-40-
المنجم
تغيب الطبيب مصطفى عدة سنعلم فيما بعد ماذا كانت مهمته في ذلك العالم المواز ولكنه عاد إلى المنجم بعد إتمام المهمة بنجاح .
تنبهت سمر إلى وجود خطيبها والجدة سعاد التي عادت معه إلى عالمه مرةأخرى لأمر ما ناداها قائلا : حبيبتى سمر كيف حالك ؟ لقد افتقدتك كثيرا.
وثب قلبها من ضلوعها وانتفضت من المفاجأة وارتسمت السعادة على وجهها ثم قالت بخجل : عزيزى مصطفى ! كيف حالك ،وأنا أيضا افتقدتك كثيرا،أين كنت؟ لقد هاتفتك كثيرا ولكن .....قاطعها صوت العجوز سعاد التى كانت تقلب أرجاء المنجم ببصرها فقالت : لقد كان معى ، فى عالم مواز آخر .
رفعت سمر حاجبيها بدهشة بالغة وقالت: يا لحظك السعيد يا مصطفى،ثم رمقته بنظرة عتاب فأردفت قائلة سافرت إلى عالم مواز آخر؟ وبدأت الأسئلة تنهال عليه من كل صوب وحدب ،أمسك مصطفى بيد خطيبته فى حنان بالغ وقال: سأجيب على كل أسئلتك ولكن بعد ما أنال قسطا من الراحة.
شعرت سمر بالخجل ثم قالت:حسنا استرح وأنا سأذهب إلى نادية لكى اطمئن عليها وعندما أعود ستحكى لى كل شىء،ثم أشارت له على غرفة معينة ليدخلها ويسترح فيها.
التفتت سمر إلى العجوز وقالت: ألم يحن الوقت لكى أزور ذلك العالم المواز الآخر الذى زاره خطيبى ؟ ربتت العجوز على كتفها وقالت: قريبا ، ولكن الأهم من ذلك ، أريد أن أعلم كيف سيتم عرض فكرة وجود عوالم موازية أخرى والتواصل بين عالمك وبينها على مجلس شئون الفضاء فى عالمك ؟
لابد أن يتم الأمر تحت مسؤوليتهم ، تن*دت سمر وقالت: أعتقد أنهم لن يمانعوا فى ذلك ، ثم لوحت بقرص مدمج قد أعدته سابقا عن مشروعها العلمى عن وجود العوالم المتوازية وكيفية الإتصال بها ثم أردفت قائلة : فى هذا القرص المدمج كل شىء سأعرضه غدا فى المؤتمر العلمى الذى سيقام غدا فى مدينة نيويورك الأمريكية، هزت العجوز رأسها وقالت: حسنا لقد اطمأننت الآن سأذهب إلى عالم آخر ثم اختفت بعد أن ضغطت على خاتمها بعد أن عدلت وجهته . فى نفس اللحظة التى اختفت فيها العجوز رن هاتف سمر حيث كانت نادية صديقتها تريد أن تتواصل معها فأجابتها سمر على الفور ودار الحوار التإلى ،
- أهلا يا نادية سأكون لد*ك فى المشفى بعد عشر دقا... قاطعتها نادية بقولها : أنا على وشك الوصول اليك بل أنا أمام بوابة المنجم الآن اسمحى لى بالدخول .
- تلعثمت سمر وقالت: حالا ثم أسرعت سمر الخطا إلى البوابة وفتحت لها البوابة بعد دقيقتين ، فدخلت نادية على الفور، احتضنت سمر نادية وقالت : الحمد لله على سلامتك ولكن لماذا لم تذهبي إلى منزلك أولا؟
قالت نادية فى جدية : هذا التقرير يجب أن ترفقيه مع قرصك المدمج فهو يحتوى على معلومات مهمة عن ذكر للعوالم الموازية فى التاريخ القديم والحضارات السابقة التى استوطنت كوكبنا منذ ملايين السينين باختصار كيف تكونت العوالم المتوازية ومن سكنها أولا وكيف كانت متصلة ببعضه يوما ما و....
قطع حديثها رنين هاتفها فأخرجته من حقيبتها وتنحت جانبا ثم أجابت هاتفها وارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها قد لاحظتها سمر من بعيد، فقد كان الطبيب طارق يهاتفها للاطمئنان عليها ولدعوتها لتناول العشاء معه فى أحد المطاعم الشهيرة فى مدينتهم، أغلقت نادية الإتصال بعد أن اتفقت مع طارق بتلبية دعوته ثم عادت إلى إلى سمر وقالت لها : أنا مضطرة للرحيل الآن لدى موعد هام.
رمقت سمر نادية بنظرة خبيثة ثم قالت: لد*ك موعد هام مع من يا ترى؟ احمر وجه نادية خجلا ثم حملت حقيبتها وتركت سمر دون أن تعلق على تساؤلها.
-41-
المطعم
كانت نادية قد تركت صديقتها سمربسرعة للحاق بموعد هام؛ فمنذ ساعات وصلت نادية إلى مطعم شهير فى مدينتها وقابلت هناك الطبيب طارق الذى يكن لها عشقا منذ زمن ،وجدت نادية طارق فى حلة أنيقة وكان جالسا على طاولة تتوسط المطعم الذى كان خاويا من رواده؛ مما أثار دهشة نادية.
جلست على كرسي يقابل طارق الذى نهض بسرعة عندما جلست، قا**ها طارق بابتسامة عذبة ، ثم غمز لها فلم تفهم مغزى ذلك، وبعد ثوان جاء نادل المطعم فهمس طارق فى أذنه، تركهما النادل وذهب إلى المطبخ ليجهز ما طلبه طارق منه ، بعد ثوان جاء النادل حاملا معه قالبا من الحلوى المزين وكان خاتم الزواج محمولا على شمعة على شكل قلب.
ارتسمت السعادة على وجه نادية عندما لمحت خاتم الزواج ، فأخذته وقلبته بين أصابعها ثم ارتدته فى سبابتها اليمنى على عادة فتيات عالمها عند قبولهن الزواج ، قالت نادية: ولكنك قد قدمت لى سابقا خاتما للزواج عندما كنت بالمشفى، ماذا يدعى هذا الخاتم إذن ؟ ضحك طارق وقال: فلنسمِه خاتم الإعتذار عن التأخر فى طلبك للزواج.
ضحكت نادية ثم قالت: لم أكن أعلم أنك يمكنك المزاح مثلنا، قطب طارق حاجبيه ثم خلع منظاره الطبى وقال :يبدو أنك لا تعلمين الكثير عنى، فطارق الطبيب شىء ثم أمسك بيدها وقال: وطارق المحب لنادية شىء آخر.
احمر وجه نادية خجلا ثم سحبت يدها من يده وقالت : فلنتناول الحلوى اللذيذة وقطعت جزءا من القالب الذي نحته الطاهي على شكل قلب ووضعته فى طبق طارق ثم قطعت جزءً آخر ووضعته فى طبقها.
استغرق الحبيبان عشرة دقائق فى تناول الحلوى ثم أشار إلى النادل إشارة معينة فانتشرت فى قاعة المطعم أضواء على صورة قلوب حمراء.
انسابت أنغام الموسيقى ونهض طارق ليرقص مع نادية رقصة شهيرة فى عالمه ، ذهلت نادية من براعته فى الرقص.
كانت نادية ترقص معه والذهول مطل من عينيها وطوال الرقص تسأل نفسها متى تعلم كل ذلك متى؟ قاربت الساعة على العاشرة فألقت نظر خاطفة على ساعة يدها ف*نحنحت قائلة: لقد تأخر الوقت يجب أن أعود إلى منزلى حالا ، وافقها طارق ثم رافقها للخارج.
استقل كلاهما سيارة طارق الذى أوصلها إلى منزلها ثم تركها وعاد إلى منزله وكانت السعادة تقفز من قلبه فهاتف صديقه مصطفى على الفور ليخبره بكل شىء .
-42-
المنجم
أيقظ اتصاله بمصطفى الذى تثاءب وهو يحدث طارق فشعر طارق بالحرج بأنه انتزع صديقه من نومه ، سأل مصطفى صديقه قائلا: هل قابلتها يا صديقي الليلة؟ جاءه الرد بالايجاب وحكى له ما حدث بسرعة ثم قال له: لدى عملية مهمة غدا سأنام الآن ثم أنهى طارق الاتصال ، تثاءب مصطفى مرات ومرات قبل أن تطرق سمر باب غرفته لتطمئن عليه ، فسمح لها بالدخول .
أطلت بوجهها الجميل الذى يعلوه الإرهاق والتعب ودنت منه ثم قالت: ألن تقص لى ما حدث فى زيارتك للعالم المواز الآخر، ابتسم لها ثم قال: ولكن بعد تناول طعام العشاء فأنا لم أذق الطعام منذ عدة ساعات ، نهضت سمر ثم قالت: حسنا سأذهب لأعد الطاولة ، خرجت سمر من الغرفة ثم دخل مصطفى الحمام واستحم ثم ارتدى أحد ملابس العمال النظيف التى وجدها فى الخزانة و بعد عدة دقائق وصل مصطفى إلى الإستراحة الخاصة بالعاملين ، حيث جهزت له سمر طعام العشاء لهما.
ابتسمت سمر عندما شاهدته بهذا الزى بدلا من زيه الخاص بالمشفى، جلس مصطفى بجوارها ثم ارتشف بعضا من العصير وتناول بعضا من الطعام ، ثم بدأ يقص لها كل شىء.
التهمت الساعة الزمن ،حتى ظهرت خيوط النهار فتثاءبت سمر بقوة عندما انتهى مصطفى من سرد ما حدث له فى ذلك العالم المواز لعالمه، فاقترح عليها أن تنال قسطا من الراحة حتى يمكنها لمواصلة مهمتها ثم استأذن منها ليذهب إلى عمله حيث لم يذهب إليه منذ مساء أمس فتركها ثم ذهبت لتنام بعد أن اطمأنت على استكمال بناء المحطة.
***
-43-
المجلس الأعلى للفضاء
في تمام الساعة العاشرة كانت سمر تقدم مشروعها العلمى للمجلس الأعلى للفضاء فى مدينة نيويورك ،بعد أن نامت قليلا قبل سفرها ، كانت سمر قد قدمت مسودة لمشروعها منذ أن بدأت العجوز سعاد تزورها.
طالبت بعقد جلسة لمناقشة ذلك على المستوى العالمى، وبعد وصولها لمقر الاجتماع تم مناقشة مشروعها مع العلماء ، وخرجت التوصيات كالآتى : الموافقة على التواصل مع العوالم الموازي الأخرى ، مساعدة الدكتورة سمر فى استكمال بناء المحطات المذكور فى تقريرها وبذل الدعم العلمى والمادى لفريقها حتى يتم التواصل مع تلك العوالم فى أقرب وقت. عادت سمر فى نهاية هذا اليوم إلى وطنها للإشراف على بناء المحطة .
***
" أنجبت امرأة هذا الزمان
صبيا يدعى فاسد
وآخر يدعى مصالح
فتاة تدعى كفاية
كوَّن فاسد و مصالح حِلفا
أسموه دستورا
فقامت كفاية
وقالت : كفانا مصالح فاسدة"
*************
الفصل الثالث
(عالم ضارين)
منذ عدة أيام
-44-
كان الوحش الكاسر – كما يزعم أو يتمنى بعضهم - طارق عز زعيم ع***ة ال*قرب الأزرق والذى ورث عرش أبيه الراحل منذ فترة قصيرة ، من المهم أن تعلم عزيزى القاريء أن طارق هذا لم يكن يتمنى ذلك الإرث أبدا؛ بل كان على خلاف دائم مع أبيه بشأن وراثة زعامة عصابتهم،والأدهى أصر طارق على أن يدرس الفنون ليصبح فنانا تشكيليا وهى من الأعمال غير مرغوب تعلمها في هذا العالم القاس، فجاراه أبيه حتى يبلغ مبلغ الرجال وعندما توفى ترك وصية بأن يرث ولده طارق زعامة ع***ة ال*قرب الازرق وعليه أن يقبل ذلك وإلا يُقتل ،
وبتلك الوصية انهارت أحلام طارق عندما سمع الوصية ،وهى فيديو مسجل مسبقا سجله والده قبل وفاته ، والجميع سمع بتلك الوصية فكان أمامه خياران إما أن يرفض تلك الوصية ويجب عليه وقتها الهروب إلى الأبد حتى لا يُقتل ، ولكن إلى أين ؟ لا يعلم .فالخيار الآخر أن يقبل ذلك الأمر فلربما يعتاده يوما ما.
وافق طارق مضطرا وأقيمت مراسم تسلمه خاتم الزعامة فى حفل يضم لفيف من أعضاء الع***ة الموقرين وأصبح الزعيم . واليوم سيتزوج ابنة ثاني أكبرعصابات هذا العالم والتى أوصى والده بتزوجها قبل وفاته.
قد يقفز إلى ذهنك عزيزى القارىء طبيعة النظام السائد فى ذلك العالم المواز، فالعالم هنا أكثر قسوة من أى عالم آخر، فالسطوة هنا للقوة والبقاء للأقوى، والجهل سمة الضعفاء والفقراء والعلم حكرا للأقوياء وللأغنياء . يبدو أن هذا العالم لم تدركه رسالة الأديان السماوية بعد، ولعل الشيطان ظل معبودهم حتى الآن.
ولكن عزيزى القارىء لا تنزعج من هذا العالم فبرغم ذلك يتواجد فى الخفاء مجموعة من الأغنياء والأقوياء يعيشون وسط تلك العصابات التى تشكلت على مر السنوات وتوارثت منذ أجيال بعيدة جدا ،حيث يتواجد مجموعة رفضت ذلك النظام الغاشم ،فئة استنارقلبها بنور العلم الإلهى عندما وجدوا بعضا من أساطير الأولين التى تخبرهم بأن المحبة والرحمة كانت يوما ما هى التى تحكمهم ولكن الأحوال تبدلت وضيعت الأجيال اللاحقة الإنسانية عندما رضخوا إلى الشيطان.
نعود إلى طارق عز زعيم الع***ة والذى وقف فى **ت أمام شرفة مكتبه محاولا الهروب من واقعه الأليم بعد ما ورث ذلك الإرث البغيض - على حد قوله - واعتلى الإمتعاض قسمات وجهه المليح الطيب التى تتناقض مع منصبه الهام .
تناهى إلى مسامع طارق دقات على باب مكتبه وابتسم عندما ميزت أذناه صاحبة هذه الدقات الهادئة ، إنها أخته العزيزة سمر والتى أصرت أن تدرس الفيزياء الكمية ، بالمناسبة عزيزى القارىء ،هى عضوة مهمة فى جمعية سرية من المعارضين لنظام العصابات الحالى والذى يسيطر على عالمهم ويريدون إحلال السلام والمحبة والتعاون بين المجتمع والقضاء على النظام الحإلى .
بادر طارق أخته بعناق طويل ،هذا العناق بمثابة طوق نجاة بالنسبة له وسط زخات العنف التى تمطرهذا العالم شهبا تبدد قيمه الإنسانية يوما بعد يوم وجيلا بعد جيل، ذلك العنف الذى يعانقه حتى الموت .
شعرت أخته سمر بنفس ما شعر به أخيها فتلك اللحظات القصيرة بمثابة كون خاص بهما ،وتصاعدت التنهيدات وانتهى هذا اللقاء الساحر بزفرة قوية من طارق قائلا لأخته : أين أنتِ؟ لم أركِ طوال اليوم يا حبيبة القلب ؟
- سأخبرك فيما بعد، ألم تتجهز بعد لحفل زفافك ؟
عبس وجه طارق مجددا وقال لها : كنت أتمنى أن أتزوج فى عالم آخر بعيدا عن العصابات والقتل والنهب والعنف الذى نعيشه فى عالمنا.
وهنا ابتسمت سمر ولمعت عيناها فى خبث واضح وهمست له فى أذنه قائلة: قريبا سيمكننا الهروب إلى عالم آخر ثق فى ذلك .
وبينما كانت علامات التعجب تعتلى قسمات وجه طارق كانت سمر تجره جرًا إلى خارج مكتبه ليتواجدا فى مكان حفل الزفاف المقام فى حديقة قصر العائلة .
عزيزى القارىء ألا تريد أن تخمن ماذا حدث فى حفل زفاف طارق زعيم الع***ة في عالم ضارين؟ ،بالتأكيد سيقفز إلى ذهنك أن سمر ستتلقى رسالة من الجمعية بوسيلة ما وأنها ستهرع وستترك الحفل ،وسيبدو عليها القلق ،ولكن لم يحدث ذلك. لقد فاتك شيئا صغيرا .
إنها أخت زعيم ع***ة وتعلمت رباطة الجأش ، فلا يمكن أن تظهر قلقها أمام الحضور؛ لأنها عضوة فى جماعة سرية مناهضة لحكم العصابات، فقد علمت من قطعة الحلوى التى كادت أن تأكلها، فوجدت رموزا لا يعلم مغزاها إلا هى وعلمت منها أن الجهاز قد أتى ثماره وحلم التغيير قد اقترب.
تعمدت سمر أن تسكب مشروبها على ثوبها حتى تكون حجة قوية لتترك الحفل لبضع دقائق وهذا كل ما تحتاجه حتى تذهب إلى مقر الجمعية وبالفعل اقتربت من أخيها وزوجته وهمست لهما قائلة: أنا مضطرة لأتركما، سأذهب لكى أبدل ثيابى بأخرى نظيفة.
ابتسمت لها نادية زوجة أخيها وقالت: حسنا ولكن لا تتأخرى فأريدك أن تتلقى باقة الزهورعندما ألقيها ثم غمزت لها ، ابتسمت سمر لدعابة نادية ثم هرعت إلى حجرتها وقامت باستبدال ملابسها بسرعة،وكانت ترتدى خاتماعلى شكل يدين تحتضنان بعضها البعض وضغطت على جوهرة حمراء تتوسط الخاتم فاختفت سمرفى لمح البصر.