الفصل التاسع

5735 Words
"يعني عايز تفهمني انك مخدتش بالك من طريقته؟ ولا طريقة ميرال؟ زي ما تكون قبل ما اندها تسلم عليه انسانة وفجأة من ساعة ما شافته بقت انسانة تانية.. ماخدتش كمان بالك لما عزمتها تتغدى معانا فضلت مصممة انها تمشي وانت عارف ميرال من زمان وهي دايماً بتحبك واستحاله كانت ترفض تقعد معانا.. انا حاسس ان فيه حاجة ما بينهم! " تحدث سليم لوالده ليضيق بدر الدين ما بين حاجباه "بص انا مشوفتش اللي بتقول عليه ده خالص.. يمكن لما اتشغلت في مكالمتي مع نور حصل كل اللي بتقول عليه ده.. بس اللي انا متأكد منه ان شهاب ده مش مريح ومش سهل خالص" اخبره بدر الدين وقد تحولت ملامحه للجدية والتفت نحو سليم الذي كان يقود السيارة دالفاً منزلهم "تفتكر هيكون فيه ايه يعني؟" "مش عارف.. بس هاعرف.. شهاب ده انا مش طايقه من ساعة ما شوفته، فيه حاجة كده مش مريحاني" همس سليم وكأنما يفكر بشيء ما لتبدو نبرته غامضة "من ساعة ما شوفته ولا من ساعة ما شوفت زينة معاه؟" نظر له مضيقاً عيناه متفصحاً سليم لتتحول ملامح الآخر للإنزعاج الشديد "يوووه بقا!! لا من ساعة ما شوفته!! ارتحت كده؟!"  "ياض.. أنا بابا ياض!! تروح تمثل على اي حد تاني ما عدا حد فاهمك وعارفك زيي.." ابتسم له في مكر انزل انزل.. تعالى نروح للمزة اللي قاعدة لوحدها هناك دي" ترجلا من السيارة بينما زفر سليم في حنق بالغ، فهو كلما يتذكر ما حدث أمس وكيف كانت زينة تتعامل مع شهاب يشعر وكأنما هناك بركاناً ثائراً بداخله "حبيبة خالو قاعدة لوحدها دلوقتي بتعمل ايه؟!" فاجئها بدر الدين لتلتفت هي له بإبتسامة وملامح متهللة  "خالو.. حمد الله على سلامتك... أبداً قاعدة عادي، والجو حلو على فكرة" "اه بقا خلاص بقيتي واخدة على جو المانيا.. ماشي يا زوزا" "ازيك يا زينة؟" تحدث سليم  لها لتبتسم له في هدوء "الحمد لله.. ايه، عملتوا ايه في الـ gym النهاردة؟ بعد الخناقة اللي كنتو عاملينها الصبح دي؟"  "طبعاً سليم مقدرش يكمل زيي وقالي يالا كفاية نمشي.. مفيش زي خالك والله يا حبيبتي.. سليم ابن خالك خِرع حبتين وحنين مش طالع زي ابوه خالص" ضحكت زينة ليشرد بها سليم وهو لا يصدق أنه أخيراً يستمع لتلك القهقهات التي تمنى سماعها منذ سنوات، وبالرغم من أن والده جعله مزحة أمامها لكنه في منتهى السعادة بتغيرها عن الأيام الماضية "حبيبي أنت يا خالو ولا عمر حد هيكون بدر الدين الخولي تاني" هرعت نحوه لتقبله على وجنه ثم احتضنته ليعانقها في حنان وملامحه تهللت بكلماتها  "ايوة احضنوا بعض اوي وخليكو كده اجي انده نوري تاكلكو انتو الاتنين.." صاح سليم وعقد ذراعيه وهو يشاهدهما سوياً ثم عدّل وقفته في شموخ "ولا أقولك ايه يا بدر.. خليك أنت مع زينة حبيبتك وأنا اروح بقا اسهر مع نوري واحضنها كده وادلع فيها"  "تروح فين يالا!! قال تدلع نوري قال" تحدث بدر الدين بجدية وقد تحولت ملامحه للإنزعاج من كلمات سليم "حاسبي كده معلش يا زينة.. وأنت اياك المحك بقا جنب نورسين للصبح، وياريت كمان شوية ملقاكش لازقلنا" نهض بدر الدين ليضحك سليم بينما انتابت زينة نوبة من الضحك حتى قاربت عيناها على ذرف الدمعات  "لا والله!! عاجبك اوي كلامه؟!" نظر لها بدر الدين بإنزعاج وسوداوتاه تتسائلان عما يضحكها للغاية هكذا بينما اماءت زينة نفياً برأسها يميناً ويساراً "أصل.. أصل.." حاولت التحدث بين ضحكاتها "أنت وسليم عمالين تقولوا هتروحو لنور وهي.. وهي" حاولت تهدئة ضحكاتها "هي نامت من بدري.. لا أنت هتقعد معاها ولا سليم حتى!" أكملت ضحكاتها بينما انفجر سليم ضاحكاً مرة أخرى وتجهمت ملامح بدر الدين  "قريت فيها يا اخويا.. ده أنت عيل رخم جتك نيلة.. تصبحي على خير يا زينة" رمقه بدر الدين بنظرة بغيضة لتصاحب ملامحه المنزعجة ثم توجه ليدلف المنزل بينما توجه سليم ليجلس بجانب زينة وهو يحاول تهدئة ضحكاته "مش ممكن.. خالو لسه لغاية دلوقتي بيغير عليها، لأ ومن مين! منك!" تحدثت زينة بإبتسامة ونبرة تحمل آثار ضحكاتها  "طبعاً يا بنتي وهو بدر الدين يوم ما يغير، هيغير من مين، لازم حد شبهه"  "يا سلام!! أنت مش شبهه بقا خالص" "ومين بقا اللي قالك كده؟!" التفت نحوها لتلتفت زينة لتنظر له وهي عاقدة ساقيها لتجلس القرفصاء  "أنا اللي بقول.. أنت بتضحك كتير اوي من وانت صغير وبتهزر وقريب مننا كلنا و.." "قريب من مين بالظبط؟!" قاطعها وهو يتفحص زرقاوتيها "من سيدرا ونور واخواتي وانا وحتى شاهي وادهم واسما وكمـ.." "يعني انتي شايفة ان انا قريب منك؟" تفحص ملامحها بعناية بعد أن قاطعها وهو متلهفاً أن يستمع لإجابة سؤاله بينما انعقد لسانها فجأة كما أنه رأى محاولتها للإجابة كلما اجتمعتا شفتاها الكرزيتان للتحدث ولكنها تتوقف، يبدو وأن سؤاله لم تكن تتوقعه أبداً!! "اكيد.. يعني انت بردو بتعاملني كويس وبتقرب مني زي اخواتي كلهم وأدهم وأسما" حاولت أن تجيب بحصافة بينما ارتسمت ابتسامة على شفتي سليم ليردف معقباً على اجابتها وعيناه الداكنتان الآن شابهتا عينا بدر الدين تماماً "تفتكري بعاملك زيهم؟" "يعني ايه؟" تعجبت وزرقاوتيها يبحثا بملامحه عن اجابة "يعني.. انتي غيرهم يا زينة.. غيرهم كلهم" ثقبت تلك الداكنتان زرقاوتيها وقد تحولت ملامحه للجدية ولكن دون قسوة أو صلابة "زينة.. أنا اعرفك اكتر من كل اللي حواليا، حتى سيدرا أختي.. أنتي اكبر منها وقضيت معاكي وقت اكتر منها، دايماً كنتي بتيجي هنا في البيت ودايماً كنا بنقعد سوا وحتى لعبنا وضحكنا كان سوا، خروجتنا وسفرياتنا مع بابا وماما.. دايماً كنتي جنبي يا زينة وعمري ما عرفت حد زيك! عشان كده أنتي غير الناس كلها بالنسبالي" همس لها ثم تن*د بينما تعجبت زينة كثيراً لكل ما سمعته. لا تدري ماذا عليها القول ولا بم تخبره!! لأول مرة بحياتها تلاحظ أن هناك أحد يهتم بها بل ويتذكرها هكذا، لم تسمع ما يضاهي تلك الكلمات من اياً مما حولها من قبل.. شردت بزرقاوتيها وهي غارقة في ***ة من تلك الكلمات التي تركت اثراً محبباً على نفسها وبداخلها بل شعرت بأنها تريد أن تهرول لتكتب تلك الكلمات بدفترها الأ**د حتى لا تنسى منها أي حرف.. "ايه روحتي فين؟" سألها سليم هامساً لتلتفت هي اليه لتتفقد ملامحه وتعجبت بداخلها كيف أن عيناه الآن تبدو سوداء وبالصباح عسليتان رائقتان  "مفيش.. أنت فعلاً مش شبه خالو خالص." "ازاي يعني" عقد حاجباه وهو ينظر له نظرة امتلئت بالاستفسار "هو عنيه سودا لكن انت عنيك عسلي" "يعني هو بس الشبه في لون العين؟!" سألها بسخرية "ماشي يا ستي أنا مش شبهه في حاجة.. اروح اطلبلك ايده يعني عشان تتبسطي؟!"  "بس يا سخيف" تحدثت بإنزعاج ثم ضربته بخفة على ذراعه وقبل أن تخفض يدها أمسك بها سليم ثم حدق بزرقاوتيها "بقولك ايه.. سيبك بقا من بدر عشان انا بغير.. ومش هيفرق معايا خالص أنه ابويا" "سليم!! بتغير ايه أنا مش فاهماك يعني تقصد ايه بكلامك ده؟" تعجبت كثيراً لكلمته ليتن*د هو ثم اراح جسده على الأريكة الخشبية الجالسان عليها وشرد بتلك السُحب التي حجبت القمر الساطع خلفها على استيحاء ليستلهم كلماته التالية مما يراه أمامه بينما تعجبت هي أكثر مما يفعله ولصمته ولكنها تفقدت ملامحه فلم ترى سوى جانب وجهه وعنقه التي برز بها ذلك النتوء وذقنه الرجولية التي يبدو وأنه لم يحلقها ليومان ولكنه أ**بته مظهراً جذاباً، وقبل أن تشرد تماماً به آتاها صوته ليفيقها من غفلتها "بغير عشان مش عايز حد يقرب منه اكتر مني وبغير عشان عايز اكون قريب ليكو كلكو أكتر منه" حاول أن يخفي مشاعره بتلك الإجابة لتبتسم زينة ثم تحدثت له "دي أنانية بقا" "يعني أنتي شايفاني أناني؟!" التفت لها مضيقاً تلك الداكنتان وهو ينظر لها ملياً "بصراحة لأ عمري ما شوفتك أناني.. بالع** بقا" "ايه الع** بقا؟!" "يعني.. دايماً افتكر إنك كنت بتجلنا لعب وتفضل تلعب مع الكل وكنت بتحبنا كلنا.." "ياااه.. لسه فاكرة يا زينة؟!" "اكيد فاكرة.. بس ده ميمنعش إنك اتغيرت شوية عن زمان" التف بجلسته ليجلس القرفصاء مثلها وهو يمعن النظر لتلك الملامح التي يعشقها وبدلاً من أن يسألها كيف تغير ود أن يتغلغل بداخل تلك الفتاة أكثر "طب ما احنا كلنا بنتغير.. أنتي مثلاً أكتر حد اتغير فينا من واحنا صغيرين.. ولا شايفة ايه؟!" تفقدها ليرى الإنزعاج بدأ أن ينع** على ملامحها وكادت أن تغير جلستها حتى لا تصبح في مقابلته وجهاً لوجه فأمسك بيدها "استني يا زينة.. مش عايزك تضايقي من كلامي بس كلنا الطبيعي اننا نتغير، وإلا ميبقاش كبرنا!! مش صح كلامي؟!" تركها لتفكر لبرهة ثم نظرت له وكأنها تستمد اجابتها من ملامحه  "أنا اتغيرت، وانتي، واخواتك، وسيدرا وحتى بدر اتغير.. عادي يا زينة انك تتغيري والصح أن كل اللي بيحبك وحواليكي يتعاملوا مع التغيير ده.. لا الحل انك تبعدي ولا الحل ان اللي قدامك ميقبلش، لازم نلاقي حل وسط" تعجبت من تلك الكلمات لتتعجب وهي بداخلها شعرت أنها ضائعة بين تلك الكلمات، فبالرغم من أن كلماته تبدو منطقية إلا أن كلماته أيضاً تبدو كدعوة لشيء ما، أسيبدأ الآن بمحادثتها عن أنها تغيرت عن الماضي ولم تعد تلك الفتاة التي يعرفها وكل ذلك الهراء الذي لا نهاية له؟! لا هي لن تقبل أبداً أن يتحكم بها أحد حتى ولو كان سليم يعد من أفضل الناس بتلك العائلة بأكملها! "بصيلي يا زينة وركزي معايا" افاقها من تلك الأفكار تلك اليد التي تلامس يدها بل وشدت عليها قليلاً لتغرق تلك الزرقة بتلك السودواتان امامها "أنتي حلوة زي ما انتي، بشخصيتك وبضحكك وبلبسك وكل حاجة فيكي حلوة، أنتي واحدة مفيش حد شبهك، مش معنى إنك بعيدتي كام سنة عننا اننا نكون مش بنحبك او نسيناكي، بالع** بقا، أنا مثلاً وبابا وماما وسيدرا واياد وشاهي مبسوطين إنك رجعتي تاني، مش بنتحكم فيكي وبتقولك اقعدي لا! احنا نفسنا ان انتي تقعدي عشان وحشتينا اوي وبقينا مبسوطين لما رجعتي تاني" تفقدها ليرى اثر كلماته عليها بينما هي لا تصدق حقاً أنهم يكترثون لها "ومش معنى اني اتغيرت ابقا بقيت وحش، ما اد*كي اهو شوفتيني في الشركة عامل ازاي ولما روحنا فضلنا نتخانق ده معناه مثلاً انك بتكرهيني؟ او خناقك معايا معناه انك بتتحكمي فيا؟!.. لازم كل واحد يقبل انه اتغير واللي قدامه يتعامل معاه، بس في نفس الوقت محدش يتحكم في التاني ولا يفرض رأيه على التاني.. فهمتي اقصد ايه؟" لبرهة تريثت ثم بالنهاية وجدت نفسها تومأ له بالموافقة على كلماته ليبتسم سليم في هدوء  "التغيير حلو، بس أهم حاجة اوعي تتوهي جواكي من التغيير ده ومتبقيش عارفة نفسك.. اتغيري زي ما تحبي بس اعرفي انتي عايزة ايه.. مش كل حاجة تحصل تتاخد قفش وخناق.. عرفتي قصدي يا زينة؟!" ظل ناظراً لتلك الزرقاوتان اللاتي قد غرقت في الحيرة من امرها ولكن كلماته قد لمست بداخلها اكثر ما كان ولا زال يؤرقها، فهي لا تدري من هي ولا تعرف ماذا تريد حقاً؟!! ولكنها بالنهاية اماءت له بالايجاب "عارفة مع انك اتغيرتي اوي من ساعة ما رجعتي بس ضحكك اللي كان من شوية ده فكرني بزينة وفكرني ببنت عمتي اللي كنت بلعب معاها كل يوم ونفضل سهرانين سوا في اجازة الصيف.. ودلوقتي زينة اللي بتكلم معاها عبارة عن Mix بين الاتنين.. مش مهم أنا شايفك ايه على قد ما هو مهم انك بقيتي انتي، بشخصيتك، بنضجك، بتفكيرك.. أنتي مميزة وغير الكل بس ان كان ليا خاطر عندك حاولي متاخديش كل حاجة على اعصابك، اه اتغيري زي ما تحبي بس بلاش ترجعي كلام كل اللي قدامك انه عايز يتحكم فيكي، لأن انتي بشخصيتك القوية يا زينة تقدري تقولي لأ ببساطة ومتقبليش حاجة مش عايزاها.. بس اهم حاجة انه ميكونش عِند وخلاص" ابتلعت ثم ضيقت ما بين حاجبيها وقد شعرت أن كل تلك الكلمات كثيرة للغاية عليها لتدركها مرة واحدة ليرى هو تلك الحيرة التي وقعت هي فيها "يعني مثلاً.. أنا وانتي في الشغل.. اه يمكن طريقتنا واسلوبنا ع** بعض بس اللي انا شايفه انك بتنعدي وخلاص، حتى مفكرتيش لثواني انك تفهمي اللي قدامك قبل ما ترفضي اسلوبه وطريقته وبتنعدي وبس.. تعالي اقولك على حاجة حلوة.. جربي معايا وانا بنفسي هجرب معاكي، ادي لنفسك فرصة تفهمي اللي قدامك واسلوبه واعرفي كويس انتي عايزة ايه وبعدين ناقشيه فيه بهدوء من غير عِند ونرفزة، وأنا هاعمل زيك بالظبط، وساعتها شوفي الدنيا هتبقا احسن ولا لأ.. اتفقنا؟!" دقق النظر لعينتيها وهي لازالت واقعة ببؤرة صمتها ويبدو أنها تفكر ولكنها ادهشته وهي تقدم يدها له لتصافحه  "اتفقنا" "يعني خلاص دي معاهدة سلام من غير خناق ونرفزة وعصبية؟!" توسعت عيناه وهو ينظر لها لتومأ له بإبتسامة لتقتبس من كلماته "ايوة!! معاهدة سلام!!" "يبقى اتفقنا" قدم يده لها واحتوى يدها بينها وهو يصافحها ليتبادلا الإبتسامة وكلاهما قد نما بداخله شعوراً جديداً للآخر. ******* "يعني أنا عايزة أفهم ايه الهبل والزفت اللي بيحصل ده!! أنت وهو مش كبار.. ازاي سايبين اختكو كده من يوم ما رجعت وهي عند بدر.. ويعني ايه كمان متروحش الشركة واعرف امتى كمان في آخر اليوم!! انتو بتستهبلوا؟" صرخت هديل بكلاً من أروى وعاصم  "أصل يا مامي أنا كنت مشغولة اوي والله، وكنت فاكراها في موقع ولـ.." "فاكراها!! ده انتي بتخمني كمان؟" قاطعتها بينما نظرت لعاصم بحدة "وانت مش اخوها الراجل الكبير، ازاي متبقاش عارف اختك فين؟ وازاي مش فارق معاك انها مش قاعدة معانا في نفس البيت؟" "ماما لو سمحتي اهدي، أنا النهاردة كنت براجع المناقصات اللي هندخلها و.." "مناقصات!! لكن اختك مش مهم تعمل ايه! مش مهم انا قولتلكوا ايه! سايبين طبعاً الهانم بدر يعملها غسيل مخ وسليم بيلعب بيكو ويد*كو شغل ومحدش فيكو فايق لحاجة" قاطعته هديل بعصبية شديدة "فيه ايه يا ماما صوتك جايب اخر الشارع" هنا تدخل اياد "تعالالي يا كبير اخواتك.. اهلاً وسهلاً.. زينة اختك فين يا اياد؟!" نظرت له بحنق بالغ "عند خالي يا ماما وكلنا عارفين الكلام ده" "ومش شايف ان المفروض ده بيتها وتكون في وسط اخواتها ولا كمان مش شايف ان اللي اختك بتعمله ده غلط؟!" هنا زفر اياد في سأم وبدأت العصبية في السيطرة عليه "لا يا ماما مش شايف انها غلط" اجابها بحدة وتقدم نحوها وقرر بداخله أنه لن يصمت بينما نظرت له هديل رافعة احدى حاجبيها "شايف ان ده اكتر حاجة صح لزينة انها تقعد مع حد عارف يتعامل معاها، تيجي البيت هنا تعمل ايه؟ قوليلي؟! تعمل ايه؟ تفضل قاعدة في وسط اخواتها اللي كل واحد منهم في وادي، ولا تقعد مع آسر اللي سافر، ولا تفضل تسمع زعيقك ليها وانتي بتجبريها على كل حاجة مش عايزاها.. سيبيها في حالها بقا حرام عليكي! سيبي كل واحد يعيش زي ما هو عايز" "وكمان ليك عين تعلي صوتك وتقولي حرام عليا!! ده أنت مشوفتش ريحة التربية.. أنت ازاي تتكـ.." "فعلاً مشوفتش ريحة التربية، لأن أبويا اختفى واللي افتكرت عوضنا بغيابه هو كمان مكنش فاضيلنا بسببك، وانتي طول عمرك كنتي بتهتمي بالشغل لا ولسه عايزانا كلنا نكون نسخة منك.. ياريت والله الاقيلي مكان زي زينة ولا الاقي تربية زي اللي هي بتشوفها من خالي ولا أم زي مرات خالي.. صدقيني كان زماني بقيت واحد تاني خالص" التقط اياد انفاسه بعصبية وهو ينظر لها بلوم "أنت قليل الأدب" صرخت هديل بوجه ابنها اياد زاجرة اياه "وهو أنا كنت بعمل كل ده علشان مين؟ مش علشانك أنت واخواتك؟! تيجي دلوقتي تقولي بدر ومراته.. لا ده واضح انك كمان معمولك غسيل دماغ مش هي بس!!" "ايه ده يا جماعة فيه ايه؟" هرولت شاهندة نحو هديل وابناءها وتبعتها اسما  "لو سمحتي متدخليش بيني وبين ولادي، ولا أنتي طول عمرك تحبي تكوني حشرية وبس؟" "ماما لو سمحتي متقوليش لطنط كده!" تحدث اياد قبل أن تتابع شاهندة حديثها مع هديل "لا والله كمان كبرت وبتقولي اعمل ايه ومعملش ايه.. حلو اوي اللي بيحصل ده!" "طب هديل معلش اياً كان اللي بتتكلموا فيه الوقت اتأخر وماما ممكن تقلق لو سمحتي اهدي ومـ.." بالرغم من محاولة شاهندة في تهدئة الأمور وذلك الصراع القائم إلا أنها قاطعتها "ايوة بقا ادخليلي بطقم الحنية.. ماما .. وبدر .. والولاد.. وست شاهندة المضحية الكبرى" "ايه الاسلوب اللي بتتكلمي بيه ده.. لو سمحتي بقا اتكلمي بأسلوب كويس.. ما دام بقا وصلتي للكلام بالطريقة دي أنا مش هاقبل كل ساعة والتانية خناق في البيت، لا صحة ماما تستحمل ولا ولادي عايزاهم يذاكروا ويعيشوا في الجو ده.. بعد اذنك دي تكون آخر مرة تعلي كده فيها صوتك وسط البيت.. ليكي اوض انتي والولاد اتكلموا فيها براحتكوا، واهو بالمرة عشان مبقاش اتحشر في كلامكم" تحدثت شاهندة لأختها بعصبية تحت أنظار الجميع وكادت أن تغادر ليتبعها اياد وهو يعلم جيداً أنها حزنت من تلك الكلمات التي سمعتها وخاصة امام ابنتها "استني بس يا طنط مـ.." "ايوة ايوة.. اجري وراها، ما هو واضح ان بدر وسليم خلاص خلوك شخشيخة في ايديهم، وواضح انهم موصينك كمان على شاهندة.." صاحت هديل ليلتفتا لها  "ايه اللي انتي بتقوليه ده يا هديل، انتي اتجننتي؟!" سألتها في صدمة مما تفوهت به منذ قليل "اتجننت.. لا يا حبيبتي انتي اللي مجنونة من زمان ببدر ومراته وولاده وهو عايز يمشي الدنيا كلها على مزاجه.. لدرجة يا عيني مبقتيش واخدة بالك من اللي بيحصل حواليكي، زمان قلبك الحنين كان هو اللي بيخليكي تحني على بدر انما دلوقتي انتي مش شايفة ولا عارفة اللي بيحصل، ولادي بيحصلهم غسيل دماغ من سليم بيه وبدر الدين باشا علشان كله في الاخر يبقا ليهم وتحت طوعهم، اصحي بقا وفوقي للي بيحصل حواليكي" "انتي ايه اللي انتي بتقوليه ده؟!" توسعت عينا شاهندة وهي لا تصدق اياً مما يسقط على مسامعها "اللي بقوله ان خلاص بقا كل حاجة زادت عن حدها، زمان بدر دخل بيتنا وقبلناه وقولنا اخونا، انما دلوقتي عايز يسيطر هو وسليم على كل تعب وشقى امي وابويا، لا ده بعده، واذا كان هو فاكركوا نايمين فانا صحياله وفايقاله اوي.. هو نسي نفسه ولا نسي بسببه عيشنا في قرف بسبب امه ولا ايه.. لو كان ناسي ممكن افكره بكل الـ.." "اخرسي يا هديل!! انتي اتجننتي" صرخت شاهندة بها "انتي بتتكلمي عن اخونا الكبير، اخونا اللي فضل طول عمره بيحارب علشانا، انتي نسيتي كان بيدافع عننا ازاي؟ نسيتي وقفته جنبك وانتي كنتي نايمة في بحر العسل نوم وفوقتي على اللي عمله كريم ولا افكرك؟! اياكي اسمعك تجيبي سيرته بالاسلوب ده، والكلام اللي قولتيه ده اياكي تكرريه تاني.. سمعاني ولا لأ؟!" تبادلت كلتاهما النظرات بينما أسما وكذلك ابناء هديل لم يفهم أياً منهم ما تحدثت به شاهندة ووقع الجميع بالحيرة بينما رمقت شاهندة هديل بنظرات أقرب للإستحقار لتلتفت مغادرة اياها وتبعها اياد بعد أن نظر لوالدته وهو لا يصدق أنها تفعل ما تفعله لتنضم اليهما أسما وتركوها بصحبة عاصم وأروى ثم غادروا للأعلى. ******* دلفت أسفل الأغطية على سريرها وهي تُمسك بدفترها الأ**د لتتن*د وثغرها يعتليه الإبتسامة وتشعر وكأن كل ما مر عليها اليوم من أحداث كثيراً عليها.. هل الأحداث هي الكثيرة أم تلك السعادة التي تشعر بها هي الكثيرة؟! لا تدري حقاً ولكنها ودت من طيات قلبها لو أن تستمر هذه السعادة إلي الأبد.. "أتدري أ**دي، أنا سعيدة، سعيدة للغاية، سعيدة لدرجة أنني أُفكر بإحتضانك قبل أن أقص عليك كل ما حدث اليوم، منذ الوهلة الأولى التي قرر جفناي ترك النوم والإستيقاظ إلي خمسة عشر دقيقة فاتت.. لا أدري من أين أبدأ ولكنه كان يوماً مفعماً بالعديد من الأشياء السعيدة، حسناً عليّ أن أن أكمل حديثي عن سليم ولكن لنتركه للنهاية لأنه أصبح بالنسبة لي لغزاً لا أستطيع تبينه.. لقد ذهبت صباح اليوم بصحبة زوجة خالي نورسين وابنتها وخالتي شاهندة، أتدري أين ذهبت معهم؟ أتدري ماذا كنت أفعل؟ حسناً.. فلتعدني أنك لن تضحك ولن أرى أي سخرية من سطورك الفارغة عنما أخبرك عن تفاصيل يومي.. لقد اتفقنا ولقد وعدتني، أعمل أنك لن تسخر مني.. حسناً.. لقد .. ذهبت .. للتسوق!!  أعلم أنك لا تصدق مثلي تماماً.. ربما تظن أنني مريضة أو أهذي للإعتراف بذلك ولكن لأول مرة أشعر وكأنني فتاة طبيعية، تمرح وتبتاع الملابس الملونة وتضحك وتمزح مع الجميع..  لن أكذب هذه المرة، لقد أشتقت لضحكاتي، أشتقت لرؤية الحياة بشكل مختلف قليلاً، لا زلت كما أنا بنفس تساؤلاتي وتعجبي من نفسي ولكنني لأول مرة منذ فترة كبيرة وأشعر وكأنما أريد الحياة، أريد البقاء هنا لوقت أكثر.. يبدو أنني تسرعت قليلاً بإتخاذ قرار السفر والعودة مجدداً لألمانيا نهاية هذا الشهر، لا أدري، ربما لو فقط عشت يوماً مثل هذا لكانت أفكاري تغيرت.. والآن حاول أن تُهمل تلك التنهيدة العميقة التي استمعت لها واعطيني كامل تركيزك، لدي سؤال لك، لا تقلق، لن أسألك هذه المرة من أنا ولن أسألك ماذا أريد، لدي هذه المرة سؤال جديد للغاية.. بم أشعر تجاه سليم؟! ممم.. إنه ابن خالي، لقد تحدثت لك عنه من قبل ولكن اراه تلك الأيام بمنظور مختلف، أرى كل شيء به وكأنني تعرفت عليه مؤخراً وليس منذ سنوات سحيقة، ملامحه أصبحت تجذبني بشدة!! ا****ة! أهذا اعتراف مني بأنني منجذبة له؟!  حسناً.. لنعترف بالحقيقة.. هو جذاب وقد يجذب أي فتاة يريدها ولكن هل هو منجذب لي؟! أقصد أيشعر مثلما أشعر أنا؟ أم أنه يعاملني مثلما يعامل الجميع؟! لا أظن، ليتك كنت معي عندما تحدث لي من قليل وأخبرني أنني غير الجميع بالنسبة له.. انتبه لي عزيزي الأ**د وأرجوك أن تتجاهل تلك التنهيدات وتلك الكلمات التي ارتعشت بها يديّ.. أنا أشعر بالتوتر الآن فتحملني أرجوك.. سليم منذ الصباح وهو يعاملني بطريقة جديدة، أشعر بإهتمامه، لربما أرى مشاعره، أكاد أقسم لك أنه يشعر تجاهي بشيء، ولكن أتدري عندما أنظر لطريقته مع الجميع أرى أنه يهتم بجميعنا، لا يهمل أحد أبداً.. لا أدري ماذا يريده، ولكن الأهم بمّ أشعر أنا تجاهه؟ يبدو وكأنني لدي المزي لأخبرك عه الفترة القادمة، بل أنني عقدت معاهدة سلام معه!! لا تقلق.. الآتي بين طيات صفحاتك سيكون أفضل من تلك الصفحات السابقة.. أنا أشعر بذلك.. انتظرني يا أ**دي وسأخبرك بالمزيد والآن دعني حتى أنام.. سعيدة.. دون بكاء.. دون حزن.. دون وجع.. ليلة سعيدة عزيزي.." ******* عرف أنه ستتوقف قدماه اليوم هنا، سيدلف من تلك البوابة وحتى وإن لم ينطق بها ولكن تلك البنيتان ستبحث عن إجابة بوجه أبيه، لن يكون سهلا أبدا عليه أن يصرخ بوجه ويقول له أين كنت؟ لن يستطيع أن يسأله لماذا لا نملك ذكريات مثل أي شاب وأبيه؟ تلك البؤرة السوداء بداخله لن تستطيع الصياح بنبرة باكية حتى تسأله لماذا لا نملك علاقة مثل تلك العلاقة بين بدر الدين وابنه؟ علم أن ما رآه سيؤثر حتما عليه، علم أنه سيأتي مهرولا حتى يبحث عن إجابات، ولكن أنّى له هذا وهو الذي تؤلمه كرامته بشدة وتتعالى الأنفة التي بداخله حتى يُعبر عما يشعر به.. لا لن تصبح حياته وكل ما يشعر به بتلك السهولة، لن يتغير شهاب الدمنهوري أبداً.. سيظل ذلك الرجل الذي يكرهه هو نفسه قبل الجميع وسيظل ملتاعاً من كل ما يشعر به ولن يريه للنور أبداً وسيكتمه بين طيات سواده الذي يكتظ به داخل نفسه.. ترجل من السيارة دالفا من بوابة ذلك البناء الضخم للغاية وهو أقل ما يُقال عليه أن قصرا باهرا.. ابتسم متهكما لثانية واحدة.. قصر الدمنهوري.. يا له من اسم يليق بأن يكن كنية عظيمة لعائلة عريقة.. ذلك القصر المُشيد بأجود مواد البناء وأشرف عليه أفضل مهندسي البلدة وتلك الأموال التي تصرخ من كل جانب منه بداية بأرضه الرخامية التي صُرفت عليها الملايين ونهاية بتلك الأسقف الشاهقة التي صممها والده خصيصا فلقد توقف الجميع عن بناءها الآن.. كل تلك الفخامة، تلك المساحة الشاسعة، التماثيل المنحوته، الحدائق التي تليق بأن تصبح محمية طبيعية، مرأب السيارات الذي يعج بأغلى سيارات في العالم بل هناك نسختان من سيارات نادرة لم يصنع منها سوى نسخ محدودة فقط في العالم بأكمله.. عظيم .. كل ما تقع عليه عينه يتصف بالعظمة ولكن أين هي العائلة؟! أين تلك العائلة التي تحمل اسم الدمنهوري.. لا عائلة، لا أحد.. فقط هو ووالده والعاملون بذلك القصر الضخم.. ليس إلا.. سخر من كل ما وقعت عيناه عليه ودلف من تلك البوابة ليلمح عنايات، إمرأة في آواخر الأربعينات من عمرها، مديرة منزل والده وكالعادة توجهت نحوه بإبتسامة رسمية فهي لم تلتحق بهذا القصر سوى منذ عشر سنوات، منذ أن التحقا بتلك الطبقة المخملية، منذ أن اكتظت حسباتهم البنكية وصرخت بالأموال الطائلة، أو للتوضيح، منذ أن أصبح شهاب الدمنهوري من أكبر تجار الممنوعات..  "مساء الخير يا شهاب بيه.. حضرتك تحب أبلغهم يحضرولك العشا؟" سألته برسمية ليومأ لها بالإنكار ثم سألها "كرم بيه فين؟!"  "في اوضة مكتبه حضرتك" "قهوة بعد اذنك.. هتلاقيني معاه" أخبرها ثم توجه نحو غرفة مكتب والده وطرق الباب طرقه خفيفة ثم ولج بعدها مباشرة لتتهلل ملامح ابيه عندما رآه "شهاب.. يااه.. شكلك ناوي على بيات معايا النهاردة.. عامل ايه يا حبيبي؟" "تمام.. أنت ايه اخبارك؟!"  "والله يا ابني مكدبش عليك.. أنت عارف الضغط والسكر مبهدلني ودلوقتي كمان مبقتش أقدر ادوس على رجلي.. والخشونة مبقتش تخليني أقدر اتحرك.. شكلها كده خلاص يا شهاب.. مش هيبقا فيه كرم الدمنهوري تاني" "بعد الشر" عقد حاجباه وبدت نبرته قاسية جامدة فارغة من اي مشاعر تذكر بالرغم من أنه بداخله لا يطيق فكرة أن يفارقه والده بعدما هدأت حياتهما نسبياً.. بعدما أصبح بجانبه.. "عارف.. أنا حاسس إن أنا في آخر أيامي يا شهاب.. حقك عليا.. أنا اخدتني الدنيا وما فيها.. حققت حلمي إني أكبر ويبقى عندي أكبر سلسلة مشاريع مباني في البلد.. كان نفسي نبقا عيلة كبيرة.. كان نفسي نكون أسرة كبيرة بس ده مقدرتش أحققه.. كان نفسي دلوقتي يكون جنبي أمال.. كان نفسي أخلف منها بدل الواحد خمسة.. بس هي اللي اختارت، وأنا في حياتي كلها مقدرتش ابص لست تانية، مقدرتش اتخيل إن ست تانية بدالها تشيل اسمي.. يالا ربنا يوفقها في حياتها ويباركلها في اولادها" نهض شهاب وهو يستمع لتلك الكلمات من والده موجهاً له ظهره، واخذ يطبق على أسنانه بشدة حتى اوشك على تحطيمها، لا يريد أن يتحدث بمثل ذلك الأمر الآن، لماذا عليه أن يذكره بأول جراحه في تلك الحياة؟ لماذا يتحدث بذلك الآن؟ "محاولتش صحيح تشوفهم يا شهاب ولو مرة واحدة؟!" تابع كرم الحديث  "لا ومش هحاول ومتجيبش سيرة الموضوع ده تاني.." أخبره بنبرة لا تحتمل النقاش "طب معرفتش حاجة لسه عن كريم؟" حاول أن يغير مجرى الحديث ليزفر شهاب بحنق "لا لسه معرفش"  "طيب عشان خاطري يا ابني أنا عايز أعرف ولاده وأشوفهم قبل ما أموت.. حاول تخليهم يجوا يقعدوا معايا شوية.. لغاية ما نوصله.. حتى احس ان ليا حد في الدنيا دي يعرفني" "طيب.. هحاول حاضر" اجابه بإقتضاب لاذع "أنا عندي شوية شغل هاروح اكملهم في اوضتي.. محتاج مني حاجة؟!" لم ينظر لوالده فهو لن يستطيع تحمل المزيد من الآلام والأوجاع اليوم! "لا يا حبيبي.. تصبح على خير" "وأنت من أهله"  توجه مسرعا للخارج وهو يكاد ينفجر من كثرة تلك الآلام التي تنهش به من الداخل حتى أنه لم ينتبه لعنايات التي كانت تحمل قهوته وكاد أن يصطدم بها ولكن صوتها أفاقه وأنتشله من أفكاره الموجعة قبل أن تُسكب الصينية بأكملها أرضاً "أنا آسفة يا شهاب بيه مكـ.." "حصل خير" قاطعها مسرعاً ثم أمسك بفنجان قهوته وغادر على عجل وهو يلتهم درجات ذلك السُلم العملاق بسرعة شديدة وكأنه يريد الإختفاء بعيداً عن الجميع! دلف غرفته صافعاً الباب خلفه بشدة ليلمح وجهه الذي يكرهه بشدة في احدى المرايات العملاقة بغرفته ولم يكن منه سوى أنه القى بالفنجان بتلك المرآة وتوجه على عجل لشرفة غرفته على تلك البرودة بالجو تهدأ قليلاً من ذلك الإحتراق المدوي بداخله.. لماذا عليه أن يتذكر كل ذلك؟ لماذا هذا الحرمان الذي يعاني منه منذ الصغر؟ لماذا لا يوجد أحد بجانبه؟ لماذا عليه أن يحترق وحده؟ لماذا رأى ذلك المسمى بسليم ينعم بتلك الحياة مع والده وهو لا؟ لماذا لا يملك حياة عادلة؟ لماذا عليه أن يعاني من كل ذلك الحقد وحده؟ شعر وكأنه سينفجر حتماً لا محالة، عليه أن يفجر هذا بشيء ما.. نعم!! عليه أن يُحضر سلمى الآن بأية طريقة.. أخرج هاتفه من جيبه ليرسل لها برسالة قصيرة بيد ترتجف غضباً ثم ذهب مسرعاً للمرأب حتى يلتقي بها، لا يستطيع التحمل أكثر من هذا، كل تلك الآلام وذلك الحقد المستعر بداخله عليه أن يصبه بداخلها..  ******* "طب وفيها ايه يا حبيبتي لما نرجع بيتنا مش فاهم؟" تحدث سيف لهديل متعجباً "مينفعش يا سيف.. ازاي هاسيب ابن بدر هنا في البيت لوحده.. مش لازم نعرفه الأول؟" اجابت هديل دون الأخذ في الاعتبار تلك الكلمات التي انسابت مباشرة من عقلها. "لوحده! ازاي وبدر ومراته وماما وشاهندة وجوزها موجودين.. ممكن نقضي معاهم اليوم وبعدين نسلم ونروح بيتنا.." "ايه.. انا اقصد يعني نطول في القاعدة كام يوم عشان ميحسش انه وحيد وان ليه قرايب وكده.. انت عارف ان الولد عمره ما قعد معانا عشان كده مش عايزة امشي بسرعه المرادي" استطاعت بسهولة ارتجال تلك الإجابة ولكنها لم تفصح عما يدور بخلدها "خلاص يا حبيبتي اللي تشوفيه.. نقعد اسبوع كمان وماله ميجراش حاجة" ▇▆▅▄▃▄▅▆▇ نظرت لذلك الفتى الصغير الذي شابه والده للغاية؛ مجيئه اليوم يذكرها عن تلك القصص التي لطالما قصتها والدتها عليها عن ذلك اليوم الذي دلف به بدر الدين منزلهم.. ولكن تقارنهم.. بدر الدين كان يشعر بالرعب وفقاً لما قصته عليها والدتها اما ذلك الفتى الذي قد سبق عمره بتلك الطريقة التي يتحدث بها وتلك الضحكات بل وأحيانا ردوده الدبلوماسية تجعلها تندهش وما يجعلها تجن هو مرض والدته الذي يتعامل معه بمنتهى العقلانية وبنفس الوقت تشعر بالخوف ما أن استمر هذا الفتى بتلك الطريقة فسيصبح أولادها دون فرصة تُذكر بلا محالة.. من أين هذا الفتى؟ بين يوم وليلة يُصبح لبدر الدين نجلاً في التاسعة من عمره! هذا ما لم تتخيله يوماً ولم يكن في حسبانها ابدا.. أن يكون الحفيد الاول الذكر البكر لوالديها هو ابن بدر الدين وليس ابنها! ولكن لترى؛ لربما ستتبخر كل تلك المخاوف مع الوقت وكل ما تشعر به من خوف مجرد خيال ليس إلا! ▇▆▅▄▃▄▅▆▇ "بصراحة يا جماعة انا كده خلاص.. اتطمنت على الشغل بما فيه الكفاية، واظن سليم دلوقتي يقدر بسهولة يشيل المسئولية وانا اكيد هاكون معاه لو احتاجني في حاجة، وطبعاً بعد مني شاهندة وحمزة وهديل وسيف وزياد كلكم موجودين.. عشان كده قررت اني هتنازل عن منصب رئيس مجلس ادارة المجموعة لسليم؛ وهو بقا عليه يعلم ولاد عماته بعده" تحدث بدر الدين لتبتلع هديل في صدمة شديدة وجف حلقها بينما بدأ الجميع في التجاوب معه وكأنما ما فعله شيئاً عاديا للغاية بل وكأنه أمراً يسعدهم. "ايوة بقا عشان تفوق للبنات.. ماشي يا سيدي" اخبرته شاهندة بإبتسامة مرحة "بصراحة سليم شاطر اوي يا بدر؛ وأنا دايماً كنت بستعجب من وهو صغير كان بيفضل يراقب كل كبيرة وصغيرة لغاية ما بقا بيقول آراء كويسة جداً.. أنا شايف انه قرار كويس جداً بصراحة" أخبره حمزة وامتلئت نبرته تأييداً لكلمات بدر الدين "هو سليم فعلاً حد عاقل جداً وبيعرف يوازن الأمور.. وكمان عشان تخصصه هندسة هيعرف كمان ياخد باله من المواقع واظنه شرب الإدارة من المنبع نفسه" هنا ضحك الجميع بعدما أدركوا ان سيف قد قام بإطراء بدر الدين لتوه بينما سيطر الوجوم على وجه هديل "يعني بردو كده حبيب تيتا مش هشوفه خالص.. من الجامعة للشغل؛ طب استنى بس يخلص جامعة مش كده بقا؛ عايزين تحرموني منه؟" تحدثت نجوى بنبرة امتلئت حزناً "يا أمي متقلقيش، انتي عارفة سليم مهما كان مشغول استحالة ينسى حد مننا؛ وانتي عارفة إنك بالنسباله حاجة كبيرة؛ ده مش بعيد يسيب الشغل ويجيلك" أخبرها بدر الدين بينما تن*دت هي "يالا.. ربنا يوفقه" تكلمت هديل بإبتسامة سمجة وكانت مقتضبة للغاية بينما هي حقاً لم تقصد تلك الكلمات بحذافيرها بل ودت الع** تماماً. ▇▆▅▄▃▄▅▆▇ "يعني ايه مش عايزك تنزلي شغل مكاني؟ اتجنن في دماغه ده ولا ايه؟" صاحت هديل سائلة بحنق بالغ "بيقول لازم اتدرب الأول.. أنا مش فاهماه بجد" اجابتها أروى ابنتها متمتمة بنبرة امتلئت اعتراضاً "نسي نفسه ولا ايه ابن امبارح.. ما هو كان ماسك مكان بدر وهو في سنك.. ولا اتدرب ولا هباب.. هيعمل علينا كبير َلا ايه ابن بدر وليلى!" تعالت أنفاسها غضباً "معرفش بقا يا مامي.. بس بصي هو بيقول انه نزل كتير مع باباه الشغل واتعلم.. أنا شايغة ان احسن حل اروح الفترة الجاية معاكي لغاية ميبقالوش حجة" "هيمشينا على مزاجه ولا ايه.. أنا هعرفه ان مـ.. " "استني بس يا مامي.. " قاطعتها بهدوء "حضرتك كده ممكن تعملي مشكلة والموضوع يكبر؛ وبعدين بردو مهما اتدربت استحالة حد يعرفني كل كبيرة وصغيرة غير حضرتك.. يبقا احسن حاجة اني اكون معاكي.. وكمان مش هيكون حد غريب معايا وحتى لو غلطت في حاجة حضرتك هتعرفيني الصح أول بأول.. صدقيني كده احسن!" حاولت اقناعها بتلك الكلمات "ماشي يا أروى.. بس دي أول وآخر مرة تسيبيه هو لا بدر يتحكموا فيكي كده ويمشوا رأيهم" تحدثت بإقتضاب "حاضر يا مامي.." ▇▆▅▄▃▄▅▆▇ دلفت غرفتها وهي في ذروة غضبها.. ماذا تظن نفسها تلك الفتاة المدللة من قِبل الجميع؟ أتظن أنها ستدعها تُفسد ذلك المستقبل الذي رسمته لها ولأولادها منذ سنوات؟ ظلت تأخذ خطوات واسعة بالغرفة مجيئاً وذهاباً ولولا أن سيف حال بينها وبين زينة الآن لكادت أن تدمرها بغضبها تماماً.. هي لا تريد العلاقة بينهما بتلك الطريقة.. لا تريد أن تصل الأمور لذلك؛ ولكن هي لا تنظر بعيداً أبداً.. زينة ليست أروى! ألا تدري أن بتخصصها بمجال الهندسة ستكون بعد سنوات نداً لسليم؟ ألا ترى أنها ستخلف سيف يوماً ما عندما يتقاعد! كانت تلك الفرصة الوحيدة امامها حتى يتخصص احدى ابناءها بنفس تخصص سليم.. زينة هي أصغرهم، الوحيدة التي لازالت أمامها الفرصة بأن تدرس هذا المجال.. لابد لها أن تلتحق بالهندسة خاصة وهو الآن من يتحكم بكل شيء.. مثل والده تماماً! ▇▆▅▄▃▄▅▆▇ تذكرت كل تلك المواقف، كل تلك الذكريات غير المحببة، شعرت بحرقة الغضب، إلي متى سيظل بدر الدين هو محرك الترس الرئيسي لهذه العائلة؟ إلي متى سيظل الجميع يعاملونه هو وابنه كمن لهم الحق بكل شيء؟ ألا يكفي تقبل أمهم له وتربيته ومعاملته مثلم، لا بل أفضل منهم جميعاً؟ ألا يكفي كل تلك السنوات الفائتة عندما كان الجميع رهن إشارة منه؟ ألا يكفيه التحكم بكل ما يملكون تلك السنوات الفائتة؟ لقد زاد كل ذلك عن تحملها.. لن تترك له كل ذلك بسهولة.. أليس هذا هو حقها؟ أليست هي والدتها من أعانت والدها على بناء تلك الشركة مجدداً بعدما أخذت وفاء والدة بدر الدين كل شيء؟ هذا حقها هي وأولادها، نعم حقها، شاهندة لا تكترث، زياد سعيد للغاية بإدارته فروع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ماذا عنها هي وأولادها؟ أسيظل بدر الدين وبعده ابنه يتحكمون بحقها؟ إلي متى؟ أيظنون أنهم محور هذا الكون بأكمله أم ماذا؟ لا، لن تتركهم ليتمادوا، لن تفعلها، لن تترك لهم الفرصة بإستمرارهم في استقطاب زينة وإياد نحوهم بهذه السهولة.. سيرى الجميع من هي هديل، وحقها ذلك لابد وأن يعود لها مرة أخرى.. ******* مطلع يوليو 2018 وقف شارداً في ذلك الهواء البارد بشرفة غرفته مرتدياً احدى القمصان البيضاء دون إغلاق أياً من أزرارها وص*ره يعلو ويهبط بإنتظام وبالرغم من أن عيناه مفتوحتان إلا أنه لا يرى سواها أمام عيناه، لا يرى سوى تلك الأعين الزرقاء وهي تنظر له تارة بغضب وتارة بإمتنان وأخرى بحزن ومنذ قليل بسعادة وتردد..  يُعيد بمخيلته كل ثانية مرت عليه بصحبة زينة منذ أن عادت حتى منذ نصف ساعة ماضية، تذكر كل ابتسامة ارتسمت على شفاهها، كل نظرة من زرقاواتيها.. تصرفاتها وتحركاتها.. كل ذكرى مرت عليهما معاً بتلك الأيام المنصرمة.. امتلئ سعادة بالغة وهو يشعر بتحسنها معه، بإقترابه مجدداً مرة ثانية معها.. الليلة تأكد أن زينة التي لطالما وقع بحبها لا زالت موجودة بمكان ما.. كم يتمنى لو فقط يستطيع أن يعدو ذاهباً لغرفتها حتى يوقظها وتصبح زوجته الآن.. ود لو ذهب لها وأخبرها كم هو متيماً بعشقها منذ الصغر، يريد أن يصرخ متألماً من عشقها، من تلك المرات التي تهاوت بها دموعها أمامه، يشعر بالوجع كلما مرّ رجل آخر بجانبها، لو فقط ترى تلك النيران وهي تتآكله طوال السنوات الماضية بمجرد أن يُفكر بأن ربما هناك لها أصدقاء رجال وزملاء.. لو تدري كم مرة حسد كل من يحيط بها وهو لا!!  تن*د موصداً عيناه مطلقاً زفيراً براحة مطلقة، لقد أشتاق إليها، يعلم أنها سافرت فقط منذ ما يزيد عن شهرين ولكن لم يعد يتحمل الإبتعاد عنها أكثر من ذلك.. تذكر معاهدة السلام تلك التي اتفقا عليها منذ ذلك الوقت لتلين شفتاه بإبتسامة ملتاعة لرؤية زرقة البحور بعينيها وهو يعيد تذكر تلك الذكريات التي جمعتهما منذ أن تغيرت طريقتها معه.. قضاؤهم أفضل الأوقات سوياً بالعمل، انتظارها مغادرة الجميع حتى تنظر له بأعين متسعة وهي تخبره بأنها لا تدري كيف تتصرف ببعض الأمور، انصاتها له بعناية وهو يخبرها كيف تتعامل مع المواقف بل والجميع.. يشعر بسعادة طاغية عندما كانا يقضيان الوقت بمفردهما حتى وقت متأخر بالشركة والمواقع لتعرض عليه تفاصيل العمل.. حسناً.. لقد كانت بالنسبة له غير الجميع.. لطالما كانت مميزة بالنسبة له.. لقد **ر بعض القواعد لأجلها، فهي من تناديه دون ألقاب عندما يصبحا بمفردهما.. هي الوحيدة التي يذهب المواقع من أجلها حتى يحظى ببضعة ساعات معها ليتناولا الغذاء أو العشاء سوياً.. لقد أشتاق لتلك اللحظات معها، أشتاق لمزاحها، لصوت تلك القهقهات الرقيقة التي تطرب أذناه، يريد أن يرى تلك الكرزيتان تنف*جا لتكشفا عن أجمل ابتسامة رآها بحياته.. لم يعد يطيق الإنتظار أكثر.. أمسك بهاتفه وعلم جيداً ما توجب عليه فعله.. "ايه يا عم.. صاحي ليه لغاية دلوقتي؟" ناداه بدر الدين عندما لاحظه لا زال بغرفة المكتب بمنزلهما لهذا الوقت "وحشتني أوي يا بدر.." رفع نظره لوالده ثم همس متن*داً "جرا ايه يا وحش.. ده يا دوبك لسه مسافرة من شهرين وشوية.. لا اجمد، ده لسه مش هتيجي غدلوقتي خالص" اقترب نحوه بإبتسامة عذبة "الحب بهدلة يا اخويا.. فوق بقا عشان لسه عندك هم ما يتلم"  "هم ايه بس يا ساتر يارب.. ايه اللي حصل تاني؟"عقد سليم حاجباه ناظراً لبدر الدين بإهتمام "ولا أعرف.. أنت يا أخويا اللي شغلت نفوخك وقعدت تقولي شهاب وراه بلاوي وبتاع واكيد فيه حاجة بينه وبين ميرال.. أنت اللي المفروض تعرفني وصلت لإيه معاها.. ده فات شهر بحاله وأنت محلك سر" هز كتفاه ليومأ له سليم في تفهم "بصراحة أنا مقبلتهاش غير مرتين تلاتة ودايماً واحد فينا مشغول ومبلحقش اكلمها عن الزفت ده، وأنا كنت بشغل زينة دايماً وبقضي معاها وقتها قبل ما تسافر وما صدقت اقتنعت انها تتعلم الأول قبل اي حاجة.." "وبعدين يا حنين.. ناوي على ايه؟!" اسند بدر الدين ذقنه على كفه وهو ينظر لإبنه بشماتة ليتآفف سليم من مزاح والده  "متقلقش.. هاعرف كل حاجة عنه.. بس لما ارجع من السفر" "سفر!!" تعجب بدر الدين رافعاً حاجباه في دهشة "على فين العزم؟!"  "أنا رايحلها يا بابا.. مش هاستنى لغاية ما تيجي.. كمان متنساش، زينة عيد ميلادها كمان يومين" "مممم.. مش قولت الحب بهدلة" تن*د له وهو يخبره في مزاح ليرمقه سليم في ضيق "بس فكرة حلوة.. روحلها ياض وابسطها.. بس إياك ترجع متخانق معاها وبوزك شبرين" غمز له ليبتسم له سليم بعدما تأكد من تأييد والده لقراره  "عيب عليك يا كبير.. ده أنا ابنك بردو" غمز له هو الآخر "يا عم اتهد بقا.. ده أمك عرفتها شهرين وهوب اتجوزتها.. ايش جاب لجاب!!" تحدث بغرور  "ماشي يا عم.. خليك معايا بقا كده والنبي واسمع البرنامج الجاي ده وقولي هتتبسط باللي هاعملهلها ولا لأ.." "قول يا حنين قول.. اما نشوف اخرة حنيتك دي ايه" "هاقولك.." *******
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD