لحم محترق

1200 Words
ومن خلال شهوته للحم المحترق المقرمش سمع صوت أمه المرتجف لكنه لم يشعر بارتجافه  ، وبلمحة عثر على خرقة المائدة  ، فمدَّها أمام الأريكة  . وبقطعة من الخبز انقض على اللحم المحترق  . كان اللحم محترقاً لكنه يقرمش بين أسنانه  ، وكان يحب جداً اللحم هكذا  ، وعندما يذهبون إلى المدينة البعيدة  ، البعيدة جداً  ، حيث ستصبح لديه دراجة بثلاث عجلات  ، سوف يجعل أباه يشتري له اللحم  ، وسوف يطلب طبخه هكذا وسوف يأكله ويقرمشه هكذا  . عندما يأكل الطفل لحماً كثيراً يكبر بسرعة  ، وعندما يكبر بسرعة يصبح رجلاً كاملاً  ، وعندما يصبح رجلاً كاملاً لا يخاف من أحد  ، وعندما لا يخاف من أحد يستطيع أن يضرب من يشاء  ، وعندما يضرب من يشاء يصبح لديه مال كثير  ، وعندما يصبح لديه مال كثير  .  .  .  . استمر شريط الخيالات هذا إلى أن صعد أبوه وأمه بشعريهما المبللين  . وكانا يبدوان متعبين جداً  . *** استلقى الرجل على الأريكة : " أوه ! " نظرت إليه المرأة بحدة وقد طار صوابها  . أما الرجل فلم يرها  . أشبع الطفل بطنه تماماً : " ماما ! " ردَّت المرأة المتعبة : " نعم ؟ " - " لا تغسليني  ، ألا يمكن ؟ " لم يكن في نيتها غسله  ، مع ذلك قالت لكي لا يشك : " لا يمكن  ، كيف يمكن عدم غسلك يا روحي ؟ إنك متسخ ! " - " لا لست كذلك ! " ما أسوأ هذا  ، هل هذه المرأة أمه  ، أم أنها ( زينب ) المخبولة ؟ - " منذ كم يوماً اغتسلت  ، ليس البارحة  ، قبل البارحة  . " سكتت المرأة ولم تجب  . أما الطفل فأردف : " لن تغسليني أليس كذلك ؟ ماما ؟ ألن تغسليني ؟ " - " مادمت لا ترغب بذلك  ، فامسح يد*ك وفمك ونم ! " غلب النعاس الطفل تماماً  ، فمسح يديه وفمه  ، وتكوَّم على الأريكة  . أحضرت المرأة خرقة المائدة  ، ومدَّتها من جديد  ، ووضعت فوقها الخبز والماء والكاسات والشوكات والملاعق  .  .  . تربَّعا متقابلين حول المائدة  ، فقال الرجل : " أحبُ البامياء كثيراً  . " لمست المرأة شعرها المبلل بيدها وقالت : " وأنا كم تحبني ؟ " - " لا أحبك أبداً  . " - " أنا  ، لا تحبني ؟ " - " طبعاً أنت  . " - " أنا ؟ " - " نعم أنت  . " - " وأنا أزعل ! " - " ازعلي  . " نظرت إليه بقسوة نظرات جادة : " أزعل ؟ " قال الرجل متقصداً العناد : - " إن زعلت فازعلي  . " انزعجت المرأة  ، وانسحبت من المائدة  . فمال الرجل عليها وأمسك برسغها : - " مجنونة ! " - " لماذا ؟ " - " ألا تعرفين إن كنت أحبك أو لا أحبك ؟ " - " المعرفة وحدها لا تكفي ! " - " ماذا إذن ؟ " - " قل أحبك  ، قل أحبك كثيراً  ، قل لم أحب حتى الآن امرأة كما أحببتكِ ! " - " لا أستطيع قول ذلك  . " - " لماذا ؟ لو كنت تحبني لقلت  ، الرجل المحب يصبح كرواناً  . أنت لا تحبني  ، أنت فقط تشبع رغبتك بي  . " - " وأنت هل تحبينني ؟ " هزَّت كتفيها : - " لا أعرف  . " - " أرأيت ؟ ألا يجب أن تكوني أنت أيضاً مثل الكروان ؟ " *** نظر بطرف عينه إلى الطفل الممدد على الأريكة : - " لقد غفا ! " أجفلت المرأة : - " ماذا يعني ؟ " - " لا شيء  ، يعني  .  .  . " - " لقد اغتسلنا للتو  ، كل  ، هيا كل ! " - " إني آكل  ، ولكن  .  .  . " - " ولكن ؟ ألأنها محترقة ؟ ليتك انتبهت وما حرقتها  ، وهل الذنب ذنبي ؟ " - " دعينا من الذنب الآن  ، إني أشتهي أن آكلك ! " نظرت بطرف عينها إلى يدي الرجل  ، وفكرت كم من النساء أمسكت بهن هاتان اليدان القويتان وهصرتاهن وطقطقتا عظامهن كما هصرتاها وطقطقتا عظامها ! دبت في داخلها غيرة أنثوية  . لم تكن بقية النساء ذوات أهمية  ، ولكن زوجته ؟  .  . سألته : " هل كانت زوجتك جميلة ؟ " نظر إليها : " وزوجك ؟ " - " لا شأن لك بزوجي ! " - " وأنت لا شأن لك بزوجتي  .  .  . " *** مرت فترة صمت  . كان الطفل المستلقي على الأريكة قد أدار ظهره لهما  ، وسحب رجليه وألصقهما ببطنه مثل علامة استفهام كبيرة  . وتخيَّل نفسه ممتطياً دراجته ذات العجلات الثلاث في زقاق صغير لا يعرفه في المدينة الكبيرة في البعيد البعيد  . هناك سوف يضرب الزمور كثيراً  ، حيث لن يكون هناك علي ابن شريفة  ، ولا أولاد يعيرونه بين الحين والحين بعدم وجود أب له  ، ويسبون ويشتمون وهم يرمون بيته بالحجارة  . هناك هو أيضاً سوف يكون طفلاً صاحب دراجة بثلاث عجلات  ، مثل أي طفل آخر صاحب دراجة بثلاث عجلات  ، وسرعان ما غط في نوم عميق  . وبعد كم من الوقت  ، تفقدته المرأة  ، ولما رأت نومه الهادئ عادت إلى الرجل مسرورة : - " تعال  ، تعال إكراماً لله وانظر إلى هذا النوم الهادئ ! " وبلا رغبة ذهب الرجل إليها  ، وأحاط خصرها بذراعه  . قالت المرأة مجفلة : - " كن عاقلاً ! " - " ماذا حدث ؟ " - " اسحب يدك ! " لم يجبها  ، ولم ينظر إلى الطفل  . غسل يديه وفمه بالماء والصابون في طست بجانب الغرفة  ، وفيما كان يجفف يديه وفمه بمنديله  ، اتجه بهدوء وصعد السلم  . وألقى بنفسه على فراشه  . راقبت المرأة الرجل وهي بجانب طفلها  ، هل غضب يا ترى ؟ لماذا ؟ هل لأنها قالت له : " اسحب يدك ! "  ، وما الذي يغضبه في هذا ؟ ألم تعاشره معاشرة الأزواج  ، وليس بينهما عقد زواج  ، وليس هو بزوجها رسمياً بعد ؟ انزعجت  . لكنه مليء دماً وحيوية وحرارة ورغبة  ، نعم إنه شاب قوي  . ولقد استمتعت معه  ، ولكن لكل شيء حد  . التصقت بابنها  . دب في نفسها شعور بالانزعاج لأنها أغضبته  ، لو لم يستمتع لما مدَّ الرجل يده  ، وبما أنه استمتع  .  .  . ثم ماذا سيحدث ؟  .  . مرة  ، أو مرتان  ، أو ثلاث مرات  ، بالزائد بالناقص ما الفرق ؟ نظرت إلى ابنها من جديد  . ثم  ، اتجهت إلى السُّلَّم  ، وصعدته في لحظة  . ***   التأم جرح ( حبيب )  ، وتكوّنت فوقه قشرة بنية من الدم الجاف  ، سقطت أثناء الحك  ، وبدا مكانها وردياً  . سألته بعد أن قبَّلت الموضع الوردي مرات لا يعرف أحد عددها : - " وإذا ما بادروا فعلاً إلى مداهمة البيوت وتفتيشها ؟ " لم يكن يرغب في فتح هذا الحديث  ، إذ كان يعرف أنه إذا ما بوشر بتفتيش البيوت  ، فسيأتي الدور على بيت ( سارا )  ، وعندها سوف يكتشفون وجوده  ، فتوضع القيود في يديه  ، وربما يساق بين دركيين ويرمى في سيارة جيب عسكرية ويؤخذ إلى ( أضنه )  . وبعدها ؟ بعدها المحكمة  ، والمحاكمة  ، ثم خشبة الإعدام في صبيحة أحد الأيام ! - " إذا ما بادروا إلى تفتيش البيوت فسوف يعثرون علي ويأخذونني  . " سألته رغم أنها كانت تعرف جيداً : " إلى أين ؟ " - " إلى السجن  ، والمحكمة والمحاكمة  ، وبعدها  .  .  . " ***
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD