-36-
المشفى
فى لحظات كانت سمر موجودة أمام المشفى التى تُعالج فيه نادية ، تركت سيارتها فى المكان المخصص، سارت بضع خطوات حتى وصلت إلى باب المشفى الذى انفتح تلقائيا عندما تواجدت أمامه ثم استقلت المصعد فتواجدت فى الدور الذى توجد فيه غرفة نادية.
شاهدت سمر خروج الممرضة من غرفتها فابتسمت لها وألقت عليها التحية دخلت سمر وأغلقت الباب خلفها رمقتها نادية بنظر غاضبة ابتلعت سمر ريقها وقالت: يبدو أن الأمر هام حقا فالغضب يملؤ عينيك عزيزتى .
زفرت نادية بحنق ثم مدت يدها وأعطت سمر ترجمة المخطوطة التى حصلت على صور منها من ذلك الرجل الذى يزعم أنه نسخة أبيها من عالم مواز آخر .
أخذت سمر الورق وانهكمت فى قرائته جيدا ثم حكت جبهتها بقوة والتفتت وقالت لنادية : ما هذا ؟ أنا لا أفهم شيئا . حكت لها نادية ما حدث ؟ اعتلت الدهشة وجه سمر بالرغم من أن بحثها عن إماكنية تواجد عوالم أخرى موازية إلا أن الدهشة تملكتها بقوة عندما اقتربت من تحقيق ذلك فهى لا تصدق أن حلمها سيتحقق بهذه السهولة و أن بين يديها الدليل على وجود عوالم أخرى موازية تريد أن تتواصل مع عاملها بل تستعين بخبرة نادية صديقتها؛ لمساعدتهم فى إيجاد مواقع اتصال عالمهم بعالمها ،حملقت سمر فى الخريطة مرات ومرات وقالت: إذن تلك الخريطة تخص العالم الذى أتى منه ذلك الرجل نسخة أبيكِ؟ مطت نادية شفتيها وقالت: أعتقد ذلك .
سألت سمر صديقتها لهفة وقالت :قبل الحادث اتصلت بك وقلت لى أنك فى آخر الدنيا أين كنت بالضبط؟، أخرجت نادية من حقيبتها جهازا قد خزنت فيه الفيلم الذى صورته خلال تواجدها فى ذلك المكان الذى وصفته بآخر الدنيا وأعطته لسمر وقالت:هذا الفيلم صورته فى كهف بعيد جدا قد اكتشفته قبيلة بدائية تعيش هناك بجوار هذا الكهف وأخبرنى أحدهم بما اكتشفوه.
ذهبت وصورت كل شىء وقد ترجمت الصور والرموز منذ قليل وجدت تطابقا فى القصة المنحوتة على جدران ذلك الكهف وبين تلك المخطوطة التى أعطاها لي ذلك الرجل وهنا فى آخر الفيلم ستجدى نقشا أعتقد أنه يوضح مكان تواجد تلك النقاط التى تصل العوالم ببعضها أليس هذا ما تبحثِين عنه؟
حكَّت سمر ذقنها بسبابتها ثم قالت : نعم بالتأكيد ولكن ألا يمكن أن يكون هذا مجرد مزحة سخيفة من أحد الأش.... وقطع جملتها ظهور مفاجىء للعجوز من العدم جعلت سمر ترجع للخلف بحدة و كادت أن تسقط لولا أن تلقفتها العجوز بقوة لا تتناسب مع سنها ، تلعثمت نادية وقالت: م...من أنتِ ؟ كي.ييف دخلتى هنا والباب مغلق؟
ابتسمت العجوز حدقت سمر بشدة فى وجه العجوز التى تشبه تماما جدتها سعاد تذكرت سمر أن جدتها متوفاة منذ خمس سنوات يبدو أنها نسخة جدتها فى ذلك العالم الذى أتى منه ذلك الرجل، اعتدلت سمر وقالت : أنتِ نسخة جدتى فى عالم مواز آخر أليس كذلك؟
ابتسمت العجوز وأومأت بالايجاب ثم التفتت إلى نادية التى لم تفق من دهشتها بعد وقالت لها : يبدو أنك أنهيت ترجمة النص أليس كذلك؟ نفضت نادية الدهشة عن وجهها وقالت : ها هى ثم أعطتها النسخة المترجمة المطبوعة فبرقت عينا العجوز ثم ابتسمت وقالت : لقد حان الوقت أن تتقابل العوالم البشرية الأربعة فى أقرب فرصة .
التفتت العجوز إلى سمر وقالت : تلك المناجم التى يملكها الطبيب مصطفى هى بوابات للانتقال إلى ثلاث عوالم متوازية كانت أسرة مصطفى تملكها لسنوات طويلة ولكنها لم تكن تعلم سرها حتى قرر مصطفى أن يتزوجك فأعاد التنقيب فيها من أجلك يا سمر .
ابتسمت سمر واحمر وجهها خجلا تنحنحت نادية وقالت باستنكار: ستتزوجين يا سمر دون علمى؟ ابتسمت سمر وقالت : أتذكرين تلك اللحظة التى اتصلت بها بك قبل وقوع الحادث أردت حينها إخبارك بذلك.
قالت العجوز : سمر من الحظ الجيد أنكِ ونسخك الثلاث تبحثن فى نفس الموضوع فكل واحدة منكن تبحث عن عوالم أخرى موازية وقد اقتربت كل منكن فى الوصول إلى مكان إلتقاء العوالم الأربعة.
التفت إلى سمر وقالت: عليك إنهاء بحثك وعمل محطة حول مناطق حقول عديمة الجاذبية الموجود فى المناجم الأربعة ثم أخرجت العجوز مخطوطة من حقيبتها وقالت لها :هذه المخطوطة ستوضح لك كيف تفعلين ذلك وفى الزيارة القادمة سآتيك بإحداثيات العوالم الأخرى حتى يتم ادخالها فى الجهاز التى ستصنعيه بمساعدة تلك المخطوطة ، قالت سمر: حسنا سأشرع فى ذلك حالا. ضغطت العجوز على خاتمها فاختفت فى لمح البصر لتتواجد فى عالم مواز آخر .
-37-
المنجم
أسرعت سمر إلى المنجم الذى يملكه خطيبها المستقبلى لتساعد فريقها فى تجهيز المحطة وتشرف على كل كبيرة وصغيرة ،فهى لن تهدأ حتى تبنى المحطات فى أقرب وقت،طبقا لتلك المخطوكة التي أعطتها لها العجوز سعاد،قاربت الساعة منتصف الليل.
شق رنين هاتف سمر ضجيج الآلات التى تبنى تلك المحطة على قدم وساق ، انف*جت أسارير سمر عندما لمحت اسم خطيبها على شاشة هاتفها ، فتحت الخط ودار الحوار التالى،
- أهلا يا صاحب المناجم .
- ههههه، ما هذا الصوت؟
- بعد أن ذهبت لنادية عدت إلى المنجم مع فريقي، سأبيت الليل هنا.
- فى المنجم! ألا يتسلل التعب إليك أبدا؟
- ضحكت سمر ثم قالت: صدقنى يا مصطفى الارهاق أرحم بكثير من الفضول القاتل
- ما الأمر الهام الذى أرادت نادية أن تقابلك من أجله؟
- اكتسى صوت سمر بالجدية وقالت: لن تصدق ما حدث اليوم، لقد ظهرت جدتى سعاد المتوفية منذ خمس سنوات.
- أتمزحين معى؟
- لا، بل هى ولكن نسخة شبيهة منها فى عالم آخر ، المناجم الأربعة ما هى إلا بوابات للانتقال لتلك العوالم الأخرى الشبيهة لعالمنا وقد جاءت نسخة جدتى من عالمها لتساعدنا فى بناء محطات ليسهل انتقال البشر بين تلك العوالم ، تخيل أن لى ثلاث نسخ تلك العوالم وتعملن فى نفس مجالى يا لها من مصادفة .
- ابتلع مصطفى ريقه ثم قال: وهل نسخك الثلاث وقعن فى حب نسخى الثلاث؟
- ضحكت سمر ضحكة قصيرة وقالت: لا أعلم فلم أقابل نسخى بعد.
ساد ال**ت لحظة بينهما ثم قطعته سمر بسؤالها: مصطفى لو تقابلت مع ؟ إحدى نسخى فى عالم آخر. هل يمكن أن تشعر بالعاطفة تجاه تلك النسخة مثلما تشعر تجاهى؟
- **ت مصطفى لعدة ثوان وقال: سأسلك نفس السؤال وماذا عنك ما شعورك اذا قابلت نسختى وكانت مختلفة عنى فى أسلوب الحياة أو التفكير أو الطباع ، كيف ستكون عاطفتك تجاهها .
- أنا أحبك أنت أما نسخك فهى مجرد تشابه شكلى فقط فمن المؤكد أنها تختلف فى الصفات والطباع وأنا أحببت طباعك وصفاتك .
- دعينا من ذلك الحوار السخيف أنا أحببتك وهذا يكفى بالمناسبة لقد لاحظت اهتمام أخيكي بصديقتك نادية يبدو أنه يضمر لها عاطفة لم يستطع إخفاؤها، كما سمعت من إحدى الممرضات تتحدث مع زميلتها بأن أخيكِ سيتزوج نادية .
- يتزوج نادية؟! ولكنه لم يخبرنى بعد بشىء يبدو أننى آخر من يعلم. ثم أردفت قائلة : حسنا ، مصطفى زملائى يطلبون مساعدتى مع السلامة ونكمل حديثنا فى الصباح. أغلقت الخط ثم اتجهت إلى مكان بناء المحطة يرافقها أحد زملائها فى العمل وقد ناولها تقريرا ما لتطالعه .
-38-
المشفى
قضى الطبيب طارق ليلته فى المشفى فهى بيته الثانى إن لم يكن الأول على حد قول الممرضات والعاملين فى المشفى فهو نادرا ما يأخذ إجازة، فأغلب وقته يقضيه فى المشفى فليس لديه أسرة بعد، لقد توفى أفراد عائلته ولم يتبق سوى أخته سمر التى هى أيضا تقضى وقتا طويلا فى أبحاثها وقريبا ستتزوج صديقه مصطفى.
كان طارق يمر على غرف المرضى الذى يتابع حالاتهم ، ويتأكد من أن كل شىء على ما يرام ، وجعل غرفة نادية آخر غرفة يذهب إليها حيث أراد أن يقضى ليلته حارسا لها ومتابعا لحالتها.
دخل طارق غرفة نادية وكانت الممرضة تعطيها آخرجرعة دواء مسكنة لهذا اليوم ، ابتسمت الممرضة وغمزت لنادية وقالت: لقد حضر حارسك يا نادية هنيئا لك .
لم تفهم نادية مغزى تلك الجملة ، حيث لم يخطر فى خلدها أن طارق يحبها ويريد الزواج منها فابتسمت نادية لطارق وقالت: أشكرك جدا على هذا الاهتمام فأنا محظوظة لأنى صديقة أختك فتهتم بى كل هذا الحد .
خرجت الممرضة وأغلقت الباب. قرَّب طارق كرسيه من فراش نادية ثم اقترب من أذنها اليسرى وهمس لها بمحبة دافئة قائلا: ومن قال أننى أمنحك كل هذا الاهتمام لأنك صديقة أختى فحسب.
شعرت نادية برعشة تسرى فى جسدها وابتعدت عنه واحمر وجهها خجلا . رجع طارق للخلف وتن*د ثم أخرج علبة على شكل قلب وفتحها ثم وجهها أمام نظر نادية وقال لها : أتقبلين الزواج منى يا نادية ؟
أنا أكَنُّ لك عاطفة جياشة منذ زمن بعيد منذ تعرفت عليكي أختى سمرعندما انتقلنا ودخلت مدرستك وتعرفت إليكي ، فكنت أراقبك من بعيد كلما أتيت لتذاكرى معها أصبحتى وردة يانعة وكبر حبى لك.
ولكنى لم أستطع البوح به طيلة تلك السنوات فأنا من الرجال الذين لا يمكنهم التعبير عن عاطفتهم جيدا أمام النساء ولكن عندما وجدتك بين يدى، وقد أوشكت الروح التسلل من جسدك، ندمت كثيرا على **تى طوال تلك السنوات وأقسمت بالزواج منك على الفور، إذا نجوت من تلك الحادثة والحمد لله نجوت منها فهل لى أن أبر بقسمى يا نادية ؟
ساد ال**ت لحظات كان قلب طارق ينبض بقوة كان يخشى ألا توافق نادية على الزواج منه، ولكن أمسكت نادية العلبة والتقطت الخاتم وقلبته بين يديها ثم ارتدته فى سبابتها إعلانا منها على الموافقة، انف*جت أسارير طارق واعتلت ابتسامة واسعة شفتيه وسالت دموع الفرح من عينيه التى فاضت بالمحبة وهى ناظرة إلى محبوبته نادية.
بدأت المسكنات مفعولها وسارت فى جسد نادية التى مالت رأسها ونامت على وسادتها فغطاها طارق ، ثم خرج وتركها لتنام.
لمح مصطفى صديقه طارق يخرج من غرفة نادية فأسرع الخطا حتى وجده طارق أمامه فجأة ففزع طارق وسقطت منه العلبة فالتقطها مصطفى على الفور وفتحها فلم يجد خاتما بداخلها، فرمق طارق بنظرة متسائلة ثم أشار إلى العلبة وإلى غرفة نادية ، ابتسم طارق ثم أخذ العلبة وقال : نعم، إن ما دار فى خلدك صحيحا لقد عرضت الزواج علي نادية فوافقت.
ربت مصطفى على كتف صديقه ثم احتضنه وهمس له : ما رأيك نقيم حفل زفافنا فى نفس الليلة ؟ فقد وافقت أختك سمر أيضا على الزواج.
تنبه طارق إلى أنه لم ير أخته منذ الصباح ولم تسأل عنه كعادتها فضحك وقال: يبدو أنك جعلت أختى تنشغل عنى فلم تهاتفنى اليوم يبدو أن هاتفها كان مشغولا بمهاتفة شخص آخر وغمز لمصطفى فانطلقت ضحكاتهما وارتجلا حتى وصلا إلى غرفة الأطباء لكى ينالا قسطا من الراحة قبل بزوغ فجر يوم جديد.
-39-
منزل مصطفى
تواجدت الجدة سعاد فى منزل طبيب التجميل مصطفى الذى ترك المشفى صباحا ليتوجه إلى منزله ، فهذا يوم عطلته، اتجه نحو سيارته وضبطها على وضع القيادة الذاتية فقد بلغه الإرهاق والتعب مبلغا يعوقه عن قيادة سيارته، وصل إلى البناية التى توجد بها شقته فصعد إليها.
فتح الباب ثم دلف للداخل متلهفا، خلع حذائه ثم اتجه إلى الحمام ليستحم، كانت العجوز تنتظره فى غرفة نومه وكانت قد أعدت له زيا منتشرا فى عالم الضابط طارق ليرتديه ، دخل مصطفى إلى غرفته وكانت الجدة مختبئة خلف الباب، ثم اتجه إلى دولابه وأخرج منها منامته المفضلة وتثاءب بقوة وشرع فى ارتدائها ولكن ظهرت الجدة من خلف الباب، فشاهدها مصطفى فى المرآة، فصاح عندما تفاجأ بوجود العجوز وتلعثم قائلا: اللل.. الجدة سعاد ،كيف هذا ؟
تذكر مصطفى ما قالته سمر عن نسخة جدتها فى عالم مواز آخر فابتسم لها ثم قال: لقد قصت لى سمر عنك يا جدة أنت من عالم مواز آخر أليس كذلك؟ أومأت برأسها بالايجاب ثم قالت: هناك عالم مواز يحتاج إلى مساعدتك ، ارتسم التعجب على وجهه ورفع حاجباه ثم أردف قائلا: عالم مواز يحتاجنى ، ابتسمت العجوز وقالت : ستعرف كل شىء بعد ارتداؤك هذه الملابس.
أخذ مصطفى الزى منها ثم قلبه بين يديه ثم مط شفتيه وقال: إنه زى ق**ح لدى ملابس أجمل بكثير، قاطعته العجوز بسبابتها وقالت: هذا لن ترتدى سوى هذا ، فمهمتك فى عالم مواز يفتقر إلى الاحساس بالجمال وتذوقه.
أسرع سأنتظرك بالخارج لنذهب الآن .بعد دقائق خرج مصطفى من غرفته وقد ارتدى ذلك الزى ثم أمسكت العجوز يده وضغطت على خاتمها بعد أن عدلت وجهته فاختفيا على الفور ليتواجدا فى عالم الضابط طارق ، فى تلك الأثناء كانت سمر قد ذهبت إلى الوزير المسؤول عن الشؤون العلمية الخاصة بالفضاء لتعرض عليه الأمر.