كان على وشك أن يصفع زوجته . أفاق . كان يتصبب عرقاً ، وكانت يد على جبهته !
أمسك الرسغ :
- " ( سارا ) ! "
سمع الرد :
- " حبيبي . "
قفز من فراشه :
- " أنت ؟ "
- " نعم ، أنا . "
- " هل فعلاً أنت ؟ لا أحلم أليس كذلك ؟ "
- " حلم ! "
- " حسناً ، ولكن كيف نجوت بهذه السرعة ؟ "
ضحكت :
- " أنا أيضاً دهشت ، ذهبنا إلى المدينة . أسئلة وتحقيق . . . في النهاية وجدوني غير مذنبة ، كما أن ( أنور ) قبل واعترف بصراحة بأن الذنب ذنبه . . . "
- " ثم ؟ "
- " ثم أعادوني بسيارة الجيب التي أخذوني بها . . . هل فتشوا هنا ؟ "
- " ممن سمعت ؟ "
- " من المساعد الأول . "
- " المساعد الأول مرة أخرى ؟ "
- " أماناً منك أنت ، ليس المساعد الأول فقط ، الدنيا كلها لا تساوي شيئاً عندي بدونك ! "
- " فتشوا . "
- " كيف لم يعثروا عليك ؟ "
حكى لها قصة ما حدث بالتفصيل .
انفعلت ( سارا ) جداً وهي تستمع إليه ، أمسكت بيده :
- " ألم تخفْ ؟ "
- " كنت أرتعد خوفاً ! "
- " حسناً ، ولكن كيف لم يعثروا عليك ؟ "
- " أنا أيضاً لم أفهم ، ولكن كانت الشمس قد غربت ، وصار المكان هنا معتماً بإذن الله . "
- " ألم يخطر ببالهم أن يشعلوا مصباحاً أو سواه ؟ "
- " أشعل العسكري قداحته ، لكن الهواء . . . "
- " طيب ، ولو كانوا عثروا عليك ؟ "
مدَّ يده وتناول المسدس من جانب الفراش وسدَّد فوهته إلى صدغه .
- " طاخ ! "
ارتعدت المرأة :
- " حقاً ؟ "
- " لم يكن هناك خيار آخر . "
- " وماذا كنت سأفعل أنا حينها ؟ "
- " أنت أيضاً كنت تعملين ما يمليه عليك وضعك ، لأني لو عُثر علي ، تمام . الحبل . اتركي الحبل ، كنت فضحتك للدنيا أنت المرأة المعروفة بالشرف هنا ! "
قالت ( سارا ) بشك :
- " إذن اقتنعت بذلك فعلاً ؟ "
- " اقتنعت . "
- " كيف اقتنعت ؟ "
- " حتى جارتك ، عدوتك ( شريفة ) لم تستطع أن تغبِّر على شرفك ! "
أجهشت المرأة بالبكاء لشدة فرحها ، أسندت رأسها إلى ص*ر الرجل القوي ، وبكت ، ثم رفعت رأسها وقالت :
- " حبيبي ( حبيب ) ! "
- " روحي ! "
- " أتعرف ماذا سنفعل ؟ "
- " ماذا سنفعل ؟ "
- " سوف أبيع هذا البيت على وجه السرعة ! "
- " لماذا ؟ "
- " لنرحل إلى مدينة بعيدة ، بعيدة جداً ! "
قال ( حبيب ) متأثراً :
- " هذه رغبتي أيضاً ، هل تذهبين معي حيث أذهب ؟ "
وبدون أدنى تفكير أجابت :
- " أذهب . "
- " إلى الموت ؟ "
- " إلى الموت . "
- " وتعطيني هوية زوجك . "
- " أعطيك . "
- " أنت وأنا و( سمير ) . . . أين ( سمير ) ؟ "
- " أنمته في مكانه على الأريكة ، لقد نعس في الطريق . "
- " لنعيش من أجل بعض . . . "
- " لنعيش . "
- " لكن . . . "
- " ماذا ؟ "
- " يجب أن نفكر ونتدبر أمرنا في كيف سنتحرك . . . "
- " لنفكر يا حياتي . طبعاً كما تراه أنت مناسباً ! "
- " ليس أسرع من الغد ، اعرضي البيت فوراً للبيع ! "
- " أعرضه . "
- " بأي ثمن . "
- " بأي ثمن . "
- " ثم نذهب نحن . "
- " نذهب ! "
- " . . . . . . . . . . . . "
- " . . . . . . . . . . . . "
لن يكون ذلك بهذه البساطة بالنسبة لـ( حبيب ) ، مع أن بيع البيت واستلام الطريق يبدو سهلاً ، لكن كيف يخرج ( حبيب ) من هنا ؟ وحتى لو خرج كيف سينجو من أولئك الذين ما زالوا يبحثون عنه بشدة يميناً ويعتاقة ؟
سألته ( سارا ) بم يفكر .
فأطنب ( حبيب ) في الشرح .
كانت ( سارا ) قد فكرت في كل شيء بدقة :
- " أبيع البيت ، وأحدد يوماً معيناً لتسليمه ، وقبل أن يحين اليوم المعيَّن أُخرجك بعد منتصف إحدى الليالي إلى طريق الجبل ، حيث تنتظرنا في مكان ملائم ، بل وتتقدَّمنا متخفياً لفترة ، ومن إحدى المحطات الجبلية نستقل القطار . "
لمعت عينا ( حبيب ) ببريق الأمل ، فصاح :
- " ( سارا ) حبيبتي ! "
- " روحي . "
- " أنتِ حياتي . "
- " دعكَ من مدحي ! "
- " أنا لا أمدحكِ بل أقول الحقيقة . "
- " ضمَّني ! "
- " . . . . . . . . . . . . "
- " . . . . . . . . . . . . "
التفَّ الرجل الشاب بعنق المرأة الشابة برغبة أكثر كثيراً من أي وقت مضى ، ثم تدحرجا إلى الفراش .
وكان الوقت صباحاً عندما استيقظا .
قفزت ( سارا ) ونهضت ، ونظرت إلى الأسفل ، كان ( سمير ) مستيقظاً أيضاً ، يلعب فوق الأريكة بالعربة ذات العجلات التي صنعها له " أبوه " من بكرات الخيط .
كان الطفل مستغرقاً في اللعب .
وبدون أن تص*ر أي صوت راقبته ( سارا ) برهة .
بدا الطفل وكأنه يقود عربته في طرق جبلية ، وهو يكلم نفسه :
- " . . . . . . هوب ، من هنا ، إلى اليمين ، إلى اليمين ، أنا وأمي ، وأبي ، أبي يأخني في قلبه ، وأمي بجوارنا ، الطرق الجبلية نازلة صاعدة ، عربتنا سليمة ، الهواء حار ، الطقس صافي ، مالي ولهذه البلدة ؟ نحن ذاهبون إلى المدينة البعيدة ، المدينة التي في البعيد جداً ، حيث لا يمكن لـ( أنور ) الأعرج الوصول إليها ، حتى ولو جاء لا يستطيع العثور علينا ، وإن عثر علينا فتلك مدينة ، الدرك لديهم سيارة جيب . أنا ركبت سيارة الدرك الجيب وكذلك ركبها ( أنور ) الأعرج ، وأمي . ( علي ) ابن ( شريفة ) لم يستطع ركوب سيارة الجيب ، ابن ( شريفة ) لا يستطيع المجيء إلى مدينتنا ، أبي سيشتري لي في المدينة دراجة زرقاء بثلاث عجلات ، إني أحب أبي وأمي كثيراً ! علي لديه دراجة ، لكن دراجة ( زينيل ) أجمل منها ، دراجتي أيضاً ستكون مثل دراجة ( زينيل ) ، دراجته حمراء أما دراجتي فزرقاء . "
رفع رأسه للحظة ، فلمح أمه في فتحة العلية ، ضحك بأسنانه البيضاء .
ضحكت المرأة أيضاً ، ونزلت إلى الأسفل وهي تقول :
- " صعدت لأرى فيما إذا كان الغطاء مكشوفاً عن أبيك . "
خفض الطفل بصره إلى عربته وسألها :
- " متى ؟ "
- " قبل قليل . "
امتلأ الطفل خجلاً ، قال دون أن يرفع بصره عن عربته :
- " كاذبة ! "
ارتبكت المرأة وقد أحسَّت بأشياء فسألته :
- " لماذا ؟ "
- " نمت ليلاً معه ، أتخدعينني ؟ ولكن نامي ، أليس أبي ؟ كيف تنام أمهات الجميع مع آبائهم ؟