت وقضمت على شفتاها وغرقت في تذكر صورته التي أختلفت تماماً عن تلك البزات الرسمية وربطات العنق خاصته اللانهائية وكأنما لديه مصنعاً ما لينتج له تلك الربطات. لقد بدا شاباً بالرغم من تناثر تلك الشعرات البيضاء بمنتصف ذقنه، وجسده بدا رياضياً للغاية بذراعاه القويتان وعنقه العريضة التي ارتجفت عندما شاهدت تفاحة آدم تتحرك بها بتلك الطريقة عندما ابتلع طعامه ليبدو وكأنه صبي بنهاية العشرينات من عمره، أحبت ذلك المظهر كثيراً لتبتسم ثم أدركت ما تُفكر به لتهز رأسها فجأة لتنفض ذلك التفكير بعيداً واعترى ملامحها الإندهاش من تفكيرها ببدر الدين بمثل هذه الطريقة.. تناولت رداءاً طويلاً سماوي فهي لا تشعر بالراحة بالخروج خارج غرفتها بمثل تلك الملابس القصيرة التي ابتاعتها لها شاهندة ثم أحكمت ربطه حول خصرها وتوجهت للمطبخ لتسكب كوباً من اللبن ثم توجهت لحديقة المنزل للإستمتاع بذلك الجو في مثل هذه الساعة. بدأت في السير وهي تحتسي من كوبها لتتوقف موصدة عيناها أسفل شجرة وأخذت في الإستمتاع بذلك النسيم العليل ليلاحظها بدر الدين من بعيد خلال نافذة المكتب، فأوصد حاسوبه ونهض متوجهاً نحوها دون إدراك منه لما يفعله ثم توقف أمامها بهدوء واضعاً يداه بجيباه وظل ناظراً لها في صمت يتفقد ملامح وجهها لتتناول هي مجدداً من الكوب وترك اللبن آثاره أعلى شفتها كرزية اللون ليضحك هو دون أن يدرك. فتحت عيناها بصدمة على صوت ضحكته التي توقفت وتحولت لإبتسامة على شفتاه وعندما قابلت زرقاوتاها عيناه السوداوتان وشعرت بقصر قامتها أما طوله الفارع عقدت حاجبيها في دهشة  "أنت بتضحك على ايه؟" حدثته متعجبة ثم مررت ظهر يدها أعلى شفتيها بطفولة "مالكيش دعوة واحد في بيته وبيضحك براحته"  "هه هه" أص*رت صوتاً لتقلده ليعبس وجهه ويتحول مجدداً للجمود الذي عهدته دائماً وظهرت عقدة حاجباه مرة أخرى "امشي اطلعي فوق واياكي المحك في مكان أنا فيه.." آمرها بصوت هادئ لتحلق حاجباها في دهشة "لا بقولك ايه بقا، أنا مش فاهمة انت بتكرهني كده ليه، بس شاهي وماما نجوى موافقين إني أكون في البيت وهاعمل اللي أنا عايزاه ما دام مبضايقش حد" "ماما نجوى!!" اقتبس كلماتها في تهكم "طب منظرك بيضايقني، شكلك كله على بعضه بينرفزني!! امشي من وشي الساعادي"  "يا سلام!" عقبت على كلماته في تحفز ثم تجرعت باقي كوب اللبن ومسحت فوق شفاهها ليتابعها بدر بعيناه الثاقبتان ليرى تلك الطريقة التي تفرقت بها شفاهها عندما لامستها ليجدها تهبط لتضع الكوب أرضاً ثم عقدت ذراعيها في تحفز  "لما أنت مضايق مني ومتنرفز اوي بص بعيد عني.. متجيش تقف قدامي وتقولي امشي.. محبكتش الحتة اللي أنا فيها" تثاقلت أنفاسها وآخذ ثدييها المكتنزان في الصعود والهبوط بين ذراعيها ليسحق هو أسنانه لكتلة إشتعال الإثارة التي اندلعت به  "لا بقولك ايه.. تعرفي مقامك وأنتـ.." "رأى الحوووووووب سوووكاااارى.. سوكااااارى زيي أنا" قاطع جدالهما ذلك الصوت لينظرا بنفس اللحظة لمص*ره ليرى كلاً منهما زياد يترنح فتوجها نحوه على الفور  "سكااارى .. رأى .. الحوووب زيي أنا تيرا را را، ههههههه" تعالى صوت قهقهاته لينظر له بدر غاضباً بينما رفع زياد رأسه في صعوبة وما إن لاحظ بدر الدين أخيه حتى تمالك نفسه قليلا بين ثمالته "هشششش" وضع سبابته على شفتاه "بدر أخويا هيتعصب وهيخلي ليلتي سودااا" تحدث هامساً ثم قهقه مجدداً ليدرك كلاهما أنه ثمل بشدة. أسنده بدر الدين وتوجه معه لغرفته بالأعلى بينما دفعه حتى حمام غرفته ومنها إلى حوض الإستحمام وفتح المياة لتنساب على رأسه وملابسه بعد أن أخرج ما بجيوبه ولكنه وبالرغم من مساعدته اياه غضب منه كثيراً. غادر بدر الدين للغرفة وهو يسحق أسنانه بعد أن تأكد من استفاقته "بدر.. أنا.. غصب عني.. كنت.." تلعثم ليزداد غضب بدر الدين الذي رمقه بإحتقار ثم ذهب خارجاً. عاد مرة أُخرى ليُكمل عمله وهو بالكاد يحاول أن يسيطر على غضبه ليرفع عيناه ناظرا من النافذة أمامه ليلاحظ كلاً من كريم ونورسين يتحدثان سوياً.. دقق النظر مرة أخرى ليرى كريم فجأة مد يده لوجه نورسين ثم بنفس اللحظة نظرت نورسين حولها لتلمح بدر الدين الذي كادت أن تُقسم أنها شعرت بعيناه الثاقبتان يتخللاها حتى بالرغم من تلك المسافة بينهما. سحق أسنانه لذلك المنظر وتجدد ذلك الشك بداخله وازدادت ريبته من تلك الفتاة وظلا ناظران لبعضهما البعض حتى غادرها كريم وابتلعت هي بعد أن شعرت بالتوتر من الموقف فهي حقاً لم تعرف ما الذي أزاله كريم من على وجهها وماذا قال بعدها! نهض هو يتوجه نحوها بعد أن ترك غرفة المكتب لتحمحم هي وفرت مسرعة بكل ما تمتلك من قوة للأعلى حيث غرفتها حتى لا تواجهه مجدداً. دلفت غرفتها وهي توصد الباب خلفها وحاولت أن تهدأ من دقات قلبها المسرعة وابتلعت في خوف ووجل لا تدري لماذا، ما بين نظرات بدر الدين لها، وثمالة زياد، وحركة كريم التي لم تستطع تفسيرها تجولت أفكارها وما إن هدأت حتى خلعت رداءها وقررت الإستسلام للنوم..  حاولت الإستلقاء حتى تسقط في النعاس ولكن رغماً عنها تذكرت ضحكته التي رآتها لأول مرة ووجدت شفتاها تبتسم لمجرد تذكره بهذا المظهر لتنفض كل ما حدث من رأسها وتُجبر نفسها على ألا تُفكر في هذا الرجل الفظ الغريب وحاولت النوم.. لقد نامت منذ تلك الضحكة، هي متأكدة أنها فعلت، ولكن لم يلمسها سوى كريم بوجهها، إذن لماذا تشعر بشي ما يمر على ساقها؟؟ حاولت ازاحته ثم استغرقت في النوم مجدداً ولكن شعرت بنفس الشيء مرة أخرى لتنهض جالسة ونظرت لتفاجأ بمن أمامها وكادت أن تصرخ ولكنه وضع يده على فمها مسرعاً. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ #يُتبع . . . 
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD