الفصل 5

1819 Words
كان مين جو جالسا في غرفته يمسك بهاتفه ويحدق في رقم مين يونغ بحيرة ولا يدري هل يتصل بها أم لا ثم حاول كتابة رسالة ولكنه تراجع ووضع هاتفه جانباً بإحباط وتوجه نحو الشرفة يحدق في حديقة البيت من خلف الزجاج ويستذكر ما مرا به خلال الأيام القليلة التي مكثت بها معه في البيت. "لا أدري كيف أصف إحساسي عندما رأيتها أول مرة بعد كل هذه السنوات. لقد تغيرت وبالكاد عرفتها ولكنها ما زالت تحتفظ بشخصيتها المزعجة واللطيفة في الوقت ذاته. بقاؤها هنا أعادني لذكريات الطفولة التي كم وددت لو أعود إليها وأستمتع بكل ثانية فيها. لحظات ثمينة لا ندرك قيمتها إلا بعد فوات الأوان. ذلك العالم النقي والناصع البياض الذي كان يحيط بنا اختفى مع تقدمنا في العمر. لا أنكر بأن الحادث الذي مررت به وتسبب في عجزي حطم نفسيتي فاللحظات الأولى التي أفقت فيها في المستشفى وعرفت بالأمر كانت قاسية جداً وبالكاد استوعبتها. ورغم ذلك حاولت التماسك من أجل أبي ومخطوبتي، تلك الفتاة التي أحببتها وظننتها نصفي الآخر وكنت أود الزواج بها ولكنها لم تحتمل البقاء معي في وضعي هذا لوقت طويل فتخلت عني. كان وقع الانفصال على أشد من وقع خبر عجزي عن المشي مجدداً. هل تبخر كل ذلك الحب في الهواء فقط لأنني لم أعد قادراً على المشي؟ ولكنني الآن أحاول تفهمها فحالتي النفسية كانت سيئة وبالكاد يحتمل والدي تصرفاتي وردود فعلي فكيف لي أن ألوم الغريب. نعم كانت حبيبة ولكن لم تكن قريبة لذا عادت غريبة كما كانت. بقيت غارقاً ومتخبطاً في الظلام إلى أن عادت مين يونغ لتنير أيامي بابتسامتها وتصرفاتها المشا**ة وما تحمله معها من ذكريات طفولتنا الغائبة ربما لهذا السبب أفتقدها الآن. أريدها أن تعود فأنا بحاجة لها لأكون أقوى ورغم ذلك أعلم بأنها تخوض صراعات أخرى ولديها مسؤوليات تثقل كاهلها ولا أريد التشبث بها وعرقلتها عما تريد فعله في حياتها، فكوني صديق طفولتها لا يعطيني الحق في ذلك. ماذا على أن أفعل؟ " دخل دونغ ها لمكتبه وسأل مساعده قائلاً: هل تعرف تلك الصحافية المزعجة التي تبقى هنا وتحاول تقصي الأخبار من هنا وهناك؟ شرد الرجل للحظات ثم ابتسم قائلاً: آه تقصد تلك الصحافية الجميلة التي تدعى جي يون؟ أجل أعرفها فالجميع هنا يعرفونها. رفع دونغ ها زاوية فمه متهكما وجلس على كرسيه قائلاً: لا بد من أنهم يعرفونها لشدة إزعاجها لهم وتطفلها عليهم. فأومأ المساعد برأسه نافياً وقال مبتسماً: كلا، إنها فتاة مجتهدة ومخلصة في عملها وتعطي المعلومات للمدعين والمحققين هنا وتساعدهم في القضايا وفي الوقت ذاته تكتب مقالات جيدة بناء على سير التحقيقات. لقد قام المدعون بحل الكثير من القضايا بفضلها فهي ماهرة بإحضار المعلومات لهم. فقال دون ها متذمراً: أي مساعدة هذه لقد أمسكت بها قبل قليل تسترق السمع على مكالمتي. إنها فتاة خبيثة كباقي الصحافيين الذين يسعون خلف مصالحهم ولو كان بنشر أخبار كاذبة. ابتسم المساعد ورد قائلاً: الآنسة جي يون ليست كذلك ولكن ربما تكون خشيت أن تسألك بشكل مباشر بعد أن سمعتك تتحدث عن أمر يثير اهتمامها. فهي تعلم بأنك تكره الصحافيين. نظر له دونغ ها باستغراب وقال: كيف تعرف هذا؟ ابتسم المساعد بحرج وقال: جميعنا نعلم هذا يا سيدي وبالتالي هي تعلم أيضاً. ولكن ما القضية التي كنت تتحدث بشأنها وأثارت اهتمامها لهذه الدرجة؟ أشاح دونغ ها بنظره عنه وقال: لا شيء مهم، هيا أكمل عملك. حدق دونغ ها بالفراغ وهو يقول في نفسه: يبدو بأنها تعرف شيئاً حقاً عن الشركة وموت السيد كانغ ولكن ... لا يمكنني الوثوق بها، أنا أعرف أمثالها جيداً، لا يمكنني ذلك. كانت مين يونغ تقود سيارتها ودموعها تنهمر على وجنتيها إلى أن أوقفت السيارة جانباً ووضعت رأسها على المقود تبكي بحرقة وألم وبعد لحظات رفعت رأسها وضربت المقود بيديها بكل قوتها وهي تردد: لمَ يحدث هذا معي؟ لماذا لا يوجد لدي خيار آخر؟ كيف يمكن أن يكون هذا الحل الوحيد أمامي؟ ماذا لو فضح الأمر، ما الذي سيقال عني؟ وضعت مين يونغ يدها على جبينها وعضت شفتها بألم وهي تحدق بالسيارات المارة من نافذة سيارتها. بعد دقائق أكملت طريقها للبيت حيث كانت قد حزمت أمتعتها لتنتقل إلى بيت مين جو حسب شروط العقد. بعد وصولها للبيت أخذت حقيبتها وبدأت تجرها حتى وصلت الباب ثم نظرت خلفها وتن*دت بألم. وضعت مين يونغ الحقيبة في السيارة وردت على هاتفها الذي كان يرن فأجابت وسألها محامي والدها عما تنوي فعله بشأن الشركة ما دامت ستنتقل إلى بيت السيد كيم فأخبرته بأن السيد كانغ سيكون نائبها ويدير الشركة مؤقتاً بدلاً منها ولكنها طلبت من المحامي أن يزودها بتقارير سير عمل الشركة وكل ما يحدث فيها باستمرار. انطلقت مين يونغ بسيارتها حتى وصلت بيت السيد كيم حيث أخرجت حقيبتها تجرها خلفها ثم وقفت أمام البيت تتأمله بألم للحظات ثم قالت في نفسها: أنا أفعل كل هذا من أجلك يا أبي لأكتشف حقيقة موتك وأعاقب من قتلك رغم أنك لم تفعل من أجلي شيئاً يذكر، لا يمكنني الابتعاد و التجاهل حتى لو رغبت بذلك، إنه مؤلم جداً يا أبي ولكنني لا أملك خياراً آخر. " ها أنا أخطو خطوة جديدة ومخيفة وعاقبتها مجهولة، لقد جئت لهذا البيت بإرادتي ورغماً عني في الوقت ذاته ولكن لا أدري كيف سيكون حالي عندما أخرج منه، الحياة تريني تقلباتها بشكل سريع ولا أكاد أستوعب شيئاً من حولي، فكرت كثيراً بالاستسلام ولكنني لم أجده خياراً لائقاً بي، فأنا لم أفعل هذا طوال حياتي ولن أفعله الآن." كان مين جو جالساً في غرفته ينظر للحديقة فرأى مين يونغ تقف في الخارج ومعها حقيبتها فتهلل وجهه فرحاً وخرج من غرفته متوجهاً نحو المصعد لينزل ويستقبلها بينما أكملت مين يونغ طريقها للداخل ورأته يتجه نحو مدخل البيت مبتسماً فردت بابتسامة وألقت التحية ثم قال: وأخيراً أتت القطة الشرسة، لماذا لم تخبريني بأنك قادمة، ظننت بأنك مشغولة. حاولت مين يونغ أن تبقى طبيعية فاقتربت منه وابتسمت قائلة: أردت أن أفاجئك كما أن عمي قرر بأن يساعدني في عمل الشركة لذا أنا سأبقى هنا بدلاً منه وأراقب تصرفاتك المشا**ة وهو سيدير الشركة نيابة عني. فقال مين جو باستغراب: حقاً؟ هل سيعود أبي للعمل أخيراً، ربما فعل ذلك ليساعدك فقط فهو لم يهتم بالعمل لفترة طويلة بسببي. على أي حال، هذا يعني بأنك ستمكثين هنا ولكن إلى متى ستبقين هنا؟ فرفعت مين يونغ حاجبها وقالت بتذمر: ما هذا؟ هل مللت من وجودي بهذه السرعة؟ هل أعود أدراجي وحسب؟! همت مين يونغ بالعودة للخلف فأمسك مين جو بيدها وقال: كلا.... أنا لم أقصد هذا، أنا ... أردت فقط أن أعرف إن كان الأمر مجرد أيام أم أكثر من ذلك. ابتلع مين جو ريقه ثم ابتسم قائلاً: أقصد بأن على التحضر نفسياً لإزعاجك المتكرر لي لذا على أن أعرف كم المدة التي ستمكثين بها هنا. انحنت مين يونغ باتجاهه وقربت وجهها من وجهه وقالت بخبث: سأبقى لشهور طويلة إلى أن أحول هذا القط المشا** إلى قط لطيف، هل فهمت؟ خللت مين يونغ أصابع يدها في شعره وبعثرته بسرعة ثم مضت في طريقها نحو المصعد تجر حقيبتها بينما وضع مين جو يده على شعره وبقي يحدق بها وهي تبتعد عنه ثم قال بصوت هامس: ما الذي يحدث لي؟ " شعرت بسعادة غامرة عندما رأيتها من نافذة غرفتي، نعم أتت وأخيراً وكم سرني قدومها. اقتربت مني وابتسمت بلطف فتسلل النور لقلبي المظلم وعندما مدت يدها وبعثرت شعري شعرت بأنها تبعثر قلبي أيضاً، لماذا بدأ قلبي يخفق بحماقة غير معتادة، كيف لحركة بسيطة كهذه أن تفعل بي هذا؟! يبدو بأنني أعاني من الوحدة بشكل مفرط فهذا هو التفسير الوحيد."     عادت جي يون لبيتها لتجد جدتها تخرج من غرفتها وتستقبلها قائلة: لقد عدت مبكراً اليوم على غير عادتك. فردت جي يون: لم يكن هناك الكثير من العمل. اقتربت الجدة منها قائلة: هل تناولت طعامك؟ ابتسمت جي يون قائلة: كالعادة، لم أجد وقتاً للأكل. عبست الجدة واتجهت نحو المطبخ مباشرة وهي تقول بتذمر: أيغو، باء لك من فتاة حمقاء، كيف لك أن تعملي دون أن تعتني بجسدك وتتناولين طعامك، هل تريدين أن تقعي مغشياً عليك وأنت تجرين هنا وهناك؟ جلست جي يون في المطبخ حيث بدأت الجدة تضع أطباق الطعام أمامها على الطاولة وقالت: ماذا أفعل يا جدتي، لدي الكثير من العمل ولا أملك متسعاً من الوقت فأنا بالكاد أرتشف بعض الماء. نظرت لها الجدة باستياء وقالت: هل على أن آتي وأوبخ مديرك الأرعن؟ لماذا يكلف موظفيه بالكثير من العمل حتى يجعلهم يهملون صحتهم. ابتسمت جي يون ونهضت مسرعة وعانقت جدتها من الخلف قائلة: جدتي، أنا أحبك جداً، أنت ألطف شخص في الوجود. تناولت جي يون طعامها ثم دخلت غرفتها بعد أن اغتسلت وبدلت ثيابها. جلست على حافة السرير تتأمل الصورة الموضوعة على المنضدة الجانبية وقد اجتاح الحزن تعابير وجهها ثم مدت يدها نحو الصورة ومسحت عليها بيدها بكل هدوء وابتسمت بحزن قائلة: أمي، هل أبلي جيداً؟ هل أعد ابنة صالحة؟ أمي لا تقلقي بشأني كثيراً فأنا يمكنني الاعتناء بنفسي وسأواصل طريقي بقوة حتى أصل لهدفي. عاد جونغ هي لبيته فاستقبلته والدته ودعته لتناول الطعام معها هي ووالده فاعتذر وتوجه مباشرة لغرفته. جلست الأم بحزن مقابل زوجها وقالت بألم: لا أدري إلى متى سيبقى في هذه الحالة، لم يعد يتناول الطعام حتى، يغرق نفسه في العمل ليتناسى ألمه، أنا أخشى بأن يؤذي نفسه. رد زوجها وهو يلتهم الطعام بلامبالاة: لا تقلقي عليه فلا يمكنه إيذاء نفسه لأنه يخاف عليك. دعيه ينزعج كما يريد ففي النهاية سينسى أمرها، سأعرفه على فتاة أخرى قريباً. نظرت له زوجته بانزعاج وردت بحنق: هذا يكفي، ألا تملك ذرة إحساس، إنه ابنك وليس شخصاً غريباً، حاول مراعاة مشاعره على الأقل، ألا يكفي بأنك أجبرته على الانفصال عن الفتاة التي يحبها؟! لقد كان يخطط للزواج منها هل تدرك معنى هذا. نظر لها ببرود وقال: وماذا في ذلك، يمكنه الزواج بأخرى وسأتأكد بأن تكون أفضل منها. نهضت الزوجة وقالت بحنق: لا فائدة من الكلام معك، فمعيار الأفضلية بالنسبة لك يعتمد على المال وحسب ولكنني أؤكد لك بأن طريقة تفكيرك هذه ستجعلك تندم يوماً ما. أرجو أن تتغير قبل ذلك فحينها لا ينفع الندم. ابتسم زوجها بتهكم وأكمل تناول طعامه وكأنه لم يسمع شيئاً بينما دخل ابنه الأكبر سونغ هي يحمل حقيبة العمل في يده وترتسم على وجهه نظرات برود وغرور ولديه تلك الهالة التي توحي بأنه شخص قوي وبارد. التفتت له زوجة أبيه وابتسمت له وطلبت منه الجلوس لتناول الطعام فأشاح بنظره عنها ووجه كلامه للخادمة الواقفة على مقربة وقال: حضري لي الطعام وأحضريه لغرفتي بعد قليل كالمعتاد. مضى في طريقه ليصعد إلى غرفته في الطابق العلوي بينما تن*دت هي وطأطأت رأسها بحسرة ثم التفتت لزوجها قائلة: لا أدري ماذا أفعل من أجله ليتقبلني. رد ببروده المعتاد: لا داعي لتفعلي شيئاً، فهو لن يتقبلك مهما فعلت، لديه قلب أ**د كوالدته، لقد ورث منها أسوء ما فيها، لا يمكنه مسامحة أحد يخطئ بحقه وهو يعتبر زواجنا ظلماً له ولذكرى أمه المتوفاة لذا لا تنتظري منه شيئاً فقد يئست منه بالفعل، ما يجعلني أتحمله هو أنه ماهر في عمله ويدير الشركة بمهارة فلولا ذلك لما تحملت عجرفته هذه. نظرت له زوجته بحنق وقالت: كيف يمكنك التحدث بهذا البرود وكل هذه اللامبالاة عن أبنائك، ألا تشعر بأية ذرة من عاطفة الأبوة نحوهما، ألا يهمك شيء سوى الشركات والأموال وقيمة أبنائك بالنسبة لك هي بمقدار ما يجلبونه لك من أرباح؟! نظر لها ببرود وابتسم بتهكم ثم قال: ألا تعرفين هذا بالفعل؟  فلماذا تسألين؟     نهض عن مائدة الطعام وهو يمسح فمه بمنديل فتقدمت ووقفت مقابله قائلة: لا أدري كيف ظننتك رجلاً لطيفاً وطيباً ووقعت بحبك كالحمقاء وقبلت الزواج بك. رفع زاوية فمه وقد رسم على وجهه ابتسامة خبيثة باردة وقال: هل أدركت بعد كل هذه السنوات بأنني خيبت ظنك، آه أنت بطيئة الاستيعاب يا زوجتي العزيزة أم لنقل ... مشى بخطواته نحو غرفة المعيشة وقد أكمل كلامه قائلاً: بأنك أردت رؤية ما تريدينه فحسب. دمعت عيناها ثم قالت بفتور: لا فائدة من الحديث معك.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD