13

1338 Words
وربما لن يعودوا إلى هنا ثانية  .  . وطالما أنهم لن يعودوا  ، فيجب أن يعرف علي أن لـ( سمير ) أباً  ، فإن لم يعرف ذلك الآن  ، فإنه سيظل يقول في نفسه كلما خطر ( سمير ) بباله حتى ولو بعد سنوات  .  . ذاك لم يكن له أب في وقت من الأوقات ! له أب خطير وشجاع  ، ثقب جدار السجن وفر وجاء بعد سبع سنوات من المطاردات والمغامرات  .  . أضف إلى أنه أطول قامة من جميع الآباء في هذه البلدة  ، وساعده أقوى  . يستطيع أن يضرب جميع الآباء في هذه البلدة  . هجم عليه في السجن خمسة أشخاص فلم يكترث بهم  ، وبلكمة واحدة لكل منهم  .  .  .وأطاح بهم  . فيما كان أبواه يتحدثان بسعادة وحب هامس حتى منتصف الليل  ، عن السفر  ، وعن المدينة البعيدة  ، وكيف سيعيشون فيها  ، كان هو دائم التفكير في الدراجة ذات الثلاث عجلات التي جاءت لابن شريفة  ، بحيث لم يعرف كيف غفا هناك في ساعة متأخرة من الليل  ، ومتى وكيف حملته أمه ومدَّدته في مكانه على الأريكة ؟ كان أول ما فعله عندما استيقظ صباحاً  ، أن نظر حوله  ، فشاهد أباه وأمه ملتفين ببعضهما يغفوان في فراش واحد مثل سائر الآباء والأمهات  . لم يهتم بذلك  ، نهض من الأريكة بهدوء تام  ، ومشى على رؤوس أصابعه نحو باب الغرفة  ، ففتحه برويَّة وخرج إلى الحوش  ، دون أن يسحب الباب ويغلقه محدثا جلبة  ، من عادة أم علي حلب البقرة في هذه الساعة ! اجتاز الحوش بهدوء  . نظر إلى الخارج من ثقوب مسامير الباب  .  . كان الوقت مبكراً جداً  ، لذلك لم يكن يوجد أحد في الخارج  .  . لكن باب حوش آل ( شريفة ) كان مفتوحاً  .  . ومن خلال الباب المفتوح ظهر حوش آل ( شريفة )  .  . وفي الحوش بدت الدراجة الحمراء ذات الثلاث عجلات ! ! ! مسحت الدراجة الحمراء كل شيء من ذهنه  .  . ملأت عليه كيانه  ، هل أعطاهم إياها ( أنور ) بك الأعرج ؟ بشكل دائم ؟ لماذا ؟ هل ستُشترى دراجة جديدة لـ( زينيل ) ؟ حتى لو كانت ستشترى له  ، لماذا أُعطيت هذه لهذا القذر ؟ أبوه أيضاً سيشتري له دراجة ألا يصدقون ؟ لا يصدقوا  . أبوه أقوى من الجميع في هذه البلدة  ، يستطيع أن يضرب أي واحد  . طرح خمسة أشخاص أرضاً بلكمة لكل منهم وهرب من السجن يا أولاد ! بعد تردد بسيط فتح الباب وخرج إلى الخارج  . أبوه وأمه لا يستيقظان في هذه الساعة  . هل الدراجة الحمراء دراجة ( زينيل ) يا ترى  ، أم أنهم اشتروها جديدة ؟ كان ص*ره يعلو ويهبط وقلبه يخفق بشدة  . بركضة خفيفة سرعان ما يذهب ويشاهد ويعود  ، لكنها كانت تشبه كثيراً دراجة ( زينيل )  ، وقد لا تكون هي  ، وإذا لم تكن هي  ، فمن أين حصلوا على المال فاشتروها ؟ مشى على رؤوس أصابعه وذهب إلى باب حوش ( شريفة )  .  . توقف  . نظر إلى الدراجة الحمراء ذات الثلاث عجلات عن كثب  .  . إنها دراجة ( زينيل )  ، يا إلهي الرحيم ! ! ألا يعرفها ؟ إطاراتها العريضة  ، زمورها  ، حتى الصدأ على مقودها إنها دراجة ( زينيل )  ، ربما أعطاها ( أنور ) الأعرج لعلي ليغيظ أمه ( سارا )  . إذا أعطاها فليعطها  .  . أبوه سيشتري له أجمل منها  .  . بل وزرقاء  .  . والزرقاء أجمل من الحمراء  .  . وماذا يعني اللون الأحمر ؟ إنه لون الدم  .  . الإنسان ترتبك أحشاؤه من لون الدم  .  . كان كلما شاهد الذبائح في الأعياد  .  . أعياد الأضحى  ، ترتبك أحشاؤه  ، ويشعر بالغثيان  . - " اوووه  .  .  . ( سمير )  . أهلاً وسهلاً ! " نظر وقد عاد إليه وعيه  .  . إنها ( شريفة ) وفي يدها **رولة لبن  ، وقد خرجت من الإسطبل واقتربت منه دون أن يشعر  . سألها على حين غرة : " لمن هذه ؟ " أجابته : " لـ( علي ) ! " عاد يسألها : " من أعطاه إياها ؟ " ردت : " لا أحد  ، اشتراها له أبوه  . " سألها : " متى ؟ " أجابت في صبر : " بالأمس  . " دخل  ، واقترب من الدراجة بحسد وضغط على زمورها  ، ولكن هل يمكنها خداعه ؟ هذه الدراجة دراجة ( زينيل ) ! أردف : " بكم اشتراها ؟ " - " والله لا أعرف  ، هل بمئة وخمسين أم بمئتين ؟ " ارتفع الدم الساخن إلى رأسه  ، فاحمرت وجنتاه : " أنا أيضاً ستكون لي واحدة ! أمي ستشتريها لي ! " لم تفلت المرأة طرف الخيط فسألته : " متى ؟ " - " عندما نذهب إلى المدينة البعيدة  ، عندها سيشتري لي أبي دراجة زرقاء  . " انطلق السهم من القوس  ، سكت الطفل بخوف  ، أما المرأة فتصرفت متغابية وسألته : " متى ستذهبون ؟ " - " ليس غداً  ، بعد غد  ، سينتظرنا أبي  . " - " ؟ ؟ ؟ " - " لا شيء لا شيء أبي لم يثقب السجن ولم يهرب ! " - " إذن فسوف ترحلون بعد غد ؟ " امتطى الدراجة  . استشفت ( شريفة ) أموراً فسألته : " لماذا لا يذهب معكم  ، ولماذا سينتظركم في الطريق ؟ " - " لإن أبي هارب ! " قاد الدراجة وعبر بها الحوش مرة واحدة وعاد أدراجه : " أنا أقود هذه أفضل من الجميع  ، فقط ( زينيل )  ، أقودها أفضل من ( زينيل ) أيضاً  ، لكن  .  .  . حسناً  ، ماذا ستفعلون بدراجة علي ذات الثلاث عجلات القديمة ؟ " - " أخذها أبوه وباعها  ، ووضع مالاً فوق ثمنها واشترى هذه  ، إذن سيشتري لك أبوك واحدة أيضاً عندما ترحلون إلى المدينة البعيدة ؟ " مُسحت الدنيا كلها من ذهنه وهو يمتطي الدراجة الحمراء : " سيشتري لي طبعاً  ، وسيشتريها زرقاء ! " - " الزرقاء أجمل من الحمراء  ، أنا أحب اللون الأزرق  ، وأنت ؟ " انفعل الطفل وقال : " أمي قالت لنأخذها حمراء  ، أما أبي فقال زرقاء  ، طبعاً  ، هل أمي تعرف أفضل أم أبي ؟ ألا يعرف الآباء أفضل من الأمهات ؟ " - " إذن فقد ثقب أبوك جدار السجن وهرب ؟ " عاد إلى صوابه فقفز عن الدراجة بخوف  ، وقال بارتباك شديد : " لا  ، أبي لم يثقب السجن  ، ولم يهرب ويأت  ، ولن ينتظرنا في الدغلة  . لقد خدعتكِ  ، أبي  .  .  . " وبارتباك شديد  ، غادر المكان مسرعاً  . علمت ( شريفة ) أموراً كثيرة من حيث لم تتوقع  ، ألا يعقل أن يكون في ثرثرة الطفل شيء من الحقيقة ؟ وضعت **رولة اللبن على درجة السلم وخرجت إلى باب الحوش وفي رأسها تتصارع الأفكار والخيالات  . وكان باب حوش آل ( سارا ) مفتوحاً على مصراعيه  ، لم تكن ( سارا ) تترك هذا الباب مفتوحاً هكذا مطلقاً  ، بالكثير الكثير كانت تواربه فقط  . مشت على أطراف أصابعها صوب باب حوش ( سارا ) المفتوح  .  . توقفت  .  . وبعد أن راقبت المكان جيداً ولجت إلى الداخل  .  . كان باب الغرفة مغلقاً  .  . اقتربت بقلبها الشديد الخفقان وأصاخت السمع : كانت ( سارا ) توبخ ابنها بعنف  ، وللحظة طرق سمعها صوت رجل أجش  ، هناك أحدهم في الداخل  ، إذن فقد انزلق لسان الطفل  ، حذار من أن يكون المجرم المطارد هو زوج ( سارا ) الذي لم يعد منذ سبع سنوات  . برق الأمل العظيم عيناها فجأة  ، وسال ل**بها  ، واشتد خفقان قلبها  ، إذا كان الأمر كذلك  ، وأخبرت عنه وساعدت في إلقاء القبض عليه  ، فهناك في النهاية مكافأة تقبضها ! سارت في طريق المخفر متناسية كل شيء  . خطر ببال الطفل باب الحوش الذي تركه مفتوحاً  ، لو يخرج ويغلقه  .  .  . ارتجف  . لكن يجب إغلاق الباب  ، قفز فوق الأريكة  ، وأزاح الستارة البيضاء وكمن نظر إلى الخارج فلاحظ أن باب الحوش مفتوح  . صاح : " باب الحوش مفتوح يا ماما ! " هرعت ( سارا ) مرتبكة إلى حيث ابنها  ، ونظرت فرأت وانفعلت وصاحت : " إياك أن تكون أنت قد خرجت إلى الخارج وتركته مفتوحاً ؟ " قال في خوف : " لا  . " سألته في شك : " كيف فُتح إذن ؟ "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD