-65-
مشفى الولادة
انطلق صوت رضيع صغير فى غرفة العمليات فانطلقت تنهيدة تعبر عن راحة الأم بعد أوجاع طالت لنصف يوم ،تكللت بوضعها هذا المولود الرائع الذى عندما ضمته إلى ص*رها وشم رائحتها تعرف أمه على الفور.
وبينما كانت بالداخل كان هاتفها يص*ر رنينا متواصلا حيث كان مع زوجها خارج غرفة العمليات ، اضطُر زوجها إلى الاستجابة لذلك الرنين المتواصل وفتح الاتصال ودار الحوار التالى .
- أهلا
- أريد التحدث إلى الدكتورة سمر الآن من فضلك.
- مع الأسف هى الآن داخل غرفة العمليات تضع طفلنا .
- أها ، حسنا أبلغها بأن الجهاز قد أتى ثماره أخيرا.
- حسنا سأبلغها ذلك.
- سأتصل لاحقا لكى اطمئن عليها.
أغلق المتصل الخط ،وعاد الزوج إلى قلقه مرة أخرى ثم قطعه صوت الممرضة تبشره بولادة طفل صحى وجميل ، ثم ناولته طفله،فسألها عن حالة الأم الصحية ،فطمأنته وأخبرته أنه يمكنه الدخول إليها الآن.
دخل عليها زوجها الذى ارتسمت على ملامحه الراحة عندما اطمئن عليها، دخل حاملا بين ذراعيه الرضيع.الذى يعد الابتسامة الجديدة فى تلك العائلة ووضعه بجوار زوجته الحبيبة.
ابتسم لها وربت على كتفها فى حنان بالغ وهمَّ ليطبع قبلة على وجنتيها ولكن قاطعه رنين هاتفه فأجاب المتصل واستمع له ثم قال له: حسنا ..حسنا سأحضر حالا.
اعتلت الجدية وجهه وظهر القلق على صوته عندما استأذن زوجته فى الرحيل مضطرا بسبب أمر هام فى العمل ،فقال لها :إحدى الماكينات تعطل.... وبتر جملته حينما تذكر الاتصال الذى ورد لزوجته سالفا وقال لها: لقد هاتفك أحدهم من مقر عملك وأوصانى أن أخبرك بأن الجهاز قد أتى ثماره .
وهنا انتفض جسدها وهمت بالنهوض من الفراش وقالت : لابد أن أذهب إلى عملى حالا ، ولكن استوقفها زوجها مستنكرا وقال لها : إلى أين ؟ لازلت مريضة.
تذكرت سمر حالتها الصحية وشعرت بالألم يعتصر مكان الجرح ،وعادت صاغرة إلى فراشها مقتضبة وقالت له : من فضلك أحضر لى هاتفى. ناولها زوجها الهاتف ، ثم خرج مسرعا إلى عمله .
هاتفت سمر النفساء ذلك الشخص ، قامت بضبط هاتفها لتتابع ما يحدث فى المعمل من تطورات من خلال شبكة الانترنت وهى على فراشها فى المشفى، قرأت المؤشرات التى أص*رها الجهاز عندما كانت فى غرفة العمليات.
تسلل صوتها الملىء بحماس وقوة يتعارض مع حالتها الصحية من الأسلاك وخرج من مكبر صوت فى المعمل الذى يستقبل البث من الهواتف المتصلة بالمعمل وسمع الجميع جملتها المليئة بالفرحة و
***ة الإنتصار والإنجاز : لقد أوشكنا على تحقيق ما نصبو إليه منذ سنوات.
التفت الجميع إلى مكبر الصوت وتعالت الضحكات وقال الأكبر سنا فيهم : دكتورة سمر الحمد لله على سلامتك ، نرجو أن تتماثلى للشفاء قريبا حتى نستكمل معا البحث، سأطلب من طبيبى ادخإلى فى حالة الاستشفاء السريع حتى أعود للعمل فى أقرب وقت ، قطع حديثهما صوت رضيعها الصغير فاستأذنت لتلبى طلبه فى الرضاعة.
-66-
منزل الضابط طارق
عندما وصل العروسان الضابط طارق وزوجته إلى منزل الزوجية شملتهما الفرحة والسعادة حيث جمعهما الرباط المقدس .
تفاجأت زوجته عندما وجدت الزهور منسقة على شكل قلب مكتوب داخله اسم زوجته نادية على فراشهما ، والتفتت إلى زوجها وابتسمت له ابتسامة تعبر عن الامتنان ورمقته بنظرة متسائلة.
غمز لها بعينيه اليمنى وقال : أنا لم أتأخر من أجل القبض على اللص فحسب، ثم أشار إلى الزهور وأدخل قرصا مدمجا فى جهاز صغير، واستمعا سويا إلى موسيقى هادئة وتراقص الاثنان على نغماتها .
استيقظ الضابط طارق على صوت زوجته الحسناء ، وقد أحضرت له الفطور،ثم وضعت الصينية بجواره فوق الفراش .
اعتدل فى جلسته وقال لها بصوت ناعس : لقد استيقظتِ باكرا اليوم على غير عادتك؟ ضحكت زوجته نادية وقالت: لأنى أريد أن أبدأ شهر عسلنا باكرا يا عزيزى،ثم جلسا يتناولان الفطور.
يا لها من ساذجة تلك الزوجة تمنى نفسها بقضاء إجازة سعيدة مع زوجها الضابط ، لا تعلم ما ينتظر زوجها فى خلال الأيام القادمة.
-67-
مشفى الولادة
كانت سمر أخت الضابط طارق عز فى عالم مواز رابع تحتضن رضيعها وبينما كانت ترضعه ، رن هاتفها وكان المتصل زوجها الذى اتصل بها، ليخبرها أنه سيبيت ليلته فى المصنع بسبب أعطال فى بعض الماكينات ولن يمكنه الحضور إليها فى المشفى.
كما أنه سيتصل بها كل ساعة ليطمئن عليها وعلى إبنهما ،وقبل أن ينهى حديثه معها سألها عن زميل عملها الذى هاتفها.
حكت له ما قد حدث وكيف أن الجهاز الذى عكفت عليه خمس سنوات لكى تصنعه من أجل الوصول لعوالم أخرى متوازية، وما كتبته فى تقريرها الذى سترفعه غدا إلى رئيسها من خلال الاتصال المصور .
في صباح اليوم التالي دخلت الممرضة لتطمئن على سمر ورضيعها ، وبعد عدة دقائق خرجت الممرضة وقابلت زوج سمر عند الباب الذى سألها عن حالة زوجته الصحية وكذلك حالة ابنهما الرضيع،فأجابته إنهما بأفضل حال .
دخل الزوج وألقى التحية على زوجته ثم حمل الصغير وطبع قبلة حانية فوق جبينه ثم أخرج من جيبه بطاقة مكتوبة عليها إسم الرضيع كاملا وأيضا إسم والدته ومحل إقامته وتاريخ ميلاده، وبجوار تلك المعلومات مساحة فضية صغيرة.
ما هى إلا قرص مدمج صغير جدا مخزن به معلومات صحية عن الرضيع كفئة دمه واللقاحات التى تحصن بها والتركيب الجينى له كل هذا موجود داخل تلك المساحة الفضية التى عندما تدخل فى مكان مخصص لها تظهر.
كل تلك المعلومات من خلال شاشة وهذه الأجهزة تقريبا موجودة فى كل مكان بذلك العالم الموازى ثم جعل الرضيع يشاهد بطاقته وهى بمثابة شهادة ميلاده وقال له: إنها بطاقتك يا عزيزى ،فابتسم الرضيع ابتسامة صغيرة كأنه فهم كلام أبيه ، وفرح ببطاقته معلنة بها وجوده فى هذه الحياة . والتفت إلى زوجته التى عانقته بابتسامتها المرهقة وقال لها: المنزل لا يطاق بدونك يا عزيزى .
قالت له سمر:لقد طلبت من الطبيب أن يدخلنى فى حالة الإستشفاء السريع، سأعود قريبا.
غمز لها زوجها وقال: وتعودين بسرعة إلى عملك وجهازك أليس كذلك؟ ضحكت سمر ثم جلس بجوارها يحدثها عن ليلته فى المصنع وماذا فعل مع الماكينة التى تعطلت.
***
-68-
منزل الضابط طارق
"تختلف الأخطاء وال*قاب واحد"
نعود إلى طارق الضابط فبعد أن استيقظ من نومه وقضى نهاره برفقة زوجته فى إحدى الحدائق العامة عاد إلى منزله الذى يوجد فى عالم يحكمه القانون وحده والذى ينظم الحياة بين البشر فى ذلك العالم المواز قانون موحد للعالم أجمع،هذه القوانين توارثتها البشرية جيلا بعد جيل وعصرا بعد عصر،والذى حافظ على استمرار تلك القوانين كل هذا الوقت ،هو الخوف ..
نعم،الخوف من ال*قاب فقد وضعت فتاة ظهرت فى العصور السحيقة تحمل كتابا مقدسا يحمل بين جنباته القوانين التى أعدتها بنفسها وأرادت أن تفرضهاعلى هذا العالم المواز.
وللحفاظ على تلك القوانين أعدت سجنا مهيبا لمن ينتهك حرمة هذه القوانين المنظمة لحياة البشر والتى فرضتها عليهم حتى يسود السلام والعدل والنظام بينهم – على حد قولها - هذا السجن يتم وضع المذنبين والخارجين عن القانون فى أنابيب تجمدهم ويظلون أحياء فيها إلى أن يأتيهم الموت .
فهم الأحياء الأموات تخيل نفسك عزيزى القارىء أنك خرجت عن القانون يوما ولكن لم تدخل سجنا يعاد فيه تأهيلك بل جمدوك فى أنبوب حتى يأتيك الموت فقد حرموك بذلك ال*قاب من التوبة والحياة بشكل سوى فيما بعد ، فليس مسموحا لك بالخطأ أبدا ، وإذا فعلت فنهايتك الحتمية السجن حيا ميتا مجمدا وليس لد*ك فرصة أخرى.
جلس الضابط طارق بجوار زوجته نادية يشاهدون إحتفالية خاصة بتكريم بعضا من القائمين على تنفيذ القانون ،وكانت الجوائز عبارة عن تماثيل صغيرة تمثل صافين الفتاة التى هبطت بالقوانين التى فرضتها على ذلك العالم المواز وحكمتهم لسنوات ولعصور ورغم أن قصتها أصبحت أسطورة تتناقلها الاجيال ، الا أن سكان هذا العالم لازالوا متمسكين بقوانينها حتى الآن فقد أوهمت القدماء أن هذه القوانين هى السبيل الأوحد لعيشهم فى سلام وأمان وعليهم إقصاء الخارجون عنها ولا تأخذهم بهم رحمة ونفيهم فى السجن الذى أعدته لهم ، وبالفعل إمتثلوا لها جيلا بعد جيل.
شاهدت نادية تلك الاحتفالية فى امتعاض واضح لاحظه زوجها طارق ، ثم نهضت وأغلقت الجهاز وابتسمت إلى زوجها بحنان وتثاءبت قائلة :ألن تنام؟ أطفأ طارق المصباح الصغير بجواره ، وخلدا إلى النوم .
فى عالم يسيطر عليه القانون ،استيقظ طارق الضابط وزوجته نادية والتى لا يعجبها النظام الحإلى الخإلى من الرحمة والرأفة وإعادة تأهيل المذنبين بدلا من دفنهم أحياء.
جهزت نادية طعام الإفطار ونادت على زوجها ، ثم جلسا سويا وقد لاحظ طارق شرود زوجته ، فهى لم تأكل إلا لقمة واحدة منذ أن جلسا.
أمسك شوكته وأطعم بها زوجته حتى يخرجها من شرودها هذا، وابتسمت له وأكلت ما عرضه عليها من طعام ، ثم قال لها : ما بك؟ منذ ما شاهدت الاحتفال أمس وأنت منزعجة هذا واضح جدا .
داعبت نادية خصلة من شعرها الناعم المنسدل فوق كتفيها وقالت له: لا، لست منزعجة من شىء، رمقها طارق بنظرة حانية وربت على كتفها وقال:أنا أعلم سبب انزعاجك من نظام تجميد المذنبين أحياء ونفيهم فى سجن خاصة أن أخيكِ واحد منهم.
نهضت نادية واعتلى الإنزعاج وجهها عندما سمعت جملة زوجها ،فتركته واتجهت إلى حديقة منزلهما.
وقفت أمام تمثال صافين الذى يمثل من أتت بالقوانين وجعلتها مقدسة فى كل مكان على هذا العالم وهى التى شيدت ذلك السجن اللعين .
كان هذا التمثال منتشر فى جميع المنازل والهيئات وفى كل مكان سواء كان على هيئة لوحة أو صورة أو شعارأو تمثال ،حتى يتذكر الجميع القوانين طول الوقت فلا يذنبون وبالتإلى لا يموتون أحياء.
عقدت نادية ذراعيها أمامها وحدقت فى ذلك التمثال اللعين بكراهية شدية لاحظها زوجها الذى كان يراقبها للحظات واتجه إليها ثم أحاطها بذراعيه وقال لها: أعتذر لك عما بدر منى.
حاولت الكلمات أن تفلت من شفتيها ولكنها حبستها بداخلها خشية أن يشعر زوجها بعدم رضاها بما يحدث فى عالمها فهى قبل أن يذنب أخوها ويدخل ذلك السجن اللعين كانت من أنصار ذلك ال*قاب ولكن بعد ما حدث لأخيها تغير كل شىء، فنحن البشر لا نكترث بإنهيار السد الا بعد معانقة الفيضان لنا.
أدارت نفسها لتواجهه وقالت: إنه يستحق ذلك لقد أذنب بكامل إرادته ثم مطت شفتيها وأردفت قائلة: لايستحق أى رحمة ، قالت جملتها تلك وقد اعتصر الألم قلبها حيث كانت مضطرة لقول هذا حتى لا يكتشف أمرها أمام زوجها . واتفق الزوجان أن يذهبا إلى الحديقة العامة ليتناولا طعام الغداء فى الهواء الطلق .
فعالم صافين حيث لا يُسمح بالخطأ وإن أخطأت فالموت حيا هو النهاية وليس لد*ك فرصة أخرى وقد كان هذه النظام جيدا .
لقد حافظ على النظام لفترة طويلة لم يجرؤ أحد على الوقوع فى الخطأ؛ حيث كان السكان فى تلك الفترة يرتعبون بشدة من فكرة الموت حيا .
ولكن جاءت أجيال اقترفت بعضا من الأخطاء سرا يوما بعد يوم، حتى جاءت جاء جيل جَرُؤَ على اقتراف الأخطاء علنا وتم تفعيل السجن؛ لتتم معاقبة المذنبون بناء على طلب الآباء والأجداد الذين يقدسون إحترام القوانين فكان الأب يبلغ عن ابنه أو ابنته وآخرون مضطرون لإظهار غير ما فى صدورهم مثل نادية التى تحاول إظهار ع** باطنها.
كانت نادية بعد سجن أخيها حيا تحاول أن تجد حلا مناسبا لوضع عالمهم المتطرف بالقوانين وإيجاد علاج للذين يذنبون غير هذا السجن اللعين، فقد تم سجن الكثير والكثير منهم وتم بناء سجونا أكثر بتلك الكيفية وإذا لم يتم معالجة الأمر سريعا سيتحول سكان هذا العالم تدريجيا إلى –عالم الأحياء الأموات – قريبا.
ولأن حب البقاء فطرة فى الآنسان قررت نادية وبعض رفاقها المتضررون من ذلك بإنشاء نقابة لتعديل تلك ال*قوبة واستحداث عقوبة تناسب كل ذنب طبعا هذا ليس من فكرها بل أوحت لها بذلك تلك العجوز التى تدعى سعاد فقد انتقلت إلى عالم نادية منذ خمس سنوات.
حيث اقترحت عليها تلك الفكرة وفى الهواء الطلق فى تلك الحديقة التى ذهبا إليها طارق الضابط ونادية جلسا ليتمتعا بالجو الرائع بعد تناول الغداء.
ذهب طارق ليتشرى بعضا من الحلوى والمثلجات وترك زوجته فى شرود واضح ، تذكرت نادية كيف تعرفت على العجوز سعاد وهى جدة زوجها، وقد صعقت هى الأخرى عندما رأتها بأم عينيها ،وأخبرتها بأنها نسخة أخرى موازية لنسخة سعاد فى عالمها ،وأن هناك عالم مواز آخر توجد فيه نمط حياة آخر، وكل شخص فى عالمها له نسخة فى ذلك العالم وإذا أرادت إيجاد حلول لعالمها؛ فعليها التواصل مع العالم المواز الآخر وقد اقتنعت نادية بذلك والتى كانت صديقة سمر منذ الصغر.
أعطت لسمر كتابا قديما جدا يثبت فيه وجود عوالم أخرى وكيفية اكتشاف هذه العوالم حيث زعمت بأن جدتها قد أعارتها ذلك الكتاب يوما ،فقررت نادية إعادة الكتاب لسمر والتى تصفحته ودرسته جيدا.
قررت عرض الفكرة على رب عملها الذى وافق على ذلك البحث الجديد فقد كان يطمح بالتعرف على تلك العوالم وتصدير قوانين عالمهم وتجربتهم فى إقرار النظام حتى تعم الفائدة.
فهناك الكثير لا يزالون مقتنعون أن نظامهم هذا هو الأمثل فأرادوا تصديره لتلك العوالم الأخرى،قطع شرود نادية صوت طارق عندما قال لها : لقد أحضرت الحلوى والمثلجات وناولها شيئا منها فابتسمت له وتذوقتها فقالت : طعمها لذيذ شكرا لك . ثم أردفت قائلة: ألا تريد أن تزور أختك سمر فنحن لم نزرها منذ وضعت طفلها فقد كانت فى يوم زفافنا ؟
أومأ رأسه بالموافقة : سنزورها بعد أن نتناول الحلوى والمثلجات ثم نشترى للرضيع هدية ونذهب إليها .