14

1888 Words
" كاران .. " " نعم يا عزيزي ؟ " " يجب أن تخرج من هنا ... " قال ديب ذلك ثم رفع يده و مسح على رأسي ، ثم وضعها فوق كتفي . " يجب أن تخرج من هنا يا كاران و إلا لقيت حتفك " " إنني هالك لا محالة ... لا جدوى و لا أجمل ... " " افعل شيئا يا كاران و غادر هذا المكان ... إنك لا زلت شابا صغيرا ... " كنت الأصغر سنا بين الجميع ، و أكثرهم تذمرا و شكوى ، و بكاءا ، إلا أنني هدأت و استسلمت لما فرضته الأقدار علي ... و لم يعد الأمر يفرق معي ... ابتسمت ابتسامة استهتار و سخرية ، و يأس ... ديب كان ينظر إلي بعين عطف شديد و محبة أخوية ... قال : " اسمعني يا كاران ... لدي مزرعة في المدينة الشمالية ، حيث كنت أعيش مع ابنتي و زوجتي ... متى ما خرجت من هنا ... فاذهب إليهما و أخبرهما بأنني كنت أفتقدتهما كثيرا و أنني بقيت على أمل العودة إليهما دون يأس لآخر لحظة في حياتي ... " " ديب ... " قاطعني قائلا : " لا تنس ذلك يا كاران ... و إن احتاجتا مساعدة منك ... فأرجوك ... ابذل ما باستطاعتك " أقلقتني الطريقة التي كان ديب يتحدث بها ، هززت رأسي و قلت : " لماذا تقول ذلك يا ديب ...؟ " و انتظرت أن يجيب لكنه لم يجب ... و تحركت يده الممدودة على كتفي ، ثم هوت للأسفل ... و ارتطمت بالفراش ... و سكنت سكون الموت ... إنا لله ... و إنا إليه راجعون .... بعد سنتين من ذلك ... و في أحد الأيام ... و فيما أنا مضطجع على سريري ب**ل و عدم إكتراث ، أدخن بقايا السيجارة بلا مبالاة ، و انظر إلى السقف و أرى الحشرات تتجول دون أن يثير ذلك أي اهتمام لدي ... إذا بالباب يفتح ، ثم يدخل بعض الضباط معظم زملائي وقفوا في قلق ... أما أنا ، فلم أحرك ساكنا ... و بقيت أراقب سحابة الدخان التي نفثتها من ص*ري ترتفع للأعلى ... و تتلاشى ... " كاران لوترا " هتف أحد الضباط ... فقمت بتململ و التفت إليه ببرود لم يعد يهمني إن كان لدي أي درس جديد في الضرب أو غيره ... عاد الضابط يهتف بحدّة : " كاران لوترا " نهضت عن فراشي و وقفت ازاء الضباط و أجبت بضجر : " نعم ؟ " و أقبل بعضهم نحوي ، فرميت بالسيجارة أرضا و سحقتها باستسلام ... أمسكوا بي و قادوني نحو الباب ، فسرت بخضوع تام ... عندما صرت أمام الضابط الذي ناداني ، رمقني بنظرة احتقار شديدة و هي نظرة قد اعتدت عليها و لم تعد تؤثر بشعوري ... قال : " كاران لوترا ؟ " أجبت : " نعم أنا ، و لا علاقة لي بالسياسة ، أرجو أن تتاكد من ذلك جيدا " رفع الضابط يده و صفعني على وجهي صفعة قوية كادت ت**ر فكي ... ثم قال : " هذه تذكار " التفت إلى زملائي و عيني تقدح بالشر ، و قابلتني نظراتهم بالتحذير ... فكتمت ما في ص*ري ، ثم قلت : " ثم ماذا ؟ " ابتسم الضابط ابتسامة خبيثة دنيئة ، ثم قال : " لاشيء ! فقط ... أف*جنا عنك " أخيرا جاء دوري ! صرتم تعرفونني جميعا ... اسمي بريتا ، و أنا يتيمة الأبوين أعيش في بيت عمّي الوحيد لوترا منذ الطفولة . أنهيت دراستي الثانوية مؤخرا و أفكر في الالتحاق بكلية للفنون و الرسم . أعشق الرسم كثيرا و أنا ماهرة فيه . الجميع يعرفني ببريتا المدللة ، حيث أنني تعودت منذ الصغر الحصول على كل ما أريد ، و بأي طريقة ! اليوم نقيم في منزلنا الصغير حفلة متواضعة بمناسبة تخرجي من المدرسة الثانوية . لم يتسن لنا إقامتها قبل الآن لأن والدتي ـ أي زوجة عمي ـ كانت متوعكة الصحة . في الواقع ، صحة والدتي ليست على ما يرام منذ سنين ... شريستي تبالغ في وضع المساحيق لتبدو ملفتة للنظر ! رغم أنها لم تكن ترحب بفكرة الحفلة ، إذ أننا لم نقم حفلة عند تخرجها ، إلا أنها مصرة على سرقة الأضواء مني هذه الليلة ! " إنها حفلة بسيطة و لا تقتضي منك كل هذا ! تبدين كعروس بكامل زينتها ! " قلت لها و أنا واقفة أراقبها و هي ( مزروعة ) أمام المرآة منذ ساعات ! لم تلتفت إلي ، و قالت : " ما دمنا قد دعوناهن، فلنبهرهن ! قد تعجب بي إحداهن فتخطبي لأخيها مثلا ! " و ابتسمت بدهاء ! أنا أعرف من تقصد تحديدا ... لديها صديقة من عائلة ثرية جدا و شقيقها رجل تحلم نصف فتيات العالم بالزواج منه ، أما النصف الآخر فيبغضه بشدة ! إنه لاعب كرة قدم مشهور و صوره تملأ الصحف و المجلات و برامج التلفاز أيضا! قلت : " لا أعرف ما الذي يعجبكن في شخصية كهذه ! إنه حتى لا يتوقف عن توزيع الضحك و الابتسامات و كأنه مهرج ! " نظرت إلي بحدة من خلال المرآة ، ثم قالت : " على كل ٍ ، الأمر لا يعنيك فأنت أخذت نصيبك و انتهى دورك ! " ثم انشغلت بتزيين خصلة من شعرها بسائل ملمّع ... صرفت نظري عنها ، إلى يدي اليمنى ، بالتحديد إلى إصبعي البنصر ، و بمعنى أدق ، إلى خاتم الخطوبة الذي أضعه منذ سنين ... بمجرد أن بلغت الرابعة عشر من عمري أي قبل ثلاث سنوات و أكثر ، تم عقد قراني على ابن عمي سمير ... و بقينا مخطوبين حتى إشعار آخر . سمير ... يكبرني بخمس سنوات تقريبا ، و ما أن تخرج من الثانوية حتى بادر بطلب الزواج مني والدي ، بل و والدتي و شريستي أيضا ... الجميع كان يريد ذلك ، فأنا أصبحت فتاة بالغة و لم يكن من الممكن بقائي و ابن عمي في بيت واحد دون حرج على كلينا عدا عن ذلك ، فإن سمير يحبني بجنون ! كما و أنني كنت السبب في الحادث الذي شوه وجهه ، و قلل فرصه لنيل إعجاب الفتيات قطعا أما أنا ، و بالرغم من كوني جميلة أيضا ، إلا أن هذا الخاتم يصرف الجميع عن الالتفات إلي ... على أية حال نحن لا نفكر في الزواج الآن فسمير لا يزال يبحث عن وظيفة و أنا أطمح إلى الحصول على شهادة جامعية ... نبهتني شريستي من شرودي الذي لاحظته من خلال انقطاعي عن التعليق المستمر على مظهرها قالت : " أين سرحت ؟ ألن تبدلي ملابسك ؟ إنهن على وشك الوصول ! " غادرت غرفتها و اتجهت إلى غرفتي ، حيث ارتديت فستاني الجديد الرائع ... و الذي أضطر والدي لشرائه لي رغم ارتفاع ثمنه ، فقط لأنني قلت : أريده لي ! كان فستانا خمري اللون مطرزا بخيوط ذهبية ، طويل الذ*ل ، و بدون كمّين ، مما يسمح للندبة القديمة في ذراعي اليسرى بالظهور ... أكملت زينتي و تحليت بطقم العقد الذهبي الذي أهدتني إياه والدتي قبل أيام ... حينما لففت السوار حول معصمي الأيسر ، لم يبدُ منظره متناسقا مع الساعة ... إذ أن السوار ذهبي بينما الساعة فضية اللون ... هممت بخلعها ، لكنني لم أستطع ... لا أريد أن أبقيها بعيدة عني في هذه الليلة ... لطالما كانت قريبة مني و ملتصقة بي ... لم أكن آبه لتعليقات زميلاتي المزعجة حول ارتدائي لساعة رجالية ! إنها شيء لا أستطيع التخلص منه ... تماما كهذه الندبة ! نزعت السوار الذهبي ، و حاولت لفه حول معصمي الأيمن ففشلت ! " سحقا ! " صحت بغضب ، في ذات اللحظة الذي طرق فيها الباب ... لابد أنها شريستي جاءت تقارن بين مظهرينا كالعادة ! " ادخل " قلت ذلك و أنا مازلت أحاول إغلاق السوار بيدي اليسرى حول معصمي الأيمن دون جدوى " مساء الخير ! " لم يكن هذا صوت شريستي ، بل سمير رفعت بصري إليه و باندفاع قلت : " سمير ، هل لا أغلقت هذه قبل أن أحطمها ؟ " و أقبلت نحوه أمد إليه بمعصمي الأيمن و بالسوار ... " رويدك ! هاتي .. " و أغلق السوار حول يدي اليمنى ، فسحبتها إلا أنه أمسك بها و قال : " تبدين رائعة ! جدا " تورد خداي خجلا .. ثم قلت : " مساء النور ... ! هل قلت ُ ذلك ؟ " ابتسم ، و قال : " لا أظن ! " " إذن مساء النور ! " ثم سحبت يدي فأطلقها توجهت إلى سريري ألملم الأشياء التي بعثرتها أثناء تزيين نفسي ، و دخل سمير و أغلق الباب ... " بريتا " ناداني بصوت مرح و بابتسامة مشرقة ، و سعادة تملأ عينيه " نعم ؟ " أقبل نحوي ، و عاد يمسك بيدي و قال : " لدي خبر سار جدا " ابتسمت و قلت : " هات ؟ " " لقد عثرت على فرصة ذهبية للعمل في وظيفة مرموقة " فرحت كثيرا ! قلت بسرور : " حقا ! أوه أخيرا ... ممتاز ! " شد سمير قبضته على يدي و قال منفعلا : " أخيرا ! كم أنا سعيد و لا يتسع ص*ري لفرحتي هذه ! سأحصل على راتب عظيم ! " بالنسبة لنا فهذا شيء مهم جدا ، لأن أحوالنا المادية كانت في انحطاط بسبب ظروف الحرب ، و كنا بحاجة لدعم مادي جيد . قلت : " متى تباشر العمل ؟ " " حالما أنهي الإجراءات اللازمة . سأحاول إتمامها خلال يومين أو ثلاثة " " وفقك الله " قرب سمير يدي من ص*ره ، و قال : " يجب أن نحدد موعد الزواج " تفاجأت ، فنحن لم نتحدث عن الزواج بجدية بعد ... حالما رأى سمير علامات التعجب ظاهرة على وجهي قال : " عملي سيكون في مدينة أخرى ، و أريد أخذك معي " سحبت يدي مجددا ، في توتر .. فالخبر قد فاجأني ، و لم يعجبني ... قلت : " في مدينة أخرى ؟ ... لم عليك الذهاب لمدينة أخرى ؟ " قال : " تعرفين كم هو صعب العثور على وظيفة جيدة بسبب ظروف البلد ... إنها فرصة لا يمكنني رفضها مطلقا . أخبرت والدي ّ فشجعا ذهابي " صرفت نظري عنه إلى الأرض بضع ثوان ، ثم عدت أنظر إليه و قلت : " و شجعا زواجنا ؟ " ابتسم ، و قال : " لم أذكر ذلك لهما بعد . أود أن نناقش الأمر نحن أولا " من البرود الذي اعترى تعابيري أدرك سمير عدم موافقتي ، فقال : " لم لا ؟ " قلت : " و الكلية ؟؟ " قال : " الكلية ... هل هناك ضرورة لها ؟ " " بالطبع ... أريد أن أدرس ، إنها فرصتي " صمت سمير قليلا ، ثم قال : " اصرفي نظر عنها يا بريتا أرجوك ... أنا لا أريد تضييع الفرصة ، كما لا أريد العيش وحيدا هناك ... تعلمين أنني لا أستطيع الابتعاد عنك ... " و أخذ ينظر إلى نظرات رجاء و أمل ... كنت على وشك قول : لنؤجل النقاش في الأمر لوقت أنسب لأن ضيفاتي على وشك الوصول ، إلا أن طرق الباب سبقني ، و دخلت شريستي مباشرة و هي تقول : " بريتا ! ألم تنتهي ؟ وصلت روشني ! " التفتنا أنا و سمير نحو شريستي ، و التي أخذت تحدق بي قليلا ثم التفتت إلى سمير و قالت : " أنت هنا سمير ؟ قل لي كيف أبدو ؟ أليس فستاني أكثر جمالا من فستان بريتا ؟ " سمير أخذ يدور ببصره بيننا ثم قال مداعبا : " أنا لا أصلح للحكم بين خطيبتي و أختي ! فخطيبتي ستبدو أجمل في كل مرة ! " ثم انصرف مسرعا و هو يضحك . بقينا نحن الاثنتان كل منا تتأمل الأخرى ، حتى وقعت عينا شريستي على ساعة يدي ، فقالت بحدة : " بريتا ! ستبدين في منتهى السخافة هكذا ! اخلعيها و لا تحرجينا أمامهن ! "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD