الفصل الرابع

6245 Words
"ازيك يا شهاب!" تفقده سليم بتلك النظرة العميقة التي يدرك شهاب جيدا أنها لا تُعبر عن ولعه به بل النقيض تماما؛ تلك النظرة التي سُلطت نحو بنيتاه لم تعبر سوى عن الإنزعاج الخالص. "تمام" اجابه بمنتهى الحصافة فهو له منتهى الحق بأن يجيبه بأسمه مثلما ناداه الأول، ولكن ترك ذلك جانبا حتى يتبين تلك الشخصية التي يبدو وأنه سيتعامل معها كثيرا الأيام المقبلة القادمة وصافح يد سليم التي قدمها له ليظهر إياد من خلفه الذي عقد حاجباه متعجبا من وجود شهاب. "ازيك عامل ايه؟!" ابتسم إياد بإبتسامته المعهودة التي تدل على هدوئه وصافحه ليفعل شهاب أيضا "تمام.. بخير" اجاب مجدداً بإقتضاب ثم تلاقت بنيتاه الثاقبتان بتلك الزرقاوتان المستفسرة عنه، فذلك التساؤل الذي أنهال منهما قد راقه لبرهة. عم الصمت الغريب المكان بملامح شهاب الجامدة، وملامح زينة المتسائلة، أمّا عن سليم وإياد فكلاهما لم يحبذا ظهور شهاب المفاجئ هذا أبداً ولكن بالرغم من ذلك سليلا تلك العائلة التي تشتهر بحسن السمعة واللباقة لن يكونا فظان أبدا وخاصةً إياد الذي استقبل عزاء والده من ابن عمه شهاب منذ أيام فتوجب عليه أن يعامله بأسلوب لائق، على الأقل إلي الآن. "اتفضل اقعد معانا" ابتسم له إياد بإبتسامته الرجولية الهادئة التي تدل على النُبل الشديد ليومأ له شهاب وتوجه جميعهم نحو البقية ليجلسوا معهم وقد اشتدت ملامح أروى التي شاهدت شهاب من على بُعد يتوجه نحوهم فهي الوحيدة من بين الجالسين من التقت به من قبل. "مين ده يا سليم؟!" همست زينة في خفوت حتى لا تظهر بمظهر الجاهلة أمامه فهي قد رآت كيف تعامل معه أخيها البكر بل ودعاه للجلوس بينهم أيضا. "شهاب الدمنهوري" أطبق أسنانه وهو يحاول أن يتحكم بملامحه التي تتحول للإنزعاج تلقائيا كلما رآه بينما ابتلعت زينة وأطرقت بنظرها في الأرض في شرود لتفكر أن هذا الأسم مثل أسمها هي وقد  "ابن عمك" همس سليم مقاطعا تفكيرها حتى ينهي تلك الحيرة الواضحة على تقاسيم وجهها وما إن توجهت هي للجلوس بنفس شرودها حتى جلس سليم بجانبها وعم الصمت الأجواء. "أهلا ازيك يا شهاب عامل ايه؟!" هنا تكلمت أروى وهى تنظر له بعد أن جلست بإستقامة وغرور لتع** أحدى ساقيها على الأخرى وعقدت ذراعيها "تمام.." نظر لها يتفقدها وابتسم بداخله كثيرا فهي بدت كتلك الفتيات اللواتي يُعذبن بغرفة نومه حتى يفقدا القدرة على التنفس بينما تجول بنظراته المتفحصة بينهما بين طيات هذا السكوت  "متعرفناش يعني؟!" تفقد كلا من أدهم وسيدرا وكذلك آسر ثم بالنهاية سلط نظره نحو زينة التي تعجب لطريقة جلوسها وشرودها بل وهدوءها الذي ظهر زائدا عن الحد. "زينة.. بنت عمتي هديل.. الصغيرة" جاوب عنها سليم لتنظر له بزرقاوتين اتقتدا انفعالا بنيران غضبها فهي لا تترك لأحد الفرصة أن يسيطر عليها أمام الناس وهي تذكر نفسها بأن لها لسان تستطيع التحدث به. "غريبة يعني مشوفتهاش في الإجتماع" لانت شفتاه بإبتسامة غريبة لا تُفصح سوى عن السخرية التي لم يعلم سليم ما سببها لينظر هو له بإبتسامة أكبر "لسه بتدرس و.." "ازيك عامل ايه؟!"  نهضت متحدثة لتقاطع حديث سليم بينما مدت يدها لتصافح شهاب بإبتسامة تعجب لها الجميع ليشعر سليم وكأنما سُكب عليه بحرا متجمدا، وشعرت زينة هنا بأنها قد أخذت الدفة وهي من يتحكم بلسانها وليس سواها، أمّا عن تلك البنيتين المتفحصتين اللتين اشتعلتا بالحماس فجأة فقد أدركت بمنتهى السهولة أن زينة مختلفة عن الجميع، يبدو أن تلك الفتاة هي من تستطيع التحكم بسليم دون أن يرفض هو ذلك بعد تلك الشخصية المه***ة التي التقى بها في ذلك الإجتماع منذ أيام! "تمام"  ابتسم لها ولكن ليس بإقتضاب مثلما يفعل مع الجميع ولكنه فعلها عن قصد ليس لأجل تلك الفتاة التي تصافحه وتلامس يده ولا ليس عن قصد أن تفتتن به بل من أجل أن يقرأ ذلك التعبير على ملامح سليم!! نعم لقد كان محقاً، تلك النظرة القاتمة التي اندلعت بعينيه وذلك الإنزعاج الذي تملك من ملامحه ما إن لامس يد زينة وابتسم لها لابد وأن خلفها شيئاً ما. "أدهم.. ابن عمة سليم، أو ابن خالة إياد.. اللي تشوفه بقا"  ابتسم كالعادة ابتسامته التي تضفي على ملامحه الوسامة والطيبة بآن واحد بعد أن نهض وصافحه ليومأ له شهاب ثم تبعته سيدرا بينما عادت زينة لمقعدها بالقرب من سليم "سيدرا.. أخت سليم الصغير وآخر العنقود في العيلة دي" ابتسمت له ابتسامتها البارقة التي تضفي بريقا لزرقاوتيها بينما أقترب آسر منه ليصافحه هو الآخر "آسر.. ابن عمك.. فينك يا راجل مش كنت تيجي من زمان، كده بردو ولاد عم ومنعرفش بعض"  حدثه بحميمية مبالغ بها لترفع أروى احدى حاجبيها في حنق من تصرف أخيها الصغير فهو بالطبع لم يستمع لتلك الوصايا المُحذرة من والدتهما بينما انزعجت ملامح سليم هو الآخر من انتهاء المطاف بآسر بالجلوس بجانبه. "هنعرف بعض كويس متقلقش" اجابه ولكن كانت خلف حفنة الكلمات تلك شيء لا يبشر بالخير ليرمق إياد سليم بنظرة خاطفة لاحظها سليم الذي زفر بعدها "لا خلاص بقا، ده أنا كلها كام يوم وراجع أمريكا تاني.. قولي بقا بتشتغل في ايه؟!"  تجاذبا أطراف الحديث ولكن لم تتركا هاتان البنيتان القاتمتان تحركات الجميع دون أن يحفظها عن ظهر قلب حتى يتذكرها جيداً عندما يُفكر بهذا الجمع مرة أخرى. "أنتو ازاي متعرفونيش إن ده ابن عمي؟!" همست زينة لكلا من إياد وسليم "مجتش فرصة واد*كي عرفتيه اهو" تحدث سليم بإقتضاب وعدم أريحية "يعني ايه مجتش فرصة وأنت وأروى وسليم شكلكوا تعرفوه" نظرت لإياد نظرات مشتعلة غضباً "عشان يا زينة شوفناه في إجتماع قبل كده وكانت مرة واحدة بس يوم حادثة بابا.. وبعدين انتي مكنتيش موجودة و..." "سولي سولي سولي.. عشان خاطري تخلي بابي يوافق، محدش هيقدر عليه غيرك.. نفسي أسافر اوي معاهم"  قاطعتهما سيدرا التي هرولت بعد أن نهضت من كرسيها لتقف أمام سليم الذي تعجب لها بينما أخذت أعين الجميع تتابعها بعد ذلك الصخب التي خلفته. "سفر ايه يا بنتي فيه ايه؟!" تفقدها سليم في استغراب "الدفعة عندي بيعملوا plan نسافر فرنسا وأسبانيا وإيطاليا لمدة شهر الأجازة بعد الجاية كل بلد عشر ايام.. مستنين بس approval الإدارة.. أنا عارفة بابي مش هيرضى بس أنت اللي هتقدر تقنعه"  توسلت له بطفوليتها الشديدة ودلالها الفطري المعهود واقتربت منه لتجعله ينظر لشاشة هاتفها بالمزيد من تفاصيل تلك الرحلة "ازاي يعني هتسافري لوحدك.. استني أشوف الدنيا ايه عندي ساعتها، لو فاضي هسافر معاكي وبدر كده كده هيوافق ما دام أنا معاكي" تعجب كثيرا شهاب من مناداته والده بإسمه هكذا دون لقب "يعني ايه لو فاضي.. طب أفرض أنت مشغول؟ مش هسافر تقصد؟" قلبت شفتاها كالأطفال ليتدخل هنا أدهم "أنا هابقا فاضي واجازة.. ممكن أسافر معاها!" تحدث أدهم بتلقائية شديدة وحماس ليوجه سليم نظره نحوه وعينتاه تغلفتا بالسواد القاتم بعد أن أظلمت السماء حولهما "لا بجد.. ونفسك في ايه كمان يا حبيبي؟!" استند بوجنتيه على يداه وهو يتفقد أدهم في حرص شديد ليبتلع أدهم من تلك النظرة بينما ضحك إياد بخفوت "ده كان مجرد أقتراح يعني.. مش لازم أسافر على فكرة خالص" حك رأسه بينما ابتعد بعينيه عن تلك النظرة المخيفة التي وجهها له سليم "طيب ما دام خلصتوا جو الفسح ده والخروج.. وبما إن شهاب هنا.. ممكن نتفق على الـ meeting اللي المفروض كان يخلص من وقت كبير"  تدخلت أروى بعد أن هزت رأسها على تلك الطفولية بإنزعاج بَيّن وزفرت في ضيق، فلا يعني عدم وجود عاصم معهم أنها ستتناسى العمل هكذا لينظر لها سليم بجدية امتزجت بالغضب "أظن يا أروى احنا في النادي وخارجين مش في الشركة.. ممكن تبعتي للـ Assistant بتاعتك وهي تبعت وتظبط المواعيد"  زجرها برسمية شديدة لتزفر هي في حقد لذلك الجفاف الذي يعاملها به وشردت بنظرها بعيداً عنه ليصدح هاتف زينة بالرنين وقد لفت هذا انتباه بعض منهم بينما عادت سيدرا لتتوسل سليم، ونهضت زينة بملامح متجهمة لتجيب هاتفها بينما عاد آسر ليحدث شهاب "سيبك منهم.. دول دايماً كده في الشغل ناقر ونقير" أومأ له شهاب في تفهم "أنت بقا لازم تيجي تقعد يومين معايا أنا وزياد، بس ايه حتة عسلية غير الناس اللي هنا خالص" عقد شهاب حاجباه في عدم تفهم ليتابع آسر الحديث  "ده خالي.. خالي بس صغنون كده مش زي خالي بدر.. بس راجل دماغه ألماظات، سهر ونسوان ومليطة وحاجة تفتح النفس.. مش قاعدة العواجيز اللي احنا قاعدينها دي" "يعني بجد وافقت وهتيجي معايا؟!" صاحت سيدرا في فرحة شديدة ليومأ لها سليم بإقتضاب لتقترب هي منه وأخذت تقبل وجنه وتحتضنه كالطفلة الصغيرة لتلفت نظر الجميع نحوها مجدداً  "أنت أحلى حاجة في حياتي والله أنا بحبك أوي ومش هنسهالك أبدا وهافضل أذاكرعشان خاطرك" "خلاص بقا يا سيدرا حاسبي كده" "لا بقا مش هحاسب.. سولي حبيبي وبتدلع عليه" لانت شفتاه في ابتسامة ليربت على رأسها "أمّا نشوف آخرة الدلع ده ايه" نظر لها مضيقاً عيناه لتأتي زينة مهرولة بملامح غاضبة ثم آخذت حقيبتها دون أن تنظر لأحد "أنا مروحة عند خالو بدر.. سلام!" تحدثت بنبرة منزعجة ليتعجب الجميع وصدح هاتف أروى التي تابعتها بعينيها وزينة تتوجه للخارج بينما دفع سليم سيدرا برفق لتفسح له المجال وتوجه خلفها دون أن يكترث للجميع لتعقد أروى حاجبيها في استغراب لما تراه أمامها أمّا تلك البنيتان المعتمتان كانتا ترصدا كل ما يحدث أمامهما في تريث وصمت هادئان. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "معرفش يا مامي هي أخدت في وشها ومشيت وسليم جري وراها" تحدثت أروى بهمس حتى لا يستمع لها أحد "وسليم ماله ومالها؟! وبعدين مجرتيش أنتي وراها ليه هي مش أختك؟!" سألتها هديل بنبرة امتلئت بالحدة والزجر الشديد "ما هو لما كلمتيني رديت عليكي وملحقتهمش" قلبت أروى شفتيها بإمتعاض "وأنا اللي فاكراكي عارفة تتعاملي وعمالة تسكتيني بكلمتين كل يوم والتاني! دلوقتي لو سليم عرف مش بعيد الموضوع يوصل لبدر ويرفض أنها تشتغل في الشركة، أنا فهماه كويس عايز دايماً هو وابنه يتحكموا في كل حاجة!" "اهدي بس يا مامي محدش هايقدر يعمل حاجة" "أمّا نشوف.. أتفضلي أنتي وأخواتك تعالوا عشان نشوف حل في الموضوع ده، أنا مستنياكوا أنا وعاصم" "صحيح يا مامي واحنا قاعدين في النادي كلنا قابلنا شهاب ابن عمي صدفة" تحدثت لها أروى بإهتمام لتجذب انتباهها أكثر وحتى لا تعرف هذا من أحد قبلها "نعم!! وده ايه اللي جابه ده عندكوا؟" "مش عارفة، بس هو شكله كده لسه مخلص تمرين ولا حاجة.. وآسر بيكلمه ولا كأنه كان بايت معاه امبارح، مش فاهمة ازاي يتصرف كده معاه ولا كأنه صاحبه" "يعني ايه الهبل اللي بيحصل ده.. اتفضلي هاتيه انتي وإياد وتعالوا يالا وأنا ليا حساب معاه" "حاضر يا مامي.. مسافة السكة" أنهت هديل المكالمة بغضب شديد وملامحها سيطر عليها الإنفعال وتحولت للقسوة وصممت تلك المرة أنها لن تدع زينة أن تفعل ما يحلو لها مثلما تفعل كل مرة، ستطيعها رغماً عنها شاءت أم آبت..  لن تترك لتلك الطفلة مطلق التحكم في الأمور مثل الماضي، إذا كان سيف هو من يوافقها على تلك القرارات الطائشة بحياتها فها هو قد رحل، ومسئولية أبناءها جميعا تقع على عاتقها، لن تترك لأي منهم الفرصة لإفساد الأمر بعد تلك السنوات التي عملت بجدية على بناء كل ذلك، إن كان أحدهم لا يدري ما الأفضل له فستعمل بمنتهى الجدية على أن تجعله أو تجعلها تدرك ذلك! ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ أوصدت باب السيارة خلفها ليرتطم في عنف شديد تعجب له سليم كثيرا وهو من حاول منذ أن غادرا النادي الرياضي أن يعرف ما الذي حدث بسبب تلك المكالمة التي أزعجتها وغيرت حالتها لتغضب بهذا الشكل. دخل المنزل تابعا اياها بعد أن صف السيارة بالمرأب وأغلق الباب خلفه بهدوء متن*دا في حيرة من آمره فهو بالكاد يكبح جماح غضبه كي لا يؤذيها أو يؤثر على أعصابها بأي طريقة كانت. "خالو فين" هبطت الدرج مهرولة وهي تستفسر من سليم وزقاوتيها يشتعلا غضبا "معرفش.. أنا لسه جاي زيي زيك" اجابها بتلقائية شديدة لتومأ هي له بإنفعال وكادت أن تلتفت وتتركه لتتوجه ثانية للأعلى في سرعة ولكنه أوقفها جاذبا ذراعها ليوقفها  "استني بس هو ايـ.." "أنت ازاي تمسكني بالأسلوب ده؟!" صرخت به لتقاطعه ليحلقا حاجباه في دهشة  "ما تحترم نفسك!"  صرخت به ثانيةً لتجذب ذراعها منه بسرعة خاطفة ثم تركته خلفها لتتوجه للأعلى لتتركه في صدمة من أمره ليخرج هاتفه بحنق بالغ وهاتف والده "بابا.. أنت فين؟!" تحدث بنبرة منفعلة "استر يا ستار ببابا بتاعتك دي.. فيه ايه؟!" اجاب بنبرة ساخطة "لو سمحت تعالى.. أنا زينة بجد لو قربت منها الساعادي هتيجي تلاقيها والعة في البيت" "جرا ايه يا عم الأسد.. مش عارف تسيطر ولا ايه" "بابا بجد مش وقت هزار.. زينة كانت كويسة فجأة جالها مكالمة معرفش من مين وقالت انها ماشية ولحقتها على باب النادي ورجعت تدور عليك" "خير خير.. بس لو طلع الموضوع تافه مش هاسكتلك.. هي كمان معايا اهى waiting، اقفل كده ولم نفسك على ما اجيلك.. اوعى تهرب منك يا اهطل" "سلام يا بابا" أنهى سليم مكالمته بمنتهى الغضب مع والده وهو ليس بمزاج يسمح لمزاح بدر الدين معه "الزوزا حبيبة قلب خالو.. عاملة ايه يا حبيبتي؟!" اجابها بنبرة لطيفة لتتريث هي للحظة وهي تحاول منع نفسها من البُكاء "خالو.. ماما مصممة مكملش الماجيستير وأفضل هنا واشتغل في الشركة" صاحت بلهفة امتزجت غضبا  "أرجوك أنا مش هاقدر أستحمل أعيش هنا معاها، أنا مش عارفة أعمل ايه، أنا عندي ماجيستير وامتحانات و..." "اهدي كده لغاية ما أجيلك" قاطعها مسرعا ما إن شعر بنحيبها وحزنها  "متخفيش كل حاجة هتتحل، أنا جايلك اهو مسافة السكة بس.. متكلميهاش خالص ولو كلمتك مترديش عليها وأنا هاجي وهاتصرف، اتفقنا؟" تحدث بجدية امتزجت بالحنان لتومأ هي في تلقائية "حاضر يا خالو" "متعيطيش واهدي وأنا ساعة بالكتير وهابقا عندك، يالا سلام يا حبيبتي" "باي" "فيه ايه يا بدر؟!" تحدثت نورسين بقلق عندما لاحظت تغير ملامحه "هديل مش عايزها تجيبها لبر ومنكدة على البنت بتحكماتها النيلة، وابنك اتجنن الظاهر وحاجة تقرف مش عارف اقعد معاكي ساعة زمن واحدة وبفكر اسيب البيت واطفش وحاجة غم يعني" تن*د في سأم ونظر لها كالطفل التائه الذي لا يدري ما عليه فعله بينما ضحكت هي في خفوت "معلش.. ملوك الكون بتبقا مسئولياتهم كتيرة شوية، وبعدين أنا استنى يعني ونقعد مع بعض تاني وتالت.. بكرة زينة تسافر وسليم يرجع الشغل وسيدرا تتشغل في الامتحانات، نبقا نسافر كمان لو حابب.. الفترة دي تعدي وكله هيبقا تمام!" ابتسمت له بينما لامست يده في تأكيد "شكل كده زينة مش هتسافر، وشكلها كده مفيهاش عشا رومانسي ولا بتاع!! مكتوب عليا أنا كده أشيل الليلة وأنا بردو مش وش رومانسية" "لا يا حبيبي متقولش كده وبعدين ما احنا ياما اتعشينا برا يعني وسافرنا وروحنا وجينا" حدثته بنبرة متوسلة وضعت يدها الأخرى بيداه "حاسس إني كبرت أوي يا نوري" زفر ثم شرد بعيدا بسوداوتيه "لا كبرت ولا حاجة وزي القمر اهو.. وواخدني تعشيني والدنيا زي الفل، بلاش الأفكار السودا دي" "يا سلام ياختي اضحكي عليا بكلمتين.." "والله ما بضحك.. الولاد بس هم اللي كبروا إنما احنا زي ما احنا" "اقنعيني اقنعيني" أخبرها بتهكم بينما امتدت يده لجيب سترته ليخرج بعض النقود ولاحظت هي أنهما على وشك المغادرة لتلملم أشياءها ونهض لتتبعه "روق بقا يا بدورتي وحياة نوري عندك" امتدت أناملها لتعبث بذقنه "لا ما دام بدورتي ووحياة نوري عندي يبقا فيه قلة أدب النهاردة" "خلاص وعد.. ننتصر في المعركة اللي مستنيانا دي وبعدين.." "وبعدين ندخل على معركتنا سوا يا قمر أنت" نظر لها بخبث مقاطعا اياها وهو يمرر أنامله على وجهها لتصدح ضحكتها "احكيلي بقا وفهمني ايه اللي حصل لزينة وسليم ومالها هديل وايه اخد ملك الكون مني كده" "هاقولك.." ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "احترم نفسي!!" تمتم متحدثا لنفسه ثم أطلق ضحكة بسخرية وتهكم كلما تذكر ما فعلته زينة معه منذ قليل وظل شاردا بحديقة المنزل واقفا بشموخ ينظر بالفراغ وهو يحاول أن يجد حدا لطريقتها معه فهو لن يتقبل أن تتعامل معه هكذا! أخرج يداه من جيبي بنطاله واحدة امسكت بهاتفه والأخرى بدأت في تفقد تلك الرسالة التي تلقاها للتو من واحدة من مساعديه ليكون بالحروف كلمة "Confirmed" ثم ضغط لإرسالها زافرا بحنق شديد.. "أنا مش فاهم أروى دي مبتبطلش فرك.. بردو مستعجلة ومصممة اوي على معاد الـ meeting الزفت ده ما يولع شهاب ولا يتنيل، ده أنتي أبوكي لسه ميت مكملش شهر!" تمتم بخفوت ثم وضع هاتفه مجددا بجيبه وظل يتجول ليتذكر كل ما مر عليه اليوم مع زينة ليبتسم بإقتضاب عندما تذكرها ولوهلة ظن أنها عادت لما كانت عليه من قبل، تذكر وهي تصيح معه بملعب كرة المضرب وهي تجري بخفة وتبتسم له عندما ربحا سويا وعندما خسرت أمامه الليلة لتتوسع ابتسامته لتذكره ملامحها ال**بسة التي أزادتها طفولة وبراءة بنظره ولكنه عقد حاجباه فجأة عندما تذكر رؤيته لشهاب وما حدث معه هو وزينة وكيف ارتطمت به! "تعتذرله هو وأنا احترم نفسي.. حلو أوي الكلام ده"  عبث بسبابته أسفل شفته وظل يتذكر كل ما حدث مجددا منذ عودة زينة إلي ما حدث منذ قليل ثم أخرج هاتفه مرة ثانية ليخبر إياد بأن يترك الجميع شهاب ويعودوا لمنزل العائلة. في نفس الوقت كانت زينة بالغرفة المخصصة لها بمنزل بدر الدين وكادت أن تجن كلما تذكرت كلمات والدتها القاسية لها، لا زالت تعاملها بنفس الطريقة الفظة، لا زالت تفرض عليها كل شيء بحياتها، ويبدوا أنها لن تستطيع التخلص من تحكماتها بحياتها وبخصوصيتها وكأنها لن تستطيع أن تأخذ أي قرار يخصها أبداً. لوهلة آتى على عقلها تلك الذكرى غير السعيدة بالمرة عندما صممت هديل على واحدة من تلك الإختيارات التي تتخذها الفتيات بعمرها حينها. تتذكر أنها كادت أن تجن من تلك التحكمات اللانهائية التي لا تتوانى هديل والدتها عن اقرارها وكأنها ناموسا متبعا لا يستطيع أحد خرقه ولولا وجود سيف وخالها بدر الدين بجانبها لكانت وصلت معهما الآمور لطريق مظلم ليس له معالم واضحة. "أنا قولت كلمتي وخلاص خلصنا.. أنتي هتدخلي علمي بمزاجك أو غصب عنك، شغل بقا هبقا لعيبة تنس وعزف الموسيقى والمزيكا ده تنسيه خالص وتركزي في اللي جاي عشان تكوني انسانة عدلة وليكي مستقبل" صرخت هديل بإنفعال شديد بإبنتها  "يا ماما وفيها ايه لما أدخل أدبي، أنا بحب مواده أكتر وأنا أشطر فيها و..." "كلمتي هتتنفذ سامعة ولا لأ؟!" قاطعت نبرتها المهتزة التي شارفت على البُكاء دون إكتراث لمعرفة ما تريده وتفضله إبنتها  "الهبل بتاعك ده إنسيه.. لو كنت بطاوعك زمان فده عشان كنتي صغيرة وسيبتك براحتك.. إنما لغاية كده وكفاية، وإذا كنتي حتة عيلة متعرفيش مصلحتك فين فأنا أدرى بيها كويس اوي ولو كمان أنتي مش شايفة مصلحتك فأنا شايفاها أحسن منك، تتعدلي كده وتدخلي هندسة عشان يكون ليكي مستقبل، إنما جو الأحلام الوردية اللي أنتي عايشاه ده مش هحققهولك"  "ماما أرجوكي أنا بكره الـ Math اوي وبياخد مني وقت كبير عشان اجيب فيه درجات كويسة، أرجوكي بلاش موضوع علمي ده، وأنا مبحبش هندسة دي أبدا"  تساقطت دموعها في وهن وهي ترى ملامح والدتها الغاضبة وعينتاها اللاتي ينهال منهما نيران العناد والغضب لتدرك أنها مصممة تلك المرة على رأيها. "ايه يا هديل فيه ايه صوتك جايب آخر الدنيا" هنا دلف سيف لينظر لكلتاهما في طيبة وتعجب لما يحدث  "فيه إن بنتك رايحة تختار في المدرسة علمي ولا أدبي، منشفه راسها وعايزة أدبي.. بس شغل الهبل والفشل بتاعها ده مش هاسيبها تتمادى فيه ولو مش عارفة مصلحتها فين فأنا عارفاها كويس.. تقعد مع بنتك تعقلها وتفهمها الصح من الغلط فين، ولو ملمتش نفسها ففهمها إني مش هاسيبها تنفذ اللي في دماغها أبدا، فاكرة نفسها عايزة تطلع فاشلة وتسيب كل حياتنا وشركتنا.. ما تشوف حواليها الدنيا عاملة ازاي.. روح شوفها بدل ما ابهدلها"  نظرت لها بتحذير وعصبية بالغة ثم التفتت لترمق سيف في غضب وأنفاسها المتهدجة تدفع قفصها الص*ري للصعود والهبوط لتتوجه خارج الغرفة وهي تتمتم "قال عايزة أدبي قال! هتفضل طول عمرها فاشلة وغ*ية"  نطقت بتلك الأحرف مما دفع زينة للإبتئاس وانهمار المزيد من دموعها ثم وصدت باب الغرفة خلفها بشدة ليدوي صوته ليرتجفا كتفي زينة لبرهة على أثر الصوت. "مالك بس يا حبيبتي.. سيبك من كل اللي هديل قالته وفهميني براحة وواحدة وواحدة ايه اللي حصل؟" تحدث سيف مستفسرا بطيبته الشديدة بعد أن احتضنها في حنان وأخذ يُربت على كتفها. "بابا أنا مش عايزة أدخل علمي، أرجوك أنا مبحبوش.. ماما مصممة.. أنا مش عارفة أعمل ايه" تكلمت تلك الفتاة بالخامسة عشر بين بكائها  "أنا أستحالة أقدر على مواده، وحضرتك عارف إني بحب التشيلو وعايزة أدخل معهد موسيقي، أنا مش هاقدر أ.." تحدثت بهيستيرية بين نحيبها وهي تبكي ليقاطعها سيف  "أهدي بس يا حبيبتي، أنا عارف إنه ن حقك تختاري اللي نفسك فيه، ومن حقك تعملي اللي أنتي عايزاه، بس بردو مامتك أكيد نفسها تشوفك أحسن واحدة في الدنيا، وبعدين أنا معاكي أهو وجنبك، هتعملي اللي أنتي عايزاه وهاجبلك أحلى تشيلو في الدنيا، وكمان أنا اللي هذاكرلك بنفسي، ومش هيجرى أي حاجة لما تكوني مهندسة وأشهر عازفة تشيلو كمان.. أنا معاكي في الاتنين، خلصي بس هندسة واعملي اللي أنتي عايزاه، وبعدين يعني مش حابة تكوني مهندسة شاطرة زي بابا؟ ده أنتي هتكوني الوحيدة في اخواتك اللي زيي يا زنزون.." حدق بزرقاويتيها بعد أن كفت عن البكاء وهي تنظر له في حزن وحيرة  "يا بابا أكيد طبعاً يا بابا أنا بحب حضرتك ونفسي أكون زيك بس أنا خايفة لأني مبحبش هندسة وخايفة من الـ Math جداً وأنا حابة الموسيقى أكتر" همست بآسى ليعانقها مرة أخرى  "هفضل جنبك خطوة بخطوة وهنذاكر سوا لغاية ما تتخرجي كمان، وفي الأجازة تشيلو وبس ومحدش هيمنعك منه، والموسيقى تدريسها كلها بس تخلصي هندسة الأول وليكي عليا إذا وافقتي تدخلي هندسة هعملك اي حاجة تطلبيها في الدنيا.. اتفقنا؟!" "اتفقنا خلاص!" همست في وهن بعد أن تريثت كثيرا لتأخذ ذلك القرار وشعرت بالقنوط والجزع بداخلها لتدرك أنها لن ستستطيع أخذ قرار مع والدتها أبدا. قاطع تلك الذكرى المريرة تلك الطرقات على الباب فجففت زينة دموعها وهي تحاول أن تبدو بخير وتوجهت نحو الباب لترى من هو الطارق فهي تظن أن بدر الدين قد حضر. "سليم؟!" همست سائلة في تعجب فهي كانت تنتظر بدر الدين وليس هو وشعرت به يتفقدها بطريقة غريبة  "أنتي كويسة؟!" تناسى تماما أنه له الحق بمواجهتها وتعاملها معه وما أخبرته به منذ قليل بمجرد رؤية ملامحها الحزينة "ايوة" اجبته بحنق "بس شكلك كنتي بتعيطي.. مالك يا زينة فيه ايه؟!" همس متسائلا بنبرة حنونة وتوسلت عيناه لمعرفة ما يزعجها لهذا الحد ولم يعد يطيق رؤيتها أمامه بتلك الحالة "مالي اهو ما أنا كويسة، فيه ايه بقا؟ كل شوية هتفضلوا تقولولي مالك مالك مالك لما زهقتوني، ابعدوا عني بقا كلكم، هو ايه محدش عاجبه حاجة، محدش عاجبه كل اللي بعمله، ليه بتفرضوا عليا كل حاجة، أنا عملتلكوا كلكوا ايه بقا أنا زهقت وتعبـ.."  قاطعها بغتة بإحتضانه اياها بعد أن جذبها لص*ره لتتعجب هي وتوقفت عن الحديث واندهشت عندما شعرت بإنعكاس خفقات قلبه التي تدوي بص*ره في عنف على جسدها بينما هو احتضنها بقوة بين ذراعيه وهو يتمنى أن تشعر بالقليل من الراحة فهو لم يعد يتحمل رؤية تألمها أمامه، يود لو يقترب منها أكثر ويزيح كل ذلك الآلم الذي يراه بزرقاوتيها كلما تلاقت أعينهما. أوصد عيناه بقوة وكأنما يأسر تلك اللحظة التي يعلم أنه سيتذكرها دائما وترك نفسه تتلذذ بذلك الإقتراب منها ومن وجود زينة بين ذراعيه وربت على ظهرها في رفق ليهمس "اهدي يا زينة.. كل حاجة هتكون كويسة أوعدك.. بس أرجوكي بلاش تعيطي وتضايقي.. أيا كان اللي أنتي عايزاه أنا هاعملهولك"  لم يستطع الإبتعاد عنها وود لو بقيت بالقرب منه دائما ليزيد من قوة اجتذابه لها بين ذراعيه وتعالت أنفاسها لا تدري لماذا ولكنها أول مرة تكون بذلك القرب الشديد منه، أول مرة تشتم رائحة عطره، بل هي أول مرة تدع أحد يقترب منها لهذا الحد بل وشعرت بجفاف حلقها وتضارب مشاعرها بداخلها وكأنما توقف عقلها عن التفكير وكذلك انعقد لسانها عن الحديث. "سليم.."  همست بعدما شعرت بطول المدة التي عانقها بها كما شعرت بالغرابة كذلك تجاهه وتجاه نفسها وقد سمعها هو ففرق عناقهما ولكن ليس تماما ليبتعد قليلا حتى يستطيع النظر لوجهها وأمسك بكلتا كتفيها في رفق وتفحصها بعينيه المنتظرتين لما ستقوله  "زينة.. زينة انتي في اوضتك؟!"  صاح بدر الدين الذي قد رآى ذلك العناق الذي تعجب له ولكنه شاهده على مقربة في استمتاع لتلك النظرات المتبادلة بينهما وذلك الخجل البادي على وجه زينة وترك الفرصة لسليم ليعانقها وبعد أن شعر أنه قد طال أكثر من اللازم ابتعد قليلا حتى ينبههم من تلك الغفلة التي وقعا بها. "أأيوة يا خالو أنا.. هنا"  صاحت مجيبة بإرتباك ليلاحظ سليم تلك الخصلة التي تعلقت بقميصه فمد أنامله ليضعها خلف أذنها وتفقد زرقاوتيها لتحمحم هي في توتر وابتعدت عنه وتحاشت النظر له تماما. "ايه ده سليم.. أنت هنا؟!" تحدث بدر الدين الذي دلف الغرفة لتوه وأمعن النظر لعينا سليم الذي أومأ له  "طب استناني تحت، محتاج أتكلم مع زينة شوية، وكمان سيدرا كانت تحت وبتسأل عليك" أخبره ليتن*د سليم وهو الذي يريد معرفة ما وراء غضب زينة وبكائها ولكنه توجه للخارج ليوقفه بدر الدين جاذبا ذراعه وهمس له  "ده أنا هاعمل من فخادك بطاطس محمرة" نظر له سليم بتعجب وتساؤل وهو يحاول ألا تتحول ابتسامته لضحكة "امشي يا اخويا امشي على ما اخلص معاها" همس مجدداً ثم ترك ذراعه ليتوجه للخارج ووصد الباب خلفه. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "فهمني بقا أنت طفل صغير ولا ع**ط عشان اللي عملته مع شهاب ده؟" صاحت هديل بإنفعال شديد بمجرد أن عاد كلا من ابنيها إياد وآسر وابنتها أروى  "يا ساتر! شكل كده أروى اديتها الإخبارية" همس إياد لآسر الذي عقد حاجباه في تعجب ثم تحدث بتلقائية "ما هو مفروض ابن عمي يعني وأول مرة أشوفه.. عايزاني أتعامل معاه ازاي يا ماما؟ وكمان على ما أظن هيكون فيه ما بيننا وبينه شغل.. كان لازم أكون كويس معاه" "كويس معاه حاجة وإنك ترغي معاه وتصاحبه حاجة تانية" هنا تدخل عاصم التي نظرت له هديل لتزجره على تدخله وما إن شعر أدهم بتوتر الأجواء حوله حتى صعد للأعلى "جرا ايه يا عاصم يعني هو أنا كنت عملت ايه لعصبيتكم دي.. عموما استحملوني كلها يومين وراجع لخالي زياد.. أنا غلطان إني طولت في القاعدة أصلـ.." "اخرس يا ولد أنت وهو.. هتتخانقوا قدامي ولا ايه؟!" قاطعتهما هديل بإنزعاج ثم توجهت لإياد بنظراتها الحادة الغاضبة "وأنت، فين أختك يا أخوها يا راجل يا كبير؟" "راحت عند خالو بدر" "لا بجد.. وهو مكانها هنا ولا عند بدر؟ ازاي متجبش أختك معاك؟" "فيها ايه يعني يا ماما ما هي من زمان وهي بتبات عنده ايه الجديد؟!" "الجديد إني أنا اللي بقيت مسئولة عنكم.. دلع سيف ده بقا تنسوه خالص" تعالى ص*رها وهبط وهي تلتقط أنفاسها الغاضبة  "أروى كلميلي اختك حالاً" أخبرت أروى لتومأ لها وفعلت على الفور  "وأنت يا اهبل ياللي فاكر الحياة هزار وضحك وفسح.. شهاب ده ابن كرم، أخو كريم.. الناس دي عمرها ما هتكون كويسة في يوم من الأيام، كانوا مقاطعين ابوك، ايه اللي رماهم فجأة كده علينا إلا لو كانوا عايزين مننا حاجة.. خليك ناصح ولو لمرة في حياتك" تآفف آسر من حديثها ولكنها تابعت موجهه نظرها لإياد  "وأنت ازاي أصلا تسيب اخواتك يقعدوا معاه كده؟ ازاي تقبل واحد زي ده يقعد وسطكم؟ أنت كبير أنت وواعي؟ أنتوا خلاص هتشلوني.. بس لو متعدلتوش أقسم بالله لا هيكون ليا تصرف تاني معاكم" "طيب يا ماما خلاص خلاص.. مش هانقعد معاه" تحدث إياد بمنتهى الهدوء فقط لينتهي من ذلك الجدال  "أنا طالع أنام، تصبحوا على خير" تحدث آسر الذي توجه مسرعاً للأعلى وتبعه إياد  "وأنا كمان عندنا اجتماعات بكرة بدري"  "عاجبك اللي بيعملوه ده" صاحت هديل في حنق بالغ  "معلش يا ماما.." تحدث عاصم في محاولة لتهدئتها "كلمتي أختك؟!"  "مش بترد خالص يا مامي" تصنعت أروى الملل لتومأ هديل بعصبية ثم توجهت مغادرة حيث غرفتها  "أنا هاشوف هتتعدلوا ولا لأ، شكلكوا نسيتوا مين هديل.. أنا هاوريكوا" دلفت الغرفة ثم وصدت الباب خلفها في غضب وتوجهت ممسكة بهاتفها لتحدث بدر الدين فهي لن تقبل أبدا أن يتم استدراج ابنتها وإكماله هو وابنه بالتحكم بكل شيء، فأبناءها هي الأخرى حقهم مثل حق سليم ولن تتهاون بخصوص هذا الأمر. "بدر اديني زينة" لم تلقي التحية عليه حتى وتحدثت بإنفعال "طب قولي ازيك طيب.. زينة نايمة عموماً" حدثها بهدوء شديد بينما همس لزينة  "اهى بتتكلم اهى.. متقلقيش.. نامي دلوقتي والصبح هتلاقي كل حاجة تمام"  توجه بالهاتف لخارج غرفة زينة ليتابع الحديث مع هديل بعد أن ابتسم لها ليأتيه صياح هديل بالطرف الآخر "يعني ايه يعني؟ ما تصحيها ولا تبعتلها الموبايل.. أنا قالبة الدنيا عليها والهانم نايمة؟!"  "اهدي بس فيه ايه لكل ده؟ حوار إنك عايزاها تشتغل في الشركة مش كده؟!" أخبرها بنبرة واثقة لتكد هديل تنفجر من الغضب "اه طبعا.. لحقت تقولك.. ما أنت دلوقتي عاملي فيها حلال المشاكل! أكيد بعد ما سيف مات مـ.."  "هديل!" صاح بها بنبرة حازمة مقاطعا اياها  "اتكلمي بأسلوب كويس واهدي.. مفيش أصلاً مشاكل ومش فاهم أنتي بتتكلمي بعصبية ليه، البنت بكرة الصبح هتروح الشركة وهتاخد مكان سيف وكل حاجة تمام.. بس ماجيسترها وامتحاناتها هتكمله في ألمانيا" "يا سلام!! وأنت بقا هتقولي بنتي هتعمل ايه ومش هتعمل ايه؟"  "هديل زينة أصغر ولادك وكانت متعلقة بسيف، ولغاية دلوقتي الصدمة عليها مش سهلة.. اهدي كده وحاولي ولو لمرة واحدة تبطلي قسوة عليها.. السنة خلاص تلت أربع شهور بالكتير والماجيستير ممكن تخلصه في سنة واحدة، وأنا اقنعتها انها هتروح مرة في النص ومرة في الآخر.. عادي يعني كأنها واخدالها اجازة اسبوعين.. واقنعتها أنها تشتغل في الشركة، بالهدوء والضحك والحب مش القسوة يا هديل!!" "لو سمحت يا بدر مش هاتعلمني أنا هاربي ولادي ازاي!" صرخت في غضب ليتعجب بدر الدين ولكنه تابع بهدوء وبنبرة محذرة "تمام.. أنتي حرة مع ولادك.. بس يكون في علمك يا هديل، زينة لو جرالها حاجة زي زمان هتلاقيني أنا اللي واقف قدامك.. وأظنك تعرفي بدر الدين كويس! ولآخر مرة اقعدي وفكري مع نفسك كده، البنت هتنزل الشركة بكرة بمنتهى الهدوء.. لو عملتي معاها مشكلة بسبب الموضوع ده لا في مصلحتك ولا مصلحتها!! تصبحي على خير"  أنهى المكالمة ليزفر في ضيق ولكن لاحظه سليم الذي لاحظ كذلك الإنزعاج البادي على وجه والده فتوجه نحوه "ايه يا بابا خير فيه ايه؟" تسائل وملامحه يعتريها الإستفسار "أبداً.. كنت بكلم هديل.. أنت عارفها يعني" "هو ده السبب إن زينة كانت مضايقة؟" "آه يا أبو قلب حنين.. عايزاها تنزل الشغل من بكرة، ومكنتش عايزاها تكمل الماجيستير بس أنا لميت الدور" "بكرة؟!!" تحدث بنبرة متسائلة "بس بكرة فيه اجتماع مع شهاب ده، ازاي زينة هتقدر تصد معاه؟! لا لا بكرة مش هاخليها تقابله" شرد سليم بعينيه بعيدا "وده ليه يعني؟ وهو ماله شهاب زيه زي غيره، مش أنت بردو اللي قولت جايين يتكلموا في شغل وأهلا وسهلا؟!" ارتسمت شفتا بدر الدين بإبتسامة ليتفقده سليم عاقدا حاجباه "آه قولت ولسه عند كلمتي، بس شهاب فيه حاجة مش مريحاني وهاعرفها دلوقتي أو حتى بعدين" "سيبك من شهاب دلوقتي وقولي.. يعني ايه يا عيل يا ابن الكلب اسيبك ساعة زمن اجي الاقيك بتفعص فيها، مش قادر تستنى لغاية ما تتنيلوا وتبقوا في بيتكو؟" وقف بدر أمامه وملامحه تدل على المزاح ليبتسم سليم في خجل ولكنه استعاد ملامحه الجادة  "صراحة صعبت عليا وهي بتعيط" "يا حنين!! وده بقا يخليك تحضنها.. يا واد اتلم واتقل كده بدل ما كرامتك تتبعتر قدامها، خليك جامد صدقني الموضوع ده بيحبوه" مازحه بملامسة وجنه بكفه لينظر له سليم في تعجب "وأنت كنت كده مع نوري وماما؟!"  "تاني نوري!!" نظر له بحنق ولكنه تابع "أنت بس لو كنت ربعي حتى كانت كل حاجة اختلفت معاك.. بس يالا، أنت كده أحسن عموما" استشعر سليم نبرته التي بدت غريبة وأوشك أن يسأله ماذا يقصد ولكن بدر الدين بدأ بالحديث  "الوقت أتأخر.. أطلع نام، تصبح على خير"  "وأنت من أهله" تركه بدر الدين بعد أن سيطر على ملامحه بأعجوبة فهو لم يتطرق أبدا للحديث عن ما كان عليه من قبل مع سليم وبالرغم من إرادته الشديدة في أن يبوح له بالعديد من تلك الخفايا ولكنه لطالما أختار أن يبقي حقيقته القديمة طي الكتمان. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "عاجبك أختك وعمايلها؟!" تسائلت هديل لأروى التي دلفت للتو غرفة والدتها وهي تراها كالبركان الثائر "معلش يا مامي بس أنتي عارفة زينة عاملة ازاي وبتفكر ازاي.. هو حضرتك كلمتيها؟!" سألتها بخبث بينما لم تلاحظ ذلك هديل "كلمتها وبدر الدين رد عليا وبيقول إنه أقنعها تشتغل.. بس بردو حاسة إن ورا الموضوع إنّ، أكيد هو وسليم هيفضلوا وراها لغاية ما هي ترفض تشتغل" شردت هديل وهي تفكر بما قد يفعله بدر الدين وابنه "خير يا مامي متقلقيش.. أنا بردو هاكون معاهم في الشركة" "في الشركة، إنما المواقع والمأموريات؟! وكمان خدي هنا، ازاي أصلا تسيبيها تمشي مع سليم وتروح تبات عند بدر" "حضرتك كلمتيني وساعتها هي قامت جريت بسرعة وأنا ملحقتش أعمل حاجة، وعموماً يعني هي متعودة تقعد عنده، كده كده الفترة الجاية مش هتلاقي وقت تنام أساساً من كتر الشغل، وبعدين يا مامي أنتي عارفة زينة غريبة أوي وبالذات من ساعة ما رجعت وأنا بحاول أفهمها.. فمتقلقيش كل حاجة هتتحسن مع الوقت" حاولت أن تطمئن والدتها بينما ابتسمت هديل في سخرية "آه زي ما عملتي كده مع سليم.. اد*كي اهو بقالك كام سنة جنبه مش عارفة تاخدي منه لا حق ولا باطل" أخبرتها في تهكم  "مامي سليم من النوع اللي بيركز اوي في الشغل ومعاملته رسمية جداً، وحضرتك فاهماه كل وقته متوزع ما بين باباه وخروجات القرايب وعمري ما بلاقيه لوحده أبداً.. بس صدقيني هانت اوي.. أنا كده بفكر في حاجة لو فعلاً صح يبقا سليم مش هياخد في ايدي غلوة" "ثبتيني بكلمتين زي ما بتعملي كل مرة" أخبرتها هديل في انزعاج "صدقيني مش بثبتك ولا حاجة.. خليكي واثقة فيا بس" حاولت لمس يد والدتها  "ماشي يا اروى.. لما أشوف.. يالا اطلعي نامي عشان شغلك واياكي عينك تغيب لحظة عن زينة بكرة" "حاضر يا مامي تصبحي على خير"  لم تعقب هديل على حديثها وتركتها تغادر الغرفة لتغرق هي بتفكير عميق فهي لن تسمح لأياً كان أن يهد كل ما بنته طوال تلك السنوات وحدها! ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ تجول شهاب بمنزله بأكمله بخطوات واسعة وهو يستعيد كل كلمة وكل تصرف طرأ من هؤلاء الذين جالسوه بالنادي الرياضي وأخذ يحكم على كل منهم!!  بالطبع ذلك الفتى المغرور الذي يسيطر على الجميع ويتحكم بكل شيء لن يستطيع أن ي**عه بسهولة، لربما يستطيع خداعه ماديا أو عملياً إنما أن ي**عه أو يصل لأي معلومة عن عمه كريم عن طريق مصادقته أو حتى أن يتحدث معه، كما أنه يبدو لا يحتاج لمصادقة أحد فالجميع ملتف حوله وكأنه الملاذ الوحيد لهما. أخته الصغيرة تلك تبدو من تلك الفتيات المرفهات اللاتي لا تتبع في الحياة سوى ملذاتها وإنفاق المال ببذخ، سفر وتسوق وتنزه وحضور هذا وذاك، لربما حتى هي لا تعرف حقا ماذا حدث لكريم، وبما إنها أصغرهم فربما هي لم تره من قبل!! بالرغم من أنها صيد سهل للغاية عليه ولكنها لن تتواني في إخبار الجميع بأي شيء قد يحدث بينهما، لذا ليست هي المناسبة لتلك المهمة! أروى، تلك التي تزيف الكبرياء والتحكم ولكنها لا تستطيع حقا التحكم بشيء، لن يُنكر بداخله أنها تستفزه للغاية كلما رآها أمامه وتشجع تلك الرغبة بداخله على إيلامها ولكن تبدو ذكية، تبدو  بذلك الصمت الذي تتبعه وجلستها الهادئة الواثقة وكأنها تلاحظ الجميع حولها وحتى عندما واتتها الفرصة للتحدث تحدثت بخصوص العمل، لذا تريد أن يعرف الجميع كم هي عملية.. هي مناسبة لمعرفة العديد من الأشياء بل وحياتهم بأكملها، ولكن لن يكون الأمر سهلا وعليه أن يكون متنبها كثيرا لطريقة معاملته معها!! إياد لا يزال كما هو، مجرد تابع لسليم، أدهم هذا يبدو كالطفل الصغير الذي لا يفقه شيئا وإذا نظر له أحد بغضب قد يخاف ويرتعش بأحدى الجوانب، وآسر هذا يبدو ساذجا للغاية حتى أكثر من أخيه عاصم، لولا سفره المزعوم لأمريكا لكان علم منه كل شيء بسهولة ويسر.. لن يستطيع أن يحقق هذا معه خلال فترة قصيرة خاصةً وأن والده صمم أن يكون الأمر مجرد عمل ليس إلا. أطبق أسنانه في انفعال شديد فهو لا يدري كيف سيفعلها، لم يكن يوما بتلك الحالة التي تجبره على كل ذلك التفكير ولطالما كان واثقا من كل خطوة يخطوها، ولكن هؤلاء الأشخاص وتلك الشخصيات التي بدت مرفهة وهم أكثر من يكره التعامل معهم لا يدري كيف سيعرف منهم شيء وكذلك لقد بحث كثيرا بطرق غير مشروعة ولكنه باء بالفشل.. تلاحقت أنفاسه الغاضبة وأسنانه تكاد تتهشم من كثرة إطباقه لها ولكنه تذكر تلك الزرقاوتان وهذا الوجه الملائكي، تذكر تل الإبتسامة والمصافحة الودوة.. ولكنه تذكر كذلك تلك الهمسات منها لسليم، تلك الملامح التي اعترت وجهه عندما أقتربت منه لتصافحه وذلك الإنزعاج البادي عليه.. ولكن تلك الفتاة غريبة.. فجأة دون مقدمات غادرت وتلاشت تلك الإبتسامة الودودة!! هذه الفتاة غريبة حقا! سأم من التفكير بل وأرهقه كذلك، يعلم بقرارة نفسه أنه يكرههم جميعا منذ أن قابلهم أول مرة، لا يطيق النظر لوجوههم، يشعر بالغيظ كلما تفحص وجه أحدهم كاد أن ينفجر كالبركان الثائر! ود لو يهشم شيئا ما بيداه، أن يخرج ذلك الكبت بداخله حتى يشعر بالراحة، يشعر بالإختناق الشديد وود لو تنفس ووجد الهواء.. لقد تأخر الوقت، ولا يريد الذهاب لمنزل والده.. هو يدرك بقرارة نفسه أن تلك الرياضات المتنوعة التي يمارسها لن تفيده، هو يعلم ما يريده جيدا! "ما قولتلك ابعدي عني ولا تحبي تطلعي قدام الناس بفضيحة" تفلتت آخر ذرة نفاذ صبر لديه وتلك الفتاة تحاول أن تفتنه وتجذبه إليها ولكنه ليس ذلك الشاب الذي يفضل العاهرات، حتى ولو بدت أحداهما بنفس جمال تلك الفتاة "وأنا قولتلك يا شهاب بيه إني مش بتاعت فضايح" ابتسمت له ولكن ابتسامتها لم تكن مقززة مثل تلك الأخريات كما أن ذلك اللقب الذي نطقت هي به أثار حفيظته  "أنا بمشي اتدارى بعيد عشان خاطر الفضايح.. وأنا صدقني مش هاعملك مشاكل خالص لأني فاهمة كويس حد زيك ممكن يجيبني أنا وأهلي وكل اللي أعرفهم ويودينا في ستين داهية، بمنتهى البساطة كل اللي عايزاه الفلوس واقضي معاك وقت كويس وبعدها ممكن تنساني تماماً وهتبخر في الهوا ولا كأنك شوفتني أبداً" وكأنها تتفق على صفقة ما بأسلوبها وطريقتها العملية لللغاية وتريث هو ولم يتحدث وظل ينظر لها يتفحصها "أنا يمكن أكون شمال اه بس بشياكة وعموماً دي أرقامي وكتبتلك عنواني واسمي الحقيقي سلمى الشاعر" مدت له بأناملها تلك البطاقة التي بدت احترافية للغاية ثم ازاحتها بأحدى أظافرها التي طُليت بلون وردي شفاف حقاً لا يلائم ع***ة مثلها  "تقدر تسأل عني كويس وهتعرف أنا ليه بالذات عرضت عليك العرض ده" ابتسمت له مجدداً ثم تركته وغادرت. انتعشت بعقله أول مرة ألتقى بسلمى، لقد بحث عنها وعلم لماذا تحتاج الأموال بتلك الطريقة، لقد كانت ع***ة بمواصفات خاصة، وكانت هي الوحيدة دوناً عن بقية النساء التي تتحمل عنفه، وجد جزءا من نفسه مع تلك الفتاة، هي ليست مثل الأخريات سليلات العائلات العريقة فاحشة الثراء، وكانت حقاً لا تريد سوى السرية والأموال أياً كان ما يفعله معها فهي تتحمل وتأتي له ثم تذهب وكأنها كنسمة هواء تخفف عنه تلك النيران التي تشعل الدماء بعروقه وظلت دائما رهن إشارته لسنوات. "تعاليلي" تحدث بهاتفه آمراً اياها بالمجيء ثم أنهى المكالمة دون وداعاً مثلما بدأ دون مقدمات ووضع هاتفه بجيبه وانتظرها محاولا تنظيم أنفاسه المتلاحقة غضباً من تلك الساعتان اللتان رأى بهما وجوه من يبغضهم أكثر من أي شيء. ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ "أتعلم أيها الدفتر أنك أصبحت الأقرب لي بين الجميع؟ أتعلم أنني حاولت التماسك منذ أن أتيت ولكنني بكيت اليوم؟ أترى محاولات هروبي الشتى كي لا أواجهها؟ أأدركت الآن كم تكرهني؟ ألاحظت محاولات إجبارها لي مجدداً؟ ألاحظت من يقنعني ويثنيني بحبه الأبوي بأن يحتويني كإبنته بدلاً منها هي؟ هي لن تكف عن تحكمها الزائد بي، لن تكف عن محاولات تهشيمي المتوالية.. أتكرهني؟ لماذا تفعل؟ ألست ابنتها بعد كل شيء؟ لماذا لم تحدثني ولو لمرة واحدة عن طموحي مثلاً؟ لماذا لا تحاول معرفة ما الذي أريده؟ أتتلذذ برؤيتي أعاني؟ أنا حقاً لا أعرف إلى متى سأظل أواجه شقاء مجابهتها ورفض اختيارتها لي! أتعلم أنني لا زلت أتذكر والدي، بحبه وحنانه ودعمي.. أتتذكر أنه عندما أهداني التشيلو هشمته والدتي بعدها بأسبوعين ظنا منها أنه سيشغلني عن دراستي التي أختارتها لي هي!! يا للسخرية.. أحدثك حتى أحاول تبين ما الذي تفعله والدتي معي، أحدثك حتى أعرف من هي وأنا التي لا تعرف نفسها، لا زلت أبحث عني في وجوه الجميع، في معاملاتي، في كلماتي بين طيات سطورك أيها الغ*ي الذي لم ولن يساعدني أبداً حتى أعرف من أنا، حتى مشاعري، أحاول أن أتبين من هي خلالها ولكن.. توقفت عن خط تلك الكلمات التي لا تساعدها ولا تخرجها من تلك الدوامة، هي فقط تحاول أن تهتدي خلال تلك الكلمات لأي شيء قد تشعر به ولربما يؤثر على تفكيرها لتستطع تبين نفسها ولكنها ولأول مرة غرقت بتفكير عميق. ابتسمت لا تدري بسخرية أم بإعجاب أم بكراهية عندما تذكرت اختلاط مشاعرها أمام سليم اليوم، هي تعرفه منذ الأبد حقا ولكن عناقه اليوم لها وخفقات قلبه التي تكاد تقسم أنها أوشكت على تهشيم ص*ره لازالت تشعر بإنعكاسها على ص*رها، أول مرة يحدث بينهما شيء مثل هذا، لا تدري منذ أن عادت وهي تشعر بتغير شيئاً بعلاقتهما!! أحقا لديها مشاعر تجاهه؟!  ضحكت بخفوت ساخرة وهي تزجر نفسها، بالطبع لا، هي لا تشعر بشيء، لربما قد يجذبها مظهره وتقدمه في العمر، لربما هو شخصية غريبة بضحكاته وطريقته التي تبدو جديدة عليها تماماً ولكنها لن تشعر أبداً بإنجذاب نحوه. هو سليم، ابن خالها بدر الدين، هو بالطبع سيحكم عليها مثل الجميع، بالطبع لن يكف عن إصدار الأحكام تجاه شخصيتها الجديدة، هو لا ينفك عن قول زينة القديمة!! ما بها تلك الضعيفة المكتئبة مهزوزة الشخصية التي لا تستطيع أن تتخذ قرارا، أحقا يبحث عنها؟! يا له من ساذج.. لقد ماتت تلك الفتاة منذ سنوات ودفنتها بين طيات مقبرة نفسها ولن تعود للحياة أبدا. وحتى لو بدا سليم شخصا جيدا، وحتى لو شابه أباه بدر الدين الذي يمثل لها الأمل الوحيد بين كل من حولها، هو سيظل مثل الجميع الذين يرونها كالمجنونة، سيظل الجميع على معاملتها وكأنها نكرة، فهو حتى بالرغم من قضاءه الوقت معها لم يخبرها بوجود أقارب لها من أبيها، لم يخبرها عن ابن عمها!! ارتطمت أفكارها ببعضها البعض بينما وصدت دفترها وتذكرت تلك البنيتان العميقتان بنظرتهما الغريبة لها وهدوء ذلك الشاب الشديد الذي تعجبت له فهي لم تقابل مثله من قبل. تشتت عقلها بكل شيء، بجميع من حولها، بعملها المزعوم الذي عليها أن تذهب له في الصباح، حاولت أن تقف بين تلك الأفكار حتى تعمل على عدم اختلاطها ببعضها البعض وعدم تعرض أياً منها للأخرى ومثلت داخل عقلها ذلك الحكم العدل الذي تحاول أن تكون عليه أمام نفسها ولكنها باءت بالفشل لتستسلم للنوم متأثرة بذلك الصداع المرير الذي شعرت به يُفجر رأسها!  ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ #يُتبع . . . 
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD