الفصل الخامس
في الصباح استيقظت حين دخلت صبيحه الغرفه:- يالا يا جمرنا فوجي إكده نايمه بجالك كتير جربنا علي العصر، عاوزاكي تاكي و تاخدي الدوا.
تململت رابحه في الفراش :- صباح الخير يا خاله.
- صباح ايه يا جلب الخاله بجينا العصر.
و عندما فتحت النافذه رأت العباءه علي السرير.
فضحكت و قالت:- عشان إكده نايمه و مرتاحه ما انتي مطمنه، عبايه حبيب الجلب في حضنك و شامه ريحته.
خجلت رابحه فتعثرت الحروف : أ...ص...
- لا أصل ولا فصل، ما هو فهد لساته برضك صاحي من هبابه.
و علت ضحكتها:- ما هو كان واخد شالك برضيك في حضنه.
تذكرت رابحه أنه قد أزاح عنها الشال ليلبسها العباءه.
- جومي جومي يالله عشان تشجي ريجك عبال ما الغدا يجهز.
أمضت عدة ايام على ذاك المنوال تتمشي في الحديقه و تواضب على الدواء، ترى خيالات في نومها، لأمرأه و رجل، و رجل آخر تخشاه.
في يوم ما بعد أن أمضت سهرتها مع الخاله و فهد و العم ضرغام صعد الكل للنوم، أحست بالملل من جلوسھا بمفردھا فلقد نام الجمیع، نظرت على غرفة فهد فوجدت النور مطفأ، فلم ترد أن توقظه، فهي تعلم أن لديه عملا في الأرض صباحًا، وضعت عباءة فهد على كتفھا فلقد تركها لها وقررت النزول للحدیقة لتنسم الھواء العلیل، بینما ھي في طریقھا للحدیقة سمعت صوت ونیسه بالمطبخ تتحدث مع أحدھم فقررت الذھاب لھا لتصنع لھا كوبًا من اللبن الدافئ المحلى بالعسل الابیض علھا تنام سریعًا بجدلا من أن تجلس في الحديقه بمفردها بلا فهدها،، وبینما تھم بدخول المطبخ تنامى اسمھا لسمعھا فغلبھا فضولھا فقررت التنصت لتعرف عم تحدث ونیسه من معھا بالمطبخ.
لتسمع ونیسه تقول:- وﷲ یا بت یا بدور الست الصغیره رابحه حلوه جوي، و شكلھا عشریه كده.
فابتسمت رابحه
تابعت ونیسه حدیثھا:- بس صعبانه علیا وھي مش فاكره حاجه واصل اكده.
ردت بدور:- یا بت كده أحسن، یا حومتي تفتكر ايه؟ سیبیھا ناسیه أحسن لھا.
فتساءلت ونیسه:- تفتكري یا بت ھتفضل ناسیه كده كتیر؟
ردت بدور:- یا رب ما تفتكر، ھو اللي ھتفتكره ده بالساھل، إن ستك الچازیه ماتت ھي وجوزها سيدك عمران اللي ربها بعد موت سيدك الناصري..
فور سماع اسم والدتھا انتابھا صداع شدید جدًا فأمسكت رأسھا في محاولة منھا للسیطرة علیه، لكن لم تفلح محاولتھا لدحر ھذه الخیالات التي تتراقص أمام عینیھا
مشاھد متفرقه تمر سریعًا، أصوات تسمعھا، بكاء، صراخ، امراه تراھا تتألم، رجل ما یحملھا، مستشفى، ترى نفسھا تركب تا**ي، رجل یھاجمھا، صوت طلق ناري،
لم تعد تتحمل الوجع، كل الذكریات عادت فجأة، تھاجمھا بقسوة وضراوة، خارت قواھا و أطلقت صرخة مدویة، تبعتھا صرخات وآھات، انتفضت ونیسه وكذلك بدور لسماع صوتھا، وخرجتا لتجداھا على الأرض تمسك رأسھا و تصرخ
- ماما، بابا، لاااااا.
حاولتا احتضانھا وتھدئتھا
كان صوتھا قد وصل لمن بالأعلى فھرع فھد سریعًا ومن ورائه ضرغام وصبیحه
وھي ما زالت تصرخ بعلو صوتھا.
فھم فھد فورًا أنھا قد استعادت ذاكرتھا واتصل على الطبیبة وأرسل بدور مع الغفیر رضوان لیحضراھا، واقتربت صبیحه منھا واحتضنتھا، تمسكت رابحه بصبیحه بقوة، واستمرت في الصراخ حتى خارت قواھا وفقدت وعیھا، حملھا ضرغام لغرفتھا، حضرت الطبیبة وحقنتھا بمھدئ، واستغرقت في سبات عمیق.
***
وتحت ستار الليل بمغارة صقر الجبالي كان يجلس مع رشوان
ليأتي أحد الرجال قائلا:- يا كبير الريس ليل و الريس بحر رجعوا من المينا.
قام صقر مسرعا ليقابل بحر الذي دخل المغارة أولًا
- يا هلا يا هلا بالغالي، اتوحشناك.
ضحك بحر:- يا كبير دول هم يمين اللي جعدناهم في المركب.
- وهم يمين جلال، انت يا بحر زينة رجالي.
ليأتي صوت من خلفه:- لما بحر زينة رجالك آني إيه.
ضحك صقر وهو يحتضن القادم الذي لم يكن سوى ليل ابنه أخيه رشوان
:- انتي بجى نور عيون صجر و قلبه يا عيون عمك، وارجل من ميت راجل.
ليغضب رشوان:- مالك يا صجر، عتجلع ليل ليه، وجلت ميت مره ليل راجل يعني راجل ما تحددتاهش كانها حرمه، آني ما خلفتش غير راجل، ما ليش صالح بكلام المحروجه أمها اللي سجلتها حرمه، كلامي أنا بس اللي يمشي، ليل راجل، أمال آني شغلته معانا في الجبل ليه، ودربته تدريب ما فيش زيه، وعلمته كمان.
قالت ليل: طبعا يا بوي آني راجلك.
ليقول بزجر:- طب جدامي وريني البضاعه اللي جات.
ليصيح صقر من خلفه:- وبتجول ما اعرفش الدماغ دي منين، منيك طالع جفل لخوي.
و أخذ يضحك ثم حدث بحر:- ها يا بحر ايه اللي حوصل؟
- زي كل مره يا كبير اتدسنا آني وليل كل واحد في مطرحه لحد ما اتسلمنا البضاعه، وحملناها وجينا، بس ...
- بس إيه؟
- آني جالي خبر إن مباحث الم**رات مجلوبه، وإنهم ناويين يقبضوا قريب على الريس رشوان وعليك.
ضحك صقر:- ما هم دايما ناويين، بس تنفيذ ما فيش.
واستغرق في الضحك
بعد أن اطئن رشوان على البضاعه، قالت ليل:- يا بوي آني نازل النجع اشوف أمايتي.
- غور، داهيه تلم العفش، بلغ أمايتك إني هادلى النجع بكره تجهز نفسها.
غادرت ليل وهي متألمه لقد سأمت حقًا، إنها أنثى كاملة الأنوثه، تعامل على أنها ذكر، من والدها والمحيطين بها، فقط أمها وعمها صقر يعترفان بأنها انثى، تذكر جيدا تلك المرة وهي لم تتعد العاشرة بعد، وأمسك بها والدها تتزين ب*عرها أمام المرآه، لقد أضحى لون جسدها يومها أزرق من شدة الض*ب الذي ض*به لها والدها، و للاسف لم يكن عمها موجودا لينجدها، بالإضافه لأنه قام بحلاقة شعرها لها، وأقسم يومها إن راي شعرها مكشوفًا سوف يحلقه، منذ ذلك اليوم ولم تكشف ليل شعرها سوى أمام والدتها فقط حين يكون والدها غائبا، إنه يكرهها، ويكره والدتها، تعرف جيدًا أنه لولا عمها صقر ما كانت ظلت على قيد الحياة لقد كان والدها ينوي قتلها يوم ولادتها، لكن صقر رفض ذلك فلقد ألقى الله محبتها في قلبه، فمنعه أخيه من قتلها.
نزلت لأمها التي ما أن رأتها حتى احتضنتها بشوق:- واه يا بتي كنت خايفه عليكي، نفسي تبطلي شغل الجبل وتخليكي جاري.
ضحكت باستهزاء:- أبطل شغل الجبل، رايده موتي يا أمايتي وإلا إيه، انتي خابره زين أن الريس رشوان صابر عليّ بس عشان إن أنا أحسن راجل في الرجاله، ولولا إكده كان تواني وارتاح، سيبك مني، الريس رشوان عيدلى هنيه بكره.
- يا مرك يا نعمه، يا مرك يا نعمه، كان مريحني بجاله كتير ما يجيش، كنه زهج من البت اللي اتجوزها آخر مره عرفي، يا رب رحمتك، يا رب ما عتش جادره على البهدله.
بكت ليل:- معليهش يا أمايتي، ما فيش بيدنا حاجه.
- ولا يهمك يا بتي مجدر ومكتوب و رب العباد مسيره ينجدنا، بس بكره لازمن تطلعي الجبل وجت ما يكون هنيه.
- لا يا أمايتي ما هاسبكيش معاه وحدكم، آخر مره فتح راسك.
- و عمل فيكي إيه لما حاولتي تجفي ليه، طلع المسدس و كان هيض*بك، لولا جايه عمك.
- يا أمايتي اخاف عليكي.
- ما تخافيش، المهم انتي ما تجفيش ليه، هو ما يجدرش يستغنى عني، و إلا كان جتلني من زمان.
دخلت نعمه غرفتها وهي تكفكف دمعها، و تدعو الله أن ينجدها من بين يدي رشوان.
بينما ليل دخلت غرفتها و أغلقت الباب، و خلعت ملابس الرجال التي ترتديها، و ارتدت قميصا حريرا أحمر اللون و أطلقت العنان لذلك الشعر المقيد، لينساب حرا طليقا، كالشلال الأ**د لما بعد خصرها وجلست على طرف سريرها تنظر للسماء و نجومها لينطلق ل**نها و هي تعبث ب*عرها:- أمانه عليك يا ليل داري في جلبي بحر، و جوله إني في هواه دايبه كيه السحر، يا جلبي ما تفضحنيش، يا عيني ما تكشفنيش.
كانت ليل تذوب هياما في بحر، إنه الوحيد الذي خفق قلبها له، أنها تجاهد و تحارب لكي لا يظهر ذلك في تصرفاتها، فلو شعر أحد بما تحسه تجاهك لقتله رشوان و قتلها.
****
استیقظت رابحه في الصباح بعدما داعبت أشعة الشمس، التي تسربت من بين شيش النافذة وجھھا، فتحت عینیھا، تململت في الفراش، لتجد صبیحه بجوارھا، التي ما أن أحست بحركة رابحه حتى استیقظت قائلة:- صباح الخیر یا بتي، شا ﷲ تكوني بخیر.
لم تتحدث رابحه، واغرورقت عیناھا بالدموع، احتضنتھا صبیحه وهي تربت على ظهرها وتضمها لها بقوة:- أبكى یا بتي، طلعي اللي جواكي، البكا زين، ما تكتمیش.
طرق ضرغام الباب ودخل الغرفة یرافقه فھد، الذي اختلج قلبه ما أن وقع بصره على رابحه والدموع تتراقص على خدھا الوردي، ورأى ذلك الشلال الأ**د الغجري یحیط وجھھا، انتبھت صبیحه لشعر رابحه، فأحاطت رأسھا بالحجاب.
اقترب ضرغام من السریر وربت على ظھر رابحه وھو یحتضنھا:- بسك عاد، كفایه بكا، ما یرجعش اللي فات یا بتي، غلاوة أمك ما لھاش حد ولا فیه زیھا، بس ده أمر ﷲ، ھنجولوا إیه ما نجدروش نعترضوا.
ابتعدت قلیلا عن حضنه:- أنا عاوزه أروح لماما وبابا عمران.
اھتز قلب ضرغام غضبًا لسماعھا تنادي عمران بأبیھا، لكنه تماسك قائلًا:
- حاضر من عنیا، بس توعدیني إنك ما عتصرخیش تاني.
كفكفت دمعھا:- حاضر.
قال فھد:- تفطري وتاخدي الدوا الاول.
- حاضر.
تناولت الافطار والدواء.
تعلل ضرغام بوجود مشاغل ھامه ولم یذھب معھم عند قبر الچازیة وبجوارھا قبر عمران.
هناك وقفت رابحه تبكي:- كده یا ماما، كنتي بتتوجعي وما تقولیش، ما أنا سألتك لما شفتك تعبانه مره، قلتيلي برد يا بنتي، یعني لو كنتي عرفتینا مش جایز كنا لحقناكي واكتشفنا المرض بدري، وأنت یا بابا تسیبني لوحدي كده، إیه ما قدرتش على بعادھا أنا عارفه، طب كنت استني شویه، خلیك جمبي لحد ما اعدي من وجعي، تسیبوني انتو الاتنین سوا، مره واحده.
وانفجرت في البكاء.
احتضنتھا صبیحه:- یا بتي أمر ﷲ، ما نعرفوش حكمته في إكده.
بينما فهد يقف لا حول له و لا قوة، يود أن يضمها لص*ره لكي تتوقف عن البكاء،
نادي الغفیر رضوان على فھد، اقترب منه فھد
- خیر یا رضوان؟
تردد رضوان:- یا بيه فیه حاجه آني مش عارف أجولھا وإلا لا بخصوص الباشا الكبیر، بس إنت خابر إني ما عادسش حاجه عنيك واصل، آني باحبك كيه خوي اللي ربنا ما رزجنيش بيه.
- خابر يا رضوان انت مش غفيري بس انت دراعي اليمين، جول.
- بس أدیني الأمان، وما تعرفش الباشا الكبیر إني جلت لك.
- جول واخلص، ليك الأمان.
- الجبر ده مش جبر عمران بیه.
ضیق فھد عینیه:- أمال جبر مین؟
- مش جبر حد یا بیه، الجبر فاضي، ضرغام باشا أمرنا ندفنوا البیه عمران نواحي المجابر الجبلیه.
أمسك فھد بتلابیب رضوان:- أنت بتجول إیه إنت متوكد، أنت واعي لحدیدتك ده.
حاول رضوان التملص منه:- وﷲ یا بيه دي أوامر الباشا الكبیر، آني عبد المأمور، و لو عرف الباشا الكبير إني جلت لك عيقطع خبري.
تركه فھد وتساءل في نفسه كیف یفعل والده ذلك؟ كیف یدفن ابن العبابسه وزینه و أشد رجالھا في مقابر مجھولي الھویة واللصوص، سحب نفسا طويلًا وأخرجه بزفرة حادة أودعها كل حيرته من تصرف والده:- اسمع یا ولد، بعد ما نمشوا من اھنیه، ھاجول لابوي إني بعتك تطل على الأرض، ھتاخد معاك سعید التربي و تنجلوا جتته سیدك عمران في الجبر اللي المفروض یكون فیه.
ونادى على سعید و أمره بما أراد، ولم یكن سعید بالطبع لیخبر أحدًا فھو أخرس.
توجھوا للدوار، و رابحه على حالها، قال فهد:- تعالي في الجنينه هاوريكي حاجه تعجبك.
- مش قادره يا فهد انا عاوزه اطلع.
- مش هاهملك تجعدي تبكي لحالك، تعالي بس وانتي هيعجبك اللي هتشوفيه.
- حاضر.
سارت بجواره تمشي الهوينا تنظر للارض، وتنعي حظها، إلى أن قال:- ارفعي راسك وبصي جدامك يا رابحه.
رفعت راسها تنظر ليطالعها منظر بديع حوض كامل من الورد الأحمر البلدي.
تهللت أساريرها وترقرق الدمع بعينيها ونظرت له:- مش ممكن أنت لسه فاكر.
نظر بحب:- وآني اجدر أنسي، يوميها كنتي واجفه هناك وأشار لشجرة المانجو، كانت لساتها شجرة المانجه طولك، وجلتي يا فهد عاوزين نزرع ورد من اللي بحبه في الجنينه حوض كامل في كل ركن من الجنينه، وده اللي عملته، حوض ورد بلدي أحمر في الاربع أركان في الجنينه، وشجرة المانجه اللي زرعتيها بيدك أهيه جدامك عروسه مزينه وسط الجنينه، كيه ما أنتي وسط جلبي زايناه.
- أنا مش لاقياه كلام أقوله، أنت فهدي و...
- كمليها يا رابحه نفسي اسمعها.
- أنت كل اللي ليا في الدنيا.
- و إيه كمان؟
- فيه بعد كده حاجه.
- فيه يا روح الجلب، بس إنتي اتعلجتي بيا لما أنقذتك، و نسيت فهدك.
ضحكت:- ما انتو الاتنين واحد.
ابتسم:- بس انتي ما كنتيش عارفه.
- بس قلبي كان حاسس أكيد و إلا ما كانش اتعلق بيك، انت فاهم يعني أني ما شقتش شباب طول فتره غيابي دي، لا شفت كتير، و كان فيهم شباب رجاله بمعنى الكلمه،بس عمر ما قلبي اتحرك ناحية حد، واتقدملي كتير على فكره، وماما كانت بتزن كتير عليا، وأنا كنت رافضه، قلبي ما سكنوش ولا هيسكنه غيرك.
****
نزل رشوان للنجع، و فتح باب المنزل لتجده نعمه أمامها فجأة وهي في المطبخ
صرخت فزعة، فقال رشوان:- مالك يا حرمه بتصارخي ليه؟
- فزعتني يا واد عمي، آني لحالي في البيت، ألاجيك مره واحده فوج راسي إكده، طب اتنحنح، نادي وأنت جاي من بعيد، أي حاجه، إنما تفزعني إكده وآني جدام النار وباجهز الوكل، فلنفرض كان فيه حاجه في يدي سخنه والا شوربه بانجلها، اتحرج من فزعتي.
اقترب بهدوء:- في دي عند*كي حج، ما يصوحش مني إكده، ما اجدرش آني إنك تتحرجي، ساعتها أعمل إيه من غيرك، هو آني عندي كام نعمه.
والتصق بها يمسك ذراعيها، لتتململ بهدوء:- اصبر بس يا واد عمي، صبرك بالله، أخلص الوكل، واتسبح، ريحتى دلجيت كلاتها بصل وثوم.
نظر لها برغبة:- كلامك صوح، همي خلصي واتسبحي، جهزتيلي وكل إيه؟
- اللي بتحبه يا واد عمي، الحمام المحشي رز،الممبار المحشي رز ولحمه.
- شاطره يا نعمه شاطره، خلصي وحصليني على الأوضه.
- يا واد عمي أجهز لك خلجاتك، وآجيك عشيه.
أمسكها بقوة من ذراعها:- باجول خلصي وحصليني.
- حاضر هاخلص بس واتسبح وآجيك.
- البسي الجميص الأحومر.
أنهت إعداد الطعام، وتوجهت للحمام وتحممت وارتدت القميص الذي طلبه و تعطرت، وأطلقت شعرها البني وراء ظهرها، وذهبت له وهي تدعو الله أن يكون قد نام قليلا فيتأجل لقاءها المحتوم معه.
فتحت الباب لتجده جالسا على السرير:- يا مرحب يا مرحب بنعمه، تعالي جاري.
اقتربت منه، فأمسك شعرها بيده:- عارفه يا نعمه آني شفت الحريم أصناف، بس ما فيش واحده بتطلعني السما وآني معاها كيفك، كنك سحرالي يا بت، مهما ابعد عنك لازمن أعاود و أرتوي منيكي.
- حاولت الابتسام رغما عنها:- ربنا يخليك ليا يا واد...
لم تكمل كلمتها، لقد انقض عليها بوحشية، يرتوي منها كما يقول، لكنه لم يكن ليرتاح إلا بعد أن يجد آثاره قد و**ت عليها، ويبتسم حين يرى الدماء تنزف من جسدها، ليرتاح منتشيا، ثم يجلس براحه على السرير، يشعل سيجارته، وهي بجانبه تتألم ليقول في ضحك:- لساتك بتتوجعي يا بت، بلاش جلع ماسخ، جومي جهزي الوكل آني جعان.
- بس آني....
- أنتي لساتك هتبسبسي، فزي.
لتقوم تلملم نفسها و تدخل للحمام لتستحم و الماء ينزل على جسدها يغسله، و هي تبكي, انهت استحمام و جهزت الطعام ونادت عليه، جاء ليجلس :- الله الله إيه الوكل اللي يفتح النفس ده.
وبدأ في الأكل، ليجدها جالسه لا تأكل، فتوقف عن الأكل قائلا:- إيه؟
- إيه يا واد عمي؟
- ما بتاكليش ليه، حاطلي سم في الوك لياك.
- يا مري والله ما حوصل آني ماليش نفس، متوجعه.
- لا هتاكلي، وتاكلي بنفس كمان.
وضحك بصوت مرتفع:- عشان تتجوي لساتك هتتوجعي تاني.
نظرت بخوف:- تاني يا واد عمي الليله.
- براحتى، الليله، الفجر، براحتى لمن أشبع منيكي، كلي.
أكلت، وبعد أن انتهى قامت برفع الطعام وإعداد الشاي ليطرق الباب.
دخلت للداخل ليقول هو:- مين؟
فجاءه الرد: - مطاوع يا ريس رشوان.
ففتح الباب وخرج له:- إيه اللي جابك يا مطاوع، ما اتصلتش ليه؟
- اللي سمعته يا ريس إن تلفونك متراجب، فأنا جيت البيت كانها زياره عاديه.
فجلسا على المصطبه أمام المنزل ونادى رشوان على أحد الرجال ليوقد الركوه لعمل الشاي.
تحدث مطاوع:- يا ريس فيه صنف جديد نازل السوج، ومش شغلنا.
تضايق رشوان:- انت بتتكلم جد، واعي للي جلته ده.
- يا ريس ودي حاجه فيها هزار، آني باجولك مش بضاعتنا، احنا بضاعتنا معروفه، دي بضاعه جديده، ونمره واحد كمان آني جربتها، و جبت لك منيها كيس، هافوته ليك وآني ماشي، آني ما جدرتش استني لما ابعتلك ونطلع الجبل، أنا لازمن أروح لأبوي عشان عيان عيا واعر وحاجزينه بالمستشفى.
- ماشي يا مطاوع.
وغادر مطاوع و تناول رشوان اللفافه وهو يخفيها، ووضعها في جيبه، و عاد للداخل، دخل غرفته ليجد نعمه قد نامت، فقام بوكزها:- باه نمتي يا واكله ناسك، داهيه تلم العفش، جومي يا وليه.
وأيقظها:- يا واد عمي والله ما جادره .
- وآني مالي، آني جادر.
- بس..
- مابسش, أهه ..
واغتالها مرة أخرى، ثم ارتدي ملابسه قائلًا:- طالع الجبل وسايبهالك مخضره، ده انتي بجيتي حرمه تسد النفس.
وقاد سيارته، ليوقفه كمين غير معتاد أن ينصب في هذه المنطقه، ويتم القبض عليه متلبسا بحيازة الم**رات.
و بينما هو في التحقيقات، نبأه رجاله بأن مطاوع هو بالتأكيد من دبر عمليه الأمساك به و القبض عليه فهو متواجد عند الضابط المسؤول.
- آه يا زمن بجى آني يوم ما أجع أجع على يد مطاوع، بس آني اللي استاهل، كيه اديه الأمان و اصدجه و آنا غاصبه على طلاج مرته عشان اتجوزها، و ماتت في يدي ليله الدخله، طلعت جفل بصوح و صحيح.
ليطرق طارق باب نعمه فتتحامل على نفسها و تتحمل وجعها، و تنزل لترى من الطارق في مثل هذا الوقت فلقد أوشك الفجر أن ينبلج.
لتجد الطارق ليل ووجهها متجهم :- واه، خير يا بتي، جايه دلجيت ليه؟ و فين مفتاحك؟
- نسيبته يا اما نسيته، دخليني.
دخلت ليل وفور أن أغلقت نعمه الباب خلعت ليل ذلك الوجه المتجهم الذي كانت ترتديه و حل محله ملامح الفرح و السرور و تقول:- عندي ليكي خبر بمليون جنيه.
- مش فايجه لمزحك يا ليل آني تعبانه.
- هترتاحي يا أمايتي، جد إيه ما اعرفش، بس هنرتاح هبابه.
- ايه أبوكي سافر الحمد لله؟
- لا، أحسن، انجبض عليه.
- بجد يا بتي، ليه عمل ايه؟
- اتمسك متلبس بم**رات.
- يا رب اعدام يا رب، برد جلبي يا رب، خدي لي بحجي و حج بتي يا رب.
و سجدت شكرا لله، ليرن هاتفها برقم صقر فردت
- أهلا يا واد عمي.
- ازيك يا نعمه.
- الحمد لله يا غالي.
- أنا شيعت لك ليل تعرفك اللي حوصل، بس اطمني، ما تجلجيش الطير هيعاود عشه.
- طبعا يا غالي اجلج كيه و انت موجود.
- مش محتاجه أيتها حاجه؟
- حسك بالدنيا، تسلم لنا، كفايه إننا في حمايتك.
- تمام خبري ليل تعاود بكره عشيه.
- حاضر.
أغلقت وبكت، سألتها ليل:- عتبكي ليه يا أمايتي؟
- عمك جال ما تجلجيش الطير هيعاود عشه، يعني هيهرب ابوكي، و رايدك ترجعي بكره عشيه، يبجي التنفيذ وجتها، يا ربي ما لحجناش نفرح ولا نرتاح.
- معهليش يا أمايتي، بس حتى لو هربناه يبجي هيتدارى بعيد، مش هيجيكي.
- وهو رشوان بيف*ج معاه جريب و إلا بعيد، ما هو بيبعت يجيبني في أي مكان.
- ربنا يساويها يا أمايتي،أنا نفسي نرتاح، وأسيب كل حاجه، تعالي نهربوا يا امايتي.
- اتجنيتي، ما لو كان ينفع كنت هربت بيكي من زمان، لا أبوكي هيسكت و لا عمك هيهملنا، عمك بيحبك آه بس لو هربنا هيجتلنا.
مر اليوم و اليوم الذي يليه، وصعدت ليل للجبل لتجد الرجال مجتمعون و يجهزون الخطه ليقوموا بتهريب رشوان واحضاره لمغاره الجبل الأصفر و من بعدها سيخرجونه خارج البلاد لروسيا عند ماريا.
درس كل منهم ما سيفعله، و تم التنفيذ و إحضار رشوان للمغاره و ما لبثوا أن استراحوا إلا و جاءت التحذرات باقتحام قوات الأمكن المركزي للمغاره، لم يجدوا وقتا للهرب لا يعلمون كيف وصلت الشرطه بهذه السرعه لكن يبدو أنهم قد سقطوا هم ضحايا للكطمين الذي نصبوه بانفسهم، حدث تبادل رهيب لاطلاق النار و تم ارداء رشوان قتيلا في الحال، و هرب صقر، و أصيب بحر في ذراعه، و تحامل على ليل ليهربا من مغارة سريه استطاعا الوصول لها، و منها لسراديب الثعبان المخفيه، التي لم يكن يعلم بها سواهما، حتى وصلا لمغاره الذئب الأبيض،
و هناك قامت ليل باشعال النيران و استخراج الرصاصة من كتف بحر، كان يجب عليها أن تجرده من ملابسه العلويه من اجل ذلك، و بمهارة شديده استخرجت الرصاصه، و جلست بجواره وهو فاقد للوعي، كانت في قمة سعادتها فلقد شاهدت بنفسها رشوان و هو يلقى حتفه، لكنها الآن خائفة على بحر، انها موقنه أن الرصاصة لم تصبه بإصابة خطره، لكنها تخشي عليه يرتجف قلبها بين ضلوعها خوفا من فقدانه، كان بحر يصحو ويعود للنوم، و بين صحوه و نومه يري ليل بجانبه، كانت تعلم أنه ليس بوعيه فأطلقت العنان لشعرها المحبوس.
كانت تقف أمام المغاره تتنسم هواء الحريه، ها هي لأول مره بلا ذلك الطوق الذي كان يكبلها و المسمى والدها، ودت أن تذهب لوالدتها لتخبرها، لكن الآن الوضع خطر، ليفيق بحر في تلك اللحظه التي كانت تقف فيها هائمة، مطلقه العنان لمشاعرها الفرحه و لشعرها الاسود الذي كان يتطاير وراء ظهرها، ليشاهدها بحر هكذا، تقف أمامه أنثى مجسدة للف*نه، لم يعاملها يوما على أنها ليل الرجل بل كان يخشي عليها ، لكن ما بيده حيله، لقد نما وهو يراها أمامه، لكنه لم يقتنع أبدا أنها رجل، كان يحبها ويكتم حبه بقلبه، فهو يعلم ما قد يفعله رشوان و صقر، ربما قتلاها وبالتأكيد كانا ليقتلاه.
و ها هي الآن ليله الذي منى نفسه به قطع تاملها
- فرحانه يا ليل صوح.
فزعت من صوته و تذكرت شعرها المسترسل فهبت لتلبس عمتها و تداريه، فأمسك يدها:- بلاش يا ليل، محدش معانا في المغاره، خليكي عاراحتك.
- فجلست، هافرح كيه ورشوان جتلوه.
ابتسم:- عمرك ما جلتيله بوي حتى و انتي بتتكلمي عنيه أبدا،خايفه مني يا ليل، خايفه تصارحيني، بس آني خابر و عارف انك عمرك ما كرهتي حد في دنيتك جد رشوان.
أحست أنها مكشوفه أمامه فقالت و الدموع بدأت تترقرق في عينيها:- اباه يا بحر على الراحه اللي حساها، طول عمره خانجني، فيه أبهات بتكون جاسيه على ولادها، بس مع جسوتها دي بيكون فيه أوجات حنيه، حاجه كويسه يفتكروها، و اللي رفع السماوات ما افتكر ليه حاجه زينه لا معاي و لا مع امايتي، أنا ما باكرهوش يا بحر، بس كان نفسي يحبني، كان نفسي أحس إنه بوي، مش أبجي عايشه يتيمه وهو موجود. و آديني بجيت يتيمه بجد.
اقترب منها و مسح دمعها بيديه، لتنتفض و تنظر له:- عمر ما حد مسح دمعي غير أمايتي
- وآني أول مره أشوف ليل البنيهجدامي مش ليل الراجل اللي برضك كنت باحبه و احب مجدعته.
نظرت له غير مصدقه لكلامه و قالت:- طبعا لازم تحبني كيه خوك ما احنا كبرنا سوا.
فأمسك يدها وقبل كفها:- لا يا ليل طول عمري باحبك حب راجل لحرمه، بس مخبي جوه جلبي، ديه أول مره نكونوا فيها أنا و انتي و بس و ما معاناش غير ربنا، و جدام ربنا يا ليل باحبك و رايدك في حلال ربنا، حلال ربنا اللي رايد أكون فيه و أهمل كل الحرام، بس كله بأوانه.
- بحر، بتتكلم جد.
- أكيد باتكلم جد.
.
مرت بضعة أیام، بدأت رابحه فيها بالخروج تدریجیًا من مصابھا، و طلبت أن تسافر لشقتهم لكي تجمع منها ما تحتاج له واتفقت مع صبيحه على ذلك. نأن
****
بدأ طايع ومليكه ونواره ووهدان في تجهيز ملابسهم وما يحتاجونه ليأخذوه معهم للنجع، وسط تذمر مليكه المستمر
- يعني إيه هننقل هناك علي طول، مش هنرجع هنا تاني يا طايع.
- كيف ده ؟هنرجع طبعا، بس معظم الوجت هنبجوا هناك.
- آه يعني حياتنا هتبقي ترانزيت، حبه هنا وحبه هناك، ودي عيشه دي، فلنفرض أنا ما عجبتنيش القعده هناك، إيه العمل بقي؟
جاءتها الإجابه بض*بة على راسها من نواره:- مكانك جار جوزك فين ما يكون تكوني، وإلا رايده تهمليه لحاله.
- لا ودي تيجي أهمله لحاله، واسيبه للست نجوى.
ض*بة أخرى على رأسها هذه المره من طايع لتصيح: يوه بقى، ارحموا دماغي.
ابتسم طايع: انتي اللي بتجيبي لنفسك الض*ب، اوزني الكلام، نجوى مين اللي هتاخديني منيكي، لو مليون نجوى قلب طايع ما تسكنوش غير مليكه.
- آه يا خويا ثبتني بقى بالبقين دول، أنا باتكلم جد، لو ما ارتحتش في النجع بتاعكم ده ايه العمل؟
- ما تسبجيش الأحداث يا مليكه، ساعتها نبجي نشوف ليها حل، بس آني متأكد إنك هترتاحي هناك.
- يا عم يا واثق أنت.