الفصل الأول
الفصل الأول
نعيش في الدنيا ونحن نقدم حسن النية، ونحاول التفاؤل، ربما نتوقع أن نسقط في بحار خيبات الأمل، أو أن تطرقنا مطارق الخذلان، نعتاد ذلك من الغرباء ربما، لكن ما يدمي القلوب، وي**ر الروح، أن تأتي الخيبة والخذلان، و الطعنة بالظهر من أقرب الأقربين، بل من أولئك الذين نتشارك معهم نفس الدماء.
****
كانت الچازية تجلس بشقتها وحيدة، بعد أن غادرت صغيرتها رابحه لكليتها، فاليوم اليوم الأخير لها بامتحانات كلية التجارة، كانت في حيرة ماذا ستطهو اليوم، وبينما هي مستغرقة في التفكير، إذ بالباب يفتح ويهل منه زوجها عمران، هبت من جلستها مبتسمة، مرحبة:- يا مرحب يا مرحب بولد العم، ما جولتش إنك جاي ليه من بدري يا غالي.
ابتسم عمران:- ما انتي خابره اللي فيها يا غاليه، المهم إني جدرت آجي اطمن عليكم، أمال البنته فين؟ شكلها في الجامعه، البيت هادي.
ضحكت:- ايوه، في الجامعه، النهارده آخر يوم في الامتحان، ثواني اجهز الفطور تشج رجيك.
- لا ما تتعبيش نفسك آني فطرت.
- يبجي تجول رايد تتغدي إيه؟
- كل اللي من يدك يا نوارتنا حلو.
- باه عليك يا عمران، ريحني.
- و الله يا چازيه لو عيش وجبنه جارك انتي و رابحه كنه خروف.
ابتسمت:- يا مري عيش و جبنه آني أوكلك عيش وجبنه، هي كلها نعمة ربنا و ألف حمد و شكر بس لاه، هو آني عاشوفك كل جد إيه عشان أوكلك عيش و جبنه.
و ذهبت نحو المطبخ لتخرج ما نوت أن تطهوه من الأكل الذي يحبه عمران.
و نادت عليه:- عمران أعمل جهوة، و إلا شاي.
- جهوه يا غاليه.
- عيوني.
و أعدت له قهوته التي يفضاها ساده، و بجوارها قطع من البسكويت بجوز الهند الذي يحبه من يدها.
و ذهبت له في الشرفه حيث يفضل الجلوس.
- اتفضل يا غالي.
ابتسم حين وجد البسكويت المفضل له:- تسلم دياتك يا غاليه.
و نظر لها بشوق واضح:- اتوحشتك يا چازيه.
ابتسمت بحب:- هاروح اطلع لك خلجاتك عشان تجعد مرتاح، لغايه ما أجهز الوكل.
دخلت الغرفه و فتحت الدولاب، وقفت أمام الدولاب، لتخرج ملابس لعمران، لتجد يدها تمتد تلقائيًا لتمسك بصورة الناصرى حبيب عمرها، ونصفها الثاني الذي فقدته، ومنذ ذلك اليوم عاشت جسدًا بلا روح، وتزحف تلك الذكريات المختلطة بالمرارة و الفقد إلى مخيلتها يوم فقدت الناصري، ساعة دخلوا عليها بجثمانه الغارق في دمائه مصابًا بطلقات غدر خائنة في ظهره، يحمله أربعة أشداء من العبابسة، مددوه على أرضية الدار لتعزف يداها على خدها أب*ع نغمات الوجع و الآه:
- ناصري، ناصري، یا وچع الجلب بعدیك یا ضي العین، جوم، جوم یا حبة القلب یا ولد الزین، آه يا ناصري والعبابسة من بعد*ك يتامي، فایتني لمین یا سبعي، فایتني آني وبتك لمین یا حب العمر كلاته، یا بوي، یا خوي، یا حبیبي، یا كل ما لیا، جوم، جوم، حددتني، فایتني لوحدي یا ناصري، یا مرك یا چازیه، یا **رة جلبك یا چازیه، یا ظهرك اللي انجسم نصين يا حزينه، ف*ني ليه، خدوك غدر مني، يا بوي، يا دنيتي اللي هتسود من بعد*ك، يا ديابة الجبل اللي هتطمع فيكي يا چازية.
ولم تعرف كيف تساقطت الدموع أنهارًا، فراغ كبير احتل قلبها، وسحب منها روحها، ليكتمل زحف ذاك الفراغ حين ألقى ضرغام العبابسي عباءته عليها مطالبًا بحقه فيها وكأنها متاع يباع و يشترى دون مراعاة لقلبها المفطور ولروحها التي أضحت خواء، أراد أن يكتب صك ملكيتها قبل أن يسبقه لذلك أحد، دونما أي احترام لذلك الجسد الذي ربما كانت حرارته لم تبرد بعد.
صاح بعلو صوته غير عابئ بما ألم بها ولا بتلك الدماء التي تغطي يديها:- الچازیه من ریحة الناصري و آني ھاخدھا من حجي ھي و بتھا، أنا أولى بيها من الكل، هيكونوا ليا وفي رعايتي، ما حدش يعرف چيمتهم غيري.
كانت العباءة كجمر النار تلهب جسدها، كلدغات عقارب سامة تسلمها للموت، كحيات عاصرة تطوقها وت**ر عظامها، ودت ساعتها أن رمت بها في وجهه و أفرغت طلقات البندقية في ص*ره الذي يحمل بين جنباته حجرًا لا قلبًا، لكن الحرب خدعه وأخذ الحق حرفه، ولا تستطيع وحدها أن تقف في وجه ظلم ضرغام العبابسي، و هي أدرى الناس به و تعرف حق المعرفة أنه لن يتوان عن قتل صغيرتها إن لم ينل مراده منها.
وقفت بشموخ لا يليق إلا بأنثى العبابسة ورفعت العباءة على رأسها، والدموع ترسم أخاديد الوجع على صفحة وجهها، نفس طويل اقتطعته اقتطاعًا من حولها ثم زفرته في وجع وبالرغم من أنها لم تودع تلك الزفرة إلا نقطه من بحر وجعها، إلا أنها كانت كفيلة بإحراق الأخضر واليابس، ثم قالت بوجه جامد الملامح، وفكر وقلب متقدان كبركان ثائر:
- جبلنا الحج یا ضرغام، بس تار الناصري اللیلة و إلا بيني و بينك جطيعه لآخر العمر.
ابتسم ذلك الو*د ابتسامة مقيتة:- الليله یا چازیه اللي جتل ناصري ھیكون ممد تحت رجلیك جتیل.
نفضت عن رأسها تلك الذكريات التي كانت بالنسبة لها وكأنها حدثت البارحة و أخذت الجلباب الذي سيرتديه عمران ابن عمها ووضعته على السرير و خرجت من الغرفة.
لتناديه:- عمران، طلعت لك خلجاتك، تعال اتسبح وغير.
جاء عمران فقالت بترحاب يناسب مكانة عمران لديها:- نورتنا يا ولد العم، غايب عنينا بجالك كتیر واتوحشنا حديتك، وجعدتك وسطينا، الخلاجات أهيه، اتسبح و مدد جتتتك شويه.
عمران عبدالكریم العبابسي، ذلك الوتد الراسخ على الأرض أقوى أولاد عمها عبد الكريم یقف أمامھا بطوله و وسامته التي لم ینل منھا الزمن شيئًا سوى بضعة شعرات تغزو ذقنه، وشاربه، وعره، خلع عمته و جلس على الأريكة مبتسمًا
- إنتي خابره یا چازیه إن رچالة ضرغام مراجبني كیه ظلي، آني باعمل كیه الحرامیه عشان اتخفى و اھرب منیھم، لساته بيعس عنيكي وعن رابحه، ما جابلش ينسى اللي عملتيه.
لتدخل رابحه من باب الشقة و تسمع كلمته فترد:- نورت یا عمي.
وقالت باستهزاء:- واحنا ھنفضل في لعبة القط و الفار دي كتير كده إن شاء ﷲ، كل مره تجيلنا، تیجي متخفي، وتخرج متخفي، وكأننا بنسرق و إلا لا سمح الله بنرتكب معصيه.
نظر لھا نظرة غاضبة:- یا بت الناصري، آني ما خایفش على نفسي، أنا ما عیقدرش علیا حد، ولا حد دراعه یجدر یغلب دراعي، وأمك خابره وعارفه ده زین، آني عمران العبابسي، بس الخوف علیكي وعلى أمايتك، لو ضرغام خبر مكانكم، عمران لساه بیعس علیكم لدلجیت، ومش ساكت، مش ناسي الكف اللي أمايتك ادتھوله على جفاه بھربھا منیه لیلة عجده علیھا، عمران عيقتلكم، وآني ما أجدرش اتحمل إكده، عهد أخدته عليا أمايتك، وحمايتكم حج واجب في رجبتي ليوم الدين، و انتي مش هتسلمي و إلا إيه ما اتوحشتنيش يا بنت الچازيه.
اقتربت منه ملقية نفسها بين ذراعيه:- انت عارف أنا باحبك قد إيه و ده اللي مزعلني، عاوزاك تفضل معانا ماتسبناش.
لتتدخل چازیه في الحدیث:- يا مري منيكي بنيه، بكفياكي، كل مره يجي يزورنا تودريه إكده، یا ﷲ یا رابحه على جاعتك، غیري خلجاتك، عشان عمك عمران زمانته چعان، عشان تساعديني و نجهزوا الغذا، و هو يتسبح و يمدد هبابه.
- ما فيش تمديد، هيقف جمبنا في المطبخ، ما ليش دعوه.
ابتسم :- أوامرك يا جناب رابحه باشا، هاتسبح بس و آجي جاركم.
دخلت غرفتها و بدلت ثيابها لثياب مريحة أكثر، وخرجت لتساعد والدتها في إعداد أطباق الطعام الذي یفضله عمران، من طاجن الأرز المعمر، والبط، للرقاق باللحم المفروم، و عمران بجوارهما في المطبخ يسامرهما و تتحدثان معه.
ثم قامت رابحه برص الأطباق على طاولة الطعام، و تناولوا طعامهم في سرور.
بعد تناول الطعام قامت رابحه برفع الأطباق وأعدت چازیه لعمران فنجانه من القهوة السادة وبينما تحمل صينية القهوة، وعليها فنجاني القهوة وقطعة من الحلوى، إذ أحست بألم شديد يداهمها، كانت قد اعتادت على تلك الألآم التي تنتابها من حين لآخر حتى أصبحا صديقين، لكن الألم هذه المرة شديد حقًا، ومؤلم لدرجة كبيره، لم تقو على التحمل وصرخت ممسكة بص*رها، لتسقط الصينيه ویھب كل من عمران و رابحه لھا، صرخ عمران:- مالك یا بت عمي؟ بيكي إيه؟ إيه اللي واجعك.
وسألت رابحه في فزع:- مالك یا ماما؟
لترد وهي تضغط على أسنانها من شدة الألم:- ما جدراش یا واد عمي مجدراش، سكاكین بتقطع في ص*ري.
ليحملها عمران بين یديه كما الطفلة الصغيرة وهو يصيح برابحه:- لافیني طرحه أمك یا رابحه.
فلفت رابحه رأس أمها بغطاء الرأس، وهرع عمران يحملها إلى سيارته، ترافقهما رابحه متجهين صوب المشفى.
و في الطريق بينما السيارة متوقفة في إشارة المرور بهدوء، على النقيض تماما من مستقليها الذين تعصف بهم المشاعر والاضطرابات والتساؤلات والخوف من المجهول، إذ بسيارة أخرى مجاورة یقودها فھد ضرغام العبابسي، ابن ضرغام و ذراعه اليمنى وتجذب نظره تلك السمراء الجالسة بالخلف تحتضن سيدة ويبدو علیھا القلق والخوف وتتصارع خصلات شعرها الغجري للهروب من ذلك الحجاب الذي يحتضنها بإهمال وقبل أن يشرد في تلك الجميلة وحالها تصطدم عيناه بالراكب بمقعد قائد السيارة ليجده عمران ابن عم والده، فتتملكه الدهشة وتسكنه الحيرة، و قبل أن ينطق لينادي عليه، تفتح الإشارة الطريق لينطلق عمران مسرعًا بها.
فيسرع فهد لمهاتفة والده قائلًا:- سلام علیكم یا بوي.
- وعلیكم السلام یا ولدي.
- إلا یا بوي مش ولد عمك عمران المفروض إنه جايل عيدلى سكندرية، عشان شغلانه هناك في المينا.
- إیوه یا ولد، وخلص شغلانة المینا وجال ھیجعد في شوجته حدى البحر یامین.
- بس آني لساتني ناظره من هبابه، هي عربته آني متوكد، بس وياه جوز حريم، و شكلهم إكده فيه حاجه، مستعجلين جوي.
لینتفض قلب ضرغام بین ضلوعه حتى كاد أن یحطمھا:- بتجول چوز حریم، وراھم یا فھد وراھم، إیاك یفلتوا منیك، تچیب لي كل اللي تجدر علیه، مكانھم، ومین دول؟ إیاك یا فھد یفلتوا منيك،چسمًا بالله أودرك يا فهد.
- عیب یا بوي آني فھد ضرغام، مين يجدر يفلت مني؟
حمد فھد ﷲ أن الطریق اتجاه واحد، وأنه ما زال یلمح سیارة عمران، ولحق بھا حتى توقف عمران أمام المشفى ووجده ینزل منھا مسرعًا ویحمل السیدة التي لم يتبين ملامحها، وتلحق بھا الفتاه التي سحرته، لحق بھما وانتظر قلیلًا حتى أنهى عمران حديثه مع موظف الاستقبال، ووضع المسعفون الچازيه على الحمالة الطبية وهرعوا بها، ومن خلفهم عمران ورابحه، توجه للعامل في الاستقبال وبعد أن أنقده مبلغًا مجزیًا أخبره العامل بكل ما یرید معرفته من خلال الأوراق والبيانات التى أملاها له عمران.
وقف فهد متعجبًا مما عرفه من البيانات، إن السيدة هي الچازيه زوجه المرحوم عمه، التي هربت منذ زمن كما يعرف، و بالتأكيد تلك الفتاة هي رابحة، أيعقل هذا، لقد تغيرت ملامحها كثيرا، لم تعد تلك الصغيرة ذات الضفيرتين، التي لم يكن يلعب سوى معها من الفتيات، و لم يكن يسمح لأحد من الصبية باللعب معها، كان مسموحا لها باللعب معه هو فقط، إنها التي سكنت قلبهو روحه منذ الصغر، رفض كل النساء، و كان أمله أن يجدها، و ها هو الآن وجدها صبية فاتنة، استحوذت على كيانه من أول نظرة، و داهمته التساؤلات عن الخاله چازيه و مم قد تكون تشكو، لكنه أخرج نفسه من كل ما يعتمل براسه و قرر مهاتفة والده،
ليخرج فھد هاتفه المحمول، و يطلب رقم والده:- السلام علیكم یا بوي.
- و علیكم السلام یا ولدي، ھا، طمني.
- ھو یا بوي ولد عمك عمران، و معاه حرمتین، الخاله الچازيه وطلعوها للدكاتره، ورابحه.
- تعبانه، مالھا؟
- لساتني ما خابرینش، جات المستتشفى ماسكه ص*رھا والوجع جاتلھا، لساتھم هيكشفوا عليها، اطمن يا بوي، أني عرفت عنوانهم فين، وعرفت كمان إن عمران يبجى جوزها.
- بتجول إيه؟ چازيه اتجوزت عمران!! مش وجته يا ولد، المهم فھد یا ولدي خلیھم تحت عنیك، عاوز أعرف كل حاجه، لازمن تعس وتعرف لي الچازيه مالها، و إیاك عمران یغفلك ویھرب منیك، كیه ما ھرب من الرجاله في سكندریه.
- واه يا بوي هم الرچاله كانوا مراجبينه، طب ليه؟
- مش وجته يا فهد، خليك في اللي جلت لك عليه.
لیغلق ضرغام مع ولده وعاصفة من المشاعر المتضاربة تتلاعب به كما الإعصار المداري، أيعقل أنها الچازيه حبة قلبه، وحلمه الذي لم يستطع الحصول عليه و تملكه، نعم لقد قال فهد أنها الچازيه، ولكن ما بها ما هي علتها التي تشكو منها، يحثه شيطانه الآن على الذهاب إليهم طائرًا والفتك بها وإراقة دمها ودم عمران، لكن قلبه ينهر ذاك الشيطان، ويهدئه قائلًا لقد عثرنا عليها وآن أوان الارتواء،
لكن العقل يخبره أنها رفضته، نبذته، هربت منه، وأبت أن تكون له،
تذكر یوم موت الناصري وتعھده لھا بإحضار قاتله في ذات الیوم وتنفیذه لوعده لھا وإحضار نجیب أبو حطب، الذي كان على خلاف مع الناصري بسبب شراء قطعة الأرض الشرقیة، لقد أفرغ فيه كامل خزنة البندقيه، وأحضره تحت قدمیھا غارقًا في دمه، لترضي عنه وتقبل الزواج به، یتذكر حنانه على رابحه واحتضانه لھا فكم یعشقھا رغم أنھا لیست ابنته، یعشقھا لأنھا نسخة من أمھا، لقد عشق ضرغام الجازیة منذ أن حملھا بیدیه ولیدة، كان عمره عشرة سنوات ومن یوم أن حملھا **م أن تكون ھذه الولیدة ملكًا خالصا له.
لكن حظه التعس وحكم العبابسي والده حرمه منھا، وربطه بصبیحه ابنه خالتھا لتتحد أملاك العبابسة، لكنه كان ینوي الزواج منھا، وتكالب عليه الحظ السيء مرة أخرى، فعندما سافر للحج بصحبة والد زوجته، فوجئ بإتمام زواج الچازیة من أخیه الناصري الذي یصغره بخمسة سنوات، كان ضرغام یعلم أن الناصري وچازیه عاشقان، لكن ذلك لم یفتت في عضده بشيء، وكان عاقدًا العزم على
الزواج بالچازیة، كان موقنًا من أن حبه لھا سینسیھا حبھا لأخیه، لكنه صدم بخبر زواجھما، ولكن القدر ابتسم له أخيرًا ومناه بالاقتراب بعد موت الناصري، لم یحزن علیه بل كانت سعادته لا توصف، ستكون الچازیة له أخیرًا، لكن حدث ما لم يكن يتوقعه أبدًا، لتوجه له الصفعة الكبرى، وتھرب من نجع العبابسة لیلة عقد قرانھا علیه، كم بحث عنھا طویلًا لكنه لم یعثر على أي أثر لھا، كان متأكدًا أن والدھا یعلم بمكانھا، فلم یكن خائفًا أو متلھفًا للبحث عنھا، وھو یعلم مقدار حبه لھا فھي وحیدته، وتيقن تمام اليقين من ذلك، حين أعلنها والدها صريحة حين انبرى شباب العائلة ليبحثوا عنها لينتقموا لشرف العائلة الذي لوثته بهروبها، يومها وقف أمام الجميع وقال:- الچازيه أخت رجال، وما تخطيش واصل، وآني عارف مكانها، ولو السيف على رجبتي ما هاجولش عليه، واللي هيأذي چازيه كنه آذاني.
حتى بموت والدھا لم تظھر، لقد راقب ابن عمه عمران فھو الأقرب لوالدھا و بالتأكید أسر له بمكانھا قبل موته، لكن عمران كان حذرًا جدًا، رغم مراقبته له طوال عشرة سنوات لم یستطع أن یعرف مكانھا، لكن ھا ھي الأیام أحضرتها له، لن یمنعه عنها أي شيء، ستكون له، ولولا أنه يجب أن يستلم البضاعة القادمة بنفسه، ويجب عليه إمضاء عقود الشراكة الجديدة بنفسه لم يكن لينتظر أبدًا، لكن أوشك أن يقتربت من مراده.
*****
في مكان آخر بالصعيد صدح الصوت:- رص الجفصان زين يا ولد، حملها مليح.
كان هذا صوت رشوان اليد اليمني لصقر الجبالي
أجابه الحمال:- تؤمر يا ريس.
ليقول رشوان موجها كلامه لأحد معاونيه:- كل العربيات حملت العفش.
فيرد:- زي ما أمرت يا ريس.
فيخبره رشوان بأوامره:- الحريم يتوزعوا في عربيات البضاعة يغنوا ويزغردو و الرجال يخبو السلاح بظهر اجفاص الصباحيه لو البوليس شم خبر وفكروا يفتشوا تغربلوهم المهم عندي البضاعه توصل.
هز معاونه رأسه:- يا ريس هي أول مره اياك، ما تشيلش هم.
فتجهمت ملامح رشوان:- لا عاشيل الهم، المره دي العمليه كبيره، يالله امسكو الطريج، وآني هكون وراكم بالملاكي.
هتف المعاون صائحا في الرجال والنساء:- يالله منك ليه اطلعوا العربيات، وانتي يا حرمه عاوز الزغاريد والرقص ما يتقطعش واصل خصوصي عند الكمين.
وصلت السيارات الكمين
فأشار الضابط لهم بالتوقف:- بس يا وليه منك ليها دوشتونا.
ضحك معاون رشوان:- عجبال عند احبابك يا باشا عفش عروسه وصباحيتها.
قال الضابط ساخرا:- لا ده الدنيا اتطورت خالص، هم الوقت بيودوا العفش مع الصباحيه.
قال المعاون وهو ما زال على ابتسامته البلهاء:- الله يكرم أصلك يا باشا، عشان يخلصو ما يتشحططوش على السكك رايح جاي، أهل العروسه منتورين اهنه و اهنه جمعناهم مره واحده ونخلصوا، الله يكرمك ما توجفناش في السمس كتير، ألا الفاكهه تحمض ونتفضحوا عند أهل العريس، دي سترة ولايا.
و جاءت إحدى السيدات تحمل كرتونه على رأسها:- اتفضل يا بيه حلي بوجك.
قال الضابط متسائلا:- ايه ده كمان؟
أجابته السيدة وهي تبتسم وتفتح الكرتونة:- ده كحك العروسه الله في سماه تدوجو وتدعيلها.
ابتسم الضابط:- ماشي يا حاجه ألف مب**ك، عديهم يا ابني لا الجوازه تبوض مش عاوزين نشيل ذمبهم.
ومرت السيارات والنساء تزغرد وتغني، وصلت العربات نجع السيد فأنزل الرجال النساء من السيارات وأنقدوهم ما اتفقوا عليه من مبلغ وأعطوهم أيضًا الفاكهة و الصباحية هديه قسموها عليهم وسط دعوات من النساء للجابري باشا ربنا يحرسه و يحميه ويزود رزقه كمان وكمان.
توجه الرجال لطريق الجبل، وبعد مده لا بأس بها من السير في دهاليزه وصلوا لمغاره كان الجابري ينتظرهم أمام المدخل جالسا يشرب الشيشة
صقر الجبالي
معروف عند العامة خارج نجع السيد بأنه أكبر تاجر فاكهه في البلد بأكملها، يمتلك مزارع خاصه لإنتاج الفاكهة باسمه ويص*رها للخارج، خط انتاج الفاكهة و تجهيزها للتصدير كله يمتلكه الجبالي حتى شركه التصدير ملك للجبالي يديرها من القاهرة، أما رجال ونساء النجع يعلمون أنه أكبر تاجر م**رات وسلاح.
لقب الجبالي في عالم الم**رات و السلاح بلقب العقرب
النجع كلهم رجاله يعاونونه بدون أن يجرؤ أحد على مجرد التفكير في خيانته ،الجبالي يغدق عليهم جيدًا بنقوده وعطاياه ،لا يحتاج أحد منهم إلى شيء إلا ويجده عنده قبل أن يفكر حتي في طلبه منه، رجاله وعيونه منتشرون في النجع لمعرفه كل كبيره وصغيره، المهم ألا يقرب أحد منهم لطريق الم**رات، لا يريد رجالًا لا عقل لهم، يريد رجالًا بكامل وعيهم، يكفيهم الخمر عندما يريدون الفرفشة على حد قوله،
الجبالي حلم فتيات النجع بأكمله والنجوع المجاورة لكنه لا يلقي بالًا لهن، لم تأسر قلبه أنثى بعد، كأبطال الأفلام "طول بعرض اسم الله عليه "هكذا يقولون، طويل القامه عريض المنكبين أ**د الشعر، أ**د العينين له جسد رياضي، ذو شنب.
قام الجبالي من مجلسه، مبتسمًا وفاتحًا ذراعيه لاحتضان رشوان، فهو أخيه الكبير:- يا مرحب بالرجالة ها إيه الاخبار يا رشوان.
احتضنه رشوان بقوة:- كله تمام يا كبير.
قال الجبالي وقد رسم الجدية على ملامحه :- يا الله يا رجاله دسوا البضاعة لحد ما يجي المعلمين يستلموا نصيبهم.
في الليل جاء التجار، و من بينهم ضرغام العبابسي، صاحب أكبر نصيب في هذه العمليه.
رحب الجبالي بضرغام قائلا:- يا مرحب بزين رجال العبابسه.
- يا مرحب بيك يا صجر.
- خابر يا ضرغام بيه، آني مبسوط إننا هنفتحوا شغل مع بعض، و كان نفسي فهد بيه يكون معانا.
- لا فهد ما لوش في الم**رات، و لا يعرف من اصله إني عتاجر فيها.
- أباه، كيف ده؟
- زي ما باجولك يا جبالي.
وجلسا سويا يتسامران إلى أن أنهى الرجال تحميل البضاعة
وغادر ضرغام، ليقوم بتخزين البضاعه، ثم توجه لإمضاء عقود شراكه مع شركه جديده.
***
بینما فھد مرابض عند المشفى ينتظر أن يعرف أي خبر عن الچازيه خالته و رابحة، رابحة التي كانت صغيرته ولم يكن يفترق عنها، وكم حزن لاختفائها، أراد الذھاب لدورة المیاه، فذھب لذلك العامل بالاستقبال
وقال:- اسمك إيه يا خوي؟
- عمر يا عمده.
- طب يا عمر أني جاصدك في طلب.
- أؤمر يا عمده، كل اللي تقول عليه انفذه.
- أنا رایح الحمام، لو حد من ا****عه اللي جم مع عمران بيه خرج رن لي بس.
- حاضر یا باشا، بس ما قولتلیش تقربلھم إیه؟
- إیه یا عمر؟ كده ھازعل منيك، ما تتدخلش في اللي ما لكش فیه، وآني هاراضيك.
- حاضر یا باشا على راسي، عنيا ليك يا عمدتنا.
بینما فهد في دورة المیاه، ويغسل يديه، أخذت ذكرياته التي جمعته مع رابحه تطوف بمخيلته وهو يتذكر شكلها بالضفائر، ويتذكر خالته الچازيه التي كانت تحبه كثيرًا، و كانت صديقة مقربة لوالدته صبيحه، لينتشله رنين الهاتف برقم عمرفيسرع
للرد:- إیه یا باشا فتحت علیا لیه؟
- يا بوي عليك يا عمر، یخربیت إكده ھاشحنلك اخلص.
- الست الصغیره خارجه اھي.
- عطلھا یا عمر أنا جاي أھو.
فیسرع عمر للاصطدام برابحه ثم یعتذر منھا، ويتمنى لوالدتها السلامة.
وكان فھد قد وصل مشیرًا لعمر، فاعتذر عمر مرة أخرى منھا، وتركته منصرفة.
أخرجت ھاتفھا لتطلب أحد سیارات أوبر لكن الھاتف كان قد انتھى شحنه، تأففت و أشارت لإحدى سیارات التا**ي ولم تنتبه لشكل السائق المریب، فعقلھا لم یكن معھا، كانت في عالم آخر، خائفة، مذعورة على والدتھا، منتظره لنتیجة التحالیل، متخوفة منھا، فشكل الطبیب لم یكن مریحًا أبدًا، لقد بدا قلقًا جدًا، لم تنتبه إلى أن السائق سلك طریقا مھجورًا في ھذا الوقت من اللیل وفوجئت به یوقف السیارة
نظرت حولھا لتجد أن ھذا لیس المكان المنشود قالت في توتر:- أنت وقفت لیه؟ فیه حاجه في العربیه؟
لیلتفت لھا مشھرًا سلاحًا أبیض في وجھھا وهو ينظر لها بكل رغبة :-لا في حاجه فیا أنا، انزلي یا حلوه بالھداوه كده بدل ما أغتك وإلا أخلي وش القمر ده شوارع، خليكي حلوه كده واسمعي الكلام، نخلص كل حاجه بالرضا، لا من شاف ولا من دري، بدل ما نخلصها بالغصب وأتوايكي في أيتها مطرح، وبرضه لا من شاف و لا من دري، انزلي يا أموره.
كانت تنتفض من خوفھا، وترجوه أن یأخذ ما معھا من نقود وذھب ویتركھا لحال سبیلھا، تنظر حولها فلا تجد من تستنجد به، فتعود لترجوه، ليبتسم كاشفًا عن أسنانه الصفراء الق**حة، ويقول :- ما أنا ھاخد كل حاجه.
وھو یضحك ضحكات مقیته ناظرًا لھا بنظرات قذرة ملیئة بالشھوة والرغبة نزلت من السیارة وھو یتبعھا:- امشي قدام شویه، في الخرابه اللي ھناك دي. نزلت تقدم قدمًا وتؤخر أخرى، وھي تبكي و تتوسل إليه أن یتركھا،
بدخولھما الخرابة أمسكھا وألقاھا على الأرض وھي تقاومه وتحاول أن تمسك بأي شيء لتدافع عن نفسھا، ارتطمت یدھا بحجر وض*بته به فاستشاط غضبًا وھجم علیھا بضراوة یصفعھا:- آه يا قطة والله لهأدفعك ثمن الخبطه دي غالي قوي.
ومزق ملابسها و بدأ يتلمس جسدها و هي تحاول التملص منه أو أن تصل لذلك الحجر القريب منها لتض*به، فلن تجعله يتمكن منها أبدا، لأن تموت مرافعة عن شرفها خير لها من أن تحي بعار يقتلها ويلطخ سمعة عائلتها، و فجأة سمعت صوت طلق ناري ووجدته یجثم على ص*رھا، جاحظ العینین فاقدًا للروح، ثم وجدت جسده یزاح عنھا، وید تمتد لتمسك بیدھا و تساعدھا على النھوض، نظرت لذلك البطل الذي أنقذھا....