ها هو يوم جديد في حياتها، يبدأ لتبدأ هي جهادها، تماسكها من أجل أن يظل البيت صامدًا، ليس من أجلها، فلقد فقدت ذلك الأمل منذ أمد طويل، بل من أجل صغيرتيها، استيقظت وأيقظت توأمتيها ذاتي السبعة سنوات وجهزتهما للذهاب للمدرسة وبينما هن يتجهزن يفتح باب الشقة ويدلف ياسر للداخل
ليسأل ببراءة"إيه ده انتو رايحين المدرسة؟"
ردت مها بكل برود" أكيد النهارده مش أجازه"
لتقترب الفتاتان منه قائلتين "صباح الخير بابا، كنت فين بدري كده؟"
رد بلا مبالاة " مع اصحابي هاكون فين يعني؟"
فتساءلت جنة بكل براءة "وهم أصحابك يا بابا مش عندهم شغل ولا بيصحوا بدري"
رد بملل "لا ما عندهمش شغل، وبعدين انتي مالك خليكي في المدرسه يالا"
سألته مها سؤالًا تعرف إجابته قبل ان تسأله، لكن مخها أجبرها على السؤال ربما حدث امر جلل لتتغير الإجابة مثلًا "هتيجي توصلنا المدرسه"
فأشار بيديه بلا "أوصلكم إيه؟ أنا هلكان، وعاوز أنام، خدي تكتك وانتو رايحين"
ردت باستسلام "ماشي، هات الفلوس"
فأخرج النقود "خدي، وبالمرة هاتيلي علبة سجاير وانتي جايه"
فغرت فاهها، اتسعت عينيها اتساعًا وردت باستنكار "سجاير!! هي حصلت، هاشتري أنا السجاير يا ياسر"
رد ممتعضًا "وماله يعني؟ ده انت ست نكديه، قفلتيني وطيرتي الدماغ اللي الواحد ضابطها، أنا داخل أنام"
وتركهم ودخل غرفته، بينما هي تنظر له نظرات جوفاء خالية من المشاعر، ليخرجها صوت جنة " يا ماما هنتاخر"
فابتسمت لصغيرتها" لا يا روحي يالا بينا"
أوصلت بناتها رحمة وجنة إلى المدرسة وعادت للمنزل
كان قد نام، شرعت في ترتيب المنزل وهي تبكي على حالها الذي ينحدر كل يوم من سيء لأسوء، و بينما هي ترتب وجدت هاتفه ملقى على الطاولة، وصلته رساله ففتحتها لتجدها رساله من إحدى متابعاته على الفيس، تشكره فيها على عدم نسيانه لعيد ميلادها وعلى إرساله ذلك البوست المليء بالورد والتورتات والعبارات الرقيقة، جلست مكانها وهي تتذكر أنه حتى لم يقل لها عيد ميلاد سعيد، و عندما وصله إشعار من الفيس قال بكل لا مبالاة وضجر
"احنا ما وراناش غيرك النهارده، الفيس كل شويه يقولي النهارده عيد ميلاد مها "
ولم يكلف خاطره حتى بقول عيد ميلاد سعيد لها.
ربما كان ذلك التصرف نقطة في بحر تصرفاتة اللامبالية، الغير مسؤولة، أفعاله التي أنستها أنها أنثى، لكن فاض الكيل وبلغ السيل مداه، حتى حطم كل السدود التي بنتها لتتحمل وتعيش، يكفيها، إلى هنا ويجب أن تقف، لن تقف من أجل إهماله لها وحدها بل من أجل صغيرتيها، يجب أن يتحمل مسؤوليتهما، يجب أن يشعر أنه أب، عل ذلك يكون بمثابة الصفعة التي ستوقظه من بحر اللامبالاة والتراخي الذي يرتع بهما.
جمعت أمرها و دخلت غرفة بناتها أو لنقل غرفتها فهي منذ أن حملت وهي تنام وحدها بحجة خوفه على الجنين، لملمت متعلقاتها كاملة وتركت الشقة متوجهة لشقه والدها التي تركها لها بعد موته.
اتصلت بالمدرسة وأخبرتهم بذهابها لعمل طارئ وأنهم يجب عليهم أن يتصلوا بياسر ليأتي لاصطحاب الفتيات، ثم أغلقت هاتفها، دخلت الشقة وشرعت في حملة تنظيف.
أفاق ياسر على صوت ذلك الهاتف الذي لا يكف عن الرنين ليجد رقم غير مسجل يلح في الرنين،
قال والنوم يداعب جفونه "يوه مين"
"أيوه أنا ياسر ياسين"
....
"بنات مين"
......
"بناتي أنا هي أمهم ما جاتش"
......
"طيب طيب"
لينادي بأعلى صوته "مها " لا مجيب
"يوووه، إنتي يا ست مها"
ليبحث عنها فلا يجدها، فيطلبها على هاتفها المحمول ليجده مغلق، أخذ يزفر ويسب ويلعن
"يخربيت كده، راحت في انهي مصيبه دي عشان تدبسني التدبيسه دي، الواحد ما لحقش ينام"
وذهب للمدرسة وأحضر صغيرتيه وعاد بهما متبرمًا للشقة
وهما طوال الطريق تسألان عن والدتهما
"بابا ماما فين؟" "ما جاتش ليه؟"
إلى أن صرخ فيهما "اتكتموا مش عاوز أسمع صوتكم"
عند وصولهم للشقة أعاد الاتصال مرة أخرى بهاتف مها ولا مجيب، قام برن الجرس الخاص بشقة أخيه سامر، لتفتح صفا زوجة أخيه الباب، مرحبة بالصغيرتين فهمي و سامر لم ينجبا، و يعتبران الصغيرتين بمثابة ابنتيهما، و هو على الباب مستمر بالاتصال بمها ولا مجيب، زفر بضيق
"هتكون راحت في انهي مصيبه دي؟"
فردت صفا بقلق فمها لم تفعلها سابقًا و لم تكن لتتقاعس عن اصطحاب صغيرتيها من المدرسة، ولو كانت فعلت لسبب طارئ لكانت اتصلت بها، حاولت تهدئة نفسها قبل ياسر وقالت "اهدي يا ياسر، جايز في مشوار والموبايل فصل أو اتسرق"
رد غاضبًا "يبقي تتنيل وتيجي البيت"
بعد فترة كانت مها أنهت تنظيف الشقة وأخذت حمامًا وقامت بعمل كوب من النسكافيه، ثم فتحت الهاتف وطلبت رقم ياسر، ما أن رن الهاتف ووجد اسمها
حتى اندفع كطلقة المدفع صارخًا "انتي فين يا مدام؟ وسايباني اروح أجيب البنات"
ردت ببرود "طبعا اقلقنا منام سيادتك الفظيع "
رد بغضب" لا انتي بتستظرفي يا مها ،اخلصي لما تيجي نتحاسب"
"لا ما فيش لما آجي"
"يعني إيه؟"
"يعني أنا في شقة بابا، ومش راجعه، لو كنت كلفت خاطرك كنت لقيت هدومي و حاجتي مش عندك"
تساءل بعدم تصديق "يعني ايه مش راجعه!!"
قالت بهدوء "يعني عاوزه اتطلق يا ياسر"
قال والغضب يتملكه "ايه! انتي بتقولي ايه؟ شكلك اتهبلتي وإلا حد لعب في دماغك"
ردت معترضة "احترم نفسك وخليك انسان متحضر أنا عاوزه اطلق "
فقال "في داهية، والبنات دي ان شاء الله!"
ردت ببرود "بناتك زي ما هم بناتي "
"يعني"
" يعني يا تخليهم معاك وتآخد بالك منهم يا تجيبهم ليا"
فقال بسرعه "آه آه تاخديهم انتي، انا ما ليش في وجع الدماغ ده"
فقالت "ما انا مش هآخدهم كده وخلاص"
"مش فاهم"
"يعني لو هآخدهم يبقي مصاريفهم كامله تكون في ايدي أول كل شهر يا كده يا ابعتهملك، فاهم مصاريفهم كاملة ، كلها في ايدي، مش الفتات اللي بترميه لينا و تقولي اتصرفي و تسيبني آخد من أخوك ومراته"
رد والغضب يتملكه "والله شكلك اتجننتي، انا هاسيببك في شقة ابوكي بطولك كده يومين ثلاثه تتربي ما أنتي مش هتعرفي تقعدي من غير البنات دي، عارفك روحك فيهم، لما تتأدبي هتيجي زي الجذمه"
وأغلق الهاتف في وجهها قائلًا "دي باين اتجننت"
وسط بكاء الفتاتين الصغيرتين فصرخ في وجههما "ايه ما اسمعش نفسكم، هي تروح ترتاح لها يومين وتق*فني انا، قدامي على الشقة، وإلا تحبي تخليهم عندك يا صفا شويه"
نظرت له صفا متعجبة من رد فعله
"يعني أنت هتسيبها في بيت أبوها اللي مقفول بقاله ياما لوحدها وما تسألش فيها "
رد بطريقه مستفزه "جري ايه يا صفا هو أنا كنت قلتلها تروح بيت أبوها"
قالت صفا للفتيات
"روما وجوجو، ادخلوا جوه يا حبايبي دلوقت اتف*جوا على التلفزيون عشان عاوزه بابا في كلمتين"
قالت رحمة "ربنا يخليكِ يا ماما صفا خلي بابا يروح يجيب ماما من بيت جدو، هنقعد من غيرها ازاي؟"
وقالت جنة " هننام ازاي وهي مش في البيت "
فاحتضنت صفا الفتاتين "طب بس ادخلوا دلوقت"
ووجهت الكلام لياسر
"ايه يا ياسر أنت بالك مش مشغول نهائي حتى هي سابت البيت ومشت ليه؟"
بمنتهى اللا مبالاة رد "وأنا أشغل بالي بتاع إيه؟ هو أنا مشيتها، ده أنا حتى ماليش دعوه بيها"
فعقدت ذراعيها أمام ص*رها " ما جايز اللي ما ليش دعوه بيها ده هو اللي مزعلها ،حرام عليك مها أغلب من الغلب"
في هذه اللحظات كان سامر قد وصل من عمله فسامر يعمل محامي، عاد ليجد صفا واقفه أمام الباب يبدو عليها الضيق وياسر يقف أمامها بلا مبالاة
ليقول سامر "إيه في ايه مالكم؟ إيه يا ياسر انت مزعل صفا ليه؟"
فرد "وأنا مالي ومالها دي كمان"
قال سامر مستهجنًا طريقته "إيه دي كمان دي؟ ما تتلم وتتكلم كويس"
اعتذر ياسر قائلًا "يا عم مش قصدي"
ونظر سامر لصفا" ايه يا حبيبتي فيه ايه؟ الواد ده عمل ايه؟"
أجابته "مها سابت البيت"
"إيه؟"
عقبت صفا "وراحت شقه باباها، وقالت مش راجعه وعاوزه تتطلق"
هز رأسه و زفر بغضب "لا اله الا الله " ونظر لياسر
"آدي اخره الق*ف بتاعك واستهتارك، وفين البنات يا صفا؟"
"جوه وموتين نفسهم عياط"
"طب خدي الحاجات دي يا صفا دخليها وانت قدامي"
رد ياسر "قدامك على فين؟"
"هنروح نجيب مراتك"
"انا مش رايح جايب حد"
ليعلو صوت سامر "انت البعيد معدوم الدم والاحساس، هتسيب مراتك الست العاقله الكمل اللي مستحمله بلاويك وعمايلك عشان خاطر بناتها وبيتها، في شقه ابوها المقفوله من يوم ما مات لوحدها"
رد محركا كتفيه "انا ما قلتلهاش تمشي"
فقال سامر غاضبًا "ق*فت منك يا اخي ومن عمايلك، بذمتك انت راجع البيت الساعه كام؟"
رد ياسر بكل برود "سبعه الصبح، هارجع الساعه كام يعني؟"
فدفعه سامر في كتفه "آه ما هي لوكانده أبوك هيا للنوم وبس"
رد ياسر معترضًا "ايه يا سامر؟ انت ما بتصدق تتفتح فيا"
انفعل سامر "عشان انت بني آدم عديم المسؤليه والاحساس تقدر تقولي لما تسيبها في بيت ابوها مين هياخد باله من البنات دي؟"
فأشار ياسر لصفا "صفا اهيه وراها ايه يعني؟"
فقال سامر "آه صفا، لا معلش بقي أنا ومراتي مش متعودين على وجود حد معانا في شقتنا بنحب الهدوء، بناتك عندك أنت حر فيهم" ونادى على رحمة وجنة
"رورو، جوجو، تعالوا"
ما أن رأت الفتيات عمهما حتى ارتمتا عليه واحتضنهما حضنًا قويًا
"حبايب قلبي وحشتوني"
"وأنت كمان بابا سامر"
"اطلعوا يا بنات مع بابا على شقتكم يالا"
ردت رحمه "بس احنا عاوزين نقعد معاك ومع ماما صفا"
رد سامر وهو يقبلها "معلش ما هو بابا كمان لازم يعرف قيمه ماما ويعرف هي كانت شايله عنه ايه؟ و أنا وماما صفا عندنا مشوار مهم، يالا اطلعوا معاه"
ليصعدوا السلم وياسر يقول
"بلا نيله، كانت شايله ايه يعني؟ دي ما لهاش لازمه، إيه فاكره هت**رني، لا بعينها ده أنا ياسر ياسين ولا يهمني"
وقال موجههًا لكلامه للفتاتين" بطلوا زن انتي وهي بدل ما اطلع روحكم انا مش ناقص صداع "