١- إدمان حد الخطر

3042 Words
أبيعك بيدى أهون من أن تنال منك النفوس المريضة سامحينى بنيتى فأنا أعلم أن لا ذنب لك و لكن ماذا أفعل بعد أن أغلقت فى وجهى كل السبل و لم يعد أمامى غيره قد ينتقم منك بسبب أفعالى و لكن مهما قسى انتقامه أعلم بقلبى أنه أهون من تركك بين ايادى تلك الذئاب فسامحينى، لا ذنب لي في أن أكون ابنة ذاك الرجل الذي أضاع حياته و عمره إرضائاً لنزواته ، لا ذنب لي بأن أفقد حياتي بسبب ضعف نفسه ليكون هو مدمري بدلاً من أن يكون سنداً لي ، فوجودي معه جعلني أعيش على حافة الخطر ، فصرت و كأني أحيا فوق بحر من الرمال المتحركة ، تبتلعني تارة و تلفظني تارة ، ليبعيني والدي ثمناً للحصول على ملذاته متناسياً أني فلذة كبدة الوحيدة ، فصـم أذنه عني و أغمض عيناه كي لا يراني و أنا أساق إلى مذ*حي، فجلس يشتم م**ره منتشياً بصوت صرخاتي ، ليغترف من دماء طُهري المستباحة و يبيع ، ليجعلني في النهاية أشعر بأني كماً بلا قيمة يبحث عنها رفقاء السوء خاصته للنيل مني ، فهل سيأتيني فارسي لينقذني من بين يدا أبي أم سيقف يشاهدني أنتهي كما شاهدني أبي من قبل ليأخذ بثأره مني. تسللت كعادتها بعدما أمنت نفسها و أرتدت نقابها ، غادرت المبنى تتلفت يميناً و يساراً و أخذت تسير و هي تدعو الله أن تمر تلك الساعات على خير ، كانت المسافة إلى وجهتها طويلة فأتعبها السير توقفت على جانب الطريق لتلتقط أنفاسها ، ضغطت فوق صـدرها لتهدأ من ض*بات قلبها المذعور الذي أخذ ينبض بقوة فأحسته سيغادرها هرباً مما هي فيه ، لمحت أحدهم يقترب منها فتملكها الفزع و أسـتكملت سيرها و هي تتلفت حولها يمينا و يساراً دلفت إلى المبنى المهجور لتصرخ بخوف حين أوقفها أحدهم و قد بدا على وجهه إمارات الشر ، تسارعت أنفاسها و هي تحدق به بخوف لتمد يدها المرتعشة إليه بالمال و ازدردت لــعــابــها و همست بصوت متحشرج مبحوح: - عـــ عاوزة تذكرة لو سمحت . -تطلع إليها بريبة و قد عقد حاجبيه فبدى لها و كأنه على وشك الفتك بها ، لتسرع و ترفع نقابها عن وجهها و تكشف عن ملامحها له ، لتطلق صــراح أنفاسها و تضــيف سريعاً: - أنا أنا من طرف الأستاذ رفعت . ما أن سمع الأسم حتى مد يده بجيب بنطاله و أخرج مظروف و أعطاه إليها و عيناه تلاحقها بنظرات نهمة و قال و هو يميل قليلاً نحوها: - لولا لحقتي نفسك و قولتي إنتي تبع مين كان زمانك دلوقتي بيتسلم عليكي بطريقتنا ، عموماً أتفضلي التــذكــرة أهي ، بس لو حابة تاخدي زيادة كله بتمنه و أنا جاهز أديلك اللي إنتي عوزاه لو لينتي دماغك شوية معايا ، و صدقيني هبـســطـك و أروقك و يمكن أديلك تذكــرتين بدل واحدة ، ها إيه رأيك يا جميل . تراجعت بذعر عنه و هي تهز رأسها برفض و أعادت النقاب لتخفي ملامحها و استدارت بعد أن أختطفت المظروف من يده و هرولت مبتعدة بخوف و أخذت تعدو دون توقف تشعر بأنه يتبعها ، أحست بأنها أشرفت على الموت خوفاً فأنهمرت دموعها بحزن لما وصــلت إليه حياتها ، و أستكملت سيرها حتى وصلت إلى البناية التي تقطن بها و صعدت إلى أعلى دون توقف بعدما أهملت المــصـــعد تماماً. نائم و ليس بنائم فجسده يحترق و انفاسه تتمزق لا يقوى على استنشاق نفسا واحد يشعر و كأنه يتحطم إلى نثرات من الزجاج التى تمزقه ، رفع أصابعه و ضغط فوق أنفه التى اشتعلت لاحتياجها لاستنشاق م**ره فض*ب برأسه على حافة الاريكة يهدأ الالمه المعذبه له ، لم يدرى ما السبب الذى جعله يستيقظ و يفتح عيناه و تطلع حوله فعلم أنها عادت حين وقع بصره على الشرفة التى اوصدتها و الستائر التى أسدلتها و الإنارة التى اطفأتها و أبقت فقط تلك التى يجلس بجانبها ، وقع بصره على ذلك المغلف الذى تركته أمامه على المنضدة فأتسعت عيناه و أضطربت أنفاسه و مد أصابعه المرتجفة إليه و هو ينظر إليه بلهفة يرى حجم المغلف الكبير فادرك أن الكمية تلك المرة مضاعفة ، فتحرك و ترك اريكته و ذهب إلى تلك الخزانة الصغيرة ليخرج منها قشته المفضلة التى صنعها بورقة المائة دولار و أخذ قطعة الزجاج البلورية المسطحة ، ليعود بخطوات مترنحة إلى الاريكة مرة أخرى و جلس يحدق بالمغلف ليتناوله بأصابعه المرتجفة و سكبه فوق سطح الزجاج و سحب تلك الســكين من جانبه ليبدأ فى تقسيم تلك المادة البيضاء إلى ثلاث صفوف ، و سحب القشة و انحنى برأسه و ثبت القشة فى إحدى فتحتى أنفه ليمنع الأخرى من التنفس بوضعه اصبعه عليها و استنشق المادة و رفع رأسه و أخذ يستنشق الهواء عدة مرات يتأكد من تغلغل المادة بداخله و وضع القشة ، و تراجع إلى ظهر الاريكة ليستند برأسه إلى حافتها و يغمض عيناه ينتشى بروية ، لم يدرك انه غفى مرة أخرى و لكنه أنتفض بحدة و نظر إلى سطح الزجاج ليرى مادة الم**رة كما هى فزفر بارتياح ، استند بجسده إلى الاريكة و وقف مترنحا و أخذ يتسند إلى الحائط حتى وصل إلى غرفتها و فتح بابها و وقف يتابع جلوسها كما تعود أن يراها جالسة فوق مقعدها بجانب النافذة ، فولج الى داخل الغرفة وارتمى بتـهالك ليجلس فوق حافة فراشها و حدق بها يشعر ان بها شىء مختلف. لاحظت إمعانه بالنظر إليها فأغمضت عيناها بألم فهى تكره دوما رؤيته بتلك الحالة من فقدان الإدراك و الإنتشاء ، فتحت عيناها و ألقت بعيناها تحدق به لتراه و قد تمدد فوق فراشها و غاب مجددا داخل عالمه الخاص ، فتركت مقعدها و اتجهت إليه لتسحب دثارها و وضعته فوقه و رتبته بعناية لتعود الى مقعدها من جديد تحدق بوجه والدها النائم لتفر من عيناها دمعة هاربة من حصارها بداخلها فهى تتألم لرؤيتها له هكذا ضعيفا ذليلا لذلك الم**ر الذى أضاع حياته و حياتها . --------------------------- و على جانب أخر من المدينة غادر البناية التي يقطن بها و أخذ يعدو و يسرع فى عدوه كمن يود لو يدرك شىء ما ، يستنزف قواه و هو يحث نفسه على ال**ود فشعر و كأن أنفاسه تشتعل بداخله ، توقف يلتقف انفاسه بعدما أحس بتمزق رئتاه فمال بجزعه إلى الأسفل و أسند كفيه إلى ركبتيه يحاول تهدأة أنفاسه و ض*بات قلبه المنتفضة ، تطلع حوله نظر إلى المارة السائرين بجواره و فجأة سمع صرير عجلات سيارة مسرعة جعله ينتفض بقوة و يترنح حتى خيل اليه انه يفقد اتزانه الكامل ، فأسرع أحد الاشخاص إليه و مد يده و اسنده فحدق به و شعر انه لا يراه ، لا يرى أيا من المارة و لا يسمع أى صوت غير صرير عجلات السيارة و اقتحمت صورتها حالة اللاعى التى اصبح عليها و هى تجلس بجانبه فى سيارته تضحك ببراءة على ما قاله شقيقها الصغير لينتبه فجأة إلى صوتها تصرخ برعب : - خلي بالك يا ابيه . أعاد عيناه ملتفتا بسرعة إلى الطريق أمامه فحاول أن يضغط فوق كوابح السيارة و لكنها لم تستجب اليه ، لتــصــدم سيارته تلك الحافلة المسرعة بأتجاهه و تنقلب السيارة بهم و اغمض عيناه و هو يري الدنيا تدور به مع انقلاب السيارة عدة مرات ليــصــمت كل شىء فجأة ، لم يدري كم لبث فاقداً للوعي و لكنه على يقين أن ذلك الألم الذي تمكن منه الأن هو سبب عودته إلى الحياة ، فحانت منه التفاتة الى جانبه ليرى شقيقته الصغيرة مغمضة العين و قد تناثر زجاج السيارة ممزقا بشرتها التي كانت تنزف بغزارة ليحدق برعب و ألم بعنقها الذي سكنته قطعة زجاج سميكة مزقت شريانها ، و حين حانت منه التفاته إلى الخلف ليتحقق من شقيقه لمحه طريح المقعد و قد اخترقت صــدره قطعة معدنيه لا يعلم من أين أتت ، لتبدأ الرؤية تغيم فى عيناه مرة أخرى و قلبه يرجف ببرودة رهيبة و تختفى الاصوات و الصور. أعاد صوت ذلك الشاب إليه انتباهه و هو يسئله بقلق : - يا أستاذ ممكن تكلمني ، حضرتك حاسس بايه طيب ممكن تيجى معايا على جنب بعيد عن ســـكة العربيات و أنا هتصل بالاسعاف حضرتك سامعنى . اعتدل جلال و وقف منتــصـــباً و هو يدعم جسده إلى ساعد ذلك الشاب و سحب نفسا عميقا و هز رأسه بعنف ليدير رأسه و ينظر إليه بإمتنان و قال ليطمن ذلك الغريب: - اطمن أنا بخير و شكرا ليك متقلقش أنا كويس تقدر تسيبنى دلوقتي أنا بيتى اساسا قريب من هنا . - ربت الشاب فوق كتفه بعدما رأى أنه أستعاد لونه بشرته و توازنه و قال: -"طيب تحب اوصلك للبيت أنا كدا كدا فاضى و مش ورايا أي حاجة على الاقل اطمن إنك وصلت بيتك بالسلامة ، بصراحة إنت وقعت قلبي لما شوفت واقف فنص الطريق و العربية جاية عليك و كنت زي ما تكون مش موجود فالدنيا خالص ، الحمد لله إنك بخير". - ابتسم له جلال و أومأ برأسه و سار بجانبه ليبدأ بينهما حديث تعارف و صداقة. --------------------------- - حلماً أخر يأتيها فيه بوجهه السقيم إبتسامته التي تمقتها و تدخل إلى نفسها النفور بكت خلال حلمها كما أعتادت و هي تراه يهاجمها ، لتستيقظ و أنفاسها تتلاحق لا تدرى لما تتخبط هكذا و كأنها تسقط من فوق جرف عال ، التفتت برأسها تحدق بفراشها تبحث بعيناها عن والدها و لكنها وجدته خال و لم يعد لوالدها اثر فى غرفتها ، وقفت ياسمين تدعم جسدها مستندة إلى مقعدها حتى أستعادت توازنها من ذلك الدوار للتذكر أنها لم تتناول أي طعام منذ يومين ، فغادرت غرفتها تبحث بعيناها عن والدها فى كل مكان ، و لكنها لم تجد له أثر ف*نهدت بيأس فأخذت طريقها إلى المطبخ و بحثت داخل البراد عن طعام فلم تجد أى شىء يسد رمقها و جوعها ، فأغمضت عيناها بيأس و شعرت بدموعها تحرق مقلتيها فتماسـكت لتمنعها من الفرار من حدقتيها فهى إن استسلمت لدموعها لن تتوقف ابدا عن سـكبها ، سحبت ياسمين عدة أنفاس تحاول أن تهدأ ذلك الإضطراب الذى سيطر على جسدها ، لتنتفض بذعر حين سمعت صوت جلبة بالخارج حبست ياسمين أنفاسها و وضعت يدها المرتجفة فوق شفتيها كأنها تخشى أن تخرج صوتا و أخرجت عنقها خلسة من باب المطبخ بهدوء تبحث بعيناها عن سبب تلك الأصوات ، فلمحت والدها يجلس و برفقة حسين رفيق درب السوء لوالدها فتراجعت مسرعة إلى المطبخ و بشرتها تكاد تقترب من البياض بشحوبها و قلبها يخفق بقوة و رعب ، تنعي حظها السيء لوجودها بعيدا عن أمان غرفتها ملاذها الحامى فلا أحد من أصدقاء والدها يعلم بوجودها هنا و هي لا تنوي كــسـر تلك القاعدة ، لفت ياسمين بعيناها تبحث عن مخرج دون أن يراها ذلك الحسين البغيض فلم تجد مفر فهي إن غادرت سيراها حتما و يقع المحظور ، تهالكت أرضا بجانب البراد تختبىء حتى لا يلمحها إن صدف و دلف إلى المطبخ و ما أن تسلل إلى اذنيها صوت خطوات تخطو صوب مكانها حتى أخفت عيناها بكفياها و أنتفض قلبها داخل ضلوعها كطير ذبيح لتتوقف الخطوات بالقرب من البراد أبعدت ياسمين كفيها ببطء ليقع بصرها على والدها فاستندت إلى الحائط و وقفت ليشحب وجه والدها بصدمة فأسرع إلى خارج المطبخ يحدق فى حسين ليطمئن لجلوسه بعيداً عن إتجاه المطبخ و تـــنـــهـــد حين رآه منهمكا فى اعداد بعض السجائر فالتفت إلى ابنته و قبض على ساعدها بقسوة و قال بصوت مرتعد خفيض: - ياسمين انتى ايه اللى خرجك برا اوضتك دلوقتي ، أنا مش منبه عليكي و قايلك متطلعيش من الاوضة إلا لما تبقى الدنيا أمان و محذرك تخرجي فالوقت دا بالذات . حاولت ياسمين تمالك ارتعاد جسدها فعلقها بات يرسم مئات المشاهد لأكتشاف حسين لوجودها هنا ، فكاد صوت شهقات فزعها تغادر حلقها لتضع كفها فوق فمها و هي تحدق بوجه والدها بخوف لتبعد يدها على مضض وتقول بصوت يكاد لا يسمع: - أنا كنت كنت عاوزة أعمل ساندوتش و حضرتك مكنتش موجود علشان تنبهني زي كل مرة . رفع والدها كفه و أخذ يفرك أنفه بقوة و عيناه تدور ما بين الجالس بالخارج و إبنته ليقول فجأة مسببا لها صدمة غير متوقعة: - بصي هو مافيش غير حل واحد و لازم تنفذيه إنتي لازم تنطى من الشباك بتاع المطبخ و تمشي على البرفيز و تمســكي بايدك فالشباك لحد ما توصلي لشباك الحمام و بعدها تمســكي في سور البلكونة بتاعتك وتدخليها و حاولي متعمليش أي صوت لما تدخلي أوضتك، يلا يا ياسمين إنتي لسه هتقفي تتف*جي عليا لحد ما يطب علينا هنا . هزت رأسها بالرفض لا تصدق أن والدها يريدها أن تخرج من تلك النافذة الصغير التى تقع بالدور العاشر و الأخير من البناية و أن تتسلق حافته لتصل إلى غرفتها و هى التى تخشى المرتفعات و الأماكن الضيقة. دفع يد والدها لها جعلها تفيق من شرودها و سمعته يقول بصوت خفيض يذكرها بخطورة الوضع : - إنتي عارفة لو حسين شافك هيحصل إيه أبوس إيدك يا ياسمين نطى من الشباك دا دا أرحم يا بنتي من لو شافك و راح قالهم و رحمة أمك الغالية تنطي . أجابته بصوت متألم حزين و جسدها يرتعد من تفكيرها بالأمر و قالت: - بس حضرتك عارف انى انى بخاف من المكان العالى و مش هقدر اتشعلق ، بلاش يا بابا و حياتى بلاش أنا أنا مش هقدر و ممكن أقع أو . اوقف والدها صوتها باصابعه المرتعشة حين كمم فمها و قال : - ياسمين صدقيني الشباك أهون مليون مرة منهم و إنتي عارفة ليه فيلا يا بنتي يلا . ازدردت ياسمين لــعــابــها و اغمضت عيناها لتستند إلى ذراع والدها و تصــعد على تلك المضدة الصغيرة أسفل النافذة لتفتحها و تدفع بجسدها الصغير إلى الخارج بدفع والدها لها حين حملها قليلاً لتصل إليها، ليرتطم الهواء البارد بجسدها و ازداد ارتجافها فحانت منها نظرة الى الاسفل بعيناها ، لتتشبث بقوة بحافة النافذة و ما ان تماسكت بحافتها حتى وصل إلى سمعها صوت حسين ينادى والدها ، ليسرع والدها بدفعها مرة أخرى لتبعد يدها عن حافة النافذة و أغلق زجاجها لتلتــصــق ياسمين بجسدها إلى الحائط تشعر أن الارض تقترب منها فكتمت أنفاسها و هي تسمع الرجل يقول: - إيه يا عم رفعت ليك ساعة بتجيب لي شمعة و معلقة علشان اظبط السجاير، إيه إنت بتعمل عندك كل دا . أسرع رفعت و سحب تلك الشمعة التى وضعتها ياسمين فوق الطاولة الصغيرة و الملعقة الخاصة بوالدها و الفتت إلى حسين الذي أخذ يجول بعيناه بريبة في المطبخ ليرتعش رفعت و يقول : - معلش بقى يا حسين الواحد من كتر ما بينسى بيحس انه مش شايف مكان الحاجة يلا بينا علشان تظبط لنا القعدة و الدماغ ، أحسن خلاص أخر دماغ كنت عاملها راحت و حاسس بالتعب . و سحبه رفعت الى خارج المطبخ و قلبه ينتفض بقوة يدعو أن تصل ابنته إلى غرفتها بأمان ، و في الخارج كافحت ياسمين رعبها من الاماكن المرتفعة لتسير بخطوات بطيئة على الحافة الرفيعه و تشبثت بنافذة المرحاض و تخطته بعد عناء ، لتتمسك بحافة شرفتها بيداها و كأنها وجدت طوق نجاتها و رفعت جسدها المرتجف بقوة و تسلقت سورها، لترتمى فوق أرضها منكمشة حول جسدها تحاول ان تنسى تلك التجربة المريرة و ما كادت تـهـدأ حتى هاجمتها اصوات عديدة فرفعت يداها لت** اذنيها عنها و هى تزداد انكماشا على أرض الشرفة. تناسى رفعت أمر ابنته ما أن اندمج مع ضباب تلك السجائر التى أعدها حسين رفيق السوء و صديق المزاج، ليخرج حسين تلك اللفافة التي تحتوى مسحوق ال*****ن و مررها أمام عينا رفعت و قال : - ها يا رفعت مش هتقولى بقى مخبي مين فالاوضة اللى هناك دى و بتقفلها ليه دايما لما بنيجى نقعد سوا، و لا أنت مش عاوز التذكرة النهاردة ، على فكرة دى ببلاش تمنها انك تعرفى سر الأوضة المقفولة بالمفتاح و مش بترضى اننا ندخل نقعد فيها . تلهف رفعت لاخذ اللفافة و هو يحدق بها بعيون زائغة و مد يده ليأخذها من بين أصابع حسين إلا أن الاخير ابعدها عنه و هو يقف و قال و هو يحدق بباب الغرفة : - هات المفتاح الأول و أنا اد*ك التذكرة دي ، و لا اقولك أنا هديلك تذكرتين بحالهم، بس هات المفتاح علشان اشوف بنفسي اللي جوا الأوضة . ازدرد رفعت لـعـابــه و هو يفرك انفه و يحكها بقوة و بادل نظرة ما بين الغرفة وحسين ليمد يداه و يسحب ذلك المفتاح من جيب بنطاله فابتسم حسين بسخرية و هو يلقي لفافة ال*****ن إلى رفعت ارضا و يسحب المفتاح منه متجها إلى الغرفة، فتح حسين الغرفة و اضاء مصباحها و زوى حاجبيه حين وجدها خاوية فزفر بحنق و التفت إلى رفعت الذي اسرع يستنشق م**ره ليترك باب الغرفة مفتوحا على مصراعيه و يعود خاوى الوفاض إلى مقعده و عيناه تتابع الغرفة بين الحين و الآخر . افاقت ياسمين من حالة اللاوعي التى سيطرت عليها و اعتدلت و استندت إلى حافة السور تدعم جسدها لتقف و عبست ما أن شاهدت ضوء الغرفة المضاء، فخطت الى داخلها لتتراجع بحدة حين رأت بابها مفتوح و صوت والدها وحسين بالخارج فالتصـقت ياسمين بحائط الشرفة خشية أن يشعر بها رفيق السوء حسين . --------------------------- أعتدل جلال فوق مقعده يحدق بيامن يفترس ملامحه بعينان كالصقر يفكر بشك هل مقابلته ليامن كانت من باب الصدفة البحتة ؟ أم انها مدبرة ككل شىء فى حياته ؟ ففى الآونة الأخيرة كثرت الصـدف التى حاول العديد من الاشخاص استغلالها للدخول الى حياته و اقتحام اسواره الحصينة التى ابعد بها الجميع عنه، فهو اصبح كالبحر المظلم امامهم يريدون سبر اغواره و معرفه ما فى اعماقه خاصة بعدما خسر والده جميع شركاته ، و عاد هو ليقف بينهم من جديد كأن ض*باتهم المتلاحقه السابقة لم تؤثر به و لم تضعف من ارداته ، حاول جلال طرد كل الذكريات التى اخذت تتدافع بقوة لتحتل عقله و تزيد من ريبته ليترك مقعده و يتجه صوب يامن و يقول : - مقولتليش يا يامن إزاي واحد خريج هندسة حاسبات و تبقى مش لاقى شغل لحد دلوقتى ، يعنى أنا أعرف إن بتوع الحاسبات دول مطلوبين دايما طالما كفاءة و عندهم خبرة و لباقة زيك فالكلام . زفر يامن بضيق و هو يتذكر خيباته المتتالية فقال بصوت ممتليء بالخيبة و الحزن : - تقدر تقول عني إني أنتقلت من خانة المنحوسين و بقيت النحس نفسه . حدق جلال بوجهه بدهشة و قال بلهجة شابها التــهـكم لظنه بأنه مدسوس عليه: - و هو في حد بيعترف على نفسه و يقول إنه نحس مش شايفها غريبة . هز يامن رأسه بالنفي ليزفر أنفاسه بضيق و يفصح عن مقصده و قال : - ما هو أنا مش بقول على نفسي كد من فراغ للأسف دا بعد تجارب كتيرة يا جلال ، هقول إيه طيب و أنا كل ما اروح مكان و أقول خلاص هو دا مكان أكل عيشي و شغلي الدايم مكملش فيه كام شهر و اسيبه . -ضيق جلال عيناه و نظر له بفضول و دهشة و قال : - و تسيبه ليه هو في حد لاقي شغل الايام دي . مسح يامن على وجهه بكف يده ليطرد إحساسه بالفشل الذي أصبح يطارده و قال : - عارف يا جلال أنا فى شركتين متخيلتش ان رجليا بس ممكن تخطيهم اساسا مش اشتغل فيهم و لما أشتغلت كنت بتقي الله فشغلى بس للأسف مستمرتش فيهم ، أظنك عارف شركة البيونتو أهي دي قعدت فيها سنة و سبتها لما وقع تحت ايدى ملفات بالغلط عن صفقات مش و لابد ، و لما عرفوا إني شوفت الملفات ضيقوني و بقوا يحفروا لي كل حفرة و اختها من اللي بتودي ورا الشمس زي ما بيقولوا ، قمت قايل و على إيه أخدت بعضي و طلعت للمدير أصل إنت استحالة تقابل صاحب الشركة إلا لو كنت حد من المراكز و .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD