"أهلاً يا شهاب ازيك؟" اجابت أروى هاتفها
"تمام.. انتي عاملة ايه؟" جاراها بالحديث حتى يصل لما يريده
"انا تمام.." صمتت لبرهة بينما تعطي له الوقت حتى يخبرها بسبب تلك المكالمة، فلابد وأنه يريد شيئاً ما
"متعرفيش زينة موبايلها مقفول بقاله فترة ليه؟!" تحدث بجرأة ونبرة واثقة
"وأنت عايزها في ايه؟!" اجابت سائلة بتلقائية ليطبق هو أسنانه بعنف، فلولا أنه يريد معرفة ما حدث لكريم عمه وأنه يريد إرضاء والده لكان آراها من هو شهاب الدمنهوري
"أبداً.. كنت عايز أعمل زيارة تاني للمواقع قبل ما نمضي العقود.. كمان الموضوع طول وبَوخ اوي"
"تمام.. هي عموماً سافرت المانيا تاني.. لو على المواقع والعقود ممكن أنا أتصرف.. شوف المعاد اللي يناسبك وبلغنا بيه"
"تمام.. هاخلي الـ Assistant (المساعدة) تبلغكوا بالمعاد.. سلام"
انهت المكالمة مع شهاب لتشعر وكأنها كادت أن تنفجر من كثرة الغيظ!! زينة.. زينة.. زينة..
بالمنزل والدتها لا تنفك تتحدث عنها والعمل وقت سليم أصبح بأكمله لها، بالطبع مفتقرة الخبرة تلك الغ*ية لا تعرف شيئاً، دائماً تريد من يكون بجانبها حتى يعلمها كل شيء، والآن شهاب الدمنهوري يسأل عنها!!
هي لا تعرف من هي أروى بعد، ولكنها ستعمل جاهداً على توضيح ذلك لها المرة المقبلة، فقط لتعود من سفرها المذعوم وستريها من هي أروى الدمنهوري.. تلك الصغيرة لن تتحكم بالجميع حولها، لابد وأنها تزيف كل ما تفعله وتؤدي دورها ببراعة حتى يقع الجميع بخدعتها ويصدقوا أنها تلك الحساسة الصغيرة..
لن تترك لها الفرصة حتى تصبح الأهم!! لن يحدث!! لن تتنازل عن حلمها ببساطة بين ليلة وضحاها.. إن كانت زينة عقبة الآن بطريقها ستعمل بجدية على ازاحتها منه او حتى لو كلف الأمر أن تنتهي منها تماماً..
*******
يلعن ذلك اليوم الذي توجب عليه أن يتعامل مع هؤلاء الحثالة!! يلعن عمه بينه وبين نفسه الذي جعله يتعامل مع تلك المغرورة!! لو فقط تسنح الفرصة لكان أجبرها أن تركع أسفل قدماه لتقبلهما وهي خائفة مرتعدة وهو يتفنن في اذلالها.. سيحدث كل هذا ولكن بعد أن ينول مراده من تلك العائلة أولاً..
ارتشف من قهوته الساخنة ثم شرد بأرض مكتبه وهو يفكر جيداً كيف سيستقطب زينة نحوه.. مظهرها أوحى له أنها ليست مثل تلك الفتيات المغرورات، ملابسها وتصفيفة شعرها وكل شيء بها يوحي أنها ليست مثل الطبقة اللاتي يتعمد أن ي**ر كبرياءهم، ولكنها ترعرعت بين هؤلاء الأثرياء!!
نهض وهو يجوب مكتبه ذهاباً واياباً ليُفكر بخطته.. تلك الفتاة بعدما قضى معها يوماً كاملاً كانت على طبيعتها للغاية، ولكنها تبدو أنها ترتعب من أمراً ما.. هناك شيئاً بينها وبين والدتها.. لا تتقبل التحكم مطلقاً.. مترددة كثيراً بل وتفعل كل شيء وع**ه..
سليم يكن لها مشاعر عدة، يرى غيرته التي تتأجج بعيناه كلما تحدثت زينة لشهاب أمامه، كما أنه يتذكر ملياً عدم تقبلها لتصرفاته.. إذن عليه أن يبدأ معها بزيارتها لعمه، لشركته، ثم سيعرف جيداً كيف يستقطب اهتمامها.. تلك الفتاة لا تجد من يستمع لها، بالطبع كوالدة مثل والدتها وأخت مثل أختها بشخصيتها المغرورة الفظة ورجل متحكم للغاية **ليم لن تجد نفسها بينهم..
سيستمع لها، سيستقطبها، سيصل لما يريده وبعدها سينتقم منهم جميعاً.. لا يعرف أحد منهم كم يعاني كلما نظر لهؤلاء الحثالة، لا يعرف أحد أن شهاب الدمنهوري لم يخلق بعد من يرغمه على شيء.. أسيأتى احد تلك الأطفال ليرغموه على إبرام عقداً معهم لسنوات!!
ابتسم متهكماً على تلك الخُطة التي تخيلها برأسه، لقد فكر كثيراً في الأمر، لابد من أن يحقق غايته أولاً فقط إرضاءاً لوالده وبعد ذلك سينتقم من الجميع واحداً واحداً..
"ايوة يا وليد فيه ايه؟" اجاب بحنق بعد أن انتشله رنين هاتفه من تفكيره العميق
"مالك بس.. أصل بقالك فترة لا حس ولا خبر.. ايه يا عم ما براحة علينا شوية.. ولا دنيا رجال الأعمال واخداك مننا؟" تحدث له وليد بتلقائية بعد أن تعجب من تلك النبرة الفظة التي يحدثه شهاب بها
"وليد بص.. والدي تعبان اليومين دول والشركات كلها مسئوليتها عليا ومش فاضي أنا لأي حاجة"
"ايه.. الـ boss خلاص قرر يسيبه من الكار وعجبه البدلة والكرافتة؟!" سأله وليد بتهكم ليحاول شهاب السيطرة على انفعاله وهو قد نفذ صبره من وليد فهو لم يعد في حاجة ليتاجر في الممنوعات ولكنه لا يريد أن يُخبر بها وليد صراحةً لأن الكل يعلم أن من يسير بهذا الطريق لن ينتهي منه أبداً
"أكيد لأ.. بس أنت عارف إني مبحبش العك.. صاحب بالين كداب يا وليد"
"ما طول عمرك كنت صاحب بالين يا شهاب! بس أحب أفكرك ان سكتنا دي محدش بيطلع منها غير بالموت" أخبره بجدية محذراً
"كنت صاحب بالين لما كل حاجة كانت صغيرة، إنما دلوقتي الغلطة تودي في داهية.. وملوش لزوم تفكرني بالكلام ده أنا عارف أنا بعمل ايه كويس.." تريث لبرهة بينما سمع ضحكة ساخرة كتعقيب من وليد على كلماته "مش شهاب الدمنهوري اللي يهزر يا وليد عشان تضحك على كلامه.." أطبق أسنانه بغل شديد
"أنا شايف إنك مش عايز تشوفني يجي من أكتر من شهر، وفيه ناس كتيرة عايزة تنفذ.. لو عايزني أتصرف من غيرك أنا معنديش مشكلة"
"أنت مصمم بردو على التليفون! ماشي.. اتصرف زي ما تحب.. بس يكون في علمك في حاجة كبيرة اوي مستنياك.. والحاجة دي تقريباً بكل سنين عمرنا اللي فاتت.. عايز تستنى براحتك.. مش عايز بردو براحتك.. وأنت حر في الأول وفي الآخر"
"ماشي يا شهاب هستنى.. أما نشوف آخرتها" عقب وليد على كلمات شهاب متآففاً
"سلام وهاكلمك تاني"
أنهى مكالمته وهو يبتسم بخبث شديد.. منذ دقائق كان يفكر بهؤلاء الحثالة وانتقامه منهم، ومنذ ثوان كان لا يطيق التحدث لوليد.. أمّا الآن فيبدو وأن شهاب الدمنهوري سيضرب عصفورين بحجر.. ماذا لو مزج انتقامه من تلك العائلة بتخلصه من وليد!! تبدو خطة منطقية حتى ينتهي من الجميع!
عليه فقط أن ينتظر عودة تلك الفتاة، يبدأ في تنفيذ كل ما خطط له، وبعدها سينعم بخاطراً هادئاً لا تشوبه شائبة ولا يعكره لا وليد ولا هؤلاء الأطفال المزعجين..
*******
"ماذا بعد كل هذا الإشتياق أ**دي العزيز؟ لأول مرة أنا مشتاقة للعودة.. لأول مرة أشعر وكأنما هناك شيئاً ينقصني.. لم أعد أشعر بالراحة بعيداً عن منزل خالي بدر الدين، أشتقت لتلك الضحكات وذلك الدفء.. لا أدري ماذا يحدث لي..
لا زلت لا أعلم من تلك الفتاة الجديدة بداخلي.. أود حقاً أن اراها بوضوح، أود أن أكتشف ملامحها أو ألاحظها ولو من بعيد.. أتصدق أنني حقاً تلك الفتاة التي لا تنزع هاتفها من يدها؟ أتصدق أنني لا أستطيع النوم دون أن أتحدث لشاب.. لا هو ليس شاب.. بل رجل رائع لديه القدرة على رسم الإبتسامة على شفتاي.. من هي تلك الفتاة التي تحيا بداخلي منذ أسابيع؟
يا للسخرية.. لا أنفك أسألك عني وعن من يعيشون بداخلي.. أنا حقاً ممتنة لأنك تتحملني أ**دي العزيز.. والآن دعني أحدثك قليلاً عن سليم!
هو يسمعني.. يمازحني.. يكترث لأجلي.. يهتم بمعرفة كل التفاصيل عني.. يستمع ليومي بأكمله.. بل ويساعدني عندما أتردد بإختيار الأشياء أو بإتخاذ قرار، وأفضل شيء أنني لا أشعر بأنه يتحكم بي مثل الجميع.. هو مختلف عن كل من تعاملت معهم، حتى خالي نفسه.. أشعر مؤخراً كم هو مختلفاً لدي عن كل ما تعاملت معهم يوماً ما..
أتظن أنني قد نما بداخلي نوعاً من الإعجاب؟ أم كل ذلك مجرد تعود؟ أم إهتمام؟ أو ربما أنا أحبـ.." وصدت الدفتر بسرعة وخفقات قلبها تزايدت بجنون.. لم تستطع الإطناب أكثر.. عبثت بأصابعها بتوتر ورغماً عنها ابتسامة مهتزة طرقت باب شفتاها.. لأول مرة بحياتها أوشكت على الإعتراف بمشاعرها تجاه شخص.. تجاه رجل.. ولم يكن سوى ابن خالها سليم!!
انبعثت بملامحه السعادة ولم يتوقف عن الإبتسام ولو للحظة واحدة وهو يراها أمامه جالسة أمام نهر شبريه، لقد كان يحفظ كل تفاصيل يومها الذي اعتادت أن تخبره عنه، علم أنه سيجدها الآن هنا بهذا المكان.. تعجب كثيراً ماذا كانت تكتب ولكنه سيعلم عاجلاً أم آجلاً..
تحدث لأحد بجانبه بالإنجليزية ثم استند على احدى أعمدة النور عاقداً ذراعيه وع**ت أحدى أقدامه الأخرى لينظر في استمتاع وهو يتلهف لرؤية رد فعلها على أولى مفآجأته لها..
لقد أستأجر فرقة موسيقية بأكملها لتعزف لها أحدى أحب المقطوعات لديها، منذ أن كانت صغيرة وهي تسمعها بل وتعشقها ولطالما أعادت سماعها وكأنها لا تمل منها أبداً، مقطوعة تبدو سعيدة، مقطوعة تشبه زينته القديمة الزاهية بألوانها المختلطة وبقهقهاتها التي يعشقها.
كانت لازالت غارقة في تفكير عميق ولم تنتبه من غفلتها إلا عندما لاحظت رجلان يبسطون بساطاً أرضياً أحمر قانياً ثم أخذ بعض العازفون الذين قاربوا العشرون فرداً في عزف المقطوعة وهي لم تدري من أين آتى هؤلاء بينما أقترب منها رجل يبدو نبيلاً للغاية يرتدي بزة رسمية ليدعوها للرقص فابتسمت له وهي تنظر حولها بإستغراب لكل ما يحدث حولها..
"لقد عرفنا أنكِ تحبين هذه المقطوعة كثيراً من شخص يهتم لأجلك.. هل من الممكن أن تخلدي تلك الذكرى بمشاركتي هذه الرقصة أيتها الحسناء؟!" ابتسم لها بلباقة بعد أن أخبرها بألمانية رسمية للغاية لتجد نفسها تضحك وقبلت عرضه لتبدأ بالرقص معه لتجده أنه يبدو محترفاً للغاية كراقص دولي!
أخذت في الرقص وهي مندهشة تماماً من الشخص الذي يهتم لأجلها ثم فجأة استدارت وهي ترقص لتتعجب بإلتفاف جميع العازفون حولها في دائرة منتظمة بملابسهم الرسمية لتندهش لماذا يحدث لها كل ذلك! هل فازت باليانصيب؟ حسناً.. هي تتخيل لا محالة.. كل ما يحدث حولها مجرد نسج خيالها ليس إلا..
استدارت بخفة مجدداً تبعاً لخطوات الرقصة الشهيرة على تلك المقطوعة وعند إكمالها الدائرة وجدت صفاً من الرجال يرتدون بزات رسمية أقربهم إليها جلس راكعاً على احدى ركبتيه يُمسك بصندوق صغير يبدو وكأنه به هدية ما وخلفه حوالي ستة رجال آخرون كل منهما يُمسك بصندوق يبدو به هدية والعجيب أنهم يقفون بطريقة غريبة فالأول راكعاً ومن خلفه أطول قليلاً وهكذا حتى رآت الأخير واقفاً تماماً لتبتسم في تعجب شديد ليقدم لها الرجل الأول يده ليعطي الصندوق إليها لتضيق ما بين حاجبيها في تعجب وهي تنظر للصندوق وتوقفت عن الرقص تماماً
"كل عام وأنتِ بخير.." اخبرها بالألمانية ثم ابتسم لها لتأخذ الصندوق بتردد ليفر هو سريعاً ويتقدم من خلفه ليركع أمامها ويعطيها الصندوق بيده ويخبرها بإبتسامة رسمية مثل الأول وهكذا حتى وصل الرجل الأخير لها وأعطاها أكبر صندوق بينهم وهي لا تدري لماذا يحدث لها كل ذلك
"من أجلكِ عزيزتي.. كل عام وأنتِ بخير آنسة زينة" ابتسم لها ليرتفعا حاجبيها في دهشة وتتوسع زرقاوتيها، هي لا تعرف هذا الرجل ولم تره يوماً ما.. كيف يعرف اسمها؟ وبلحظة غادر وبالكاد نظرت لتبحث عنه وفجأة انطلقت الكثير من البالونات الملونة بألوان عديدة من شاحنة ما وكلها طُبع عليها اسمها لتنظر حولها في اندهاش شديد لتجد أن كل الناس يجتمعون حولها وينظرون ومنهم من يصفق بيده وهنا قرر سليم أن ينتشلها من حالة الصدمة والتعجب تلك ليتوجه خلفها
"كل سنة وانتي طيبة يا زوزا" همس بجانب أذنها لتلتفت وعينيتيها متوسعتان في فرحة وتركت تلك الصناديق لتقع أرضاً وتلقائياً وجدت نفسها تحتضنه في عناق حاوطت به عنق سليم بكلتا ذراعيها حتى شعر بشدة اندفاعها نحوه ليستمعا سوياً لكل ذلك الجمهور الذي يشاهدهم يصفق لهما لتهمس هي باسمه
"سليم.. سليم أنت.. انت هنا بجد؟" سألته في دهشة
"وحشتيني يا زينة" همس لها ليفترقا قليلاً
"وانت كمان وحشتني اوي"
"كل سنة وانتي طيبة" أخبرها بإبتسامة لتتوسع ابتسامتها
"أنت بجد افتكرت!!" نظرت لها والفرحة تتراقص بأعينها ليومأ لها "بس ده لسه بكرة مش النهاردة" همست له ليومأ لها مجدداً في تفهم
"قولت ما دام بكرة السبت وبعده الحد منخليهوش يوم واحد.. نخليه اتنين" ابتسم لها لتنظر له في غير تصديق والإبتسامة لا تغادر شفتيها بينما بدأ العازفون في العزف مجدداً مقطوعة أخرى ولكن الحانها أختلفت كثيراً عن الأولى فهذه كانت هادئة للغاية وقدم سليم يده لها لتقدم هي الأخرى يدها حتى أصبحت يد سليم تحتوي خاصتها وشرعا سوياً في الرقص وبدأ هو جذبها بحرص وخفة حتى استقرت بين أحضانه بالكامل..
نسيا أنفسهما.. لا يُصدق أنه يستنشق رائحة شعرها وهو يحاوط خصرها بين يداه بالكامل، أخيراً هو معها، مع زينة حياته التي تكملها وتتمها بتلك الإبتسامة الرائعة التي تمثل له شمس حياة جميلة..
لا تُصدق أنه يفعل كل ذلك من أجلها، غرقت في توتر رهيب، وجهها اكتسى بالحمرة ولكن لما؟! لأنه ابن خالها؟ أم لأنها كادت للتو أن تعترف بمشاعرها له؟ أم أنها في حالة انتشاء مما رآته بالدقائق الماضية؟ أيمكن أن يشعر بخفقات قلبها التي تتعالى من اقترابهما الشديد هكذا؟ ماذا سيظنها إذا شعر بها الآن؟
"حاسة بيا يا زينة؟ حاسة بنبض قلبي عامل ازاي؟ حاسة أنا بحبك قد ايه؟ أنا خلاص مش عايز حاجة من الدنيا كلها وأنتي في حضني.. ياااه لو تفضلي كده على طول!! لو بس تعرفي قد ايه أنا بحبك.. بحبك يا زينة.. بحبك اوي ومبقتش قادر اعيش بعيد عنك ولو لحظة واحدة.. غبتي عني تسبوعين بس كنت بتعذب فيهم.. امتى بقا تكوني جنبي على طول" تمتم عقله لتزداد شدة ذراعاه تلقائياً حول خصرها وكأنه يريد أن تلتصق به وألا تغادره أبداً وقد شعرت زينة بمدى دفء جسده وأنفاسه المتلاحقة الدافئة التي شعرت بها على جانب جبهتها وتثاقل جفنيها رغماً عنها لتقترب منه أكثر وجسديهما لا زالا يتناغمان على تلك المعزوفة الرائعة وودا لو أستمرا أكثر بهذا التقارب..
"هو ليه كده كل حاجة اتغيرت معاه.. أنا متلخبطة أوي.. حاسة إن رجليا مش قادرة اقف عليها.. وليه قلبي بيدق بسرعة كده.. طب ابعده واقوله ابعد؟ بس لأ!! أنا مش عايزاه يبعد.. أنا مبسوطة وهو جنبي كده.. لأ أنا مش مبسوطة وبس.. أنا عمري ما اتبسطت بالشكل ده أبداً.. أنا ايه اللي بيحصلي بالظبط.. أنا بحب سليم ولا ايه؟!" سألت نفسها مراراً بينما تلامس جانب وجهه بجبهتها لا يهون الوضع عليها أبداً وازداد توترها وتوصيدها لعيناها ثم توقف العازفون ولكنهما لم يبتعدا..
"يا اغ*يا كنتو طولوا شوية.. افف!!!" صاح سليم حانقاً بنفسه
"أنا يا اما بكتب يا اما بحلم.. اكيد ده حلم!! مش حقيقي لأ!" تحدثت لنفسها بينما في النهاية اضطرا أن يفترقا بعد أن صفق لهما الجميع ليقرر سليم الإفراج عن حدقتاه لينظر لها حتى تستمتعا بملامح صغيرته التي يعشقها ليرى تحول وجهها للكدرة ليبتسم في سعادة ثم بدأت هي في فتح جفنيها ببطئ حتى تلاقت زرقة بحور عيناها بنظراته التي ينهال منها العشق لتتوسع ابتسامته
"كل سنة وانتي طيبة" همس لها لتنهال أنفاسه الدافئة على وجهها وهي لأول مرة تختبر مثل هذا الشعور
"وأنت طيب يا سليم" أخبرته ليلاحظ أنفاسها الرقيقة التي انهالت في هرجلة وعدم انتظام ليقرر أن يهون الأمر عليها
"طب يالا نلم الهدايا دي ونشوف هنكمل يومنا فين؟!"
"يالا" همست له بينما أطرقت بنظرها للأرض
"طب مش بتتحركي ليه؟ تخيلي لو عرفتي إن بدر هنا وواقف بيتف*ج عـ..."
"ايه!!" صاحت مقاطعة اياه لتتحول نظراتها لنظرات نارية وهي تنظر له وتغيرت ملامحها بينما ابتعدت عنه في صدمة "خالو هنا فعلاً يا سليم؟!" سألته في جدية شديدة ليقهقه هو
"يعني واخدك في حضني ورقص وحاجة مسخرة تقوليلي خالو هنا!! بضحك عليكي"
"بقا كده يا سليم.. ماشي.. أنا هاسيبك وامشي" تحدثت له بإصرار وتوجهت لتجمع حقيبتها ودفترها بينما هو آخذ يلملم الصناديق من على الأرضية وهرع خلفها مسرعاً
"استني يا مجنونة" تمتم وهو يلحقها بخطوات واسعة ولا يدري إلي متى ستستمر هي في السير ولكنه سار بجانبها ولاحظ ملامحها المنزعجة
"يا مُزة!!" ناداها لترمقه بإنزعاج وأكملت خطراتها وكأنها لا تكترث له "يا واد يا حلو أنت يا أبو عيون تدبح" نظرت له مجدداً نظرة عابرة وحاولت التحكم في ابتسامتها وملامحها لتتصنع الجدية المزيفة "طب يا جميل حن علينا بأي حاجة طيب" صاح بنبرة لعوب وابتسامة اذابت قلبها لتتوقف وعقدت ذراعيها ثم التفتت لتنظر له بإنزعاج مُزيف
"عايز ايه يا سليم؟!" رفعت احدى حاجبيها وهي تنظر له
"عايز اشوف الضحكة الحلوة تاني.. ولا المفاجأة كانت بايخة اوي ومعجبتكيش؟" تحدث لها لتتن*د
"لا عجبتني طبعاً.. بس اتضايقت بجد منك.. لازم تبطل حركاتك دي.. عارف أنا بجد خوفت لا يكون فعلاً خالو معاك" تحدثت بتلقائية
"طب ولو خالو موجود.. فيها ايه يعني؟!" هز كتفاه وابتسم لها منتظراً اجابتها
"لا طبعاً يا سليم.. واقفين بنرقص وقريبين اوي من بعض.. ممكن يفهم غلط وبعدين انت عارف خالو وغيرته"
"يفهم ايه غلط بالظبط؟" صاح غامزاً لها ونظر لها نظرة ماكرة
"يعني.. يفهم مثلاً إن.. إن أنا وأنت.. " حمحمت وهي لا تدري ماذا عليها أن تقول "بص بقا هو بيغير علينا كلنا وخلاص.."
"اطمني يا ستي.. زمانه قاعد مع نوري وسيدرا" طمأنها بكلماته لتنظر هي له بلوم
"بجد متعملش حركاتك دي تاني ومتهزرش في موضوع خالو ده بالذات.."
"خلاص اوعدك.."
"مش يالا بقا نتعشى ولا ايه؟" سألها لتومأ له وأكملت طريقها ليوقفها "استني أنا معايا عربية.. تعالي نمشي من هنا" أومأ لها في اتجاه المرأب الذي ترك به السيارة لتتبعه وهي تهز رأسها بإنكار فكل ما حدث لها اليوم يشابه الحلم تماماً..
سارا سوياً والصمت ثالثهما، لقد تخبطت أفكارها كثيراً، ارتسمت ملامح السعادة على وجهها وهي تتذكر أنها منذ قليل كانت تُفكر به، تتذكر كل ما مر عليهما سوياً قبل سفرها، وبعدها في خلال ثوانٍ معدودة وجدته أمامها، للحظة بينها وبين نفسها شعرت أن كل هذا كثيراً عليها، هي حقاً لم تكن تحلم بأن يحدث لها كل ذلك..
سرق بعض النظرات لها أثناء سيرهما معاً ليبتسم في سعادة من ملامحها التي تدل على سعادتها بكل ما حدث، ود لو يحيطها بذراعه، أن يقربها لقلبه الذي يخفق لها بجنون، تمنى أن يتخلص من تلك الحواجز التي تمنعهما من أن يصبحا معاً..
تن*د وهو يُملي عيناه من وجهها الذي افتقده تلك الأيام الماضية، تألمت طيات قلبه الملتاع وهو بداخله يود أن ذلك الحلم الذي لطالما حلم به ليلاً ونهاراً أن يُصبح حقيقة، يشعر بالخوف من أن كل تلك السعادة التي يشعر بها تتبدد بين ليلة وضحاها، يتأكد بداخله أنها لا زالت على حالتها التي كانت عليها منذ سنوات، نعم تحسنت قليلاً ولكن يا ترى هل تشعر بالمثل تجاهه؟ هل تُكن له نفس المشاعر أم فقط تشعر بالسعادة لمجرد اهتمامه بها أكثر من الجميع؟
تن*د مجدداً وهو يُفكر أنه لا زال أمامه الكثير من الوقت حتى يتأكد تماماً أنها تحمل نفس المشاعر له وأنها تريد وجوده بجانبها بمثل الطريقة التي يتمناها هو لنفسه..
*******
"نور حياتي كلها.. هتنامي كده وتسبيني؟!" همس بدر الدين بأذن نورسين لتلين شفتيها بإبتسامة بينما عانق خصرها بذراعيه لتلتفت هي له وتمعنت بوجهه ملياً
"ما أنت اللي كنت مشغول.. مش فاهمة ليه فجأة هبت في دماغك تتابع الشغل تاني.. قولت أسيبك بقا براحتك"
"يولع الشغل على الدنيا كلها عشان خاطر العيون الحلوة دي.. مش كنتي تقوليلي بردو إنك عايزاني؟ كنت ممكن أسيب كل اللي في ايديا علشانك"
"ممممـ.. ايه الرومانسية دي كلها يا ملك الكون؟ اللي يشوفك وأنت مكشر ومركز أوي في الشغل ميقولش ان ده هو هو اللي بيكلمني دلوقتي، حسستني إن بدر الدين الخولي بتاع زمان هو اللي قاعد بيشتغل" ضيقت عيناها وهي تتفحص ملامحه ليتن*د هو في سأم
"من الآخر كده ابنك زينة خلاص لحست دماغه.. وهو مش في الساحل ولا حاجة، هو سافرلها ألمانيا ومحدش يعرف غيري.. عشان كده قولت اتطمن على الدنيا لا يكون بيعُك ولا حاجة"
"سولي حبيبي استحالة يعمل حاجة غلط.. واكيد انت اتأكدت بنفسك ولا طلع بيعُك ولا حاجة" ابتسمت له في استفزاز خاصة وهي تنطق اسم سليم بدلال زائد لتنزعج ملامح بدر الدين
"فعلاً.. الدنيا كويسة" أخبرها بإقتضاب وهو يزفر في ضيق
"ايه.. الغيرة اشتغلت تاني؟" رفعت احدى حاجبيها ليرمقها بسوداوتين منزعجتين
"نورسين بطلي تستفزيني" أخبرها محذراً
"بقا فيه حد يغير من ابنه.. ما تبطل بقا يا بدر" تحدثت له لتقترب منه مستندة على ص*ره وهي تنظر له بمرح من ملامحه المنزعجة
"بصي.. أنتي عارفة إنك انتي وسيدرا بالنسبالي خط أحمر.. مبحبش أنا الأسلوب ده" عقد حاجباه في غضب وهو لا يتقبل مزاحها
"أنت هتقلبها جد بقا ولا ايه ما خلصنا.." زفرت في تآفف ليرمقها بنظرة جانبية متفحصة ثم أعاد مرمى بصره للسقف وهو فجأة شعر بأن الجميع حوله يحاولون بشتى الطرق أن يثيرون غيرته "ماشي يا بدر كمل اوي في هطلك ده.. ولعلمك شاهي وحمزة جايين يتعشوا معانا بكرة.. متنساش تص*رلي الوش الخشب بقا قدامهم!" تفقدت ملامحه لمرة أخيرة بعد أن اخبرته بحنق ثم التفتت حتى توليه ظهرها وهي تتمتم "مجنون ده عشان يغير من ابنه.. مش هايكبر ابداً!!"
"عايزة توصلي لإيه يا نورسين؟" جذبها لتتوسد السرير بظهرها وتوسعت زرقاوتيها وهي تتفقد وجهه عندما اعتلاها لتدرك لبرهة ذكرها ببدر الدين الخولي الذي عرفته منذ زمن سحيق، تلك النسخة القاسية منه
"مش عايزة اوصل لحاجة.. أنت بقيت Over اوي.. مش كل شوية حوار الغيرة ده"
"انتي لسه عارفاني النهاردة ولا ايه بالظبط، انتي عارفة بالذات الموضوع ده بيضايقني ازاي" نظر لها بسوداوتي اتسمتا بالقسوة اللاذعة وغضبه عاد مجدداً ليسيطر عليهما لتعودا لتلك الطريقة التي لطالما ارتعد لها الجميع لتبتلع نورسين في تردد قبل أن تنطق بأي كلمة قد تزيد من غضبه
"سليم ده ابني البكري.. وابنك.. تفتكر هـ.."
"ولا ابنك ولا ابن الجيران، لمي الدور الليلادي" صاح لها بلهجة محذرة ثم تركها وتوسد السرير خلفه لتستمع لصوت أنفاسه المتلاحقة انزعاجاً لتتن*د هي في ذلك الصمت الذي تبغضه كثيراً ما إن ساد بينهما واقتربت منه دون أن يبادر هو وتوسدت ص*ره برأسها وارتفعت زرقاوتيها لوجهه ليبادلها النظرات ولكن في صمت مشحون بغيرته العمياء
"أنا بحبك يا بدر، ومبحبش نشد كده مع بعض أياً كان السبب ايه" همست برقة ثم حاوطت ص*ره بيدها ومررتها عليه بلطف وأخذت تمرمغ رأسها بص*ره العريض
"أنا كمان بحبك، بس بطلي تستفزيني" أخبرها بإقتضاب
"لا يا بدر مبتحبنيش.. لو بتحبني كنت شوفت أنا بحبك ازاي وكنت استحالة تعمل حركاتك دي، وبعدين مكنتش نكدت على مُزة حلوة كده زيي قاعدة مستنياك من الصبح لغاية ما تخلص وفي الآخر عشان بهزر معاك تضايق وتقلب الهزار جد.." تحدثت بنبرة امتلئت دلالاً ليزفر هو في سأم
"طيب خلاص متزعليش" حاول أن يسترضيها ولكن بإقتضاب
"لأ.. أنت يا بدر مصمم تقلب الهزار بجد وتضايقني.. نام بقى!" أخبرته بإقتضاب وتصنعت الحُزن ليزفر هو في حنق
"بت أنتي!!" تحدث بجدية بعدما اعتلاها مرة أخرى "لو مظبطيش وعديتي الموضوع رد فعلي مش هايكون كويس" تفقدت ملامحه وابتلعت وهي تحاول منع ابتسامتها من الظهور وتصنعت العبوس
"لا بجد زعلانة منك" همست بدلال مجدداً لتراه يسحق أسنانه
"بردو.." رفع احدى حاجباه وهو ينظر لها بتحدي "أنتي اللي جبتيه لنفسك بقا" ابتسم بمكر لينقض على شفتيها بقبل نهِمة لم تخلو من بعض العضات اللطيفة لتلك الكرزيتان وفرق شفاههما قليلاً ليهمس أمام شفتيها "وحشوني اوي من الصبح"
"لا أنت بتكدب.. ابعد يا بدر أنا لسه زعلانة منك بجد" همست بدلال مجدداً "مش كل شوية تغير من سليم لما اتكلم عنه بالطريقة دي"
"يلعن أبو سليم.. مبسوطة كده" همس بنبرة انطلقت بها مشاعره المهتاجة خلال أنفاسه الساخنة ليلثم شفتيها مرة أخرى وكانت أطول من المرة الفائتة ثم ابتعد عنها بأنفاس لاهثة
"طيب خلاص.. ابعد بقا وسيبني أنام" همست له بإغراء ليرفع احدى حاجباه في تحدي وهو يتفقد ملامحها بنظرة لن تتقبل الرفض حيال هذا الأمر..
"تنامي مين؟! مفيش نوم للصبح يا نوري.. اللي يبدأ بحاجة يا ريت يكون قدها للآخر.." ابتسم بخبث وكاد أن يلتهم شفتيها مجدداً في قبلة محمومة
"أنا مبدأتش حاجة واوعى بقا" تغنجت أكثر لتسمع زفرته التي امتزجت بضحكة منخفضة
"اتدلعي كمان وأنا مخرجكيش من الأوضة دي لشهر قدام.. استحملي نتايج دلعك بقا" اقترب منها مرة أخرى قبل أن تبدأ بالكلام ليقبلها بشغف وجاب لسانه أنحاء فمها وبالرغم من شعوره أنها قاربت على الإختناق بقبلته إلا أنه منعها أن تترك شفتاه ووصد عيناه في استمتاع بمحاولاتها في الفرار من تلك القبلة المجنونة ودفعته بكل ما أوتيت من قوة ليبتعد في النهاية وهو ينظر لها بأعين نصف مغلقة
"بدر.." همست بنبرة أنثوية دفعت ألهبة الإثارة بكل قطرة دماء بداخل عروقه
"أبو بدر اللي هتموتني دي" همس مجدداً أمام شفتيها ليلقي بثقل جسده فوقها ثم انتقل لعنقها ليلثمها بشفتيه الخبيرتين لتبدأ هي في إطلاق آنات المتعة الشديدة التي يكيلها لها خاصة عندما اندمجت أنامله بالعبث بأنحاء جسدا الملتاع للمساته التي تعشقها وكانت تنتظرها منذ الصباح.
*******
حدق بتلك الزرقاوتان أمام عيناه وكأنما يعوض ما فقده تلك الأيام المنصرمة، لم يكن يتوقع أنه سيشتاق لها بمثل تلك الطريقة، لم يفعلها من قبل، أهذا لأن علاقتهما تحسنت قليلاً قبل سفرها، أم أنه يقع بعشقها أكثر يوماً بعد يوم.. لا يدري ولا يريد أن يعرف، كل ما يريده هو أن يظل غارقاً في تلك التفاصيل التي يعشقها أكثر وأكثر يوماً بعد يوم..
"ايه؟ مش بتاكل ليه؟" تسائلت وهي تتفقده بزرقاوتيها في تعجب
"ها.." استيقظ من شروده ولهاً بها "هاكل اهو" ابتسم لها بإقتضاب ليحاول تلاشي الحرج الذي أصابه عندما أدرك أنه حدق بها أكثر من اللازم ولكن ابتسامته استمرت، وكأنما شفتاه تأبى التخلي عن تلك السعادة التي أصابته منذ رؤيتها
"بجد يا سليم كانت مفاجأة حلوة أوي.." تريثت تاركة الطعام وأخبرته بإبتسامة ثم شردت بطبقها "تعرف عمر ما حد عمل كده معايا، ولا عمر حد عمل حاجة علشاني.. يمكن بس بابا الله يرحمه وخالو و.." توقفت عن الكلام وهي لا زالت شاردة ليتفقدها سليم بحرص
"ومين كمان يا زينة؟!" سألها بتدقيق لترفع عيناها له
"وأنت يا سليم.. طول عمرك كنت كويس أوي معايا" ابتسمت له لتتوسع ابتسامته
"عشان تعرفي إن طول عمري حنين إنما أنتي بعيد عنك طوبة" أخبرها بطريقة دفعت الضحكة لشفتاها الكرزيتان
"حرام عليك.. أنا مش طوبة ولا حاجة، أنا بس كـ.."
"عارف يا زينة عارف" قاطعها ليوقفها عن الحديث بينما احتوى كفها الرقيق بكفه فوق طاولة الطعام، لقد ظنت أنه يوقفها فقط، ولكنه أطال بلمسته وكأنه لن يترك يدها أبداً، وهذا بالفعل ما أراده.
"سليم.. احنا مش هانكمل العشا ولا ايه؟!" همست سائلة بعدما شعرت بأن المدة التي لامس بها يدها قد طالت عن اللازم
"لا هانكمل" همس شارداً بعينيها ثم تن*د بعمق لتشعر هي بالخجل وبنفس الوقت شعرت بالريبة من تصرفه الذي يعد جديداً
"أنت هتفضل ماسك ايدي كتير؟" زفر مطولاً بينما رفع أنامل عن يدها ببطئ وشرع في الإنشغال بطعامه مجدداً وقبل أن تلامس الشوكة التي امتلئت بالطعام أوقفته زينة التي كانت تحاول تقييم تصرفه منذ قليل لتضيق عيناها سائلة
"أنت بقيت بتعمل حاجات غريبة.. مفاجآت ورقص ولسه سايب ايديا.. فيه ايه يا سليم؟!" ألقى الشوكة من يده ثم حدق بعيناها بجسارة
"متستعجليش يا زينة.. سيبي الدنيا ماشية زي ما هي ماشية.. حاولي متسألنيش عن حاجة دلوقتي خالص" بالرغم من تلك النظرة بعيناه إلا أن نبرته المتوسلة المليئة بالترجي جعلتها تغرق بالحيرة من أمرها لتضيق ما بين حاجبيها لتفكر في اجابته الغريبة على سؤالها حتى تستنج منها اجابة أخرى ترضيها واخذت تعيد ما أخبرها به مراراً"مش قولتلك متفكريش؟!" نظر لها متفحصاً اياها لتبتسم بتوتر فهي لم تكن تظن أبداً أن هناك من يلاحظ او يستمع عقلها المزدحم بذلك الضباب الفكري الدائم الذي لا تتسلله اشعة شمس النقاء أبداً.
"حاضر.. مش هفكر خلاص" لا تدري لماذا همست مذعنة بسهولة ويسر دون أن تتجادل معه؛ لا تدري لقد أصبحت شخصية جديدة تماماً معه.. تطرقت الابتسامة لشفتيها مرة أخرى ثم تن*دت في إشراقة من تلك الزرقاوتان ليتعجب سليم لملامحها وردة فعلها "بص.. أنا هاسمع كلامك بس المرادي؛ هاخلي كل حاجة ماشية زي ما هي ماشية ومش هسألك على الموضوع ده تاني.. بس يكون في علمك، أنا هافضل مستنية منك اجابة على سؤالي.."
"هجاوبك يا زينة حاضر.. هجاوبك" زفر متحدثا وهو يحدق بزرقاوتيها
"اما نشوف" ضيقت عيناها له وابتسامتها تتوسع ليهز رأسه بإنكار
"طب يالا بقا عشان تشوفي باقي الحاجات" نهض مخرجاً من جيب سترته بعض الأوراق المالية ليتركها على الطاولة بجانب الطعام ثم جذب يدها بخفة ليحثها على النهوض.
"باقي حاجات ايه؟ احنا رايحين فين تاني؟" انسابت تلك النظرات الزرقاء من حدقتيها وهي تنظر له بجدية ليجذب هو معطفها وساعدها في ارتدائه لتستجيب هي له
"فكرك عيد ميلاد اي حد ولا ايه؟ يالا بينا يالا" احتوى يدها بيده لتراه يحتوي يدها ويده الأخرى قد امسكت بحقيبتها ودفترها الأ**د وانطلق بها بخطواته الرشيقة الي الخارج وهي لا تصدق ما يحدث حولها.
*******
فاقت من غفلتها على صوت تلك الأبواق التي اندفعت من السيارات لتنبها أن إشارة المرور قد سمحت لها بالسير بينما السيارات أمامها قد تركتها خلفها بمسافة شاسعة لتشرع هي في التحرك بسيارتها وأدركت أن تفكيرها به قد تحكم بها كلياً بعد آخر مرة لها معه.
صفت سيارتها على جانب احدى الشوارع الهادئة في عتمة الليل ثم أطفأت المحرك ونظرت على الكرسي بجانبها لتلمح تلك العقاقير التي عليها الالتزام بها حتى نهاية الأسبوع كي تتعافى تماماً من شبه حالة الإغتصاب تلك التي تعرضت لها ووجدت ضحكة خافتة تعبر عن سخريتها من نفسها وهي تستعيد تفاصيل تلك الليلة منذ أكثر من شهر ونصف وتلك الطريقة التي بدت كأذى خالص وكأنه ينتقم من شيء ما بجسدها هي؛ ولكن ما ذنبها؟ ما الذي فعلته حتى يصبح بتلك الطريقة البشعة؟ لماذا عليه أن يؤلمها بتلك الدرجة حتى تذهب للطبيب؟
ابتسمت في وهن ولم تسمح لعيناها المتلئلئة بالدموع بأن تتركها تعبر اهدابها؛ تعلم أنها لم يكن أمامها سوى هذا الطريق حتى تصبح ما أصبحت عليه، أو بالأحرى ما أصبحت عليه عائلتها!
لماذا عليها تحمل كل تلك المشقة وذلك العناء؟ تشعر بالتقزز من الرجال جميعاً؛ تشعر كلما نظر اليها رجل كم هي رخيصة للغاية.. لقد اعتادت أن تشعر بكل تلك المشاعر منذ سنوات بل وعرفت كيف تتعامل معها جيداً؛ ولكن الآن أصبحت تشعر بالخوف!
شهاب الدمنهوري! كان لغزاً بالنسبة لها كلما تذكرت كيف كانت تستميت حتى تصبح عاهرته لقد حاولت بمنتهى الحرص والعناية أن تحصل على اهتمامه، تتذكر ذلك اليوم عندما تأنقت للغاية وحاولت أن تستجمع كل ما لديها من قدرة على الإقناع بمصاحبة فتنتها وأسلوبها الذي يمتاز بالرقي وكأنها تتقدم في مناظرة ما حتى تصبح رئيسة لدولة ما..
ليتها ما وافقت قدميها حتى تسير نحوه؛ ليت عيناها ما لمحت ذلك الكائن المسمى بشهاب.. ليت عقلها توقف عن العمل حينها وبهذه اللحظة تمنت أنها لو فقدت عقلها قبل أن تقع عيناها عليه.
وإذا لم توافق أين كانت ستكون الآن؟ أين كانت ستصبح والدتها الآن؟ وأخيها الصغير، أخيها الرجل الذي ينظر لها وكأنها هي طوق النجاة الذي أخرج حياتهم من الظلمات إلي النور.. ابتسمت في وهن مجدداً عندما تذكرت أن عُرسه سيقام بعد أسبوعين.. كم تمنت لو كان كل شيء مختلف.. تمنت للحظة لو ظلت سلمى الفتاة البشوشة البريئة ذات الإبتسامة المشرقة ولكنها كان عليها أن تصبح ع***ة محترفة حتى تصل إلي ما وصلت له الآن.
تلك السيارة.. وظيفة أخيها.. ذلك المنزل الضخم بأحدى المناطق الراقية الذي يظن أخيها وأمها أن عملها يدفع لها إيجاره كميزة من مميزات وظيفتها! علاج والدتها الذي يحتاج الكثير من الأموال والممرضات اللاتي يرافقنها.. لن تملك كل ذلك لو غادر شهاب الدمنهوري حياتها..
أغدق عليها بالأموال ولكن ماذا يأخذ مقابل ذلك؟ لقد ظنت ببداية الأمر أنها ستكون بضع ساعات من المتعة المحرمة مع ع***ة محترفة مثلها وسينتهي الأمر ولكن لا.. هذا الرجل ليس مثل الرجال الذين اعتادت هي أن تبيع لهم جسدها.. يريد المقابل أن تحتوي عنفه وتتقبله.. يريد ألا يستمع لكلمة لا مهما فعل.. يريد كل مرة أن يجعل الأمر أسوأ وأسوأ حتى يدمرها تماماً ويبدو أن عنفه يتصاعد ولا نهاية له أبداً..
لم تستطع كبح دموعها أكثر من ذلك وهي ترى جسدها أسفل جسده العاري الذي يتصبب عرقاً وهو يدفع بكل ما أوتي من قوة بداخلها؛ تشعر بثقل جسده مجدداً.. ترتجف عندما شعرت بأصابعه تخترق ثنايا خصرها.. لم تعد تتحمل ذلك.. كيف لها أن تبتعد؟ كيف لها أن تتركه؟ كيف لها أن تشكو بأنها لم تعد تحمل تلك الآلام بعد كل مرة فرغ منها..
حاولت تجفيف دموعها وإيقاف نحيبها وإيقاف عقلها عن التفكير.. لقد اختارت هذا الطريق، لقد بدأت هي، هي من عرضت نفسها عليه ببداية الأمر.. عليها أن تتحمل الآن حتى ولو تحول الأمر لأسوأ؛ حتى ولو أسوأ من تلك المرة الغريبة الماضية.
*******
"سليم.. أنت فاهم إن ده طريق البيت؟!" همست سائلة بإستغراب شديد بعد صمت غريب للغاية دام بينهما منذ أن غادرا ذلك المطعم وفرغا من تناول العشاء ولكن عندما لاحظت أنهما أقتربا للغاية من منزلها لم تستطع أن تُكمل ذلك الصمت الذي كرهته حينها بينما التفت هو لها مضيقاً عيناه متن*داً بنفاذ صبر لأنها لطالما لم تعطيه الفرصة ولكنه ابتسم لها مهمهماً بالتأكيد على كلماتها لتهز هي رأسها في إنكار وتمتمت بإبتسامة "أنت بقيت غريب أوي يا سليم"
"غريب ازاي يعني؟" عقد حاجباه بإستفهام ملتفتاً إليها بلمحة خاطفة ثم أعاد نظره للطريق أمامه وكله أذان صاغية منتظراً منها إجابة
"مبقتش فاهمة ولا عارفة أنت عايز توصل لإيه بالظبط.. شوية تغير معاملتك معايا لدرجة تخليني أكرهك، وبعدين تتحول معايا وتعاملني بأحسن طريقة ممكن حد يعاملني بيها وحسيت حتى بعدها إننا أصحاب قريبين.. فجأة تخليني ألعب، تعلمني الشغل، أصحى الاقيك نايم جنبي طول الليل، وبعدين لما سافرت بقيت بتكلمني تقريباً كل ساعة.. وفي الآخر تيجي تعملي كل المفاجآت دي وتقولي لسه فيه كمان.. ودلوقتي مروحني البيت وأنت ساكت أوي ومقولتليش حرف حتى من ساعة ما خلصنا عشا زي ما تكون مش عايز تتكلم معايا.. "
تريث قليلاً قبل أن يجيبها، نظم شهيقه وزفيره وهو يحاول اختيار الكلمات بعناية بعقله قبل أن يتفوه بها، يريد بكل ما أوتي من قوة ألا يُفسد تلك الليلة، يتمنى من كل طيات قلبه أن تبقى لك الليلة واحدة من أفضل الذكريات التي ستتذكرها دائماً.. يتذكر كل كلمة تفوهت بها، زرقاوتيها المتعجبتان ونبرتها اللحوحة في التوصل لإعتراف منه تجاه كل ما يفعله معها ولكنه سيحاول ألا يتسرع مذعناً بعشقه لها الآن.. يريد أن يتمهل قليلاً.. نعم كل ما يحدث بينهما منذ عدة أسابيع يجعله يشعر وكأنما قد ملك الكون بين يداه ولكنه يريد التأكد أن زينة تعشقه مثلما يعشقها، ليس لمجرد اهتمامه بها ومراعاة مشاعرها تشعر بالإمتنان نحوه.. يريد منها إعتراف وتصرفات إمرأة واعية تعلم جيداً ما تريده وليس مشاعر إمتنان مجردة من العقل ومشوشة من فتاة صغيرة..
"أنا هقولك يا زينة" زفر وهو يجذب مكابح السيارة اليدوية بعد أن صفها أسفل منزلها وقرر أن يجيب على كل جزيئية من حديثها الطويل الذي لم يغفل منه ولو حرف واحد ثم التفت بمقعده ليحدق بزرقاوتيها المنتظرتان اجابة تحررها من حيرتها الدفينة تجاه كل ما يفعله معها..
"لما عاملتك بطريقة غريبة أول ما رجعتي من السفر بعد موت والدك سيف الله يرحمه.." انتظر لبرهة لإختيار كلماته محمحماً ثم تابع "لأ أنا اخترت كلامي غلط، أنا معاملتكيش بطريقة غلط" ضيقت ما بين حاجبيها وتحفزت داخلياً حتى أوشكت على مقاطعته بكلمات لاذعة رافضة لجملته وتلك الأبحر الزرقاء بين جفنيها اهتاجات بموجات من الإنزعاج الشديد ولكنه بادر بإكمال حديثه حتى يجيبها بما يظن أنه سيشفي جراح حيرتها الملتاعة
"أنا مكنتش عارف أتعامل معاكي.." تن*د في راحة شديدة بعد أن لانت ملامحها وعادت تلك البحور للهدوء مرة أخري "كنت حاسس ساعتها إني هاخسر زينة للأبد.. حسيت بفشلي وافتكرت إني مش هاعرف أبداً أتعامل معاكي وكنت بتعامل بنفس الطريقة اللي بتعامل بيها مع الكل" تن*د بهدوء وبداخله شعر بالراحة للحصول على اهتمامها الذي طغى على ملامحها
"بعدها قعدت مع نفسي كتير، وصممت مخسركيش يا زينة، افتكرت كل حاجة ما بينا من أيام ما كنا أطفال لغاية ما كبرنا.. قولت أغير طريقتي معاكي وفعلاً ده جاب نتيجة.. وأنتي بنفسك أعترفتيلي أنك حسيتي اننا قريبين.. أنا طول عمري بعتبرك أقرب حد ليا من كل الناس اللي حواليا، يمكن أقرب حد ليا في حياتي هو بدر وبعده أنتي على طول.. مش هاكدب عليكي إني كنت أكتر حد مضايق لما عرفت إنك هتسافري تكملي دراستك برا.. ومعندكيش فكرة كنت قد ايه مخنوق وانتي بعيدة.. حسيت إن جزء كامل من حياتي وذكرياتي سابني ومشي بين يوم وليلة، كنت متعصب ومهموم، مكنتش عايز أكلمك خالص وقتها لمجرد العِند والعصبية اللي كنت فيهم عشان أنتي سيبتيني وسافرتي وبالرغم من كل اللي كنت حاسس بيه أنا اللي روحت لبابا وجوز عمتي سيف الله يرحمه عشان يتدخلوا في الموضوع ويخلوا عمتي توافق على سفرك مرة واتنين وتلاتة لغاية ما عرفوا يتفاهموا معاها.. مكنتش قادر أشوفك نِفسك في حاجة وعايزاها اوي وتتحرمي منها تاني!" زفر بحرقة منزعجاً عندما تذكر تلك الأيام بينما هي عيناها فاضا بالصدمة الشديدة ليندفع لسانها هامساً بمصاحبة حدقتان كُسيا بالدموع الحبيسة
"سليم أنت بجد عـ.."
"لما رجعت نتعامل تاني كويس كنت قررت إني أحاول تاني معاكي، مش شرط إني لما أكون في علاقة بحد وفجأة يحصل مشاكل أو فتور ما بيني وما بين الشخص ده يبقا هو اللي غلطان وأنا اللي صح.. عدت التفكير في كل حاجة بعملها معاكي وكل كلمة بقولهاك وفعلاً لما طريقتي معاكي اتغيرت رجعنا زي زمان ويمكن أحسن" قاطعها قبل أن تبدأ بالحديث حتى لا تشعر بأنه فعل لأجلها شيئاً وأدانها به، أراد أن تشعر أنها لا يعيبها شيئاً وأن أغلب عبء ذلك الوقت العصيب بينهما يقع على عاتقه هو وحده
"بس أنا أتغيرت يا سليم.. أتغيرت وبقيت وحشة اوي و.." انهالت احدى دموعها بغتة وهي تهمس بنبرة مرتجفة مهتزة ولأول مرة بحياتها تشعر وكأنها كتاب مفتوح واضح المعالم أمام شخصاً آخر سوى دفترها الذي تعترف له بكل شيء،
"لأ مش وحشة واياكي تقولي كده تاني على نفسك" قاطعها وأمسك باحدى يديها في قوة وكأنه ينقل إليها دعماً وقوة خفية عبر لمسته وبأنامله جفف تلك الدمعة المباغتة التي انسابت على وجنها "الموضوع كله إنك كبرتي يا زينة.. كبرتي وشخصيتك اتغيرت.. انتي سافرتي وانتي عندك تمنتاشر سنة ورجعتي وانتي عندك تلاتة وعشرين سنة.. خمس سنين، حياة لواحدك، أب وأم وأخوات وقرايب مشغولين.. طبيعي تتغيري جداً، ولسه كمان هتتغيري أكتر!! وبعدين ما أنا أتغيرت وشخصيتي بقت صعبة أوي في الشغل، كلنا مرينا بوقت في حياتنا بيخلينا نتغير!" تن*د متريثاً وهو ينظر لملامحها التي عادت للهدوء بعد تأثر جلي وعواطف عديدة قرأها بمقلتيها
"أنا لما كنت كويس معاكي من غير عصبية ونرفزة حسيت إني بتعامل مع أحسن بنت في الدنيا.. بنت ضحكتها تخلي أي حد قدامها مبسوط، بنت ذكية وشاطرة ومعتمدة على نفسها وجريئة بس بحدود.. عمرك ما كنتي وحشة ولا هتكوني يا زينة.. اللي شايفك وحشة أو ممكن يحكم عليكي إنك وحشة يبقا هو اللي عنده مشكلة مش أنتي.. اوعي تفكري في كده تاني" نظر لها وهو يحاول بشتى تعبيراته وملامحه أن يداري ذلك العشق الذي تصرخ به عيناه، يلجم نفسه بلهيب من التحكم اللاذع حتى لا يجذبها رغماً عنها ويحتويها بين ذراعيه كي يخفف عنها كل ما تشعر به، أراد أن يبدو كلامه منطقياً أكثر من أن يكون كلامه ممتلئ بجمل لن ينطق بها سوى من كان متيماً بمن أمامه..
"بجد أنا عمري ما قولت كده لحد.." همست بعد أن تبادلا نظرات لبرهة ود كلاهما لو دامت أكثر "أنا فعلاً مش عارفة أقولك ايه.." ابتسمت في وهن ولكنها كانت ابتسامة تعبر عن راحتها الشديدة من حديثهما سوياً "شكراً يا سليم إنك بـ.."
"متقوليش شكراً أبداً بالذات ليا أنا، أنا بقولك الحقيقة" قاطعها مبتسماً لها وشعرت بضغطة لطيفة من يده لتتوسع ابتسامتها "مش هانكمل بقا يومنا ولا ايه؟!" أخبرها سائلاً ثم غمز لها بمرح عندما لاحظ أنه لا يُفصله سوى عشرة دقائق عن منتصف الليل
"يالا.." ها هي لا تدري ما الذي سيفعله سليم بمنزلها الآن في مثل ذلك الوقت ولكن بعد كل ما بدر منه مؤخراً أصبحت تثق به ولا تكترث لما سيفعله لاحقاً.
تركا السيارة وتوجها للصعود لشقتها التي تمكث بها طوال الخمس سنوات الماضية وبالرغم من أن السعادة غمرته إلا أن القلق الذي بداخله آخذ يتصاعد طردياً كلما أقترب الوقت الذي قرر أن يواجهها به بواحدة من أصعب تلك الذكريات التي لطالما آلمتها..
دلفا منزلها وانتظر هي لتضيء الأضواء لتتجول عينا سليم الذي بدت سوداء الآن كعينا والده وأخذت تتفقد محتويات الشقة التي بدا على تفاصيلها أنها تحتاج للتغير أيضاً مثل مالكتها.. فكل ذلك السواد والتفاصيل الباردة غامقة اللون تفتقر للحياة مثلما رآى زينة عند عودتها من السفر..
"تعالى اتف*ج على باقي الشقة" ابتسمت له بعد أن توجهت لتشعل التدفئة المركزية وبدأت في خلع معطفها وأما هو فبدأت ساقاه بأخذ خطوات ليتفقد الشقة التي تكونت من غرفة نوم واحدة كبيرة نوعاً ما وغرفة معيشة ضخمة تحتوي على مطبخ على الطراز الحديث وتلفاز وأريكتان كبيرتان ومكتبة تضم كتبها الدراسية بالإضافة إلي عدة كتب أخرى وهناك ثلاثة أرفف بها تضم كتب سوداء ليس موضحاً عليها أية كتابة ليعقد حاجباه في استغراب عن ماهية تلك الكتب ولكنه ترك الأمر جانباً وزفر في حُزن على تلك الحالة التي تعيش بها من يعشقها قلبه.. لقد أدرك أن حياة تلك الفتاة طوال السنوات الماضية قد سيطر عليها الحُزن الشديد.. كل ما حولها اتشح بالسواد، يبدو وأن ذلك السواد سيطر عليها خارجياً كما طغى بداخلها
"أعملك حاجة تشربها؟!" أفاقه صوتها الذي آتى من مسافة قريبة ليشعر هو بدفء المكان فخلع معطفه الثقيل
"عندك ايه يتشرب؟" التفت نحوها بعد أن أمسك بأحدى الأوشحة التي وجدها بغرفة نومها وشعر أنها ستلتفت له فأخبأ الوشاح بجيب بنطاله الخلفي حتى لا تراه وأخذ يقترب منها
"ممكن قهوة أو شاي أو hot chocolate باللبن" همست مقترحة
"تمام.. hot chocolate" أخبرها لتبتسم له والتفتت لتشرع في صنيع مشروب الشوكولا الساخن بينما أقترب هو منها للغاية ولكنها لم تشعر به بعد
"ايه عجبتك الشقة؟" أخبرته سائلة لتتجاذب معه أطراف الحديث وهنا أقترب للغاية وأمسك بالوشاح وأحاط به عينيها من خلفها لتتعجب هي بصدمة "ايه يا سليم أنت بتعمل ايه؟!" تحدثت سائلة
"الشقة جميلة زي صاحبتها.. وهتعرفي أنا بعمل ايه دلوقتي حالاً.." همس مجيباً اياها لتبتلع هي في توتر بالرغم من أنها تثق به ولكنها لا يُعجبها أن تظل غامضة العينان هكذا وهو يُحرك جسدها بلطف ليدفعها لمنتصف الغرفة وتعجبت هي أكثر عندما سمعت طرقات على الباب
"ايه ده.. مين هيجي دلوقتي؟!" تعجبت مجدداً ليبتسم سليم في توتر
"هتعرفي.." اجابها ثم ابتعد عنها ليتفقد الطارق الذي كان على اتفاق معه مُسبقاً ثم سمعت ارتطام الباب فأدركت أن الطارق إما غادر وإما دلف وأصبح معهما الآن فهي لم تتبين سوى صوت خطوات وصوت ضوضاء بسيطة تندفع احتكاك كأوراق أو ما شابه ثم سمعت ما يبدو وكأنه ارتطام شيئاً ما وبعدها ساد الهدوء مرة أخرى ولم يتخلله سوى صوت خطوات مجدداً ويبدو وكأنما هناك من استقر خلفها
"زينة.. ، أنا حبيت تبدأي يوم عيد ميلادك بأكتر حاجة بتحبيها.. كل سنة وأنتي طيبة" همس بالقرب من أذنها لتشعر بأنفاسه الدافئة التي انهالت بجانب أذنها ثم شعرت به يحل ذلك الوثاق حول عيناها "يارب تعجبك" همس مجدداً ولكن بتوتر شديد تلك المرة لتشعر هي بالصدمة الشديدة مما تراه أمام زرقاوتيها وبعد صمت دام للحظات شعرت هي بأن جسدها أصبح كقطعة من قاع الجحيم، غضبت كثيراً مما وقعت عيناها عليه، تلاحقت أنفاسها في انزعاج شارفت عيناها هلى ذرف الدموع من كثرة الغضب تسارعت خفقات قلبها حتى كادت أن تهشم قفصها الص*ري، وذلك الشعور الذي انفجر بسائر دمائها يدفعها للدخول بتلك الحالة العصيبة التي لطالما مرت بها.. أما هو فكان يموت رعباً من ردة فعلها التالية ومرت عليه ثواني الانتظار **نوات مريرة مؤلمة
"ليه.. ليه يا سليم" همست بحزن وقبل أن يتحدث هو التفتت له بغضب ساحق ثم صرخت به "امشي اطلع برا"
*******
#يُتبع . . .