15

1344 Words
نظرت إليها بغضب و قلت بعناد : " لن أخلعها ، و سأظل الأجمل أيضا ! " في غرفة الضيوف حيث نقيم الحفلة ، وجدت روشني و سايما ، ابنتا خالتي قد وصلتا و كانتا أول من حضر . " واو ! فستان رائع ! ما أجمله يا بريتا ! " قالت روشني و هي تبعد يدها بعد مصافحتي ... روشني كانت صديقة طفولتي الأولى ، و انتقلت مع عائلتها للعيش في هذه المدينة مثلنا أيضا منذ سنين ، و لا تزال أفضل صديقة لدي . أما سايما فهي الشقيقة الوحيدة لروشني ، و تصغرني بست سنوات ، و تلازم روشني كالظل ! " هل أعجبك حقا ؟ اشتراه والدي بسعر مرتفع ! إنني أعامله كأي قطعة من حليي هذه ! " ابتسمت روشني و قالت : " كم أحسدك ! لد*ك أب يدللك كما لا يدلل والد ابنته ! رغم أنك لست ابنته الحقيقية ! " هذه الكلمة تزعجني كثيرا ، فأنا لا أحب أن يشير أحد إلى والدي ّ بأنهما ليسا والدي ّ الحقيقيين . إنني اعتبرتهما كذلك منذ الصغر و لا أعرف والدين غيرهما مطلقا . قلت بنبرة مازحة : " لأنني البنت الصغرى ، و آخر العنقود ... يجب أن أتدلل ! " ثم نظرت إلى سايما و قلت : " أليس كذلك سايما ؟ " أجابت ببرود : " كما تقول أختي " رفعت نظري عن هذه الفتاة البليدة ، و عدت أخاطب روشني : " و كيف حال خالتي و زوج خالتي ؟ و امان ؟ " أجابت : " بخير جميعا ! امان أوصلنا إلى هنا و أظنه يلقي التحية على والدك الآن " ثم أضافت ، و هي تنظر إلي من زاوية عينها بخبث : " و على فكرة ، هو يبعث إليك أيضا بتحية حارة مشتعلة !! " رفعت إصبعي السبابة الأيمن و ضربت جبينها ضربة خفيفة و أنا أقول : " لا تتوبين ! " و انبعث ضحكاتنا تملأ الأجواء . ما إن حضرت صديقتنا الثرية حتى استقبلتها شريستي استقبالا حميما ، و أولتها اهتماما مركزا طوال الحفلة ! أتساءل ... هل هذا ما يحدث مع جميع الفتيات ! هل يجذبن العرسان إليهن بهذه الطريقة ؟؟ حقيقة لا أعرف ! بينما كنا في أحاديثنا المتواصلة في الحفلة ، سألتني هذه الصديقة : " هل أنت مخطوبة ! " و كانت تنظر إلى خاتم الخطوبة المطوق لإصبعي ، و في دهشة واضحة ! تولت شريستي الإجابة بسرعة : " ألم أخبرك مسبقا ؟ إنها و شقيقي مرتبطان منذ زمن ! " قالت الصديقة : " و لكن ... تبدين صغيرة ! " و مرة أخرى تدخلت شريستي قائلة : " تصغرني بعامين و بضعة أشهر ، لكن حجمها صغير ! " صحيح أن طولي لا يقارن بطول شريستي أو سمير ، لكنني لست قصيرة ! بل هما الطويلان كما هما أبي و أمي ! إنني أبدو بالفعل لست من هذه العائلة ! قلت مداعبة : " هذا يجعلني قادرة على ارتداء الأحذية الأنيقة ذات الكعب العالي المتماشية مع الموضة ! على الع** من شريستي ! " و ضحكنا جميعا بمرح ... قضينا سهرة ممتعة أنستني تماما موضوع سمير الأخير . و بعد الحفلة ، أويت إلى فراشي مباشرة و نمت بسرعة ، دون أن يخطر الموضوع ببالي . في اليوم التالي ، و فيما أنا منشغلة برسم لوحة جديدة في غرفتي ، جاءني سمير ... " ألم تتعبي ؟ قضيت فترة طويلة في الرسم ! " " الرسم لا يتعبني مطلقا يا سمير ، بل أهواه و أجد راحة كبرى أثنائه و سعادة غامرة لا أجدها مع أي شيء آخر " قال : " و لا حتى معي أنا ؟؟ " كان سمير يقف إلى جانبي يتأمل رسمي الجديد ... و كنت أنا أدقق النظر في اللوحة و ألقي عليه نظرة بين الفينة و الأخرى و حين نطق بجملته الأخيرة هذه ، أطلت النظر إليه ، فشعرت بالخجل و طأطأت رأسي " بريتا ... " لم أجب ... مد سمير يده فامسك بوجهي و رفعه للأعلى ... قال : " بريتا ... هل فكرت بموضوعنا ؟ " في تلك اللحظة فقط تذكرت الموضوع ! آه يا إلهي كم هي ضعيفة ذاكرتي ! سمير كان يتحدث باهتمام ... فالأمر يعني له الكثير ، و قد قضى وقتا طويلا في البحث عن عمل ... لم أشأ أن أصيبه بخيبة بقولي : كلا فقلت : " لازلت أفكر ... " سمير قال بنبرة مليئة بالرجاء : " أرجوك يا بريتا ... يجب أن أبدأ الإجراءات المطلوبة قبل أن تضيع الوظيفة " نظرت إليه و قلت : " ماذا لو ... عملت أنت هناك ، و أكملت دراستي أنا هنا ... ثم ... " لم أتم جملتي ، إذ أن سمير هز رأسه اعتراضا و قال : " لا ... إما أن نذهب سويا ... أو نبقى سويا ... " كنت أدرك أن سمير لا يستطيع الابتعاد عنا ، كما أن علاقاته بالآخرين محدودة و كثيرا ما كان يتجنب الاجتماعات المختلفة ، ليتلافى الحرج من وجهه المشوه . حتى أنه حين أراد إكمال دراسته ، اختار مجالا لا يدع له الفرصة للاحتكاك بالآخرين إلا نادرا سمير ... هو شخص هادئ و مسالم ... و طيب القلب ... قلت : " دعنا نأخذ برأي أبي و أمي كذلك ... يجب أن تتم أنت الإجراءات الآن ، فيما نفكر بروية " ابتسم سمير و قال : " سأذهب الآن لإنجاز ذلك ، و أعرض الأمر على والدي ّ الليلة ! سنفاجئهما ! " ابتسمت ابتسامة قلقة حائرة ، و تركته يذهب و واصلت رسم لوحتي ... كنت مصرة على إنجاز تلك اللوحة بأسرع وقت ... و في الليل ، تركت سمير يذهب إلى غرفة والدي لعرض الفكرة ، فيما بقيت في غرفتي في قلق و حيرة ... و أخذت أفكر ... و يبدو أن كثرة التحديق في اللوحة أصابت عيني بل و جسدي بالإعياء ، فأغمضتهما و لدهشتي استسلمت للنوم ! أفقت بعد ذلك فزعة على صوت طرق متواصل على الباب ... نهضت عن سريري بفزع ... و أصغيت إلى الهتاف ... " بريتا ... بريتا افتحي ... افتحي بسرعة ! " كانت شريستي ! سرت إلى الباب بسرعة و ارتعاش و أنا في قمة القلق ... و قبل أن أصل إليه رأيته ينفتح و تدخل شريستي في انفعال ... كانت في حالة يصعب علي وصفها ... كان جسدها يرتعش ، و أنفاسها تتضارب و تتلاحق بسرعة عبر فيها المفغور ... ذراعاها مفتوحتين ... و يداها مرفوعتين و أصابعها منف*جة ، و تهتز بشدة ... و الدموع تنهمر بغزارة على خديها قلت في هلع و أنا أرفع يدي إلى قلبي من الذعر : " شريستي ... ماذا حدث ؟؟ " " بريتا ... بريتا ... " و عادت تلهث ... " بريتا ... بريتا ... أخي ... أخي ... " تجمّدت و انحبس نفسي الأخير في ص*ري ... حاولت قول : ماذا ... ألا أنني عجزت من الذعر ... هززت رأسي و أنا أشد الضغط بيدي على ص*ري فوق قلبي ، كمن يحاول حماية قلبه من تلقي صدمة ما ... كانت شريستي تحاول النطق و عجزت إلا عن إصدار أصوات مبهمة ، و أشارت إلي أن اقترب ... خطوت خطوة نحوها و نطقت أخيرا : " سمير ... " هزّت شريستي رأسها و قالت بصوت لا أعرف من أين خرج ... " ك ... ك ... كاران ... كاران عـــــــــــــــــــــــــــــاد " للحظة ... ظللت أحدق في شريستي ... في تشتت لم أكن أعرف ... هل هذا واقع أم أحد أحلامي ... ؟ تلفت من حولي علّي أرى شيئا واضحا أكيدا بالنسبة لي ... كل شيء كان مبهما ... شريستي عادت تقول : " كاران قد عاد ... عاد يا بريتا ... عاد " لم تكن كلمات واضحة بالنسبة لي ... و بقيت واقفة على نفس الوضع ... فأقبلت شريستي نحوي و أمسكت بكتفي و ضغطت عليهما ... لمجرد إحساسي بيديها على كتفي أدركت أنه ليس حلما لم أشعر بأي شيء يتحرك في جسدي لكنني رأيت الجدران تتحرك بسرعة و الأرض تجري من تحت قدمي ّ و الطريق يقودني إلى خارج الغرفة ... و أطير ... أطير ... نحو مص*ر أصوات البكاء التي أسمعها منبعثة من مكان ما في المنزل ... بالتحديد ... مدخل المنزل ... و عند أعلى الدرجات المؤدية إلى المدخل ... توقف الكون فجأة عن الحركة من حولي ... و ترنحت ذراعاي إلى جانبي ّ ... و تشبثت أنظاري بالصورة التي ظهرت أمامي ... و تمركزت فوق العينين السوداوين اللتين تعلوان الرأس العريض الثابت فوق ذلك الجسد الطويل ....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD