بائعة الشاي

3910 Words
بائعة الشاى بعد عناء يوم كامل صادف أنه يوم ميلادى ، قررت أن أحتفل به ، ربما كان ذلك اليوم لا يستحق الاحتفال ، لكن لا يمكن أن يمر عام بعد عام فى عمرى دون أن أحتفل به ولو لمرة واحدة ، هو العيد السابع والثلاثون ، سأحتفل به ، بلا زوجة ، بلا أسرة ، بلا دخل ثابت ، سأحتفل به ، بلا أحلام ، بلا آمال ، بلا أهداف ، سأحتفل به وأتمناه الأخير، فى تلك الغرفة المتهالكة فى ذلك البيت المتهدم فى حى الجمالية حيث أعيش ، لا أحتمى بها من حر الصيف ولا تمنع عنى مطر الشتاء ، لكنها الأنسب لما أقوى عليه من إيجار ، هون عليك يا " اسماعيل " فلربما تحنو الحياة ! هكذا كنت دائما أقول لنفسى ، لكنى انقطعت عن هكذا تثبيت ، غدٌ يأتى بغدِ وما حنت ، جسدى النحيل يتهالك من الفقر والجوع ، شعرى تناثر فيه الشيب على عمرى هذا ، كثيرا ما كنت اهرب للخيال حتى مللت وصرت أرى الواقع بمرارته أهون على نفسى من خيال عشت فيه حتى شعرت أن مرضاً عقلياً قد أصابنى ، أحلام اليقظة كانت سلوتى كل ليلة حتى يغلبنى النوم فوق هذا البلاط ، وفى كل مرة لابد أن يكون النقص حليفا لكل الأحلام ، حينما حلمت بأن أكون وزيرا رأيت نفسى بعد الإجتماع قد خرجت من الوزارة أبحث عن أتوبيس النقل العام لأعود به ، وعندما حلمت بأننى رجل شرطة رأيت نفسى أهرب من الباعة الجائلين زملائى فى الواقع ، أى سخرية هذه من عقلى الذى لا يتقبل إلا النقص الدائم ، فى حى العتبة ، أفترش الأرض بتلك الملبوسات المستعملة بحثا عن ذوى الفاقة من المشترين لعلهم يضعون فى يدى جنيهات معدودة على أصابع اليد الواحدة فوق ما اشتريتها به من أصحابها الذين امتلأت خزائن ملابسهم بالجديد فقرروا التخلص من القديم لديهم ، وحينما تأتى حملات الحكم المحلى أو ما يعرف بـ " البلدية " أهرب تاركاً إياها على الأرض دون التفات ، فالنجاة حينها من ليلة حبس خير لى من أكوام الهراهير تلك ، ليتنى صبرت وانا صبى على قسوة الميكانيكى حينما شج رأسى بعدما أخطأت ما بين خزان الوقود والراديتير فوضعت الماء هنا والوقود هناك ، ليتنى تحملت صفعات الكهربائى حينما انهال على وجهى بعدما طلب المثقاب فأعطيته له وانا أضغط على زره حتى كاد يثقب زراعه ، وليتنى .... ها قد وصلت لذلك المحل ، سأشترى قطعة مثلثة واحدة من الكعك الهش ، اما الشمع ففى غرفتى شمعة حيث أن الكهرباء تعاندنى دوما ، ليس لعيب فى المص*ر وإنما عيوب فى الصيانة ، سأتجه الآن إلى تلك الغرفة الكئيبة لأقيم الاحتفال . عن أى احتفال أتحدث ! لا شئ يستحق البكاء ولا الفرح ، فليبق كل شئ على ما هو عليه ، خطئى هو أننى كنت أحلم وأنا فى العشرينات بحياة أخرى غير هذه ، حياة بها الشقاء أوافق ، لكن مع القليل من المتعة يدفعها للاستمرار ، زوجة تملأ حياتى جحيما بشجارها المتكرر ، لكنها وقت الليل تتزين لليلة حمراء ، حتى اليوم لم أجرب مذاق لحم النساء ، إبن يطالبنى بمصروفاته المرهقة ، لكنه يحتضننى عندما أعود من الخارج ، شقة أحمل هم إيجارها الشهرى لكنها متسعة تحتوينى وأسرتى ، ها هو مثلث الكعك سألتهمه دونما احتفال ، إلى النوم كما هى العادة فوق الأرض مباشرة ، سيأتى النوم ولو على الصخور، أصبح الصباح وقمت أجمع تلك البضاعة الغثة لأذهب بها إلى هناك مثل كل يوم ، وقبل أن أصل إلى ميدان العتبة وجدت الزملاء يهرعون إلى الحارات المجاورة تاركين بضائعهم ، الفوضى تملأ المكان ، الصراخ والبكاء ، إنها البلدية ، سأعود حيث أتيت ، لا ، سأذهب إلى محطة القطار ، المسافة قريبة بالنسبة لى ، سأذهب سيرا على قدمى ، أستقل أول قطار أبيع فيه تلك الـ ! لا أعرف بم أسميها ، ها قد وصلت ، نظرت فى كل القطارات وسألت عن وجهتها ، كلها متكدسة بالمسافرين ، سأستقل هذا القطار على اى حال ، سألت أحد الركاب عن وجهته فأجابونى أنه متجه إلى مدينة الزقازيق بالشرقية ، ليكن ، سأبيع حاجياتى ثم أعود فيه ، وانطلق القطار وانا أحاول إقناع الركاب أن ينظروا لبضاعتى دون جدوى ، الكل مهموم أو منشغل بالحديث مع جاره ، ملأنى الهم وساءلتنى المعدة كيف ستقضى يومها ! تمكنت من الهروب من المحصل فلا شئ فى جيبى لأدفعه له ، غادرت القطار ورحت أجول فى أرجاء المحطة ممسكا ببعض البناطيل القديمة ، لقينى رجل علمت انه " سباك " سيأخذ بنطالين فقط ، تهللت أساريرى ومنحته البنطالين ومعهما سترة هدية ، وضع بيدى عشرة جنيهات ثم غادر ، بإمكانى الآن أن أقطع صراخ بطنى ، تناولت رغيفا من الخبز مع بعض الفول ثم عدت لأجلس فى نفس القطار ، سأجلس لكن إذا رأيت المحصل سأفر هاربا منه وأتوارى عنه ، ساعة واحدة مرت قضيتها فى النوم أراجع قرارى الخاطئ بالبيع هنا ، لكننى لن أتحمل مطاردات يومية أترك فيها ما جمعته لأهرب كالمجرمين خشية أن يقبض علىّ أحدهم ، بدأ القطار يمتلئ ، يزدحم ، يتكدس بالركاب ، لم يعد فيه موضع لقدم ، وانطلق والركاب يتأرجحون مع حركاته ، مر حوالى عشرون دقيقة أو تزيد توقف بعدها القطار فى أولى محطاته فى منيا القمح ، لم ينزل منه أحد لكن ركب المزيد ، اقتربت سيدة فى مثل سنى تقريبا لكن يبدو عليها الإرهاق ، تزاحمت بين الركاب وهى تصيح فى وجوههم أن يفسحوا لها الطريق ، اقتربت حتى وقفت إلى جوار المقعد الذى أجلس عليه ، تفقدت وجوه الجالسين ، توقفت عند وجهى حينما وجدتنى أنظر إليها ، منحتنى بعض الأكياس وطلبت منى أن أضعها أمامى ، آه ! ها هو المحصل يقترب ، لو بقيت جالسا سيسألنى عن التذكرة أو يطالب بثمنها ، لقد استرحت بما فيه الكفاية ، سأقوم حتى أتفادى مواجهته ، وبتلقائية شديدة نظرت لتلك السيدة وقلت : اسماعيل : تعالى يا ستى اقعدى مكانى السيدة مبتسمة : ليه ما تخليك قاعد اسماعيل : لا ما يصحش ، اتفضلى السيدة وهى ممتنة : شكرا يا أخويه ، ربنا يخليك قررت أن اتزاحم مسرعا قبل أن يرانى المحصل ، خطوتين لا أكثر حتى وجدت امرأة تستدير وتصرخ فى وجهى والشر فى عينيها ، المرأة الغاضبة : ما تحترم نفس أهلك بقا من أول القطر ما اتحرك وانت عمال تقل أدبك ، إيه ؟ اسماعيل متعجباً : أنا !! ده انا لسه واقف اهه المرأة الغاضبة : لسه واقف ! من أول الزقازيق وانت عمال تمد إيدك وتزنق فيه من ورا وانا ساكتة واقول يمكن يحترم نفسه انما انت مش هاترجع غير بالشبشب ! عجزت حتى عن الرد ، لا أفهم ما هذا الذى يحدث ! قامت السيدة التى أجلستها مكانى لتصرخ فى وجه تلك المرأة مدافعة عنى ، السيدة الجالسة: جرا ايه يا بت ؟ الراجل كان قاعد ولسه سايبلى الكرسى بتاعه ! هى تلاقيح جتت ؟! المرأة الغاضبة : وانتى إيه انتى كمان وإيه اللى دخلك فى الكلام ده ؟ السيدة الجالسة : ما تفتحيش بقك معايه لاعرفك انا مين ! اتلمى خليكى تروحى على رجلك بدل ما اروحك م**حة سكتت المرأة بلا تعقيب ، نظرت وبعينى امتنان غير مسبوق لتلك السيدة التى دافعت عنى ، جلست مكانها دون أن تنتظر كلمة شكر منى ، لكن هنالك يد تطرق كتفى ، إنها يد المحصل ، تلك المرأة التى اتهمتنى عطلتنى عن الفرار ، وقع المحظور، ليس بجيبى سوى خمسة جنيهات ، المحصل : التذكرة ؟! اسماعيل : أنا بياع ! المحصل : بياع إيه ! انا اول مرة أشوفك ، التذكرة ماتعطلنيش اسماعيل : ما قطعتش ! المحصل : 10 جنيه اسماعيل : يا حاج أبوس دماغك انا مفيش فى جيبى غير خمسة جنيه هاتعشى بيهم السيدة الجالسة : خد يا حاج الفلوس اهه زادت دهشتى وتعجبى حتى شعرت بشلل فى ل**نى فلم أنطق ، نظرت لى مبتسمة تومئ برأسها ، ظللت واقفا فى مكانى وظهرى للطرقة ، بينما وجهى ناحيتها ، توقف القطار فى محطة بنها فقام من يجلس بجوارها ليترك مقعده فارغا وضعت يدها على ذاك المقعد تمنع عنه من يجلس ونادت علىّ السيدة : تعالى يا اخويه اقعد هنا اسماعيل : الف شكر يا ست السيدة : على ايه يا اخويه ده واجب عليه اسماعيل : على ايه ازاى ده انتى جمايلك بقت كتيرة فى رقبتى ، دافعتى عنى ودفعتى لى وقعدتينى كمان السيدة : انت سبقت يا ابن الأصول بالخير وانا اللى يعمل لى معروف اردهوله الطاق عشرة كانت لهجتها تدل على انها تستحق لقب " بنت البلد الجدعة " بكل مواصفاتها ، ذكرتنى كلماتها بكلمات المرحومة أمى ، تساقطت الدموع من عينى ولم أدرك هل هو بكاء على أمى أم هو بكاء على ما انا فيه ، بعد دقائق من ال**ت نظرت لى وهى تتألم لبكائى ودون أن تعرف الأسباب وجدتها تربت على كتفى وتمنحنى منديلها لأمسح دمعى ، وحينما ترددت وزاد البكاء أمسكت بذراعى ومسحت دمعى بيديها وهى تحاول تهدئتى ، السيدة : روق بقا يا اخويه مش كده هو حصل إيه يعنى لده كله ، ما كلنا فى الغلب ، ماتعملش فى نفسك كده يا قلب أختك خلاص الناس بتبص عليك اسكت بقا ، انت ساكن فين ؟ اسماعيل : فى الجمالية السيدة : طيب خلاص فيه شارع ورا القسم فاضى ومفيهوش حد ، اقعد هناك وابقا عيط براحتك بقا طالما انت مخزن ده كله هههههههه اسماعيل : كلماتها أجبرتنى على الابتسام السيدة : ايوة كده اضحك يا راجل ، اسم الكريم إيه ؟ اسماعيل : اسمى اسماعيل السيدة : وأنا اختك فتحية اسماعيل : ربنا يعزك يا ست فتحية فتحية : لا ست إيه قول لى فتحية أو قول يا ام نورا ووصل القطار إلى محطة رمسيس ، نزلت قبلها وانطلقت فى طريقى لكننى سمعت صوتها تنادينى ، انتظرتها حتى لحقت بى فقالت ، فتحية : ايه مستعجل ليه كده ! انت وراك إيه ؟ اسماعيل : ولا حاجة فتحية : طيب بص هقول لك حاجة ، احنا اخوات صح ! اسماعيل : طبعا يا ام نورا فتحية : طيب خد دول منى ، دى حاجة بسيطة اهه وبدون أن ادرى او أمد يدى نظرت للأوراق النقدية فى يدها ثم نظرت فى عينيها المشفقتين ، هل وصلت لهذه المرحلة ! صرت فى عين الناس مستحقا للإحسان والصدقة ! منذ أن خرجت للدنيا وأنا أعانى من الفقر والحاجة وكأن الفقر يجرى فى العروق مع الدماء ، هجرنا أبى دون أن نعرف مكانه ، مرضت أمى وأقعدها الداء فكنا نعيش على الصدقات ، فى نفس الغرفة الخاوية فوق السطوح المتهالك ، ماتت وانا فى الخامسة عشرة من العمر تاركة لى إرثاً من الفقر والضياع ، صارعت كثيرا حتى أرتزق من أى باب بدلا من ذل السؤال ، تحملت الجوع أياما وليالى حتى صارت ملامحى اليوم توحى بتجاوز الخمسين بينما أنا لم أبلغ الأربعين ، مر ذلك الشريط أمام عينى فى لحظة ، فاضت دموع الذل منى حتى لم أستطع الوقوف ، شعرت بدوار ثم لم أنتبه إلا بعد قرابة الساعتين وأنا ممدد فوق أريكة فى سقيفة وحولى أصوات الضجيج تتعالى من السيارات والنداءات المتتابعة على سيارات الأجرة ، فتحت عينى لأجد فتحية تجلس أمامى على بعد مترين تقريبا واضعة يديها فوق رأسها وكأنها حزينة ، نهضت لأجلس ، نظرت إلىّ وعينها مستبشرة ، قالت ولهجة الفرح تقطر من صوتها ، فتحية : حمدلله على سلامتك يا قلب اختك ، كده تخلع قلبى عليك ؟ اسماعيل : هو إيه اللى حصل ؟ مش فاكر حاجة فتحية : لا ولا يهمك يا اخويه قوم تعالى ناكل سوا قوم اسماعيل : لا كتر خيرك يا ام نورا ، أنا فين؟ فتحية : يا اخويه تعالى كل ، ده انت جاى من سفر قمت متباطئاً إلى مكان الطعام وجلست أتامل السقيفة ، كأنها مطبخ لإعداد المشروبات الساخنة ، نعم كل شئ فى المكان يشرح ذلك ، مئات من الأكواب المتراصة بعناية ، موقدان بأنابيب الغاز الكبيرة ، غلايات الشاى الكبيرة الحجم ، لاحظت نظراتى وتاملاتى فى المكان فبادرت ، فتحية : احنا هنا فى موقف المنيب وهنا بقا مكان أكل عيشى ، شاى وحلبة وحاجة سقعة واهى مستورة اسماعيل : ربنا يوسع عليكى يا ست الكل فتحية : بقالى اسبوعين ما جيتش هنا عشان كنت عقبال اولادك باجوز البت نورا بنتى ، كانت معايه هنا بتساعدنى بس جالها عدلها من منيا القمح ، النهارده السابع كنت باودى لها زيارة اسماعيل : ربنا يتمم فرحها بخير فتحية : يا اخويه فك كده واتبحبح بقا فى الكلام ، إيه مالك يا راجل شايل هم الدنيا فوق دماغك كده ليه ؟ اسماعيل : انتى طيبة اوى يا ست فتحية وبنت حلال ، معندكيش غير نورا ؟ فتحية : عندى يا اخويه وليد ده الصغير بقا بس ايه غلباوي ول**نه طول كده ، انما نورا بقا ايه ! ل**نها بينقط عسل ، الجدع اللى اتجوزته ده كان سواق هنا بس سافر الكويت واول ما رجع بقرشين لقيته جاى يتقدملها ، ابن حلال واتربى يتيم زيها اسماعيل : يعنى انتى اللى شيلتى مسئولية ولادك كلها يا ست فتحية فتحية : آه من يوم المرحوم ابوهم ما مات وهما قطط كده وانا طلعت عليهم اشتغل واتعب لاجل ما يتحوجوش ولا يحسوا ان فيه حاجة ناقصاهم أبدا واخليهم احسن الناس كلها ، نورا الكبيرة اديتها دبلوم تجارة ، بس حبة عين امها اول ما خلصت قالت لى مش هسيبك لوحدك يا امه وجت تشتغل معايه ويادوب سنتين اتنين اللى اشتغلتهم معايه واتجوزت ، انا كمان ماخليتهاش تخش بيت جوزها الا كاملة مكملة من مجاميعه ، والواد وليد بقا فى الثانوى العام عقبال ماتشوف ولادك شاطر اوى اسماعيل : ربنا يخليهملك ويخليكى ليهم فتحية : وانت بقا يا اخويه ولادك اسملله عليهم فى التعليم ؟ اسماعيل : انا معنديش ولاد فتحية : ربنا يعوض عليك ، منك ولا منها قلة الخلف ؟ اسماعيل : لا أنا ما اتجوزتش خالص فتحية : طب كل ومد إيدك ، انا هاعزم عليك ؟ واستمرت فتحية فى فتح قنوات الحوار حتى انتهينا من الطعام ، قامت تعد كوبين من الشاى ، كانت نحيفة لكنها لينة القوام مفرودة العود ، ملامحها جادة وحادة لكنها جميلة ، تبدو أصغر من أن تكون أما لابنة متزوجة ، طابع الحسن البنى يزين خدها الأيمن، وجهها مستدير ، عيناها سوداوان وجريئتان ، عادت بعد قليل تحمل كوبين من الشاى وهى تقول ، فتحية : السو**ين كانوا فاكرين انى جاية اشتغل بس انا قلت لهم لسه من بكره ، انما انا جيت هنا عشان بيتى بعيد وانت كنت يا حبة عينى محتاج ترتاح اسماعيل : انا مش فاكر إيه اللى حصل لى فتحية : واقفة باتكلم معاك ع الرصيف لقيتك وقعت قدامى من طولك ، رقعت بالصوت والناس اتلمت ، بابص لقيت دكتور إلهى يستره نازل م القطر كشف عليك بسرعة وفوّقك بس انت كنت قايم مدروخ خالص ، جدع ابن حلال سندك معايه لحد التا**ى وجبتك هنا ، خلى بالك الدكتور بيقول ان اللى عندك ده ضعف ، ليه يا اخويه مش واخد بالك من نفسك كده ده مفيش اغلى م الصحة ! ما تفتح لى قلبك أنا زى اختك كان حوارها وكلماتها وخوفها علىّ برغم غربتى عنها يشعرنى بحنان لم أجده من أمى التى جعلها المرض تستعجل الرحيل عن الدنيا لتفارق الآلام والهموم ، يدها التى كانت تربت بها على كتفى بين الحين والآخر كانت تشعرنى بدفء وسكينة ، انطلق ل**نى فى الحديث عن نفسى دون توقف ولا تحرج ، كنت أحكى بينما أنظر فى الأرض ، حتى رفعت وجهى فوجدت الدموع تغرق خديها ، انخراطى فى الحكاية جعلنى لم أنتبه لبكائها منذ أول صفحة فيها ، توقفت فجأة عن الكلام ، نظرت لى بحنان وطالبتنى بالتكملة ، استأذنتها للانصراف وطفت بنظرى أبحث عن حاجياتى ، أمسكت بى وأقسمت ألا أغادر ، فتحية : انت هاتشتغل معايه هنا من بكره اسماعيل : كتر خيرك يا ست أم نورا ، أنا هارجع ع الاوضة الليلة دى وبكره ربنا يعدلها فتحية : يا اخويه اقعد انا مش بعزم عليك ، انا هنا بقيت لوحدى بعد البت ما اتجوزت وكنت تايهة مش عارفة هعمل إيه ، كانت مريحانى اسماعيل : طب وقبل ما تشتغل معاكى ما انتى كنتى لوحدك فتحية : لا كان معايه الواد تامر ابن اختى بس سافر هو كمان ربنا يسهل له ، اسمع بس ده شغل وانت كل اللى هاتعمله هاتقدم المشاريب للزباين ، الزبون بييجى يقعد مكانك كده بالظبط او بره العشة ، وانا هابقا واقفة ع النار ، ها قلت إيه ؟! اسماعيل : بس أصل انا ! فتحية : اسمعنى ، سيبك م الأوضة بتاعت الجمالية والعتبة والهم ده انت هنا هاترتاح وفيه اوضتين اهم فى بدروم العمارة دى عاملاهم مخزن خدلك واحدة منهم ، يوميتك عشرين جنيه ، قلت إيه ؟ اسماعيل : موافق يا ست فتحية فتحية : ام نورا يا اخويه قول ام نورا لم تكن لى حاجة فى العودة للجمالية من جديد ، الغرفة هناك فارغة من أية محتويات أو متعلقات ، تبعت فتحية وهى تذهب إلى البدروم وفتحت لى بابه ، به أجولة من الشاى والسكر ، وكراتين من الأكواب الزجاجية ، بعض المواقد القديمة وأنابيب الغاز الاحتياطية ، إلى جانب بعض الكراسى الخشبية والأرائك ، بعض عروق من الخشب وأفرع الشجر ، رتبت لى منامة فى ركن الغرفة الثانية ومنحتنى موقدا ، كشفت ستارا لتخبرنى أن هذا هو الحمام وبإمكانى استغلال إحدى المساحات الخاوية لأجعل منها مطبخا صغيرا ، ذهبت إلى الخارج قليلا ثم عادت تحمل بعض الأوانى مع بعض الغيارات والبيجامات ، كان الكلام لا يعبر عن الشكر والامتنان لها ، أعطتنى المفتاح وهى مبتسمة تخبرنى أن فى الغد سنستأنف العمل من جديد وانا معها ، بعض الإرشادات كانت كافية لأفهم ما يجب علىّ فعله وما لا يجب ، وفى اليوم التالى بدأ العمل على أحسن ما يكون ، ومر شهران وانا كل يوم أشعر بالرضا والبشرى ، مزيد من المال يعنى المزيد من الأناقة والشياكة ، ومزيد من الراحة يعنى المزيد من الوزن ، صرت متناسق الطول مع الوزن فى فترة بسيطة ، من يرانى يمنحنى عمرى أو أقل منه ، أصبحت مهندما بهى الطلة ، هذبت لحيتى وهندمت شاربى ويوما بعد يوم يزداد رضا ام نورا عنى ، استأذنتنى فى يوم من الأيام أن أعمل بمفردى لأنها ستذهب فى زيارة لنورا ولن تغيب ، جاءت من هنالك تحمل هما كبيرا ، زوج ابنتها " مرزوق " يسئ معاملتها ، يض*بها ، يسبها بأقذع الألفاظ ، روت لى تدخلها لتصلح رغم غضبها ، ولتهدئ ابنتها وتجعلها تتحمل فهى فى بداية الزواج وهذا أمر معتاد ، لم تكن مقتنعة بما تقول لكنها قالت أن هذا كل ما يمكنها اليوم فهى لا تريد أن تنهى حياة ابنتها الزوجية فى بدئها لو تدخلت بعنف مع زوجها أو أهانته ، ومضى أقل من عام والأمور عندى تزداد حسنا ، صرت أحلم اليوم بالزوجة ، أمامى عامٌ أو عامان وسيمكننى التفكير الجاد فى هذا ، كنت أحصل على يوميتى من ام نورا إلى جانب بعض الإكراميات من السائقين ومعاونيهم . على الجانب الآخر صارت أم نورا تحمل هم ابنتها لتأخرها فى الإنجاب ، قسوة زوجها تزداد ، تهديداته بالزواج من غيرها دفعتها للسفر إليها فى يوم لتوبخه وتعنفه على ذلك ، مضى أسبوع واحد على تلك الزيارة حتى عادت إليها نورا لتخبرها بأن مرزوق قد طلقها ، لم يكن بمقدورها أن تذهب إليه فلقد أنهى كل شئ بفعلته ، وصلت ورقة الطلاق بعد أيام قليلة ، وانطلقت ام نورا تسعى لرد حقوق ابنتها القانونية ، حبال المحاكم طويلة كما كانت تقول ، كنت أحاول التخفيف عنها كما كانت تفعل معى ، كنت أراها قوية لا تعبأ بأمر الطلاق إلا ما يخص **رة ابنتها وشعورها بالألم وقد صارت مطلقة فى العشرين من عمرها ، طلبت منها نورا أن ترجع لتعمل معنا فى السقيفة لعلها تنسى همومها فى طاحونة العمل ، وافقت أمها وأحضرتها معها وقدمتنى لها ، نورا طيبة القلب جميلة الملامح رقيقة صوتها شجى ، ممتلئة الجسد بعدالة ، من يراها يحب النظر إليها ، كانت تنادينى " عم اسماعيل " ، اقتسمنا العمل بيننا ، وبعد أشهر قليلة كان أول حكم لصالح نورا بالنفقة والمؤخر وقائمة المنقولات ، وبرغم أن الحكم فى صالح نورا إلا أن أمها لم تأخذ من القائمة إلا ما اشترته لابنتها فقط لتعيد لمرزوق ما اشتراه ، اجتهدت نورا فى عملها معنا ، كانت العلاقة بينى وبينها عادية ، مر شهر على الحكم ووجدنا مرزوق يحضر إلى السقيفة بكل سخف ليجلس خارجها طالبا الشاى ، لم اكن أعرفه فقدمته له ، لكننى فوجئت عندما وجدت نورا قادمة بصينية فوقها عشرة أكواب وحينما رأته شهقت وسقطت منها الصينية بما عليها ، قام ليجذبها من ذراعها ليسمعها أقسى عبارات السب غيظا مما تكبد من خسائر ، ما إن لمحت المشهد حتى اندفعت نحوه بكل قوة لأخلصها من ذراعه وازيحه بعيدا عنها ، كنت اظنه احد السائقين الجدد فى المكان لكننى تبينت الامر عندما هرعت نورا إلى امها داخل السقيفة لتخبرها بقدوم طليقها واعتدائه عليها ، وجدت فتحية تخرج متحفزة لتاديبه حتى وجدتنى ممسكا برأسه بين يدىّ أمنحه ركبة فى خصيتيه ليسقط على الأرض صارخا فأهبط فوقه مكيلا له اللكمات بكل الغل الذى ترسب فى نفسى جراء ما كبده لنورا وأمها من عناء ، صار وجهه مدرجا بالدماء حتى وجدت ام نورا تسحبنى من فوقه ، فتحية : خلاص يا اسماعيل هايموت فى إيدك اسماعيل : سيبينى أربيه اللى فاكر ان ماوراهاش رجالة ، ده انا هاقطعك هنا فتحية موجهة نظرها لمرزوق : انا خلصتك من إيده بالعافية انما ودينى لو شوفت وشك تانى لاخليه يولع فيك يا قليل الأصل يا خسيس تجمع السائقون ليطالعوا الأمر ، أخذوا مرزوق وذهبوا به بعيدا عن المكان وهم يعاتبونه على ما فعل ، أخذتنى فتحية من يدى وأدخلتنى وهى تمسح على ظهرى وكتفى ، فتحية : ربنا يخليك لينا ومايحرمناش منك أبدا يا أصيل يا ابن الأصول نورا : حاجة بتوجعك يا عم اسماعيل ! طمننى عليك اسماعيل : بخير يا نورا ما تقلقيش فتحية : يا بت ماهو قدامك زى الأسد أهه ، إيه شايفاه دمه سايح ولا بيتوجع ! ده سيد الرجالة ده نورا : طبعا سيد الرجالة كلهم ، يسلملى دراعك يا سمعة فتحية : هههههه يا بت كلمى الراجل عدل اسماعيل : خليها براحتها يا ام نورا دى الغالية علينا كلنا ومنذ ذلك الحين لاحظت تغيرا مفاجئا على معاملة نورا ، صارت أرق فى معاملتها معى ، شعرت انها ترى فى شخصى الأب الذى افتقدته ، بينما كانت فتحية لا تقصر فى بث حنانها الدائم لى ، شعرت بينهما أننى وجدت الأسرة والأهل ، لم تعد نورا تنادينى إلا بـ " سمعة " ، أصبحت تلاطفنى وتدللنى وتنغمس فى الحديث معى والاستماع لى بكل شغف فى اوقات الراحة ، أقبلت امتحانات الثانوية العامة فقررت أم نورا أن تبقى إلى جوار وليد ترعاه رعاية كاملة وتتابعه بإحكام حتى تنتهى امتحاناته ، كانت فتحية تعرف أن المكان فى يدى كما هو فى يدها ، يومان وذهبت لرؤية ام نورا وانا أحمل معى واجب الزيارة ، لقيتنى نورا لتخبرنى ان أمها نائمة الآن لتستعد للسهر إلى جوار وليد وهو يستذكر دروسه ، سألت عن أخيها وليد فأخبرتنى أنه فى الدرس ، هممت بالانصراف فلم تتركنى وتمسكت أن أبقى حتى تقدم لى واجب الضيافة ، جلست إلى جوارى تسائلنى عن نفسى ، عن حياتى ، عن سر تأخر زواجى ، فأجبتها بإجابات قصيرة ، جلست تتحدث كثيرا عن حياتها وعن طليقها وعن طريقة تعامله معها رغم أنها كانت لا تأل جهدا فى تجميل حياته بكل انواع الجماليات ، حتى أنها كانت ترقص له فى غرفة النوم ، أدهشتنى جرأتها ، تمنيت لها التوفيق فيما هو قادم ، لكنها استمرت فى حديثها عن غرفة النوم ، كان وكنت وكنت وكان ، اقتربت أكثر حتى صرت أشعر بحرارة أنفاسها ، وفى كل دقيقة تضع يدها على كتفى او تمسك بذراعى أو بيدى بينما تحكى ، لم اكن لألقى بالاً لكل كلامها أو تصرفاتها ، انتهى الحوار وطلبت الانصراف على امل العودة فى وقت لاحق ، فى اليوم التالى استأنفنا العمل ، أنا ونورا فقط ، كنت انا على النار وهى تقدم المشروبات للزبائن ، رأيت بعض السائقين يغازلها وعيناه تتابعها كلما تخطو بينما تملؤهما الرغبة ، ناديت عليها فجاءت مسرعة ، اسماعيل : خليكى انتى هنا وانا اللى هاوزع المشاريب نورا : ليه يا سمعة حصل إيه ؟ اسماعيل : الواد اللى هناك ده كان بيبص عليكى بصة مش حلوة ؟ نورا مبتسمة : بتغير عليه يا سمعة ؟! اسماعيل : ما تخرجيش من هنا أنا اللى هعمل كل حاجة نورا بنبرة الدلال والفرحة تغمرها : حاضر يا عيونى . . . . . . . . . . . . . . . . . # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # #
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD