الفصل التاسع

1596 Words
فتاة ستوكهولم الفصل التاسع . - ١ - الإثنين. ٢٠ ديسمبر ٢٠١٠. الليلة السابعة والعشرون. تدفقت المياه ساخنة من فتحات «دُش»،ّ وقفت ”سلمى“ جوار أسفله.. وفي إرتباك لا نهائي، خلعت ملابسها التي ي**وها العفن، ثم خاتم ”ربيع“.. وضعت الخاتم على حافة البانيو الرُخامية أولاً، ثم إنغمست تحت سطل المياه الدافئ ثانياً.. بعدها، بالغت في عُلوّ صوتها قليلاً حتى يصل لـ”يوسف“ مسموعاً عبر الزجاج المُشنفر؛ الذي غَلَّف محيط كابينة الإستحمام : — طب وإبتديت تشرب من إمتى؟!. إعتدل ”يوسف“ في وقفته، ثم سار نحو مرآة الحوض.. عبثاً ساوى خصلاته الفضية من خلال المرآة، وبعدها سحب سيجاره الرفيع من غ*ده المعدني، ثم أخيراً إمتطى قاعدة المرحاض المغلقة : — والله ما فاكر!.. تصدّقي أن دي أوّل مرّة أحاول فيها أفتكر؟!.. مش فاكر أصلاً إذا كنت إبتديت أشرب بعد ما أبويا مات ولّا قبلها!!.. مش فاكر كمان إذا كنت إبتديت أشرب بعد ما ”ريحانة“ سابتني ولا قبل كده!!.. أنا حتى مش فاكر أوّل مرّة شربت فيها كانت مع مين ولّا إمتى!!.. بسّ اللي فاكره كويس إنه كان من زماااان.. من فترة طويلة أووووي!. إندفاع المياه الرشيق على جسد ”سلمى“، جعلها تتمنى لحظتها لو يعود «أينشتاين» للحياة ويخترع آلة لوقف الزمن.. تخلّلت بأناملها بين الخصلات البنّية حتى ترويها بعذوبة المياه الساخنة.. بعدها، أغلقتها وما كادت تفعل : — هو أنت مش عايز تبطّل؟!.. ولّا مش عارف تبطّل؟!. إحتباس المياه وإنقطاع صوت إنهمارها، جعل ”يوسف“ يتيقّن بأنها قد إنتهت من إستحمامها.. سريعاً ناولها «بشكيراً» أبيض، يميل قليلاً إلى السمني.. وبعدها، فستان كحلي تناثرت النجوم البيضاء على قماشه : — تصدّقي أنّي برضو مش عارف!!.. أنا أصلي أوّل مرّة أفكّر في الحاجات دي!!.. وبعدين!.. وبعدين أبطّل ليــــه؟!.. وعشان ميييين؟!!. زُرقة فستانها، جعل بياضها وقتها مضروباً في عشرة.. إرتدته وتنحنحت أولاً، ثم إقترحت : — عشان نفسك!، عشان صحّتك!!، مستقبلك!!!.. هو لازم يعني تبطّل عشان حَدّ!!!. أطفأ ”يوسف“ النور بعد إلقاءه لنفايات السيجار في المرحاض مباشرةً.. بعدها، أشعل الشمعة ثانيةً مرتكناً بجسده على زجاج الكابينة، بزاوية لا تؤهّلها لرؤيته؛ فخرجت هي متجهه نحو باب الحمّام لتغادر، وخياله يتراقص على مؤخرتها.. وأسفاً، كان الدَرَج صعباً عليها في هذه الظلمة.. متباطئة قليلاً هبطت ”سلمى“، وهو يتبعها في وجوم : — سيبك من الكلام ده دلوقتي.. عندي ليكي مفاجأة!!. أعادها سالمة نظيفة إلى القفص، ولم يحبسها داخله هذه المرّة.. برفق أجلسها على كنبة زيتوني أحضرها منذ أيام، ثم ثبَّت القنديل في مخدعه.. بعدها، تركها وانصرف لعشر دقائق بعد أن وارب باب القبو خلفه.. تلك كانت المرّة الأولى؛ التي تنفرد فيها ”سلمى“ بالغرفة غير مسجونة.. حملت «بشكيرها» وجفَّفَت به شعرها المبتلّ، حتى عاد ”يوسف“ مجدّداً بصحبة «سيمبل».. حاملاً في يمينه سكّيناً مُعتبَراً، وباليسرى مستعمرة شيكولاتة سوداء، ويحيط أعلى سقفها جنود حمراء من الكريز؛ فنهضت ”سلمى“ وإقتربت من القفص عندما أحسّت بخطواته.. ثم عادت إلى ثكناتها ثانيةً، بعد أن خَفَّف حمله فوق الطقطوقة الصغيرة، الواقفة أمام الكنبة : — إنّهارده عيد ميلادك على فِكرة.. كل سنة وإنتي طيبة!. نطق بها بعد أن إعتلت مؤخرته الكرسي، الموضوع خلف كنبتها.. مبتسماً رفع قدميه قليلاً إلى أعلى، وأسندهما في عَظَمة أخيراً على خلفيّة الكنبة بعد أن ظفرت أنامله، بالعِلبة المعدنية المركونة دائماً في الجيب العلوي للچاكيت.. سريعاً رَشّ قليلاً من محتوايتها داخل طبق صغير، رفعه برشاقة من على الأرض، ثم شَيَّد جسرين تنفّست أنفه من ترابهما : — عرفت منين!!. — من بطاقتك اللي كانت في شنطتك يوم مــ,,,. أمسكت ”سلمى“ بالسكّين، وهَوَت بها على المستعمرة مشَكّلة منها عِدّة مثلثات.. أخذت واحداً لنفسها، وأهدته آخر في طبق ال*****ن خاصته؛ فهنأ جسد ”يوسف“ بالسعرات الحرارية، كما هنأت أنفه منذ قليل بالرمال البنّية : — أنت عارف!.. دي أوّل مرّة يتعملّي فيها عيد ميلاد!!.. دي أوّل مرّة أصلاً حَدّ يفتكر فيها عيد ميلادي!!.. ميرسي بجد على كل اللي بتعمله عشاني. — العفو يا ستّي!.. المهمّ، عايزاني أجيبلك إيه هدية؟!!. منذ أكثر من عِقد لم يتناول ”يوسف“ فيه الحلويّات، شَرَع فمه بنهش مثلّثته في شَبَق.. بعدها، أخرج القنّينة من جيبه، ومزج بين العجينة البنّية و«مشت البلاك»؛ فتلذّذ فمه بتلك العُصارة الكحولية المسكرّة : — بجدّ!!.. طب أنا عايزة أكتب جواب لأهلي، أطمّنهم فيه عليّا!!.. ممكن؟!. حدّثته ”سلمى“ بذلك؛ وهي تجلس أمامه معطية ظهرها له كما أمر.. طلب منها بعد أن وافق، الإنتظار قليلاً حتى يأتي لها بالقلم.. سريعاً خرج لدقائق وعاد بواحد، ولم يخلِف سكّاً على باب القبو.. بعدها، قطف ورقة ناصعة البياض من نهاية الأچندة السوداء، وأهداها إيّاها من الخلف أولاً، ثم ناولها القلم وجلس ثانياً.. وأخيراً دَثّر رأسه بـ«أيس كاب» كُحلي، يحيط حافّته إطار أبيض قبل أن تتربّع يديه أمامه : — {وحشتيني أوي أوووي يا ماما.. وحشني كريم وهدى.. وحشتوني كلّكم أووووي.. سلّميلي عليهم كتير وخلّوا بالكم من بعض.. إطمّني وما تقلقيش عليّا خالص.. أنا كويسة وبخير الحمد لله}. هكذا أسمعته ”سلمى“ ما تكتبه يمينها كما طلب، ثم أعادت إليه الورقة بعد أن زيّلت أسفلها بتوقيعها : — هشوف طريقة أحاول أوصلّهم بيها جوابك في أسرع وقت.. بس عندي سؤال!.. هو إنتي كنتي بتحبّي ”ربيع“ بجدّ!!!. — حبّ؟!.. لو قصدك حبّ زيّ اللي كان بينك وبين حبيبتك؛ يبقي لأ.. بس أنا زيّ أيّ بنت نفسها تفرَّح أهلها.. وافقت!.. يمكن عشان كنت عايزة سند وضهر أتحامى فيه!!.. يمكن عشان حسّيت إنه طيب ويستاهل أقف جنبه!!. — يستاهل إيه وبتاع إيه!!.. وبعدين هو إنتي كنتي ناوية تتجوزي واحد، لمجرد إنه طيب؟؟!!!. — هو أنت عرفت حبيبتك إزّاي؟!. خلع ”يوسف“ غطاء رأسه؛ ليتسنًى له الخيال.. بذراعين مفرودتين على جانبيه كطائر، تخيّل وتذكّر.. في شجن، أغمض عينيه بعد أن لمعت بوميض الشوق ،ثم همس : — سمعتي عن الحبّ من أوّل نظرة!!.. أنا بقى ماكنتش مؤمن به؛ إلا لما شوفت ”ريحانة“.. طويلة، وجميلة، و «Style».. خ*فتني كده زيّ ما بيقولوا.. إنتي إيه صحيح مواصفات فتى أحلامك؟!!. لمعت عينا ”سلمى“ هي الأخرى قبل أن تغمضها للحظات.. هل كانت تحاول طمس دمعتها!!.. لا أدري، ولم تبحث هي عن السبب.. فقط، عقصت شعرها ذ*ل حصان كما تعوّدت، ثم نطقت بما فتح عليها عقلها : — فتى أحلامي؟!.. وأنا صغيرة كنت زيّ أيّ بنت بتتخيل الحلم التقليدي.. الفارس اللي هيخ*فني على حصانه الأبيض وكده يعني!!.. بس لما كبرت عرفت إن الكلام ده مش موجود غير في الأفلام وبسّ!!.. شُغل سيما يعني.. بسّ كل اللي بتمناه إنه يكون طيّب وحنيّن عليّا، يحبّني ويخاف عليا.. لمّا أزعلّه هو اللي يصالحني، لمّا أزعلّه يكـــ,,,. قذف ”يوسف“ سيجاراً آخر في فمه، ونهض ليشعله من وهج الشمعة.. بعدها، سحب نيكوتيناً عميقاً ليصليه ناراً ذات لهب، ثم نطق مبتسماً : — أنتي طيّبة أووي يا ”سلمى“!!.. أنا كنت فاكر اللي زيّك دول إنقرضوا خلااااص!!. تمدّدت ”سلمى“ بجانبها الأيسر على الكنبة، وإلتصقت في مسندها بظهرها، ثم توسّدت مخدعها برأس معقوص الشعر : — ميرسي!.. ربنا يخليك.. بس لِسَّة برضو نفسي أعرف، ليه باباك ماوافقش على جوازك من حبيبتك!!. نهض إلى القنديل بخطى مُرهَقة، ثم حمله بيمينه بطيئاً إلى مرقده، ولا تزال يسراه تستشيط دخاناً.. بعدها، إلتَفّتّ الساق بالساق بعد أن رفع كلتاهما إلى خلفية الكنبة، وبدأ : — {٢٣ أغسطس ١٩٨٤.. الجو قيظ.. أوشكت اليوم على الإختناق من الحَرّ.. لا أدري لما لم أفرح اليوم!.. جاءت ترقيتي ولم أفرح رغم إني تعبت كثيراً عشان أوصلّها.. رجعت البيت حاملاً شهادة التقدير.. حَطّيتها على السُفرة؛ فلم تلاحظها زوجتي.. كانت تتحدث حينها في التليفون.. كلامها لصديقتها تردّد فيه إسم إبني أكتر من مرة.. كدت أحترق بعدها.. «وحشني أووي.. لما بيغيب عني بحس إنّي مخنوقة ومليش نفس أعمل أي حاجة».. لا أدري.. أتقصد إبننا في هذه الجملة!!.. أم حبيبها!!.. أي شخص تقصد؟!.. لماذا لم تتزوجه إذا كانت لِسّة بتعشقه إلى هذا الحد؟؟!!. خلعت هدومي وتمدّدت في السرير إلى أن فتحت عليّا ونادتني بإسم إبني.. قالتلي ساعتها إنها إعتقدت أنه نائم جانبي.. ولكنه!... ولكنه لم يفعلها منذ سنوات!!!!.. لا أعلم لماذا سيطر عليّا هذا الشعور تجاه إبني حينها!!.. لأول مرة أشعر بأنني أغير منه}. توقّف ”يوسف“ عن القراءة فجأة ومسح عينيه بيده؛ ولكن لحظة توقّفه عن الحديث لم تطُل.. دعك رأسه وهمهم قليلاً، ثم تحرّك نحو الباب بخطى مهملة.. وفي عذاب مُحرِق للأرواح، أسكن المفكرة جيبه ونطق : — انا تعبت!!.. كفاية كده إنّهارده، ونبقى نكمّل بعدين!!.. كل سنة وأنتي طيبة يا ”سلمى“. تأتأت ”سلمى“ في كلامها بسيطاً، ثم إستقرت وإنتقت العبارات : — مش أنا ليّا هدية بمناسبة عيد ميلادي؟!. — أيوة!!.. وخلّيتك تكتبي الجواب من شويّة.. وهوصّله بكرة لأهلك زيّ ما إتفقنا!!!. رفعت ”سلمى“ يدها اليمنى عالياً دون أن تلتفت، ودون حتى أن تفتح عينيها؛ ثم إعتدلت مكانها، وأكملت : — طب ممكن تدّيهوني لحظة؟!!. عاد ”يوسف“ إلى مكانه بالقرب من كرسيه ولم يجلس، إلا بعد أن ناولها إيّاه بروح فتك بها الإستغراب.. أذهله ما فعلته ”سلمى“ بعدها!!.. إلتقطت منه الجواب، ومسحت أطرافه في النار، وخلال ثانية واحدة تفّحَّمَت بعدها الورقة تماماً : — ممكن تبات هنا إنهارده!!.. تبات هنا إنّهارده بس!.. مش عايزة أنام لوحدي إنهارده.. ده طلبي وهديتك ليا!!.. ممكن عشان خاطري؟!. — طب هنام فين؟!.. هنام على الكرسي!!!. أجابته ”سلمى“ دون أن تنطق.. تحرّكت متجهه نحو القفص، وفتحت بابه أولاً ثم إنساب جسمها داخله ثانياً.. أقل من لحظة وتمدّدت بعدها على مرتبتها؛ وكعادتها وضعت يديها أسفل رأسها متوسّدة راحتيها ونطقت : — أنا هنام هنا!.. ونام أنت على الكنبة. حقاً إن كيدهُنّ عظيم.. هل تريد كيده كما فعلت إمرأة العزيز؟!.. هل الكيد هو نصيبه من إسمه!!.. أكادت «زليخة» لسيدنا «يوسف»، وكاد حينها أن يهلك.. هل تريد ”سلمى“ ذلك أيضاً؟!.. أسئلة كثيرة تناوبت على عقله؛ كالذباب حين يلتَمّ حول فاكهة تفوح بعفنها.. أسئلة لم يحاول العثور على إجابة أيٍ منها. تمدّد ”يوسف“ بعوده المنصوب على الكنبة متوسّداً مخدعها، ثم وبيديه ضَمّ جانبي الچاكيت أكثر حول جسده لتنعم روحه قليلاً بالدفء.. بعدها، أحكم غطاء رأسه القطني عليه أكثر، ثم مال بجمجمته قليلاً نحو قفص نسى إغلاقه : — ”سلمى“!. — إممم!. — على فكرة!!.. شكلك بيبقى أحلى بكتير وإنتي مِسَيّبَة شعرك .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD