تفحصته بزرقاوتيها وهي تنظر لنهوضه المفاجئ الغاضب وحركاته التي غُلفت بالغضب الملحوظ، طريقته لجذب هاتفه ووضعه بجيب سترته الرسمية وكذلك تخلليه لشعره الفحمي بأصابعه وهي تتعجب لماذا غضب! حسنا.. لربما أنها اتخذت قرارا دون أن تعود له به.. ولكن هذا حقها على كل حال، أيظن أنه سيتحكم بها؟! لا، لن يحدث ذلك ولو بعد مائة آلف عام ولن تتغير أبدا.
إذا يريدها أن تعمل معه بتلك الطريقة التي تتسم بالتحكم العارم بكل أمر، إذن عليه أن يبحث عن أخرى، ليست هي من تسمح بأن يتحكم بها أحد، فيكفي تلك التحكمات الصارمة التي تحملتها لسنوات ولن تترك الفرصة لأحد كي يتحكم بها مجددا.
"سليم.. أنت رايح فين؟!"
همست سائلة حتى لا يلاحظهما أحد بينما أروى وعاصم علما مسبقا أنه لن يدع قرارها المفاجئ بالذهاب لتفقد العمل بأحدى المواقع يمر على خير دون تدخله، أمّا شهاب فقد ترجم تصرفاته في لمح البصر، لقد رآى غيرة الرجال بعيناه وبلغة جسده، هو يشعر نحوها بشيء ما.. جيد جدا.. هذه فرصته التي لن يتركها لتمر دون أن يُعكر صفو حياته عليه كما فعلها هو معه من قبل، فإذا كان عليه أن يفرغ غضبه المكتوم من سليم نفسه على سلمى، فليريه هو كيف سيفرغ غضبه مما سيفعله اليوم مع زينة، بل وأمام عيناه!
نظر لها سليم نظرة لولا أنهما كانا متواجدان بالقرب من الجميع لصرخت من الخوف الشديد الذي اعتراها، لوهلة ظنت أنها لطالما هي ستعمل بصحبة سليم سيكون الأمر أهون، أمّا بعد تصرفاته الغريبة اليوم تمنت لو أنها لم تستمع لبدر الدين أبداً..
"أتفضل يا Mr شهاب أختار الموقع اللي تحبه.. تحب تروح فين بالظبط؟!" لم يعرها سليم أي أهتمام بينما سلط نظرته الثاقبة المهنية بعيني شهاب البنيتين الذي تحدث بثقة مجيباً اياه
"عندكوا مواقع في أكتوبر.. هيكون قدامنا اختيارات كتيرة هناك" نظر له متفحصاً اياه بينما تلذذ بداخله من ذلك الغضب الملحوظ البادي على ملامحه
"تمام اتفضل" تحدث له بإقتضاب وتوجه نحو الباب ليتوجه كذلك شهاب الذي مشي بخطوات واثقة نحو الباب لتتعالى أنفاس زينة في هرجلة لتهمس لشهاب
"هو أنت راكن فين؟!"
"في الجراج B12" اجابها عاقدا حاجباه متعجبا من سؤالها
"استناني طيب أنا هاجي معاك" همست له مجددا ليشعر كم أنه محظوظ للغاية اليوم ولاحظتهما أروى التي صدح صوتها لتوقف الجميع
"أنا ممكن اجي معاكم واهي فرصة أشـ.."
"لو سمحتي يا Miss أروى أنتي عندك شغل واجتماعات أهم بدل اللف على المواقع.. اتفضلي شوفي شغلك" قاطعها بنبرة حازمة انفجرت على اثرها غضباً بداخلها لمعاملته لها هكذا أمام الجميع وكأنها ليست ذو شأن لتكتم ذلك الإنفعال بداخلها لتقوم بتبديله بإبتسامة
"عندك حق يا Mr. سليم، بعد اذنكم" استأذنت من الجميع وقد قامت بآخذ حاسوبها وهاتفها وتوجهت للخارج بسرعة بينما بداخلها ثارت كل قطرة من الدماء بعروقها وأقسمت أنها لن تدع ذلك الموقف يمر مرور الكرام دون أخذ ردة فعل مع سليم!
أمّا عن عاصم فهو كالعادة لا يملك ذلك الحضور الطاغي ولا شخصية القائد بداخله لذا جمع أشياءه في هدوء تام ولم يلاحظه أحد بل تركوه خلفهم وتوجه الجميع للخارج وأستقلوا المصعد.
ساد ذلك الصمت المريب لا يقاطعه سوى مزيج من العطور الرجولية الطاغية وأنفاس ثلاثتهم غير المنتظمة، أنفاس شهاب التي شعرت بالراحة الشديدة، أنفاس زينة المترددة مما تفعله، وأنفاس سليم التي تمزقت غضباً وحقداً على أفعال تلك الصغيرة التي لو أستمرت ستقتلهما يوماً ما!
أعلن صوت رنين جرس المصعد عن الوصول للمرأب لتستأذن زينة بسرعة حتى تتهرب من سليم وتنجح بخطتها للذهاب مع شهاب بدلا منه، فهي لا تريد أن تتعارك بخصوص عمل هي لا تريده بالأصل!
"هاروح التواليت وهاجي" تحدثت معلنة دون أن تنظر لأي منهما وترجلت من المصعد لتتركهما خلفها مسرعة وابتعدت حتى تتخلص من الجميع.
انزوت لركن بعيد عن اتجاه المرأب ثم وضعت يدها على ص*رها تزفر بعمق شديد وهي تحاول أن تنظم أنفاسها المهرجلة، هي لا تدري ما الذي تفعله، وما الذي جعلها تتخذ قرارا كهذا وهي بالفعل منعدمة الخبرة تجاه كل ما يدور حولها، فهي لم تقم بزيارة المواقع ولا تعرف كيف لها أن تتعامل بحرفية مع عميلٍ ما ولا تعرف ما الذي جعلها تندفع بتلك الطريقة في وجه سليم، ولكن اجابتها الوحيدة على تلك الأسئلة المتواترة على رأسها هي أنها لا تريد أن تترك الفرصة لأحد أن يفرض تحكماته عليها، سليم، أخواتها، وبالطبع قبل الجميع والدتها..
زفرت مرة أخيرة ثم توجهت وهي تتفقد بزرقاوتيها موضع سيارة سليم الذي صف به سيارته صباحا وأطمئنت بداخلها أنه بعيدا تماما عن موضع سيارة شهاب الذي أخبرها به منذ قليل وتوجهت نحوه ثم دلفت السيارة ونظرت له لتتلاقى ثاقبتاه بعينيها البريئتين
"تمام.. ممكن نمشي دلوقتي.."
حاولت التحكم في ملامحها التي توترت لبرهة واستعادت ملامحها الطبيعية ليرمقها لثانية ثم شرع في القيادة مغادرا المرأب ولم يكترث أيا منهما لذلك الذي يحترق غضبا منتظرا اياها بسيارته.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"طب ما أنا عارفة وملاحظة من زمان أوي.. وماما كمان ملاحظة.."
ابتسمت له في ود ليندهش الآخر رافعا حاجباه وقاطع ذلك الصمت الذي ساد لثوانٍ النادل الذي قام بوضع الطعام أمام كلاً منهما لتبتسم له في امتنان
"ميرسي"
أخبرته ثم أعادت عسليتيها لإياد الذي شعر بتلجم لسانه وتعالت خفقات قلبه في توالي شديد لتضحك بخفوت على ملامحه التي غاب منها الدماء فقررت الرفق عليه بالنهاية وتحدثت هي حتى تشيح تفكيره عن تلك الحيرة التي وقع فيها
"بص يا إياد أنا مش عايزاك تقلق.. ماما مش رافضة أي حاجة بالع** دي مأيده جداً الموضوع وبتحبك اوي، وأنا هاكدب لو قولتلك إني مش حاسة بمشاعر من ناحيتك ومن زمان كمان، سيبك من فرق السن ما بيننا، وسيبك من إنك بتحاول تخبي.. أنا.. أنا مش بس بهتم بمذاكرتي وجامعتي.. أنا بحس على فكرة" ابتسمت له ليحدق هو بعسليتيها وللحظة شعر بالإطمئنان من كلماتها
"يعني أنتي كمان بتحبـ.."
"استنى يا إياد" قاطعته مسرعة "أنا لسه قدامي جامعة، فيه مستقبل كبير أوي بعيد عن عيلة الخولي نفسي اختاره لنفسي، بلاش نتسرع في حاجة.. لو هتقدر تستنى شوية أنا هاكون أسعد إنسانة في الدنيا.. معلش أنا مقصدش حاجة بس كل واحد عنده أولويات في حياته وأنا لغاية دلوقتي مش عايزة أركز في حاجة تانية لأن صاحب بالين كداب!"
"عايزاني استنى يا أسما لغاية امتى؟! أنتي عارفة أنا عندي كام سنة على الكلام اللي أنتي بتقوليه ده؟! عايزاني استنى ايه تاني أكتر من كده؟!"
"تمانية وعشرين سنة وتلت شهور وخمس أيام" ابتسمت له لتعود رأسه للخلف عاقدا حاجباه في تعجب "أرجوك يا إياد إن كنت بتحبني زي ما بتقول تصبر شوية لغاية ما أخلص جامعة وأفهمك على كل حاجة وساعتها تقدر تختار.. بس أنا مش هاقدر التزم بأي ارتباط دلوقتي عشان مظلمكش ولا أظلم نفسي معاك لأن غصب عني مش هاقدر ادي كل حاجة وقتها"
"مش معنى إني بحبك يبقا تستغلي ده على فكرة!" تحدث بجدية لتبتسم هي له في غير تصديق
"استغل!!" اقتبست كلمته لتكررها ولكنها قررت أن تطنب في الحديث اليوم بمنتهى الإيضاح وكذلك قررت أن تأخذ الفرصة بمواجهته بكل شيء حتى لا تترك أياً من التفاصيل غير واضحة وهي بالرغم من كل خططها المستقبلية إلا أنها تريده هو الآخر مثلما يريدها "أنا هافهمك على كل اللي بفكر فيه، وساعتها ليك الإختيار!"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
زفر كل ما برئتيه من هواء وهو يحاول أن يهدأ من نفسه لكنه لا إراديا سحق أسنانه غضبا من أفعالها اليوم وخاصةً أمام شهاب ذلك الذي لم يشعر تجاهه بالراحة منذ أول يوم وقعت عيناه عليه وكلما لاقاه كلما شعر بعدم الراحة أكثر وأكثر، لابد وأن خلف تلك الملامح الهادئة ونظراته الثاقبة شيئا ما لا يعمله ولكنه سيحاول أن يعرفه بأقصر وقت ممكن، ولن يدعه هكذا دون أن يفلت من بين يداه حتى يدري جيدا مع من يتعامل!
ازداد غضبه وتعالى كلما فكر فيما حدث بينهما، هو لا يريد أن يُفسد الأمر بينهما، لا يريد أن يعاملها بتلك الحدة حتى تكرهه، سيأتي حتما يوما ما الذي سوف يعترف لها بكل ذلك العشق الذي يقيده بداخله منذ سنوات تجاهها ولكن شخصيتها العنيدة الجديدة تلك ستفسد الأمر تماما بينهما ولن تتقبل مشاعره، وكذلك لن يتنازل هو عن شخصيته التي تتسم بالشدة والقسوة في العمل، كل من يعمل معهم صغيرين بالسن، يفتقرون للخبرة، وكذلك هو أيضاً بالرغم من أنه أكبرهم سناً ولكنه لم يعمل إلا منذ سنوات ولن يترك فرصة للفشل أمام أحد ولن يسمح بأخطاءهم هم كذلك..
شعر بمرور الوقت يزداد وتعجب من تأخر زينة الذي لم يتوقعه فأخرج هاتفه من جيبه حانقا واتصل بها وبعد عدة ثوانٍ اجابته في هدوء.
نظرت لهاتفها الذي صدح في ذلك الصمت الغريب الذي دام بينهما منذ أن دلفت سيارة شهاب الذي لم يلتفت لها ولو لمرة واحدة ووجدت أن المتصل سليم الذي بالرغم من محاولتها لتجنبه إلا أنها بنفس الوقت تود أن تثبت له أنه لا يستطيع التحكم بها!
"الو"
"أنتي كل ده مخلصتيش؟! ولا نسيتي إن ورانا شغل؟!" تحدث بين أسنانه في ضيق وحاول ألا يظهر انزعاجه من تصرفاتها في نبرته
"لا طبعا.. أنا مشيت من بدري مع شهاب" حلقت زرقاوتيها لترمق شهاب للحظة أمّا عن سليم فهو أقترب من أن يهشم هاتفه بين يده غيظاً وغضباً منها.
"تمام!! هبعتلك عنوان الموقع"
أنهى المكالمة في هدوء لاذع حتى قلبت زينة شفتيها تعجباً من أسلوبه الذي أنهى به المكالمة، وكانت بالفعل محظوظة لأنها لم تكن بجانب سليم، فلو كانت معه الآن لكانت رآت ماذا يعني الغضب بكل ما يحمله من معانٍ بل وتصرفات.
شرع في قيادة سيارته بسرعة جنونية حتى يلحق بهما وهو يحاول أن يسلط تركيزه على الطريق بين المزيد من المحاولات لتناسي ما فعلته هي معه ولكن بلا فائدة!! وهو لن يترك فعلتها أن تمر دون أن تعلم جيداً كيف تتعامل معه، فهي للتو جعلته أ**قا أمام نفسه وحتى أمام شهاب الذي بالطبع استمع للمكالمة التي حدثت للتو، ولن يتقبل أبدا أن يبدو بذلك المظهر أمام أحد وأقسم لنفسه أنه سيعمل بكل جهده على أن تعرف هي مع من تتعامل، ولكن عليه التخلص فقط من هذا اليوم!.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"انا مش فاهمة الإنسان ده بجد" تمتمت بخفوت وهزت رأسها في تعجب لتزفر في ضيق
"بتقولي حاجة؟" تسائل شهاب دون أن يرمقها وسلط نظره على الطريق وانتظر ليسمع بعناية نبرتها التي ستتحدث بها حتى يستطيع فهمها جيداً
"مش عارفة سليم ماله من النهاردة الصبح وهو غريب.. أصل مش طبيعي طريقته اللي بيعاملني بيها دي وأنا استحالة اسمحله إنه يتحـ.." توقفت عن الكلام من تلقاء نفسها فهي لن تبوح لأحد هكذا بمنتهى السهولة عن كرهها الشديد بأن يتحكم بها أحد
"يمكن عشان النهاردة أول يوم ليا في الشغل مستغربة بس كل حاجة" حاولت أن تتدارك الموقف أمّا هو فقد علم جيداً أنها تحاول إخفاء الأمر
"أنتي عمرك ما روحتي المواقع قبل كده؟!" سألها بهدوء ومجددا دون أن ينظر لها ليلاحظ تحركها بالكرسي جانبه والتفاتها الكامل له وكأنها طفلة صغيرة جالسة بالسيارة
"اه عمري ما روحت!! فيه مشكلة يعني؟!" تحدثت له بلهجة حادة ليتدارك هو الموقف ببضعة كلمات ولولا أنه يحاول التعرف عليها لكان صفعها بكل ما لديه من قوة حتى تختار بعناية المرة القادمة طريقة تحدثها معه
"أكيد لأ.. أنا بس بسأل! أصل بصراحة شايف إن فيه بينكم وبين بعض مشاكل في الشغل.. ودي حاجة مطمنش أي حد يجي يشتغل مع شركتكم" تحدث بنبرة حملت الإستهزاء والسخرية في طياتها لتقطب زينة جبينها في اعتراض على كلماته فهي بالرغم من عدم اتفاقها مع أخواتها وعدم قبولها للعمل في شركة عائلتها وبالطبع عدم تقبلها لطريقة سليم إلا أنها لن تدع شخصا لا تعرفه بعد يتوجه لها بالتحدث بتلك الطريقة عن عائلتها
"لا كله تمام ما بينهم أنا بس اللي مش عايزة اشتغل واكيد مش هاكمل معاهم، مجرد فترة مؤقتة" أخبرته ليطلق هو ضحكة لم تتحرك لها تقاسيم وجهه كما آتت تلك الضحكة لتعبر عن الإستهزاء التام
"وأنت بتضحك كده ليه، لو مش عاجبك كلامي ممكن أمشي على فكرة وتروح تقابل سليم هناك!" صاحت في انفعال بينما تحكم هو في هدوءه وهو لولا أنه لا زال يتعرف على الجميع ويدرس تصرفاتهم لقام بإلقاءها حرفياً من سيارته دون اكتراث لها!
"يعني مستعجب ايه اللي يجبرك تشتغلي.. وايه كمان اللي يجبرك تستحملي سليم!" هز كتفاه متصنعا التعجب
"عادي.. أنت مثلا أكيد بتضطر إنك تعمل حاجات مش عايزها عشان خاطـ.."
"أنا مبقبلش حاجة تتحكم فيا ولا بضطر أعمل حاجة عشان حد، ولو فعلا حد عاملني في الشغل زي سليم ابن خالك كنت مكملتش دقيقتين ومشيت!"
لقد قاطعها، حسنا، لقد طرقت كلماته بعنف على ذلك القيد الذي تحاول أن تتخلص منه منذ سنوات عديدة، بل وشعرت أن بالرغم من غرابة شخصية ذلك الرجل أمامها إلا أنه يشبهها نوعا ما..
عقدت حاجبيها وشردت في الطريق وعادت للصمت التام وأخذت تفكر بكلامه، الهذا الحد كان واضحا أن سليم كان يتحكم بها أمام الجميع.. بتلقائية شديدة أعادت ظهرها للوراء وجلست معا**ة لأحدى ساقيها فوق الأخرى لتبدو في غاية الأنوثة الذي كادت أن يصرخ لها عقل شهاب فهو لا يستطيع معرفة ماهية شخصية تلك الفتاة بعد!
بالرغم من تصرفاتها المتضادة، نبرتها المتغيرة، تلقائيتها تارة وحديثها الذي يبدو منمقا تارة أخرى، اندفاعها وتريثها المتلاحقان، لاحظ شهاب أن كلماته تلك قد تركت تأثيراً بها نوعاً ما ودفعها للسكوت ليبتسم بداخله لمعرفته وإدراكه أولى خطوات إفساد الأمر على سليم من ناحية ومن ناحية أخرى عرف أنه أقترب من النجاح بإستمالة زينة نحوه ليعرف منها كل ما يريده في أسرع وقت!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
ترجلا من السيارة عند وصولهما الموقع وللحظة تفقدت زينة شهاب في تعجب شديد وكأنها ليست كانت في دوامة الصمت خاصتها ثم توجهت نحوه لتقف أمامه
"هو ليه عمي مجاش معاك؟! مش المفروض هو صاحب كل حاجة؟" سألته بتلقائية شديدة
"مشغول في المجموعة.. بس ممكن لو عايزة تشوفيه تتفضلي في أي وقت، الموضوع مش مترتب يعني إنه ميجيش" اجابها متفحصا عيناها اللاتي عادتا لبرائتهما مرة ثانية بينما تحدث بثقة وبساطة حتى لا يدع مجالاً للشك في تصرفه هو وأبيه
"معلش آسفة بس أنتوا يعني فجأة كده افتكرتونا، ما احنا كنا قدامكم من سنين.. اشمعنى دلوقتي؟!" تعجبت أكثر بعدما أطالت تفكيرها بكل شيء طوال الطريق الذي استغرق قرابة الساعة والنصف بين الزحام وعقدت ذراعيها في تحفز بإبتسامة متهكمة!
"من غير اشمعنى" قلب شفتاه في عفوية "وبعدين أصلاً أنتي فاهمة غلط، أنا كل دراستي وأول شغلي كان برا فمكنتش موجود في مصر، ووالدي ياما كلم والدتك وهي اللي كانت بتصده ورفضت إننا يكون بنا أي زيارات أو معاملات.. وعشان تتأكدي ان كل حاجة تمام، أنا جيت وعزيت ومعنديش أي مانع أشوفكم وقعدت معاكم في النادي وطبعاً تقدري تقابلي والدي في أي وقت" بالرغم من ألفاظه التي بدت غريبة عليها للغاية بنطقه والدي ووالدتك بدلاً من الألقاب الدارجة كـ "بابا ومامتك" قد صدقته تماماً فهي تعمل كم أن والدتها متحكمة وبالطبع هناك أمراً ما حول تمنعها من معرفة عمها وابن عمها
"أنت هتقولي على ماما وحركاتها" تفلتت الكلمتان من بين شفتيها في تلقائية دون أن تدري ما الذي دفعها للتمتمة بذلك ولكنها تداركت الأمر سريعاً "يالا بينا ندخل نشوف الناس بتعمل ايه" ابتسمت له بإقتضاب وتقدمته وكأنها تعلم ما الذي تفعله جيداً..
لم تكن ترى ذلك الذي ينظر لهما بمنتهى الغضب وهو كالجاهل تماما لذلك الحديث الذي يدور بينهما ويحاول أن يكبح جماح غضبه الذي لو صبه على أيا منهما لن ينتهي الأمر سوى بمصيبة أو كارثة حتما..
اتصل بها منتظرا أن تجيبه ولكنها ضيقت ما بين حاجبيها في إنزعاج بسبب معاملته معها منذ بداية اليوم وقررت ألا تجيبه ثم أنهت المكالمة في حنق ليتصاعد غضب ذلك الذي يرمقهما من على بُعد فهي حتى لا تريد التحدث له فأخذ خطوات غاضبة نحوهما ولكن تعثرت زينة بسبب تلك الملابس اللعينة غريبة الشكل التي ترتديها وكادت أن تقع ليسرع سليم كي يلحق بها ولكن اسندها شهاب مسرعاً في تلقائية ليتصلب الذي يشاهدهما وقد احتدم غيظه واستشاط غيرةً وغضبا وما أن استعادت توازنها التفتت بين يدي شهاب لتنظر له هامسة
"شكرا"
"العفو" أخبرها ولكنه لم يتركها من بين يداه لتنفجر حمرة الغضب لت**و ملامح سليم وأكمل نحوهما مقسما بداخله أنه لن يترك زينة اليوم إلا وهي تعي جيدا كيف تتعامل معه!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"ايوة يا مامي.. زينة دي مش ممكن، لو بس تعرفي كانت بتتكلم ازاي قدام شهاب لولا إن سليم لحقها كذا مرة كانت بوظت الدنيا!!"
"يعني ايه الكلام اللي أنتي بتقوليه ده؟! وأنتي واخواتك كنتو فين؟!" تحدثت هديل بمنتهى الإنزعاج لأروى التي تحدثها على الهاتف
"إياد مجاش.. وحضرتك عارفة أسلوب سليم مسبناش نتكلم في الإجتماع غير في الحاجات اللي تخصنا بس.. بس هو لحق الدنيا قدام شهاب، بس بردو ممضوش العقود"
"احسن في داهية يارب ما يمضوها.. أنا فاهمة شهاب وابوه دول كويس، عدم وجودهم احسن، أختك فين دلوقتي؟!"
"نزلت مع سليم وشهاب الموقع" أخبرتها وتصنعت البراءة
"ايه ده من أول يوم؟! ازاي ده يحصل؟ وانتي كنتي فين، ازاي تسيبيها كده؟ ده مش بعيد بجنانها تخرب كل حاجة وتطلعنا متخلفين قدام عمك وابنه"
"اهدي بس يا مامي ومتتعصبيش.. لو كنت صممت على إني أروح معاهم كان سليم اضايق مني.. أنا كنت اقدر اتحجج بمليون حجة، بس لو عاديت سليم قدام حد وبالذات ابن عمنا مكنش هيعديها بالساهل.. أنا بسمع كلامه وممشية الدنيا ما بينا بالهدوء عشان أنتي فاهمة بقا!! سليم مش هينفع معاه أبداً البنت اللي تعانده وتقوله لأ.. بالذات في الشغل!"
"ماشي يا أروى أمّا نشوف.. والزفتة التانية دي أول ما ترجع تجيبيها وتيجي على هنا وأنا حسابي بقا معاها شكله تِقل اوي" أخذت أنفاس متلاحقة غاضبة
"اقفلي لما أشوف اخوكي اللي المفروض الكبير راح فين!!"
"ماشي يا مامي.. باي.."
ابتسمت أروى بمكر شديد وهي تظن بداخلها أنها تستميل سليم لها بتلك التصرفات وتوسعت ابتسامتها وهي تراجع مرة أخرى بعقلها تصرفاتها وكلماتها التي تنوي أن تتحدث بها مع سليم اليوم على موعد غدائهما المزعوم وقامت بمهاتفته حتى يتفقا إلي أين سيذهبا، ولكنها لم تدري بعد أن كل هذا سيذهب مع الريح في هذا اليوم العاصف الذي قارب سليم على قتل أحدا به من كثرة غضبه!.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"ممكن أفهم كنت فين كل ده؟!" صاحت هديل بإنفعال في وجه إياد الذي آتى لتوه بصحبة أسما دالفا المنزل وأخفضت يدها بهاتفها الذي أوشك على الإتصال بإياد.
تلجم لسان إياد لثوانٍٍ فهو بالطبع لا يريد مواجهة والدته أنه كان مع أسما للتو.. ليس خوفا منها بل كُرها لتلك الجدالات التي لا تُسفر عن أية حلول مع والدته وتحكمها اللاذع الذي تود عن طريقه أن تتحكم في كل ما يدور حولها!
"أنا يا هديل اللي بعته مع أسما مشوار.. أنتي عارفة مبحبش أخليها تسوق لوحدها"
هنا تدخلت شاهندة التي هاتفتها أسما وأخبرتها بكل ما حدث بينها وبين إياد منذ الصباح، فهي لا تخفي عن والدتها شيئا وزفر إياد في راحة شديدة لتدخل خالته وإنقاذها له
"يا سلام.. نسيب بقا الشغل عشان خوفك اللي ملوش داعي؟!" التفتت لشاهندة التي رفعت حاجبيها في تعجب لطريقة هديل الغاضبة
"جرا ايه يا هديل فيه ايه، ما الولاد مع بعض في الشركة مجتش من كام ساعة يعني، وهو أنتي لو احتاجتي حد من ولادي ولا أنا ولا حمزة عمرنا أتأخرنا عليكي.." عقدت شاهندة ذراعيها في تحفز ثم أومأت لأسما بحزم التي امتثلت كلماتها على الفور
"اطلعي يا أسما كملي مذاكرتك" ثم التفتت لإياد لتتابع "معلش يا إياد استنى أنا عايزاك!" أومأ هو لها في تفهم
"بصي يا هديل.. خلاص الولاد قربوا على امتحانات واللي أنتي بتعمليه في البيت ده مينفعش.. بعد اذنك العصبية والزعيق تكون في اوضتك او اوضة حد من الولاد.. كفاية بقا مشاكل.. وراعي إن ماما بتسمع كل حاجة وهي كبرت وحرام عليكي التوتر اللي بتعمليهولها بزعيقك كل ساعة والتانية ده"
تن*دت شاهندة في انزعاج ثم توجهت نحو إياد وكادت هديل أن تتحدث لها ولكنها أعطتها ظهرها ممسكة بذراع إياد
"تعالى عشان عايزاك في موضوع مهم" أخبرته وتركت هديل خلفها التي كاد جسدها أن يخرج بخاراً كثيراً من كثرة إحتراقها غيظاً..
"ماشي يا شاهندة!! كان ناقصني كمان انتي وولادك يا انسانة يا حشرية.. وربنا لا أوريكي أنتي كمان!" تمتمت في غيظ ثم توجهت لغرفتها وصفعت الباب خلفها في غضب.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لقد تآكل الغيظ دماء أروى التي هاتفت سليم لمرتان والثالثة كان قد وصد هاتفه وقد احترقت حقدا وغضبا فها هي الساعة قاربت التاسعة ليلا وتناسى أمرها تماما وكذلك زينة لا تجيب هاتفها هي الأخرى وتريد أن تعرف ما الذي يحدث بأي طريقة وخاصةً أن والدتها هديل لا تترك ثانية تمر دون السؤال عن أختها وعن حالها مع سليم وعن كل التفاصيل التي تحدث بالشركة ولقد أرهقت من كل شيء.. كل ما تتمناه أن تتركها هديل وشأنها حتى تستطيع أن تتصرف مع سليم بذهنٍ خالٍ من كل تلك الأشياء التي تريدها والدتها..
⬢ ⬢
أمّا عن بدر الدين فقد تآكل قلبه القلق فلا يستطيع الوصول لأي منهما وهو يعلم بقسوة سليم وانفعالاته اللانهائية بخصوص كل ما يتعلق بتفاصيل العمل التي يريدها بحرفية شديدة، فلقد كانت زوجته نورسين محقة، لقد ورث ذلك عنه.. بالرغم من اطمئنانه بأن سليم لن يدع مكروهاً يصيب زينة ولكن لبرهة تذكر محادثته لزينة صباح اليوم ليزفر حانقا فقد تتحكم عصبية سليم بها ووقتها لن يدري عن من سيدافع!
⬢ ⬢ ⬢
تقلب إياد ربما للمرة الآلف بسريره بمنتهى السعادة التي لم تطرق قلبه من قبل، لم يكن يدري أن الأمر سيكون بتلك السهولة، خالته شاهندة تلك سهلت عليه الأمر كثيراً ولبرهة تمنى لو أنها هي والدته بدلاً من هديل، لقد أخبرته كيف عليه أن يتعامل مع أسما تلك الفترة ريثما تنتهي من جامعتها، بل وكيف عليه أن ي**ب إعجابها وودها أكثر.. وبالرغم من أنه كان متردداً بعد ما سمع من أسما كل تلك الكلمات التي لم يتوقعها من فتاة بعمرها، خططها المستقبلية وبناء شركة بأكملها، اعتمادها الشديد على نفسها بالرغم من أنها قد نشأت بعائلة لا تريد المزيد من المال ولكن أفكارها الرائعة دفعته للتردد لأنه عليه أن ينتظر المزيد من الوقت بينما جعلته بنفس الوقت فخوراً أمام نفسه أنه قد وقع بالحب مع فتاة مثلها!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢
دوت ضحكات شهاب الذي كان بطريقه لملاقاة وليد، يبدو أن تلك الفتاة التي لا تتقبل التحكم ستكون صيدا سهلا للغاية، لاحظ كلما ذكر شيئاً عن والدتها كم تتغير ملامحها، يبدو أن علاقتهما ليست بأفضل حال.. ولقد آتى هو في الوقت المناسب حتى ينتشلها من بين يدي تلك الظالمة التي قد منعتها عن معرفة عائلة والدها، ستكون خطة عظيمة.. تن*د في راحة شديدة وهو يتذكر تقاسيم وجه سليم الذي شعر بالغيرة عندما توجهت له زينة بالحديث أكثر من مرة بل ومزاحها المتكرر معه أثناء تناولهم الطعام سوياً والتواعد أمامه بلقاءه قريباً وتبادل أرقامهما سوياً، لقد كاد سليم أن يحترق أسفل عيناه، ولكنه سيتريث، لا يريد أن يرى إحتراقه الآن.. سيفعلها لاحقاً وبأكثر الطرق آلماً له..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
زمجرت مكابح سيارته عاليا ما ان وصلا منزل بدر الدين وانطلق من السيارة بمنتهى الحقد والغيظ وبركان غضبه كان عليه الإندلاع الآن بعد أن كبته طوال اليوم بأعجوبة.. ذهب بخطوات واسعة نحو مقعدها الآخر من السيارة وهو يستعيد برأسه كل ما مر اليوم منها تجاهه، لقد أثارت غضبه، خالفته، عصت أوامره بالعمل.. كل هذا كان سيكون هيناً.. أمّا أن تثير غيرته عليها بكل تلك الأفعال أمام عيناه مع شهاب اليوم، حسناً لقد فتحت على نفسها للتو فوهة الجحيم التي لن تستطيع الصمود أمامها وستحرقها في لمح البصر ولن يكترث حتى لطريقة معاملته معها، سيكون قاسياً، غاضباً، صلداً، سيكون كيفما يكون معها ولكنه لن يتقبل أبداً أن تفعل ما فعلته اليوم وستتعلم ألا تكررها مجددا..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .