19

1592 Words
و أنا استفيق من النوم ، و أشعر بنعومة الوسادة تحت خدي ، و سمك و دفء البطانية فوق جسدي ، و النور يخترق جفني ... بقيت مغمض العينين ... حركت يدي فوق الفراش الدافئ الواسع ، و الوسادة الناعمة و أخذت أتحسسهما براحة و سعادة ... ابتسمت ، و يدي لا تزال تسير فوق الفراش ، و البطانية ، و الوسادة مداعبة كل ما تلامس ! أخذت نفسا عميقا و أطلقته مع آهة ارتياح و رضا ... كم كان النوم لذيذا ! و كم كنت أشعر بال**ل ! و الجوع أيضا ! آه ... ما أجمل العودة إلى البيت ... و الأهل ... فتحت عيني ببطء ، و أنا مبتسم و مشرق الوجه و على أي شيء وقعت أنظاري مباشرة ؟؟ على وجه أمي ! كانت والدتي تجلس على مقعد جواري ، و تنظر إلي ، و دمعة معلقة على خدها الأيمن ، فيما فمها يبتسم ! جلست بسرعة ، و قد اعتراني القلق المفاجئ و زالت الابتسامة و السعادة من وجهي ، و قلت باضطراب : " أماه ! ماذا حدث ؟؟ " والدتي أشارت بيدها إلي قاصدة أن أطمئن ، و قالت : " لا لا شيء ، لا تقلق بني " لكنني لم أزل قلقا ، فقلت مرة أخرى : " ماذا حدث ؟؟ " هزت أمي رأسها و مسحت دمعتها و زادت ابتسامتها و قالت : " لا شيء كاران ، أردت فقط أن أروي عيني برؤيتك " ثم انخرطت في البكاء ... نهضت عن سريري و أقبلت ناحتها و قبلت رأسها و عانقتها بحرارة ... " لقد عدت أخيرا ! لا شيء سيبعدني عنكم بعد الآن " ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ طبعا لم يستطع أحدنا النوم تلك الليلة ، غير كاران ! نام كاران في غرفة سمير ، إذ لم يكن لدينا أي سرير احتياطي أو غرفة أخرى مناسبة . أنا لا أستطيع أن أصدق أن كاران قد عاد ! لقد آمنت بأنه اختفى للأبد كنت اعتقد بأنه فضل العيش في الخارج حيث الأمان و السلام على العودة لبلدنا و الحرب و الدمار ... لكنه عاد ... و بدا كالحلم ! لا يزال طويلا و عريضا ، لكنه نحيل ! كما أن أنفه قد تغير و أصبح جميلا ! البارحة لم أتمالك نفسي عندما رأيته أمام عيني ... كم تجعلني هذه الذكرى أبتسم و أتورد خجلا ! " بريتا ! كم من السنين ستقضين في تقليب البطاطا ! لقد أحرقتها ! " انتبهت من شرودي الشديد ، على صوت شريستي ، و حين التفت إليها رأيتها تراقبني من بعد ، و قد وضعت يديها على خصريها ... ابتسمت و قلت : " ها أنا أوشك على الانتهاء " شريستي حدقت بوجهي قليلا ثم قالت : " لقد احمر وجهك من طول وقوفك قرب النار ! هيا انتشليها و انتهي ! " أنا اشعر بأن خدي متوهجان ! و لكن ليس من حرارة النار ! انتهيت من قلي البطاطا ثم رتبتها في الأطباق الخاصة. مائدتنا لهذا اليوم شملت العديد من الأطباق التي كان كاران يحبها والدتي أصرت على إعدادها كلها ، و جعلتنا نعتكف في المطبخ منذ الصباح الباكر ! ربما كان هذا الأفضل فإن أحدنا لم يكن لينام من شدة الفرح ... و الآن هي بالتأكيد في غرفة سمير ! " شريستي " كانت شريستي تقطع الخضار لتعد السلطة ، و التفتت إلي بنفاذ صبر و قالت : " نعم ؟؟ " قلت : " هل كان كاران يفضل عصير البرتقال أم الليمون ؟؟ " رفعت شريستي رأسها نحو السقف لتفكر ، ثم عادت ببصرها إلي و هزت رأسها أسفا : " لا أذكر ! حضّري أيا منهما " قلت : " أريد تحضير العصير الذي يفضله ! تذكري يا شريستي أرجوك " رمقتني بنظرة غضب و قالت : " أوه بريتا قلت لك لا أذكر ! اسألي أمي " وقفت أفكر لحظة ، و استحسنت الفكرة ، فذهبت مسرعة نحو غرفة سمير ! في طريقي إلى هناك صادفت والدي ... " إلى أين ؟ " استوقفني أبي ، فقلت بصوت منخفض : " أريد التحدث مع أمي " ابتسم أبي و قال : " إنها عند كاران ! " تقدمت خطوة أخرى باتجاه غرفة سمير ، إلا أن أبي استوقفني مرة أخرى " بريتا " التفت إليه " نعم أبي ؟؟ " لم يتكلم ، لكنه رفع يده اليمنى و بإصبعه السبابة رسم دائرة في الهواء حول وجهه و فهمت ماذا يقصد ... انعطفت نحو غرفتي ، و ارتديت حجابا و رداءا ساترا ، ثم قدمت نحو غرفة سمير و طرقت الباب طرقا خفيفا ... سمعت صوت أمي يقول : " تفضل " ففتحت الباب ببطء ، و أطللت برأسي على الداخل ... فجاءت نظراتي مباشرة فوق عيني كاران ! رجعت برأسي للوراء و اضطربت ! و بقيت واقفة في مكاني ... أقبلت أمي ففتحت الباب " بريتا ! أهلا ... أهناك شيء ؟؟ " قلت باضطراب : " العصير ! أقصد الليمون أم البرتقال ؟ " أمي طبعا نظرت إلي باستغراب و قالت : " عفوا ؟!! " كان باستطاعتي أن أرى كاران واقفا هناك عند النافذة المفتوحة ، لكني لا أعرف بأي اتجاه كان ينظر ! " هل أصنع عصير الليمون أم البرتقال ؟؟ " ابتسمت والدتي و قالت : " كما تشائين ! " قلت : " ماذا يفضل ؟؟ " و لم أجرؤ على النطق باسمه ! والدتي التفتت نحو كاران ، و كذلك فعلت أنا ، فالتقت أنظارنا لوهلة ... قالت أمي : " ماذا تفضل أن تشرب اليوم ؟ عصير البرتقال أم الليمون ؟ أم كليهما ؟ " ابتسم كاران و قال : " البرتقال قطعا ! " ثم التفتت والدتي إلي مبتسمة ، و قالت : " هل بقي شيء بعد ؟ " " لا ... تقريبا فرغنا من كل شيء ، بقي العصير ... و السلطة " " عظيم ، أنا قادمة معك " ثم استأذنت كاران ، و خرجت و أغلقت الباب . و عندما ذهبنا للمطبخ ، وجدنا سمير هناك ، و كان قد عاد لتوه من الخارج حيث أحضر بعض الحاجيات ... بادلانا بالتحية ثم سأل : " ألم ينهض كاران ؟ " قالت أمي : " بلى ! استيقظ قبل قليل " " عظيم ! أنا ذاهب إليه " و ذهب سمير مسرعا ، فهبت شريستي واقفة و رمت بالسكين و قطعة الخيار التي كانت بيدها جانبا و قالت بانفعال : " و أنا كذلك " و لحقت به و هي تقول موجهة كلامها إلي : " أتمي تحضير السلطة ! " و في ثوان كانا قد اختفيا ... ماذا عني أنا ؟؟ أنا أيضا أريد أن أذهب إليه .... ! نظرت إلى أمي فقالت : " أنا سأقطع الخضار ، حضري أنت العصير ... ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ قبل قليل ، جاءت بريتا و وقفت عند باب الغرفة لعدة ثوان ... أظن أنها جاءت تسال والدتي عن عصيري المفضل ! يبدو أنها نسيت ذلك ... لطالما كنت آخذها معي إلى في نزهة بالسيارة ، نتوقف خلالها لتناول البوضا أو عصير البرتقال ، أو حتى أصابع البطاطا المقلية ! يا ترى ... ألا تزال تحبها كما في السابق ؟؟ طرق الباب ، ثم دخل أخي سمير و شريستي ... أقبل الاثنان نحوي يحييانني و يعانقانني من جديد ... قال سمير : " أحضرت لك بعض الملابس يا أخي ! إنك بحاجة إلى حمام طويل جدا ! " ابتسمت بشيء من الخجل ، فأنا أعرف أن هندامي كان سيئا ... و شعري طويلا ... و لحيتي نابتة عشوائيا بلا نظام ، و الملابس التي اشتراها لي ريشاب على عجل خالية من الجمال و الأناقة ! قلت : " هل أبدو مزريا ؟؟ " ضحكت شريستي و قالت : " بل تبدو كأحد نجوم السينيما الأبطال ! " ضحكنا نحن الثلاثة ، ثم قلت : " بطل بلا عضلات !؟ لا أناسب حتى لدور مجرم ! " و جفلت للكلمة التي خرجت من لساني دون شعور ... ( مجرم ) ... ألست كذلك ؟؟ لكن أحدا لم يلحظ تغير تعابير وجهي ، بل استمرت شريستي تقول : " بل بطل ! أليس كذلك يا سمير ؟ إنه ليس رأيي وحدي بل هذا ما تقوله بريتا أيضا ! " أثارت جملتها هذه اهتمامي البالغ ، هل قالت بريتا عني ذلك حقا ؟ هل أبدو كذلك في نظرها ؟ تعلمون كم يهمني معرفة ذلك ! لقد كانت تعتبرني شيئا كبيرا عاليا في الماضي ، و الآن بعدما كبرت ... ترى ماذا أصبحت أعني لها ؟؟ فيما بعد ، نعمت باستحمام طويل و مركز ! نظفت جسدي و ذاكرتي من كل ما علق بهما من أيام السجن ... و بلاء السجن ... بدوت بعدها ( شخصا محترما ) ، إنسانا مكرما ... رجلا يستحق الاهتمام .... حينما حضر سمير للغرفة بعد ذلك ، أطلق صفرة حادة مداعبا ! " ما كل هذه الوسامة يا رجل ! بالفعل كأبطال السينيما ! " ابتسمت ، ثم قلت : " يجب أن تصحبني إلى الحلاق اليوم لأقص شعري ! " قال : " أبقه هكذا يا رجل ! تبدو جذابا به ! " ضحكنا كثيرا ، ثم خرجت معه من الغرفة فإذا بي أرى أمي و أبي يقفان في الردهة ... ابتسما لرؤيتي ، و تبادلنا حديثا قصيرا ، ثم ذهبنا أنا و أبي و سمير لتأدية صلاة الظهر في المسجد . عندما عدنا ، و ما أن وطأت قدمي أرض مدخل المنزل ، حتى هاجمت أنفي روائح أطعمة شهية جدا ! أخذت نفسا عميقا متلذذا بالرائحة الرائعة ! ظهرت أمي ، و قادتنا إلى غرفة المائدة ... و ذهلت للأطباق الكثيرة التي ملأت المائدة عن آخرها ... " أوه ! كل هذا !؟ " نظرت إلى أمي بتعجب ، فابتسمت و قالت : " تفضل بني بالهناء و العافية " لا أخفيكم أن معدتي كانت تستصرخ ! انقبضت مص*رة نداء استغاثة ، ثم توسعت أقصى ما أمكنها استعدادا للكميات الكبيرة التي أنوي التهامها ! في هذه اللحظة تذكرت صديقي ريشاب ، قلت : " ريشاب ! يجب أن اتصل بريشاب ! "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD