10

1476 Words
سحبت المرأة طفلها من ذراعه وضمته إلى ص*رها : - " ( سمير ) ! " - " هه ؟ " - " سوف نبيع بيتنا ونرحل إلى المدينة  ، هل تعرف ؟ " - " أعرف  . " - " من أين تعرف ؟ " - " بل سمعت  ، عندما كنت تتكلمين ليلاً مع أبي في الأعلى ! " أدركت المرأة أن الطفل سمعهما طوال الليل  ، فأردفت : - " وسنشتري لك دراجة بثلاث عجلات  . " نسي الطفل كل شيء وسأل ببهجة : - " مثل دراجة ( مسعود ) ؟ " - " مثل دراجة ( مسعود )  . " - " لا أريدها من نوع دراجة ( علي )  . " - " طيب  . " - " لكن يجب أن تكون زرقاء  . " - " كما تريد أنت ! " - " هل سيحسدني بقية الأطفال على دراجتي ذات الثلاث عجلات ؟ " - " طبعاً سيحسدونك ! " - " وإذا عثروا على أبي في المدينة ؟ " - " لا يمكنهم العثور عليه  . " - " وكيف نعرف ؟ " - " المدينة كبيرة  . " - " هل هي عملاقة إلأى هذا الحد ؟ " - " عملاقة جداً  . " - " ألا يعرف فيها أحد أحداً ؟ " - " لا يعرف  . " - " متى سنذهب ؟ " - " عندما نبيع بيتنا  . " - " لمن سنبيعه ؟ " - " لمن يشتريه  . " - " فلنبعه غداً فوراً ! " ضحكت المرأة وقالت : - " لكنه لا يباع فوراً  . " - " متى يباع إذن ؟ " - " عندما يشاء الله  . " جاء صوت ( حبيب ) من الأعلى : - " العافية ! " نظر ( سمير ) إلى أبيه بسرور  . بينما قالت ( سارا ) : - " لمَ لا تأتي ؟ " نزل ( حبيب ) ببطء  ، وتربع على الفراش  ، فراش المرأة  ، وقال وهو يشم بنهم علبة السجائر التي في يده : - " ليلاً  ، في حلمي  .  .  . خيراً إن شاء الله  .  .  . " رددت ( سارا )  ، و( سمير ) : - " خيراً إن شاء الله  . " - " رحلنا إلى المدينة ! " التفت ( سمير ) إلى أمه بانفعال : - " أمي ! " - " حبيبي ؟ " - " هل تتحقق الأحلام ؟ " - " أغلبها يتحقق  . " صفق ببهجة : - " هييييه  .  .  . سوف نرحل ! لو يباع هذا البيت فوراً ! " احتضن ( حبيب ) ابنه وقال : - " سوف يباع  ، البيت سوف يباع  ، وفي أحد الأيام نستقل القطار توووت  .  .تشو تشو  .  .  .  .تش تش  .  .  .  .توووووووت ! " لم يكن الطفل قد رأى القطار لكنه سمع عنه كثيراً  ، مع ذلك سأل : - " ما هو القطار بابا ؟ " شرح ( حبيب ) بجدية : - " القطار  ، عدة عربات متصلة ببعضها  ، تسير على سكتين حديديتين متوازيتين  ، ويكون طويلاً  .  .  . " - " كيف يسير ؟ " - " باه تشي  ، باه تشي  ، باه تشي  .  .  . " - " ألا يصفِّر ؟ " - " يصفِّر  . " - " كيف ؟ " - " تووووووووووت توت توت توت ! " - " هل يزحف مثل ثعبان أ**د ؟ " - " يزحف مثل ثعبان أ**د خرافي  . " - " ألا يلحقه شيء ؟ " - " لا يلحقه شيء  . " - " ولا الشاحنة ؟ " - " ولا الشاحنة  . " - " الجيب ؟ " - " ولا الجيب  . " - " السيارة الصغيرة ؟ " - " ولا السيارة الصغيرة  . " - " الطائرة ؟ " - " ولا الطائرة  ، لكن مهلاً  ، الطائرة تلحقه  ، بل وتسبقه إذا أرادت  . " - " الرصاصة ؟ " - " والرصاصة تلحقه  . " - " بابا ! " - " هممم  . " - " هل يقف القطار عندما يصل إلى المدينة ؟ " - " يقف  . " - " هل القطار ذو روح فيقف ؟ " - " ليس ذا روح  ، لا يقف من تلقائه  ، هم يوقفونه  . " - " من يوقفه ؟ " - " سائق القاطرة التي تجر القطار  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " - "  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  .  . " تركتهما ( سارا ) و نهضت  ، فأشعلت بابور الجاز ووضعت إبريق الشاي فوقه  ، ثم فتحت خرقة المائدة  ، ووضعت عليها خشبة العجين التي يستعملونها كطاولة  ، وقسَّمت الخبز : - " ما أجمل ما اشتريته البارحة من باذنجان وطماطم وفلفل  ، ولحمة مفرومة  ، كنت سأطبخ لكم محشي باذنجان  ، وفيما كنت أتعارك في الغابة تبعثرت كلها  . " - " تشترين غيرها اليوم  . - " بإذن الله سأشتري حاجيات المحشي  ، كما سأقابل المختار لأبحث معه مسألة بيع هذا البيت  ، فقد أصبت بكراهية شديد من هذه الأنحاء  . " قال ( سمير ) : - " وأنا أيضاً  . " ضحك ( حبيب ) و( سارا )  . شربوا الشاي خلال ساعة  ، ثم تركت ( سارا ) الأب والابن وحيدين في البيت ونزلت إلى الطريق  .  كانت قد صارت بطلة في البلدة في خلال يوم واحد  ، وصار كل من يصادفها في الطريق من الأصحاب والأصدقاء والمعارف  ، بل حتى ممن لا يعرفونها  ، يقولون لها : " حمداً لله على السلامة "  ، وكانوا يضيفون بعد أن يلتفتوا يمنة ويسرة : - " سلمت يداكِ  ، ما أحسن ما فعلتِ يا سيدة ( سارا )  ، فليفهم أنه ما كل الطير يؤكل لحمه ! " لم يعد لدى ( سارا ) أي ميل لهذا الكلام أساسا مهما قالوا  ، ومهما فعلوا سوف تبيع بيتها دون أن تسأل عن السعر  ، بأي ثمن ستبيع وستضع المال في جيبها  ، وسترحل مع ابنها ومع الرجل الذي أحبته إلى البعيد  ، هناك في البعيد المدينة  ، وفي المدينة زحام  ، زحام لا معارف فيه  ، ولا من يتحدث عنك بسوء من خلفك  ، زحام مستغرق في شغله وعمله  ، فإذا ما استأجروا بيتاً في أحد الأحياء المحيطة بالمدينة ! سألها المختار بعد أن استمع إليها مطولاً : - " وهل لك أحد المدينة ؟ " فابتدعت ( سارا ) : - " لي يا عمي المختار  ، لي خالتي  ، وبنات خالتي  .  .  . وأنت أدرى بأنني زهقت  ، وضقت ذرعاً بالقرف والقيل والقال ومضايقات الناس لي هنا على مدى سنوات طويلة  ، اصطحب ولدي  ، وأذهب إلى مدينة كبيرة وأريح رأسي على الأقل من الثرثرة  . " - " وإذا جاء زوجك في يوم من الأيام ؟ " ابتدعت أيضاً : - " سوف أعطيكم عنواني عندما أذهب  ، لكني لا أظن أبداً بأنه سيعود  ، الرجل الذي لم يسأل ولو بسطرين خلال هذه السنوات  ، لا بد أنه مات  . " - " لا يعلم الغيب إلا الله  .  . ماذا أقول لك ؟ ليفتح الله طريقك ويسهِّل لك  . مني هذا القدر فقط  . " رغم كون المختار من الحزب الديمقراطي  ، إلا أنه لم يكن يحب ابن حزبه ( أنور ) الأعرج مطلقاً  ، وكان أكثر ما يكره فيه تجاوزه على العرض والشرف  . قال كمن يفشي سراً : - " هذا الأعرج الكلب لن يريحك إذا بقيت هنا  .  .  . لذلك فإن رحيلك أنسب  . المدينة كبيرة  . وفيها إلى جانب غسل الغسيل أعمال أخرى أكثر من هنا بكثير  . " ظهر خلال ثلاثة أيام راغبون كثر في شراء بيت ( سارا ) لا راغب واحد  ، وبعون المختار بيع البيت لمن دفع سعراً أعلى  ، وتمت كافة إجراءات البيع كيفما اتفق  ، ولما استلمت ( سارا ) ثمنه  ، جلبته وأرادت تسليمه بالكامل إلى ( حبيب )  . جلس ( حبيب ) وسط الغرفة القرفصاء  ، ثم تربّع ومدَّ ساقيه جانباً  ، نظر هكذا إلى كيس المال الذي قدَّمته له ( سارا )  ، وقال : - " ما هذا ؟ " - " ألم نبع البيت ؟ هذا ثمنه  . " - " لماذا تعطيني إياه ؟ " - " ليبقَ معك ! دفع ( حبيب ) كيس المال بظاهر يده وقال : - " ليس من عادتنا أن نمد يدنا إلى مال المرأة ! " ثم أخرج من جيب بنطاله كمية من المال  ، رُزماً من فئة الخمسين ليرة  ، ومن فئة المئة ليرة  ، ومدَّها إلى المرأة  . نظرت المرأة إلى المال بدهشة وقالت : - " خيراً ؟ " - " أموالي ! - " ما بها ؟ " - " لتبقَ معك  .  .  . لتبقَ هذه الأموال أيضاً معكِ ! فهمت المرأة الرجل  ، فعمدت هي أيضاً مثله تماماً  ، ودفعت المال بظاهر يدها وقالت : - " عندنا أيضاً لا يمكن أخذ مال رجل لم يعقد زواجه علينا  ، فليبقَ مالك معك الآن  ، وليبق مالي معي  . اتفقنا ؟ " - " اتفقنا ! "   ******
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD