ذكريات مدينة الخوف

2868 Words
الذين يعرفون مدينتنا يذكرون الكثير عنها.. لم يعد الطفل يسمع  . فقد جلبت عتمة العلية نعاسه  ، فتثاقلت مقلتاه  . وفيما كان يفتح جفنيه بصعوبة  ، ترك ذلك وما عاد يغالب نفسه  ، فأغمض الجفنان وما عادا يُفتحان  . وخلف الجفنين المطبقين بدأ حلم المدينة الكبيرة البعيدة جداً : زقاق ضيق  ، دراجة حمراء بثلاث عجلات تحته  ، ونساء ورجال عائدون من أعمالهم متعبين متعرقين محمَّلين بالخبز تحت إبط كل منهم  . في هذه الأثناء قال أبوه : - " نعس الطفل ! " نهضت بفرح من تخلَّصت من عائق كبير جداً يعيق رغباتها المتأججة : - " حقاً ؟ " - " انظري ! " - " فلآخذه ولأمدده تحت ! " - " انزلي  ، وأنا أناولك إياه من فوق  . " - " حسناً  ، ليكن  . " *** نزلت المرأة عدة درجات  ، وحمل الرجل الطفل برفق وناولها إياه  . وخلف العينين المغمضتين كانت هناك دراجة حمراء بثلاث عجلات  ، ونساء ورجال عائدون من أعمالهم متعبين متعرقين  ، والزمور المنبه يُدَوِّي  . اهتز حلم الطفل قليلاً عندما أخذته المرأة من يد الرجل  ، لكنه عاد واستوى عندما مددته على الأريكة  . كان الجو حاراً  ، فما فكَّرت في أن تغطيه بشيء  . نسيت الطفل وسواه  ، ونظرت فوراً إلى الأعلى  . كيف ستصعد إليه ؟ إنه شيء فوق الوصف  ، إنها سعادة كبرى رائعة لا يمكن تحملها  ، ولا حتى التفكير فيها  . لقد قضت الليالي وهي تفكر بمثل هذه السعادة  . حتى لو جاء زوجها في أحد الأيام لم تكن لتسعد هكذا  . صعدت درجات السلَّم على خفقات قلبها  . كان الرجل قد خلع قميصه  ، وراح جسمه العملاق المتعرق يلمع  . وقد انزاح الضماد عن كتفه الأيسر  ، بل وانفك في بعض الأمكنة  ، لكن الرجل لم يكن منتبهاً ولا مهتماً بذلك  . - " ها قد جئتُ ! " - " أهلاً بكِ  .  .  . " - " أهلاً بكَ  . " - " ألا تتفضلين هكذا ؟ " - " هل تسخر مني ؟ " - " ألا يكرم الأكابر بعضهم بعضاً هكذا ؟ " - " انظر إلي ! " - " نظرت  . " - " ستعقد علي الزواج  ، أليس كذلك ؟ " - " أما زلت تشكِّين حتى الآن ؟ " - " لو كان زوجاً  ، ولو لم ينس سبع سنوات  ، أليس كذلك ؟ لم يكن لدى الرجل وقت للتفوه بكلمة  . " *** استيقظا ليلاً  . استيقظت المرأة أولاً  ، ولم تشاهد نوم الرجل في الظلام  . لم تشاهده لأنها راحت تتساءل عن معنى الذي حدث  .  . لماذا  ، لماذا  .  .وأجابت بنفسها على نفسها- " ليس هناك لماذا  . حسناً فعلت  ، ماذا ؟ هل كنت سأنتظر عودة الزوج حتى أموت ؟ " نهضت تريد إشعال الفانوس  . كان الرجل مستيقظاً أيضاً وسمعته يسألها : " إلى أين ؟ " - " لقد استغرقنا في النوم  . الطفل تحت  ، وحده ! " نزلت درجات السلم على عجل  . كان المكان شديد الظلمة  ، وعندما مدت يدها عثرت على علبة الثقاب فأشعلت عوداً أشعلت به مصباح الكيروسين لا مصباح الصيد  . ورأت ( سمير ) النائم على الأريكة  ، وبابور الجاز الذي نفد جازه فانطفأ من تلقاء نفسه  . أسرعت تهرول ورفعت الغطاء : البامياء ملتصقة في قعر القدر  ، وقد جفت مرقتها  ، أما اللحمة فصارت قطعاً من الفحم  . قالت : - " أخ  . " كان الرجل في الأعلى عند فتحة العلية  . وعلى ضوء مصباح الكيروسين المنبعث من الأسفل أضيء وجهه فبدا وسيماً جداً  . نظرت المرأة ورأته فقالت : - " التصقت بامياؤك بالكامل بقعر القِدر  . " - " لا تبالي  . " - " حرام  ، كل هذه المصاريف والتعب  . " - " غداً نطبخ غيرها  ، لا تهتمي  . ماذا ستفعلين الآن ؟ " - " سوف أسخِّن ماءً  . " - " وبعد ذلك ؟ " - " نغتسل ونمد الفراش وننام  . " - " والولد ؟ " - " ينام على الأريكة من الآن فصاعداً ! " بدت المرأة أكثر حيوية ونشاطاً من أي وقت مضى  ، وبدت مقبلة على العمل برغبة أكثر  . عمّرت بابور الجاز الذي نفد جازه  ، جازاً من جديد  ، وأشعلته ووضعت فوقه صفيحة ملأى حتى أكثر من نصفها ماء  . نزل الرجل بهدوء  ، وفي يده علبة السجائر يشمها  . سألته المرأة : - " ما هذا ؟ " - " هذه ؟ سجائر  . آه لو أستطيع تدخين واحدة  . " تلفتت المرأة حولها  ، ثم وبدون أي سبب رتَّبت وأحكمت إغلاق ستارة النافذة البيضاء  . فعلاً لم يكن هناك أي سبب لذلك فستارة النافذة كانت محكمة الإغلاق تماماً  . نظرت إلى الرجل :  - " سأقول لك دخِّن  ، ولكن لا أعرف هل تحدث مشكلة ؟ " تقدم الرجل والتصق بالأريكة : - " أخشى ذلك  . " - " إذا رأى أحدهم دخان السيجارة من الخارج  ، سوف يتساءل من الذي يدخن سيجارة في بيت ( سارا )  . والجميع يعلمون أني لا أدخن  . " ثم تلفتت المرأة حولها ثانية وأردفت : " لا أعرف ماذا نفعل  . " قسم الرجل السيجارة التي أخرجها من العلبة إلى نصفين : " لو دخَّنت هذه القطعة لكفتني حتى الصباح  . " نظرت المرأة إلى الرجل بإشفاق  ، فهي تعرف من زوجها عديم الوفاء  ، كم تتوق نفسه الآن إلى التدخين  ، وكم هو مستعد الآن لأن يدفع كل ما يملك من أجل سحب نَفَسَين من سيجارة  . ولكن  .  .ماذا سيحدث لو دخَّن ؟ نظرت إلى الرجل بانفعال : " دخِّن ! " فرح الرجل : " حقاً ؟ ! " - " دخِّن ! أو انتظر  ، خطر ببالي شيء  ، نحن نستعمل المكان الذي تحت غرفتنا كحمَّام  . لننزل إلى هناك إذا أردت  . " - " ألا يخرج الدخان إلى الخارج ؟ " - " لا أعتقد  . " - " نعم نعم  . " وبلمحة أشعلت مصباح الصيد  ، وتقدمته  . فعلاً كان المكان هنا مثل حمَّام  . إذ توجد خشبة عريضة على الأرض  ، وفوقها مقعد خشبي صغير  ، وأرض ترابية رطبة مبيضَّة بمياه الصابون  . رفعت المرأة زجاج مصباح الصيد  ، وقالت : " أشعل سيجارتك ! " أشعل الرجل سيجارة من لهب مصباح الصيد الأصفر  ، وتلاحقت سحب الدخان الكثيفة  ، وكان كل نَفَس من الدخان يسحبه كأنه يعيد إليه شيئاً من روحه  ، ويعيده إلى وعيه  . أما المرأة فكانت تراقب ب ***ة تدخين الرجل  ، أو بالأحرى الذكر  ، للسيجارة ب ***ة  . لابد أنه جائع ! سألته : " هل أنت جائع ؟ " نظر إلى المرأة وضحك : " أترين هذه السيجارة  ، إنها تنسي الإنسان الجوع والعطش ! " - " أيمكن ذلك ؟ ما الذي يمكنه أن يحل محل الجوع والعطش ؟ " جلست القرفصاء هناك  . أما الرجل فكان واقفاً  . وقد كبَّر ضوء مصباح الصيد الأصفر  ، ظلَّ الرجل على الجدار  . كانا صامتين  . لم يعد في داخلها الآن أي أثر لذلك الجوع للرجل المتراكم منذ سنين  . ولكن هناك خوف  . خوف من الله  ، خوف من المداهمة  ، خوف من إلقاء القبض عليها والفضيحة  ، والخوف الكبير كان الخوف من إلقاء القبض على ( حبيب ) وأخذه  ، وعدم عودته ثانية أبداً  . وكان هناك خوف آخر  .  . خوف من ظهور وعودة زوجها بعد سبع سنوات ! لم تكن مقتنعة تماماً بإمكانية ظهور وعودة زوجها  ، ولكن الشيطان  ، من يعرف  ، قد يظهر فجأة  ، ويرى الغريب  ، ويسأل عنه  ، وعندما يعرف القصة لا ينسحب  ، وقد يقتله  . سألت الرجل فجأة : " أين مسدسك ؟ " ارتاب الرجل : " ماذا ستفعلين ؟ " أجفلت المرأة : " لاشيء  . " - " لاشيء ؟ " - " أليس من الأفضل أن يكون معك دوماً ؟ " ازداد ارتياب الرجل : " لا  ، ما الذي دعاك إلى أن تسألي هكذا فجأة ؟ " أدركت المرأة أنه لا مناص : " لاشيء يا حبيبي  ، أتدري ماذا خطر ببالي ؟ " - " ماذا خطر ببالك ؟ " - " وساوس شيطان  .  .  . مقصوف الرقبة الذي لم يسأل عني ولو بسطرين خلال سبع سنوات  ، ماذا لو ظهر وجاء الآن  .  .  .  . " انف*جت أسارير الرجل : " تلك المسألة  . " - " لا يأتي  ، ذاك اختلط بالذين يذهبون بلا عودة  ، يقصف عمره  ، حتى لو جاء بعد الآن هواء  .  .  . لكنه خطر ببالي هكذا  .  .  .  . " - " أنت على حق  . " قفز من الغرفة السفلية غير مبال بجرح كتفه  ، وأثناء مروره بالغرفة التي أضاءها مصباح الكاز جيداً  ، ألقى نظرة على ( سمير )  ، كان نائماً  ، صعد درجات السلم بسرعة  ، ودخل حتى خصره في فتحة العلية  ، وبحث بيده عن مسدسه وعثر عليه فتناوله ونزل إلى الأسفل  . وقبل أن ينزل إلى الغرفة السفلية أخْفَتَ ضوء مصباح الكاز قليلاً  . كانت المرأة تنتظر : " هل أحضرته ؟ " - " أحضرته  . " - " حسناً فعلت  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . ؟ " - " أتدري ماذا يخطر ببالي ؟ " - " ماذا يخطر ؟ " - " أننا أثناء دخولنا المدينة البعيدة التي سنذهب إليها  .  . " - " ماذا ؟ " - " يجب أن ترمي المسدس في الخندق  . " دهش الرجل وقال : - " مجنونة ! " - " لماذا ؟ " - " مسدس الرجل يعني دمه وروحه وشرفه  . وهل يرمي رجل شريف زوجته ويلقي بها ؟ " أعجبت المرأة بكلامه  ، وتذكرت زوجها الذي رماها وألقى بها سبع سنوات  . فقالت : - " صحيح  . " - " ثم  .  .  .  . افرضي أني ألقيت بالمسدس  ، عثروا عليه  ، ألن يبحثوا عن صاحبه ؟ " - " وما يدريهم بأنه أنت ؟ " - " هل تعرفين الحكومة ؟  .  . إنها تعثر على الشخص من رائحته ! " - "   .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . ؟ " - " وأحياناً تكونين واقفة أمامها مثل عمود ولا تراكِ  ، وتلك مسألة أخرى  . " سألته أيضاً على حين غرة : - " ماذا يفعلونه بك إذا ألقوا القبض عليك  . " ودون تفكير أجابها : - " يعدمونني ! " - " جريمتك كبيرة لهذه الدرجة إذن ؟ " - " كبيرة  . " - " قتلت سيد مزرعة  .  .  .  . ماذا كان اسمه ؟ " - " ( عثمان )  . " - " لماذا قتلته ؟ " - " استحق القتل  . " - " ألم تعرف الحكومة بأنك أنت الذي قتلته ؟ " - " لم تعرف حينها  ، لأن القرويين كلهم كانوا معي  ، كانوا يشتكون منه  ، ظالم  ، لعين  ، داعر  ، حقيرشؤم  ، مغرور  ، سافل  ، استحق الموت ألف مرة  . " - " لماذا ؟ " - " هذا كلام شرحه يطول  ، بداية كان فاسقاً عدواً للدين والشرف ثم هو طاغية جبار  . لدينا هناك منذ سنين وسنين أراض بور لا صاحب لها  . تارة يحرثها البك  ، وتارة يحرثها الفلاحون  ، من يحرثها ويبذرها أولاً يكون المحصول من حقه  ، أما هذا فقد استولى على الأراضي وزرعها عشر سنوات متتالية  ، وفي السنة العاشرة  ، راجع المحكمة لتسجيلها باسمه  . وانتشرت وكثرت الاحتجاجات والتهديدات  ، بحيث لو لم أقتله أنا  ، لقام غيري بهذا العمل ! " - " صحيح  . " - " ثم إنه كما قلت لك عدو للناموس  . فكري  ، إنه خال  ، وابن أخته أحب فتاة تعمل في معمل في المدينة  . يشتري الفتاة ويحضرها إلى المزرعة  ، ماهو الغرض ؟  .  . سوف يزوج ابن أخته  ، ويجعله صاحب بيت وأسرة أليس كذلك ؟ " - " طبعاً كذلك فالخال والد  . " - " كلنا نعرف هذا  . لكنه عشق الفتاة  ، وأخذها من ابن أخته  ، وتزوجها  . وفوق ذلك ضرب ابن أخته  ، و**ر رأسه  ، وطرده من المزرعة  ، وأهانه وحقره في البلد ! " - " ياإلهي ! " - " الأشد من ذلك : إنه رجل عديم الدم ما أن يرى امرأة حتى يهجم عليها مثل ثور شبق  ، ولا يراعي أنها عاملة أو مسكينة  ، وكم من الشُّبَّان أخذ زوجاتهم من أيديهم ! " استاءت المرأة من ذلك : - " مثل ( أنور ) الأعرج  . " - " ماذا يساوي ( أنور ) الأعرج بجانبه ؟ ابن حرام لا يشبع من المرأة  . للرجولة شرفها  . لا يجوز الاعتداء على كل امرأة تراها  . أما أن تحبك المرأة  ، وأن تحبها أنت  .  .  .  .ها ؟ " فهمت المرأة  ، وضحكت : - " عند ذلك ؟ " - " تسير الأمور على ما يرام  . " أمسكت يد الرجل وقبَّلتها بشهوة  ، ثم سألته دفعة واحدة : - " هل كانت الفتاة جميلة ؟ " لم يفهم ( حبيب ) : - " أي فتاة ؟ " - " التي أخذها من يد ابن أخته  . " - " الفتاة البوشناقية ؟ " تذكَّر مطاردته لها لكي يخنقها  . - " وهل تكفي كلمة جميلة ؟ " - " من أين تعرفها ؟ " لم يقل " كدت أخنقها "  ، لم يرَ مبرراً لذلك  . - " أيمكن أن لا أعرفها ؟ المزرعة تدعى الآن " مزرعة السيدة "  . أما سابقاً فكان القرويون يدعونها فيما بينهم " مزرعة عديم الدم "  ، رأيت الفتاة في تلك الفترة  ، لكنها كانت فائقة الجمال ! " *** صمت  . كان يعيش تلك الذكرى  . * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * لحظة **ر باب غرفتها ودخل عليها  ، كانت المرأة الشابة مثل سمكة داخل ثوب نومها الأبيض  . تدلَّت من النافذة وألقت بنفسها على الأراضي النديَّة  ، وراحت تركض بقدمين عاريتين  ، وثوب نومها الشفاف القصير ويتطاير  ، وفي الخلف بيوت المزرعة تحترق بنيران حمراء  ، برتقالية  .  .  .  . دخل الغرفة دون أن يضيع لحظة  ، وقفز من النافذة التي تدلَّت منها المرأة قبل قليل  ، وجرى خلفها  . لم تكن تستطيع الجري  ، قدماها العاريتان تغطسان في التراب الندي  ، وتنزلق إحداها وتلتوي أحياناً  . - " في النهاية ألقى الجميع المسؤولية عليك ! " سألها الرجل أيضاً بشك : - " من قال ذلك ؟ " - " الرقيب  . " انزعج الرجل لسماعه كلمة " الرقيب "  . وفكَّر لماذا لا يمكن أن تكون هناك علاقة من نوع مابين هذه المرأة وبين الرقيب  . طالما أنها استندت إليه في مواجهة ( أنور ) الأعرج  ، فلابد أن علاقتها بالرقيب  .  .  . - " إذن كانت المرأة جميلة جداً ؟ "   * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * سمع لكنه لم يفهم  .  .  . أحسَّت المرأة بانزعاج الرجل  . أمسكت بيده  ، ونهضت ووقفت على قدميها وسألته : - " لماذا شردت ؟ " - " هل شردت ؟ " - " نعم شردت  . " - " من يدري ؟ " - " من سيدري  ، أنت ! " سحب الرجل يده من يد المرأة : - " ( سارا ) أنت تعجبينني جداً  ، ولكن  .  . " طار صواب المرأة : - " ولكن ؟ - " إذاً في يوم من الأيام  ، كيف أقول  .  .  .  . " - "   .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . ؟ " - " لساني لا يطاوعني  ، نعم لا يطاوعني  ، إذا رأيت فجورك  .  .  . " - " إذا رأيت ؟ " - " اعلمي أنك انتهيت ! " *** التفت المرأة بعنق الرجل  . قبَّلته وقبَّلته  ، ثم أسندت رأسها إلى ص*ره وهي تبكي  ، كان الرجل يذوب تحت وطأة رغبة طاغية  ، وأحس بالندم  ، لماذا **ر قلبها مرة أخرى ؟ رفعت المرأة رأسها بحدَّة عن ص*ر الرجل وقالت : - " إذا رأيت أو سمعت بفجوري  ، اقتلني يا ( حبيب )  . دمي حلال لك ! " فأجابها الرجل بدم بارد : - " لا تذكري سيرة الرقيب مرة أخرى أمامي ! " فهمت المرأة كل شيء فقالت : - " حسناً  ، حسناً  ، لكنك تتضايق منه بلا سبب ! " - " بسبب أو بدون سبب  . " - " حسناً  ، لماذا تتضايق منه ؟ " - " كيف لا أتضايق ؟ لقد عشت هذا العمر  ، ورأيت ما رأيت إلى أن قابلتك  . لقد لجأتِ إليه ليحميك من ( أنور ) الأعرج  ، وهو رجل  . وهل استطعت أنا أن أصمد أمام امرأة جميلة ؟أنا هارب  ، معرَّض للقتل في كل لحظة  ، وإذا لم أُقتل يُلقى القبض عليَّ وأجرُّ إلى حبل المشنقة  . والرقيب إنسان  ، والرقيب رجل  ، وهو يحمل نفساً مثل غيره  .  .  . ثم هناك هارب في الموضوع  .  .  . البرقية تلو البرقية  ، والهاتف تلو الهاتف  ، الأمر سري  . فكم أنتما صديقان بحيث لا يتحرَّج من الحديث أمامك ! " أصيبت المرأة بالغثيان للحظة  ، البكاء  ، والإنكار  ، واليمين  ، وأغلظ الإيمان لا تجدي  ، لا يحيد عن شكه  ، كيف وبماذا تقنع هذا الرجل ؟ سحبت يدها بقسوة من يد الرجل  ، وقالت له : " انظر إلي ! " نظر الرجل : " نظرت  . "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD