الفصل العشرون

1329 Words
ولقيت ميرنا داخلة الصالون، وأنا ماشي وراها أسمع في الأغنية اللي بتنطقها بطريقة معذّبة جداااااا زي ما تكون بتعاتبني.. (عصفوووري.. يا جميييل، يا جمييييييييييل.. هعلمك أنا حاجات كتيييييير.).. دي بتنطق الكلمات والدموع نازلة من عينها.. ميرنا بتعيط؟!.. ميرنا بتعيط عشاني!!.. ولقيتها داخلة أوضة النوم وأنا في ضهرها.. وأول ما شوفت السرير، اترميت عليه عشان كنت مهدود.. مهدوووووود أووووووي، وهي قعدت جنبي وفضلت تلعب في شعري وتغنيلي بصوت مليان حزن ولوعة وشوق وبؤس فظييييع محدش يقدر يستحمله.. مي** رهيب أشبه بعزف كونشرتو عالمي لحد ما عيني راحت في النوم: - عصفوووري.. يا جميييل، يا جمييييييييييل.. هعلمك أنا حاجات كتيييييير. ونمت ومحسّيتش بنفسي خالص، ومش عارف أنا رحت في النوم بعمق كدة ليه، رغم إن مش عوايدي إني أنام بعمق كدة أصلاً!.. أنا أقل صوت بيقلقني، وأقل ضوء ممكن يطيّر النوم من عيني، بس أنا فعلا كنت تعبان وسكران طينة.. سكري مكانش من الخمرة على أد ما هو كان بسبب كلام ميرنا وصوتها وأنوثتها ونظرات عينيها.. بيقولوا إن النوم الكتير في الأغلب بيكون بغرض الهروب، ممكن الهروب من ألم جسدي، وممكن يكون هروب من ألم نفسي، وأنا مش هقاوحكم وأقول إني مش تعبان نفسياً عشان أهرب.. جايز فعلاً أكون استسلمت للنوم عشان مش عايز أواجه نفسي بحقيقة مؤلمة، حقيقة تشقلب حياتي ونظرتي لنفسي، حقيقة ممكن بعدها أضطر إني أتغيّر، ومحدش بيستحمل التغيير. وقلقت على صوت زقزقة العصافير ونور الشمس الهادي وهو بيداعب وشّي.. كنت نايم بكامل ملابسي، وده معناه إني معملتش حاجة مع ميرنا وأنا فاقد الوعي.. ولفّيت براسي عشان أصبّح عليها لكن مكانتش موجودة جنبي على السرير.. قمت من مكاني وأنا بترنّح نوعاً ما، وبدأت أدوّر عليها في الشقة بعد ما حسّيت إنها اختفت تاني.. ضوء الشمس الناعم اللي مليان دفء كان كافي إنه يوضّح تضاريس الشقة أكتر، والصراحة كانت أغلب أرجاء الشقة مقبضة.. الحيطان لونها رمادي ومليانة بقع، ولونها الأبيض اللي شوفته إمبارح طلع وهم وسراب.. الشقة كنت حاسس إنها مهجورة وزي ما يكون حصلت فيها جريمة ب*عة.. دخلت البلاكونة بعد ما دوّرت على ميرنا في كل مكان وملاقيتهاش واقفة هناك برضه، كنت بدخل البلاكونة ورجلي بتخبّط في بعضها عشان خايف ملاقيش ميرنا فيها.. لكن لقيت الكاسين اللي كنت بشرب فيهم، وأزايز الخمرة فاضية وعليها تراب ومفيش ب**ات على التراب، ولما قربت من الكاسين لقيت أثار لأحمر شفاه بتاع ميرنا.. يعني أنا مش مجنون، وميرنا كانت معايا إمبارح والله العظيم تلاتة، والدليل أهو.. أثار شفايفها على الكاس بتاعها. سحبت علبة السجاير من الركنة اللي هي كانت بتجيب منها السجاير، ولقيت العلبة برضه غرقانة تراب، وفتحتها وطلعت واحدة أشربها عشان أعرف أفوق وأفكر في اللي حصل.. سيجارة الاصطباحة هي اللي بتخلي عقل أي إنسان مدخّن يشتغل ويبدأ يفكّر.. وطمعا في الفوقان زيادة، أخدت بعضي ورحت على الحمام عشان أغسل وشّي.. النور كان في الحمام مقطوع واللمبة مش بتشتغل، واعتمدت على النور الرقيق اللي جاي من البلاكونات.. فتحت الحنفية عشان أشطف وشّي، وللأسف مكانش فيه مية بتنزل منها.. الشقة فعلا زي ما تكون مهجورة ومفيش حد كان ساكن فيها.. ببص في المراية وأنا بشتم في سرّي، لقيتها م**ورة وفي أجزاء منها كمان في الحوض.. بس مكتوب على الأجزاء الباقية منها كلام بأحمر الشفايف بتاع ميرنا، ولما حاولت أقراه لقيت حروف كتير مش واضحة زي ما يكون التراب مغطّيها، وكمان أجزاء من المراية كانت مفقودة، ومعرفتش اقرأ غير: - عصف.ري.. يا ج.. ل... علمك.. أن.. حا. ات.. كتييييير. أنا اتصدمت بعد ما قريت الكلام اللي مكتوب على المراية، وده كان نفس كلام ميرنا ليا قبل ما تختفي.. والذهول كان مخلّيني مش قادر أقف على رجلي، الساعة كانت لسة ستة الصبح وأقدر أرتاح ساعة أو اتنين كمان قبل ما أروح الشركة، فدخلت تاني أوضة النوم عشان أرتاح.. جايز لما عقلي يهدأ أقدر أفكر بشكل أحسن، ودخلت الأوضة ورحت مرمي على السرير زي ما يكون فيه مغناطيس.. ومحسيتش بنفسي غير والدبّان بيتلمّ على وشّي، بصيت في الساعة لقيتها 8 الصبح.. كنت جعان جدااااااا وبطريقة فظيعة، وكمان العطش كان غريب لدرجة إني حسّيت بحلق بوقّي زي ما يكون بقى حطب فجأة.. نزلت من البيت بسرعة عشان أروح الشغل، ولاحظت حاجة غريبة.. باب الشقة مكانش له كالون، يعني بيفتح ويقفل من غير مفتاح.. المهم، عدّيت على كشك قبل ما أروح البيت عشان أجيب العربية بتاعتي اللي هروح بيها الشركة.. ولما وقفت قدام الكشك، لقيت نفسي عمال أفتح في أكياس شوكولاتة وكيك وعلب عصير، والراجل كان بيبصّ ليا باستغراب فظيع من طريقة أكلي للبضاعة، لدرجة انه قاللي وهو مندهش: - خبر إييييه!!.. إنت ما أكلتش بقالك جمعة ولا إييييه!!. لهجته صعيدي خالص، وأنا كنت منهمك في الأكل بطريقة جنونية.. مياه غازية، عصاير، شوكولاتة، كيك، حتى البونبون.. أي حاجة كانت قدامي كنت بفتحها عشان أكلها وأشربها لإني كنت حاسس إني هموت من الجوع والعطش.. وحاسبت الراجل صاحب الكشك، وركبت تا**ي على بيتي، ومن هناك أخدت العربية وطيران على الشركة.. وأول ما دخلت لقيت عمر بيقوللي وهو فطسان على روحه من الضحك كالعادة: - ناموسيتك كحلي يا عم ابراهيم.. عمرك ما غبت من الشغل، ويوم ما تحب تغيب تخبط تلات أيام مرة واحدة!!. - تلات أيام!!.. هو مش النهارده الاتنين!!. - إتنين مين يا عمنا!!.. النهارده الخمييييس يا حفيد إبليس.. كنت بتلعب بديلك والسهرة كانت من العيار التقيل.. صح!!. - إطلع من دماغي يا عمر دلوقتي، أنا مش فايق لهزارك على الصبح صدقني.. النهارده الاتنين. - وربنا الخميس، ما النتيجة متعلقة أهيه على الحيطة يا صاحبي.. والله الخميس، هغشّك يعني!!. - إزااااااي!!.. ده أنا كنت معاها السبت، وبعدين اتقابلنا الحد، يعني يوم الـ,,,... لا، لا، لا.. أنا اتخانقت مع ريهام الخميس، وبعدين قابلت اشرف السبت، وسهرت مع ميرنا الحد، يعني النهارده الـ,,,,,. - يا حبيبييييي، إنت اتخانقت مع ريهام، ورحت تلعب بديلك من وراها يا لئييييم. مكنتش قادر أستوعب ولا أجمّع أي حاجة خالص، أنا مش فاكر حاجة غير إني قضّيت ليلة مع ميرنا، ليلة واحدة بس.. جايز كانت ولا ألف ليلة وليلة، بس في الأول والآخر هي مجرد ليلة.. ولقيت عمر بيخبطني على كتفي وبيقوللي: - بس قوللي الأول.. مين ميرنا دي اللي سحلتك معاها تلات أيام!!.. دي تلاقيها بنت أبالسة اللي تخليك تتخانق مع ريهام عشانها، بس أنا لو مكانك كنت هخليهم عشرة الصراحة. - يا عم قولتلك إطلع من نافوخي دلوقتي.. أنا مش فاهم حاجة.. أنا مغيبتش ولا يوم من الشركة يا بقف انت. - بقف!!.. طب ماشي الله يسامحك.. على العموم، إنت غايب بقالك تلات أيام، واتصلنا بيك في البيت أكتر من مرة.. أمك ردت علينا وقالت إنك عيّان، ومراتك كانت بتعيط وتقول مش عارفة عنك حاجة.. مش هتقوليلي بقى كنتي فين، وتاخديني معاكي عشان نسهر سهرة حلوة من إياهم يا خلبوصة إنتي!!. وخلص كلامه، وفضل يقرصني في خدي عشان يضحك زيادة.. أنا والله بعزّه وبحبه، بس مش وقت غلاسته دي نهائي.. ولما لاحظ إني مش متجاوب معاه، خرج وساب الأوضة وقبل ما يمشي لقيته بيقوللي وهو بيضحك: - ما تنساش الفرح بتاع المدير بالليل.. أحسن وليّ النعم يغضب عليك ويق*فنا في عيشتنا.. مجاملة المدير ترقّيك وزير يا مولانا. وخلص كلامه وساب الأوضة.. يا سااااتر على هزاره والازعاج اللي بيعمله للواحد!!.. واستفردت بنفسي وحطيت رجلي الاتنين فوق المكتب، واضطجعت في الكرسي ولقيت نفسي بروح في النوم.. كنت بفكر في حياتي مع ريهام، وبفكر في كلام ميرنا وأحاول أربطهم ببعض.. مكنتش قادر أستوعب الشبه الفظيع اللي بيبقى بين ميرنا بعد ما أطحنها ض*ب، وبين ريهام مؤخرا بعد 13 سنة جواز.. والله عمري ما مديت إيدي على مراتي غير المرة إياها، بس هي عموما شبه ميرنا بعد ما أنزل فيها ضرب.. ومحسيتش بنفسي غير والساعي بيقول: - أستاذ إبرااااااهيم.. إبراااهيم بييييييه.. الساعة بقت 6 والناس كلها روّحت من بدري. معقولة نمت ده كله!!.. انا اللي بمشي من الشغل الساعة اتنين أنام ده كله وأقعد لغاية الساعة ستة!!.. أنا مكانش ليا مكان أروحه لاني مش عايز أروح البيت عشان خناقات ريهام مع امي، ودي حاجة بتخنقني جدااا، ولو طلعت على بيت أهلى مش بعيد الجيران تبلّغ أمي وألاقيها جاية ورايا، وأنا مش حابب قعدتها عشان هتفضل تكلمني عن ريهام وق*فها ومش هتفصل خالص.. أخدت بعضي عشان أروح الفرح، ولما أبقى أرجع منه نبقى نشوف ساعتها هنعمل إيه.. وركبت العربية وطيران على الصعيد، مسكت الطريق وبدأت أسوق وأنا سرحان تماماً في حاجة واحدة بس.. ميرنا.. يا ترى هقا**ها تاني!!.. يا ترى هشوفها أو أشوف زيّها تاني!!.. يا ترى طلعت منين، وراحت فين!!.. بنت أبالسة ولا ملايكة!!.. مليش دعوة، أنا عايزها بأي شكل وبأي تمن لإن مستحيل ألاقي واحدة تعمل اللي هي قدرت تعمله فيا.. وفضلت سرحان لغاية ما وصلت للعنوان اللي المدير قاللي عليه.. قرية الندّاهة، مركز ميت الأبالسة.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD