الفصل الثاني عشر

4933 Words
تن*دت بعمق وابتسامة سعيدة عذبة زينت شفتاها ثم ازاحت خصلاتها خلف أذنها وشلالات من الإبتهاج انجرفت من زرقاوتيها وعضت على شفتيها وسن القلم الذي امسكت به خلف نقطة مهتزة تركت آثارها على السطر الفارغ بدفترها لتزفر بعمق وشرعت بالكتابة.. "أيها الصديق الذي تحملت الكثير والكثير من آفات آلامي.. أيها الأ**د الذي حوى بداخله جروح ودموع.. يا من سمعت لشكواي دون كلل أو ملل.. أبشر فإن تلك الأيام قد ولت.. أتتذكر ذلك العصر الضبابي الذي لم تتخلله أشعة الشمس المشرقة ولو ليوم واحد؟ أتتذكر السنوات العجاف؟ أتتذكر البكاء الذي دوى بصخب حتى ارتجفت أوراقك في رعب؟ أبشر.. لقد ماتت تلك السنوات.. اندثرت.. انتهت بلا رجعة.. صديقي.. دعني أقص عليك الأمر منذ البداية.. منذ الوهلة الأولى إلي الآن.. دعني أعطر تلك السطور الفارغة بعبير جناتٍ من الورود التي ندر تواجدها في زمننا الحاضر.. دعني أقص عليك قصة.. ربما قد استمعت لبعضاً من تفاصيلها بالسابق ولكنني أريد الإطناب معك اليوم.. أمامي أربعة ساعات حتى يصل سليم ولدي بعض القهوة وكلمات كثيرة وأسطر فارغة لا تعد ولا تحصى ومزاج رائق ومناسب للتحدث.. هيا صديقي فلنبدأ بالقصة أو دعني أصيغ ما أريد أن أقصه عليك بـ "الفضفضة"! كان هناك فتى.. فتى دخل بين عائلة الخولي فجأة.. دون مقدمات ودون طفولة يمر بها معنا.. آتى سليم بدر الدين الخولي، ابن خالي، ليكن بيننا.. أو هكذا أخبرونني.. لقد كنت صغيرة للغاية، صغيرة لدرجة عدم التحدث بجمل مفهومة.. تقول والدتي وأخواتي أن عمري وقتها كان في حدود سنتين.. لا أتذكر بالطبع ما هي تلك التعابير التي ارتسمت على وجوه الجميع عندما تعرفوا عليه، لا أتذكر أول لقاء جمعه بعائلتنا، ولكن ما أتذكره هو ملاعبته اياي.. لقد بدأت أن أكون وقتها بالرابعة أو الخامسة أنا حقاً لا أتذكر!! ربما السادسة!! أياً كان.. كل ما أعرفه فقط أنه كان بجانبي.. يغدق عليّ بالهدايا العديدة.. يهرول معي.. يقرأ لي قصصاً طفولية، يعلمني كيف أقود دراجة، يعقب على كل ما أفعله، لا يتوقف عن رسم الإبتسامة والضحكة على وجوه الجميع.. يمزح مع الكبير والصغير، ينهال منه الحنان دون انقطاع، آخى الجميع كأنهم أخوته هو، لم يميز أبداً بين أحد.. نظر له الجميع وقتها بأنه "كبير العائلة" المرتقب.. لا أدري كيف نما ذلك الفتى وكبر بنفس الطريقة ليكن نِعم الأخ، الصديق، الأبن، الطالب، الحفيد.. لا أعرف ولكن كل ما أتذكره أن صفاته الحميدة كبرت معه لتحوله من فتى رائع إلي رجل عظيم!! لتوي علمت أنه وقف بجانبي حتى أسافر وأحصل على حريتي المزعومة وأتخلص من تحكم الجميع، لتوي علمت كم يعتبرني الأقرب له بين الجميع.. لتوي أدركت كم كنت حمقاء للغاية بمعاملتي الفظة له عندما عدت من سفري وقت وفاة أبي.. لقد كنا متلاصقان طوال حياتنا، أو لربما أنا من تعمدت ترك منزل والدتها لتقضي الوقت بمنزل خالي بدر الدين، كيف لي أن أنسى جميع تلك الأوقات بصحبته وتلك الذكريات التي جمعتنا سوياً وأهرول لذلك التمرد العنيد بداخلي حتى أظهره عليه وأعامله به وأدعه يتسبب بقطع تلك الصلة التي ميزتنا منذ الصغر.. يا لي من حمقاء حقاً!! هل أخبرتك عن ذكاءه؟ حسناً ربما التالي سيدعك تعلم.. حاصلاً على المرتبة الأولى بالقرب من الجميع بل وقلوب أغلبهم، وأعلى منصباً بشركة عائلتنا، وكذلك حاصلاً على الإمتيازات الجامعية، حاصلاً على الإنتباه والتحكم ولكن بودٍ وليس بخوف.. بالإضافة إلي كل تلك المجموعة الباهرة من المناصب والدرجات آتى سليم مجدداً ليدخل حياتي الموحشة الجديدة، لا بل آتى ليقتحمها ويعيد فعلته.. آتى ليحصل على كل ذرة دماء بي.. نعم هذا إعتراف.. أنا التي أسألك من أنا!! أنا التي لا تدري ماذا تريد!! وجدت أخيراً الشخص الوحيد الذي فك وحل احجيتها السخيفة.. لقد أكتشفت سليم من جديد.. كيف له أن يبث تلك السعادة بداخلي دون صعوبة؟ كيف أصبحت أوقاتي معه أفضل وأمتع؟ كيف له من بين الجميع أن يصل للتفاهم والتناقش معي دون خلافات أو نزاعات ومجادلات شتى؟ كل شيء أصبح أيسر بوجوده؛ لقد بدأ أن يغير معاني الدنيا بعيني.. لقد جعلني أريد الحياة! هل أخبرتك ماذا أحضر من أجلي ليلة أمس؟ لا.. والأهم هل قصصت عليك ما فعله من أجلي اليوم؟ هيا لأخبرك.. وأرجوك صديقي العزيز تحمل تلك القصة بكل تفاصيلها.. يبدو أنني سأعيدها عليك كثيراً حتى تشعر بالملل مني وستحطم رقماً قياسياً في احتواءك على صفحات بحبر يعيد ويكرر هذان اليومان.. فلنبدأ بليلة أمس.. ويا لها من ليلة.. لقد كنت أنا البطلة بسطور حكايتي.. لقد كنت أنا الأميرة بإحدى القصص الرومانسية الخيالية الحالمة ولكن دون رداء منفوش.. فاجئني بمقطوعتي المفضلة.. أمام النهر.. بتلك البقعة التي قضيت بها خمس سنوات أشكو لك وتتساقط دموعي.. بنفس المكان استطاع أن يحول كل آلم لفرحة وكل عبرة إلي ابتسامة.. وكل ذكرى كرهتها إلي أسعد ذكرى بحياتي سأتذكرها إلي يوم مفارقتي هذه الحياة بإبتسامة.. بساط أحمر، رجال غاية في الوسامة والأناقة يراقصوني، فرقة أوبرا كاملة من أجلي.. جعلني أشعر بأنني أهم فتاة بالكون.. الاعين سلطت علي كملكة جمال يوم تتويجها؛ باللونات طُبعت عليها اسمي تتطاير في الهواء؛ راقصني هو وعانقني كمعشوقته التي يستعد للتضحية من أجلها ولكن دون أن يعبر ولو بحرف جعلني أشعر بأنني الفتاة الوحيدة بالكون بأكمله.. أتعلم ذلك المشهد بتلك الأفلام الرومانسية عندما يقترب البطل من البطلة ليراقصها وعند أول لمسة ونظرة بينهما يختفي الجميع من حولهما ويبقى هو وهي فقط؟! لقد عايشته، بكل ما فيه .. لقد توقف الزمن من حولي .. لم أرى سواه .. لم أشعر بنسيم الهواء البارد .. لم أستمع إلي الموسيقى .. فقدت الشعور بكل ما حولي وكأنني في مكان سحيق بعيد عن إتصافه بالحياة .. بمجرد إقترابه شعرت أنني بحلم، داخل رواية خيالية.. أو ربما بالجنة.. تجاهل تنهيدتي السخيفة تلك التي شابهت تنهيدات المراهقات واستمع إلي التالي.. مفاتيح سيارة سأجدها في انتظاري بمنزل خالي بدر الدين..قلادة من الذهب الأبيض منقوشة بأسمي باللغة الإنجليزية..خمسة براويز عجت بصوري السعيدة بمفردي ومع عائلتي ومعه التي لا أتذكر أياً منها حقاً..سوار كُتب عليه "my colorful girl" (فتاتي الملونة) زين بأحجار ملونة؛ جميعها ألواني المفضلة..روياتي المفضلة منذ صغري إلي أن سافرت المانيا على ذاكرة متنقلة..وبالنهاية.. صندوقاً عج بالملابس الملونة التي اعتدت أن ارتديها.. كانت تلك أولى هداياتي منه.. وبعدها يشاركني بعشاء لا أستطيع وصفه إلا بعشاء عاشقان.. مزاحه الذي يستطيع أن يحول مزاجي في لمح البصر.. نظراته لي.. شروده بي.. ملامسته ليدي في حميمية لم أشاركها أحد بحياتي.. أنامله التي جففت دموعي.. لم أرى سوى العشق الخالص بعيناه.. لا ليس هذا كل شيء؛ هناك المزيد والمزيد.. استمع إلي رفيفي.. صعدنا سوياً لتلك الشقة التي مكثت بها لسنوات وحيدة أبكي كالبلهاء وأقص عليك قصص بمذاق العلقم المر.. وكبراعته بكل شيء محى تلك السنوات وكراهيتي لهذا المكان ليستبدل مكانته بقلبي وجعله مكاني المفضل دائما حتى جعلني أريد أن احتفظ بهذا المكان للأبد بما فعله.. سأتوقف حالاً عن إثارتك بتلك الكلمات وسأقص عليك التفاصيل.. هيا معي عزيزي فلتبتسم مثلي وأنت تستمع إلي التالي.. لقد عانيت كثيراً، الجيع حولي يحاولون تزيين قراراتهم المتحكمة في عيني بينما يطفئون زينتي التي اندثرت مع كل قرارا وحكم علي.. لقد تخليت عن الكثير مما أُحب وأعشقه وأجد به راحتي .. لقد فارقت كل ما تمثله نفسي .. وكم كان فراقاً موحشاً.. عاد سليم ليأخذ بيدي، لتتحرك شفتاه بكلماتٍ أقنعتني لن أنكر هذا، كان بعينيه إصرار غريب على أن أتلمس التشيلو مرة أخرى ولكن بالرغم من إصراره الغريب لم أشعر أن كلماته تجبرني بل على النقيض تماماً، كانت كلماته كشفاء لأوجاعي.. تجرأت ليلة أمس وواجهت خوفي منذ سنوات، واجهت ذلك التعلق المسموم بتلك الآلة التي مثلت لي حُلماً منذ نعومة أظافري، جلست وتلمستها لأجد الراحة تسري بسائر جسدي كله.. كنت أشعر بالظمأ الشديد في يوم لم تغيب شمسه في متصف نهار صيف وبالنهاية ارتويت.. كيف لهذا الرجل أن يبدل بي كل شيء بين ليلة وضحاها؟ كيف ببضعة كلمات أستطاع أن يواجهني بتلك القديمة التي عملت جاهدة على أن أخفيها بعيداً عن أعين الجميع؟ صديقي العزيز أنت تعرف أنني تجاهلت هذه الفتاة منذ سنوات.. كانت تريد العديد من الأشياء ولم أستجيب لمطالبها .. كانت تصرخ وتصرخ وقسوت عليها كثيراً ولم ألتفت لصرخاتها .. كيف يأتي هو بفترة قصيرة الأمد هكذا ليواجهني بها بمنتهى السهولة؟ لماذا كل شيء أصبح بذلك اليُسر معه؟ لماذا أصبحت أنا بتلك الطريقة معه؟ أهو افتقاد للإهتمام؟ إنجذاب؟ أم أنني أخطو أولى خطوات العشق معه؟ تجاهل أرجوك تورد وجنتاي وتنهيداتي وابتساماتي وأستمع لي أرجوك .. ربما أجد معك الجواب .. أو ربما أنا أريد من يستطيع سماعي دون ملل.. ليلة أمس.. ليلة أمس.. لا أدري ما الذي حدث لي!! كيف لي أن أدع رجل يقترب مني بتلك السهولة؟ كيف سمحت له لا بل الأسوأ كيف سمحت لنفسي أن أعانقه بشدة وأستسلم أمام قبلته التي أنتقلت من قبلة إلي مداعبات إلي فرضه سيطرته بالكامل على جسدي؟ أهذا هو الأسوأ؟ أم أن الأسوأ أنني أريد تكرار الأمر معه؟ وا****ة أين تلك الفتاة التي توقف الرجال عن التمادي معها؟ أين ذهبت ارادتي؟ كنت أشعر بالغضب كلما حاول رجل أو شاب التقرب مني أو الإثناء على مظهري أو ملامحي، أما سليم قبلني وقارب أن يجردني من جميع ملابسي بتلك الرغبة المجنونة التي تبادلناها سوياً.. وها أنا أتذكر وابتسم.. لا أشعر بالغضب.. هل لد*ك فكرة أين ذهبت تلك الفتاة؟ لا أستطيع نسيان نظراته التي دفعت جسدي للإرتجاف، ذلك اللهيب الذي يسري بدمائي كلما تذكرت جسده الذي بدا ساخن للغاية.. يداه التي تنقلت على جسدي دون تروي لتجعلني كالجمرة بقاع الجحيم .. وليس هناك أي داعٍ لأخبرك عن تلثيماته التي قاربت أن أفقد وعيي بسببها .. غادرني بلحظة، تركني شبِقة للمزيد منه، للمزيد من تلك المشاعر التي لم أواجهها من قبل، تركني بتوسل واعتذار خفي بنبرته التي كلما تذكرتها أشعر أن جسدي ارتمى بقاع بركان، أحقاً يكترث لأجلي؟ أحقاً يكترث ألا أستاء أو أغضب؟ أحقاً أنا حمقاء ولم أحاول منذ سنوات أن أقترب منه وأدع لنفسي الفرصة كي تتسلل تلك المشاعر لقلبي؟ يحادثني ويمازحني كأصدقاء، بل كمراهقان.. يمكث طوال الليل بعد سفره لي وذلك اليوم الطويل عليه ليتحدث معي بشتى الأشياء .. يسامرني، يجعلني أشعر لأول مرة بتلك المشاعر الوليدة التي تولد بقلب الفتيات .. لقد اهتاج نبض قلبي لكلماته .. خفق وخفق تأرجح وتزلزل قلبي لتلك الضحكات وتلك الكلمات التي لم أتشاركها من قبل بحياتي .. ليلة كاملة من أجمل كل شيء إلي أن غفيا جفناي لأستيقظ وأستمع لأصوات أنفاسه على الطرف الآخر من الهاتف.. يا لنا من مراهقان!! توقف الآن ولا تحدق بي .. وأخبرني حقاً لماذا يفعل رجل كل ذلك من أجل فتاة؟ لا هو لا يريد أن يستدرجني وإلا كان فعل ذلك منذ الكثير من الوقت .. ولا يريد علاقة ليلهو بها وإلا كان ليأتي هنا منذ سنوات .. لا أجد تفسيراً سوى أنه يعشقني .. ولكن لماذا لا يصرح بها بصوتٍ عالٍ؟ لماذا لا يخبرني بعشقه؟ لماذا يريد التريث؟ لماذا يضعني أمام كل تلك الأسئلة؟ وهل حدث كل ذلك فجأة أم أنه كان يشعر بهذا منذ سنوات وشردت أنا بذاتي وتقوقعت على نفسي فلم آرى عشقه هذا؟! وكأنني أحتاج للمزيد من الأسئلة والغموض وأنا التي لا تدري من هي!!.. دعك من كل هذا وأبدأ بسماع تفاصيل اليوم، يومي الذي أستقبلت به شخصاً لم آراه منذ سنوات، وقفت بالمرآة لأجد زينة القديمة تعود، تعود بإبتسامة سعيدة وبألوانها المفضلة وبخجل من أن آراه مرة ثانية بعد ما حدث ليلة أمس.. أقسم لك أنني كنت أريد الهروب عندما التقت عيني بعينيه.. كنت أشعر بالتردد، بالخوف، بتلاطم مشاعر عدة متناقضة كثيرة لا نهاية لها.. تحول هذا الرجل من ابن خالي وصديق الطفولة يوماً ما إلي رجلاً آخر نظرته إلي تربكني وبنفس الوقت تجعلني أشعر وكأنني أنا الفتاة الوحيدة على وجه الأرض!! يا لو تعلم أنني كدت أسقط أرضاً أمامه صباح اليوم وقدماي كانتا كالهلام.. ليأتي هو ويبدد كل ذلك بمزاح وابتسامة جعلتني أنظر إليه من فرط انجذابي له ولإبتسامته الرائعة.. لا.. لم يكن يوم ميلاد عادي .. لقد ذكرني من أنا .. لقد تبارينا بمسابقة درجات كالأطفال تماماً أو كما عهدنا أن نتبارى بمنزل خالي أو منزل جدتي .. لقد ذكرني بأجمل أيام حياتي يوماً ما .. لقد تناولنا المثلجات سوياً، لا أنا لا أبالغ!! سوياً بمعنى أننا لعقنا نفس المثلجات سوياً حتى فرغنا منها تماماً .. أرجوك لا تدعي التقزز صديقي الأ**د .. أنت فقط لا تدري كلما شعرت بأنفاسه الساخنة ومذاق شفتاه المُخلف على المثلجات كان جسدي يرتجف داخلياً، نظراته وهو يراقبني أتناولها دفعت وجهي للتحول كالجمرة المتقدة وكم كنت محظوظة حقاً لأنني لم أكن معه بمفردي بشقتي وإلا!! .. لا .. لن أخبرك ما كان ليحدث لو أنني كنت بشقتي .. تكفي تلك القبلة التي شُل على اثرها جسدي بأكمله .. تكفي تلك الشرارة بعيناه عندما ألقى المثلجات أرضاً ثم جذبني إليه في قبلة لا أستطيع وصفها.. ما الذي يحدث لي كلما قبلني؟ كلما حدث أشعر وكأنني اريد أن التصق به طوال عمري وألا ابتعد عنه!! ولماذا أرى الغضب جلياً بعيناه عندما يبتعد عني بالنهاية؟ صديقي أنا أشعر بالخجل.. أشعر بالإحراج وأنا أعترف لك.. بالمرتان.. بالقبلتان ابتعد هو عني بينما كنت مستسلمة له للغاية!! لا أدري ما الذي علي فعله تجاه هذا الشعور بإنجذابي بشدة نحوه!! دعك من كل تلك الحيرة اللذيذة وأخبرني.. ألم تلاحظ شيئاً أيها الأ**د؟ أم أنك تفتقد بقية تلك التفاصيل السوداء؟ حسناً.. لقد كان وقت التغيير الشامل .. ليس بداخلي ومشاعري بل بكل ما يحيط بي أو هكذا جعلني سليم أشعر.. انظر حولك عزيزي.. أترى تلك الألوان العديدة؟! الأريكة التي تشابه لون السماء، وجارتها التي تشابه ألوان الورود ببستان خلاب.. تلك الصور، تلك الشراشف، الوسائد الملونة، الستائر الأنثوية، تلك الزينة المعلقة على الجدار.. بالطبع أنت ستكرهها ولكن نقدم معي وصافح تلك الفتاة؛ أحب أن أعرفك على زينة الدمنهوري الأصلية.. هذا ما أعتدت أن أحبه وليس السواد المعتم الذي دفنت به نفسي منذ سنوات.. أنظر لهذا البساط الملون.. سأفتقده حقاً عند سفري .. أريد بشدة أن آخذه معي عند عودتي .. أم لا .. سأبتاع واحداً مثله .. سأبتاع العديد من الأشياء الجديدة معه.. كما سأختبرها أيضاً.. أتدري!! لقد تحدث لي عن والدته مجدداً.. لقد وعدته أننا سنذهب لزيارتها سوياً عند عودتي .. بالرغم من تلك الشخصية التي يتملكني عقلي بها إلا أنه تحول لطفل صغير مجدداً .. يتغلغل بأفعاله وكلماته الحنونة بداخل كل نقطة دماء بعروقي وأشعر أنه يبهرني بشخصيته الجذابة وفي لمح البصر يعود لذلك الصديق والطفل الذي أعتدت أن أعرفه لسنوات.. أجد به كل ما قد أتمناه في الرجل الذي حلمت به منذ صغري .. ولكن متى سينطق بعشقه لي؟ ماذا ينتظر؟ وإلي متى سنسجن أنفسنا في هذه المرحلة .. هذه المرحلة ما قبل الإذعان والإعتراف بالعشق .. دعني أجد لك مسمى أفضل .. ما قبل الحب .. ما قبل الإعلان .. تلك المرحلة اللذيذة من الخجل والمزاح والإرتباك .. أو دعني أصيغها بمرحلة "الإستعباط!!" لا أستطيع أن أُكمل.. لا أريد تذكر وقت مغادرته.. ولا أستطيع أن أنتظر عودتي.. أنا أتلهف لأصبح معه مرة أخرى.. سأقص عليك البقية لاحقاً.. ربما أعيد لك كل ذلك مرة أخرى.. دعني الآن حتى أغرق في ***ة لذيذة وأنا أعيد تذكر كل ما حدث بيننا بهذان اليومان.. دعني أتذكر كل ما فعله من أجلي.. دعني لأعيش قليلاً بتلك الأحلام الوردية .. دعني أطرب أذناي مجدداً بنبرته وهي تناديني "حبيبتي".. ******* فتح عيناه عندما أيقظته المضيفة بالطائرة، لا يُصدق أنه وصد عيناه يُفكر بها ليغالبه النوم بمثل هذه السرعة.. يبدو وأنه من كثرة تفكيره بها قد رآها في حلمه، كم كان حلماً رائعاً .. حلماً به تلك التفاصيل التي شابهت اليومان الماضيان بالإضافة للكثير من ضحكاتها التي يعشقها.. تفقد الوقت بعد أن فاق من شروده بها مجدداً وبعد أن هبطت الطائرة شعر كأنه كالمنوم مغناطيسياً فتفكيره بها لا يتوقف، يمشي بين الناس، ينهي الإجراءات، انتظر حقيبته واستلمها ولكنه لا يزال لا يستطيع التركيز بأي أمر أو شيء سواها هي وحدها.. - لسه صاحية؟! أرسل رسالته على احدى وسائل الإتصال ولم يبادر بمهاتفتها قلقاً من أن تكون نائمة بمثل هذا الوقت.. وقد غفت بالفعل ولكن الإهتزاز الذي وضح وصول الإشعار بهاتفها جعلها تستيقظ، فهي كانت تنتظر وصوله بفارغ الصبر - اه.. - أنت وصلت؟ تفقد سليم هاتفه لتتوسع ابتسامته وهو يستقل احدى السيارات الخاصة بالمطار لتقوم بتوصيله للمنزل ثم أجابها - اه - طب مكلمتنيش ليه يا رخم؟! - خفت تكوني نايمة واصحيكي حدق بشاشة هاتفه بينما عقد حاجباه شيئاً فشيئاً لأخذها وقت طال لمدة خمس دقائق بينما يرى أسفل اسمها أنها تقول بالكتابة فتعجب مما قد تكتبه بكل ذلك الوقت وفجأة وجدها تهاتفه فأجابها على الفور.. "سليم.." نادته بنبرة نعسة "حمد الله على سلامتك" "الله يسلمك يا حبيبتي" همس مخبراً اياها لتتورد وجنتيها وتتوسع ابتسامتها وقد شعر هو بأنفاسها المضطربة إثراً على كلمته وتأكد أنها قد خجلت بسبب تلك الكلمة ليتابع هامساً بخبث ونبرة جذبتها أكثر له في لمح البصر "ايه؟ م**وفة عشان بقولك يا حبيبتي؟!" همهمت بالموافقة مجيبة فهي لا تستطيع مجاراته في هذا وهمسة لضحكة خجولة تفلتت منها لتتوسع ابتسامة سليم على الطرف الآخر "بقولك ايه.. اجمدي كده عشان لسه فيه دلع كتير اوي، مش كل اما اقولك حاجة ولا اقرب منك تبقي طماطماية كده.." ضحكت مجدداً بينما شعر أنها تريد النوم من ضحكتها النعسة المُرهقة "مش يالا تنامي بقا ولا ايه؟!" سألها وهو يحاول أن يبدأ بنهاية المكالمة "لأ.. خليك معايا شوية" همست بنبرة نعسة مجدداً "زينة!! أنتي عندك جامعة الصبح ولفينا كتير اوي النهاردة والساعة زمنها عندك بقت خمسة الصبح.. اقفلي وادخلي نامي" اكتسبت نبرته نوعاً من الجدية ولكن دون مبالغة "لأ عايزة أكلمك شوية" همست بدلال ليزفر سليم في ضيق "خمس دقايق بس وتقومي تنامي.." حدثها بجدية "هتعمل ايه بكرة يا سليم؟" سألته ونبرتها المُرهقة تزعجه "تقصدي النهاردة؟!" "تقريباً" "ابداً.. عايز ارجع اركز في الشغل عشان كنت مشغول اوي عنه الفترة اللي فاتت وفيه موضوع كده مهم هاكلم بدر فيه واحتمال اروح اتغدى مع ميرال و.." "ميرال مين دي؟!" حسناً.. لقد ذهب النعاس وحل مكانه الغيرة بنبرتها ليضحك سليم بداخل نفسه وقرر رفع سقف ذلك المزاح قليلاً "تقدري تقولي مراتي المستقبلية" كتم ضحكته وهو يسمع أنفاسها المرتبكة "مقولكيش بقا حتة مُزة!! رهيبة، طول بكيرفات، وانا بموت في النسوان الكيرفي، وضحكة قمر كده يا لهوي عليا.. وباباها صاحب بدر من زمان يعني يعرفوا بعض وكان فيه شغل ما بينهم و..." "تصبح على خير يا سليم!" قاطعته بنبرة حزينة وأنهت المكالمة ليضحك على ردة فعلها وانتظر حتى يصل لمنزل والده ثم اتصل بها مرة والثانية حتى انقطع الإتصال تماماً ليتن*د هو في غير تصديق وهز رأسه في إنكار بينما أرسل لها رسالة صوتية " لو ميرال مراتي المستقبلية تفتكري اسيبها واسافر واعمل لغيرها عيد ميلاد؟ أنا مفيش غير واحدة بس اللي عايز اتجوزها.. يمكن مع الوقت تعرفي هي مين.. بس أنا مش عايز استعجل حاجة معاها.. عايزنا ناخد وقتنا في كل حاجة ونتبسط بكل وقت بيعدي علينا!" تن*د في سأم "يارب ا****ر يفهم بقا.. وياريت تنامي علشان جامعتك.. وأول ما تصحي تكلميني.." زفر في انزعاج ثم توجه لداخل المنزل وقد علم أنه سيخوض جدالاً مع بدر الدين وسيحاول بشتى الطرق أن يقنعه بخطبة سيدرا لأدهم! ******* القى ذلك القلم من يده بعد أن أنهي تصميماً عمل عليه بجهد وحرفية لما يقارب فترة ليست بالهينة ثم زفر بعمق وأعاد ظهره بكرسيه ودلك عنقه فهو لا يزال مستيقظاً منذ ثلاثة أيام وقد أنتهى تماماً من وضع اللمسات النهائية على تصميمه الذي لطالما كان متيقن أنه سيحتاجه يوماً ما وأدخره للوقت المناسب وها هو سيفيد في خطته للإطاحة بعائلة الخولي وكذلك وليد .. للأبد .. فرك عيناه وهو يجذب هاتفه ثم نهض بمنزله وأخذ يسير وهو يُرسل للمساعدة الشخصية الأوقات المناسبة بالنسبة له لعقد عدة اجتماعات، واحداً مع شركة الخولي وآخر مع بعض المهندسين بشركته كي ينفذوا ذلك التصميم الذي أنهاه لتوه وبضعة اجتماعات غيرهما.. والآن يتبقى عليه العمل مع وليد.. سيراه.. سيحدثه.. وسيقنعه بكل شيء.. بالرغم من أن وليد قد بدأ في هذه التجارة قبل منه ولكنه ليس واسع الحيلة مثل شهاب.. هو يتأكد من ذلك جيداً.. ليس لديه تلك النظرة البعيدة التي يُقيم بها الأمور.. لذا سيلعب على تلك النقطة.. ذلك الرقم الذي يملكه شهاب ليس مسجلاً باسمه.. جيد جداً .. يريد الوصول لأحدى العاملين بشركة الهاتف حتى يدمر سجلات هذا الرقم تماماً وينقل اسمه لأحدٍ ما.. أحداً يعلم من سيكون جيداً لقد فكر بالأمر كثيراً وما هي إلا أيام قليلة حتى يُنفذ كل ما أراد.. تلك العائلة الملعونة أستنفذت من تفكيره الكثير! ألقى بهاتفه على احدى الطاولات ببهو منزله ثم توجه للخارج عاري الص*ر، لا يرتدي سوى بنطالاً باهت اللون قد حرر زره الأعلى ليسقط أسفل خصره بالكاد يخفي ما أسفله وجذعه بأكمله يلمع بمصاحبة قطرات العرق رغماً أن الاجواء ربيعية الا أن هذه عادته.. وجد قدماه تسير نحو المسبح وبالرغم من رغبته الشديدة بالنوم إلا أنه فكر كثيراً بخطواته القادمة، يحسب كل خطوة ويُرتب عقله أن بكل خطوة قد يتحول فجأة الطريق أمامه لطريقاً وعِراً به الكثير من العقبات لذا لكل خطوة جعل طريقان، إما يميناً أو يساراً.. ولكل طريق خطتان، خطة أساسية وأخرى بديلة.. تلك العائلة لن تكون سهلة أبداً، ذلك الرجل بدر الدين الخولي الذي رآه يتحول مائة وثمانون درجة من رجل يلاعب ابنه الصغير وكأنه بالثامنة من العمر لرجل تبدو عليه قسوة وجدية لاذعتان.. انطلقت ضحكة خافتة من شهاب بمنتهى السخرية والإحتقار عندما تذكر سليم، لقد فكر يوماً ما أنه الكبير بين الجميع، الرجل صعب المراس المتحكم بكل شيء ولكن يبدو أنه يتصنع تلك الشخصية ليس إلا! يبدو وأن والده هو العقل المدبر لكل شيء وما سليم سوى دمية تتحرك كيفما شاء والده.. على كلٍ لن يثق بتحليلاته، ومنذ متى وهو يثق بأحد؟! هو حتى لا يثق بنفسه، ولن يعتمد على التخمين بهذه اللعبة.. زفر ثم جلس ليتسطح بظهره على ذلك المقعد المسطح أفقياً ووصد عيناه وهو يُفكر بشدة وكأنما يعطي أوامر لعقله بالعمل بالرغم من شدة إرهاقه وصراخات عقله بأن يدعه يستريح ولو لساعتان ولكن عليه أن يراقب الجميع.. سليم، والده، وليد، أروى، إياد، وزينة.. ستعود حتماً لن تبقى للأبد بالخارج.. ولكن ماذا يعرف عنها؟ كيف سيجذبها إليه؟ لقد أشتاق لوالده.. كما أنه عليه أن يراجع الوضع المالي لأول ثلاثة شهور من العام.. لقد تأخر.. أين هاتفه؟! زفر بسأم بعد أن تحسسه بجيبه وهو موصداً لعيناه ولم يجده!! لماذا تركته بالداخل أيها الأ**ق!! تآفف من نفسه.. سلمى!! لقد قسى عليها آخر مرة.. متى كانت آخر مرة ضاجعها بها؟! منذ شهر او اكثر.. ربما .. لا يدري .. أهي بخير .. لماذا يكترث لع***ة؟! سيهاتف وليد .. سيبدأ بالبناء ليتخلص من الجميع .. يريد النوم بشدة.. ولكن عليه العمل .. شحنة الممنوعات والإتفاق عليها .. أيفعلها بنفسه.. لا بل وليد هو من سيتولى كل شيء.. يكفي أنه من سيوفر له النقل .. سيقنعه أنه لديه المشتري .. لا لن يقنعه .. ولكن ذلك سيغريه أن ينفذ جميع ما يريده شهاب دون ارتياب .. مبلغاً من المال ، مبلغاً ضخماً وسيوافق .. والدته!! يُفكر بالأمر منذ كثير.. لقد أعاد والده التحدث بالأمر.. هل سيراها؟! لا لن يراها!! لن يفعلها ولو بعد مائة سنة.. يستحيل.. هي اختارت وهو الآن من حقه الأختيار.. رأسه تؤلمه.. ولكن عليه استكمال العمل.. جسده اللعين لماذا لا يتحرك؟! هو يحاول النهوض منذ دقائق ولكن ماذا يحدث له؟! افترقت شفتاه وانتظمت أنفاسه ليغرق بالنوم.. أو ربما فقد وعيه مؤقتاً.. ******* "الحمد لله إني لقيتك صاحي يا بدر" صدح صوت سليم بتلك العتمة التي غرق بها بدر الدين منذ ساعات وكاد أن يضيء الأنوار ليوقفه صوت والده الهادر "متولعش الزفت وامشي اطلع برا دلوقتي" وقعت نبرة والده عليه لتدفعه للزفر في انزعاج وإدراك أن مهمته لن تكون سهلة "حاضر خلينا قاعدين في الضلمة علشان الحاج بدر يتبسط.. إنما أمشي أطلع برا دي صعبة اوي عليا.. مش قبل ما احكيلك اللي حصل.. ياااه .. ده أكتر قرار صح اخدته في حياتي.. كان لازم اروحلها من زمان.. مش تلفت نظري يا جـ.." توجه بخطواته وبرته المرحة السعيدة نحو والده ليقاطعه بدر الدين متحدثاً بتحذير بين أسنانه المطبقة "قولتلك امشي اطلع برا" شدد على كل حرف وهو يزجره ليأتي سليم ويجلس بجانبه ثم اراح ظهره على الأريكة التي جلس عليها بدر الدين بجسد مسترخي على ع** الأخير الذي شبك أصابع يداه وكأنما يكظم نفسه عن اقتلاع رأس أحد ما عن جسده وأقترب بجذعه من ركبتيه ليستند بكوعيه عليهما "خير فيه ايه؟!" تحولت نبرة سليم للجدية "مش هاتكلم دلوقتي في حاجة وقولت امشـ.." "مش احنا أصحاب؟ مش بحكيلك على كل حاجة؟ والمفروض إن أنا ابنك الراجل الكبير؟ ناوي تخبي عليا يا بدر؟" تحولت نبرته للإستعطاف ولكنه استمع لزفرة والده المنزعجة ثم خلل شعره حتى كاد أن يقتلعه لينهض كالمجنون "سليم!! مش وقت الكلام ده .. قولتلك اطلع برا" علت نبرته في غضب بينما تعامل معه الآخر بحيلة "حلو.. لا بجد حلو اوي.. عملت بوصية ليلى اللي وصتهالك يا .. بـد.. أقصد يا بابا.." تصنع الآسى والحزن بنبرته ونهض بخطوات متريثة ليتجه صوب باب المكتب وكأنه سيغادره وأكمل حيلته الماكرة بينما الآخر شعر وكأنما رأسه ستنفجر، ها هو ستضيع منه ابنته الوحيدة لذلك الفتى الذي لا يتذكر متى دخل حياتهم ويأتي سليم ليذكره بليلي ووصيتها!! أحقاً أخطأ؟ وما تلك الليلة اللعينة ليحدث بها كل تلك الأحداث؟ ولماذا يريد الجميع إغضابه بهذا الشكل؟ أيريدونه أن يقوم بقتل أحد؟! أم يريدون القضاء عليه بما يفعلوه؟ "حتة العيل ابن شاهندة اللي مولود اول امبارح جي وعايز يخطب أختك.. أختك اللي لسه متمتش عشرين سنة.. عارف يعني ايه؟!" صرخ به وقد احتقن وجهه بدماء الغضب وكأنما كادت عروقه أن تنفجر ليوقفه والتفت إليه سليم وهو يكاد يقسم أن لمعة عيناه تظهر بتلك الظُلمة فتشجع وأقترب منه "طب عايز حد يضحك عليك ويخاف من الشويتين دول ولا يتكلم معاك كلمتين بجد؟!" حدثه بجدية وهو يحاول أن يتبين ملامحه بالظلام الذي تخلله شعاعاً من الضوء الخافت الذي تسلل من النافذة بنما تلاحقت أنفاس بدر الدين في غضب عارم حتى سمعها سليم ولكنه لن يترك والده "بنتك.. أختي الصغيرة.. خلاص كلها شهر وهتخلص امتحانات سنة تالتة هيبقا ناقصلها سنة وتخلص.. أدهم .. تربية شاهي وجوزها اللي مفيش احسن منهم، ابنهم إنسان شاطر ومتفوق ومحترم.. وهو كمان قدامه سنة ويخلص جامعة.. ممكن افهم ايه مشكلتك بالظبط؟!" نظر له دون توقع أن بدر الدين سيصل غضبه إلي تلك الدرجة "أنت بتستعبط ولا ايه؟ أنت فاهم كلامك ده معناه ايه؟!" أمسك بمقدمة قميص سليم ليهتز جسده بين يدي والده ولكنه بقيَ ثابتاً على وقفته وهو حتى لم يخرج يداه خارج جيبي بنطاله.. "عارف.. معناه إنك هتموت من الغيرة عليها ومش قادر تصدق إنها كبرت وبتتجوز" أخبره بهدوء بينما شعر بدر الدين بغليان الدماء برأسه "جواز! جواز ايه اللي تتجوزه بنت امبارح دي.. ده يادوب بيقولوا خطوبة وانت بتقولي جواز! اتمسى يا ابن ليلي وامشي من وشي السعادي" نهره بعنف ولكن سليم لن يتركه إلا وهو مقتنع تماماً "بدر.. خد بالك غيرتك دي اللي بتتكلم مش عقلك" ابتسم بوجهه ليصل بدر الدين لأقصى درجات الإستفزاز "قولتلك امشـ.. " "مش ماشي يا بدر.. ما تلم الدور بقا.. العيال بيموتوا في بعض من قبل ما يدخلوا مدرسة.. ما تروق كده يا وحش" قاطع صياح والده "أنت عيل ابن كلب صحيح.. أنا دمي محروق وانت بتهزر.. ورحمة ابويا يا سليم لو ما اتلميت هرتكب فيك جريمة.. غور امشي من قدامي" صرخ به بدر الدين وتركه خلفه ليهرول سليم متعلقاً بعنق والده "بس ايه الحمشنه دي كلها.. بتحسسني اني بطة بلدي قدام زوزا" أخبره بمرح ليرمقه بدر في ذلك الظلام بنظرة انزعاج "بص بس يا معلم أنا هاقولك ليه الواد أدهم أكتر واحد مناسب للبونبوناية بتاعتنا.. تعالى بس تعالى وفك التكشيرة دي" دفعه رغماً عنه حتى يجلسا على الأريكة سوياً  "متحاولش يا سليم.. أنا مش موافق" تحدث له بإقتضاب ولكن قد قل إنفعاله قليلاً "استنى بس واسمعني.. بلاش غيرتك تعميك يا بدر، هو مش أدهم ده مولود على ايدك وابن شاهي اللي معندكش حد في غلاوتها؟!" سأله بهدوء بينما زفر والده في غضب شديد "رد بس عليا من غير عصبية على الفاضي"  "ايوة.. كلامك صح بس بردو ميدلوش الخـ" تحدث بحنق وانزعاج بالرغم من صحة ما تفوه به سليم "طب الواد والبت بيحبوا بعض من وهما في اللفة، عيل ابن ناس، شاطر في دراسته، وبكرة نشوفله اي حتة تلمه في الشركة، ولما بيشوفني بيتخض ولما بيبصلك بيترعب، يعني استحالة في يوم عقله يسوله يزعل بنتنا" قاطعه وهو ينظر له بينما لم تهدأ أنفاسه المتلاحقة الغاضبة "شاهي هتبقا حماتها.. حمزة هيكون حماها.. وأدهم هيكون هنا مكاني بعد لما امشي مم البيت واتجوز لما تحب تاكل حد على قفاه" لانت شفتاه بإبتسامة مرحة بينما تحولت ملامح بدر الدين للصدمة الشديدة "تمشي فين؟" تحدث سائلاً بصدمة "ايه يا ريس مش ناوي تجوزني زوزا ولا ايه؟" عقد سليم حاجباه وهو ينظر لوالده في جدية يتصنعها "هجوزهالك.. بس ايه هامشي دي؟" سأله بمنتهى الجدية وقد تركه الغضب تماماً وتملكت الصدمة من ملامحه أكثر لتتطغى عليه "نروح بيتنا بقا واسيبلك سيدرا وأدهم" ابتسم بتلقائية وبلاهة وكأنما يتحدث بأمر طبيعي للغاية ليعقد بدر الدين حاجباه "بيتك هنا يا سليم! مش هاتخرج منه أبداً" أشاح بنظره بعيداً وكأنما شرد بأمر آخر "اوبااا.. بدور مش هيقدر على بُعدي ولا ايه؟" نظر لوالده بإبتسامة مازحه ولكنها تحمل العديد من تلك العواطف التي لطالما تشاركاها ليرمقه بدر الدين بنظره نارية ثم أشاح بنظره مجدداً بمنتهى الغضب فأكمل سليم حديثه "فكرك نجوى يوم ما أنت ما بعدت كانت مبسوطة؟ ويوم ما هديل عمتي بعدت كانت فرحانة مثلاً.. دي سنة الحياة.. جوز ولادك بقا وأفرح بيهم وبولادهم يا أبو سليم" ابتسم لوالده منتظرا تغير ملامحه بينما ازدادت عقدة حاجبي الآخر "كلكوا خلاص كبرتوا وعايزين تسبوني! ماشي يا سليم" أخبره بنبرة صرخت بالحزن أكثر منها غضباً ليقترب سليم منه ثم أحاط كتفيه بذراعه "نفك التكشيرة دي بقا ونزأطط شوية.. الخطوبة بعد الامتحانات بتلت ايام.. ايه رأيك؟" عاد بدر الدين لغضبه مرة أخرى وقبل أن يتحدث بادر سليم بالحديث "عشان زوزا تكون معانا في الخطوبة.. وحياة نورسين عندك لا توافق" توسله وهو يرسم ملامح البراءة على وجهه "ماشي" أخبره والده بإقتضاب بعد صمت دام لبرهة "ماشي يا ولاد الكلب لما اشوف اخرتها معاكم! بس مفيش جواز غير لما ابن امبارح ده يتخرج ويشتغل فترة محترمة" "ابن امبارح ده احنا نمرمطه.. اهم حاجة رضاك يا معلم.. اخنا نطول بدر يوافق.. أخيراً هنلمهم بدل ما هم ماشين يسرقوا.. يااااه هم وانزاح يا اخي" زفر براحة واكمل مزاحه لتعود ملامح الغضب مجدداً لتتغلب على وجه بدر الدين "يسرقوا! العيال دي كانت بتعمل ايه يا سليم؟" صاح سائلاً بإنفعال شديد "يا حاج أنت مخلف سوسن يعني! اخرهم النادي والمول اللي بعدينا بكام محطة وبيلفوا ويرجعوا تاني وانا دايماً لازقلهم! فكرك هسيب سيدرا للواد الملزق ده.. ده انا كنت دبحته" أطبق بدر الدين أسنانه وهو يخاول أن يكبح غضبه بكل ما أوتي من قوة"بقولك ايه بقا هو انت مش شايف غير سيدرا ولا ايه.. ابنك اللي مسافر ده مش تطمن عليه عمل ايه مع الزوز َلا خلاص من لقى احبابه يعني؟ وعلى فكرة الاهتمام مبيطلبش" حاول أن يغير مجرى الحديث وقد نجح بذلك "هببت ايه يا حيلتها!" حدثه سائلاً بسخرية "الزوزا اتبسطت.. كانت طايرة من الفرحة.. وخلتها تعزف زي زمان وحاجة هايلة.. تخلص بس امتحاناتها وتفوق كده وانا اروح اخطبها على طول" "طب ما تتلحلح وتروح تخطبها في اجازتها اللي جاية دي" "صعب يا بدر" اخبره متن*داً بينما تلاقت أعينهما لينظر لوالده بحيرة وجدية "مش قبل ما اتأكد انها عايزة سليم نفسه.. مش سليم الشهم اللي بيضحكها وبيخرجها من اللي هي فيه، زينة متلخبطة اوي يا بابا واشك اصلاً انها عارفة هي عايزة ايه" صمت مبتلعاً ثم سادت لحظة من هدوء فسليم يفكر ملياً بالخطوة القادمة معها بينما والده يتفحصه بعناية ليهز رأسه في انكار "نفسي اعرف اخر حنيتك دي ايه! اللي يشوفكوا وانتوا ماسكين في بعض مايشوفكش دلوقتي" اخبره بتهكم وبداخله يتألم لرؤية ابنه متعلقاً بعشق يؤرقه ليلاً ونهاراً "كله هيبقا تمام متقلقش" تبسم لوالده بإقتضاب وهو ينهض ليغادره "خد هنا ياض انت محكتش حاجة.. ايه اللي حصل لما روحتلها؟" تعجب سائلاً وهو يتابعه بعيناه الثاقبتان وهو يستشعر مغادرته "هحكيلك بالتفصيل الممل بس بعد ما ارجع بكرة من الشغل وكمان يادوب انام ساعتين احسن هلكان من السفر ولازم اصحى عشان هافطر انا وميرال سوا" "ميرال!" عقد بدر الدين حاجباه في استفسار "ايوة ميرال.. لازم اعرف بينها وبين شهاب ايه" "ناوي تنقل العطا من زينة لميرال ولا ايه؟" سأله بسخرية "اكيد لأ" أومأ بإنكار "بس الكائن ده مش مريحني وهي لما شافته مكانتش على بعضها" "تلاقيها قصة حب فاشلة ولا حاجة.. مش اكتر.. انت مكبر الموضوع" هز كتفاه واردف "ويمكن بتحاول تنخرب وراه عشان غيران على حبيبة القلب منه" غمز له ليزفر سليم في حنق "يادي النيلة.. انا مش غيران يا بدر.. تصبح على خير" غمغم في سأم ثم اشاح عنه وجهه تاركاً غرفة المكتب وتوجه لغرفته "وأنت من أهله" اجابه ثم تمتم "ويجوا يقولولي اني بغير.. جيبتك يا عبد المعين صحيح!" نهض بدر الدين مبتسماً بسخرية ثم تذكر للحظة كل ما بدر منه تجاه نورسين وشاهندة ليزفر في سأم.. فهو الآن فقط يدرك فداحة ما  فعله وعليه أن يُصلح الأمر مع الجميع! *******#يُتبع . . . 
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD