الحلقة -5- عالم سابين

2032 Words
"وكأنه آلة عود ظلت تعزف أعذب ألحانها طيلة الليل، ليعبر عن وجوده رغم تجاهل الجميع، رغم الآذان الصامة، رغم القلوب الباردة ، ظل يعزف بإصرار ،من أجل حبه ، من أجل جرحه ،من أجل وطنه ،ومن أجلها"  *** عالم سابين منذ عدة أسابيع -27- كانت أشعة الشمس الذهبية تحاول أن تتسرب خلال فتحات نافذة أحد المرضى فى مشفي خاص فى عالم آخر مواز مشابه لذلك العالم الذى يعيش فيه الممثل طارق عز، والذى يختلف فى بعض تفاصيل الحياة به . حيث أنه أكثر هدوءا ونقاءا وسلاما ومحبة كما يعيش أهله فى تناغم عجيب ، كأنهم ولدوا من رحم امرأة واحدة ،امرأة تدعى المحبة والسلام والعدل ، فالجميع متشابهون فى الأخلاق الحميدة والتى يتزين بها الجميع . ففى هذه الغرفة ينام مريض بالقلب، حيث يجلس باسترخاء  يقرأ كتابا ما ، فدخل إليه طبيب يُدعى طارق عز ، نعم عزيزى القارىء إنه نفس الاسم! ونفس الملامح ماعدا ذلك المنظار الطبى حول عينيه وذلك الشارب الخفيف فوق ثغره الباسم دوما عندما يراجع حالة مرضاه. دخل الطبيب طارق إلى المريض ليطمئن عليه وقاطعه رنين هاتفه واستأذن المريض ليجيب على هاتفه ودار ذلك الحديث بينه وبين أخته سمر. -         أهلا أختى العزيزة . -         أهلا يا طارق ألازلت فى المشفى ؟ -         نعم ،سأطمئن على آخر مريض ثم أعود إلى البيت لكى أتجهز لحفل زفاف أخينا يا عزيزتى. -         حسنا لا تتأخر. أنهت سمر الاتصال ثم تابع الطبيب طارق عمله وفحصه لذلك المريض . -28- حفل زفاف الأخ الأكبر لطارق الطبيب انتهى الطبيب طارق من مهامه ثم توجه بسرعة إلى حيث يقام حفل زفاف أخيه الأكبر، و ظهرت سمر بردائها الوردى الزاهى وملامحها المشرقة كأنها القمر،وبينما كانت تتنقل بين ضيوف الحفل برشاقة ورقة مرحبة بهم ،رمقها بنظرة إعجاب شاب ممشوق القوام متوسط الطول حليق الوجه كامل الآناقة ،وقد لاحظ هذه النظرة أخيها الطبيب طارق الذى اقترب من الشاب وربَّت على كتفه وقال له : ألم تفكرفي الزواج بعد يا مصطفى ؟ ارتبك مصطفى لوهلة ثم ضحك قائلا:ألد*ك عروس؟ ابتسم طارق ابتسامة عريضة ووجه نظره إلى أخته وغمز بعينيه لصديقه مصطفى وقال له : ما رأيك فى أختى سمر ؟ المثل يقول أُخطب لأختك ولا تخطب لإبنك. ضحكا على المثل الجديد الذى ارتجله طارق توا. فبينما كانت تمسك العروس بباقة الزهور البيضاء وتحاول إلقائها على صديقاتها العزباوات كعادة ذلك العالم فى أى حفل زفاف ،وأثناء تطاير باقة الزهور فى الهواء ظهر فى السماء عصفورا أزرقا أص*ر صوتا لا يعلم مغزاه إلا سمر التى انتفض جسدها بقوة ،وبدلا من أن تمد يدها لتلقط باقة الزهور مع باقى الفتيات ، مدت يدها ليهبط العصفور الالكترونى فوقها ، ذلك العصفور ما هو إلا جهاز أرسله فريقها عندما لم يتمكن من الوصول إليها  حيث لم تنتبه إلى رنين هاتفها من ضوضاء الحفل.  أنصتت سمر إلى الرسالة الصوتية التى يحملها من المعمل ، وبعدما استمعت إليها اعتلى وجهها بعضا من الدهشة مع كثير من الفرحة والقليل من التوتر، وأفاقت من تلك المشاعر المختلطة على صوت الطبيب مصطفى زميل أخيها بالمستشفى وصديقه الوحيد والذى انتزعها مما كانت فيه بسؤاله :  ماذا حدث ؟ أجابته سمر بتوتر : يجب أن أذهب إلى مقرعملى حالا . قال مصطفى بذهول: حالا ! و زفاف أخيكي ؟ أردفت سمر : مضطرة لذلك. تركته سمر لتستأذن من أخويها بالذهاب إلى مقر عملها لأمر هام . اتجه  مصطفى  إلى صديقه  طارق  لكى يأذن له بأن يرافق أخته سمر ولا يتركها تذهب ليلا إلى مقر عملها وحدها. وافقه  طارق وطلب منه أن يتصل به عندما يصلا إلى هناك ليطمئن عليهما . وبعد أن استقلت مع مصطفى انطلقت سيارته بعد إدخال إحداثيات المعمل ، ثم فَعَّل وضع الطيران الذاتى . اعتدل فى جلسته ليواجه سمر التى ابستم لها وقال: أشكر الظروف التى جعلتنى أكن معكِ الآن،  إحمر وجهها خجلا ، وأشاحت بوجهها هربا من نظراته المعبرة عن حبا دفينا فى أعماق قلبه . حبا فضحته عينا الطبيب مصطفى . -29- مقر عمل سمر ساد ال**ت بين الطرفين دقيقة كاملة ،حتى قطعه صوت أزيز صادر من لوحة مفاتيح السيارة معلنا بذلك وصولهما إلى الجهة المقصودة ،ثم هبطت السيارة رويدا رويدا وحطت فى المكان المخصص لذلك النوع من السيارات ،أمام المبنى ذو الخمسة أدوار والذى يوجد بداخله معمل سمر ،وقبل أن يخطوا الاثنان ،استوقف مصطفى تمثالا لذرة تدور حولها إلكترونات، بجوارها جدارا مرمريا محفورا عليه بماء الذهب أسماء العلماء الذين ساهمت أبحاثهم فى علم الفيزياء فى تحسين أحوال الناس فى هذا العالم . قررت سمر أن تأخذ مصطفى معها ليشاهد الجهاز الذى صنعته بمساعدة فريقها . وبعد أن قرأ مصطفى أسماء العلماء فى عجالة التفت إليها باسما وقال : غدا سيُكْتَب اسمك معهم وأشار إلى الجدار المرمرى ثم أردف قائلا و فى ثقة : أنا واثق من ذلك. ابتمست سمر دون أن تعلق على كلامه .فأدخلت بطاقتها فى الجهاز المخصص لذلك ،دخلت المبنى بمرافقة مصطفى ثم استقلا المصعد الذى توقف بعد ثانيتين وانفتح باب المصعد ووقفا على بعد خطوة من باب المعمل. لم يدركوا وقتها أنهم على بعد خطوة من تغيير العوالم الأربعة. اعتلت نظرة الدهشة والإعجاب بهذا الصرح العلمى وتلك الأجهزة المعقدة المتراصة بدقة واتقان ،وقد أثار انتباهه تلك الموجات الخضراء التى تعلو وتهبط ،وقطع تأملاته صوت سمر التى قالت له: سأرتدى الزى الخاص بالعمل وأعود بسرعة ، لا تلمس شيئا رجاء لسلامتك. وبالفعل انصاع الطبيب مصطفى لها ونفذ ما طلبته منه وجلس فى **ت مطبق يتعارض مع الجلبة التى أحاطت عقله والأسئلة الصاخبة التى تطارده عندما رأى تلك الأجهزة المعقدة . بعد أن جهزت سمر تقريرها ، تركت المعمل بمرافقة مصطفى ثم عادا سويا إلى منزل سمر، شرحت له بطريقة سهلة ما كتبته فى تقريرها وقد حاول جاهدا أن يُظهر لها أنه مدرك لما تقوله ويفهمه جيدا؛ ودَّعت سمر مصطفى ولوحت له بيدها على باب منزلها ، ثم دخلت منزلها تاركة إياه يغرق في حالة من عشق مثل آلة عود بات يعزف طيلة الليل أعذب الألحان ولم تدرك أوتاره الملل بعد. عاد مصطفى أدراجه إلى سيارته التى حملته وطارت به سريعا إلى منزله لينال قسطا من الراحة هو الآخر. -30- منزل الطبيب طارق "وكأنه آلة عود ظلت تعزف أعذب ألحانها طيلة الليل، ليعبر عن وجوده رغم تجاهل الجميع، رغم الآذان الصامة، رغم القلوب الباردة ، ظل يعزف بإصرار ،من أجل حبه ،من أجل جرحه ،من أجل وطنه ،ومن أجلها" استفاق طارق الطبيب على صوت جرس الباب المتواصل ،وعرف من ذلك العزف المنفرد للجرس ما هو إلا صديقه وزميله فى المشفى مصطفى . انزعج طارق من صديقه لأنه أيقظه فى وقت باكر كهذا ،وكان قد وعد نفسه بإجازة قصيرة يأخذ فيها قسطا من الراحة ولكن هيهات كيف يرتاح وله صديق مزعج مثل مصطفى،فنهض من الفراش فى ضيق وزفر وهو يرتدى ملابسه بسرعة، ثم فتح الباب فى تكاسل فاحتضنه مصطفى على الفور وقال له بصوت مفعم بالسعادة : طارق ، أريد الزواج. ارتسم الذهول على وجه طارق وقال بصوت منزعج :أيقظتنى من نومى فى هذا الوقت المبكر وفى يوم إجازتى لأنك تريد الزواج ! مصطفى أعتذر عن صداقتك إلى الخارج من فضلك ، ترك طارق صديقه واتجه إلى غرفته ليكمل نومه متمتما ببعض الكلمات غير المفهومة. شعر مصطفى بالحرج للحظة ثم لحق صديقه فربت على كتفه فى محاولة منه للإعتذاروقال: أعتذر عن وقاحتى ولكن أنت تعلم أننى وحيد ليس لدى شخص آخر أحكى له ، ثم أن الأمر يهمك أيضا، ألا تريد أن تعلم من هى العروس التى سأتزوجها إذا وافقت على زواجى منها. اعتلت الحيرة والدهشة وجه طارق ونافست النوم الذى لايزال مرتسما على وجه طارق ، فاستفاق بالكامل وقال : أوافق عليها ؟ من تلك العروس إذن؟ برقت عينا مصطفى بحب لم يلحظه طارق الذى كان يحاول جاهدا مقاومة النوم وقال مصطفى : إنها الجوهرة أختك سمر. عبس وجه طارق وقال بنبرة جادة: من؟ تريد تتزوج من؟ ابتلع مصطفى ريقه واحتقن وجهه من لهجة صديقه طارق المستنكرة وقال فى تردد: ألا توافق على ذلك؟ وحديثك فى حفل الزفاف أمس؟! أدارطارق نفسه وأشاح بوجهه محاولا كتم ضحكاته وظهر فى عينيه الخبث حيث أراد أن يصنع مقلبا فى صاحبه الذى أيقظه باكرا وانتزعه من النوم انتزاعا وشبك يديه خلفه وقال : أى حديث تقصد؟ ثم أدار نفسه ليواجه صديقه مرة أخرى وحك ذقنه بسبباته قائلا: يبدو أنه هناك نسخة تشبهنى هى التى وعدتك بذلك ! ارتسم الغضب على وجه مصطفى وأردف قائلا: أى نسخة تقصد ؟ ضحك طارق وربت على كتف صديقه وقال له : أنا أمزح معك ، أردت فقط أن أصنع مقلبا فيك. ابتسم مصطفى وقال : أريد أن أفطر رد طارق وقال: المطبخ به كل شىء ، اخدم نفسك بنفسك يا عزيزي سأذهب لأكمل نومى. -31- مقر عمل سمر من الممكن أن نتشابه فى أشياء كثيرة لكن من المستحيل أن تتشابه أقدارنا فهى كب**ات الإصبع  تختلف في النهاية مهما كانت البدايات واحدة. هذا ما سيحدث عزيزى القارىء لأبطال قصتنا فهم متشابهون فى أشياء كثيرة ولكن أقدارهم قد اختلفت ، حسنا فلنَعُد إلى سمر أخت الطبيب طارق والتى تعيش فى عالم يسوده المحبة والسعادة والتعاون بين البشر الجميع بلا استثناء ،كيف وصل ذلك العالم المواز إلى هذا الحال سنعرفه فيما بعد ، بعد نهار طويل ملىء بالإجتماعات والمناقشات العلمية.  أنهت سمر عملها وجمعت أوراقها لتستعد لكى تعود إلى منزلها ولكن اتصل بها الطبيب مصطفى وطلب منها مرافقته لتناول طعام العشاء معا وأخبرها أنه قد طلب الإذن من أخيها الذى وافق على ذلك. وصل مصطفى بسرعة إلى المعمل مقر عمل سمر، والتي خرجت من المعمل، نزل مصطفى مسرعا وقد خبأ خلفه باقة جميلة من الزهور المفضلة لسمر وابتسم لها وحاولت أن تعرف ماذا يخبىء وراء، فكشف عن هديته على الفور عندما اعتلى الفضول نظراتها ، برقت عيناها بسعادة عندما أعطاها مصطفى باقة الزهور المفضلة لديها وقربتها من أنفها لتنعم بشذى عطرها الفواح ، انطلقا سويا ، وسألته عن وجهتهما ، فقال لها: مفاجأة ولمعت عيناها بشدة وقد لاحظت سمر تلك اللمعة فى عينيه.  -32- حديقة الأحبة تعلمت الإرتجال فى الحب حتى ألقاك بأبيات شعر تنساب من قلبى إلى قلبك ولكن كلما تعلمت بيتا أجد حبى يفوق معنى هذا البيت فأبحث عن غيره إلى أن تعب الارتجال منى وقال لى : ال**ت أبلغ تعبير عن الحب !! انطلقت تلك الكلمات الرقيقة من فم مصطفى الطبيب وهو ينظر إلى سمر أخت صديقه بمحبة بالغة وبعد أن وصلا للمكان المخصص للأحبة .وقف أمام تمثال (سابين ) وهو تمثال قديم جدااا ، منحوت من المرمر على هيئة امرأة جميلة جدا ذات قوام ممشوق لها جناحان عريضان ، حيث اعتاد الأحبة والعشاق الإعتراف بمحبتهم وعشقهم أمامه وكتابة عهود الحب والوفاء تحت جناحيه، وأخرج خاتم الزواج من علبة على شكل زهرة معروفة لديهم بزهرة الحب الخالد . انحنى أمامها وطلب منها الزواج ، ارتعش جسد سمر وانتفض قلبها بقوة لدرجة أن مصطفى سمع دقات قلبها ، أخذت منه سمر الخاتم وارتدته فى سبابتها اليسري كعلامة منها على الموافقة بزواجها  منه. نهض مصطفى وارتسمت على ملامحه الارتياح عندما شاهد خاتمه فى سبابة سمر اليسري، وانطفأت أضواء المكان ، وأطل القمر بنوره الساطع ليضىء درب الحبيبان إلى خارج المكان ،حيث رافق مصطفى حبيبته سمر إلى منزل أخيها، ثم عاد إلى منزله يراقصه الأمل على نغمات الغد الأفضل مع زوجته المستقبلية  وهو فى طريقه إلى المنزل عزف لحنا شهيرا بفمه يعبر عن مدى سعادته بموافقة سمر بالزواج منه . بعد أن ودعت سمر زوجها المستقبلي حاملة معها باقة زهوره ، ومرتدية خاتم خطوبتها التى ظلت تتأمل فيه كثيرا قبل أن تفتح باب منزلها، دخلت ثم صعدت إلى غرفتها ثم بدلت ملابسها بسرعة وحاولت أن تخلد إلى النوم ولكن تلك اللحظات الجميلة التى عاشتها لتوه ظلت تلاحقها، ومنعتها من النوم. تذكرت صديقتها نادية التى تعمل فى الحفريات الأثرية خاصة تلك التى لها علاقة بأصل عالمهم وكيف نشأ والتحقق من أسطورة  سابين  وهى فتاة جاءت عالمهم منذ زمن سحيق ، كانت فاتنة كما وصفها القدماء ، كانت تحمل الجمال والعزوبة بين كفيها بالمعنى الحرفى للكلمة.  حيث كان الجمال شيئا ماديا يمكن أن تهبه لمن يستحق ، كيف هذا ؟ وماذا يقدم لها الشخص منهم لكى يحصل على هذا الجمال ؟ هذا ما ستعرفه فيما بعد لا تتعجل عزيزى القارىء كن صبورا ، وتعال لتستمع إلى الحوار التالى الذى دار بين سمر وبين نادية. ولكن يجب أن تعرف ،ماذا كانت نادية تفعل قبل أن تتصل بها سمر، فكانت نادية معلقة بحبل قوى تمسك كشافا مضيئا موجها إلى حائط لكهف عال جدا ، والذى كان مرسوما عليه نقوشا قديمة جدا تعود إلى عصور سحيقة جدا ثم التقطت الكاميرا الخاصة بها وقامت بتصوير كل شىء. وبينما كانت تفعل ذلك رن هاتفها وهو عبارة عن سماعة صغيرة بجانب أذنها وضغطت على زر صغير فيها فانفتح الخط وانساب صوت سمر الرقيق إلى أذنها حيث قالت لها : نادية، أين أنت يا عزيزتى ؟ وقبل أن تجبها نادية هبطت بمهارة فائقة حتى وصلت إلى الأرض وبرقت عيناها وأجابت سمر قائلة : أنا فى آخر الدنيا يا سمر، عندما أعود سأقص عليك كل شىء إلى اللقاء . أغلقت نادية الخط وخرجت مسرعة لتجد أمامها طائرة ذات لون وردى خلاب ، صعدت إليها وانتقلت من هذا المكان الذى وصفته  بآخر الدنيا .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD