1
- الفصل الأول -
كالعادة استيقظ بالخامسة صباحا ومارس روتينه اليومي بين ممارسة الرياضة والإطمئنان على حصانه برق وكان هو المخلوق الوحيد الذي أحبه بحياته، كان شديد السواد ولم يدع أي أحد يقترب منه غير صاحبه ومالكه عُمر.
انتهى من تناول فَطوره ثم توجه إلي مقر عمله استكمالًا لروتينه ليتواجد في تمام السابعة والنصف بأكبر شركة محاماة بالشرق الأوسط وكان هو مالكها، عمر يزيد الجندي، رجل في الثالثة والثلاثين من عمره، كان طويلا ذو جسد رياضي متناسق، قمحي البشرة، ذو لحية مشذبة وعيناه تكاد تكون فحمية لامعة بنظرة ثاقبة، من ينظر له يخف من تلك النظرة لأنه يعلم مدى فراسته في تحليل من أمامه، كان يجرد الجميع من أقنعتهم ويعلم الصادق من الكاذب، البريء من المذنب وكل ذلك دون مجهود يُذكر.
سار على خطى أباه ليُصبح له كل الشأن بعد أن أصبح أصغر محامي لم يخسر قضية واحدة على الإطلاق بحياته، لا يتعامل بالقضايا الصغيرة، يعلم الجميع مدى جديته وصرامته والتزامه ولكن قد ظن بعض الناس أنه تزوج العمل أو أقام معه علاقة بدلا من أن يتزوج أو أن يتعرف على فتاة.
وسامته، ماله، ثروته، شهرته بالمجتمع؛ وكل الظروف أهلته ليحصل على قلب جميع الفتيات ولكنه لم يُر مع فتاة قط، لم ينتشر عنه أية أخبار، حتى والديه وأخواته قد ناقشوه بأن يتزوج أكثر من مرة ولكن بصرامته المعتادة رفض التحدث بالموضوع حتى أُرهق الجميع منه.
كان منظما ومُرتبا بطريقة مرضية أقرب منها للوسواس القهري، يعيش وحيدا بمنزلا على مساحة شاسعة لن يُقال عليه غير أنه قصر وبالطبع بمكان ناءٍ بعيدا عن الزحام، أفتتح فرعاً آخر لشركة المحاماة بعيدا عن المدينة وفقط من أراده يذهب له، عشقه للهدوء فرض على الجميع أن ينصاعوا لرغباته، كما كان حبه للقراءة والتطلع لم يتخل عنه ليوم فكان لديه وقت لكل شيء، وقته دائما منظم ولا تفوته هفوة صغيرة.
يعمل مع الرجال فقط، جميع من بشركته رجالا، لم تدخل الشركة إمرأة قط إلا لو كانت من العملاء، حتى أخته ووالدته لم تطأ أقدامهن شركته، كان كاللغز يُحير الجميع، لم يدع فرصة لأن يقترب أحد منه ولم يبد أي عاطفة نحو أي أحد، لن تستطيع أن تقول أنه وقح أو أنه مجردًا من العاطفة ولكنه كان جاد بشكل مُرعب.
طأطأ رأسه في سكون وهدوء كالمعتاد ثم أخبر سكرتيرهُ الشخصي بصوته الأجش الدافئ في إقتضاب:
- مواعيد النهاردة!
أجابه "باسم" وحاول أن يكون دقيقاً قدر المستطاع:
- فيه ملفين لقضيتين قدام حضرتك، كل ملف هياخد ربع ساعة، العملا طلبوا إن حضرتك تترافع عنهم شخصيا بنفسك، فيه ميعاد مرافعة الساعة حداشر بالظبط، بعد المرافعة من حوالي ساعة لساعة ونص حسب الطريق فيه اجتماع مهم لمناقشة توسعة الشركة بعد تلت شهور، وفي نهاية اليوم في ميعاد الساعة أربعة حضرتك طلبته علشان إجمالي أرباح الشركة ومدير الحسابات هيراجع مع حضرتك الوضع المالي..
أومأ له "عمر" بعد أن أدرك أنه قد أبلغه كل شيء ولا يحتاج لمعرفة شيء آخر، فأومأ له "باسم" بإحترام بينما نظر الأول في بعض الملفات أمامه ولم يعيره أي إهتمام فترك مكتبه وأغلق الباب في هدوء.
هكذا كانت حياته الصارمة وهكذا كان روتينه اليومي وصباحه المعتاد ولا يعلم أحد عنه أي شيء آخر.
⬢ ⬢ ⬢
بالمقر الرئيسي لواحدة من أكبر سلاسل شركات البرمجيات تحدث صوت نسائي في رسمية:
- صباح الخير
ردت "روان" التي كانت في طريقها لمكتبها بقليل من التعب والإرهاق البادي على نبرة صوتها قائلة:
- صباح الخير يا علا.. اطلبيلي قهوة بسرعة
أومأت لها بمزيد من الرسمية ثم قالت "علا" وصوتها لا يبشر بالخير قط:
- حاضر هتكون موجودة حالا، أنا بعت جدول المواعيد في ايميل، وكمان فيه ملف مهم هتلاقيه على مكتبك، يا ريت تقريه قبل أي حاجة..
ضيقت ما بين حاجبيها وشعرت "روان" بقليل من القلق بعد استماعها لنبرة مساعدتها الشخصية ورؤية ملامحها المتجهمة لتهمس في تردد:
- أوك.. شكرًا
ازاحت شعرها البني المموج الذي لم تُقصره بحياتها أو تغيره أبدا ثم ابعدت تلك الخصلات عن عينيها العسليتين وتوجهت لمكتبها على الفور وجلست بإرهاق فهي بالكاد تنم حتى تستطيع إدارة سبع شركات ضخمة تركها لها والدها هي وأخيها الصغير الذي أتم الخامسة عشر لتوه ففتاة جذابة مثلها بالسابعة والعشرين تُعد مطمعا للكثير ممن يريدون الثراء وحتى من الأثرياء اللاهثين خلف إمرأة مثلها، جاذبيتها وشخصيتها القوية ونجاحها وسُمعتها أُعجب بها الجميع، ظن رجال كثيرون أنهم سيقدرون على امتلاكها ولكن هيهات!
كانت روان صادق لا تهتم إلا بثروة ضخمة تركها لها والدها في مجال البرمجيات وتطويرها وشعرت أنها يتوجب عليها ألا تُضيع ذلك هباءا فعانت لسنوات كي تحافظ على مجهود والدها الهائل وحملت العبء وحدها فأصبحت هي الوحيدة المسئولة عن تلك المسئولية الضخمة حتى يشب أخاها ويستطيع حملها معها.
أخذتها دوامة الأعمال والحياة والاعتناء بالشركات وأمها المريضة التي اشتد المرض عليها خاصة بعد وفاة أبيها منذ ما يقارب من ثلاث سنوات ودفنت كل ملذات الحياة بقبر في قلبها ولم يكن لديها شيئا يشغلها سوى العمل وإحراز المزيد من النجاحات وحرمت على مسامها بل وعقلها كلمة الفشل ولم تعرف لها طريقًا منذ أن باتت هي المسئولة عن كل ما تركه والدها.
توسعت عيناها في صدمة وغضب في آن واحد ما إن تفقدت الملف التي اخبرتها عنه مساعدتها الشخصية منذ قليل ثم صاحت بهاتف مكتبها:
- علا!! تعاليلي حالا
دلفت "علا" في غضون ثوانٍ معدودة وابتلعت في ارتباك لتصيح بها "روان" من جديد في تساؤل:
- انتي استلمتي الظرف ده امتى؟
ابتلعت بقليل من الإرتباك لغضب "روان" الشديد فهي كانت على علم بأن ذلك سيحدث بمجرد رؤيتها لتلك الوريقات ولكنها اجابتها بهدوء:
- مش عارفة، وصل في البريد النهاردة الصبح!
تمتمت بمزيد من الغضب بأنفاس متسارعة:
- الحقير ده، مش عايز يبطل حركاته دي وفي الآخر جايب وصية مزيفة!..
سكتت لبرهة ثم حاولت تمالك أعصابها وهي تزيح شعرها للخلف لترثي نفسها:
- أنا كنت ناقصاه ده كمان، هاعمل إيه أنا دلوقتي بس!
حمحمت "علا" وتحدثت بنبرة يملؤها الحماس:
- ارفعي قضية تزوير، انتي معاكي الوصية الأصلية، وخلصتي إجراءات إعلام الوراثة من سنين، وكل حاجة في صالحك.. هيخسر القضية قدامك.. متقلقيش!
التوت شفتاها في تهكم ثم تكلمت بنبرة مليئة بالحزن والخوف من أن يضيع كل ما تملكه اسرتها هباءا بلحظة واحدة فقط لأنها رفضت أن تتزوج ابن عمها الذي يطمع هو وابيه بثروة والدها حتى من قبل موته:
- ومين اللي هيقدر يرجعلي حقي من واحد زيه، الأوراق دي بتقول إن إدارة الشركات وتسعة واربعين في المية من الأسهم ترجع لعمي بوصية من بابا، اكيد مزورة، بابا معملش كده، أنا معرفش ازاي قدر يعمل كده.. مش ممكن هو وابنه مش هايبطلوا أبدًا..
علا انتي معندكيش فكرة عمي ليه نفوذ ازاي، وما دام زور ورق زي ده عمره ما هيسبني، ده طماع، عايز يبقى معاه كل حاجة، وحتى من قبل وفاة بابا وهو بيحاول معانا بكل الطرق، مرة ابنه اتقدملي وافتكروا إن ساعتها بابا ممكن يوافق وبكده يتدخلوا في شغلنا ومرة عرض عليه يشتري منه حصة من الأسهم ولما رفضنا بالذات بعد ما بابا مات واكتشفوا إن مسبلهومش أي ورث وهو مبطلش هو وابنه يضايقوني..
نظرت لها "علا" بتعاطف شديد لتحاول أن تهدئها فقالت:
- اهدي بس علشان تعرفي تفكري وتاخدي قرار، كل حاجة هتكون كويسة، كمان أنا.. أنا اسمع عن محامي عمره ما خسر قضية في حياته، وهو معروف بسمعته دي جدًا
ضيقت ما بين حاجبيها في إنزعاج ثم نظرت إليها لتتحدث سائلة:
- مين ده؟
اجابتها مسرعة:
- عمر الجندي
اطرقت برأسها للخلف في استغراب وكأنها استمعت لهذا الاسم من قبل لتسألها مرة ثانية:
- تقصدي ابن يزيد الجندي؟
ردت مجيبة:
- أيوة هو ده..
أومأت لها في تفهم لتنهض ثم حدثتها في تسرع:
- تمام.. اجلي كل مواعيدي النهاردة.. احنا لازم نروحله حالًا..
أخذت معطفها واصطحبت "علا" وسائقها الخاص حتى وصلت مقر شركته الفارهة ولكنها تعجبت من بُعد مقرها، جعلها ذلك الوقت الذي مكثته في الطريق تُفكر فيما يحدث، يستحيل أن تتنازل هكذا بسهولة أمام عمها، لن تفشل أبدًا! كيف ستواجه وقتها والدتها وأخيها؟ أستكون تلك النهاية لكل ما عمل عليه والدها منذ سنوات؟ فقط ستفشل أمام الجميع وينتهي الأمر بتلك السهولة!! يستحيل أن تقبل هذا، ستذهب لمحامي واثنان وآلف حتى تجد من يُخرجها من هذه الورطة، لن تتقبل طمع عمها وابنه الجشعان، لن تكون المرأة الفاشلة أبدًا في أعين الجميع.. مجرد فكرة أنها ستفشل بأمر غير مقبولة بتاتًا بالنسبة إليها..
وصلت لمقر الشركة فتركت السيارة ودلفت بكبرياءها وغرورها الظاهران عليها لتتجنب الحديث مع كل العاملين حتى وصلت لمكتب "باسم" سكرتير عمر الخاص بعد عدة محاولات في إيجاد المسئول عن كل هؤلاء المساعدين بينما هي لم تتفوه بكلمة مختبئة من الجميع خلف تلك الصورة التي رسمتها لنفسها حتى لا تسمح لأحد بفتح مجال للحديث معها وخلفها مساعدتها الخاصة التي توجهت إلي "باسم" بالحديث فقالت:
-عندنا قضية مهمة جدًا ومش هينفع نستنى..
- بعتذر لحضرتك بس لازم يكون فيه ميعاد مسبق.. هاشوف لو ينفع نحدد ميعاد بعد أسبو..
لم تحتمل "روان" تلك الكلمات التي استمعت إليها لتقاطعه بغطرسة وإنزعاج:
- أنت مش عارف أنا مين؟ أنت اتجننت ولا إيه؟! أنا هادخل حالًا.. بنقول قضية مستعجلة، مش فاهم ولا لازم أعلي صوتي وافهمك!
أردف بإنزعاج هو الآخر من طريقتها في الحديث ولكنه حاول أن يحافظ على نبرته الهادئة:
- بعتذر مرة تانية يا فندم بس للأسف مش هاينفع، لازم ميعاد سابق.. Mr عُمر مشغول جدًا وجدول مواعيده ميسمحش بأي مواعيد مفاجئة..
رفعت حاجبيها في إندهاش ولم تتقبل طريقته ومنعه لها وشعرت بالإستهانة بشخصها لتصيح به بغرور:
- يا سلام!.. وإيه اللي يشغل محامي عن قضية مستعجلة ما دام هياخد أتعابه! أنا قولت هادخل وحالًا!!
لم يتمكن من إيقافها عندما توجهت بخطوات سريعة قبل أن يغادر "باسم" كرسيه لتدخل مكتب "عمر" رغما عنه ولم تعلم أنه كان يُشاهد كل ما يحدث من مكتبه عن طريق كاميرات المراقبة.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
نظرت له جالسا على مكتبه ولم يرفع نظره ولم يبد حتى أي تفاجئ بتلك الضوضاء والدخول عليه هكذا دون إذنا وهي لا تعلم عقوبة من يفعل ذلك فلم يتمكن أحد من فعلها أبدا من قبل.
بالرغم من أن "باسم" تبعها بعبارات النهي و"علا" بعبارات الترجي لما تعرفه عن ذلك الرجل من نفوذ وسُمعته التي قد لا تتقبل فعلة "روان" ولكنها لم تكترث لهما ولا لتفاصيل مكتبه الفاره المنظم بعناية ولا للثراء الذي يصرخه كل إنشًا به وتوجهت له على الفور لتحدثه بمنتهى الغضب:
- عندي قضية مستعجلة، عايزاك تترافعلي وهادفعلك اللي أنت عايزه..
نظر لها نظرة خاطفة ثاقبة كمن لا يُعيرها أي أهتمام على الإطلاق ثم نظر نحو "باسم" نظرة فهمها جيدا فتوجه خارجا على الفور وهو يُفكر بتلك النبرة الآمرة التي ص*رت منها وكأنها تُعامل احدى العاملين لديها وبالطبع لم يُعجبه ما استمع له أبدًا ليتحدث بهدوء شديد وكأن مكتبه لم يُقتحم من قِبلها بهرجلة منذ ثوانٍ واشار بنظراته إليها وإلي "علا" ليقول في تساؤل:
- مين صاحبة القضية؟ أنتي ولا هي؟!
أجابته "روان" بملامح متقززة وكأنها تُعيب على ذكاءه الذي لم يستخدمه ولو للحظة ليفهم من إنزعاجها أنها هي صاحبة الشأن فقالت في تأفف:
- أنا
بمجرد استماعه إليها أشار بيده للخارج وهو ينظر نحو "علا" وقد شعرت بقليل من الإرتياب من نظراته لتتوجه خارجا ولكن أوقفها صوت "روان" الذي تعالي بمزيد من الغرور:
- دي مساعدتي الشخصية، ومش هاسمحلك بـ..
قاطعها بلهجة قاطعة هادئة هدوئًا مريب مصحوبًا بنبرته الدافئة:
- أنا اللي أسمح بمين يقعد هنا، ده مكتبي
توجهت "علا" في صمت للخارج وأوصدت الباب خلفها، بينما هو لم تجده ينظر لها، لقد كان منذ ثوانٍ يتحدث ولكنه بدا وكأنه لا يراها أمامه، لا ينتبه حتى لوجودها، ولم ينظر مثل كل الرجال الي اعتادت على نظراتهم المتفحصة بتلك الشهوة المتوحشة والنظرات الجائعة لجمالها وجسدها الصارخ بأنوثته التي تُجبر الجميع على تمني الحصول على لمسة واحدة منها ويملكوا ذلك الجسد، بل أخذ بالنظر فيما أمامه بتركيز.
جاءها بعد لحظات صوته الآمر وقال:
- اقعدي
توجهت لتجلس أمام مكتبه على أحد الكراسي الجلدية السوداء ثم لم تستمع بعدها شيئا لما يقارب ثلاثون دقيقة وقد بلغ غضبها حد السماء السابعة لتصرخ به زاجرة اياه:
- أنت مقعدني هنا علشان تستهزأ بيا! نص ساعة عدت ولسه متعرفش حاجة عن قضيتي، هو أنت سهل عندك تضيع وقت الناس؟
رد بمنتهى الهدوء المستفز بلمحة سريعة نحوها وقال:
- اسكتي لغاية ما اخلص اللي قدامي، وأظن سكرتيري بلغك إني مشغول بس أنتي اختارتي تدخلي.. استني بقى
ما هذا البرود؟ ما كل هذا الإستفزاز؟ إن لم تكن في حاجة إلي من يُخرجها من تلك الورطة لكانت انفجرت به على الفور ولكن ما جعلها تنتظر هو ما أخبرتها به مساعدتها الشخصية عن سُمعته وشهرته وأنه لم يخسر قضية بحياته قط فزفرت في ضيق وحاولت التريث قدر المستطاع فهي لن تضيع كل ذلك الوقت الذي آتت به هباءًا.
لم تلحظ أنه قد رأى كل أنمله بها، جسدها هذا الذي يجعل أي رجل مثارًا حتى ولو بلغ المائة عام من عمره، ثدييها الملائمان فوق خصرها المنحوت، فتنتها وملامحها الأنثوية الهادئة التي تمتاز بالأناقة وتدفعه للتفكير بالكثير من الأمور التي تثني عقله عن العمل..
خلعت معطفها لشعورها بالحر لدفئ المكان ليجد تلك المؤخرة البارزة المثيرة التي قد يشرد بها حتى الطفل الصغير من فرط إثارتها..
شفتاها المرسومتان بإمتلاء يحرضا الناسك على تقبيلهما وعنقها الطويل الذي يصرخ متعطشا لتلثيمه ولكنه لم يظهر لها هذا أبدًا، لاحظ غرورها وكبرياءها وصرامتها فهي لا تبدو من النساء التي تحاول استمالته بحركاتهن المبتذلة فأبقى كل هذا بحسبانه وظل صاببا تركيزه على ما أمامه..
ظلت هي منتظرة حتى طالعت ساعة يدها لتجد نفسها منتظرة منذ أكثر من ساعتين لتجد نفسها تتوجه نحوه وتأخذ من أمامه الأوراق لترميها أرضا بعيدا عن مكتبه بعد أن بلغ نفاذ صبرها عنان السماء لتصيح به في انفعال جم:
- أظن أنا استنيت كفاية، اترافعلي في قضيتي وا**بها وهاديلك اللي تطلبه.. حتى لو اكتر من اي محامي تاني
توجهت نحوه ووضعت أمامه ملف قضيتها وهي تُلقيه بأنفة مبالغ فيها فأخذ يقرأ ما بها ولكن ما أدهشها هو عدم غضبه ولا إنفعاله بعد ما فعلته فلم تكترث وسلطت تركيزها على ملامحه وانتظرت أن يتفوه بأي شيء يُطمئنها بأن كل ما عمل عليه والدها لسنوات سيكون بخير ولن تخسره مهما كان..
انتهى من ملف القضية ليسأل مجددا للمرة المليون بهدوء:
- راجل عايز حصة اسهمه وحقه في إدارة شركة اخوه المتوفي على اساس الوصية اللي سايبها ليه.. ايه وجه الإختلاف بالظبط؟
شعرت أنها على وشك الانفجار من بروده الذي جعل كل ذرة دماء بعروقها تتحول لجحيم فنظرت له وكأنها ستحرقه بنار الشر المتطاير من عيناها العسليتان لتخبره بإنزعاج:
- الراجل ده كداب، مفيش وصية ولا حاجة دي مزورة، ده عمي نادر صادق، يمكن سمعت عنه، بيحاول من زمان يبقاله نصيب في شركاتنا بأي طريقة ورفضنا، وابنه اتقدملي مرة زمان وكان فاكر إن الجواز هيخليه يتدخل في شغلنا ورفضته، فجأة لقيت الملف ده اتبعتلي في البريد والوصية دي مزورة، أنا بابا مات من اربع سنين وخلصنا إعلام الوراثة من زمان.. أنا استحالة اقبل بيها ولا حتى اديله ولو سهم واحد.. خلصلي القضية دي وهادفعلك اللي أنت عايزه!
تفقدها بجدية وهي تتحدث بحرقة شديدة ولاحظ مدى مصداقيتها ولكنه كعادته سيُكلف أحًدا بالبحث خلف الأمر ليهمهم في تفهم ثم أردف ببرود:
- قضية سهلة.. بس أنا مش عايز فلوسك..
ارتفعا حاجبيها في دهشة وتوسعت عيناها لتسأله في استغراب:
- نعم!! وهتاخد إيه نظير أتعابك؟
ضيق عينيه يتفحص وجهها واجابها إجابة غامضة لا تسمن ولا تغني من جوع فقال:
- أضمنلك إنك هت**بي القضية، بس هيكون بيننا اتفاق..
التوت شفتاها في تعجب لترد سائلة:
- اللي هو؟!
اخبرها مجيبًا بهدوء جعلها تكره مجرد معرفة شخص مثله وهو يعيد ترتيب الأوراق بمنتهى الاستفزاز وطالعها مجددا:
- هبعتلك السواق، وهنتكلم بعدين في مكان تاني..
وقفت عاقدة ذراعيها بتحفز واعتراض واستطردت بسؤال آخر في تهكم وإنفعال:
- وليه منتكلمش هنا؟!
تكلم بصرامة وجفاء قاصدًا أن يجرح كبرياءها وغرورها مجيبًا:
- من دلوقتي أعتبري كل حاجة شغالة وقضيتك بتتابع.. هوفرلك فريق خاص يشتغلك على القضية بتاعتك، وكفاية إني هترافع واتابع القضية بشكل شخصي، ولكن لو متفقناش ملكيش حاجة عندي.. وقتك أنتهى.. أظن عطلتيني بما فيه الكفاية!
نظرت له بإمتعاض ولم تتقبل تلك اللهجة التي تحدث لها بها وأسرعت للخارج بخطوات متعجلة فنهضت "علا" وتبعتها لتصيح "روان" ولم تكترث أنها لا تزال بمقر شركته بنبرة آمرة:
- إيه اللي مناخيره في السما ده!! دوريلي على محامي تاني حالًا
ابتلعت "علا" في تردد وتحدثت بتلعثم:
- بس.. بس.. عمر يزيد هو من احسن المحـ..
صرخت بها بعصبية وقاطعتها:
- قولتلك شوفيلي محامي تاني!
أومأت لها في قبول على الفور لتهمس في قلة حيلة:
- حاضر!
⬢ ⬢ ⬢
جلست وحدها بغرفتها لتفكر بكل شيء حدث اليوم واعترفت لنفسها بأنها تركت غضبها وانفعالها يتحكم بها للغاية، ولكنها لا تستطيع تخيل أن يفعل عمها ما فعله وإرادته لسلبها هي وأسرتها كل ما عمل عليه والدها لسنوات بين ليلة وضحاها.. لا تصدق حقًا أن هناك أخ طامع بأخيه وتصل به الحقارة لهذه الدرجة..
ولكن يستحيل أن تكون هذه هي النهاية، لن تصبح هي المرأة الفاشلة التي يُسلب منها كل شيء هكذا، لن تستطيع وقتها مواجهة أمها وأخيها، لن تقبل أبدًا أن تكون المرأة الضعيفة قليلة الحيلة أمام أحد.. ماذا سيقول الناس وقتها؟ المجتمع بأكمله، ماذا سيقول؟
تلك اللقاءات الصحفية عن مدى نجاحها وإدارتها لشركات البرمجيات وتوسعاتها وهي إمرأة عازبة لا تملك سوى ذكاءها في هذا المجال والجميع يشيدون بها، أستكون هذه هي النهاية؟ لن تقبل هذا أبدًا..
تذكرت وقت ذهابها لذلك المحامي الشاب فجذبت حاسوبها وهي تُفكر، حسنًا.. لقد كانت طريقتها فظة، ولكنها منذ أن علمت بما فعله عمها وقد تملك منها الغضب الذي تعلم في قرارة نفسها أنه مجرد ستار لإخفاء خوفها.. ووجدت عقلها يُفكر بصوت مسموع بلقائها مع "عمر يزيد" اليوم..
- كان شكله بروفيشنال زيادة عن اللزوم، بروده ده كان over بصراحة ومقدرتش استحمله.. بس اول راجل ميبوصليش زي باقي الرجالة التانية، النظرات الو**ة دي مطلعتش ابدًا منه، طريقته غريبة يعني لا فرض عليا حاجة وفي نفس الوقت حسيته بيتحكم في الموضوع، مطالبش بفلوس، والموضوع ده غريب جدًا، بس إيه اللي هاشوفك وهيكون ما بيننا اتفاق؟ عايز مثلا يشاركني في شركاتي او ياخد حصة من الأسهم؟ وليه اصلا عايز يشوفني في مكان تاني؟!
انهالت افكارها لترتمي بعقلها هنا وهناك بينما تُكمل بحثها عنه عن طريق حاسوبها فكل ما وجدته من اخبار عنه تقول كم هو صارم ولديه سمعة جيدة ولم يخسر قضية قط! كل ما وجدته عنه يبدو مبشر للغاية، ولكن عليها أيضًا أن تبحث عن محامٍ آخر.. ماذا عن والده؟! اغلقت حاسوبها بغل وعصبية بالغة ما إن كان هذا الرجل البارد الغريب هو مُنقذها الوحيد من تلك الورطة فتمتمت في ضيق:
- عمر الغريب!! لما نشوف آخرتها معاه إيه!!
نهضت لتتحدث لمساعدتها الشخصية كي تحصل لها على موعد مع والده فوجدت هاتفها مغلق ليتصاعد غضبها فأكتفت بإرسال رسالة إليها وألقت بالهاتف على سريرها في حنق بينما تصاعد منه اهتزازًا دل على وصول رسالة فتوجهت بسرعة لتتفقدها ظنًا أنها من "علا" بينما تفاجئت مما احتوته تلك الرسالة فتمتمت في تعجب:
- ازاي عرف رقمي!!
⬢ ⬢ ⬢
معادنا الساعة تمانية
"عمر يزيد"
ابتسم ابتسامة جانبية بينما ملس على جبين برق مُتجولا عاري الص*ر بجوار حصانه بعد أن انتهى من إرسال الرسالة إليها ثم أرسل لسائقه لإحضارها ليفعل على التو ما أمره به وتبعه أربع حراس من الذين يطوقون قصره على بُعد واحد كيلومترا ولا يُسمح لهم بالإقتراب أكثر من ذلك..
وقف مستمتعًا بنسيم الهواء البارد وقد تخلى عن رسميته تمامًا لتتحول ملامحه ليشابه رجلًا آخر تمامًا غير ذلك الرجل الذي كان بشركته صباح اليوم، شعره تتخلله نسمات تبعثره، بنطاله الأ**د غير الرسمي وحذاءه يجعلاه يبدو كأحدى الشباب الذين يتسكعون على الأرصفة بالطرق.. وتخلى كُليًا عن مظهره المحافظ الذي يحاول أن يُظهره للجميع!!
منذ رؤيتها صباح اليوم لم يستطع أن حضرت الإغفال عن ملامحها التي ع**ت بها كل ما يريده في إمرأة أمامه، حُفرت صورتها بعقله لتُذكره بالكثير مما تمنى لسنوات، جسدها وشعرها وحتى نبرة صوتها، كل أنملة بها تُحسه على ضرورة تملكها مهما كان الثمن!!
لم ينس طريقتها الجريئة في اقتحام مكتبه، لهجتها المتحكمة، إملائها للآوامر وكأنها المسيطرة على الأمور، كم كانت كتحدٍ له، لبؤة شرسة تحتاج للترويض.. سيرى إذن ما الذي ستفعله عندما يُملي هو الآوامر ويذكرها أن عليها الإنصياع وإلا لن تملك حيلة أمام عمها "نادر صادق"..
يعرف هذا الرجل ويعرف كم أن نفوذه بالغ، ويعرف أن القضية ليست سهلة عليه أن يملك الكثير والكثير من الحيل حتى يُحكم لصالح "روان" بها.. ستحتاج فقط للمزيد من العمل والتركيز وسينتهي منها ببساطة!!
عليه أن يتخذ نفوذ عمها وسُمعته وشهرته حجة منيعة كي تقبل كل ما يريده منها، فتاة مثلها لن ينفع معها سوى الزواج، وسيتخلص منها في النهاية.. فبعد كل ما عرفه عنها من أمور لن تكون فريسة سهلة الصيد، إمرأة رفضت العديد من عروض الزواج مثلها لن تجد من هو أفضل منه لتقبله كزوج لها.. ستقتنع وسترضخ شاءت أم آبت، لم يفشل قط في اقناع مستشارين بأحكام عدة وبالطبع لن يفشل مع إمرأة، ستأتي الآن في غضون ساعة ولن تتركه قبل الموافقة على كل ما يريده..
شرد من جديد وهو يبتسم متخيلًا العديد من المواقف والمشاهد التي تجمعها معه بعد أن تُذعن وتنصاع له حتى تُصبح ملكه، وقتها ستتعلم كيف أن تتصرف جيدًا مع "عمر الجندي" وستندم أشد الندم على كل ما فعلته معه اليوم، مجرد ملامحها التي يُسكن عقله بها وهي تتحول من تلك المرأة المتحكمة إلي أخرى متوسلة خاضعة لكل ما يريد تجعله سعيدًا بطريقة جديدة لم يشعر بها منذ سنوات!!
تناول نفسًا مطولًا ثم زفره وعقله يُطنب بالمزيد من التخيلات ليتمتم بنبرته الدافئة قائلًا:
- بكرة ا**رك واعلمك ازاي تتعاملي معايا، بكرة تتحايلي عليا وانتي خايفة ومرعوبة وبتنفذي كلامي بالحرف.. لما أشوف آخرتها معاكي يا قطة!!
⬢ ⬢ ⬢
رمت هاتفها في حنق شديد بسبب معرفته لرقم هاتفها الخاص ولكنها أسرعت لتستعد وارتدت ملابسها فهي إلي الآن لا تملك حلًا بيدها سوى هو ولم يمر سوى ثلاثون دقيقة لتجد من يتصل بها فأجابت هاتفها على الفور:
- الآنسة روان صادق
تعجبت عندما استمعت لهذا الصوت الرجولي ولكنها اجابت في تساؤل:
- ايوة أنا.. مين معايا؟
اجابها في وقار على الفور:
- أنا السواق الخاص بـ Mr عمر يزيد.. هو في انتظار حضرتك وبعت العربية علشان اوصلك.. أنا وصلت برا على البوابات بس محتاج من حضرتك تبلغيهم إني اقدر ادخل
شعرت بالضيق من تصرف هذا الرجل الذي قابلته للتو صباحًا ولم تمر سوى ساعات لتجده يُرسل لها من يقلها.. كادت أن تصرخ بالسائق ولكنها أدركت أنه ليس خطئه لتهمس في قلة حيلة:
- أوك..
انهت المكالمة لتفتح له البوابة الإلكترونية فهي أيضا تعيش بمنزلاً فخما يصرخ بالثراء.. ليس كمثل منزله بالطبع ولكنه منزلا كبيرا بحديقة عملاقة ولها مرأبا خاصا به السيارات الخاصة بالعائلة..
ملئتها الدهشة حقا من كيفية علمه بمنزلها ورقمها وطريقته المتسلطة ولكنها تحملت علها تنتهي من ذلك الأمر ثم نزلت للأسفل ولم ترد أن تجادل بعد أن رآت سيارتان قد آتت لتصحبها..
ظلت طوال الطريق تُفكر بما يريده ولماذا منزله بعيدًا هكذا وبمكان ناءٍ للغاية.. شعرت بالقليل من التردد ولكن هدفها لتتخلص من تلك القضية والحفاظ على ثروة أُسرتها كان أهم من كل شيء..
رأته كطوق النجاة الأخير خاصة وأن "علا" لم تجبها حتى الآن بأي معلومات عن محام آخر.. دخلت لتندهش من مدى كبر منزله التي قد دخلته السيارتان وظلت تسير ما يقارب من خمس دقائق وحديقته التي لم ترى لها بداية من نهاية وحتى وصلت في منتصف الطريق أمام حائطاً من الحراس ثم استمعت إلي صوت السائق يتحدث لها:
- لغاية هنا ومش مسموح لحد انه يدخل.. اتفضلي حضرتك وهتلاقي حد في انتظارك..
التفتت حولها لترى منزله على مدى نظرها ولكنه بعيدًا نوعًا ما لتصيح في تعجب:
- وهو أنا هامشي المسافة دي كلها؟..
حمحم السائق بينما رد في وقار:
- بعتذر لحضرتك بس دي تعليمات منقدرش نخالفها!
ترجلت من السيارة والحنق يتآكلها وبينما سمح لها الحراس بالمرور من بينهم تمتمت في تهكم:
- هو فاكر نفسه إيه؟! رئيس دولة وأنا مش واخدة بالي ولا جاي من عصر المماليك..
انتبهت لترى رجل على حصان يرمح متجه نحوها وهو يعدو ويبدو وكأنه لن يتوقف أبدا. تسمرت بمكانها تنظر له فخلفها الحراس وأمامها رجل يقترب بجموح وكلما أقترب زاد رعبها وأدركت أنه هو ولكنه لا يتوقف حتى غطت وجهها بكفيها وصرخت ولكنه توقف باللحظة الأخيرة على مقربة منها..
حاولت التقاط أنفاسها وتهدئة ضربات قلبها التي تسارعت بص*رها بجنون من مجرد فكرة أنه كاد أن يُصيبها فوجدته يمد لها يده بملامح جافة وصارمة لتصيح به:
- انت فاكرني هاركب الحصان ده، اتجننت ولا ايه؟
أشرأبت تنظر له بعينيه الثاقبتين التي وجدتهما فارغتان تماما من أي مشاعر تُذكر ليسألها مُجيبًا في هدوء:
- مفيش قدامك غير الحل ده وإلا ممكن تمشي..
آثار حنقها وغضبها بمجرد تلك الكلمات وعينتيه لم تغفل عن تفقد مظهرها الذي بدا مألوفًا له ليبتسم بداخله في غرور وهو يعلم جيدا إلى ماذا سيوصله كل ما يفعل..
تمسكت بحقيبتها ثم تلمست يده الممتدة إليها فوجدته يرفعها بكل سهوله أمامه لتمتم بصوت لا يُسمع:
- ده باينه مجنون بجد..
أحاط خصرها المنحوت ليُمسك باللجام دون أن يتلمسه لتُخفض من رأسها وهي تزفر في ضيق لتلاحظ عروقه البارزة على يداه يمينًا ويسارًا حولها وشرع حصانه بالركوض بينما تسارعت ضربات قلبها..
لا تعلم هل من الخوف تجاه الح*****ت بأكملها بصفة عامة او من رائحته الرجولية خلفها واقترابه وذلك الموقف الذي لم تواجهه قبلًا بصفة خاصة..
توقف أمام بوابة منزله لينزل في لمح البصر بينما تنفست الصعداء لتوقف ذلك الكائن عن الركوض وأختل توازنها فظنت انها ستقع لتصرخ ولكنه مد يده إليها كي تستند عليها وتترجل وبما أن نزلت تركها ودلف لمنزله تاركًا اياها خلفه..
لم تدر ما تلك الفظاظة التي قد يُعامل بها احدى الرجال إمرأة لتوه عرفها لتزفر حانقة واتبعته للداخل على مضض لتتفقد بعسليتيها أين عليها الجلوس فظلت واقفة بالمدخل لدقائق تتأمل المنزل الذي يبدو كل شيء به دافئا للغايةعلى ع** صاحبة الذي يتسم بالبرود وعدم الشعور وكأن أحاسيسه قد ذهبت مع الريح في يوم عاصف..
ما أدهشها هو أن المنزل مرتبا ومنظما بعناية فائقة وكل شيء يبدو منمقًا نظيفًا لا تشوبه شائبة وأخذت عينيها تتفقد المزيد ليأتي صوته الرجولي العميق ليفيقها من شرودها بتفاصيل منزله:
- اقعدي
رمقته على مقربة ثم تسائلت في رسمية فهذا هو منزله على كل حال:
- فين؟
اجابها بإقتضاب:
- مكانك
ظنت أنه يستهزأ بها لأنها تقف على الأرض دون وجود أية مقاعد حولها لتتعجب في إستنكار:
- انت عايزني اقعد على الأرض؟
قابلها وجهه الحاد ليجيبها ببرود:
- النهاردة بس هسيبك تعملي اللي انتي عايزاه
ما كل هذا التسلط والفظاظة التي تحملها نبرته.. ما كان عليها قبول هذا الموعد السخيف.. عقدت حاجباها مستفسرة لتسأله:
- تقصد ايه؟!
استدار وتركها وكأنها غير موجودة ليخبرها مجيبًا:
- اقعدي في الحتة اللي تعجبك
شعرت بالغضب من طريقته الفظة وكم تمنت أن يكون لائقا قليلا ولكنه أثبت وبجدارة كم هو غريب الطباع، حتى بمنزله نفس الصرامة والجدية بالإضافة إلي الوقاحة تجاه زواره.
جلست على أريكة بيضاء وثيرة وقد وقعت في عشقها منذ أن تفقدت تفاصيل ردهة منزله فتبعها حاملا كوبان من القهوة وقدم واحد نحوها دون حديث ولا حتى كلمة ودودة لائقة مثل تلك التي تُقال في هذه المواقف لتزفر وتناولت الكوب منه على مضض بينما تمتمت بنبرة اعتراضية:
- معلش بس مش بشرب قهوة بعد الساعة سبعة بليل
أسرع كأنما يحفظ ما ينوي قوله عن ظهر قلب واجابها في ثقة:
- هتحتاجيها!
تأجج الغضب داخلها وأوشكت على أن تتجادل معه ولكنها ذكرت نفسها الآن بأن كل شيء يعتمد عليه.. هي لن تترك عمها وابنه كي يحصلا على إرثها هي واخيها ووالدتها وإلي تلك اللحظة لا تملك محامٍ آخر سوى هذا الرجل المبالغ به لتهمس بمزيدًا من المضض:
- أوك
لم تتوجه إليه بالشكر أو الإمتنان.. فهي منذ أن آتت ولا يعاملها إلا بمنتهى الفظاظة.. هذه بتلك إذن.. كبرياءا وعلوا منها لن تقابله سوى بنفس طريقته المُتعجرفة لما قد بادر به هو قبلا!
حمحمت ثم سألت مسرعة لتتدخل بصلب الأمر الذي تطرقا له صباح اليوم:
- ايه بقى الإتفاق اللي هنتفق عليه؟
تفقد تلك العسليتان وملامحها التي تُذكره بالكثير مما مر عليه يومًا ما ثم حدثها مُجيبًا بمنتهى الهدوء الذي أمتزج بجدية مبالغ فيها وصرامة شديدة:
- أضمنلك انك ت**بي القضية، وهضمنلك الحماية وأن محدش يتجرأ انه يقرب من أملاكك وأخوكي ووالدتك، بس فيه شرط واحد!
هزت رأسها في تعجب بمنتهى التلقائية، سألت نفسها كيف له أن يعلم كل هذا في غضون سويعات فقط لتشعر بالإستغراب لتسأله بنبرة تدل على تفكيرها الشديد:
- أنت عرفت منين إن عندي أخ وازاي عرفت ماما؟! وشرط ايه ده اللي بتتكلم عنه؟
دون تردد، واثقا بما سيقول، وبملامح لا تحمل أية مشاعر، سوى ثاقبتان تتفحصها بطريقة مُريبة، اجابها على الفور قائلًا في هدوء كلمة واحدة لا غير:
- هتجوزك!
توسعت ابتسامتها في سُخرية وهي تنظر له، ثم طأطأت برأسها إلي الأسفل غير مُصدقة لما سمعته، وبعد وهلة رفعت عسليتيها نحوه لتحدثه متهكمة:
- أنت مجنون ولا غ*ي؟! انت واخد بالك أنا جيت ليك ليه من البداية؟! علشان رفضت اي علاقات أو أتجوز اي حد وخلاص.. مش كل اللي عايز يتجوزني بقبله وإلا كنت قبلت ابن عمي.. أنت جايبني دلوقتي تساومني إني اتجوزك قصاد إنك تترافعلي في القضية وحماية ماما وأخويا؟!
صرخت به في عصبية بالغة بجملتها الأخيرة لتنهض قائمة من شدة الغضب الذي ألم بها لتجده ينظر لها في جمود شديد وهدرت نبرته العميقة في هدوء:
- أولاً اياكي ترفعي صوتك عليا تاني.. ثانيا مش هقارن بيني وبين حثالة زي عمك وابنه وباقي الرجالة.. أنا مش طمعان في فلوسك.. ثالثًا هضمنلكِ حريتك وحقوقك وحمايتك أنتي وأسرتك وحتى لو حبيتي إنك تشتغلي بعد الجواز، فكل ده أنا موافق عليه..
وعموما، قدامك عقد الجواز فيه كل الضمانات اللي ممكن تحتاجيها وكل اللي قولتهولك ومتنسيش طبعا أن جوازنا هيكون قصاد انك ترجعلك شركاتك أنتي ووالدتك وأخوكي.. وقتها عمك وابنه مش هيقدروا يخاطروا معاكي بموضوع الورث ما دام أنا جانبك وجوزك وانتي واسرتك تحت حمايتي..
وأوعدك إن مفيش حاجة هتحصل غير بإرادتك وبرغبتك وأنا راجل معروف إني دايما عند كلمتي.. فكري براحتك وبلغيني بقرارك..
أخبرها بنبرة فارغة من المشاعر ماثلت ملامحه المُبهمة، هادئة، واثقة للغاية، لم يدل شيئًا به عن الحياة سوى تلك السودويتان العميقتان التي تتفحصها بطريقة تُربكها..
تركها في حيرة من أمرها لتتعجب لمدى هدوءه وجديته وكأنه يترافع في قضية.. تحدث بالكثير في منتهى الصرامة معللًا كل شيء.. ربما يكون محامٍ جيد بالفعل.. ولكن تتزوج منه!! لماذا هي؟ ومهلًا.. هي لن تتزوج بتلك الطريقة مطلقًا.. أيتفاوض معها بشأن الزواج.. هل فقد عقله؟!
ما تلك التحكمات.. أيسمح لها بالعمل والحماية بمنتهى الهدوء والعجرفة؟ يا له من كريم للغاية أن يسمح لها بالحياة!! رجل ليس في مثله رجال.. فكرت في سخرية ثم صاح عقلها يزجرها.. يا لحظك السيء بمعرفة رجل مثله!
لم تكن ردة فعلها متوقعة.. حسنًا عليه التفاوض بشأن الأمر إذن، سيساومها، سيتركها تظن أن لديها فُرصة، وكلما مر الوقت لن تجد سوى الرضوخ والإذعان التام، هذا ما يُريده من البداية على كل حال، لذا تكلم كي نتشلها من تساؤلات عقلها صوته الذي هدر بهدوء مُريب:
- بالمناسبة تلت ايام تفكري وتردي عليا.. هاسيبك وخدي وقتك كله بس فيه حاجة، لو ممضتيش على العقد ده في خلال التلت ايام انسي بقى إنك عرفتي في يوم حد اسمه عمر يزيد وكل اللي اتكلمنا عنه بخصوص القضية اعتبريه محصلش.. فكري واختاري براحتك
رمقته في تعجب رافعة حاجبيها وكادت أن تصرخ به ولكنه كان أسرع وقال:
- تلت ايام بس ولو عدى ساعة واحدة مفيش نقاش في الموضوع.. مفهوم؟!
ضيقت ما بين حاجبيها وهي تتفقد ملامحه الغريبة ولم تصدق تلك التراهات التي تواجهها بينما نهض أسفل انظارها وآتى بعقد للزواج ليضعه أمامها فرمقته في سخرية ثم بدأت تحدثه بأنفة شديدة ونظرة متغطرسة:
- تعرف يا عمر! انا كنت فاكراك حد جد اوي في شغله ورسمي جدًا.. بصتلك وحسيتك إنسان محترم وندمت اوي على أعصابي اللي فلتت مني النهاردة الصبح في مكتبك.. كنت هعتذرلك.. قلت يمكن هو راجل ناجح ومشغول ومعندوش وقت علشان كده افتكرتك هتساعدني وفضيت نفسك ولاقيتلي وقت وسط شغلك الكتير..
بس إن يوصل بيك الجنان، وعقلك يخطر عليه إنك تساومني على الجواز.. ده انا حتى كنت فاكراك راجل ذكي جدًا.. بس كده بعد اللي انت عملته تفرق ايه عن اي راجل تاني؟!